عبدالله خياط.. شيخ العلماء وأستاذ الأمراء.

أمضى في إمامة المسجد الحرام قرابة الـ 30 عاماً.

عبدالله خياط.. شيخ العلماء وأستاذ الأمراء.



عبدالله بن عمر ، محمد الغروي - جدة
لا يمر علينا شهر رمضان إلا ونتذكر قراء حفروا أسماءهم في قلوب المصلين
وخصوصا الرعيل الأول في مجتمعنا، ومن هؤلاء القراء فضيلة الشيخ عبدالله خياط، وقد أطلق عليه لقب (شيخ العلماء وأستاذ الأمراء) لانه كان معلما للأمراء في فترة من حياته عاشها بالرياض وحرص الملك عبدالعزيز على ان يكون أستاذا لأبنائه وعينه في مدرسة الأمراء عام 1356هـ واستمر في هذا العمل حتى وفاة الملك عبدالعزيز ـ رحمه الله ـ عام 1373هـ. أما شيخ العلماء فذلك تقديرا لتاريخه الطويل في هيئة كبار العلماء..ويحكى في سيرته يرحمه الله أن الملك عبدالعزيز رحمه الله أراد أداء العمرة وكان الشيخ عبدالله خياط معه في الرياض وفي إحدى الليالي طلب الملك عبدالعزيز من الشيخ الخياط أن يقرأ القرآن وانطلق الشيخ يقرأ قول الحق تبارك وتعالى (لقد صدق الله رسوله الرؤيا بالحق لتدخلن المسجد الحرام إن شاء الله آمنين محلقين رؤوسكم ومقصرين لا تخافون) ولم يتمالك الملك عبدالعزيز نفسه وهو يستمع لكلام الملك العلام أن يبكي، ويسمع الشيخ الخياط أزيز المليك وهاطل دمعه فيمسك عن القراءة فيشير إليه الملك عبدالعزيز بالاستمرار. وهنا لملحق (الدين والحياة) جولة في عالم الشيخ الخياط ويومياته:

فقد كان برنامجه اليومي يرحمه الله يبدأ قبل صلاة الفجر بساعتين، حيث كان يصلي ما تيسر له من قيام الليل، ثم يتجه إلى الحرم لأداء صلاة الفجر، وبعد عودته من الصلاة يتأكد من أن جميع من في البيت أدوا الصلاة، ثم يقرأ شيئا من القرآن، وينادي أبناءه لتسميع ما حفظوه من القرآن حتى طلوع الشمس، وبعد الإفطار يجلس لكتابة بعض المقالات، ثم يتجه إلى مكتبه، وهناك يستقبل زواره وأعضاء مكتبه، ويتابع أعماله إلى صلاة الظهر، ثم يعود إلى منزله بعد الصلاة، وينشغل بإنجاز بعض المعاملات الكتابية حتى الثانية ظهرا، ثم يتناول طعام الغداء، ويرتاح بعده إلى صلاة العصر، وبعد عودته من صلاة العصر يجلس في مجلسه العام، الذي يجتمع فيه بعض المشايخ والأدباء والأعيان، إضافة إلى زوار المجلس من طلبة العلم والمستفتين وذوي الحاجات، ويستمر هذا المجلس إلى صلاة المغرب، أما ما بعد صلاتي المغرب والعشاء فهناك مجلس علمي خاص غالبا ما يعقد بمواعيد وتنسيق مسبق، و وفي معظم الأيام تكون فيه قراءة من بعض الكتب، ومناقشة بينه وبين من يحضر من العلماء، وأحيانا تكون فيه لقاءات بينه وبين بعض أصدقائه ومحبيه، وهذا المجلس يعقد في بعض أيام الأسبوع، وقد يكون في المنزل أو خارجه، أما المجلس العام فيعقد في جميع أيام الأسبوع بما فيها الجمعة، وبعد صلاة العشاء مباشرة يتناول طعام العشاء الذي يكون خفيفا جدا، ثم يستسلم للنوم، وكان رحمه الله يعتذر عن أي ارتباط بعد العشاء لعدم رغبته في السهر.
أمثلة من تواضعه
إن المتتبع لحياة الشيخ عبدالله خياط رحمه الله، يتضح له مدى تواضعه وزهده في الدنيا وزخرفها، وسعيه للباقيات الصالحات، ومن ذلك:
-عندما تولى الإمامة بالمسجد الحرام، رفض استلام المكافأة المخصصة لأئمة الحرمين، واستمر يؤدي عمله على أكمل وجه لسنين طويلة، وبعد مرور تلك السنوات، ونتيجة لمحاولات متعددة لإقناعه باستلام المكافأة، وافق على استلامها ثم توزيعها إعانات لبعض الأسر المحتاجة.
-كان الشيخ رحمه الله أول قارئ يسجل القرآن كاملا بصوته للإذاعة السعودية، وقد عرضت عليه الدولة مبلغ سبعين ألف ريال ورفضها قائلا "ليس صحيحا أن أتناول أجرا على قراءة كتاب الله"
-رفض استلام بدل السكن، عندما قررت الدولة تخصيص بدل سكن لأئمة الحرمين الشريفين، وقال: إنني أسكن في منزلي، ولا أدفع إيجارا للسكن.
-لم يكن الشيخ رحمه الله يتقاضى أية مكافأة مقابل كتاباته في الصحف والمجلات، وإذا حدث أن تسلم شيئا من ذلك فإنه يحوله للأعمال الخيرية، لاقتناعه بأن ما يكتبه جزء من واجبه الدعوي.
- وكان الشيخ رحمه الله بسيطا في مسكنه وملبسه ومركبه، ولم يركب قط سيارة فارهة، مما يعتبره البعض من مظاهر الأبهة.
- وكان الشيخ في تعامله مع الناس مثال التهذيب والتواضع، فقد كان ينادي الناس بأحب الأسماء إليهم ويقدرهم، ولا يترفع على أحد، وكان يبذل من وقته وجهده وجاهه في سبيل تحقيق رغبات ذوي الحاجات، وكان يبذل شفاعته لكل طالب حق، ولم يكن الشيخ يرد سائلا قط، وكان يحث أهل بيته على مساعدة الآخرين بكل وسيلة.
- ومن أمثلة تواضعه في التعامل مع المستخدمين من سائق أو خادم أو فراش أنه يقدرهم ولا يدعوهم إلا بـ: يا حاج فلان أو يا أخ فلان, أو ياشيخ فلان، إذا كان كبيرا في السن، أو له ولع بطلب العلم. ومما يذكر في هذا المضمار أنه كان لا يأكل إلا إذا تأكد من أن مستخدميه قد تناولوا طعامهم، وذلك مراعاة لمشاعرهم.

من آراء شيخ القراء
كان رحمه الله يقول إن على الآباء أن يرغبوا أبناءهم في حفظ القرآن الكريم من سن مبكرة لأن ذلك يجعلهم سعداء وناجحين في حياتهم.ويقول: (إنهم إذا أكثروا من حفظ القرآن، فسيكونون متفوقين في دراستهم للعلوم الأخرى).

ويرى ان الطفل قبل سن المدرسة يجب أن يستمتع بأوقاته، ويأخذ نصيبه من اللعب والراحة، وألا يعاقب بدنيا في هذه المرحلة، بل تكون تربيته بالتوجيه والقدوة، فإذا ما تدرج في العمر، واستوجب العقاب في بعض الحالات، فإن العقاب يجب أن يقدر بقدر الضرورة وحسب الحاجة، ولا تهاون يفسده، ولا تشدد يجعله فاسدا أو منحرفا.

تخصيص الوقت للدعوة
كان رحمه الله ينتهز كل الفرص للدعوة إلى الله تعالى، وإرشاد وتوجيه من يلتقي معه، او يجلس إليه، سواء في المنزل أو السيارة او المكتب أو المسجد، ويستغل جميع المناسبات في سبيل ذلك، وكان تركيزه دائما على أمر العقيدة وما يتصل بها. وكان الشيخ رحمه الله يهتم كثيرا باتباع سنة النبي صلى الله عليه وسلم، في جميع أموره، ومن أمثلة ذلك: محافظته على صيام التطوع، وصلاة النافلة. وكان لا يحب أن يقف أحد من جلسائه لمن يدخل إلى مجلسه، إتباعا للسنة.
وكان يهتم كثيرا بتلاميذه ومن تربطه بهم صلة، ويتفقد أحوالهم، ويسعى لمصالحهم، ويراسل من سافر منهم، وكان يحب المراسلة، ويرى أن فيها اتصالا روحيا يحفظ أواصر المودة.

آراء لبعض معاصريه
وصفه عبد الله سعيد الزهراني مصنف كتاب (أئمة المسجد الحرام ومؤذنوه) بأنه كان «علما مضيئا في ميادين العقيدة الإسلامية والسنة المطهرة، وكانت سيرته وخلقه قدوة لغيره، عرف بالتقوى والزهد والصلاح، وكان عالما جليلا وموسوعة إسلامية استفاد منها طلاب العلم والمعرفة. وكانت حياته حافلة بالعطاء الديني والعلمي والفكري وإصلاح ذات البين، ومن علماء السلف الصالح وأعلام الدعوة الإسلامية النقية».
أما يوسف بن محمد بن داخل الصبحي، صاحب كتاب "وسام الكرم في تراجم أئمة وخطباء الحرم" فقد قال: عرفت فضيلة الشيخ عبدالله خياط عن قرب؛ فقد كان - رحمه الله - لينا، متواضعا، سهلا، كريما، زاهدا، وَرِعا، عليه بهاء الصالحين وسيما المصلحين، لا يقصده أحد إلا ساعده، ولا يطلبه شخص إلا ناوله، بهي الوجه، تالي الذكر، شجي الصوت، وحياته وأخلاقه وآثاره تحتاج إلى مجلد ضخم، وهيهات أن يوفَّى حقه.


وفاته
انتقل إلى رحمة الله تعالى في مكة المكرمة صباح يوم الأحد السابع من شهر شعبان عام 1415هـ بعد عمر حافل بجلائل الأعمال، وشيعه خلق كثير من المحبين له والعارفين بفضله يتقدمهم الأمراء والعلماء والوزراء ورجال الفكر والثقافة والتربية والتعليم... رحم الله فضيلته وأسكنه فسيح جناته.




http://www.okaz.com.sa/okaz/osf/2008...0918228044.htm