|
#1
|
|||||||||||
|
|||||||||||
|
ومضات تربوية وسلوكية
تذخر بطون الكتب بالعديد من الأفكار الذهبية والعبارات المحورية الجديرة برصدها وتدوينها للوقوف على كنوز مفكرينا وكُتابنا العظام، وللانتفاع بالفائدة المرجوة منها، ولذلك حرصت خلال جولتي بين دفوف الكتب أن أرصد هذه الثروات الفكرية والتربوية والتحليلية، وأنقلها بنصها كما وردت فيها أو باختصار طفيف في بعض الأحيان، هذا كي يستفيد منها القاسي والداني، سائلا المولى عز وجل أن ينفع بها الكبير والصغير، وأن يكتب لكاتبها وجامعها وقارئها الأجر والمثوبة إنه نعم المولى ونعم النصير. (تقبيل أيدي الملوك) - دخل رجل على هشام بن عبد الملك، فقبل يده، فقال عبد الملك: أف له، إن العرب ما قبلت الأيدي إلا هلوعا، ولا فعلته العجم إلا خضوعا! - استأذن رجل المأمون في تقبيل يده، فقال له: إن قبلة اليد من المسلم ذلة، ومن الذمي خديعة.. ولا حاجة بك أن تذل، ولا بنا أن نخدع. (القليل يفدي الكثير) حدث أبو محمد، عبد الله بن علي المقري، قال: دفن رجل مالا في مكان، وترك عليه ترابا كثيرا.. ثم ترك فوق ذلك حزمة فيها عشرون دينارا، وترك عليها ترابا كثيرا ومضى. فلما احتاج إلى الذهب، كشف عن العشرين فلم يجدها، فكشف عن الباقي فوجده، فحمد الله على سلامة ماله. وإنما فعل ذلك خوفا أن يكون قد رآه أحد.. وكذلك كان، فإنه لما جاء الذي رآه، وجد العشرين فأخذها، ولم يعتقد أن ثم شيئا آخر. (طريق النجاة) ثلاثة إن ضعفت عن فعلها فلا تضعف عن ثلاثة غيرها: ...إن ضعفت عن فعل الخير، فلا تضعف عن أن تمسك عن الشر ...وإن ضعفت عن نفع الناس، فامسك أن تضرهم. ...وإن ضعفت عن الصيام فلا تأكل لحوم الناس، إن شر الناس من لم يكن صالحا، ويقع في الصالحين. (أعظم الناس أجرا) عن أرطاة بن منذر أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال لجلسائه: «أي الناس أعظم أجراً؟» فجعلوا يذكرون له الصوم والصلاة، ويقولون: فلان وفلان بعد أمير المؤمنين. فقال: «ألا أخبركم بأعظم الناس أجراً ممن ذكرتم ومن أمير المؤمنين؟» قالوا: بلى، قال: «رويجل بالشام، آخذ بلجام فرسه، يكلأ من وراء بيضه المسلمين، لا يدري أسبع يفترسه، أو هامة تلدغه، أو عدو يغشاه فذلك أعظم أجراً ممن ذكرتم، ومن أمير المؤمنين». [كنز العمال 289/92] (حديث عن المستقبل) - لا مستقبل بغير جذور ولا عراقة بدون مستقبل .. قول مأثور - إذا أطلقت نيران مسدسك على الماضي، أطلق المستقبل نيران مدافعه عليك .. شاعر من داغستان - ينبغي ألا يكون مستقبلنا هو ماضي غيرنا .. كاتب أفريقي [حديث عن المستقبل، د.محمد العبدة، دار الصفوة، ص 1] (صنع المستقبل) العمل اليسير قد يقوم به عدد قليل من البشر، ولكنهم يصنعون مستقبلا .. القوارب التي غادرت شواطئ اليمن باتجاه الشرق للتجارة لم يكن أهلها يعلمون أنهم يصنعون تاريخا، وسيكون مائتا مليون مسلم في إندونيسيا من آثار تلك الرحلة المباركة [المصدر السابق] (وصية أمير المؤمنين على بن أبي طالب رضي الله عنه) بسم الله الرحمن الرحيم .. هذا ما أوصى به علي بن أبي طالب، أوصى أنه يشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمدا عبده ورسوله، أرسله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون، ثم إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين، لا شريك له وبذلك أمرت وأنا من المسلمين، ثم أوصيك يا حسن وجميع ولدي وأهلي بتقوى الله ربكم ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون، واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا، فإني سمعت أبا القاسم صلى الله عليه وسلم يقول: «إن صلاح ذات البين أفضل من عامة الصلاة والصيام» انظروا إلى ذوي أرحامكم فصلوهم يهون الله عليكم الحساب، الله الله في الأيتام فلا تعنوا أفواههم، ولا يضيعن بحضرتكم، والله الله في جيرانكم، فإنهم وصية نبيكم صلى الله عليه وسلم، ما زال يوصي به حتى ظننا أنه سيورثه، والله الله في القرآن، فلا يسبقنكم إلى العمل به غيركم، والله الله في الصلاة، فإنها عمود دينكم، والله الله في بيت ربكم، فلا تخلوه ما بقيتم، فإنه إن ترك لم يناظر، والله الله في الجهاد في سبيل الله بأموالكم وأنفسكم، والله الله في الزكاة فإنها تطفئ غضب الرب، والله الله في ذمة نبيكم، فلا يظلمن بين أظهركم، والله الله في أصحاب نبيكم، فإن رسول الله أوصى بهم، والله الله في الفقراء والمساكين، فأشركوهم في معايشكم، والله الله فيما ملكت أيمانكم، الصلاة الصلاة، لا تخافن في الله لومة لائم، يكفيكم من أرادكم وبغى عليكم، وقولوا للناس حسنا كما أمركم الله، ولا تتركوا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فيولي الأمر شراركم، ثم تدعون فلا يستجاب لكم، وعليكم بالتواصل والتباذل، وإياكم والتدابر والتقاطع والتفرق، وتعاونوا على البر والتقوى، ولا تعاونوا على الإثم والعدوان، واتقوا الله إن الله شديد العقاب، حفظكم الله من أهل بيت، وحفظ فيكم نبيكم، أستودعكم الله وأقرأ عليكم السلام ورحمة الله. [تاريخ الطبري (تاريخ الرسل والملوك-ج5، ص147/148) ] (ونهى النفس عن الهوى) قال أحمد بن أبي الحواري: مررت براهب فوجدته نحيفا، فقلت له: أنت عليل؟ قال: نعم. قلت: مذ كم؟ قال: مذ عرفت نفسي! قلت: فتداو. قال: قد أعياني الدواء، وقد عزمت على الكي. قلت: وما الكي؟ قال: مخالفة الهوى. وقال وهب: إذا شككت في أمرين، ولم تدر خيرهما فانظر أبعدهما من هواك فأته. وحسبنا في هذا الباب قوله تعالى: {وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى. فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى}[النازعات40-41] قال أهل التفسير: إن أبا جهل طاف بالبيت ذات ليلة ومعه الوليد بن المغيرة. فتحدثا في شأن النبي صلى الله عليه وسلم، فقال أبو جهل: والله إني لأعلم إنه لصادق! فقال له مه! وما دليلك على ذلك؟ قال: يا أبا عبد شمس، كنا نسميه في صباه الصادق الأمين، فلما تم عقله وكمل رشده، نسميه الكذاب الخائن!! والله إني لأعلم إنه لصادق! قال: فما يمنعك أن تصدقه وتؤمن به؟ قال: تتحدث عني بنات قريش أني قد اتبعت يتيم أبي طالب من أجل كسرة. واللات والعزى إن اتبعته أبدا. فكان مقدمة من عبد هواه وسقط في حمأة عذاب جهنم، فكان فرعون هذه الأمة. (ما يحتاجه البليغ) قال سعيد بن جبير رحمه الله: ما رأيت للإنسان لباساً أشرف من العقل، إن انكسر صححه، وإن وقع أقامه، وإن ذل عزه، وإن سقط في هوة جذبه واستنقذه منها، وإن افتقر أغناه، فأول شيء يحتاج إليه البليغ العلم الممتزج بالعقل· (كثر القائلون وقل الواعظون) وعظ رجل الخليفة المأمون العباسي فأصغى إليه منصتاً، فلما فرغ قال: قد سمعت موعظتك، فأسأل الله عز وجل أن ينفعنا بها وبما علمنا، غير أننا أحوج إلى المعاونة بالفعال منا إلى المعاونة بالمقال فقد كثر القائلون وقلَّ الفاعلون. (المروءة) سُئل حكيم: ما المروءة فيكم؟ قال: أربع خصال: أن يعتزل المرء الريبة كلها فإنه إذا كان مريباً كان ذليلاً، وأن يصلح ماله، فإنه من أفسد ماله لم تكن له مروءة، وأن يقوم لأهله بما يحتاجون إليه حتى يستغنوا به عن غيره، فإنه من احتاج أهله إلى الناس ذهب جاهه. وأن ينظر ما يوافقه من الطعام والشراب فيلزمه. (أهمية المثل الواقعية في التربية) لا يتم كسر القيود إلا برؤية نماذج من البشر تقدم للناس أمثلة رائعة. يرهب الإنسان القوة ويحترم البطولة وتأخذ المعاني الرائعة بجماع قلبه وتسري إلى فؤاده فتوقظ مشاعره وتنفتح أمامه معاني الحق، ويسهل عليه اتباعه، وأعلى درجات القوة قوة الحق والدعوة إليه والصبر في سبيله. ولولا رسول الله صلى الله عليه وسلم لما كان أصحاب رسول الله القريبين منه، ولولا هؤلاء لما كان من بعدهم من الناس، ولولا الفتح لما دخل الناس في دين الله أفواجا، وليس شيئا من هذا ماديا، ولكن القوة المادية تخضع في النهاية لقوة الحق. لقد تم الإصلاح الذي تم ببعثة محمد عليه الصلاة والسلام، وغير صفحة التاريخ. لقد تم بمحمد عليه الصلاة والسلام وأصحاب محمد، وكانوا العنصر العملي التنفيذي، وكان العنصر الأول الوحي الذي كان يتلقاه محمد عليه الصلاة والسلام من خالق الأرض والسماء ويبلغه أصحابه. كان الوحي داعيا إلى كسر أغلال الجاهلية، وكان الوسيلة القوية إلى ذلك محمد وأصحابه نماذج الحق والقوة التي حطمت الأغلال وأهابت بالناس أن يخرجوا أنفسهم من القيود الجائرة. وليس لنا من سبيل إلا هذه السبيل، طليعة تتأسى خطوات محمد عليه الصلاة والسلام وأصحابه شبرا بشبر وذراعا بذراع في كل ظاهرة وخفية وفي كل دقيقة وجليلة، في العبادة والتفكير والحرب والتدبير والسياسة والدعوة والجرأة والحكمة {وَأَنَّ هَـذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُواْ السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ}[الأنعام:153] ولا يصلح آخر هذه الأمة إلا بما صلح عليه أولها كما قال الإمام مالك رحمه الله تعالى.[المسئولية، د. محمد أمين المصري، دار الأرقم- برمنجهام- بريطانيا،36-37] (الجمود) أشار سلمان الفارس رضي الله عنه بحفر الخندق، وكان هذا نتيجة استشارة الرسول صلى الله عليه وسلم للمسلمين في مثل هذه الأمور من السياسات العامة والسلم والحرب، والاستشارة هي التي تستخرج أفضل الآراء، وتشحذ القرائح، وتشجع على التفكير السليم، ويأنس الجنود بقائدهم، إن استجابة الرسول صلى الله عليه وسلم لرأي سلمان، وحفر الخندق على غير ما عهد العرب، يعد تجديدا في الوسائل العسكرية، وتجديدا في كل شيء من أمور الدنيا التي لا تتعارض مع مقاصد الشريعة، وتجديدا في الأساليب الإدارية، ولم يقل رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الأمور لا نعرفها ولا ندري عنها أو لا تعرفها العرب. إن الجمود على فكرة معينة ووسيلة واحدة، لا أقول يضعف العمل بل هو قاتل للعمل، وجدير بالمسلم أن يملك هذه العقلية التي تستجيب للمستجدات وما يطرأ على الساحة، وتكون عنده المرونة لأن يأخذ بأحسن ما يتقدم به أهل العقول الراجحة. [وقفات تربوية في فقه السيرة، د. محمد العبدة، دار الصفوة، القاهرة ص 148] (السرية والعلنية في الدعوة) إن الدعوة في بداية أمرها كالنبتة التي تحتاج لحماية ودفء حتى تنمو وتكبر ويشتد عودها {كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ } [الفتح:29] ويتمنى أعداء الإسلام استئصال هذه النبتة قبل أن تقوى وتستعصي على الكسر أو الاقتلاع، فمن الحرص على حماية الدعوة أنها تلجأ في الظروف الصعبة إلى السرية حتى يجتمع لها العدد، ويطمئن صاحب الدعوة إلى قوتها وأنها تجاوزت مرحلة الخطر، فإن القلة مدعاة للخوف على الدعوة حتى لو كانت في مرحلة العلنية وهذا ما جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم خائفا على أهل بدر لقلتهم ولأنهم قاعدة الإسلام الأولى ومن الواجب على المسلمين في كل وقت تفويت هذه الفرصة على أعداء الله، وتبقى هناك أمور سرية تعلمها القيادة. وقد أسلم أبو ذر الغفاري رضي الله عنه في الفترة العلنية حسب قول ابن حجر، ولكن طريقة رؤيته للرسول صلى الله عليه وسلم كانت سرية، وقد قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم «اكتم هذا الأمر وارجع إلى بلدك، فإذا بلغك ظهورنا فأقبل» [البخاري3261] وكانت الهجرة إلى الحبشة سرا، وكانت بيعتا العقبة الأولى والثانية سرا، وقد كتم الحجاج بن علاء السلمي إيمانه بعد فتح خيبر حتى دخل مكة وجمع أمواله. وحتى بعد قيام الدولة الإسلامية في المدينة بقيت جوانب سرية لا يطلع عليها إلا خواص المسلمين الذين حول الرسول صلى الله عليه وسلم، ولابد من السرية في قتال العدو وأمور الأمن والخوف، ولم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم يريد غزوة إلا وري بغيرها، وهكذا كانت سرية عبد الله بن جحش، وما فعله نعيم بن مسعود في الخندق، كل هذا يدل على بقاء السرية ولكن في نطاق محدود، وعن زيد بن ثابت قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنه تأتيني كتب من أناس لا أحب أن يقرأها كل أحد، فهل تستطيع أن تتعلم كتاب العبرانية أو السريانية؟» قلت: نعم [الطبقات لابن سعد] وقد جاء في القرآن في قصة مؤمن آل فرعون وأنه كان يكتم إيمانه، وقول أصحاب الكهف {وَلَا يُشْعِرَنَّ بِكُمْ أَحَداً } [الكهف:19] وفي تفسير قوله تعالى: {إِلاَّ أَن تَتَّقُواْ مِنْهُمْ تُقَاةً } [آل عمران:28] أي من خاف في بعض البلدان والأوقات، فله أن يتقيهم بظاهره لا بباطنه، والتقية لا تحمل إلا مع خوف القتل أو القطع أو الإيذاء العظيم. يقول ابن تيمية: فمن كان من المؤمنين بأرض هو فيها مستضعف فليعمل بآية الصبر والصفح، والعفو عمن يؤذي الله ورسوله من الذين أوتوا الكتاب والمشركين، وأما أهل القوة فإنما يعملون بآية قتال أئمة الكفر [الصارم المسلول 221] العلنية هي الأصل لم يعد رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى السرية في الدعوة بعد أن جهر بها إلا في أمور معينة، وأسباب مهمة، لأن استمرار السرية في الدعوة يعيق انتشارها، ولا يؤوب إلى الإسلام إلا النفر القليل، والإسلام ليس حزبا سياسيا له أهداف دنيوية، بل هو دعوة عامة للناس لإنقاذهم من النار فلابد أن تنتشر الدعوة، ويقال للناس هذا هو الدين الذي جاء ليحرر الإنسان من عبادة غير الله، وكلما قويت شوكة الدعوة اختفت السرية لتكون في أضيق نطاق. [وقفات تربوية في فقه السيرة، د. محمد العبدة، دار الصفوة، القاهرة ص 33-35] (الثقافة) هناك عامل آخر غير عامل البيئة له أثر كبير في تكوين الأديب، وقد يغلب في كثير من الأحيان على عامل البيئة وقد يقضي عليه ويمحو آثاره، ذلك هو عامل الثقافة، وفي كل إنسان –كما يقول جوستاف لوبون- شخصان مختلفان يتصارعان على الاستئثار بنفسه، والغلبة عليها، أولهما هذا الذي كونته البيئة، وثانيهما هذا الذي كونته الثقافة. وليس في هذا القول شيء من الغلو، بل هو الحقيقة بعينها نراها في حياتنا اليومية في الكثير من الشباب الناشئين في بيئة عربية إسلامية، إذ تخالط قلبهم الثقافة الغربية المشوهة، فلا تلبث حتى تجعل منهم شبانا ملحدين، يعادون العربية ويؤذون الإسلام. [فكر ومباحث، على الطنطاوي، دار المنارة ص 59-60] (تحرير الإنسان من الأغلال) جاء الدين الإسلامي من أجل تحرير الإنسان من رق العبودية للطاغوت البشري أو الحجري وغيره، وإطلاقه إلى أفق مجتمع العدل والمساواة، الذي يتساوى فيه الغني والفقير في الحقوق الواجبات، وتكون فيه التكاليف على حسب القدرة والاستطاعة، تحفظ للإنسان الكرامة والأمن على نفسه وماله وعرضه ودينه، ويرفض الإسلام من أين كان المساس بها إلا بالحق، وما قول عمر بن الخطاب رضي اللّه عنه الخليفة الراشدي الثاني: «متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحراراً» إلا انعكاساً لتعاليم الإسلام بضرورة صون حرية الإنسان، وواجب الدولة والمجتمع المحافظة عليها وحمايتها. جاءت رسالة الإسلام لتحطم الأغلال التي قيَّدت بها الكثير من المجتمعات، ومنها أغلال الرذيلة والفساد والعدوان وجميع الخبائث التي تعيش فساداً في الأرض، وليدعوا إلى مجتمع إنساني يتحلى بالقيم الإنسانية الرفيعة العالية، وقد أوضحت الآية الكريمة التالية معنى تلك الحرية، قال تعالى: {الذين يتبعون الرسول النبي الأمي الذي يجدونه مكتوباً عندهم في التوراة والإنجيل يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر ويحل لهم الطيبات ويحرِّم عليهم الخبائث ويضع عنهم إصرهم والأغلال التي كانت عليهم فالذين آمنوا به وعزروه ونصروه واتبعوا النور الذي أنزل معه أولئك هم المفلحون} [الأعراف:157] وتوجهت رسالة الإسلام من الجزيرة العربية إلى بقاع العالم شرقاً غرباً، تحمل أهم مضمون لها، وأولى أهدافها الدعوة إلى التوحيد في عبادة اللّه عز جل، ورفض عبادة البشر والأصنام وغيرها، التي تتنافى مع العقل البشري، والهدف لثاني هو تحرير الإنسان من العبودية، التي فرضها الطغاة من حكامه عليه، تلك رسالة الإسلام في شقيها «التوحيدي والتحريري»، التي كانت مهمة الفتح تبليغها للناس كافة. ومن الشواهد التاريخية على ذلك، ما قاله (زُهرة بن عبد اللّه بن قتادة بن الحويّة) للقائد الفارسي الشهير رستم، وهو ينقل إليه رسالة الإسلام وغاية الفتح، فحين سأله (رستم) عن هذا الإسلام الذي يقاتل العرب من أجله فقال: هو دين الحقّ لا يرغب عنه أحد إلا ذُلّ، ولا يعتصم به أحد إلا عُزَّ. فقال رستم: ما هو؟ قال: أما عموده الذي لا يصلح إلا به فشهادة أن لا إله إلا اللّه وأن محمد رسول اللّه، قال: وأي شيء أيضاً، قال زُهرة: وإخراج العباد من عبادة العباد إلى عبادة الله، والناس بنو آدم وحواء وأخوة لأب وأم، قال رستم: ما أحسن هذا. ولزيادة المعرفة برسالة الإسلام طلب رستم من قائد الجيش الإسلامي سعد بن أبي وقاص مبعوثاً من قبله، فأرسل إليه (ربعي بن عامر) وكان جندياً بسيطاً فحين سأله رستم: ما جاء بكم؟ قال ربعي: اللّه جاء بنا، وهو بعثنا، لنُخرج من يشاء من عباده من ضيق الدنيا إلى سعتها، ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام، فأرسلنا بدينه إلى خلقه، فمن قبله، قبلنا منه، ورجعنا عنه، وتركنا أرضه دوننا، ومن أبى قاتلناه حتى نُفضي إلى الجنة أو الظفر. في حين كان الإسلام يعمل فكراً وتطبيقاً على تحرير الإنسان، كانت أوروبا في حينه يزداد مواطنوها عبودية وذلاً، وقادتها جبروتًا وطغياناً، فيذكر أحد مؤرخي الغزوات القبلية الجرمانية الغربية عن التربية القائمة على البغي والطغيان والتدمير لملوك أوروبا آنذاك: نصيحة أم أحد ملوك البرابرة لولدها: إذا رُمت عملاً يرفع ذكرك، فعليك بهدم كل ما شاده غيرك، والفتك بكل من ظفرت به، فإنك لن تشيد خيراً مما شاد سابقوك، وليس في مقدورك إنجاز أنبل ليذيع صيتك. فقد كانت بعض القبائل البربرية تربي أبناءها على سلوكيات قاسية لتتحول إلى وحوش كاسرة ضد الإنسان الروماني والأوروبي، ومن ثم تعيش حياتها اليومية بما هو أدنى من حياة حيوانات الغابة، فيتحدث المؤرخ (أميان مارسيلين) عن أسلوب حياة إحدى القبائل الأوروبية وتدعى «الهان» في القرن السابع الميلادي ما يلي: إن عنفهم لا يعرف حدوداً، فكانوا يكوون وجنات أطفالهم حتى لا تنمو لحاهم لأن هذه المخلوقات القصيرة القوية الممتلئة الأجسام الغلاظ الأعناق، لا يطهون الطعام، ولكنهم يلتهمون الجذور البرية، واللحم النيئ لأول حيوان يصادفهم، وليس لهم مأوى ولا مدافن، وليس عندهم سوى ملابس من جلد الفئران يرتدونها إلى أن تتهلهل، ويقال: إنهم مقيدون بجيادهم، لا يترجلون ليأكلوا أو يشربوا بل غالبا يظلون ممتطين الجياد حتى في نومهم وأحلامهم. أما عن حياة المجتمع الروماني فقد كان هناك سحق للإنسان من الطبقات الفقيرة، ما أدى إلى أن تفضل تلك الطبقات العيش في ظلال القبائل المتوحشة والبربرية على الحياة المسحوقة والمذلة في الدولة الرومانية، ويشهد على ذلك راهب عاش في (مارسيليا) العام 440 م يسمى (سالفين) قال إن الشعب الساكسوني شعب لا يعرف الرحمة، وأن الفرنجة غير جديرين بالثقة، ويتحدث عن الطبقة الفقيرة في الدولة الرومانية التي تعاني من سلطاتها الجور لتفضل عليها البرابرة، فيقول: إن الفقراء الرومان المنبوذين، والأيامي المنكوبات، واليتامى الذين تدوسهم الأقدام، وحتى الكثيرين من الرومان المتعلمين وأولاد الناس لاذوا بأعدائهم، لقد كانوا يبحثون عن الإنسانية الرومانية بين البرابرة، حتى لا يهلكوا من القسوة البربرية بين الرومان، لقد كانوا مختلفين عن البرابرة في عاداتهم ولغتهم ورائحة ملابسهم، إلا أنهم فضلوا هذه الاختلافات على تحمل الجور والقسوة، لقد انطلقوا ليعيشوا بين الهمج في جميع الأنحاء، ولم يندموا على فعلتهم قط، وفضلوا أن يعيشوا أحراراً تحت مظهر العبودية على أن يعيشوا عبيداً تحت قناع الحرية، ذلك لأن المواطنة الرومانية التي كانت تلقى تقديراً، وتُشترى بثمن باهظ لم تعد جديرة بالتقدير، بل أصبحت موضع الاحتقار، ومن لم يهرب اضطر أن يصبح همجياً بمقتضى القانون الروماني، أو بسبب الفوضى الناجمة عن خروج الرومان على القانون، إننا نسميهم عصاة ضالين، ولكننا نحن الذين أجبرناهم على أن يصبحوا مجرمين. فالإسلام الذي حمل نور الحرية للإنسانية في زمن الظلام الدامس التي كانت تعيشه شعوب الأرض آنذاك، لا يزال حاضراً ومستقلاً في نهجه منذ أربعة عشر قرناً يحمل في طياته انعتاق البشرية من قيود وأغلال ظلام العبودية في أشكالها المختلفة المادية والمعنوية، ويرسل إليها كل إشارات الضوء لإنارة طريقها نحو المساواة والعدل والإخاء، على الرغم من كل محاولات أعداء الإنسانية تشويه صورته وأهدافه للرأي العام العالمي، حيث الزيف سيسقط، وستنجلي الحقيقية ساطعة كالشمس. [الحرية هدف الإسلام، زبير سلطان، مجلة الوعي الإسلامي، العدد 483] جمع وترتيب د/ خالد سعد النجار
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « إذا دعا الرَّجلُ لأخيهِ بظَهرِ الغيبِ قالَتِ الملائِكةُ آمينَ ولَك بمِثلٍ» الراوي: عويمر بن مالك أبو الدرداء المحدث:الألباني - المصدر: صحيح أبي داود - خلاصة حكم المحدث: صحيح فلاتحرمونا دعائكم |
21 Apr 2016, 02:18 AM
|
#2 |
|
وسام الشرف - مشرفة قروب - أخوات البحث العلمي - جزاها الله تعالى خيرا
** أم عمـــر **
![]() ![]() ![]() ![]() ![]() ![]() ![]()
|
رد: ومضات تربوية وسلوكية
جزاك الله خير ..
|
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى: 🌱 اجعل نفسك دائماً في تفاؤل والذي يريده الله سيكون وكن مسروراً فرحاً واسع الصدر ،، فالدنيا أمامك واسعة والطريق مفتوح ✨ فهذا هو الخير ،،، 📚 شرح رياض الصالحين - ج4 ص87 🦋🍃
|
26 Apr 2016, 03:02 PM
|
#3 |
|
باحث جزاه الله تعالى خيرا
![]() ![]() ![]() ![]() ![]() ![]() ![]() ![]() ![]() ![]() ![]() ![]()
|
رد: ومضات تربوية وسلوكية
وأياكي اختي الفاضلة
شاكر مرورك الكريم |
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « إذا دعا الرَّجلُ لأخيهِ بظَهرِ الغيبِ قالَتِ الملائِكةُ آمينَ ولَك بمِثلٍ» الراوي: عويمر بن مالك أبو الدرداء المحدث:الألباني - المصدر: صحيح أبي داود - خلاصة حكم المحدث: صحيح فلاتحرمونا دعائكم
|
![]() |
| مواقع النشر (المفضلة) |
|
|
![]()