اعلانات
اعلانات     اعلانات
 


﴿ بِسۡمِ ٱللَّهِ ٱلرَّحۡمَـٰنِ ٱلرَّحِيمِ ﴾ الٓمٓ ﴿١﴾ ذَٰلِكَ ٱلۡكِتَٰبُ لَا رَيۡبَۛ فِيهِۛ هُدٗى لِّلۡمُتَّقِينَ ﴿٢﴾ ٱلَّذِينَ يُؤۡمِنُونَ بِٱلۡغَيۡبِ وَيُقِيمُونَ ٱلصَّلَوٰةَ وَمِمَّا رَزَقۡنَٰهُمۡ يُنفِقُونَ ﴿٣﴾ وَٱلَّذِينَ يُؤۡمِنُونَ بِمَآ أُنزِلَ إِلَيۡكَ وَمَآ أُنزِلَ مِن قَبۡلِكَ وَبِٱلۡأٓخِرَةِ هُمۡ يُوقِنُونَ ﴿٤﴾ أُوْلَٰٓئِكَ عَلَىٰ هُدٗى مِّن رَّبِّهِمۡۖ وَأُوْلَٰٓئِكَ هُمُ ٱلۡمُفۡلِحُونَ ﴿٥﴾ البقرة .

روى الإمام مسلم عن أبي أمامة الباهلي قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( اقرَؤوا القُرآنَ؛ فإنَّه يَأتي شَفيعًا يومَ القيامةِ لصاحبِه، اقرَؤوا الزَّهراوَينِ: البَقرةَ وآلَ عِمرانَ؛ فإنَّهما يَأتِيانِ يومَ القيامةِ كأنَّهما غَيايتانِ، أو كأنَّهما غَمامتانِ، أو كأنَّهما فِرقانِ مِن طَيرٍ صَوافَّ يُحاجَّانِ عن أصحابِهما، اقرَؤوا سورةَ البَقرةِ؛ فإنَّ أخذَها بَركةٌ، وتَركَها حَسرةٌ، ولا تَستطيعُها البَطَلةُ ) .


           :: الكعبة (آخر رد :عائد لله)       :: الحجامة فضلها وفوائدها . (آخر رد :المكي)       :: افضل ايام الحجامة . (آخر رد :المكي)       :: سورة يس (آخر رد :طالبة علم شرعي)       :: "وأشرقت الأرض بنور ربها" تلاوة رائعة بصوت الطفلة بشرى . (آخر رد :ابن الورد)       :: حلم الدموع (آخر رد :hoor)       :: كحل الإثمد ، تعريفه ، ومصدره ، وفوائده ، وضوابط استعماله للنساء والرجال (آخر رد :المكي)       :: الحشد المليوني على الحدود وساعة الصفر تقترب من جزيرة العرب (آخر رد :ابن الورد)       :: طالبان والرايات السود / ظهور المهدي في جيش المشرق / خراسان (آخر رد :ابن الورد)       :: السرطان ليس مرض . (آخر رد :المكي)      

 تغيير اللغة     Change language
Google
الزوار من 2005:
Free Website Hit Counter

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
#1  
قديم 16 Feb 2014, 06:01 PM
رضوان
اللهم لك الحمد ولك الشكر
موقوف
رضوان غير متصل
Saudi Arabia     Male
لوني المفضل Blue
 رقم باحث : 4218
 تاريخ التسجيل : May 2011
 فترة الأقامة : 5276 يوم
 أخر زيارة : 14 Feb 2015 (01:13 AM)
 المشاركات : 1,979 [ + ]
 التقييم : 13
 معدل التقييم : رضوان is on a distinguished road
بيانات اضافيه [ + ]
العقل عند الإمام ابن تيمية.. الإدراك الحسي والعقلي



خلق الله -تعالى- الإنسان في أحسنِ تقويم، وزَوَّده بأعضاء يُدرِك بها نفسه أولاً، ثم العالَم المحيط به، وما يطرأ عليه من متغيرات وحوادث.

وهذه الأعضاء هي: الأذن، والعين، والأنف، واللسان، والجلد، وهي آلات الحواس الخمسة في الإنسان: السمع، والبصر، والشم، والذوق، واللمس، هذه الحواس التي نُدرِك بها العالَم الخارجي تسمَّى الحواس الظاهرة.

ولكن هناك حواس نُدرِك بها ما يحدُثُ في داخلنا من متغيرات؛ مثل الجوع، والعطش، والشبع، والرِّي، والألم، والفرح، والحزن، وهذه الحواس تسمى الحواس الباطنة.

الإدراك الحسي يشمل الحواس الظاهرة والحواس الباطنة، وهو لا يخص الإنسان وحده، بل يشترك الحيوان معه فيه، ولكن الله - عز وجل - ميَّز الإنسان بإدراكٍ آخر فَضَّله به على باقي الكائنات الحية، يعرِفُ به المعاني الكلية، مثل الحق والباطل، والخير والشر، والفضيلة والرذيلة، هذا الإدراك هو الإدراك العقلي.

فبالإدراك الحسي وبالإدراك العقلي يتعرَّف الإنسان على نفسه أولاً، ثم على العالم الذي يحيط به، لكي يستطيع أن يعيش على أنه إنسان مكلَّف في هذه الحياة.

وبالحواس والعقل يُدرِك الإنسان ويتعلَّم ويزداد علمًا ومعرفة، إلا أنه قد يصيب ويخطئ، ويسير ويتعثَّر، ولا يستطيع التوصُّل إلى المعرفة اليقينية في الأمور البعيدة جدًّا عن حدود حواسِّه أو عقله؛ مثل أمور الغيب، وهنا يشعر الإنسان بحاجة إلى مَن يُرشِده ويَهْديه إلى الوصول للمعرفة الحقة، فجاءت رحمةُ الله للبشر بإرسال الرسل لهدايتهم إلى طريق الحق والخير والصلاح، قال -تعالى-: ﴿ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ ﴾ [الأنبياء: 107].

وقد تعرَّض ابن تيمية - رحمه الله - للإدراك الحسي والإدراك العقلي، وناقشهما بشكل متميز أصيل عمَّا سبقه من المفكرين والفلاسفة، فبدأ بدراسة الحواس التي هي وسيلة الإدراك الحسي، ثم انتقل إلى الإدراك العقلي.

وهذا ما نلمسُه في كتبه القيمة؛ مثل: "درء تعارض العقل والنقل"، و"الفتاوى"، و"الرد على المنطقيين".

الإدراك الحسي:
1 - الحواس الظاهرة:
يبيِّن ابنُ تيمية الحواسَّ ووظيفة كلِّ حاسة، وما تتميَّز به كل حاسَّة عن الأخرى بما تقوم به من إدراك حسي خاص بها، فيقول: "أما الشم، والذوق، واللمس، فحسٌّ محض لا يحصل إلا بمباشرة الحيوان لذلك، فالثلاثة كالجنس الواحد، فالجلود إن خُصَّت باللمس لم يدخل فيها الشم والذوق، وإن قيل بل يدخُلُ فيها عمَّت الجميع، وإنما ميِّزت عن اللمس لاختصاصِها ببعض الأعضاء، وبنوع من المدركات وهو الطعوم والروائح، فإن سائر البدن لا يميِّز بين طعم وطعم، وريح وريح، ولكنه يميِّز بين الحار والبارد، واللين والصلب، والناعم والخشن، ويميز بين ما يلتذُّ به وبين ما يتألم به"[1].

والذي أشار إليه ابن تيمية - رحمه الله - في آخر قوله - المذكور آنفًا - هو خاصية الحواس الجلدية، التي بيَّنتِ الدراساتُ التشريحية الحديثة ماهيتَها وتنوُّعها وتخصصاتها، فقالت بوجود خلايا حسية كثيرة مختلفة الشكل في بشرة الإنسان، وهي متخصصة لاستقبال أنواع معيَّنة من الإحساسات، فبعضها يحسُّ بالحرارة، وبعضها يحسُّ بالبرودة، وبعضها يحس باللمس والضغط، وبعضها يحس بالألم، وقد أشار القرآن إلى وجود أعضاء الحس الخاصة بالإحساس بالألم في بشرة الإنسان، وذلك في قوله -تعالى-: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِنَا سَوْفَ نُصْلِيهِمْ نَارًا كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا لِيَذُوقُوا الْعَذَابَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَزِيزًا حَكِيمًا ﴾ [النساء: 56]، فالآية الكريمة تُشِير إلى وجود الخلايا الحسية المتخصصة في الإحساس بالألم في الجلد، كما بيَّنتِ الدراسات التشريحية الحديثة، فإذا احترق الجلد وزالت هذه الخلايا انتفى الإحساس بالألم، ولذلك يبدِّلُ الله -تعالى- جلودَ الكافرين بجلود جديدة أخرى وبخلايا حسية جديدة؛ كي يستمر إحساسهم بالألم.

وأشار القرآن أيضًا إلى حاسة اللمس كأداة يستعين بها الإنسان لتحسُّس الأشياء للتعرف عليها: ﴿ وَلَوْ نَزَّلْنَا عَلَيْكَ كِتَابًا فِي قِرْطَاسٍ فَلَمَسُوهُ بِأَيْدِيهِمْ لَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ ﴾ [الأنعام: 7]"[2].

ويفاضل ابن تيمية بين الحواسِّ من حيث تحصيل العلم، فيفضِّل بعض الحواس على الأخرى؛ مثل السمع والبصر، فهو يفضِّلها على الشم والذوق واللمس في نَيْل العلم والمعرفة، بعد أن يضيف إليهما القلبَ الذي هو آلة الإدراك العقلي عند الإنسان، مبيِّنًا أيضًا الحقيقة القرآنية من أن الإنسان يُولَد لا يعلم شيئًا ثم تبدأ حواسه في أداء وظائفها، ويبدأ يُدرِك الطفل ما حوله من إنسان وحيوان ونبات، يقول ابن تيمية بعد أن ذكر قيمة السمع والبصر والقلب[3]:
"ثم هذه الأعضاء الثلاثة هي أمهات ما يُنَال به العلم ويدرك، أعني العلم الذي يمتاز به البشر عن سائر الحيوانات دون ما يشاركها فيه من الشم والذوق واللمس، وهنا يُدرِك به ما يحب ويكره، وما يميز به بين مَن يحسن إليه ومَن يسيء إليه؛ قال -تعالى-: ﴿ وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لَا تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ﴾ [النحل: 78]، وقال -تعالى-: ﴿ وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ قَلِيلًا مَا تَشْكُرُونَ ﴾ [المؤمنون: 78]، وقال -تعالى- مبيِّنًا وظيفة كلِّ عضو من هذه الأعضاء: ﴿ وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لَا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لَا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لَا يَسْمَعُونَ بِهَا ﴾ [الأعراف: 179][4].

ويبيِّن ابنُ تيميةَ وظيفةَ كلِّ حاسة من حاسَّتَي السمع والبصر، وقيمة كل حاسة في تحصيل المعرفة، ودرجة كل حاسة بالنسبة للعقل، مبينًا أن حاستي السمع والبصر واسطتانِ فقط لنقل المحسوسات من صور وأمور مادية وكلام؛ أي إن وظيفتها هي الإدراك الحسي فقط.

أما القلب (أو العقل)، فهو الذي يقوم بعملية الإدراك العقلي والمعرفة عامة عن طريقهما، ولا يُستغنَى عنهما في هذا المجال.

ولا يفهم من القول بالإدراك الحسي والإدراك العقلي بأن قوى الإدراك مُجَزَّأة ومنفصلة بعضها عن بعض، بل إن عملية الإدراك واحدة ومتكاملة، تبدأ بالإدراك الحسي وتنتهي بالإدراك العقلي؛ لذلك فإن ابن تيمية يؤكِّد على هذا المعنى بتشبيهِ وظيفة الحواس بوظيفة الحَجَبة الذين يقومون بتوصيل الأخبار من الحواس إلى القلب، والقلب في النهاية هو الذي يقوم بعملية الإدراك العقلي وفهم الأمور الكلية والمعقولات غير الحسية، وهذا الفهم لعملية الإدراك هو ما أكده علماء النفس قديمًا وحديثًا.

يقول ابن تيمية: "إن العين تقصر عن القلب والأذن وتفارقهما في شيء، وهو أنها إنما يرى صاحبُها بها الأشياء الحاضرة والأمور الجسمانية مثل الصور والأشخاص.

فأما القلب والأذن، فيعلمُ الإنسان بهما ما غاب عنه، ولا مجالَ للبصر فيه من الأشياء الروحانية والمعلومات المعنوية، ثم بعد ذلك يفترقانِ؛ فالقلب يعقل الأشياءَ بنفسه إذا كان العلم غذاءَه وخاصيته، أما الأذن، فإنها تحملُ القول والكلام، فإذا وصل ذلك إلى القلب أخذ ما فيه من العلم، فصاحبُ العلم في حقيقة الأمر هو القلب، وإنما سائر الأعضاء حَجَبةٌ له توصل إليه من الأخبار ما لم يكن ليأخذه بنفسه"[5].

وابن تيمية - رحمه الله - يركِّز على حاستي السمع والبصر ويبين أهميتها للإدراك الحسي ثم العقلي بعد ذلك؛ لأن القرآن الكريم اكتفى بذكر هاتين الأداتين للإحساس، وتفضيل ابن تيمية السمع على البصر؛ لأن الله -تعالى- يذكر السمع قبل الإبصار في كثير من الآيات؛ وذلك لعدة اعتبارت:
الأول: أن السمع أهم من البصر في عملية الإدراك الحسي والتعلم، وتحصيل العلوم، فمن الممكن للإنسان إذا فقد بصره أن يتعلَّم اللغة ويحصل العلوم، ولكنه إذا فقد سمعه تعذَّر عليه تعلم اللغة وتحصيل العلوم، ومما يدلُّ على أهمية السمع في الإدراك وفي تعلم اللغة - وهي من أهم أدوات التفكير وتحصيل العلوم - أن القرآن ذكره وحدَه مع العقل للدلالة على العَلاقة الوثيقة بينه وبين العقل، قال -تعالى-: ﴿ وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ ﴾ [الملك: 10]، وفي كثيرٍ من آيات القرآن يذكر السمع بمعنى الفهم والتدبر والتعقل، مؤكدًا هذه العَلاقة الوثيقة بين السمع والعقل، قال -تعالى-:
• ﴿ رَبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي لِلْإِيمَانِ أَنْ آمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا ﴾ [آل عمران: 193].

• ﴿ إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ﴾ [النور: 51].

• ﴿ وَأَنَّا لَمَّا سَمِعْنَا الْهُدَى آمَنَّا بِهِ ﴾ [الجن: 13].

• ﴿ وَإِذَا سَمِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرَى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُوا مِنَ الْحَقِّ يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ ﴾ [المائدة: 83].

• ﴿ وَنَطْبَعُ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لَا يَسْمَعُونَ ﴾ [الأعراف: 100].

الثاني: أن حاسة السمع تعمَلُ عقب الولادة مباشرة؛ حيث يستطيع الوليد أن يسمع الأصوات عقب ولادته مباشرة، بينما يحتاج الوليد إلى فترة من الزمن لكي يستطيع أن يرى الأشياء بوضوح، كما بيَّنت الأبحاث التشريحية الحديثة.

الثالث: أن حاسة السمع تؤدِّي وظيفتَها باستمرار دون توقُّف، بينما حاسة البصر قد تتوقَّف عن أداء وظيفتها إذا أغمض الإنسان عينَيْه، أو إذا نام، ويستطيع الصوت الشديد أن يُوقِظ الإنسان من نومه؛ ولذلك فقد ذكر الله -تعالى- في قصة أهل الكهف أنه ضرب على آذانهم حتى يستغرقوا في النوم، فلا يُوقِظهم صوت، قال -تعالى-: ﴿ فَضَرَبْنَا عَلَى آذَانِهِمْ فِي الْكَهْفِ سِنِينَ عَدَدًا ﴾[الكهف: 11].

الرابع: أن حاسة السمع تسمع في كل الأوقات، سواء في الضوء أو في الظلام، بينما حاسة البصر لا ترى إلا في الضوء[6].

والإحساس بالحواس الظاهرة نوعان:
أ - الإحساس المباشر، أو بلا واسطة كما يسمِّيه ابن تيمية؛ كإحساسك بالشيء مباشرة، مثل رؤيتك للشمس والقمر مباشرة.

ب - الإحساس غير المباشر أو بواسطة: مثل رؤيتك للأجسام عن طريق المرآة أو عن طريق ارتسام صورتها في الماء.

يقول ابن تيمية: "والإحساس نوعان: نوع بلا واسطة؛ كالإحساس بنفس الشمس والقمر والكواكب، وإحساس بواسطة؛ كالإحساس بالشمس والقمر والكواكب في مرآة أو ماء أو نحو ذلك"[7].

2 - الحواس الباطنة:
الإحساس الباطن هو إدراك الأمور الباطنة كما رأينا آنفًا.

ولكن ما هي الحواس التي تدرك الأمور الباطنة؟ وهل وجودها ضروري لعملية الإدراك؟

• أما الإجابة عن السؤال الأول، فإن ابن تيمية أورد هذه الحواسَّ في كتابه "درء تعارض العقل والنقل"، وكذلك في فتاواه، وذكر من الحواس الباطنة: الحس المشترك، والخيال، والوهم، والذاكرة أو الحافظة، وهذه الحواس ذكرها من قبلُ أرسطو[8] اليوناني وتابعه عليها الفارابي[9]، وذكرها بعد ذلك ابن سينا[10] والغزالي بشكل مفصَّل ودقيق.

وذكرُ ابن تيمية لها ليس لذاتها، أو لمجرد معرفتها، كما هو دأب الفلاسفة، إنما ذكرها ليوظِّفها في تأكيد الإيمان بالله -تعالى- والرد على الملاحدة والدَّهريِّين الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر، وغيرهم ممَّن تنكبوا طريق الإيمان الصحيح.

وأضاف إلى هذه الحواسِّ الإحساسَ الفطري بالله في قلوب الناس جميعًا، يقول ابن تيمية من خلال مناقشته لبعض المذاهب حول طرق إثبات وجود الله - سبحانه وتعالى -: "وأما الطريق الثاني وهو إدراك الحواس، فلا ريب أنهم لا يقولون إنهم يُدرِكونه -تعالى- بالحس الظاهر، بل يقولون: إن الحس نوعان: ظاهر وباطن، والإنسان يحس بباطنه الأمورَ الباطنة؛ كالجوع، والعطش، والشبع، والري، والفرح، والحزن، واللذَّة، والألم، ونحو ذلك من أحوال النفس، فهكذا يحسُّون ما في بواطنهم من محبته - سبحانه - وتعظيمه، والذل له، والافتقار إليه، مما اضطروا إليه وفُطِروا عليه، ويحسُّون أيضًا ما يحصل في بواطنِهم من المعرفة المتضمِّنة لمثله الأعلى في قلوبهم"[11].

ويؤكِّد ابن تيمية الإحساس الفطري الباطن، ويستشهد على ذلك في تجلِّي الحقائق في القلب الذي يكون مستعدًّا لذلك بالعبادة والإخلاص لله والتقوى"[12].

يقول ابن تيمية: "والقلوب مفطورةٌ على أن يتجلَّى بها من الحقائق ما هي مستعدَّة لتجليها فيها، فإذا تجلَّى فيها شيء أحسَّت به إحساسًا باطنًا بواسطة تجلِّيه فيها".

وأيضًا فنفس مشاهدة القلوب لنفسه - تبارك وتعالى - أمرٌ ممكن، وإن كان ذلك قد يُقال إنه مختصٌّ ببعض الخلق، كما قال أبو ذر وابن عباس وغيرهما من السلف: "إن نبينا -صلى الله عليه وسلم- رأى ربه بفؤاده"[13].

أما عن ضرورة وجود هذه الحواس لعملية الإدراك، فيؤكِّد ابن تيمية أن الحواس الباطنة ضرورية لإدراك الصور والمعاني الجزئية، وأن هذا الإدراك يكتمل بالإدراك العقلي، كما سنجد ذلك حينما يتحدث ابن تيمية عن الحواس الباطنة.

ومن الحواس الباطنة التي يذكرها ابن تيمية - رحمه الله -:
أ - الخيال والوهم:
يعرضُ ابن تيمية رأيَ ابن سينا والفلاسفة الذين سبقوه في معنى الخيال والوهم، ويرى أنهم يخلِطون بين قوى الخيال والوهم والعقل:
• فهم يُعرِّفون الخيالَ بأنه تصوُّر الأعيان المحسوسة في الباطن.
• والوهم: بأنه تصور المعاني غير المحسوسة في تلك الأعيان؛ مثل: إدراك الشاة معنى الذئب غير المحسوس.

وكلاهما تصور معين جزئي والعقل هو الحكم العامُّ الكلي، الذي لا يختصُّ بعين مُعيَّنة ولا معنى مُعيَّن"[14].

ثم يُبرهِنُ على أن لفظ الوهم والخيال كثيرًا ما يُطلَق على تصوُّر ما لا حقيقةَ له في الخارج، بل هذا المعنى هو المعروف من لغة العرب[15]، ولم يُنقَلْ أنها تُستعمَل بمعنى اليقين، وهم يستعملونها (أي ابن سينا والفلاسفة) في تصور يقيني، وهو تصور المعاني التي ليست بمحسوسة ولا ريب في ثبوتِها، كعداوة الذئب للشاة، فاصطلاحهم مضاد للمعروف في لغة العرب، بل في سائر اللغات، وإذا كان كذلك، فالإدراك الصحيح الذي يسمُّونه هم توهمًا وتخيُّلاً هو نوعٌ من التصور والشعور والمعرفة[16].

ويُقوِّم ابنُ تيمية الخيالَ والوهم من حيث صدقُهما أو كذبُهما، أو مطابقتهما للحق أو للباطل؛ لأنه ليس كلُّ تخيُّلٍ صادقًا وحقًّا، بل منه ما كان صادقًا ومنه ما كان كاذبًا، يقول: "الوهم والخيال يُرادُ به ما كان مطابقًا وما كان مخالفًا، فأما المطابق مثل توهُّم الإنسان لمَن هو عدوه أنه عدوه، وتخيل الإنسان بصورة ما رآه في نفسه بعد مَغِيبه، فهذا الوهم والخيال حقٌّ، وقضاياه صادقة، وأما غير المطابق، فمثل أن يتخيَّل الإنسان أن في الخارج ما لا وجودَ له في الخارج، وتوهمه ذلك مثل أن يتوهَّم فيمَن يحبه أنه يبغضه، ومثل أن يتوهَّم الإنسان أن الناس يحبونه ويعظمونه، والأمر بالعكس"[17].

والخيال أو الصورة العلمية من النوع المطابق عند ابن تيمية، ولكن ليس تطابقًا كليًّا؛ إذ لا تساوي الصورة الواقع من حيث الحد والحقيقة، ولكنها تُشبِهُه من حيث الشكل.

يقول: "حصول الصورة العلمية في العالَم كحصول الصورة المرئية في المرآة أو في الماء ونحو ذلك، ومعلوم أنه لم تحلَّ في المرآة والماء نفسُ الشمس والوجه ولا ما يساويهما في الحد والحقيقة، ولكن صورة تحكيهما، وليست هذه الصورة كالصورة التي تحصل في الشمع والطين من طبع الخاتم والرسم، فإن تلك عَرَض، والشمس والوجه جسم، وكذلك العلم الذي في القلب، والمعلوم القائم بنفسه كالسماء والأرض جواهر، فليس هذا مثل هذا"[18].

ب - التصور والتفكير:
وللتصوُّر والصورة فائدةٌ كبيرة من حيث اكتمال العمل في الخارج، فالتصور يسبِقُ القول والعمل عند ابن تيمية، يقول: "فإن الإنسان يجدُ في نفسه أنه إذا أراد أن تصدُرَ عنه صورةٌ خارجية من قول أو فعل، فإنه يتصوَّر في ذهنه ما يُرِيد أن يُظهِرَه قبل أن يُظهِرَه، ويميِّز بين الصورة التي في ذهنه وبين ما يظهره بقوله أو فعله"[19].

ويقول أيضًا مبيِّنًا أن الإنسان العاقل كالمهندس الذي يُخطِّط صورة البناء قبل أن يَبْنِيَه، ثم يحقِّق هذه الصورة في الواقع: "العاقل الفاعل فعلاً باختيارٍ يتصوَّر ما يريد أن يفعله في نفسه، ثم يُوجِده في الخارج، فتلك الصورةُ الموجودة في الخارج بفعله ليست هي الصورة المعقولة بذهنه، كمَن أراد أن يصنع شكلاً مثلثًا أو مربعًا، أو يصنِّف خطبة، أو يبني دارًا، أو يغرس شجرًا، أو يسافر إلى مدينة، فإنه يتصوَّر ما يريده ابتداءً، فتكون له صورة عقلية في نفسه قبل صورته التي توجد في الخارج"[20].

جـ - الصورة والعاطفة السائدة:
وللصورة جانبٌ سلبي غير الجانب الإيجابي في العمل الإرادي، هذا الجانب هو ما يسمِّيه علم النفس الحديث بـ: "العاطفة السائدة"، وفيه تستولي الصورةُ على الشخص، فلا تُفارِقه ولا يستطيع إبعادَها وصرفها عنه، كما يستولي الأسدُ على الفريسة، فلا تستطيع الفريسة الحراك بين يديه، وهذه الصورة المسيطرة على الشخص نجدُها لدى الذين يتَّبِعون هواهم؛ حيث يبقى أحدُهم أسيرًا لهواه لا يستطيع الإفلاتَ منه.

يقول ابن تيمية: "وصورةُ المحبوب تستولي على المحبِّ أحيانًا حتى لا يرى غيرها، ولا يسمع غير كلامها فتبقى نفسه مشتغلةً بها".

ويقول: "والمقصود أن المتَّبِعين لشهواتِهم من الصور والطعام والشراب واللباس، يستولي على قلب أحدِهم ما يشتهيه حتى يقهرَه ويملكه، ويبقى أسير ما يهواه، يصرفه كيف تصرف ذلك المطلوب، ولهذا قال بعض السلف: ما أنا على الشاب الناسك بأخوفَ مني عليه من سَبُع ضارٍ يَثِبُ عليه من صبي حدَثٍ يجلس عليه.

وذلك أن النفس الصافيةَ التي فيها رقَّة الرياضة، ولم تنجذِب إلى محبة الله وعبادته انجذابًا تامًّا، ولا قام بها من خشية الله التامة ما يصرفها عن هواها حتى صارت تحت صورة من الصور، واستولت تلك الصورة عليها كما يستولي السَّبُع على ما يفترسُه، فالسَّبُع يأخُذُ فريسته بالقهر ولا تقدر الفريسة على الامتناع منه، كذلك ما يمثِّله الإنسان في قلبه من الصور المحبوبة تبتلعُ قلبه وتقهره، فلا يقدِرُ قلبُه على الامتناع منه، فيبقى قلبُه مستغرقًا في تلك الصورة أعظم من استغراقِ الفريسة في جوفِ الأسد؛ لأن المحبوب المراد هو غاية النفس، له عليها سلطان قاهر"[21].

الإدراك العقلي:
يميِّز ابنُ تيمية بين الإدراك الحسي والإدراك العقلي؛ فالإدراك الحسي إدراكُ الجزئيات المادية بواسطة الحواسِّ الظاهرة والباطنة، وما يتبعها من قوَّة التخيُّل والتصوُّر في الإنسان؛ مثل أن أُدرِك شكل طاولة ونوعها ولونها، وغير ذلك من صفاتها المادية.

أما إدراك المفاهيم والحقائق العامة والمعاني الكلية؛ كمفهوم الحياة والنطق، وغيرها مما لا يختص بإنسان أو حيوان معين، فهو من عملِ العقل الذي يجرِّد المحسوسات عن خصوصياتها؛ ليكوِّن المفاهيم العامَّة أو المعاني الكلية.

يقول ابن تيمية: "إن الحسَّ الباطن والظاهر يُفِيد تصوُّر الحقيقة تصورًا مطلقًا، أما عمومها وخصوصها، فهو من حكمِ العقل، فإن القلب يعقِلُ معنى من هذا المعين، ومعنى يماثله من هذا المعين، فيصير في القلب معنى عامًّا مشتركًا، وذلك هو عقله - أي عقله للمعاني الكلية - فإذا عقَل معنى الحيوانية الذي يكون في هذا الحيوان وهذا الحيوان، ومعنى الناطق الذي يكون في هذا الإنسان وهذا الإنسان وهو مختص به، عقَل أن في نوع الإنسان معنًى يكون نظيرُه في الحيوان، ومعنى ليس له نظير في الحيوان"[22].

فالعقل إذًا هو آلةُ الإدراك للمفاهيم العامة، والأمور الكلية البعيدة عن إدراك الحواس في الإنسان، فما هو العقل؟ وما هي صلته بالجسم؟ وما طبيعة عمله؟

هذه الأسئلة وأسئلة أخرى كثيرة، يجيب عليها ابن تيمية - رحمه الله - ونبينها في المقالات التالية..

[1] الرد على المنطقيين ص 97.
[2] القرآن وعلم النفس، د. محمد عثمان الخاني، ص 120 - 121، دار الشروق - القاهرة - بيروت 1408هـ - 1987م.
[3] سنذكر معاني القلب عند ابن تيمية عند حديثنا عن الإدراك العقلي - بإذن الله.
[4] فتاوى الرياض 9/310.
[5] فتاوى الرياض 9/310.
[6] ارجع إلى "القرآن وعلم النفس" للدكتور محمد عثمان نجاتي ص 117و118 و119، وكذلك "معجزة القرآن" للشيخ محمد متولي الشعراوي، 1/95 - 98 القاهرة، كتاب اليوم.
[7] درء تعارض العقل والنقل 8/40 و41.
[8] أرسطو: فيلسوف يوناني، عاش بين عامي 384 - 322 ق.م، أثَّر كثيرًا فيمن يسمون بفلاسفة العرب، من مؤلفاته: المقولات، والجدل، والخطابة، والنفس.
[9] الفارابي: أبو نصر محمد بن محمد بن طرخان بن أوزلغ، ولد سنة 260هـ، وتوفي سنة 339هـ في دمشق، وأصله من فاراب، درس في حران وبغداد، وأقام في بلاط سيف الدولة بحلب، كان متضلعًا بالمنطق والفلسفة والموسيقا، ولقِّب بالمعلم الثاني بعد أرسطو المعلم الأول، من مؤلفاته المشهورة: آراء أهل المدينة الفاضلة، ورسالة في العقل، والتوطئة في المنطق، وإحصاء العلوم.
[10] ابن سينا: أبو علي الحسين بن عبدالله فيلسوف وطبيب، عرف بالشيخ الرئيس، ولد في أفشنة قرب بخارى سنة 370هـ، وتوفي بهمذان سنة 428هـ، درس فلسفة أرسطو وتأثر بالأفلاطونية الحديثة التي تزعمها أفلوطين، وقال بالفيض الإلهي الذي أثر في الصوفية بعد ذلك، نشأ إسماعيليًّا كما ذكر هو في ترجمته الذاتية، من مؤلفاته: القانون في الطب، والإشارات والتنبيهات.
[11] درء تعارض العقل والنقل 8/40 و41، وانظر أيضًا 6/108.
[12] انظر كلام ابن تيمية في الإلهام الذي سيرِدُ في طرق الإدراك العقلي.
[13] درء تعارض العقل والنقل 8/10 - 41.
[14] المرجع السابق 6/23، وكذلك انظر الإرشادات والتنبيهات لابن سينا، تحقيق سليمان دنيا - دار المعارف - القاهرة 1960م 2/345 - 355.
[15] انظر: الصحاح للجوهري، مادة: وهم.
[16] درء تعارض العقل والنقل 6/44.
[17] المرجع السابق 6/17.
[18] المرجع السابق 10/67.
[19] المرجع السابق 10/50.
[20] المرجع السابق 10/51.
[21] فتاوى الرياض 10/593، و594، و595.
[22] فتاوى الرياض 9/50.


رابط الموضوع: العقل عند الإمام ابن تيمية.. الإدراك الحسي والعقلي




مواضيع : رضوان


رد مع اقتباس
قديم 16 Feb 2014, 11:24 PM   #2
نور الشمس
وسام الشرف - مشرفة قروب - أخوات البحث العلمي - جزاها الله تعالى خيرا
** أم عمـــر **


الصورة الرمزية نور الشمس
نور الشمس غير متصل

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم باحث : 13417
 تاريخ التسجيل :  Dec 2012
 أخر زيارة : 21 Aug 2023 (03:12 PM)
 المشاركات : 8,847 [ + ]
 التقييم :  35
 الدولهـ
Saudi Arabia
 الجنس ~
Female
 مزاجي
لوني المفضل : Olivedrab
رد: العقل عند الإمام ابن تيمية.. الإدراك الحسي والعقلي



نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة


 
 توقيع : نور الشمس



قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى:

‏🌱 اجعل نفسك دائماً في تفاؤل والذي يريده الله سيكون

‏ وكن مسروراً فرحاً واسع الصدر ،،

‏فالدنيا أمامك واسعة والطريق مفتوح ✨

‏فهذا هو الخير ،،،

‏ 📚 شرح رياض الصالحين - ج4 ص87

🦋🍃


رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

 
مايُكتب على صفحات المركز يُعبّر عن رأى الكاتب والمسؤولية تقع على عاتقه


علوم الجان - الجن - عالم الملائكة - ابحاث عالم الجن وخفاياه -غرائب الجن والإنس والمخلوقات - فيديو جن - صور جن - أخبار جن - منازل الجن - بيوت الجن- English Forum
السحر و الكهانة والعرافة - English Magic Forum - الحسد والعين والغبطة - علم الرقى والتمائم - الاستشارات العلاجية - تفسير الرؤى والاحلام - الطب البديل والأعشاب - علم الحجامة

الساعة الآن 08:26 AM.


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir
HêĽм √ 3.2 OPS BY: ! ωαнαм ! © 2011-2012
جميع الحقوق محفوظة لمركز دراسات وأبحاث علوم الجان العالمي