اعلانات
اعلانات     اعلانات
 


﴿ بِسۡمِ ٱللَّهِ ٱلرَّحۡمَـٰنِ ٱلرَّحِيمِ ﴾ الٓمٓ ﴿١﴾ ذَٰلِكَ ٱلۡكِتَٰبُ لَا رَيۡبَۛ فِيهِۛ هُدٗى لِّلۡمُتَّقِينَ ﴿٢﴾ ٱلَّذِينَ يُؤۡمِنُونَ بِٱلۡغَيۡبِ وَيُقِيمُونَ ٱلصَّلَوٰةَ وَمِمَّا رَزَقۡنَٰهُمۡ يُنفِقُونَ ﴿٣﴾ وَٱلَّذِينَ يُؤۡمِنُونَ بِمَآ أُنزِلَ إِلَيۡكَ وَمَآ أُنزِلَ مِن قَبۡلِكَ وَبِٱلۡأٓخِرَةِ هُمۡ يُوقِنُونَ ﴿٤﴾ أُوْلَٰٓئِكَ عَلَىٰ هُدٗى مِّن رَّبِّهِمۡۖ وَأُوْلَٰٓئِكَ هُمُ ٱلۡمُفۡلِحُونَ ﴿٥﴾ البقرة .

روى الإمام مسلم عن أبي أمامة الباهلي قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( اقرَؤوا القُرآنَ؛ فإنَّه يَأتي شَفيعًا يومَ القيامةِ لصاحبِه، اقرَؤوا الزَّهراوَينِ: البَقرةَ وآلَ عِمرانَ؛ فإنَّهما يَأتِيانِ يومَ القيامةِ كأنَّهما غَيايتانِ، أو كأنَّهما غَمامتانِ، أو كأنَّهما فِرقانِ مِن طَيرٍ صَوافَّ يُحاجَّانِ عن أصحابِهما، اقرَؤوا سورةَ البَقرةِ؛ فإنَّ أخذَها بَركةٌ، وتَركَها حَسرةٌ، ولا تَستطيعُها البَطَلةُ ) .


           :: الكعبة (آخر رد :عائد لله)       :: الحجامة فضلها وفوائدها . (آخر رد :المكي)       :: افضل ايام الحجامة . (آخر رد :المكي)       :: سورة يس (آخر رد :طالبة علم شرعي)       :: "وأشرقت الأرض بنور ربها" تلاوة رائعة بصوت الطفلة بشرى . (آخر رد :ابن الورد)       :: حلم الدموع (آخر رد :hoor)       :: كحل الإثمد ، تعريفه ، ومصدره ، وفوائده ، وضوابط استعماله للنساء والرجال (آخر رد :المكي)       :: الحشد المليوني على الحدود وساعة الصفر تقترب من جزيرة العرب (آخر رد :ابن الورد)       :: طالبان والرايات السود / ظهور المهدي في جيش المشرق / خراسان (آخر رد :ابن الورد)       :: السرطان ليس مرض . (آخر رد :المكي)      

 تغيير اللغة     Change language
Google
الزوار من 2005:
Free Website Hit Counter

منهج السلف الصالح . The Salafi Curriculum عقيدة وفقه ومعاملات

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
#1  
قديم 01 Apr 2013, 10:39 PM
أبو خالد
باحث جزاه الله تعالى خيرا
أبو خالد غير متصل
Saudi Arabia     Male
SMS ~ [ + ]
اللهم إني ظلمت نفسي
ظلـمآ كثيرآ
ولا يفغر الذنوب
الا أنت
فاغفر لي مفغرة من عندك
وأرحمني
إنك أنت الغفور الرحيم
لوني المفضل Cadetblue
 رقم باحث : 25
 تاريخ التسجيل : Jun 2005
 فترة الأقامة : 7462 يوم
 أخر زيارة : 15 Jul 2018 (03:04 PM)
 المشاركات : 11,365 [ + ]
 التقييم : 21
 معدل التقييم : أبو خالد is on a distinguished road
بيانات اضافيه [ + ]
التوكل على الله




بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، الرحمن الرحيم، مالك يوم الدين. وأشهد ألّا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، اللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين. أما بعد.

فأتناول عبادة التوكل على الله من خلال العناوين الآتية:


أولاً: حكم التوكل.

جعل الله تعالى التوكل عليه شرطاً في الإيمان، قال الله تعالى:"وَعَلَى اللّهِ فَتَوَكَّلُواْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِين" (المائدة 23).
وقال تعالى: "وَقَالَ مُوسَى يَا قَوْمِ إِن كُنتُمْ آمَنتُم بِاللَّهِ فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُواْ إِن كُنتُم مُّسْلِمِينَ، فَقَالُواْ عَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْنَا" (يونس 84-85).
قال الله تعالى:" فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ " (هود 123)، قال ابن القيم في مدارج السالكين ص 456:"التوكل نصف الدين".

وقالت رسل الله تعالى لأقوامهم الذين لم يؤمنوا بهم:" وَمَا لَنَا أَلاَّ نَتَوَكَّلَ عَلَى اللّهِ وَقَدْ هَدَانَا سُبُلَنَا وَلَنَصْبِرَنَّ عَلَى مَا آذَيْتُمُونَا وَعَلَى اللّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ" (إبراهيم12).

قال ابن القيم رحمه الله معلقاً على هذه الآية
:" فالعبد آفته إما من عدم الهداية ، وإما من عدم التوكل، فإذا جمع التوكل إلى الهداية فقد جمع الإيمان كلَّه" (مدارج السالكين ص 467).

فالتوكل على الله هو شأن الأنبياء والمرسلين، فقد أخرج البخاري في صحيحه عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال:" (حسبنا الله ونعم الوكيل) قالها إبراهيم صلوات الله عليه حين أُلقي في النار، وقالها محمد صلى الله عليه وسلم حين قالوا:"إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُواْ لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُواْ حَسْبُنَا اللّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ".

قال ابن تيمية (7/16):
" التوكل على الله واجب من أعظم الواجبات، كما أن الإخلاص واجب، وحب الله ورسوله واجب، وقد أمر الله بالتوكل في غير آية أعظم مما أمر بالوضوء والغسل.." اهـ.

ثانياً: معنى التوكل على الله.

التوكل على الله هو صدق اعتماد القلب على الله في جميع الأمور، مع بذل الأسباب المشروعة.
قال ابن رجب في جامع العلوم والحكم ص 628:" وحقيقة التوكل هو صدقُ اعتمادِ القلب على الله عز وجل في استجلابِ المصالحِ ودفعِ المضارِ من أمور الدنيا والآخرة كلها"اهـ.

فالمتوكل على الله:
يبرأ إلى الله من حولهِ وقُوَّتِه، ويعلمُ علماً يقينياً أنه لا حولَ ولا قوةَ إلا بالله. ولذلك كانت هذه الكلمة كنزٌ من كنوز الجنة لعظم شأنها وأثرها، فقد ثبت في صحيح البخاري من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "..قل: لا حول ولا قوة إلا بالله، فإنها كنزٌ من كنوز الجنة".

ومعناها:
أنه لا تحول لنا من حالٍ إلى حال، ولا قوة لنا على فعل شيء إلا بالله وحده. فلا نستطيع التحول من حال الضعف إلى حال القوة، ومن المرض إلى الصحة، ومن الفقر إلى الغني، ومن الخوف إلى الأمن، ومن المعصية إلى التوبة، ومن الضلال إلى الهداية.. إلا بالله تعالى وحده لا شريك له.
ولا قوة لنا على إقامة شرعه، وتبليغ دينه، وتحقيق عبوديته إلا بالله، ولا قوة لنا على القيام في الصلاة والركوع والسجود إلا بالله، ولا نستطيعُ الحصولَ على المال، ولا النجاح الدراسي، ولا التوفيق في تربية الأولاد، ولا الصبر والثبات على أمر الله إلا بالله، ولا نستطيع أن نسمع أو نبصر أو نتكلم أو نقف أو نمشي أو نرفع أو نخفض.. إلا بالله.

ولذلك كان من أهم معاني التوكل على الله ولوازمه: الاستعانة بالله؛ فالمؤمنُ بالله المتوكل عليه يستعينُ بالله دائما في أموره كلها ويُلِحُّ في الدعاء. "إياك نعبد وإياك نستعين" فنحنُ لا نعبدُ إلا إياك ولا نستطيعُ عبودتك إلا بمعونة منك، فأعنّا.

فالمؤمنُ يدعو اللهَ تعالى أن يعينَه على طاعتهِ وعلى أمورِ معاشه، والنصوصُ في طلب إعانة الله على فعل الطاعة وطلب النصر كثيرة في الكتاب والسنة، ومن ذلك:
قول الله تعالى:" رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي" (الأحقاف16). وقوله :" رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا" (الفرقان75). وقوله تعالى:" رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْراً وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ" (البقرة250(.

ومن أدعية السنة:
" اللهم مصرف القلوب صرف قلوبنا على طاعتك" أخرجه مسلم من حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما. وفي حديث علي رضي الله عنه قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم:" قل: اللهم اهدني وسددني" أخرجه مسلم، والأحاديث في هذا المعنى كثيرة جداً.

وأفضل دعاء وأوجبه:" اهدِنَــــا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ، صِرَاطَ الَّذِينَ أَنعَمتَ عَلَيهِمْ غَيرِ المَغضُوبِ عَلَيهِمْ وَلاَ الضَّالِّينَ" (الفاتحة 6-7). قال ابن تيمية رحمه الله (8/330):" فهذا الدعاء أفضلُ الأدعية وأوجبُها على الخلق.."

ومتى غَفَلَ الإنسان وتَرَك الاستعانةَ بالله التي هي من أهم مقتضيات التوكل، وَرَكَنَ إلى نفسه وقدراته فقد هلك. وهنا مزَّلةُ الأقدام، وهنا تحصلُ الغفلةُ من بعض الناس حينما يَتَوهَّمُ أنه قادرٌ على القيام بما يريد بعلمه، أو فهمه، أو ذكائه، أو مهاراته الفردية، أو قدراته الشخصية، أو قوته البدنية، أو منصبه ونفوذه، أو كثرة ماله.. الخ.

فمن ظن هذا الظن فقد ضلَّ، وقد بين الله تعالى لنا سبب هلاك قارون حينما قال:" قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِندِي أَوَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ أَهْلَكَ مِنْ قَبْلِهِ مِنَ القُرُونِ مَنْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُ قُوَّةً وَأَكْثَرُ جَمْعًا وَلا يُسْأَلُ عَنْ ذُنُوبِهِمُ الْمُجْرِمُونَ. (القصص:78( فَنَسَبَ حصول هذا المال العظيم إلى علمه وقدرته. ومثلها قول الله تعالى:" فَإِذَا مَسَّ الإِنْسَانَ ضُرٌّ دَعَانَا ثُمَّ إِذَا خَوَّلْنَاهُ نِعْمَةً مِنَّا قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ بَلْ هِيَ فِتْنَةٌ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ" (الزمر 49).

قال ابن تيمية (8/528):" فالالتفات إلى الأسباب شرك في التوحيد.. فعلى العبد أن يكون قلبهُ معتمداً على الله، لا على سبب من الأسباب"اهـ.

والمتوكل على الله: يثق بالله ويحسن الظن به، فهو يوقن أن الله تعالى يراه ويسمع صوته ويعلم حاله وحاجته، وهو أرحم به من نفسه، فالله تعالى هو العليمُ الحكيمُ الخبيرُ اللطيفُ البصيرُ بالعباد. فما قدَّرهُ اللهُ تعالى فهو الخير، فيكون المتوكل على الله صابراً ثابتاً مطمئناً راضياً بما قدره الله تعالى، فقد يُقّدِّرُ اللهُ تعالى ما لا يُريده العبد فيكونُ ظاهرُه الشّر، لكنْ في باطنه وعاقبته الخير العظيم "وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ" (البقرة: 216) فلا يضطرب قلبه ولا ييأس من رحمة الله تعالى "إنَّهُ لَا يَيْأَس مِنْ رَوْح اللَّه إِلَّا الْقَوْم الْكَافِرُونَ" (يوسف 87).

قال ابن رجب في جامع العلوم والحكم ص635: "واعلم أن ثمرة التوكل الرضا بالقضاء، فمن وكَّل أموره إلى الله، ورضي بما يقضيه له ويختاره، فقد حقق التوكل"اهـ.

والمتوكِّلُ على الله: يُفَوِّضُ أمرَه إلى الله. قال الله تعالى عن مؤمن آل فرعون: " وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ" (غافر44). فكان جزاؤُه من الله على هذا التفويض "فَوَقَاهُ اللَّهُ سَيِّئَاتِ مَا مَكَرُوا وَحَاقَ بِآلِ فِرْعَوْنَ سُوءُ الْعَذَابِ" (غافر45).

وفي حديث البراء بن عازب رضي الله عنه قال:
كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أوى إلى فراشه نام على شقه الأيمن ثم قال:" اللهم أسلمت نفسي إليك، ووجّهت وجهي إليك، وفوضت أمري إليك، وألجأت ظهري إليك، رغبة ورهبة إليك، لا ملجأ ولا منجا منك إلا إليك، آمنت بكتابك الذي أنزلت، وبنبيك الذي أرسلت" أخرجه البخاري ومسلم.

وقد ذكر ابن القيم رحمه الله توضيحاً للتفويض بالمثال –ولله المثل الأعلى- وهو أن المفوِّض مَثَلُه مَثَلُ الطفل الصغيرِ العاجزِ الذي فَوَّضَ أمرَه إلى والدِه الذي يقوم بشأنه، فهو يحمله ويذهب به والطفلُ مطمئنٌ لذلك، ويعلم أن أباه أعلم منه بمصلحته، وربما حَمَلَهُ والده، والطفلُ لا يعلم لماذا حمله، ولا أين هو ذاهب، لكنه مطمئن أنه ما فعل ذلك إلا لمصلحته.

وهذا نص كلام ابن القيم رحمه الله في مدارج السالكين ص462:
" التفويض.. روح التوكل ولُبُّه وحقيقته، وهو إلقاء أموره كلها إلى الله، وإنزالها به طلباً واختياراً، لا كرهاً واضطراباً، بل كتفويض الابن العاجز الضعيف المغلوب على أمرهِ كُلَّ أموره إلى أبيه العالم بشفقته عليه ورحمتِه، وتمامِ كفايته، وحسنِ ولايتِه لَه، وتدبيرهِ له، فهو يرى أنَّ تدبيرَه له خيرٌ من تدبيرِه لنفسه، وقيامُه بمصالِحِة وتَولِّيه لها خيرٌ من قيامه هو بمصالح نفسه وتَوَلِّيهِ لها، فلا يجد له أصلح ولا أرفق من تفويضه أموره كلها إلى أبيه، وراحته من حَمْلِ كُلِّها وثِقَلِ حملها، مع عجزه عنها، وجهله بوجوده المصالح فيها، وعلمُه بكمال علم مَنْ فَوَّضَ إليه، وقدرتَه وشفقتَه"اهـ.

ثالثاً: بين التوكل على الله وفعل الأسباب.

تَوَهَّم بعضُ الناس أن مقتضى التوكلِ تركُ فعلِ الأسباب، وبعضُهم يرى أن من تمام التوكل على الله بذل الحد الأدنى من الأسباب فقط والتقليل منها.

والصوابُ أنَّ بَذْلَ السبب المشروع هو من مقتضى التوكل على الله، وترك بذل الأسباب ينافي التوكل.

فالتوكل على الله يعني أن يكون قلبُه متعلقاً ومعتمداً على الله وحده لا على شيء من الأسباب، مع فعل الأسباب على وجهها الصحيح دون تقصير.

فنحن بين طرفين ووسط: أناسٌ تركوا فعل الأسباب وآخرون تعلقتْ قلوبُهم بالأسباب؛ وهذا كلّه انحراف، والصواب فعل الأسباب مع توكل القلب على الله وحده.

قال ابن القيم رحمه الله في مدارج السالكين ص461:".. ومن هاهنا ظنَّ من ظن أن التوكل لا يتم إلا برفض الأسباب، وهذا حق، لكنَّ رفضَها عن القلبِ لا عن الجوارح، فالتوكلُ لا يتم إلا برفضِ الأسباب عن القلب وتعلقِ الجوارح بها، فيكون منقطعاً منها متصلاً بها"اهـ.

قال ابن رجب في جامع العلوم والحكم ص 628:" فإن الله تعالى أمر بتعاطي الأسباب مع أمره بالتوكل، فالسعي في الأسباب بالجوارح طاعة له، والتوكل بالقلب عليه إيمان به"اهـ.

ومن نظر في نصوص الكتاب والسنة يجدُها واضحةً في الأمر بالأخذ بالأسباب مع التوكل على الله والاستعانة به.

ومن ذلك:

أمرُ الله تعالى لنبيه نوح عليه الصلاة والسلام أن يبذل سبب نجاته من قومه فقال تعالى: "فَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِ أَنِ اصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا وَوَحْيِنَا" (المؤمنون27).

وأمرُ اللهِ تعالى مريمَ بنت عمران عليها السلام ببذل السبب للحصول على الطعام:" وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَبًا جَنِيًّا" (مريم 25).

ولما دعى نبيُّ اللهِ أيوبُ عليه الصلاة والسلام ربَّه أن يشفيَه مما أصابَه من المرض والأذى، أمرَهُ الله أن يضرِب برجلِه الأرض حتى تنبع له ماءً بارداً فيغتسل منه ويشرب، فشفاه الله تعالى "وَاذْكُرْ عَبْدَنَا أَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطَانُ بِنُصْبٍ وَعَذَابٍ * ارْكُضْ بِرِجْلِكَ هَذَا مُغْتَسَلٌ بَارِدٌ وَشَرَابٌ" (ص 42).

وقال الله تعالى في صفة صلاة الخوف:" فَلْيُصَلُّوا مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا حِذْرَهُمْ وَأَسْلِحَتَهُمْ" (النساء 103).

وقال الله تعالى في شأن المنافقين:"هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ" (المنافقون4).

وقال تعالى:"وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ" (الأنفال 60).

ومن نظر في هدي نبينا محمد صلى الله عليه وسلم يجد أنه لم يُخلَّ بشيءٍ من الأسباب، وهو سيدُ المتوكلين، وقد عصَمَه الله تعالى من الناس " وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ" (المائدة 67) ومع ذلك فقد ثَبَت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه لَبِس الدرعَ والمِغْفَر في الحرب، وحَفَر الخندق، وكان إذا أراد أن يغزو غزوةً ورَّى بغيرها، واستأجر دليلاً مشركاً يدله الطريق يوم الهجرة، وكان يأخذ الزاد والمزاد في سفر الحج والجهاد وغيرهما، ويدَّخر لأهله قوت سنة.

فهذا كلُّه لا ينافي التوكل بل هو من مقتضاه، وإنما الخطأ الذي قد يحصل هو ضعف التوكل على الله حينها فيلتفت القلب إلى الأسباب ويَغْفَلُ عن التوكل على الله.

وهنا تنبيه:
وهو أن من الأسباب ما هو مذموم في الشريعة، ومن ذلك سؤال الناس، فالنبي صلى الله عليه وسلم لمَّا بايعَ الصحابة رضي الله عنهم:" أن تعبدوا الله ولا تشركوا به شيئاً والصلوات الخمس وتطيعوا الله" وأسر كلمةً خفيفة:" ولا تسألوا الناس شيئاً" قال عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه: فلقد رأيتُ بعضَ أولئك النفر يَسْقُطُ سوطُ أحدِهم فما يسأل أحداً يناوله إياه" أخرجه مسلم من حديث عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه.

ومِن سؤال الناس ما هو مأمور به شرعاً كسؤالِ العلم، والشفاعةِ للناس، وطلبِ تغييرِ المنكَر، ومطالبةِ الإنسان بحقه.

رابعاً:غفلة تحصلُ من بعضِ المؤمنين.

نبه ابن القيم رحمه الله تعالى إلى أنواع من التقصير في باب التوكل، ومن ذلك: أنه يتوكل على الله في بعض أَمرهِ ويُهْملَ التوكلَّ في غيره وربما كان هو الأهم. فتجده يتوكل على الله في رِبْحِ التجارة، والحصولِ على الوظيفة، والشفاء من المرض، لكنَّه يُهمل التوكل على الله تعالى في نصرةِ الدين، وإقامة الشريعة، والجهادِ في سبيله، والقيام بأركانِ الإيمان والإسلام، والدعوة إلى الله، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.. الخ، والصواب أن يتوكل على الله تعالى في كل أمره، وما عظَّمَه اللهُ فهو الأولى والأهم.

خامساً: فوائد التوكل على الله.

أهم فوائده هو تحقيق العبودية لله وحده في القيام بهذا الواجب العظيم الذي أمر الله تعالى به عباده، وله فوائد عظيمة أخرى، ومنها:
كفايةُ الله له وتحقيقُ مرادِه وسعادتُه في الدارين. قال الله تعالى:" وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ" (الطلاق 3).

وثبت عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:" لو أنكم توكلون على الله حَقَّ توكله لرزقكم كما يرزقُ الطير تغدوا خماصاً وتروح بطاناً" أخرجه أحمد والترمذي وقال:"حسن صحيح لا نعرفه إلا من هذا الوجه" والنسائي وابن ماجه وابن حبان والحاكم من طرق عن عبدالله بن هبيرة أنه سمع أبا تميم الجيشاني أنه سمع عمر رضي الله عنه به وابن هبيرة وأبو تميم كلاهما من رجال مسلم.
قال ابن تيمية رحمه الله (8/531):"الدعاء والتوكل.. من أعظم الأسباب التي تُنَال بها سعادة الدنيا والآخرة".

قال ابن القيم رحمه الله في مدارج السالكين ص456:"ومن صَدَق توكُّلُه على الله في حصول شيء ناله" وقال أيضاً ص461:"فالتوكل من أعظم الأسباب التي يحصل بها المطلوب، ويندفع بها المكروه".
وقد جعل الله تعالى التوكلَ عليه سبباً وشرطاً في دخول الجنة بلا حساب ولا عذاب كما ثبت في الصحيحين من حديث ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم وفيه:"ويدخلُ الجنة من هؤلاء (أي من أمة محمد( سبعون ألفاً بغير حساب (زاد المسلم: ولا عذاب).. هم الذين لا يسترقون، ولا يتطيرون، ولا يكتوون، وعلى ربهم يتوكلون".

اللهم اهدنا صراطك المستقيم، واجعلنا من عبادك المتوكلين عليك حق التوكل. والحمد لله رب العالمين.

د. يوسف بن عبد الله الأحمد
عضو هيئة التدريس في كلية الشريعة بجامعة الإمام بالرياض
18 جمادى الأولى 1434هـ

المصدر صيد الفوائد




 توقيع : أبو خالد



قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « إذا دعا الرَّجلُ لأخيهِ بظَهرِ الغيبِ قالَتِ الملائِكةُ آمينَ ولَك بمِثلٍ»

الراوي: عويمر بن مالك أبو الدرداء المحدث:الألباني - المصدر: صحيح أبي داود -
خلاصة حكم المحدث: صحيح
فلاتحرمونا دعائكم

رد مع اقتباس
قديم 17 Apr 2013, 01:43 AM   #2
نور الشمس
وسام الشرف - مشرفة قروب - أخوات البحث العلمي - جزاها الله تعالى خيرا
** أم عمـــر **


الصورة الرمزية نور الشمس
نور الشمس غير متصل

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم باحث : 13417
 تاريخ التسجيل :  Dec 2012
 أخر زيارة : 21 Aug 2023 (03:12 PM)
 المشاركات : 8,847 [ + ]
 التقييم :  35
 الدولهـ
Saudi Arabia
 الجنس ~
Female
 مزاجي
لوني المفضل : Olivedrab
رد: التوكل على الله



نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة


 
 توقيع : نور الشمس



قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى:

‏🌱 اجعل نفسك دائماً في تفاؤل والذي يريده الله سيكون

‏ وكن مسروراً فرحاً واسع الصدر ،،

‏فالدنيا أمامك واسعة والطريق مفتوح ✨

‏فهذا هو الخير ،،،

‏ 📚 شرح رياض الصالحين - ج4 ص87

🦋🍃


رد مع اقتباس
قديم 21 Apr 2013, 10:47 PM   #3
أبو خالد
باحث جزاه الله تعالى خيرا


الصورة الرمزية أبو خالد
أبو خالد غير متصل

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم باحث : 25
 تاريخ التسجيل :  Jun 2005
 أخر زيارة : 15 Jul 2018 (03:04 PM)
 المشاركات : 11,365 [ + ]
 التقييم :  21
 الدولهـ
Saudi Arabia
 الجنس ~
Male
 مزاجي
 وسائط MMS
وسائط MMS
 SMS ~
اللهم إني ظلمت نفسي
ظلـمآ كثيرآ
ولا يفغر الذنوب
الا أنت
فاغفر لي مفغرة من عندك
وأرحمني
إنك أنت الغفور الرحيم
لوني المفضل : Cadetblue
رد: التوكل على الله



ولكي بمثل

جزاكي الله خير

شاكر مرورك الكريم


 
 توقيع : أبو خالد



قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « إذا دعا الرَّجلُ لأخيهِ بظَهرِ الغيبِ قالَتِ الملائِكةُ آمينَ ولَك بمِثلٍ»

الراوي: عويمر بن مالك أبو الدرداء المحدث:الألباني - المصدر: صحيح أبي داود -
خلاصة حكم المحدث: صحيح
فلاتحرمونا دعائكم


رد مع اقتباس
قديم 10 May 2013, 12:03 AM   #4
رهام
جزاهاا الله تعالى خيرا


الصورة الرمزية رهام
رهام غير متصل

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم باحث : 14330
 تاريخ التسجيل :  May 2013
 أخر زيارة : 12 Oct 2013 (01:06 PM)
 المشاركات : 35 [ + ]
 التقييم :  10
 مزاجي
لوني المفضل : Cadetblue
رد: التوكل على الله



الموضوع افادني كثيرا ورفع معنوياتي


 

رد مع اقتباس
قديم 10 May 2013, 07:54 PM   #5
أبو خالد
باحث جزاه الله تعالى خيرا


الصورة الرمزية أبو خالد
أبو خالد غير متصل

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم باحث : 25
 تاريخ التسجيل :  Jun 2005
 أخر زيارة : 15 Jul 2018 (03:04 PM)
 المشاركات : 11,365 [ + ]
 التقييم :  21
 الدولهـ
Saudi Arabia
 الجنس ~
Male
 مزاجي
 وسائط MMS
وسائط MMS
 SMS ~
اللهم إني ظلمت نفسي
ظلـمآ كثيرآ
ولا يفغر الذنوب
الا أنت
فاغفر لي مفغرة من عندك
وأرحمني
إنك أنت الغفور الرحيم
لوني المفضل : Cadetblue
رد: التوكل على الله



بارك الله فيكي اختي الفاضله

شكرآ لمرورك الكريم


 
 توقيع : أبو خالد



قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « إذا دعا الرَّجلُ لأخيهِ بظَهرِ الغيبِ قالَتِ الملائِكةُ آمينَ ولَك بمِثلٍ»

الراوي: عويمر بن مالك أبو الدرداء المحدث:الألباني - المصدر: صحيح أبي داود -
خلاصة حكم المحدث: صحيح
فلاتحرمونا دعائكم


رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

 
مايُكتب على صفحات المركز يُعبّر عن رأى الكاتب والمسؤولية تقع على عاتقه


علوم الجان - الجن - عالم الملائكة - ابحاث عالم الجن وخفاياه -غرائب الجن والإنس والمخلوقات - فيديو جن - صور جن - أخبار جن - منازل الجن - بيوت الجن- English Forum
السحر و الكهانة والعرافة - English Magic Forum - الحسد والعين والغبطة - علم الرقى والتمائم - الاستشارات العلاجية - تفسير الرؤى والاحلام - الطب البديل والأعشاب - علم الحجامة

الساعة الآن 02:09 AM.


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir
HêĽм √ 3.2 OPS BY: ! ωαнαм ! © 2011-2012
جميع الحقوق محفوظة لمركز دراسات وأبحاث علوم الجان العالمي