|
#1
|
||||||||
|
||||||||
|
المراقبة الذاتية
: { لأعلمن أقواماً من أمتي يأتون يوم القيامة بحسنات أمثال جبال تهامة بيضاء فيجعلها الله هباءً منثوراً }، قيل: يا رسول الله صفهم لنا، جلّهم لنا، أن لا نكون منهم ونحن لا نعلم؟ قال: { أما إنهم إخوانكم ومن جلدتكم ويأخذون من الليل كما تأخذون ولكنهم قوم إذا خلو بمحارم الله انتهكوها }. قد يبتعد الإنسان عن المعاصي والذنوب إذا كان يحضره الناس، وعلى مشهد منهم، لكنه إذا خلا بنفسه، وغاب عن أعين الناس، أطلق لنفسه العنان، فاقترف السيئات، وارتكب المنكرات، وَكَفَى بِرَبِّكَ بِذُنُوبِ عِبَادِهِ خَبِيرَاً بَصِيراً [الإسراء:17] وَمَا اللّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ [البقرة: 74]. بل إن الإنسان ليقع في ذنب، لو كان بحضرته طفل لامتنع من الوقوع فيه، فصار حياؤه من هذا الطفل أشد من حيائه من الله جل وعلا، أتراه - في هذه الحالة - مستحضراً قول الله تعالى: أَوَلاَ يَعْلَمُونَ أَنَّ اللّهَ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ [البقرة:77] { أَلَمْ يَعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ يَعْلَمُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ وَأَنَّ اللّهَ عَلاَّمُ الْغُيُوبِ [التوبة: 78]. ويحك يا هذا، إن كانت جراءتك على معصية الله لاعتقاد أن الله لا يراك، فما أعظم كفرك، وإن كان علمك باطلاعه عليك، فما أشد وقاحتك، وأقل حياءك!! يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلاَ يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللّهِ وَهُوَ مَعَهُمْ إِذْ يُبَيِّتُونَ مَا لاَ يَرْضَى مِنَ الْقَوْلِ وَكَانَ اللّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطاً [النساء:108]. من أعجب الأشياء أن تعرف الله ثم تعصيه، وتعلم قدر غضبه ثم تعرض له، وتعرف شدة عقابه ثم لا تطلب السلامة منه، وتذوق ألم الوحشة في معصيته ثم لا تهرب منها ولا تطلب الأنس بطاعته. قال قتادة: ( ابن آدم، والله إن عليك لشهوداً غير متهمة في بدنك، فراقبهم، واتق الله في سرك وعلانيتك، فإنه لا يخفى عليه خافية، الظلمة عنده ضوء، والسر عنده علانية، فمن استطاع أن يموت وهو بالله حسن الظن فليفعل، ولا قوة إلا بالله ). وَمَا كُنتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلَا أَبْصَارُكُمْ وَلَا جُلُودُكُمْ وَلَكِن ظَنَنتُمْ أَنَّ اللَّهَ لَا يَعْلَمُ كَثِيراً مِّمَّا تَعْمَلُونَ (22) وَذَلِكُمْ ظَنُّكُمُ الَّذِي ظَنَنتُم بِرَبِّكُمْ أَرْدَاكُمْ فَأَصْبَحْتُم مِّنْ الْخَاسِرِينَ [فصلت:23،22]. قال ابن الأعرابي: ( آخر الخاسرين من أبدى للناس صالح أعماله، وبارز بالقبيح من هو أقرب إليه من حبل الوريد ). وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ [ق:16]. إذا ما خلوت الدهر يوماً فلا تقل *** خلوت ولكن قل عليّ رقيبُولا تحسبنّ الله يغفل ساعةً *** ولا أن ما نخفيه عنه يغيبُإن تقوى الله في الغيب، وخشيته في السر، دليل كمال الإيمان، وسبب حصول الغفران، ودخول الجنان، بها ينال العبد كريم الأجر وكبيره إِنَّمَا تُنذِرُ مَنِ اتَّبَعَ الذِّكْرَ وَخَشِيَ الرَّحْمَن بِالْغَيْبِ فَبَشِّرْهُ بِمَغْفِرَةٍ وَأَجْرٍ كَرِيمٍ [يس:11] إِنَّ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُم بِالْغَيْبِ لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ [الملك:12] وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ غَيْرَ بَعِيدٍ (31) هَذَا مَا تُوعَدُونَ لِكُلِّ أَوَّابٍ حَفِيظٍ (32) مَنْ خَشِيَ الرَّحْمَن بِالْغَيْبِ وَجَاء بِقَلْبٍ مُّنِيبٍ (33) ادْخُلُوهَا بِسَلَامٍ ذَلِكَ يَوْمُ الْخُلُودِ (34) لَهُم مَّا يَشَاؤُونَ فِيهَا وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ [ق:31-35]. وكان من دعاء النبي : { أسألك خشيتك في الغيب والشهادة } والمعنى أن العبد يخشى الله سراً وعلانية، ظاهراً وباطناً، فإن أكثر الناس قد يخشى الله في العلانية وفي الشهادة، ولكن الشأن خشية الله في الغيب إذا غاب عن أعين الناس فقد مدح الله من خافه بالغيب. وكان بكر المزني يدعو لإخوانه: ( زهّدنا الله وإياكم في الحرام، زهادة من أمكنه الحرام والذنب في الخلوة فعلم أن الله يراه فتركه ). وقال بعضهم: ( ليس الخائف من بكى فعصر عينيه، إنما الخائف من ترك ما اشتهى من الحرام إذا قدر عليه ). إذا السر والإعلان في المؤمن استوى *** فقد عزّ في الدارين واستوجب الثنافإن خالف الإعلان سراً فما له *** على سعيه فضل سوى الكدّ والعناالأمور الموجبة لخشية الله عز وجل 1 - قوة الإيمان بوعده ووعيده على المعاصي. 2 - النظر في شدة بطشه وانتقامه وسطوته وقهره، وذلك يوجب للعبد ترك التعرض لمخالفته، كما قال الحسن: ( ابن آدم، هل لك طاقة بمحاربة الله، فإن من عصاه فقد حاربه ). وقال بعضهم: ( عجبت من ضعيف يعص قوياً ). 3 - قوة المراقبة لله، والعلم بأنه شاهد رقيب على قلوب عباده وأعمالهم، وأنه مع عباده حيث كانوا فإن من علم أن الله يراه حيث كان، وأنه مطلع على باطنه وظاهره وسره وعلانيته، واستحضر ذلك في خلواته، أوجب له ذلك ترك الماصي في السر. قال وهب بن الورد: ( خف الله على قدر قدرته عليك، واستحي منه قدر قربه منك ). وقال: ( اتق الله أن يكون أهون الناظرين إليك ). 4 - استحضار معاني صفات الله تعالى، ومن صفاته ( السمع، والبصر، والعلم )، فكيف تعصي من يسمعك، ويبصرك ويعلم حالك؟!.. فإذا استحضر العبد معاني هذه الصفات، قوي عنده الحياء، فيستحي من ربه أن يسمع منه ما يكره، أو يراه على ما يكره، أو يخفي في سريرته ما يمقته عليه، قتبقى أقواله وحركاته وخواطره موزونة بميزان الشرع غير مهملة ولا مرسلة تحت حكم الطبيعة والهوى. قال ابن رجب: ( فتقوى الله في السر، هي علامة كمال الإيمان، ولها تأثير عظيم في إلقاء الله لصاحبها الثناء في قلوب المؤمنين ). قال أبو الدرداء: ( ليتق أحدكم أن تلعنه قلوب المؤمنين وهو لا يشعر، يخلو بمعاصي الله، فيلقي الله له البغض في قلوب المؤمنين ). وقال سليمان التيمي: ( إن الرجل ليصيب الذنب في السر، فيصبح وعليه مذلته ). وقال غيره: ( إن العبد ليذنب الذنب فيما بينه وبين الله ثم يجيء إلى إخوانه فيرون أثر ذلك الذنب عليه ). وهذا أعظم الأدلة على وجود الإله الحق، المجازي بذرات الأعمال في الدنيا قبل الآخرة، ولا يضيع عنده عمل عامل، ولا ينفع من قدرته حجاب ولا استتار. فالسعيد من أصلح ما بينه وبين الله، فإنه من أصلح ما بينه وبين الله، أصلح الله ما بينه وبين الخلق، ومن التمس محامد الناس بسخط الله عاد حامده من الناس ذاماً له. ومن أعجب ما روي في هذا، ما روي عن أبي جعفر السائح قال: ( كان حبيب أبو محمد تاجراً يكري الدراهم، فمر ذات يوم بصبيان فإذا هم يلعبون، فقال بعضهم لبعض: قد جاء آكل الربا. فنكس رأسه، وقال: يا رب، أفشيت سري إلى الصبيان. فرجع فجمع ماله كله، وقال: يا رب، إني أسير، وإني قد اشتريت نفسي منك بهذا المال فاعتقني، فلما أصبح تصدق بالمال كله، وأخذ في العبادة، ثم مرّ ذات يوم بأولئك الصبيان، فلما رأوه قال بعضهم لبعض: اسكتوا فقد جاء حبيب العابد. فبكى، وقال: يا رب، أنت تذم مرة وتحمد مرة، وكله من عندك ). قال سفيان الثوري: ( إن اتقيت الله كفاك الناس، وإن اتقيت الناس لن يغنوا عنك من الله شيئاً ). وودّع ابن عون رجلاً فقال: ( عليك بتقوى الله، فإن المتقي ليست عليه وحشة ). قال زيد بن أسلم: ( كان يقال: من اتقى الله أحبه الناس وإن كرهوا ). نسأل الله عز وجل أن يرزقنا خشيته في الغيب والشهادة، وفي السر والعلانية. عبدالقيوم السحيباني دار القاسم
|
13 Feb 2013, 12:55 AM
|
#2 |
|
الحسني
![]() ![]() ![]() ![]() ![]() ![]() ![]() ![]() ![]() ![]() ![]() ![]()
|
رد: المراقبة الذاتية
أختي الفاضلة الكريمة
جعل الله تعالى كل ماتقدمينه في ميزان حسناتكم اللهم ربنا أنصر بها السنة وأنفع بها الأمة |
|
13 Feb 2013, 01:00 AM
|
#3 |
|
مدير عام إدارة الطب الإلهي والنبوي ــ جزاه الله خيرا
![]() ![]() ![]() ![]() ![]() ![]() ![]()
|
رد: المراقبة الذاتية
أحسنتم أختنا أحسن الله تعالى إليكم
بارك الله فيك وجزاك الله خيرا |
جوال:00201007787500 بريدي: salah.almanawy@yahoo.com
•
http://www.jinnsc.com/vb/t14435/
• http://www.jinnsc.com/vb/t15593/ • http://www.jinnsc.com/vb/t16358/
|
13 Feb 2013, 01:16 AM
|
#4 |
|
وسام الشرف - مشرفة قروب - أخوات البحث العلمي - جزاها الله تعالى خيرا
** أم عمـــر **
![]() ![]() ![]() ![]() ![]() ![]() ![]()
|
رد: المراقبة الذاتية
جزاكــ الله خيرا وجعله في ميزان حسناتكــ |
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى: 🌱 اجعل نفسك دائماً في تفاؤل والذي يريده الله سيكون وكن مسروراً فرحاً واسع الصدر ،، فالدنيا أمامك واسعة والطريق مفتوح ✨ فهذا هو الخير ،،، 📚 شرح رياض الصالحين - ج4 ص87 🦋🍃
|
22 Mar 2013, 02:22 AM
|
#5 | |
|
وسام الشرف - قروب ـ رياحين الإخاء جزاها الله خيرا
![]() ![]() ![]() ![]() ![]() ![]() ![]()
|
رد: المراقبة الذاتية
اقتباس:
شكر الله لكم طيب مرورك شيخنا الفاضل ودعائك الطيب ورزقكم الجنه دون حساب ولا سابقة عذاب |
|
|
22 Mar 2013, 02:28 AM
|
#6 | |
|
وسام الشرف - قروب ـ رياحين الإخاء جزاها الله خيرا
![]() ![]() ![]() ![]() ![]() ![]() ![]()
|
رد: المراقبة الذاتية
اقتباس:
آآآمين يارب العالمين واياكم والمسلمين شكر الله لك شيخنا الفاضل طيب مرورك ودعائك الطيب رزقك ربى الجنه دون حساب ولا سابقة عذاب |
|
|
22 Mar 2013, 02:32 AM
|
#7 |
|
وسام الشرف - قروب ـ رياحين الإخاء جزاها الله خيرا
![]() ![]() ![]() ![]() ![]() ![]() ![]()
|
رد: المراقبة الذاتية
جزانا واياكِ اختى الفاضله شكر الله لكِ طيب مروركودعائك الطيب اخيتى |
|
06 Sep 2013, 02:30 AM
|
#9 |
|
وسام الشرف - قروب ـ رياحين الإخاء جزاها الله خيرا
![]() ![]() ![]() ![]() ![]() ![]() ![]()
|
رد: المراقبة الذاتية
سلمكِ الله اختاه
وفيكِ الله بارك اختى الفاضل |
|
![]() |
| مواقع النشر (المفضلة) |
|
|
![]()