اعلانات
اعلانات     اعلانات
 


﴿ بِسۡمِ ٱللَّهِ ٱلرَّحۡمَـٰنِ ٱلرَّحِيمِ ﴾ الٓمٓ ﴿١﴾ ذَٰلِكَ ٱلۡكِتَٰبُ لَا رَيۡبَۛ فِيهِۛ هُدٗى لِّلۡمُتَّقِينَ ﴿٢﴾ ٱلَّذِينَ يُؤۡمِنُونَ بِٱلۡغَيۡبِ وَيُقِيمُونَ ٱلصَّلَوٰةَ وَمِمَّا رَزَقۡنَٰهُمۡ يُنفِقُونَ ﴿٣﴾ وَٱلَّذِينَ يُؤۡمِنُونَ بِمَآ أُنزِلَ إِلَيۡكَ وَمَآ أُنزِلَ مِن قَبۡلِكَ وَبِٱلۡأٓخِرَةِ هُمۡ يُوقِنُونَ ﴿٤﴾ أُوْلَٰٓئِكَ عَلَىٰ هُدٗى مِّن رَّبِّهِمۡۖ وَأُوْلَٰٓئِكَ هُمُ ٱلۡمُفۡلِحُونَ ﴿٥﴾ البقرة .

روى الإمام مسلم عن أبي أمامة الباهلي قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( اقرَؤوا القُرآنَ؛ فإنَّه يَأتي شَفيعًا يومَ القيامةِ لصاحبِه، اقرَؤوا الزَّهراوَينِ: البَقرةَ وآلَ عِمرانَ؛ فإنَّهما يَأتِيانِ يومَ القيامةِ كأنَّهما غَيايتانِ، أو كأنَّهما غَمامتانِ، أو كأنَّهما فِرقانِ مِن طَيرٍ صَوافَّ يُحاجَّانِ عن أصحابِهما، اقرَؤوا سورةَ البَقرةِ؛ فإنَّ أخذَها بَركةٌ، وتَركَها حَسرةٌ، ولا تَستطيعُها البَطَلةُ ) .


           :: الكعبة (آخر رد :عائد لله)       :: الحجامة فضلها وفوائدها . (آخر رد :المكي)       :: افضل ايام الحجامة . (آخر رد :المكي)       :: سورة يس (آخر رد :طالبة علم شرعي)       :: "وأشرقت الأرض بنور ربها" تلاوة رائعة بصوت الطفلة بشرى . (آخر رد :ابن الورد)       :: حلم الدموع (آخر رد :hoor)       :: كحل الإثمد ، تعريفه ، ومصدره ، وفوائده ، وضوابط استعماله للنساء والرجال (آخر رد :المكي)       :: الحشد المليوني على الحدود وساعة الصفر تقترب من جزيرة العرب (آخر رد :ابن الورد)       :: طالبان والرايات السود / ظهور المهدي في جيش المشرق / خراسان (آخر رد :ابن الورد)       :: السرطان ليس مرض . (آخر رد :المكي)      

 تغيير اللغة     Change language
Google
الزوار من 2005:
Free Website Hit Counter

عالم الجان ـ علومه ـ أخباره ـ أسراره ـ خفاياه . الإدارة العلمية والبحوث World of the jinn من الكتاب والسنة والأثر وماورد عن الثقات العدول من العلماء والصالحين وماتواتر عن الناس ومااشتهر عن الجن أنفسهم .

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
#1  
قديم 15 Aug 2012, 07:16 AM
طالب علم
باحث علمي ـ جزاه الله خيرا
طالب علم غير متصل
لوني المفضل Cadetblue
 رقم باحث : 2783
 تاريخ التسجيل : May 2008
 فترة الأقامة : 6377 يوم
 أخر زيارة : 09 Aug 2024 (06:43 PM)
 المشاركات : 2,582 [ + ]
 التقييم : 11
 معدل التقييم : طالب علم is on a distinguished road
بيانات اضافيه [ + ]
شياطين الجان يبنون يغوصون يسلسلون بالحديد ـ إذا الجان صالح كذلك .



بسم الله الرحمن الرحيم
قال الله عزوجل ( وَلَقَدْ فَتَنَّا سُلَيْمَانَ وَأَلْقَيْنَا عَلَىٰ كُرْسِيِّهِ جَسَدًا ثُمَّ أَنَابَ (34) قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكًا لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي ۖ إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ (35) فَسَخَّرْنَا لَهُ الرِّيحَ تَجْرِي بِأَمْرِهِ رُخَاءً حَيْثُ أَصَابَ (36) وَالشَّيَاطِينَ كُلَّ بَنَّاءٍ وَغَوَّاصٍ (37) وَآخَرِينَ مُقَرَّنِينَ فِي الْأَصْفَادِ (38) هَٰذَا عَطَاؤُنَا فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسَابٍ (39) سورة ص .
نقرأ تفسيرها في تفسير الجلالين :
تنبيه قال شيخنا عبدالعزيز بن باز يرحمه الله تعالى بأن تفسير الجلالين فيه بعض الأخطاء شاهدوا هذا الرابط :

ونص التفسير يقول :
34. ( ولقد فتنا سليمان ) ابتليناه بسلب ملكه وذلك لتزوجه بامرأة عشقها وكانت تعبد الصنم في داره من غير علمه وكان ملكه في خاتمه فنزعه مرة عند إرادة الخلاء ووضعه عند امرأته المسماة بالأمنية على عادته فجاءها جني في صورة سليمان فأخذه منها ( وألقينا على كرسيه جسدا ) هو ذلك الجني وهو صخر أو غيره جلس على كرسي سليمان وعكفت عليه الطير وغيرها فخرج سليمان في غير هيئته فرآه على كرسيه وقال للناس أنا سليمان فأنكروه ( ثم أناب ) رجع إلى ملكه بعد أيام بأن وصل إلى الخاتم فلبسه وجلس على كرسيه
35. ( قال رب اغفر لي وهب لي ملكا لا ينبغي ) لا يكون ( لأحد من بعدي ) أي سواي نحو فمن يهديه من بعد الله أي سوى الله ( إنك أنت الوهاب )
36. ( فسخرنا له الريح تجري بأمره رخاء ) لينة ( حيث أصاب ) أراد
37. ( والشياطين كل بناء ) يبني الأبنية العجيبة ( وغواص ) في البحر يستخرج اللؤلؤ
38. ( وآخرين ) منهم ( مقرنين ) مشدودين ( في الأصفاد ) القيود بجمع أيديهم إلى أعناقهم
39. وقلنا له ( هذا عطاؤنا فامنن ) أعط منه من شئت ( أو أمسك ) عن العطاء ( بغير حساب ) أي لا حساب عليك في ذلك .
والشاهد لنا في أن شياطين الجان منهم بناؤون وغواصون ومنهم من يسلسل بالسلاسل والأغلال .






آخر تعديل ابن الورد يوم 15 Aug 2012 في 05:27 PM.
رد مع اقتباس
قديم 15 Aug 2012, 07:21 AM   #2
طالب علم
باحث علمي ـ جزاه الله خيرا


الصورة الرمزية طالب علم
طالب علم غير متصل

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم باحث : 2783
 تاريخ التسجيل :  May 2008
 أخر زيارة : 09 Aug 2024 (06:43 PM)
 المشاركات : 2,582 [ + ]
 التقييم :  11
لوني المفضل : Cadetblue
رد: شياطين الجان يبنون يغوصون يسلسلون بالحديد ـ إذا الجان صالح كذلك .



بسم الله الرحمن الرحيم

نقرأ تفسيرها في التفسير الميسر :
قال الله عزوجل ( وَلَقَدْ فَتَنَّا سُلَيْمَانَ وَأَلْقَيْنَا عَلَى كُرْسِيِّهِ جَسَدًا ثُمَّ أَنَابَ ( 34 ) قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكًا لا يَنْبَغِي لأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ ( 35 ) فَسَخَّرْنَا لَهُ الرِّيحَ تَجْرِي بِأَمْرِهِ رُخَاءً حَيْثُ أَصَابَ ( 36 )

ولقد ابتلينا سليمان وألقينا على كرسيه شق وَلَد, وُلِد له حين أقسم ليطوفنَّ على نسائه, وكلهن تأتي بفارس يجاهد في سبيل الله, ولم يقل: إن شاء الله، فطاف عليهن جميعًا، فلم تحمل منهن إلا امرأة واحدة جاءت بشق ولد, ثم رجع سليمان إلى ربه وتاب، قال: رب اغفر لي ذنبي, وأعطني ملكًا عظيمًا خاصًا لا يكون مثله لأحد من البشر بعدي، إنك- سبحانك- كثير الجود والعطاء. فاستجبنا له, وذللنا الريح تجري بأمره طيِّعة مع قوتها وشدتها حيث أراد.

وَالشَّيَاطِينَ كُلَّ بَنَّاءٍ وَغَوَّاصٍ ( 37 ) وَآخَرِينَ مُقَرَّنِينَ فِي الأَصْفَادِ ( 38 ) هَذَا عَطَاؤُنَا فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسَابٍ ( 39 ) سورة ص .

وسخَّرنا له الشياطين يستعملهم في أعماله: فمنهم البناؤون والغوَّاصون في البحار، وآخرون, وهم مردة الشياطين, موثوقون في الأغلال. هذا المُلْك العظيم والتسخير الخاص عطاؤنا لك يا سليمان, فأعط مَن شئت وامنع مَن شئت, لا حساب عليك.


 

رد مع اقتباس
قديم 15 Aug 2012, 07:30 AM   #3
طالب علم
باحث علمي ـ جزاه الله خيرا


الصورة الرمزية طالب علم
طالب علم غير متصل

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم باحث : 2783
 تاريخ التسجيل :  May 2008
 أخر زيارة : 09 Aug 2024 (06:43 PM)
 المشاركات : 2,582 [ + ]
 التقييم :  11
لوني المفضل : Cadetblue
رد: شياطين الجان يبنون يغوصون يسلسلون بالحديد ـ إذا الجان صالح كذلك .



بسم الله الرحمن الرحيم
نقرأ تفسيرها في تفسير لبن كثير :
قال الله عزوجل ( وَلَقَدْ فَتَنَّا سُلَيْمَانَ وَأَلْقَيْنَا عَلَى كُرْسِيِّهِ جَسَدًا ثُمَّ أَنَابَ ( 34 ) قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكًا لا يَنْبَغِي لأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ ( 35 ) فَسَخَّرْنَا لَهُ الرِّيحَ تَجْرِي بِأَمْرِهِ رُخَاءً حَيْثُ أَصَابَ ( 36 ) وَالشَّيَاطِينَ كُلَّ بَنَّاءٍ وَغَوَّاصٍ ( 37 ) وَآخَرِينَ مُقَرَّنِينَ فِي الأَصْفَادِ ( 38 ) هَذَا عَطَاؤُنَا فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسَابٍ ( 39 ) وَإِنَّ لَهُ عِنْدَنَا لَزُلْفَى وَحُسْنَ مَآبٍ ( 40 ) سورة ص .
يقول تعالى: ( وَلَقَدْ فَتَنَّا سُلَيْمَانَ ) أي:اختبرناه بأن سلبناه الملك مرة، ( وَأَلْقَيْنَا عَلَى كُرْسِيِّهِ جَسَدًا ) قال ابن عباس، ومجاهد وسعيد بن جبير والحسن وقتادة وغيرهم:يعني شيطانا. ( ثُمَّ أَنَابَ ) أي: رجع إلى ملكه وسلطانه وأبهته.
قال ابن جرير:وكان اسم ذلك الشيطان صخرا. قاله ابن عباس، وقتادة. وقيل:آصف. قاله مجاهد وقيل:آصروا. قاله مجاهد أيضا. وقيل:حبقيق. قاله السدي. وقد ذكروا هذه القصة مبسوطة ومختصرة.
وقد قال سعيد بن أبي عَرُوبة عن قتادة:قال أمر سليمان، عليه السلام ببناء بيت المقدس فقيل له:ابنه ولا يُسمَعُ فيه صوت حديد. فقال:فطلب ذلك فلم يقدر عليه. فقيل له:إن شيطانا في البحر يقال له: « صخر » شبه المارد. قال:فطلبه وكانت عين في البحر يَردهُا في كل سبعة أيام مرة فنـزح ماؤها وجعل فيها خمر، فجاء يوم ورْده فإذا هو بالخمر فقال:إنك لشراب طيب إلا أنك تصبين الحليم، وتزيدين الجاهل جهلا. ثم رجع حتى عطش عطشا شديدا ثم أتاها فقال:إنك لشراب طيب إلا أنك تصبين الحليم، وتزيدين الجاهل جهلا. ثم شربها حتى غلبت على عقله، قال:فأري الخاتم أو ختم به بين كتفيه فَذَلَّ. قال:وكان ملكه في خاتمه فأتي به سليمان فقال:إنه قد أمرنا ببناء هذا البيت وقيل لنا:لا يسمعن فيه صوت حديد. قال:فأتى ببيض الهدهد فجعل عليه زجاجة فجاء الهدهد فدار حولها، فجعل يرى بيضه ولا يقدر عليه فذهب فجاء بالماس فوضعه عليه فقطعها به حتى أفضى إلى بيضه. فأخذ الماس فجعلوا يقطعون به الحجارة. وكان سليمان [ عليه السلام ] إذا أراد أن يدخل الخلاء - أو:الحمام- لم يدخل بخاتمه فانطلق يوما إلى الحمام وذلك الشيطان صخر معه، وذلك عند مقارفة قارف فيه بعض نسائه. قال:فدخل الحمام وأعطى الشيطان خاتمه فألقاه في البحر فالتقمته سمكة، ونـزع مُلك سليمان منه وألقي على الشيطان شَبَه سليمان. قال:فجاء فقعد على كرسيه وسريره وسُلِّط على ملك سليمان كله غير نسائه. قال:فجعل يقضي بينهم، وجعلوا ينكرون منه أشياء حتى قالوا:لقد فتن نبي الله. وكان فيهم رجل يشبهونه بعمر بن الخطاب في القوة فقال:والله لأجربنه. قال:فقال:يا نبي الله - وهو لا يرى إلا أنه نبي الله- أحدنا تصيبه الجنابة في الليلة الباردة فيدع الغسل عمدا حتى تطلع الشمس أترى عليه بأسا؟ فقال: لا. قال:فبينا هو كذلك أربعين ليلة حتى وجد نبي الله خاتمه في بطن سمكة فأقبل فجعل لا يستقبله جني ولا طير إلا سجد له حتى انتهى إليهم، ( وَأَلْقَيْنَا عَلَى كُرْسِيِّهِ جَسَدًا ) قال:هو الشيطان صخر
وقال السدي: ( وَلَقَدْ فَتَنَّا سُلَيْمَانَ ) أي:ابتلينا سليمان، ( وَأَلْقَيْنَا عَلَى كُرْسِيِّهِ جَسَدًا ) قال:جلس الشيطان على كرسيه أربعين يوما. قال:وكان لسليمان عليه السلام مائة امرأة وكانت امرأة منهن يقال لها: « جرادة » ، وهي آثر نسائه وآمنهن عنده وكان إذا أجنب أو أتى حاجة نـزع خاتمه ولم يأتمن عليه أحدا من الناس غيرها فأعطاها يوما خاتمه ودخل الخلاء فخرج الشيطان في صورته فقال:هاتي الخاتم. فأعطته فجاء حتى جلس على مجلس سليمان وخرج سليمان بعد ذلك فسألها أن تعطيه خاتمه، فقالت:ألم تأخذه قبل؟ قال:لا. وخرج مكانه تائها. قال:ومكث الشيطان يحكم بين الناس أربعين يوما، قال:فأنكر الناس أحكامه فاجتمع قراء بني إسرائيل وعلماؤهم فجاءوا حتى دخلوا على نسائه فقالوا:إنا قد أنكرنا هذا فإن كان سليمان فقد ذهب عقله وأنكرنا أحكامه. قال:فبكى النساء عند ذلك قال:فأقبلوا يمشون حتى أتوا فأحدقوا به ثم نشروا التوراة فقرءوا. قال:فطار من بين أيديهم حتى وقع على شرفة والخاتم معه. ثم طار حتى ذهب إلى البحر فوقع الخاتم منه في البحر فابتلعه حوت من حيتان البحر. قال:وأقبل سليمان في حاله التي كان فيها حتى انتهى إلى صياد من صيادي البحر وهو جائع وقد اشتد جوعه. فاستطعمهم من صيدهم وقال:إني أنا سليمان. فقام إليه بعضهم فضربه بعصا فشجه فجعل يغسل دمه وهو على شاطئ البحر فلام الصيادون صاحبهم الذي ضربه فقالوا بئس ما صنعت حيث ضربته. قال:إنه زعم أنه سليمان. قال:فأعطوه سمكتين مما قد مذر عندهم فلم يشغله ما كان به من الضرب حتى قام إلى شط البحر فشق بطونهما فجعل يغسل [ دمه ] فوجد خاتمه في بطن إحداهما فأخذه فلبسه فرد الله عليه بهاءه وملكه، وجاءت الطير حتى حامت عليه فعرف القوم أنه سليمان عليه السلام فقام القوم يعتذرون مما صنعوا [ به ] فقال:ما أحمدكم على عذركم ولا ألومكم على ما كان منكم، كان هذا الأمر لا بد منه. قال:فجاء حتى أتى ملكه وأرسل إلى الشيطان فجيء به فأمر به فجعل في صندوق من حديد، ثم أطبق عليه وقفل عليه بقفل وختم عليه بخاتمه ثم أمر به فألقي في البحر فهو فيه حتى تقوم الساعة. وكان اسمه حبقيق قال:وسخر له الريح ولم تكن سخرت له قبل ذلك وهو قوله: ( وَهَبْ لِي مُلْكًا لا يَنْبَغِي لأحَدٍ مِنْ بَعْدِي إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ )
وقال ابن أبي نجيح، عن مجاهد قوله: ( وَأَلْقَيْنَا عَلَى كُرْسِيِّهِ جَسَدًا ) قال:شيطانا يقال له:آصف. فقال له سليمان:كيف تفتنون الناس؟ قال:أرني خاتمك أخبرك. فلما أعطاه إياه نبذه آصف في البحر فساح سليمان وذهب ملكه، وقعد آصف على كرسيه ومنعه الله نساء سليمان فلم يقربهن - ولم يقربنه وأنكرنه. قال:فكان سليمان يستطعم فيقول:أتعرفوني ؟ أطعموني أنا سليمان فيكذبونه، حتى أعطته امرأة يوما حوتا فجعل يطيب بطنه، فوجد خاتمه في بطنه فرجع إليه ملكه وفر آصف فدخل البحر فارا.
وهذه كلها من الإسرائيليات ومن أنكرها ما قاله ابن أبي حاتم:
حدثنا علي بن الحسين حدثنا محمد بن العلاء وعثمان بن أبي شيبة وعلي بن محمد قالوا:حدثنا أبو معاوية أخبرنا الأعمش عن المنهال بن عمرو عن سعيد بن جبير عن ابن عباس [ رضي الله عنهما ] ( وَأَلْقَيْنَا عَلَى كُرْسِيِّهِ جَسَدًا ثُمَّ أَنَابَ ) قال:أراد سليمان أن يدخل الخلاء فأعطى الجرادة خاتمه - وكانت الجرادة امرأته وكانت أحب نسائه إليه- فجاء الشيطان في صورة سليمان فقال لها:هاتي خاتمي. فأعطته إياه. فلما لبسه دانت له الإنس والجن والشياطين فلما خرج سليمان من الخلاء قال لها:هاتي خاتمي. قالت:قد أعطيته سليمان. قال:أنا سليمان. قالت:كذبت لست سليمان فجعل لا يأتي أحدا يقول له: « أنا سليمان » ، إلا كذبه حتي جعل الصبيان يرمونه بالحجارة. فلما رأى ذلك عَرَف أنه من أمر الله عز وجل. قال:وقام الشيطان يحكم بين الناس فلما أراد الله أن يرد على سليمان سلطانه ألقى في قلوب الناس إنكار ذلك الشيطان. قال:فأرسلوا إلى نساء سليمان فقالوا لهن:أتنكرن من سليمان شيئاً؟ قلن:نعم إنه يأتينا ونحن حيض وما كان يأتينا قبل ذلك. فلما رأى الشيطان أنه قد فطن له ظن أن أمره قد انقطع فكتبوا كتبا فيها سحر وكفر، فدفنوها تحت كرسي سليمان ثم أثاروها وقرءوها على الناس. وقالوا: بهذا كان يظهر سليمان على الناس [ ويغلبهم ] فأكفر الناس سليمان عليه السلام فلم يزالوا يكفرونه وبعث ذلك الشيطانُ بالخاتم فطرحه في البحر فتلقته سمكة فأخذته. وكان سليمان يحمل على شط البحر بالأجر فجاء رجل فاشترى سمكاً فيه تلك السمكة التي في بطنها الخاتم فدعا سليمان فقال:تحمل لي هذا السمك؟ فقال:نعم. قال:بكم؟ قال بسمكة من هذا السمك. قال:فحمل سليمان عليه السلام السمك ثم انطلق به إلى منـزله فلما انتهى الرجل إلى بابه أعطاه تلك السمكة التي في بطنها الخاتم فأخذها سليمان فشق بطنها، فإذا الخاتم في جوفها فأخذه فلبسه. قال:فلما لبسه دانت له الجن والإنس والشياطين وعاد إلى حاله وَهَرب الشيطان حتى دخل جزيرة من جزائر البحر فأرسل سليمان في طلبه وكان شيطاناً مريداً فجعلوا يطلبونه ولا يقدرون عليه حتى وجدوه يوماً نائماً فجاءوا فبنوا عليه بنيانا من رصاص فاستيقظ فوثب فجعل لا يثب في مكان من البيت إلا أنماط معه من الرصاص قال:فأخذوه فأوثقوه وجاءوا به إلى سليمان، فأمر به فنقر له تخت من رخام ثم أدخل في جوفه ثم سد بالنحاس ثم أمر به فطرح في البحر فذلك قوله: ( وَلَقَدْ فَتَنَّا سُلَيْمَانَ وَأَلْقَيْنَا عَلَى كُرْسِيِّهِ جَسَدًا ثُمَّ أَنَابَ ) قال:يعني الشيطان الذي كان سلط عليه.
إسناده إلى ابن عباس قوي ولكن الظاهر أنه إنما تلقاه ابن عباس - إن صح عنه- من أهل الكتاب، وفيهم طائفة لا يعتقدون نبوة سليمان عليه السلام فالظاهر أنهم يكذبون عليه ولهذا كان في السياق منكرات من أشدها ذكر النساء فإن المشهور أن ذلك الجني لم يسلط على نساء سليمان بل عصمهن الله منه تشريفاً وتكريماً لنبيه صلى الله عليه وسلم، وقد رويت هذه القصة مطولة عن جماعة من السلف، كسعيد بن المسيب وزيد بن أسلم وجماعة آخرين وكلها متُلقًّاة من قصص أهل الكتاب والله أعلم بالصواب.
وقال يحيى بن أبي عمرو السيباني:وجد سليمان خاتمه في عسقلان، فمشى في خرقة إلى بيت المقدس تواضعا لله عز وجل، رواه ابن أبي حاتم.
وقد روى ابن أبي حاتم عن كعب الأحبار في صفة كرسي سليمان عليه الصلاة والسلام خبرا عجيبا فقال:حدثنا أبي رحمه الله، حدثنا أبو صالح كاتب الليث أخبرني أبو إسحاق المصري عن كعب الأحبار؛ أنه لما فرغ من حديث « إرم ذات العماد » قال له معاوية:يا أبا إسحاق أخبرني عن كرسي سليمان بن داود وما كان عليه؛ ومن أي شيء هو؟ فقال:كان كرسي سليمان من أنياب الفيلة مُفَصّصاً بالدر والياقوت والزبرجد واللؤلؤ. وقد جُعل له درجة منها مُفَصّصة بالدر والياقوت والزبرجد ثم أمر بالكرسي فحُفّ من جانبيه بالنخل، نخل من ذهب شماريخها من ياقوت وزبرجد ولؤلؤ. وجعل على رءوس النخل التي عن يمين الكرسي طواويس من ذهب، ثم جعل على رءوس النخل التي على يسار الكرسي نسور من ذهب مقابلة الطواويس، وجعل على يمين الدرجة الأولى شجرتا صنوبر من ذهب، وعن يسارها أسدان من ذهب وعلى رءوس الأسدين عمودان من زبرجد وجعل من جانبي الكرسي شجرتا كرم من ذهب قد أظلتا الكرسي وجعل عناقيدهما درا وياقوتا أحمر. ثم جُعل فوق دَرَج الكرسي أسَدَان عظيمان من ذهب مجوفان محشوان مسكا وعنبرا. فإذا أراد سليمان أن يصعد على كرسيه استدار الأسدان ساعة ثم يقعان فينضحان ما في أجوافهما من المسك والعنبر حول كرسي سليمان عليه السلام، ثم يوضع منبران من ذهب واحد لخليفته والآخر لرئيس أحبار بني إسرائيل ذلك الزمان. ثم يوضع أمام كرسيه سبعون منبرا من ذهب يقعد عليها سبعون قاضيا من بني إسرائيل وعلمائهم وأهل الشرف منهم والطول ومن خلف تلك المنابر كلها خمسة وثلاثون منبرا من ذهب ليس عليها أحد، فإذا أراد أن يصعد على كرسيه وضع قدميه على الدرجة السفلى فاستدار الكرسي كله بما فيه وما عليه، ويبسط الأسد يده اليمنى وينشر النسر جناحه الأيسر ثم يصعد [ سليمان ] على الدرجة الثانية فيبسط الأسد يده اليسرى وينشر النسر جناحه الأيمن فإذا استوى سليمان على الدرجة الثالثة وقعد على الكرسي أخذ نسر من تلك النسور عظيم تاج سليمان فوضعه على رأسه فإذا وضعه على رأسه استدار الكرسي بما فيه كما تدور الرحى المسرعة. فقال معاوية رضي الله عنه:وما الذي يديره يا أبا إسحاق؟ قال:تنين من ذهب ذلك الكرسي عليه وهو عظيم مما عمله صخر الجني فإذا أحست بدورانه تلك النسور والأسْدُ والطواويس التي في أسفل الكرسي دُرْنَ إلى أعلاه فإذا وقف وقفن كلهن منكسات رءوسهن على رأس سليمان [ ابن داود ] عليه السلام وهو جالس ثم ينضحن جميعًا ما في أجوافهن من المسك والعنبر على رأس سليمان عليه السلام. ثم تتناول حمامة من ذهب واقفة على عمود من جوهر التوراةَ فتجعلها في يده فيقرؤها سليمان على الناس.
وذكر تمام الخبر وهو غريب جدا .
( قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكًا لا يَنْبَغِي لأحَدٍ مِنْ بَعْدِي إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ ) قال بعضهم:معناه:لا ينبغي لأحد من بعدي أي:لا يصلح لأحد أن يسلبنيه كما كان من قضية الجسد الذي ألقي على كرسيه لا أنه يحجر على من بعده من الناس. والصحيح أنه سأل من الله تعالى ملكا لا يكون لأحد من بعده من البشر مثله، وهذا هو ظاهر السياق من الآية وبه وردت الأحاديث الصحيحة من طرق عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قال البخاري عند تفسير هذه الآية:حدثنا إسحاق بن إبراهيم أخبرنا روح ومحمد بن جعفر عن شعبة عن محمد بن زياد عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: « إن عفريتا من الجن تَفَلَّت عليّ البارحة - أو كلمة نحوها- ليقطع علي الصلاة فأمكنني الله منه وأردت أن أربطه إلى سارية من سواري المسجد حتى تُصبحوا وتنظروا إليه كلكم فذكرت قول أخي سليمان: ( رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكًا لا يَنْبَغِي لأحَدٍ مِنْ بَعْدِي ) »
قال روح:فرده خاسئا
وكذا رواه مسلم والنسائي من حديث شعبة به
وقال مسلم في صحيحه:حدثنا محمد بن سلمة المُرَادي حدثنا عبد الله بن وهب عن معاوية بن صالح حدثني ربيعة بن يَزيد عن أبي إدريس الخولاني عن أبي الدرداء قال:قام رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي فسمعناه يقول: « أعوذ بالله منك » . ثم قال: « ألعنك بلعنة الله » - ثلاثا- وبسط يَدَه كأنه يتناول شيئا فلما فرغ من الصلاة قلنا:يا رسول الله، قد سمعناك تقول في الصلاة شيئا لم نسمعك تقوله قبل ذلك ورأيناك بسطت يدك؟ قال: « إن عدو الله إبليس جاء بشهاب من نار ليجعله في وجهي فقلت:أعوذ بالله منك - ثلاث مرات- ثم قلت:ألعنك بلعنة الله التامة. فلم يستأخر ثلاث مرات ثم أردت أخْذَه والله لولا دعوة أخينا سليمان لأصبح موثقا يلعب به صبيان أهل المدينة »
وقال الإمام أحمد:حدثنا أبو أحمد حدثنا ميسرة بن معبد حدثنا أبو عبيد حاجب سليمان قال:رأيت عطاء بن يزيد الليثي قائما يصلي، فذهبت أمر بين يديه فردني ثم قال حدثني أبو سعيد الخدري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قام يصلي صلاة الصبح وهو خلفه فقرأ فالتبست عليه القراءة فلما فرغ من صلاته قال: « لو رأيتموني وإبليس فأهويت بيدي فما زلت أخنقه حتى وجدت بَرْدَ لعابه بين أصبعي هاتين - الإبهام والتي تليها- ولولا دعوة أخي سليمان لأصبح مربوطا بسارية من سواري المسجد، يتلاعب به صبيان المدينة فمن استطاع منكم ألا يحول بينه وبين القبلة أحد فليفعل » .
وقد روى أبو داود منه: « من استطاع منكم ألا يحول بينه وبين القبلة أحد فليفعل » عن أحمد بن أبي سُرَيج عن أبي أحمد الزبيري به
وقال الإمام أحمد:حدثنا معاوية بن عمرو حدثنا إبراهيم بن محمد الفزاري حدثنا الأوزاعي، حدثني ربيعة بن يزيد عن عبد الله الديلمي قال:دخلت على عبد الله بن عمرو، وهو في حائط له بالطائف يقال له: « الوهط » ، وهو مُخَاصر فتى من قريش يُزَنّ بشُرْب الخمر، فقلت:بلغني عنك حديث أنه « من شرب شربة خَمْر لم يقبل الله - عز وجل- له تَوبَةً أربعين صباحًا، وإن الشقي من شقي في بطن أمه وإنه من أتى بيت المقدس لا يَنْهَزه إلا الصلاة فيه، خرج من خطيئته مثل يوم ولدته أمه، فلما سمع الفتى ذكر الخمر اجتذب يده من يده ثم انطلق. فقال عبد الله بن عمرو إني لا أحل لأحد أن يقول عَلَيّ ما لم أقل سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: » من شرب من الخمر شربة لم تقبل له صلاة أربعين صباحا فإن تاب تاب الله عليه فإن عاد لم تقبل له صلاة أربعين صباحا فإن تاب تاب الله عليه. فإن عاد - قال فلا أدري في الثالثة أو الرابعة- فإن عاد كان حقا على الله أن يسقيه من رَدْغَة الخبال يوم القيامة « قال:وسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: » إن الله خلق خلقه في ظلمة ثم ألقى عليهم من نوره فمن أصابه من نوره يومئذ اهتدى ومن أخطأه ضل فلذلك أقول جف القلم على علم الله عز وجل « وسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: » إن سليمان سأل الله تعالى ثلاثا فأعطاه اثنتين ونحن نرجو أن تكون لنا الثالثة:سأله حكما يصادف حكمه فأعطاه إياه وسأله ملكا لا ينبغي لأحد من بعده فأعطاه إياه وسأله أيّما رجل خرج من بيته لا يريد إلا الصلاة في هذا المسجد خرج من خطيئته كيوم ولدته أمه فنحن نرجو أن يكون الله تعالى قد أعطانا إياها « »
وقد روى هذا الفصل الأخير من هذا الحديث النسائي وابن ماجه من طرق عن عبد الله بن فيروز الديلمي عن عبد الله بن عمرو قال:قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « إن سليمان لما بنى بيت المقدس سأل ربه عز وجل خلالا ثلاثا ... » وذكره
وقد روي من حديث رافع بن عمير رضي الله عنه، بإسناد وسياق غريبين فقال الطبراني:
حدثنا محمد بن الحسن بن قُتَيْبة العسقلاني حدثنا محمد بن أيوب بن سُوَيْد حدثني أبي حدثنا إبراهيم بن أبي عَبْلَة عن أبي الزاهرية عن رافع بن عمير قال:سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: « قال الله عز وجل لداود عليه السلام:ابن لي بيتًا في الأرض. فبنى داود بيتًا لنفسه قبل البيت الذي أمر به فأوحى الله إليه:يا داود نصبت بيتك قبل بيتي؟ قال:يا رب هكذا قضيت من ملك استأثر ثم أخذ في بناء المسجد فلما تم السور سقط ثلاثا فشكا ذلك إلى الله عز وجل فقال:يا داود إنك لا تصلح أن تبني لي بيتًا قال:ولم يا رب؟ قال:لما جرى على يديك من الدماء. قال:يا رب أو ما كان ذلك في هواك ومحبتك؟ قال:بلى ولكنهم عبادي وأنا أرحمهم فشق ذلك عليه فأوحى الله إليه:لا تحزن فإني سأقضي بناءه على يدي ابنك سليمان. فلما مات داود أخذ سليمان في بنائه فلما تم قرب القرابين وذبح الذبائح وجمع بني إسرائيل فأوحى الله إليه:قد أرى سرورَك ببنيان بيتي فسلني أعطك. قال:أسألك ثلاث خصال حكما يصادف حكمك وملكا لا ينبغي لأحد من بعدي ومن أتي هذا البيت لا يريد إلا الصلاة فيه خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه » . قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « أما ثنتان فقد أعطيهما وأنا أرجو أن يكون قد أعطي الثالثة »
وقال الإمام أحمد:حدثنا عبد الصمد حدثنا عُمَر بن راشد اليمامي، حدثنا إياس بن سلمة بن الأكوع عن أبيه قال:ما سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم دعا دعاءً إلا استفتحه بـ « سبحان الله ربي الأعلى العلي الوهاب »
وقد قال أبو عبيد:حدثنا علي بن ثابت عن جعفر بن بَرْقان عن صالح بن مسمار قال:لما مات نبي الله داود أوحى الله إلى ابنه سليمان عليهما السلام:أن سلني حاجتك. قال:أسألك أن تجعل لي قلبا يخشاك كما كان قلب أبي وأن تجعل قلبي يحبك كما كان قلب أبي. فقال الله:أرسلت إلى عبدي وسألته حاجته فكانت [ حاجته ] أن أجعل قلبه يخشاني وأن أجعل قلبه يحبني لأهَبَنّ له ملكا لا ينبغي لأحد من بعده. قال الله تعالى: ( فَسَخَّرْنَا لَهُ الرِّيحَ تَجْرِي بِأَمْرِهِ رُخَاءً حَيْثُ أَصَابَ ) والتي بعدها، قال:فأعطاه [ الله ] ما أعطاه وفي الآخرة لا حساب عليه.
هكذا أورده أبو القاسم بن عساكر في ترجمة سليمان عليه السلام في تاريخه
وروي عن بعض السلف أنه قال:بلغني عن داود [ عليه السلام ] أنه قال: « إلهي كن لسليمان كما كنت لي » :فأوحى الله إليه:أن قل لسليمان:يكون لي كما كنت لي، أكون له كما كنتُ لك.
وقوله: ( فَسَخَّرْنَا لَهُ الرِّيحَ تَجْرِي بِأَمْرِهِ رُخَاءً حَيْثُ أَصَابَ ) قال الحسن البصري رحمه الله:لما عقر سليمان الخيل غضبا لله، عز وجل عوضه الله ما هو خير منها وأسرع الريح التي غدوها شهر ورواحها شهر.
وقوله: ( حَيْثُ أَصَابَ ) أي:حيث أراد من البلاد .
وقوله: ( وَالشَّيَاطِينَ كُلَّ بَنَّاءٍ وَغَوَّاصٍ ) أي:منهم من هو مستعمل في الأبنية الهائلة من محاريب وتماثيل وجفان كالجواب وقدور راسيات إلى غير ذلك من الأعمال الشاقة التي لا يقدر عليها البشر وطائفة غواصون في البحار يستخرجون مما فيها من اللآلئ والجواهر والأشياء النفيسة التي لا توجد إلا فيها ( وَآخَرِينَ مُقَرَّنِينَ فِي الأصْفَادِ ) أي:موثقون في الأغلال والأكبال ممن قد تَمَرّد وعصى وامتنع من العمل وأبى أو قد أساء في صنيعه واعتدى .
وقوله: ( هَذَا عَطَاؤُنَا فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسَابٍ ) أي:هذا الذي أعطيناك من الملك التام والسلطان الكامل كما سألتنا فأعط من شئت واحرم من شئت، لا حساب عليك، أي:مهما فعلتَ فهو جائز لك احكم بما شئت فهو صواب. وقد ثبت في الصحيحين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما خُيِّر بين أن يكون عبدًا رسولا - وهو الذي يفعل ما يؤمر به وإنما هو قاسم يقسم بين الناس ما أمره الله به- وبين أن يكون ملكا نبيا يعطي من يشاء ويمنع من يشاء بلا حساب ولا جناح، اختار المنـزلة الأولى بعد ما استشار جبريل فقال له:تواضع فاختار المنـزلة الأولى لأنها أرفع قدرا عند الله وأعلى منـزلة في المعاد وإن كانت المنـزلة الثانية وهي النبوة مع الملك عظيمة أيضا في الدنيا والآخرة ولهذا لما ذكر تبارك وتعالى ما أعطى سليمان في الدنيا نبه على أنه ذو حظ عظيم عند الله يوم القيامة أيضا، فقال: ( وَإِنَّ لَهُ عِنْدَنَا لَزُلْفَى وَحُسْنَ مَآبٍ ) أي:في الدار الآخرة.


 

رد مع اقتباس
قديم 15 Aug 2012, 07:31 AM   #4
طالب علم
باحث علمي ـ جزاه الله خيرا


الصورة الرمزية طالب علم
طالب علم غير متصل

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم باحث : 2783
 تاريخ التسجيل :  May 2008
 أخر زيارة : 09 Aug 2024 (06:43 PM)
 المشاركات : 2,582 [ + ]
 التقييم :  11
لوني المفضل : Cadetblue
رد: شياطين الجان يبنون يغوصون يسلسلون بالحديد ـ إذا الجان صالح كذلك .



بسم الله الرحمن الرحيم
نقرأ تفسيرها في تفسير لبن كثير :
قال الله عزوجل ( وَلَقَدْ فَتَنَّا سُلَيْمَانَ وَأَلْقَيْنَا عَلَى كُرْسِيِّهِ جَسَدًا ثُمَّ أَنَابَ ( 34 ) قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكًا لا يَنْبَغِي لأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ ( 35 ) فَسَخَّرْنَا لَهُ الرِّيحَ تَجْرِي بِأَمْرِهِ رُخَاءً حَيْثُ أَصَابَ ( 36 ) وَالشَّيَاطِينَ كُلَّ بَنَّاءٍ وَغَوَّاصٍ ( 37 ) وَآخَرِينَ مُقَرَّنِينَ فِي الأَصْفَادِ ( 38 ) هَذَا عَطَاؤُنَا فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسَابٍ ( 39 ) وَإِنَّ لَهُ عِنْدَنَا لَزُلْفَى وَحُسْنَ مَآبٍ ( 40 ) سورة ص .
يقول تعالى: ( وَلَقَدْ فَتَنَّا سُلَيْمَانَ ) أي:اختبرناه بأن سلبناه الملك مرة، ( وَأَلْقَيْنَا عَلَى كُرْسِيِّهِ جَسَدًا ) قال ابن عباس، ومجاهد وسعيد بن جبير والحسن وقتادة وغيرهم:يعني شيطانا. ( ثُمَّ أَنَابَ ) أي: رجع إلى ملكه وسلطانه وأبهته.
قال ابن جرير:وكان اسم ذلك الشيطان صخرا. قاله ابن عباس، وقتادة. وقيل:آصف. قاله مجاهد وقيل:آصروا. قاله مجاهد أيضا. وقيل:حبقيق. قاله السدي. وقد ذكروا هذه القصة مبسوطة ومختصرة.
وقد قال سعيد بن أبي عَرُوبة عن قتادة:قال أمر سليمان، عليه السلام ببناء بيت المقدس فقيل له:ابنه ولا يُسمَعُ فيه صوت حديد. فقال:فطلب ذلك فلم يقدر عليه. فقيل له:إن شيطانا في البحر يقال له: « صخر » شبه المارد. قال:فطلبه وكانت عين في البحر يَردهُا في كل سبعة أيام مرة فنـزح ماؤها وجعل فيها خمر، فجاء يوم ورْده فإذا هو بالخمر فقال:إنك لشراب طيب إلا أنك تصبين الحليم، وتزيدين الجاهل جهلا. ثم رجع حتى عطش عطشا شديدا ثم أتاها فقال:إنك لشراب طيب إلا أنك تصبين الحليم، وتزيدين الجاهل جهلا. ثم شربها حتى غلبت على عقله، قال:فأري الخاتم أو ختم به بين كتفيه فَذَلَّ. قال:وكان ملكه في خاتمه فأتي به سليمان فقال:إنه قد أمرنا ببناء هذا البيت وقيل لنا:لا يسمعن فيه صوت حديد. قال:فأتى ببيض الهدهد فجعل عليه زجاجة فجاء الهدهد فدار حولها، فجعل يرى بيضه ولا يقدر عليه فذهب فجاء بالماس فوضعه عليه فقطعها به حتى أفضى إلى بيضه. فأخذ الماس فجعلوا يقطعون به الحجارة. وكان سليمان [ عليه السلام ] إذا أراد أن يدخل الخلاء - أو:الحمام- لم يدخل بخاتمه فانطلق يوما إلى الحمام وذلك الشيطان صخر معه، وذلك عند مقارفة قارف فيه بعض نسائه. قال:فدخل الحمام وأعطى الشيطان خاتمه فألقاه في البحر فالتقمته سمكة، ونـزع مُلك سليمان منه وألقي على الشيطان شَبَه سليمان. قال:فجاء فقعد على كرسيه وسريره وسُلِّط على ملك سليمان كله غير نسائه. قال:فجعل يقضي بينهم، وجعلوا ينكرون منه أشياء حتى قالوا:لقد فتن نبي الله. وكان فيهم رجل يشبهونه بعمر بن الخطاب في القوة فقال:والله لأجربنه. قال:فقال:يا نبي الله - وهو لا يرى إلا أنه نبي الله- أحدنا تصيبه الجنابة في الليلة الباردة فيدع الغسل عمدا حتى تطلع الشمس أترى عليه بأسا؟ فقال: لا. قال:فبينا هو كذلك أربعين ليلة حتى وجد نبي الله خاتمه في بطن سمكة فأقبل فجعل لا يستقبله جني ولا طير إلا سجد له حتى انتهى إليهم، ( وَأَلْقَيْنَا عَلَى كُرْسِيِّهِ جَسَدًا ) قال:هو الشيطان صخر
وقال السدي: ( وَلَقَدْ فَتَنَّا سُلَيْمَانَ ) أي:ابتلينا سليمان، ( وَأَلْقَيْنَا عَلَى كُرْسِيِّهِ جَسَدًا ) قال:جلس الشيطان على كرسيه أربعين يوما. قال:وكان لسليمان عليه السلام مائة امرأة وكانت امرأة منهن يقال لها: « جرادة » ، وهي آثر نسائه وآمنهن عنده وكان إذا أجنب أو أتى حاجة نـزع خاتمه ولم يأتمن عليه أحدا من الناس غيرها فأعطاها يوما خاتمه ودخل الخلاء فخرج الشيطان في صورته فقال:هاتي الخاتم. فأعطته فجاء حتى جلس على مجلس سليمان وخرج سليمان بعد ذلك فسألها أن تعطيه خاتمه، فقالت:ألم تأخذه قبل؟ قال:لا. وخرج مكانه تائها. قال:ومكث الشيطان يحكم بين الناس أربعين يوما، قال:فأنكر الناس أحكامه فاجتمع قراء بني إسرائيل وعلماؤهم فجاءوا حتى دخلوا على نسائه فقالوا:إنا قد أنكرنا هذا فإن كان سليمان فقد ذهب عقله وأنكرنا أحكامه. قال:فبكى النساء عند ذلك قال:فأقبلوا يمشون حتى أتوا فأحدقوا به ثم نشروا التوراة فقرءوا. قال:فطار من بين أيديهم حتى وقع على شرفة والخاتم معه. ثم طار حتى ذهب إلى البحر فوقع الخاتم منه في البحر فابتلعه حوت من حيتان البحر. قال:وأقبل سليمان في حاله التي كان فيها حتى انتهى إلى صياد من صيادي البحر وهو جائع وقد اشتد جوعه. فاستطعمهم من صيدهم وقال:إني أنا سليمان. فقام إليه بعضهم فضربه بعصا فشجه فجعل يغسل دمه وهو على شاطئ البحر فلام الصيادون صاحبهم الذي ضربه فقالوا بئس ما صنعت حيث ضربته. قال:إنه زعم أنه سليمان. قال:فأعطوه سمكتين مما قد مذر عندهم فلم يشغله ما كان به من الضرب حتى قام إلى شط البحر فشق بطونهما فجعل يغسل [ دمه ] فوجد خاتمه في بطن إحداهما فأخذه فلبسه فرد الله عليه بهاءه وملكه، وجاءت الطير حتى حامت عليه فعرف القوم أنه سليمان عليه السلام فقام القوم يعتذرون مما صنعوا [ به ] فقال:ما أحمدكم على عذركم ولا ألومكم على ما كان منكم، كان هذا الأمر لا بد منه. قال:فجاء حتى أتى ملكه وأرسل إلى الشيطان فجيء به فأمر به فجعل في صندوق من حديد، ثم أطبق عليه وقفل عليه بقفل وختم عليه بخاتمه ثم أمر به فألقي في البحر فهو فيه حتى تقوم الساعة. وكان اسمه حبقيق قال:وسخر له الريح ولم تكن سخرت له قبل ذلك وهو قوله: ( وَهَبْ لِي مُلْكًا لا يَنْبَغِي لأحَدٍ مِنْ بَعْدِي إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ )
وقال ابن أبي نجيح، عن مجاهد قوله: ( وَأَلْقَيْنَا عَلَى كُرْسِيِّهِ جَسَدًا ) قال:شيطانا يقال له:آصف. فقال له سليمان:كيف تفتنون الناس؟ قال:أرني خاتمك أخبرك. فلما أعطاه إياه نبذه آصف في البحر فساح سليمان وذهب ملكه، وقعد آصف على كرسيه ومنعه الله نساء سليمان فلم يقربهن - ولم يقربنه وأنكرنه. قال:فكان سليمان يستطعم فيقول:أتعرفوني ؟ أطعموني أنا سليمان فيكذبونه، حتى أعطته امرأة يوما حوتا فجعل يطيب بطنه، فوجد خاتمه في بطنه فرجع إليه ملكه وفر آصف فدخل البحر فارا.
وهذه كلها من الإسرائيليات ومن أنكرها ما قاله ابن أبي حاتم:
حدثنا علي بن الحسين حدثنا محمد بن العلاء وعثمان بن أبي شيبة وعلي بن محمد قالوا:حدثنا أبو معاوية أخبرنا الأعمش عن المنهال بن عمرو عن سعيد بن جبير عن ابن عباس [ رضي الله عنهما ] ( وَأَلْقَيْنَا عَلَى كُرْسِيِّهِ جَسَدًا ثُمَّ أَنَابَ ) قال:أراد سليمان أن يدخل الخلاء فأعطى الجرادة خاتمه - وكانت الجرادة امرأته وكانت أحب نسائه إليه- فجاء الشيطان في صورة سليمان فقال لها:هاتي خاتمي. فأعطته إياه. فلما لبسه دانت له الإنس والجن والشياطين فلما خرج سليمان من الخلاء قال لها:هاتي خاتمي. قالت:قد أعطيته سليمان. قال:أنا سليمان. قالت:كذبت لست سليمان فجعل لا يأتي أحدا يقول له: « أنا سليمان » ، إلا كذبه حتي جعل الصبيان يرمونه بالحجارة. فلما رأى ذلك عَرَف أنه من أمر الله عز وجل. قال:وقام الشيطان يحكم بين الناس فلما أراد الله أن يرد على سليمان سلطانه ألقى في قلوب الناس إنكار ذلك الشيطان. قال:فأرسلوا إلى نساء سليمان فقالوا لهن:أتنكرن من سليمان شيئاً؟ قلن:نعم إنه يأتينا ونحن حيض وما كان يأتينا قبل ذلك. فلما رأى الشيطان أنه قد فطن له ظن أن أمره قد انقطع فكتبوا كتبا فيها سحر وكفر، فدفنوها تحت كرسي سليمان ثم أثاروها وقرءوها على الناس. وقالوا: بهذا كان يظهر سليمان على الناس [ ويغلبهم ] فأكفر الناس سليمان عليه السلام فلم يزالوا يكفرونه وبعث ذلك الشيطانُ بالخاتم فطرحه في البحر فتلقته سمكة فأخذته. وكان سليمان يحمل على شط البحر بالأجر فجاء رجل فاشترى سمكاً فيه تلك السمكة التي في بطنها الخاتم فدعا سليمان فقال:تحمل لي هذا السمك؟ فقال:نعم. قال:بكم؟ قال بسمكة من هذا السمك. قال:فحمل سليمان عليه السلام السمك ثم انطلق به إلى منـزله فلما انتهى الرجل إلى بابه أعطاه تلك السمكة التي في بطنها الخاتم فأخذها سليمان فشق بطنها، فإذا الخاتم في جوفها فأخذه فلبسه. قال:فلما لبسه دانت له الجن والإنس والشياطين وعاد إلى حاله وَهَرب الشيطان حتى دخل جزيرة من جزائر البحر فأرسل سليمان في طلبه وكان شيطاناً مريداً فجعلوا يطلبونه ولا يقدرون عليه حتى وجدوه يوماً نائماً فجاءوا فبنوا عليه بنيانا من رصاص فاستيقظ فوثب فجعل لا يثب في مكان من البيت إلا أنماط معه من الرصاص قال:فأخذوه فأوثقوه وجاءوا به إلى سليمان، فأمر به فنقر له تخت من رخام ثم أدخل في جوفه ثم سد بالنحاس ثم أمر به فطرح في البحر فذلك قوله: ( وَلَقَدْ فَتَنَّا سُلَيْمَانَ وَأَلْقَيْنَا عَلَى كُرْسِيِّهِ جَسَدًا ثُمَّ أَنَابَ ) قال:يعني الشيطان الذي كان سلط عليه.
إسناده إلى ابن عباس قوي ولكن الظاهر أنه إنما تلقاه ابن عباس - إن صح عنه- من أهل الكتاب، وفيهم طائفة لا يعتقدون نبوة سليمان عليه السلام فالظاهر أنهم يكذبون عليه ولهذا كان في السياق منكرات من أشدها ذكر النساء فإن المشهور أن ذلك الجني لم يسلط على نساء سليمان بل عصمهن الله منه تشريفاً وتكريماً لنبيه صلى الله عليه وسلم، وقد رويت هذه القصة مطولة عن جماعة من السلف، كسعيد بن المسيب وزيد بن أسلم وجماعة آخرين وكلها متُلقًّاة من قصص أهل الكتاب والله أعلم بالصواب.
وقال يحيى بن أبي عمرو السيباني:وجد سليمان خاتمه في عسقلان، فمشى في خرقة إلى بيت المقدس تواضعا لله عز وجل، رواه ابن أبي حاتم.
وقد روى ابن أبي حاتم عن كعب الأحبار في صفة كرسي سليمان عليه الصلاة والسلام خبرا عجيبا فقال:حدثنا أبي رحمه الله، حدثنا أبو صالح كاتب الليث أخبرني أبو إسحاق المصري عن كعب الأحبار؛ أنه لما فرغ من حديث « إرم ذات العماد » قال له معاوية:يا أبا إسحاق أخبرني عن كرسي سليمان بن داود وما كان عليه؛ ومن أي شيء هو؟ فقال:كان كرسي سليمان من أنياب الفيلة مُفَصّصاً بالدر والياقوت والزبرجد واللؤلؤ. وقد جُعل له درجة منها مُفَصّصة بالدر والياقوت والزبرجد ثم أمر بالكرسي فحُفّ من جانبيه بالنخل، نخل من ذهب شماريخها من ياقوت وزبرجد ولؤلؤ. وجعل على رءوس النخل التي عن يمين الكرسي طواويس من ذهب، ثم جعل على رءوس النخل التي على يسار الكرسي نسور من ذهب مقابلة الطواويس، وجعل على يمين الدرجة الأولى شجرتا صنوبر من ذهب، وعن يسارها أسدان من ذهب وعلى رءوس الأسدين عمودان من زبرجد وجعل من جانبي الكرسي شجرتا كرم من ذهب قد أظلتا الكرسي وجعل عناقيدهما درا وياقوتا أحمر. ثم جُعل فوق دَرَج الكرسي أسَدَان عظيمان من ذهب مجوفان محشوان مسكا وعنبرا. فإذا أراد سليمان أن يصعد على كرسيه استدار الأسدان ساعة ثم يقعان فينضحان ما في أجوافهما من المسك والعنبر حول كرسي سليمان عليه السلام، ثم يوضع منبران من ذهب واحد لخليفته والآخر لرئيس أحبار بني إسرائيل ذلك الزمان. ثم يوضع أمام كرسيه سبعون منبرا من ذهب يقعد عليها سبعون قاضيا من بني إسرائيل وعلمائهم وأهل الشرف منهم والطول ومن خلف تلك المنابر كلها خمسة وثلاثون منبرا من ذهب ليس عليها أحد، فإذا أراد أن يصعد على كرسيه وضع قدميه على الدرجة السفلى فاستدار الكرسي كله بما فيه وما عليه، ويبسط الأسد يده اليمنى وينشر النسر جناحه الأيسر ثم يصعد [ سليمان ] على الدرجة الثانية فيبسط الأسد يده اليسرى وينشر النسر جناحه الأيمن فإذا استوى سليمان على الدرجة الثالثة وقعد على الكرسي أخذ نسر من تلك النسور عظيم تاج سليمان فوضعه على رأسه فإذا وضعه على رأسه استدار الكرسي بما فيه كما تدور الرحى المسرعة. فقال معاوية رضي الله عنه:وما الذي يديره يا أبا إسحاق؟ قال:تنين من ذهب ذلك الكرسي عليه وهو عظيم مما عمله صخر الجني فإذا أحست بدورانه تلك النسور والأسْدُ والطواويس التي في أسفل الكرسي دُرْنَ إلى أعلاه فإذا وقف وقفن كلهن منكسات رءوسهن على رأس سليمان [ ابن داود ] عليه السلام وهو جالس ثم ينضحن جميعًا ما في أجوافهن من المسك والعنبر على رأس سليمان عليه السلام. ثم تتناول حمامة من ذهب واقفة على عمود من جوهر التوراةَ فتجعلها في يده فيقرؤها سليمان على الناس.
وذكر تمام الخبر وهو غريب جدا .
( قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكًا لا يَنْبَغِي لأحَدٍ مِنْ بَعْدِي إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ ) قال بعضهم:معناه:لا ينبغي لأحد من بعدي أي:لا يصلح لأحد أن يسلبنيه كما كان من قضية الجسد الذي ألقي على كرسيه لا أنه يحجر على من بعده من الناس. والصحيح أنه سأل من الله تعالى ملكا لا يكون لأحد من بعده من البشر مثله، وهذا هو ظاهر السياق من الآية وبه وردت الأحاديث الصحيحة من طرق عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قال البخاري عند تفسير هذه الآية:حدثنا إسحاق بن إبراهيم أخبرنا روح ومحمد بن جعفر عن شعبة عن محمد بن زياد عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: « إن عفريتا من الجن تَفَلَّت عليّ البارحة - أو كلمة نحوها- ليقطع علي الصلاة فأمكنني الله منه وأردت أن أربطه إلى سارية من سواري المسجد حتى تُصبحوا وتنظروا إليه كلكم فذكرت قول أخي سليمان: ( رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكًا لا يَنْبَغِي لأحَدٍ مِنْ بَعْدِي ) »
قال روح:فرده خاسئا
وكذا رواه مسلم والنسائي من حديث شعبة به
وقال مسلم في صحيحه:حدثنا محمد بن سلمة المُرَادي حدثنا عبد الله بن وهب عن معاوية بن صالح حدثني ربيعة بن يَزيد عن أبي إدريس الخولاني عن أبي الدرداء قال:قام رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي فسمعناه يقول: « أعوذ بالله منك » . ثم قال: « ألعنك بلعنة الله » - ثلاثا- وبسط يَدَه كأنه يتناول شيئا فلما فرغ من الصلاة قلنا:يا رسول الله، قد سمعناك تقول في الصلاة شيئا لم نسمعك تقوله قبل ذلك ورأيناك بسطت يدك؟ قال: « إن عدو الله إبليس جاء بشهاب من نار ليجعله في وجهي فقلت:أعوذ بالله منك - ثلاث مرات- ثم قلت:ألعنك بلعنة الله التامة. فلم يستأخر ثلاث مرات ثم أردت أخْذَه والله لولا دعوة أخينا سليمان لأصبح موثقا يلعب به صبيان أهل المدينة »
وقال الإمام أحمد:حدثنا أبو أحمد حدثنا ميسرة بن معبد حدثنا أبو عبيد حاجب سليمان قال:رأيت عطاء بن يزيد الليثي قائما يصلي، فذهبت أمر بين يديه فردني ثم قال حدثني أبو سعيد الخدري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قام يصلي صلاة الصبح وهو خلفه فقرأ فالتبست عليه القراءة فلما فرغ من صلاته قال: « لو رأيتموني وإبليس فأهويت بيدي فما زلت أخنقه حتى وجدت بَرْدَ لعابه بين أصبعي هاتين - الإبهام والتي تليها- ولولا دعوة أخي سليمان لأصبح مربوطا بسارية من سواري المسجد، يتلاعب به صبيان المدينة فمن استطاع منكم ألا يحول بينه وبين القبلة أحد فليفعل » .
وقد روى أبو داود منه: « من استطاع منكم ألا يحول بينه وبين القبلة أحد فليفعل » عن أحمد بن أبي سُرَيج عن أبي أحمد الزبيري به
وقال الإمام أحمد:حدثنا معاوية بن عمرو حدثنا إبراهيم بن محمد الفزاري حدثنا الأوزاعي، حدثني ربيعة بن يزيد عن عبد الله الديلمي قال:دخلت على عبد الله بن عمرو، وهو في حائط له بالطائف يقال له: « الوهط » ، وهو مُخَاصر فتى من قريش يُزَنّ بشُرْب الخمر، فقلت:بلغني عنك حديث أنه « من شرب شربة خَمْر لم يقبل الله - عز وجل- له تَوبَةً أربعين صباحًا، وإن الشقي من شقي في بطن أمه وإنه من أتى بيت المقدس لا يَنْهَزه إلا الصلاة فيه، خرج من خطيئته مثل يوم ولدته أمه، فلما سمع الفتى ذكر الخمر اجتذب يده من يده ثم انطلق. فقال عبد الله بن عمرو إني لا أحل لأحد أن يقول عَلَيّ ما لم أقل سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: » من شرب من الخمر شربة لم تقبل له صلاة أربعين صباحا فإن تاب تاب الله عليه فإن عاد لم تقبل له صلاة أربعين صباحا فإن تاب تاب الله عليه. فإن عاد - قال فلا أدري في الثالثة أو الرابعة- فإن عاد كان حقا على الله أن يسقيه من رَدْغَة الخبال يوم القيامة « قال:وسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: » إن الله خلق خلقه في ظلمة ثم ألقى عليهم من نوره فمن أصابه من نوره يومئذ اهتدى ومن أخطأه ضل فلذلك أقول جف القلم على علم الله عز وجل « وسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: » إن سليمان سأل الله تعالى ثلاثا فأعطاه اثنتين ونحن نرجو أن تكون لنا الثالثة:سأله حكما يصادف حكمه فأعطاه إياه وسأله ملكا لا ينبغي لأحد من بعده فأعطاه إياه وسأله أيّما رجل خرج من بيته لا يريد إلا الصلاة في هذا المسجد خرج من خطيئته كيوم ولدته أمه فنحن نرجو أن يكون الله تعالى قد أعطانا إياها « »
وقد روى هذا الفصل الأخير من هذا الحديث النسائي وابن ماجه من طرق عن عبد الله بن فيروز الديلمي عن عبد الله بن عمرو قال:قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « إن سليمان لما بنى بيت المقدس سأل ربه عز وجل خلالا ثلاثا ... » وذكره
وقد روي من حديث رافع بن عمير رضي الله عنه، بإسناد وسياق غريبين فقال الطبراني:
حدثنا محمد بن الحسن بن قُتَيْبة العسقلاني حدثنا محمد بن أيوب بن سُوَيْد حدثني أبي حدثنا إبراهيم بن أبي عَبْلَة عن أبي الزاهرية عن رافع بن عمير قال:سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: « قال الله عز وجل لداود عليه السلام:ابن لي بيتًا في الأرض. فبنى داود بيتًا لنفسه قبل البيت الذي أمر به فأوحى الله إليه:يا داود نصبت بيتك قبل بيتي؟ قال:يا رب هكذا قضيت من ملك استأثر ثم أخذ في بناء المسجد فلما تم السور سقط ثلاثا فشكا ذلك إلى الله عز وجل فقال:يا داود إنك لا تصلح أن تبني لي بيتًا قال:ولم يا رب؟ قال:لما جرى على يديك من الدماء. قال:يا رب أو ما كان ذلك في هواك ومحبتك؟ قال:بلى ولكنهم عبادي وأنا أرحمهم فشق ذلك عليه فأوحى الله إليه:لا تحزن فإني سأقضي بناءه على يدي ابنك سليمان. فلما مات داود أخذ سليمان في بنائه فلما تم قرب القرابين وذبح الذبائح وجمع بني إسرائيل فأوحى الله إليه:قد أرى سرورَك ببنيان بيتي فسلني أعطك. قال:أسألك ثلاث خصال حكما يصادف حكمك وملكا لا ينبغي لأحد من بعدي ومن أتي هذا البيت لا يريد إلا الصلاة فيه خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه » . قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « أما ثنتان فقد أعطيهما وأنا أرجو أن يكون قد أعطي الثالثة »
وقال الإمام أحمد:حدثنا عبد الصمد حدثنا عُمَر بن راشد اليمامي، حدثنا إياس بن سلمة بن الأكوع عن أبيه قال:ما سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم دعا دعاءً إلا استفتحه بـ « سبحان الله ربي الأعلى العلي الوهاب »
وقد قال أبو عبيد:حدثنا علي بن ثابت عن جعفر بن بَرْقان عن صالح بن مسمار قال:لما مات نبي الله داود أوحى الله إلى ابنه سليمان عليهما السلام:أن سلني حاجتك. قال:أسألك أن تجعل لي قلبا يخشاك كما كان قلب أبي وأن تجعل قلبي يحبك كما كان قلب أبي. فقال الله:أرسلت إلى عبدي وسألته حاجته فكانت [ حاجته ] أن أجعل قلبه يخشاني وأن أجعل قلبه يحبني لأهَبَنّ له ملكا لا ينبغي لأحد من بعده. قال الله تعالى: ( فَسَخَّرْنَا لَهُ الرِّيحَ تَجْرِي بِأَمْرِهِ رُخَاءً حَيْثُ أَصَابَ ) والتي بعدها، قال:فأعطاه [ الله ] ما أعطاه وفي الآخرة لا حساب عليه.
هكذا أورده أبو القاسم بن عساكر في ترجمة سليمان عليه السلام في تاريخه
وروي عن بعض السلف أنه قال:بلغني عن داود [ عليه السلام ] أنه قال: « إلهي كن لسليمان كما كنت لي » :فأوحى الله إليه:أن قل لسليمان:يكون لي كما كنت لي، أكون له كما كنتُ لك.
وقوله: ( فَسَخَّرْنَا لَهُ الرِّيحَ تَجْرِي بِأَمْرِهِ رُخَاءً حَيْثُ أَصَابَ ) قال الحسن البصري رحمه الله:لما عقر سليمان الخيل غضبا لله، عز وجل عوضه الله ما هو خير منها وأسرع الريح التي غدوها شهر ورواحها شهر.
وقوله: ( حَيْثُ أَصَابَ ) أي:حيث أراد من البلاد .
وقوله: ( وَالشَّيَاطِينَ كُلَّ بَنَّاءٍ وَغَوَّاصٍ ) أي:منهم من هو مستعمل في الأبنية الهائلة من محاريب وتماثيل وجفان كالجواب وقدور راسيات إلى غير ذلك من الأعمال الشاقة التي لا يقدر عليها البشر وطائفة غواصون في البحار يستخرجون مما فيها من اللآلئ والجواهر والأشياء النفيسة التي لا توجد إلا فيها ( وَآخَرِينَ مُقَرَّنِينَ فِي الأصْفَادِ ) أي:موثقون في الأغلال والأكبال ممن قد تَمَرّد وعصى وامتنع من العمل وأبى أو قد أساء في صنيعه واعتدى .
وقوله: ( هَذَا عَطَاؤُنَا فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسَابٍ ) أي:هذا الذي أعطيناك من الملك التام والسلطان الكامل كما سألتنا فأعط من شئت واحرم من شئت، لا حساب عليك، أي:مهما فعلتَ فهو جائز لك احكم بما شئت فهو صواب. وقد ثبت في الصحيحين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما خُيِّر بين أن يكون عبدًا رسولا - وهو الذي يفعل ما يؤمر به وإنما هو قاسم يقسم بين الناس ما أمره الله به- وبين أن يكون ملكا نبيا يعطي من يشاء ويمنع من يشاء بلا حساب ولا جناح، اختار المنـزلة الأولى بعد ما استشار جبريل فقال له:تواضع فاختار المنـزلة الأولى لأنها أرفع قدرا عند الله وأعلى منـزلة في المعاد وإن كانت المنـزلة الثانية وهي النبوة مع الملك عظيمة أيضا في الدنيا والآخرة ولهذا لما ذكر تبارك وتعالى ما أعطى سليمان في الدنيا نبه على أنه ذو حظ عظيم عند الله يوم القيامة أيضا، فقال: ( وَإِنَّ لَهُ عِنْدَنَا لَزُلْفَى وَحُسْنَ مَآبٍ ) أي:في الدار الآخرة.


 

رد مع اقتباس
قديم 15 Aug 2012, 07:39 AM   #5
طالب علم
باحث علمي ـ جزاه الله خيرا


الصورة الرمزية طالب علم
طالب علم غير متصل

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم باحث : 2783
 تاريخ التسجيل :  May 2008
 أخر زيارة : 09 Aug 2024 (06:43 PM)
 المشاركات : 2,582 [ + ]
 التقييم :  11
لوني المفضل : Cadetblue
رد: شياطين الجان يبنون يغوصون يسلسلون بالحديد ـ إذا الجان صالح كذلك .



بسم الله الرحمن الرحيم
نقرأ تفسيرها في الطبري :
القول في تأويل قوله تعالى : وَلَقَدْ فَتَنَّا سُلَيْمَانَ وَأَلْقَيْنَا عَلَى كُرْسِيِّهِ جَسَدًا ثُمَّ أَنَابَ ( 34 ) قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكًا لا يَنْبَغِي لأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ ( 35 )
يقول تعالى ذكره: ولقد ابتُلينا سليمان وألقينا على كرسيه جسدا شيطانا متمثلا بإنسان, ذكروا أن اسمه صخر. وقيل: إن اسمه آصَف. وقيل: إن اسمه آصر. وقيل: إن اسمه حبقيق.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
ذكر من قال ذلك:
حدثني عليّ, قال: ثنا أبو صالح, قال: ثني معاوية, عن عليّ, عن ابن عباس, قوله ( وَأَلْقَيْنَا عَلَى كُرْسِيِّهِ جَسَدًا ) قال: هو صخر الجنيّ تمثَّل على كرسيه جسدا.
حدثني محمد بن سعد, قال: ثنى أبي, قال: ثني عمي, قال: ثني أبي, عن أبيه, عن ابن عباس, قوله ( وَلَقَدْ فَتَنَّا سُلَيْمَانَ وَأَلْقَيْنَا عَلَى كُرْسِيِّهِ جَسَدًا ثُمَّ أَنَابَ ) قال: الجسد: الشيطان الذي كان دفع إليه سليمان خاتمه, فقذفه في البحر, وكان مُلك سليمان في خاتمه, وكان اسم الجنيّ صخرا.
حدثنا ابن بشار, قال: ثنا أبو داود, قال: ثنا مبارك, عن الحسن ( وَأَلْقَيْنَا عَلَى كُرْسِيِّهِ جَسَدًا ) قال: شيطانا.
حدثنا ابن بشار, قال: ثنا أبو داود, قال: ثنا ورقاء, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد ( وَأَلْقَيْنَا عَلَى كُرْسِيِّهِ جَسَدًا ) قال: شيطانا يقال له آصر.
حدثني محمد بن عمرو, قال: ثنا أبو عاصم, قال: ثنا عيسى; وحدثني الحارث, قال: ثنا الحسن, قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, قوله ( عَلَى كُرْسِيِّهِ جَسَدًا ) قال: شيطانا يقال له آصف, فقال له سليمان: كيف تفتنون الناس؟ قال: أرني خاتمك أخبرك. فلما أعطاه إياه نبذه آصف في البحر, فساح سليمان وذهب مُلكه, وقعد آصف على كرسيه, ومنعه الله نساء سليمان, فلم يقربهنّ, وأنكرنه; قال: فكان سليمان يستطعم فيقول: أتعرفوني أطعموني أنا سليمان, فيكذّبونه, حتى أعطته امرأة يوما حوتا يطيب بطنه, فوجد خاتمه في بطنه, فرجع إليه مُلكه, وفر آصف فدخل البحر فارّا.
حدثني الحارث, قال: ثنا الحسن, قال: ثنا ورقاء عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد بنحوه, غير أنه قال في حديثه: فيقول: لو تعرفوني أطعمتموني.
حدثنا بشر, قال: ثنا يزيد, قال: ثنا سعيد, عن قتادة, قوله ( وَلَقَدْ فَتَنَّا سُلَيْمَانَ وَأَلْقَيْنَا عَلَى كُرْسِيِّهِ جَسَدًا ثُمَّ أَنَابَ ) قال: حدثنا قتادة أن سليمان أمر ببناء بيت المقدس, فقيل له: ابنه ولا يسمع فيه صوت حديد, قال: فطلب ذلك فلم يقدر عليه, فقيل له: إن شيطانا في البحر يقال له صخر شبه المارد, قال: فطلبه, وكانت عين في البحر يردها في كلّ سبعة أيام مرّة, فنـزح ماؤها وجعل فيها خمر, فجاء يوم وروده فإذا هو بالخمر, فقال: إنك لشراب طيب, إلا أنك تصبين الحليم, وتزيدين الجاهل جهلا قال: ثم رجع حتى عطش عطشا شديدا, ثم أتاها فقال: إنك لشراب طيب, إلا أنك تصبين الحليم, وتزيدين الجاهل جهلا قال: ثم شربها حتى غلبت على عقله, قال: فأري الخاتم أو ختم به بين كتفيه, فذلّ, قال: فكان مُلكه في خاتمه, فأتى به سليمان, فقال: إنا قد أمرنا ببناء هذا البيت. وقيل لنا: لا يسمعنّ فيه صوت حديد, قال: فأتى ببيض الهدهد, فجعل عليه زجاجة, فجاء الهدهد, فدار حولها, فجعل يرى بيضه ولا يقدر عليه, فذهب فجاء بالماس, فوضعه عليه, فقطعها به حتى أفضى إلى بيضه, فأخذ الماس, فجعلوا يقطعون به الحجارة, فكان سليمان إذا أراد أن يدخل الخلاء أو الحمام لم يدخلها بخاتمه; فانطلق يوما إلى الحمام, وذلك الشيطان صخر معه, وذلك عند مقارفة ذنب قارف فيه بعض نسائه, قال: فدخل الحمام, وأعطى الشيطان خاتمه, فألقاه في البحر, فالتقمته سمكة, ونـزع مُلك سليمان منه, وألقي على الشيطان شبه سليمان; قال: فجاء فقعد على كرسيه وسريره, وسلِّط على ملك سليمان كله غير نسائه; قال: فجعل يقضي بينهم, وجعلوا ينكرون منه أشياء حتى قالوا: لقد فُتِن نبيّ الله; وكان فيهم رجل يشبهونه بعمر بن الخطَّاب في القوّة, فقال: والله لأجربنه; قال: فقال له: يا نبيّ الله, وهو يرى إلا أنه نبيّ الله, أحدنا تصيبه الجَنابة في الليلة الباردة, فيدع الغسل عمدا حتى تطلع الشمس, أترى عليه بأسا؟ قال: لا قال: فبينا هو كذلك أربعين ليلة حتى وجد نبي الله خاتمه في بطن سمكة, فأقبل فجعل لا يستقبله جنيّ ولا طير إلا سجد له, حتى انتهى إليهم ( وَأَلْقَيْنَا عَلَى كُرْسِيِّهِ جَسَدًا ) قال: هو الشيطان صخر.
حدثنا محمد بن الحسين, قال: ثنا أحمد, قال: ثنا أسباط, عن السديّ, في قوله ( وَلَقَدْ فَتَنَّا سُلَيْمَانَ ) قال: لقد ابتلينا ( وَأَلْقَيْنَا عَلَى كُرْسِيِّهِ جَسَدًا ) قال: الشيطان حين جلس على كرسيه أربعين يوما; قال: كان لسليمان مئة امرأة, وكانت امرأة منهنّ يقال لها جرادة, وهي آثر نسائه عنده, وآمنهن عنده, وكان إذا أجنب أو أتى حاجة نـزع خاتمه, ولم يأتمن عليه أحد من الناس غيرها; فجاءته يوما من الأيام, فقالت: إن أخي بينه وبين فلان خصومة, وأنا أحب أن تقضي له إذا جاءك, فقال لها: نعم, ولم يفعل, فابتُلي وأعطاها خاتمه, ودخل المخرج, فخرج الشيطان في صورته, فقال لها: هاتي الخاتم, فأعطته, فجاء حتى جلس على مجلس سليمان, وخرج سليمان بعد, فسألها أن تعطيه خاتمه, فقالت: ألم تأخذه قبل؟ قال: لا وخرج مكانه تائها; قال: ومكث الشيطان يحكم بين الناس أربعين يوما. قال: فأنكر الناس أحكامه, فاجتمع قرّاء بني إسرائيل وعلماؤهم, فجاءو ا حتى دخلوا على نسائه, فقالوا: إنا قد أنكرنا هذا, فإن كان سليمان فقد ذهب عقله, وأنكرنا أحكامه. قال: فبكى النساء عند ذلك, قال: فأقبلوا يمشون حتى أتوه, فأحدقوا به, ثم نشروا التوراة, فقرءوا; قال: فطار من بين أيديهم حتى وقع على شرفة والخاتم معه, ثم طار حتى ذهب إلى البحر, فوقع الخاتم منه في البحر, فابتلعه حوت من حيتان البحر. قال: وأقبل سليمان في حاله التي كان فيها حتى انتهى إلى صياد من صيادي البحر وهو جائع, وقد اشتدّ جوعه, فاستطعمهم من صيدهم, قال: إني أنا سليمان, فقام إليه بعضهم فضربه بعصا فشجَّه, فجعل يغسل دمه وهو على شاطئ البحر, فلام الصيادون صاحبهم الذي ضربه, فقالوا: بئس ما صنعت حيث ضربته, قال: إنه زعم أنه سليمان, قال: فأعطوه سمكتين مما قد مَذِر عندهم, ولم يشغله ما كان به من الضرر, حتى قام إلى شطّ البحر, فشقّ بطونهما, فجعل يغسل... , فوجد خاتمه في بطن إحداهما, فأخذه فلبسه, فرد الله عليه بهاءه وملكه, وجاءت الطير حتى حامت عليه, فعرف القوم أنه سليمان, فقام القوم يعتذرون مما صنعوا, فقال: ما أحمدكم على عذركم, ولا ألومكم على ما كان منكم, كان هذا الأمر لا بُدّ منه, قال: فجاء حتى أتى ملكه, فأرسل إلى الشيطان فجيء به, وسخر له الريح والشياطين يومئذ, ولم تكن سخرت له قبل ذلك, وهو قوله ( وَهَبْ لِي مُلْكًا لا يَنْبَغِي لأحَدٍ مِنْ بَعْدِي إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ ) قال: وبعث إلى الشيطان, فأتي به, فأمر به فجعل في صندوق من حديد, ثم أطبق عليه فأقفل عليه بقفل, وختم عليه بخاتمه, ثم أمر به, فألقي في البحر, فهو فيه حتى تقوم الساعة, وكان اسمه حبقيق.
وقوله ( ثُمَّ أَنَابَ ) سليمان, فرجع إلى ملكه من بعد ما زال عنه ملكه فذهب.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
ذكر من قال ذلك:
حُدثت عن المحاربي, عن عبد الرحمن, عن جُوَيبر, عن الضحاك, في قوله ( ثُمَّ أَنَابَ ) قال: دخل سليمان على امرأة تبيع السمك, فاشترى منها سمكة, فشقّ بطنها, فوجد خاتمه, فجعل لا يمر على شجر ولا حجر ولا شيء إلا سجد له, حتى أتى مُلكه وأهله, فذلك قوله; ( ثُمَّ أَنَابَ ) يقول: ثم رجع.
حدثنا بشر, قال: ثنا يزيد, قال: ثنا سعيد, عن قتادة ( ثُمَّ أَنَابَ ) وأقبل, يعني سليمان.
قوله ( قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكًا لا يَنْبَغِي لأحَدٍ مِنْ بَعْدِي ) يقول تعالى ذكره: قال سليمان راغبا إلى ربه: ربّ استر عليّ ذنبي الذي أذنبت بيني وبينك, فلا تعاقبني به ( وَهَبْ لِي مُلْكًا لا يَنْبَغِي لأحَدٍ مِنْ بَعْدِي ) لا يسلبنيه أحدكما كما سلبنيه قبل هذه الشيطان.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
ذكر من قال ذلك:
حدثنا بشر, قال: ثنا يزيد, قال: ثنا سعيد, عن قتادة ( قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكًا لا يَنْبَغِي لأحَدٍ مِنْ بَعْدِي ) يقول: ملكا لا أسلَبه كما سُلبتُه. وكان بعض أهل العربية يوجه معنى قوله ( لا يَنْبَغِي لأحَدٍ مِنْ بَعْدِي ) إلى: أن لا يكون لأحد من بعدي, كما قال ابن أحمر:
مـا أُمُّ غُفْـرٍ عـلى دعْجَـاءَ ذي عَلَقٍ يَنْفـي القَراميـدَ عنهـا الأعْصَمُ الوَقِلُ
فـي رأْسِ حَلْقـاءَ مِـن عَنقاءَ مُشْرِفةً لا يَنْبَغــي دُونهـا سَـهْل وَلا جَـبَل
بمعنى: لا يكون فوقها سهل ولا جبل أحصن منها.
وقوله ( إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ ) يقول: إنك وهاب ما تشاء لمن تشاء بيدك خزائن كلّ شيء تفتح من ذلك ما أردت لمن أردت.

القول في تأويل قوله تعالى : فَسَخَّرْنَا لَهُ الرِّيحَ تَجْرِي بِأَمْرِهِ رُخَاءً حَيْثُ أَصَابَ ( 36 ) وَالشَّيَاطِينَ كُلَّ بَنَّاءٍ وَغَوَّاصٍ ( 37 ) وَآخَرِينَ مُقَرَّنِينَ فِي الأَصْفَادِ ( 38 ) هَذَا عَطَاؤُنَا فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسَابٍ ( 39 ) وَإِنَّ لَهُ عِنْدَنَا لَزُلْفَى وَحُسْنَ مَآبٍ ( 40 )
يقول تعالى ذكره: فاستجبنا له دعاءه, فأعطيناه ملكا لا ينبغي لأحد من بعده ( فَسَخَّرْنَا لَهُ الرِّيحَ ) مكان الخيل التي شغلته عن الصلاة ( تَجْرِي بِأَمْرِهِ رُخَاءً ) يعني: رِخوة لينة, وهي من الرخاوة.
كما حدثنا محمد بن عبد الله بن بزيع, قال: ثنا بشر بن المفضل, قال: ثنا عوف, عن الحسن, أن نبي الله سليمان صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم لما عرضت عليه الخيل, فشغله النظر إليها عن صلاة العصر حَتَّى تَوَارَتْ بِالْحِجَابِ فغضب لله, فأمر بها فعُقرت, فأبدله الله مكانها أسرع منها, سخر الريح تجري بأمره رُخاء حيث شاء, فكان يغدو من إيلياء, ويقيل بقزوين, ثم يروح من قَزْوين ويبيت بكابُل.
حُدثت عن الحسن, قال: سمعت أبا معاذ يقول: أخبرنا عبيد, قال: سمعت الضحاك يقول في قوله وَهَبْ لِي مُلْكًا لا يَنْبَغِي لأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي فإنه دعا يوم دعا ولم يكن في مُلكه الريح, وكل بناء وغواص من الشياطين, فدعا ربه عند توبته واستغفاره, فوهب الله له ما سأل, فتمّ مُلكه.
واختلف أهل التأويل في معنى الرخاء, فقال فيه بعضهم نحو الذي قلنا فيه.
ذكر من قال ذلك:
حدثني محمد بن عمرو, قال: ثنا أبو عاصم, قال: ثنا عيسى, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, في قوله ( تَجْرِي بِأَمْرِهِ رُخَاءً ) قال: طَيِّبة.
حدثني الحارث, قال: ثنا الحسن, قال: ثنا ورقاء, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد بنحوه.
حدثنا بشر, قال: ثنا يزيد, قال: ثنا سعيد, عن قتادة ( فَسَخَّرْنَا لَهُ الرِّيحَ تَجْرِي بِأَمْرِهِ رُخَاءً حَيْثُ أَصَابَ ) قال: سريعة طيبة, قال: ليست بعاصفة ولا بطيئة.
حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, في قوله ( رُخَاءً ) قال: الرخاء اللينة.
حدثنا ابن بشار, قال: ثنا أبو عامر, قال: ثنا قرة, عن الحسن, في قوله ( رُخَاءً حَيْثُ أَصَابَ ) قال: ليست بعاصفة, ولا الهَيِّنة بين ذلك رُخاء.
وقال آخرون: معنى ذلك: مطيعة لسليمان.
ذكر من قال ذلك:
حدثني عليّ, قال: ثنا أبو صالح, قال: ثني معاوية, عن على, عن ابن عباس, قوله ( رُخَاءً ) يقول: مُطيعة له.
حدثني محمد بن سعد, قال: ثني أبي, قال: ثني عمي, قال: ثني أبي, عن أبيه, عن ابن عباس ( تَجْرِي بِأَمْرِهِ رُخَاءً ) قال: يعني بالرُّخاء: المطيعة.
حدثنا ابن المثنى, قال: ثنا أبو النعمان الحكم بن عبد الله, قال: ثنا شعبة, عن أبي رجاء, عن الحسن, في قوله ( تَجْرِي بِأَمْرِهِ رُخَاءً ) قال: مطيعة.
حُدثت عن الحسين, قال: سمعت أبا معاذ يقول: أخبرنا عبيد, قال: سمعت الضحاك يقول في قوله ( رُخَاءً ) يقول: مطيعة.
حدثنا محمد بن الحسين, قال: ثنا أحمد, قال: ثنا أسباط, عن السديّ, قوله ( رُخَاءً ) قال: طوعا. وقوله ( حَيْثُ أَصَابَ ) يقول: حيث أراد, من قولهم: أصاب الله بك خيرا: أي أراد الله بك خيرا.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
ذكر من قال ذلك:
حدثني عليّ, قال: ثنا أبو صالح, قال: ثني معاوية, عن عليّ عن ابن عباس, قوله ( حَيْثُ أَصَابَ ) يقول: حيث أراد.
حدثني محمد بن سعد, قال: ثني أبي, قال: ثني عمي, قال: ثني أبي, عن أبيه, عن ابن عباس, قوله ( حَيْثُ أَصَابَ ) يقول: حيث أراد, انتهى عليها.
حدثني محمد بن عمرو, قال: ثنا أبو عاصم, قال: ثنا عيسى; وحدثني الحارث, قال: ثنا الحسن, قال. ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, قوله ( حَيْثُ أَصَابَ ) قال: حيث شاء.
حدثنا ابن المثنى, قال: ثنا أبو النعمان الحكم بن عبد الله, قال: ثنا شعبة, عن أبي رجاء, عن الحسن, في قوله ( حَيْثُ أَصَابَ ) قال: حيث أراد.
حدثنا بشر, قال: ثنا يزيد, قال: ثنا سعيد, عن قتادة ( حَيْثُ أَصَابَ ) قال: إلى حيث أراد.
حُدثت عن الحسين, قال: سمعت أبا معاذ يقول: أخبرنا عبيد, قال: سمعت الضحاك يقول في قوله ( حَيْثُ أَصَابَ ) قال: حيث أراد.
حدثنا ابن حميد, قال: ثنا سلمة, عن ابن إسحاق, عن بعض أهل العلم, عن وهب بن منبه ( حَيْثُ أَصَابَ ) : أي حيث أراد.
حدثنا محمد بن الحسين, قال: ثنا أحمد بن المفضل, قال: ثنا أسباط, عن السديّ ( حَيْثُ أَصَابَ ) قال: حيث أراد.
حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, في قوله ( حَيْثُ أَصَابَ ) قال: حيث أراد.
وقوله ( وَالشَّيَاطِينَ كُلَّ بَنَّاءٍ وَغَوَّاصٍ ) يقول تعالى ذكره: وسخرنا له الشياطين سلطناه عليها مكان ما ابتُليناه بالذي ألقينا على كرسيّه منها يستعملها فيما يشاء من أعماله من بنَّاء وغوَّاص; فالبُناة منها يصنعون محاريب وتماثيل, والغاصة يستخرجون له الحُلِيّ من البحار, وآخرون ينحتون له جِفانا وقدورا, والمَردَة في الأغلال مُقَرَّنون.
كما حدثنا بشر, قال: ثنا يزيد, قال: ثنا سعيد, عن قتادة ( وَالشَّيَاطِينَ كُلَّ بَنَّاءٍ وَغَوَّاصٍ ) قال: يعملون له ما يشاء من محاريب وتماثيل, وغوّاص يستخرجون الحليّ من البحر ( وَآخَرِينَ مُقَرَّنِينَ فِي الأصْفَادِ ) قال: مردة الشياطين في الأغلال.
حُدثت عن المحاربيّ, عن جُوَيبر, عن الضحاك ( وَالشَّيَاطِينَ كُلَّ بَنَّاءٍ وَغَوَّاصٍ ) قال: لم يكن هذا في ملك داود, أعطاه الله ملك داود وزاده الريح ( وَالشَّيَاطِينَ كُلَّ بَنَّاءٍ وَغَوَّاصٍ وَآخَرِينَ مُقَرَّنِينَ فِي الأصْفَادِ ) يقول: في السلاسل.
حدثنا محمد, قال: ثنا أحمد, قال: ثنا أسباط, عن السديّ, قوله ( الأصْفَادِ ) قال: تجمع اليدين إلى عنقه, والأصفاد: جمع صَفَد وهي الأغلال.
وقوله ( هَذَا عَطَاؤُنَا فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسَابٍ ) اختلف أهل التأويل في المشار إليه بقوله ( هَذَا ) من العطاء, وأيّ عطاء أريد بقوله: عَطاؤنا, فقال بعضهم: عني به الملك الذي أعطاه الله.
ذكر من قال ذلك:
حدثنا بشر, قال: ثنا يزيد, قال: ثنا سعيد, عن قتادة, في قوله ( هَذَا عَطَاؤُنَا فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسَابٍ ) قال: قال الحسن: الملك الذي أعطيناك فأعط ما شئت وامنع ما شئت.
حدثنا عن المحاربي, عن جُوَيبر, عن الضحاك ( هَذَا عَطَاؤُنَا ) : هذا ملكنا.
وقال آخرون: بل عَنَى بذلك تسخيره له الشياطين, وقالوا: ومعنى الكلام: هذا الذي أعطيناك من كلّ بنّاء وغوّاص من الشياطين, وغيرهم عطاؤنا.
ذكر من قال ذلك:
حدثنا بشر, قال: ثنا يزيد, قال: ثنا سعيد, عن قتادة ( هَذَا عَطَاؤُنَا فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسَابٍ ) قال: هؤلاء الشياطين احبس من شئت منهم فى وثاقك وفي عذابك أو سرِّح من شئت منهم تتخذ عنده يدًا, اصنع ما شئت.
وقال آخرون: بل ذلك ما كان أوتي من القوّة على الجماع.
ذكر من قال ذلك:
حُدثت عن أبي يوسف, عن سعيد بن طريف, عن عكرمة, عن ابن عباس, قال: كان سليمان في ظهره ماءُ مِئَة رجل, وكان له ثلاث مِئَة امرأة وتسع مِئَة سُرِّيَّة ( هَذَا عَطَاؤُنَا فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسَابٍ ) .
وأولى الأقوال في ذلك عندي بالصواب القولُ الذي ذكرناه عن الحسن والضحاك من أنه عني بالعطاء ما أعطاه من الملك تعالى ذكره, وذلك أنه جلّ ثناؤه ذكر ذلك عَقِيب خبره عن مسألة نبيه سليمان صلوات الله وسلامه عليه إياه مُلكا لا ينبغي لأحد من بعده, فأخبر أنه سخر له ما لم يُسَخَّر لأحد من بني آدم, وذلك تسخيره له الريح والشياطين على ما وصفت, ثم قال له عزّ ذكره: هذا الذي أعطيناك من المُلك, وتسخيرنا ما سخرنا لك عطاؤنا, ووهبنا لك ما سألتنا أن نهبه لك من الملك الذي لا ينبغي لأحد من بعدك ( فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسَابٍ )
واختلف أهل التأويل في تأويل قوله ( فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسَابٍ ) فقال بعضهم: عنى بذلك. فأعط من شئت ما شئت من الملك الذي آتيناك, وامنع ما شئت منه ما شئت, لا حساب عليك في ذلك.
ذكر من قال ذلك:
حدثنا بشر, قال: ثنا يزيد, قال: ثنا سعيد, عن قتادة, قال: قال الحسن ( فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسَابٍ ) المُلك الذي أعطيناك, فأعط ما شئت وامنع ما شئت, فليس عليك تبعة ولا حساب.
حُدثت عن المحاربي, عن جُوَيبر, عن الضحاك ( فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسَابٍ ) سأل مُلكا هنيئا لا يُحاسب به يوم القيامة, فقال: ما أعطيت, وما أمسكت, فلا حرج عليك.
حدثنا ابن وكيع, قال: ثنا أبي, عن سفيان, عن أبيه, عن عكرمة ( فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسَابٍ ) قال: أعط أو أمسك, فلا حساب عليك.
حدثني محمد بن عمرو, قال: ثنا أبو عاصم, قال: ثنا عيسى; وحدثني الحارث, قال: ثنا الحسن, قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد ( فَامْنُنْ ) قال: أعط أو أمسك بغير حساب.
وقال آخرون: بل معنى ذلك: أعْتِق من هؤلاء الشياطين الذين سخرناهم لك من الخدمة, أو من الوَثاق ممن كان منهم مُقَرَّنا في الأصفاد مَنْ شئت واحبس من شئت فلا حرج عليك في ذلك.
ذكر من قال ذلك:
حدثنا بشر, قال: ثنا يزيد, قال: ثنا سعيد, عن قتادة ( فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسَابٍ ) يقول: هؤلاء الشياطين احبس من شئت منهم في وَثاقك وفي عذابك, وسرح من شئت منهم تتخذ عنده يدًا, اصنع ما شئت لا حساب عليك في ذلك.
حدثني محمد بن سعد, قال: ثني أبي, قال: ثني عمي, قال: ثني أبي, عن أبيه, عن ابن عباس ( فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسَابٍ ) يقول: أعتق من الجنّ من شئت, وأمسك من شئت.
حدثنا محمد, قال: ثنا أحمد, قال: ثنا أسباط, عن السديّ, قوله ( فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسَابٍ ) قال: تَمُنّ على من تشاء منهم فتُعْتِقُهُ, وتُمسِك من شئت فتستخدمه ليس عليك في ذلك حساب.
وقال آخرون: بل معنى ذلك: هذا الذي أعطيناك من القوّة على الجماع عطاؤنا, فجامع من شئت من نسائك وجواريك ما شئت بغير حساب, واترك جماع من شئت منهن.
وقال آخرون: بل ذلك من المقدم والمؤخر. ومعنى الكلام: هذا عطاؤنا بغير حساب, فامْنُن أو أمسك. وذُكر أن ذلك في قراءة عبد الله: « هذا فامنن أو أمسك عطاؤنا بغير حساب » .
وكان بعض أهل العلم بكلام العرب من البصريين يقول في قوله ( بِغَيْرِ حِسَابٍ ) وجهان; أحدهما: بغير جزاء ولا ثواب, والآخر: مِنَّةٍ ولا قِلَّةٍ.
والصواب من القول في ذلك ما ذكرته عن أهل التأويل من أن معناه: لا يحاسب على ما أعطى من ذلك المُلك والسلطان. وإنما قلنا ذلك هو الصواب لإجماع الحجة من أهل التأويل عليه.
وقوله ( وَإِنَّ لَهُ عِنْدَنَا لَزُلْفَى وَحُسْنَ مَآبٍ ) يقول: وإن لسليمان عندنا لقُرْبةً بإنابته إلينا وتوبته وطاعته لنا, وحُسْنَ مآب: يقول: وحسن مرجع ومصير في الآخرة.
كما حدثنا بشر, قال: ثنا يزيد, قال: ثنا سعيد, عن قتادة ( وَإِنَّ لَهُ عِنْدَنَا لَزُلْفَى وَحُسْنَ مَآبٍ ) : أي مصير.
إن قال لنا قائل: وما وجه رغبة سليمان إلى ربه في الملك, وهو نبيّ من الأنبياء, وإنما يرغب في الملك أهل الدنيا المؤثِرون لها على الآخرة؟ أم ما وجه مسألته إياه, إذ سأله ذلك مُلكا لا ينبغي لأحد من بعده, وما كان يضرّه أن يكون كلّ من بعده يُؤْتَى مثل الذي أوتي من ذلك؟ أكان به بخل بذلك, فلم يكن من مُلكه, يُعطي ذلك من يعطاه, أم حسد للناس, كما ذُكر عن الحجاج بن يوسف; فإنه ذكر أنه قرأ قوله وَهَبْ لِي مُلْكًا لا يَنْبَغِي لأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي فقال: إن كان لحسودًا, فإن ذلك ليس من أخلاق الأنبياء! قيل: أما رغبته إلى ربه فيما يرغب إليه من المُلك, فلم تكن إن شاء الله به رغبةً في الدنيا, ولكن إرادة منه أن يعلم منـزلته من الله فى إجابته فيما رغب إليه فيه, وقبوله توبته, وإجابته دعاءه.
وأما مسألته ربه مُلكا لا ينبغي لأحد من بعده, فإنا قد ذكرنا فيما مضى قبلُ قولَ من قال: إن معنى ذلك: هب لي مُلكا لا أسلبه كما سلبته قبل. وإنما معناه عند هؤلاء: هب لي ملكا لا ينبغي لأحد من بعدي أن يَسلُبنيه. وقد يتجه ذلك أن يكون بمعنى: لا ينبغي لأحد سواي من أهل زماني, فيكون حجة وعَلَما لي على نبوتي وأني رسولك إليهم مبعوث, إذ كانت الرسل لا بد لها من أعلام تفارق بها سائر الناس سواهم. ويتجه أيضا لأن يكون معناه: وهب لي ملكا تخُصُّني به, لا تعطيه أحدا غيري تشريفا منك لي بذلك, وتكرمة, لتبين منـزلتي منك به من منازل من سواي, وليس في وجه من هذه الوجوه مما ظنه الحجاج في معنى ذلك شيء.


 

رد مع اقتباس
قديم 15 Aug 2012, 07:42 AM   #6
طالب علم
باحث علمي ـ جزاه الله خيرا


الصورة الرمزية طالب علم
طالب علم غير متصل

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم باحث : 2783
 تاريخ التسجيل :  May 2008
 أخر زيارة : 09 Aug 2024 (06:43 PM)
 المشاركات : 2,582 [ + ]
 التقييم :  11
لوني المفضل : Cadetblue
رد: شياطين الجان يبنون يغوصون يسلسلون بالحديد ـ إذا الجان صالح كذلك .



بسم الله الرحمن الرحيم
نقرأ تفسيرها في الطبري :
القول في تأويل قوله تعالى : وَلَقَدْ فَتَنَّا سُلَيْمَانَ وَأَلْقَيْنَا عَلَى كُرْسِيِّهِ جَسَدًا ثُمَّ أَنَابَ ( 34 ) قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكًا لا يَنْبَغِي لأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ ( 35 )
يقول تعالى ذكره: ولقد ابتُلينا سليمان وألقينا على كرسيه جسدا شيطانا متمثلا بإنسان, ذكروا أن اسمه صخر. وقيل: إن اسمه آصَف. وقيل: إن اسمه آصر. وقيل: إن اسمه حبقيق.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
ذكر من قال ذلك:
حدثني عليّ, قال: ثنا أبو صالح, قال: ثني معاوية, عن عليّ, عن ابن عباس, قوله ( وَأَلْقَيْنَا عَلَى كُرْسِيِّهِ جَسَدًا ) قال: هو صخر الجنيّ تمثَّل على كرسيه جسدا.
حدثني محمد بن سعد, قال: ثنى أبي, قال: ثني عمي, قال: ثني أبي, عن أبيه, عن ابن عباس, قوله ( وَلَقَدْ فَتَنَّا سُلَيْمَانَ وَأَلْقَيْنَا عَلَى كُرْسِيِّهِ جَسَدًا ثُمَّ أَنَابَ ) قال: الجسد: الشيطان الذي كان دفع إليه سليمان خاتمه, فقذفه في البحر, وكان مُلك سليمان في خاتمه, وكان اسم الجنيّ صخرا.
حدثنا ابن بشار, قال: ثنا أبو داود, قال: ثنا مبارك, عن الحسن ( وَأَلْقَيْنَا عَلَى كُرْسِيِّهِ جَسَدًا ) قال: شيطانا.
حدثنا ابن بشار, قال: ثنا أبو داود, قال: ثنا ورقاء, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد ( وَأَلْقَيْنَا عَلَى كُرْسِيِّهِ جَسَدًا ) قال: شيطانا يقال له آصر.
حدثني محمد بن عمرو, قال: ثنا أبو عاصم, قال: ثنا عيسى; وحدثني الحارث, قال: ثنا الحسن, قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, قوله ( عَلَى كُرْسِيِّهِ جَسَدًا ) قال: شيطانا يقال له آصف, فقال له سليمان: كيف تفتنون الناس؟ قال: أرني خاتمك أخبرك. فلما أعطاه إياه نبذه آصف في البحر, فساح سليمان وذهب مُلكه, وقعد آصف على كرسيه, ومنعه الله نساء سليمان, فلم يقربهنّ, وأنكرنه; قال: فكان سليمان يستطعم فيقول: أتعرفوني أطعموني أنا سليمان, فيكذّبونه, حتى أعطته امرأة يوما حوتا يطيب بطنه, فوجد خاتمه في بطنه, فرجع إليه مُلكه, وفر آصف فدخل البحر فارّا.
حدثني الحارث, قال: ثنا الحسن, قال: ثنا ورقاء عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد بنحوه, غير أنه قال في حديثه: فيقول: لو تعرفوني أطعمتموني.
حدثنا بشر, قال: ثنا يزيد, قال: ثنا سعيد, عن قتادة, قوله ( وَلَقَدْ فَتَنَّا سُلَيْمَانَ وَأَلْقَيْنَا عَلَى كُرْسِيِّهِ جَسَدًا ثُمَّ أَنَابَ ) قال: حدثنا قتادة أن سليمان أمر ببناء بيت المقدس, فقيل له: ابنه ولا يسمع فيه صوت حديد, قال: فطلب ذلك فلم يقدر عليه, فقيل له: إن شيطانا في البحر يقال له صخر شبه المارد, قال: فطلبه, وكانت عين في البحر يردها في كلّ سبعة أيام مرّة, فنـزح ماؤها وجعل فيها خمر, فجاء يوم وروده فإذا هو بالخمر, فقال: إنك لشراب طيب, إلا أنك تصبين الحليم, وتزيدين الجاهل جهلا قال: ثم رجع حتى عطش عطشا شديدا, ثم أتاها فقال: إنك لشراب طيب, إلا أنك تصبين الحليم, وتزيدين الجاهل جهلا قال: ثم شربها حتى غلبت على عقله, قال: فأري الخاتم أو ختم به بين كتفيه, فذلّ, قال: فكان مُلكه في خاتمه, فأتى به سليمان, فقال: إنا قد أمرنا ببناء هذا البيت. وقيل لنا: لا يسمعنّ فيه صوت حديد, قال: فأتى ببيض الهدهد, فجعل عليه زجاجة, فجاء الهدهد, فدار حولها, فجعل يرى بيضه ولا يقدر عليه, فذهب فجاء بالماس, فوضعه عليه, فقطعها به حتى أفضى إلى بيضه, فأخذ الماس, فجعلوا يقطعون به الحجارة, فكان سليمان إذا أراد أن يدخل الخلاء أو الحمام لم يدخلها بخاتمه; فانطلق يوما إلى الحمام, وذلك الشيطان صخر معه, وذلك عند مقارفة ذنب قارف فيه بعض نسائه, قال: فدخل الحمام, وأعطى الشيطان خاتمه, فألقاه في البحر, فالتقمته سمكة, ونـزع مُلك سليمان منه, وألقي على الشيطان شبه سليمان; قال: فجاء فقعد على كرسيه وسريره, وسلِّط على ملك سليمان كله غير نسائه; قال: فجعل يقضي بينهم, وجعلوا ينكرون منه أشياء حتى قالوا: لقد فُتِن نبيّ الله; وكان فيهم رجل يشبهونه بعمر بن الخطَّاب في القوّة, فقال: والله لأجربنه; قال: فقال له: يا نبيّ الله, وهو يرى إلا أنه نبيّ الله, أحدنا تصيبه الجَنابة في الليلة الباردة, فيدع الغسل عمدا حتى تطلع الشمس, أترى عليه بأسا؟ قال: لا قال: فبينا هو كذلك أربعين ليلة حتى وجد نبي الله خاتمه في بطن سمكة, فأقبل فجعل لا يستقبله جنيّ ولا طير إلا سجد له, حتى انتهى إليهم ( وَأَلْقَيْنَا عَلَى كُرْسِيِّهِ جَسَدًا ) قال: هو الشيطان صخر.
حدثنا محمد بن الحسين, قال: ثنا أحمد, قال: ثنا أسباط, عن السديّ, في قوله ( وَلَقَدْ فَتَنَّا سُلَيْمَانَ ) قال: لقد ابتلينا ( وَأَلْقَيْنَا عَلَى كُرْسِيِّهِ جَسَدًا ) قال: الشيطان حين جلس على كرسيه أربعين يوما; قال: كان لسليمان مئة امرأة, وكانت امرأة منهنّ يقال لها جرادة, وهي آثر نسائه عنده, وآمنهن عنده, وكان إذا أجنب أو أتى حاجة نـزع خاتمه, ولم يأتمن عليه أحد من الناس غيرها; فجاءته يوما من الأيام, فقالت: إن أخي بينه وبين فلان خصومة, وأنا أحب أن تقضي له إذا جاءك, فقال لها: نعم, ولم يفعل, فابتُلي وأعطاها خاتمه, ودخل المخرج, فخرج الشيطان في صورته, فقال لها: هاتي الخاتم, فأعطته, فجاء حتى جلس على مجلس سليمان, وخرج سليمان بعد, فسألها أن تعطيه خاتمه, فقالت: ألم تأخذه قبل؟ قال: لا وخرج مكانه تائها; قال: ومكث الشيطان يحكم بين الناس أربعين يوما. قال: فأنكر الناس أحكامه, فاجتمع قرّاء بني إسرائيل وعلماؤهم, فجاءو ا حتى دخلوا على نسائه, فقالوا: إنا قد أنكرنا هذا, فإن كان سليمان فقد ذهب عقله, وأنكرنا أحكامه. قال: فبكى النساء عند ذلك, قال: فأقبلوا يمشون حتى أتوه, فأحدقوا به, ثم نشروا التوراة, فقرءوا; قال: فطار من بين أيديهم حتى وقع على شرفة والخاتم معه, ثم طار حتى ذهب إلى البحر, فوقع الخاتم منه في البحر, فابتلعه حوت من حيتان البحر. قال: وأقبل سليمان في حاله التي كان فيها حتى انتهى إلى صياد من صيادي البحر وهو جائع, وقد اشتدّ جوعه, فاستطعمهم من صيدهم, قال: إني أنا سليمان, فقام إليه بعضهم فضربه بعصا فشجَّه, فجعل يغسل دمه وهو على شاطئ البحر, فلام الصيادون صاحبهم الذي ضربه, فقالوا: بئس ما صنعت حيث ضربته, قال: إنه زعم أنه سليمان, قال: فأعطوه سمكتين مما قد مَذِر عندهم, ولم يشغله ما كان به من الضرر, حتى قام إلى شطّ البحر, فشقّ بطونهما, فجعل يغسل... , فوجد خاتمه في بطن إحداهما, فأخذه فلبسه, فرد الله عليه بهاءه وملكه, وجاءت الطير حتى حامت عليه, فعرف القوم أنه سليمان, فقام القوم يعتذرون مما صنعوا, فقال: ما أحمدكم على عذركم, ولا ألومكم على ما كان منكم, كان هذا الأمر لا بُدّ منه, قال: فجاء حتى أتى ملكه, فأرسل إلى الشيطان فجيء به, وسخر له الريح والشياطين يومئذ, ولم تكن سخرت له قبل ذلك, وهو قوله ( وَهَبْ لِي مُلْكًا لا يَنْبَغِي لأحَدٍ مِنْ بَعْدِي إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ ) قال: وبعث إلى الشيطان, فأتي به, فأمر به فجعل في صندوق من حديد, ثم أطبق عليه فأقفل عليه بقفل, وختم عليه بخاتمه, ثم أمر به, فألقي في البحر, فهو فيه حتى تقوم الساعة, وكان اسمه حبقيق.
وقوله ( ثُمَّ أَنَابَ ) سليمان, فرجع إلى ملكه من بعد ما زال عنه ملكه فذهب.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
ذكر من قال ذلك:
حُدثت عن المحاربي, عن عبد الرحمن, عن جُوَيبر, عن الضحاك, في قوله ( ثُمَّ أَنَابَ ) قال: دخل سليمان على امرأة تبيع السمك, فاشترى منها سمكة, فشقّ بطنها, فوجد خاتمه, فجعل لا يمر على شجر ولا حجر ولا شيء إلا سجد له, حتى أتى مُلكه وأهله, فذلك قوله; ( ثُمَّ أَنَابَ ) يقول: ثم رجع.
حدثنا بشر, قال: ثنا يزيد, قال: ثنا سعيد, عن قتادة ( ثُمَّ أَنَابَ ) وأقبل, يعني سليمان.
قوله ( قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكًا لا يَنْبَغِي لأحَدٍ مِنْ بَعْدِي ) يقول تعالى ذكره: قال سليمان راغبا إلى ربه: ربّ استر عليّ ذنبي الذي أذنبت بيني وبينك, فلا تعاقبني به ( وَهَبْ لِي مُلْكًا لا يَنْبَغِي لأحَدٍ مِنْ بَعْدِي ) لا يسلبنيه أحدكما كما سلبنيه قبل هذه الشيطان.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
ذكر من قال ذلك:
حدثنا بشر, قال: ثنا يزيد, قال: ثنا سعيد, عن قتادة ( قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكًا لا يَنْبَغِي لأحَدٍ مِنْ بَعْدِي ) يقول: ملكا لا أسلَبه كما سُلبتُه. وكان بعض أهل العربية يوجه معنى قوله ( لا يَنْبَغِي لأحَدٍ مِنْ بَعْدِي ) إلى: أن لا يكون لأحد من بعدي, كما قال ابن أحمر:
مـا أُمُّ غُفْـرٍ عـلى دعْجَـاءَ ذي عَلَقٍ يَنْفـي القَراميـدَ عنهـا الأعْصَمُ الوَقِلُ
فـي رأْسِ حَلْقـاءَ مِـن عَنقاءَ مُشْرِفةً لا يَنْبَغــي دُونهـا سَـهْل وَلا جَـبَل
بمعنى: لا يكون فوقها سهل ولا جبل أحصن منها.
وقوله ( إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ ) يقول: إنك وهاب ما تشاء لمن تشاء بيدك خزائن كلّ شيء تفتح من ذلك ما أردت لمن أردت.

القول في تأويل قوله تعالى : فَسَخَّرْنَا لَهُ الرِّيحَ تَجْرِي بِأَمْرِهِ رُخَاءً حَيْثُ أَصَابَ ( 36 ) وَالشَّيَاطِينَ كُلَّ بَنَّاءٍ وَغَوَّاصٍ ( 37 ) وَآخَرِينَ مُقَرَّنِينَ فِي الأَصْفَادِ ( 38 ) هَذَا عَطَاؤُنَا فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسَابٍ ( 39 ) وَإِنَّ لَهُ عِنْدَنَا لَزُلْفَى وَحُسْنَ مَآبٍ ( 40 )
يقول تعالى ذكره: فاستجبنا له دعاءه, فأعطيناه ملكا لا ينبغي لأحد من بعده ( فَسَخَّرْنَا لَهُ الرِّيحَ ) مكان الخيل التي شغلته عن الصلاة ( تَجْرِي بِأَمْرِهِ رُخَاءً ) يعني: رِخوة لينة, وهي من الرخاوة.
كما حدثنا محمد بن عبد الله بن بزيع, قال: ثنا بشر بن المفضل, قال: ثنا عوف, عن الحسن, أن نبي الله سليمان صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم لما عرضت عليه الخيل, فشغله النظر إليها عن صلاة العصر حَتَّى تَوَارَتْ بِالْحِجَابِ فغضب لله, فأمر بها فعُقرت, فأبدله الله مكانها أسرع منها, سخر الريح تجري بأمره رُخاء حيث شاء, فكان يغدو من إيلياء, ويقيل بقزوين, ثم يروح من قَزْوين ويبيت بكابُل.
حُدثت عن الحسن, قال: سمعت أبا معاذ يقول: أخبرنا عبيد, قال: سمعت الضحاك يقول في قوله وَهَبْ لِي مُلْكًا لا يَنْبَغِي لأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي فإنه دعا يوم دعا ولم يكن في مُلكه الريح, وكل بناء وغواص من الشياطين, فدعا ربه عند توبته واستغفاره, فوهب الله له ما سأل, فتمّ مُلكه.
واختلف أهل التأويل في معنى الرخاء, فقال فيه بعضهم نحو الذي قلنا فيه.
ذكر من قال ذلك:
حدثني محمد بن عمرو, قال: ثنا أبو عاصم, قال: ثنا عيسى, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, في قوله ( تَجْرِي بِأَمْرِهِ رُخَاءً ) قال: طَيِّبة.
حدثني الحارث, قال: ثنا الحسن, قال: ثنا ورقاء, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد بنحوه.
حدثنا بشر, قال: ثنا يزيد, قال: ثنا سعيد, عن قتادة ( فَسَخَّرْنَا لَهُ الرِّيحَ تَجْرِي بِأَمْرِهِ رُخَاءً حَيْثُ أَصَابَ ) قال: سريعة طيبة, قال: ليست بعاصفة ولا بطيئة.
حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, في قوله ( رُخَاءً ) قال: الرخاء اللينة.
حدثنا ابن بشار, قال: ثنا أبو عامر, قال: ثنا قرة, عن الحسن, في قوله ( رُخَاءً حَيْثُ أَصَابَ ) قال: ليست بعاصفة, ولا الهَيِّنة بين ذلك رُخاء.
وقال آخرون: معنى ذلك: مطيعة لسليمان.
ذكر من قال ذلك:
حدثني عليّ, قال: ثنا أبو صالح, قال: ثني معاوية, عن على, عن ابن عباس, قوله ( رُخَاءً ) يقول: مُطيعة له.
حدثني محمد بن سعد, قال: ثني أبي, قال: ثني عمي, قال: ثني أبي, عن أبيه, عن ابن عباس ( تَجْرِي بِأَمْرِهِ رُخَاءً ) قال: يعني بالرُّخاء: المطيعة.
حدثنا ابن المثنى, قال: ثنا أبو النعمان الحكم بن عبد الله, قال: ثنا شعبة, عن أبي رجاء, عن الحسن, في قوله ( تَجْرِي بِأَمْرِهِ رُخَاءً ) قال: مطيعة.
حُدثت عن الحسين, قال: سمعت أبا معاذ يقول: أخبرنا عبيد, قال: سمعت الضحاك يقول في قوله ( رُخَاءً ) يقول: مطيعة.
حدثنا محمد بن الحسين, قال: ثنا أحمد, قال: ثنا أسباط, عن السديّ, قوله ( رُخَاءً ) قال: طوعا. وقوله ( حَيْثُ أَصَابَ ) يقول: حيث أراد, من قولهم: أصاب الله بك خيرا: أي أراد الله بك خيرا.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
ذكر من قال ذلك:
حدثني عليّ, قال: ثنا أبو صالح, قال: ثني معاوية, عن عليّ عن ابن عباس, قوله ( حَيْثُ أَصَابَ ) يقول: حيث أراد.
حدثني محمد بن سعد, قال: ثني أبي, قال: ثني عمي, قال: ثني أبي, عن أبيه, عن ابن عباس, قوله ( حَيْثُ أَصَابَ ) يقول: حيث أراد, انتهى عليها.
حدثني محمد بن عمرو, قال: ثنا أبو عاصم, قال: ثنا عيسى; وحدثني الحارث, قال: ثنا الحسن, قال. ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, قوله ( حَيْثُ أَصَابَ ) قال: حيث شاء.
حدثنا ابن المثنى, قال: ثنا أبو النعمان الحكم بن عبد الله, قال: ثنا شعبة, عن أبي رجاء, عن الحسن, في قوله ( حَيْثُ أَصَابَ ) قال: حيث أراد.
حدثنا بشر, قال: ثنا يزيد, قال: ثنا سعيد, عن قتادة ( حَيْثُ أَصَابَ ) قال: إلى حيث أراد.
حُدثت عن الحسين, قال: سمعت أبا معاذ يقول: أخبرنا عبيد, قال: سمعت الضحاك يقول في قوله ( حَيْثُ أَصَابَ ) قال: حيث أراد.
حدثنا ابن حميد, قال: ثنا سلمة, عن ابن إسحاق, عن بعض أهل العلم, عن وهب بن منبه ( حَيْثُ أَصَابَ ) : أي حيث أراد.
حدثنا محمد بن الحسين, قال: ثنا أحمد بن المفضل, قال: ثنا أسباط, عن السديّ ( حَيْثُ أَصَابَ ) قال: حيث أراد.
حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, في قوله ( حَيْثُ أَصَابَ ) قال: حيث أراد.
وقوله ( وَالشَّيَاطِينَ كُلَّ بَنَّاءٍ وَغَوَّاصٍ ) يقول تعالى ذكره: وسخرنا له الشياطين سلطناه عليها مكان ما ابتُليناه بالذي ألقينا على كرسيّه منها يستعملها فيما يشاء من أعماله من بنَّاء وغوَّاص; فالبُناة منها يصنعون محاريب وتماثيل, والغاصة يستخرجون له الحُلِيّ من البحار, وآخرون ينحتون له جِفانا وقدورا, والمَردَة في الأغلال مُقَرَّنون.
كما حدثنا بشر, قال: ثنا يزيد, قال: ثنا سعيد, عن قتادة ( وَالشَّيَاطِينَ كُلَّ بَنَّاءٍ وَغَوَّاصٍ ) قال: يعملون له ما يشاء من محاريب وتماثيل, وغوّاص يستخرجون الحليّ من البحر ( وَآخَرِينَ مُقَرَّنِينَ فِي الأصْفَادِ ) قال: مردة الشياطين في الأغلال.
حُدثت عن المحاربيّ, عن جُوَيبر, عن الضحاك ( وَالشَّيَاطِينَ كُلَّ بَنَّاءٍ وَغَوَّاصٍ ) قال: لم يكن هذا في ملك داود, أعطاه الله ملك داود وزاده الريح ( وَالشَّيَاطِينَ كُلَّ بَنَّاءٍ وَغَوَّاصٍ وَآخَرِينَ مُقَرَّنِينَ فِي الأصْفَادِ ) يقول: في السلاسل.
حدثنا محمد, قال: ثنا أحمد, قال: ثنا أسباط, عن السديّ, قوله ( الأصْفَادِ ) قال: تجمع اليدين إلى عنقه, والأصفاد: جمع صَفَد وهي الأغلال.
وقوله ( هَذَا عَطَاؤُنَا فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسَابٍ ) اختلف أهل التأويل في المشار إليه بقوله ( هَذَا ) من العطاء, وأيّ عطاء أريد بقوله: عَطاؤنا, فقال بعضهم: عني به الملك الذي أعطاه الله.
ذكر من قال ذلك:
حدثنا بشر, قال: ثنا يزيد, قال: ثنا سعيد, عن قتادة, في قوله ( هَذَا عَطَاؤُنَا فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسَابٍ ) قال: قال الحسن: الملك الذي أعطيناك فأعط ما شئت وامنع ما شئت.
حدثنا عن المحاربي, عن جُوَيبر, عن الضحاك ( هَذَا عَطَاؤُنَا ) : هذا ملكنا.
وقال آخرون: بل عَنَى بذلك تسخيره له الشياطين, وقالوا: ومعنى الكلام: هذا الذي أعطيناك من كلّ بنّاء وغوّاص من الشياطين, وغيرهم عطاؤنا.
ذكر من قال ذلك:
حدثنا بشر, قال: ثنا يزيد, قال: ثنا سعيد, عن قتادة ( هَذَا عَطَاؤُنَا فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسَابٍ ) قال: هؤلاء الشياطين احبس من شئت منهم فى وثاقك وفي عذابك أو سرِّح من شئت منهم تتخذ عنده يدًا, اصنع ما شئت.
وقال آخرون: بل ذلك ما كان أوتي من القوّة على الجماع.
ذكر من قال ذلك:
حُدثت عن أبي يوسف, عن سعيد بن طريف, عن عكرمة, عن ابن عباس, قال: كان سليمان في ظهره ماءُ مِئَة رجل, وكان له ثلاث مِئَة امرأة وتسع مِئَة سُرِّيَّة ( هَذَا عَطَاؤُنَا فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسَابٍ ) .
وأولى الأقوال في ذلك عندي بالصواب القولُ الذي ذكرناه عن الحسن والضحاك من أنه عني بالعطاء ما أعطاه من الملك تعالى ذكره, وذلك أنه جلّ ثناؤه ذكر ذلك عَقِيب خبره عن مسألة نبيه سليمان صلوات الله وسلامه عليه إياه مُلكا لا ينبغي لأحد من بعده, فأخبر أنه سخر له ما لم يُسَخَّر لأحد من بني آدم, وذلك تسخيره له الريح والشياطين على ما وصفت, ثم قال له عزّ ذكره: هذا الذي أعطيناك من المُلك, وتسخيرنا ما سخرنا لك عطاؤنا, ووهبنا لك ما سألتنا أن نهبه لك من الملك الذي لا ينبغي لأحد من بعدك ( فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسَابٍ )
واختلف أهل التأويل في تأويل قوله ( فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسَابٍ ) فقال بعضهم: عنى بذلك. فأعط من شئت ما شئت من الملك الذي آتيناك, وامنع ما شئت منه ما شئت, لا حساب عليك في ذلك.
ذكر من قال ذلك:
حدثنا بشر, قال: ثنا يزيد, قال: ثنا سعيد, عن قتادة, قال: قال الحسن ( فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسَابٍ ) المُلك الذي أعطيناك, فأعط ما شئت وامنع ما شئت, فليس عليك تبعة ولا حساب.
حُدثت عن المحاربي, عن جُوَيبر, عن الضحاك ( فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسَابٍ ) سأل مُلكا هنيئا لا يُحاسب به يوم القيامة, فقال: ما أعطيت, وما أمسكت, فلا حرج عليك.
حدثنا ابن وكيع, قال: ثنا أبي, عن سفيان, عن أبيه, عن عكرمة ( فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسَابٍ ) قال: أعط أو أمسك, فلا حساب عليك.
حدثني محمد بن عمرو, قال: ثنا أبو عاصم, قال: ثنا عيسى; وحدثني الحارث, قال: ثنا الحسن, قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد ( فَامْنُنْ ) قال: أعط أو أمسك بغير حساب.
وقال آخرون: بل معنى ذلك: أعْتِق من هؤلاء الشياطين الذين سخرناهم لك من الخدمة, أو من الوَثاق ممن كان منهم مُقَرَّنا في الأصفاد مَنْ شئت واحبس من شئت فلا حرج عليك في ذلك.
ذكر من قال ذلك:
حدثنا بشر, قال: ثنا يزيد, قال: ثنا سعيد, عن قتادة ( فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسَابٍ ) يقول: هؤلاء الشياطين احبس من شئت منهم في وَثاقك وفي عذابك, وسرح من شئت منهم تتخذ عنده يدًا, اصنع ما شئت لا حساب عليك في ذلك.
حدثني محمد بن سعد, قال: ثني أبي, قال: ثني عمي, قال: ثني أبي, عن أبيه, عن ابن عباس ( فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسَابٍ ) يقول: أعتق من الجنّ من شئت, وأمسك من شئت.
حدثنا محمد, قال: ثنا أحمد, قال: ثنا أسباط, عن السديّ, قوله ( فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسَابٍ ) قال: تَمُنّ على من تشاء منهم فتُعْتِقُهُ, وتُمسِك من شئت فتستخدمه ليس عليك في ذلك حساب.
وقال آخرون: بل معنى ذلك: هذا الذي أعطيناك من القوّة على الجماع عطاؤنا, فجامع من شئت من نسائك وجواريك ما شئت بغير حساب, واترك جماع من شئت منهن.
وقال آخرون: بل ذلك من المقدم والمؤخر. ومعنى الكلام: هذا عطاؤنا بغير حساب, فامْنُن أو أمسك. وذُكر أن ذلك في قراءة عبد الله: « هذا فامنن أو أمسك عطاؤنا بغير حساب » .
وكان بعض أهل العلم بكلام العرب من البصريين يقول في قوله ( بِغَيْرِ حِسَابٍ ) وجهان; أحدهما: بغير جزاء ولا ثواب, والآخر: مِنَّةٍ ولا قِلَّةٍ.
والصواب من القول في ذلك ما ذكرته عن أهل التأويل من أن معناه: لا يحاسب على ما أعطى من ذلك المُلك والسلطان. وإنما قلنا ذلك هو الصواب لإجماع الحجة من أهل التأويل عليه.
وقوله ( وَإِنَّ لَهُ عِنْدَنَا لَزُلْفَى وَحُسْنَ مَآبٍ ) يقول: وإن لسليمان عندنا لقُرْبةً بإنابته إلينا وتوبته وطاعته لنا, وحُسْنَ مآب: يقول: وحسن مرجع ومصير في الآخرة.
كما حدثنا بشر, قال: ثنا يزيد, قال: ثنا سعيد, عن قتادة ( وَإِنَّ لَهُ عِنْدَنَا لَزُلْفَى وَحُسْنَ مَآبٍ ) : أي مصير.
إن قال لنا قائل: وما وجه رغبة سليمان إلى ربه في الملك, وهو نبيّ من الأنبياء, وإنما يرغب في الملك أهل الدنيا المؤثِرون لها على الآخرة؟ أم ما وجه مسألته إياه, إذ سأله ذلك مُلكا لا ينبغي لأحد من بعده, وما كان يضرّه أن يكون كلّ من بعده يُؤْتَى مثل الذي أوتي من ذلك؟ أكان به بخل بذلك, فلم يكن من مُلكه, يُعطي ذلك من يعطاه, أم حسد للناس, كما ذُكر عن الحجاج بن يوسف; فإنه ذكر أنه قرأ قوله وَهَبْ لِي مُلْكًا لا يَنْبَغِي لأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي فقال: إن كان لحسودًا, فإن ذلك ليس من أخلاق الأنبياء! قيل: أما رغبته إلى ربه فيما يرغب إليه من المُلك, فلم تكن إن شاء الله به رغبةً في الدنيا, ولكن إرادة منه أن يعلم منـزلته من الله فى إجابته فيما رغب إليه فيه, وقبوله توبته, وإجابته دعاءه.
وأما مسألته ربه مُلكا لا ينبغي لأحد من بعده, فإنا قد ذكرنا فيما مضى قبلُ قولَ من قال: إن معنى ذلك: هب لي مُلكا لا أسلبه كما سلبته قبل. وإنما معناه عند هؤلاء: هب لي ملكا لا ينبغي لأحد من بعدي أن يَسلُبنيه. وقد يتجه ذلك أن يكون بمعنى: لا ينبغي لأحد سواي من أهل زماني, فيكون حجة وعَلَما لي على نبوتي وأني رسولك إليهم مبعوث, إذ كانت الرسل لا بد لها من أعلام تفارق بها سائر الناس سواهم. ويتجه أيضا لأن يكون معناه: وهب لي ملكا تخُصُّني به, لا تعطيه أحدا غيري تشريفا منك لي بذلك, وتكرمة, لتبين منـزلتي منك به من منازل من سواي, وليس في وجه من هذه الوجوه مما ظنه الحجاج في معنى ذلك شيء.


 

رد مع اقتباس
قديم 15 Aug 2012, 07:45 AM   #7
طالب علم
باحث علمي ـ جزاه الله خيرا


الصورة الرمزية طالب علم
طالب علم غير متصل

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم باحث : 2783
 تاريخ التسجيل :  May 2008
 أخر زيارة : 09 Aug 2024 (06:43 PM)
 المشاركات : 2,582 [ + ]
 التقييم :  11
لوني المفضل : Cadetblue
رد: شياطين الجان يبنون يغوصون يسلسلون بالحديد ـ إذا الجان صالح كذلك .



بسم الله الرحمن الرحيم
نقرأ تفسيرها في تفسير السعدي :
وَلَقَدْ فَتَنَّا سُلَيْمَانَ ) أي: ابتليناه واختبرناه بذهاب ملكه وانفصاله عنه بسبب خلل اقتضته الطبيعة البشرية، ( وَأَلْقَيْنَا عَلَى كُرْسِيِّهِ جَسَدًا ) أي: شيطانا قضى اللّه وقدر أن يجلس على كرسي ملكه، ويتصرف في الملك في مدة فتنة سليمان، ( ثُمَّ أَنَابَ ) سليمان إلى اللّه تعالى وتاب.
فـ ( قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكًا لا يَنْبَغِي لأحَدٍ مِنْ بَعْدِي إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ ) فاستجاب اللّه له وغفر له، ورد عليه ملكه، وزاده ملكا لم يحصل لأحد من بعده، وهو تسخير الشياطين له، يبنون ما يريد، ويغوصون له في البحر، يستخرجون الدر والحلي، ومن عصاه منهم قرنه في الأصفاد وأوثقه.
وقلنا له: ( هَذَا عَطَاؤُنَا ) فَقَرَّ به عينا ( فَامْنُنْ ) على من شئت، ( أَوْ أَمْسِكْ ) من شئت ( بِغَيْرِ حِسَابٍ ) أي: لا حرج عليك في ذلك ولا حساب، لعلمه تعالى بكمال عدله، وحسن أحكامه، ولا تحسبن هذا لسليمان في الدنيا دون الآخرة، بل له في الآخرة خير عظيم.
ولهذا قال: ( وَإِنَّ لَهُ عِنْدَنَا لَزُلْفَى وَحُسْنَ مَآبٍ ) أي: هو من المقربين عند اللّه المكرمين بأنواع الكرامات للّه.
فصل فيما تبين لنا من الفوائد والحكم في قصة داود وسليمان عليهما السلام
فمنها: أن اللّه تعالى يقص على نبيه محمد صلى اللّه عليه وسلم أخبار من قبله، ليثبت فؤاده وتطمئن نفسه، ويذكر له من عباداتهم وشدة صبرهم وإنابتهم، ما يشوقه إلى منافستهم، والتقرب إلى اللّه الذي تقربوا له، والصبر على أذى قومه، ولهذا - في هذا الموضع - لما ذكر اللّه ما ذكر من أذية قومه وكلامهم فيه وفيما جاء به، أمره بالصبر، وأن يذكر عبده داود فيتسلى به.
ومنها: أن اللّه تعالى يمدح ويحب القوة في طاعته، قوة القلب والبدن، فإنه يحصل منها من آثار الطاعة وحسنها وكثرتها، ما لا يحصل مع الوهن وعدم القوة، وأن العبد ينبغي له تعاطي أسبابها، وعدم الركون إلى الكسل والبطالة المخلة بالقوى المضعفة للنفس.
ومنها: أن الرجوع إلى اللّه في جميع الأمور، من أوصاف أنبياء اللّه وخواص خلقه، كما أثنى اللّه على داود وسليمان بذلك، فليقتد بهما المقتدون، وليهتد بهداهم السالكون أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهِ
ومنها: ما أكرم اللّه به نبيه داود عليه السلام، من حسن الصوت العظيم، الذي جعل اللّه بسببه الجبال الصم، والطيور البهم، يجاوبنه إذا رجَّع صوته بالتسبيح، ويسبحن معه بالعشي والإشراق.
ومنها: أن من أكبر نعم اللّه على عبده، أن يرزقه العلم النافع، ويعرف الحكم والفصل بين الناس، كما امتن اللّه به على عبده داود عليه السلام.
ومنها: اعتناء اللّه تعالى بأنبيائه وأصفيائه عندما يقع منهم بعض الخلل بفتنته إياهم وابتلائهم بما به يزول عنهم المحذور، ويعودون إلى أكمل من حالتهم الأولى، كما جرى لداود وسليمان عليهما السلام.
ومنها: أن الأنبياء صلوات اللّه وسلامه عليهم معصومون من الخطأ فيما يبلغون عن اللّه تعالى، لأن مقصود الرسالة لا يحصل إلا بذلك، وأنه قد يجري منهم بعض مقتضيات الطبيعة من المعاصي، ولكن اللّه يتداركهم ويبادرهم بلطفه.
ومنها: أن داود عليه السلام، [ كان ] في أغلب أحواله ملازما محرابه لخدمة ربه، ولهذا تسور الخصمان عليه المحراب، لأنه كان إذا خلا في محرابه لا يأتيه أحد، فلم يجعل كل وقته للناس، مع كثرة ما يرد عليه من الأحكام، بل جعل له وقتا يخلو فيه بربه، وتقر عينه بعبادته، وتعينه على الإخلاص في جميع أموره.
ومنها: أنه ينبغي استعمال الأدب في الدخول على الحكام وغيرهم، فإن الخصمين لما دخلا على داود في حالة غير معتادة ومن غير الباب المعهود، فزع منهم، واشتد عليه ذلك، ورآه غير لائق بالحال.
ومنها: أنه لا يمنع الحاكم من الحكم بالحق سوء أدب الخصم وفعله ما لا ينبغي.
ومنها: كمال حلم داود عليه السلام، فإنه ما غضب عليهما حين جاءاه بغير استئذان، وهو الملك، ولا انتهرهما، ولا وبخهما.
ومنها: جواز قول المظلوم لمن ظلمه « أنت ظلمتني » أو « يا ظالم » ونحو ذلك أو باغ علي لقولهما: خَصْمَانِ بَغَى بَعْضُنَا عَلَى بَعْضٍ
ومنها: أن الموعوظ والمنصوح، ولو كان كبير القدر، جليل العلم، إذا نصحه أحد، أو وعظه، لا يغضب، ولا يشمئز، بل يبادره بالقبول والشكر، فإن الخصمين نصحا داود فلم يشمئز ولم يغضب ولم يثنه ذلك عن الحق، بل حكم بالحق الصرف.
ومنها: أن المخالطة بين الأقارب والأصحاب، وكثرة التعلقات الدنيوية المالية، موجبة للتعادي بينهم، وبغي بعضهم على بعض، وأنه لا يرد عن ذلك إلا استعمال تقوى اللّه، والصبر على الأمور، بالإيمان والعمل الصالح، وأن هذا من أقل شيء في الناس.
ومنها: أن الاستغفار والعبادة، خصوصا الصلاة، من مكفرات الذنوب، فإن اللّه رتب مغفرة ذنب داود على استغفاره وسجوده.
ومنها: إكرام اللّه لعبده داود وسليمان، بالقرب منه، وحسن الثواب، وأن لا يظن أن ما جرى لهما منقص لدرجتهما عند اللّه تعالى، وهذا من تمام لطفه بعباده المخلصين، أنه إذا غفر لهم وأزال أثر ذنوبهم، أزال الآثار المترتبة عليه كلها، حتى ما يقع في قلوب الخلق، فإنهم إذا علموا ببعض ذنوبهم، وقع في قلوبهم نزولهم عن درجتهم الأولى، فأزال اللّه تعالى هذه الآثار، وما ذاك بعزيز على الكريم الغفار.
ومنها: أن الحكم بين الناس مرتبة دينية، تولاها رسل اللّه وخواص خلقه، وأن وظيفة القائم بها الحكم بالحق ومجانبة الهوى، فالحكم بالحق يقتضي العلم بالأمور الشرعية، والعلم بصورة القضية المحكوم بها، وكيفية إدخالها في الحكم الشرعي، فالجاهل بأحد الأمرين لا يصلح للحكم، ولا يحل له الإقدام عليه.
ومنها: أنه ينبغي للحاكم أن يحذر الهوى، ويجعله منه على بال، فإن النفوس لا تخلو منه، بل يجاهد نفسه بأن يكون الحق مقصوده، وأن يلقي عنه وقت الحكم كل محبة أو بغض لأحد الخصمين.
ومنها: أن سليمان عليه السلام من فضائل داود، ومن منن اللّه عليه حيث وهبه له، وأن من أكبر نعم اللّه على عبده، أن يهب له ولدا صالحا، فإن كان عالما، كان نورا على نور.
ومنها: ثناء اللّه تعالى على سليمان ومدحه في قوله ( نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ )
ومنها: كثرة خير اللّه وبره بعبيده، أن يمن عليهم بصالح الأعمال ومكارم الأخلاق، ثم يثني عليهم بها، وهو المتفضل الوهاب.
ومنها: تقديم سليمان محبة اللّه تعالى على محبة كل شيء.
ومنها: أن كل ما أشغل العبد عن اللّه، فإنه مشئوم مذموم، فَلْيُفَارِقْه ولْيُقْبِلْ على ما هو أنفع له.
ومنها: القاعدة المشهورة « من ترك شيئا لله عوضه اللّه خيرا منه » فسليمان عليه السلام عقر الجياد الصافنات المحبوبة للنفوس، تقديما لمحبة اللّه، فعوضه اللّه خيرا من ذلك، بأن سخر له الريح الرخاء اللينة، التي تجري بأمره إلى حيث أراد وقصد، غدوها شهر، ورواحها شهر، وسخر له الشياطين، أهل الاقتدار على الأعمال التي لا يقدر عليها الآدميون.
ومنها: أن تسخير الشياطين لا يكون لأحد بعد سليمان عليه السلام.
ومنها: أن سليمان عليه السلام، كان ملكا نبيا، يفعل ما أراد، ولكنه لا يريد إلا العدل، بخلاف النبي العبد، فإنه تكون إرادته تابعة لأمر اللّه، فلا يفعل ولا يترك إلا بالأمر، كحال نبينا محمد صلى اللّه عليه وسلم، وهذه الحال أكمل.


 

رد مع اقتباس
قديم 15 Aug 2012, 07:49 AM   #8
طالب علم
باحث علمي ـ جزاه الله خيرا


الصورة الرمزية طالب علم
طالب علم غير متصل

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم باحث : 2783
 تاريخ التسجيل :  May 2008
 أخر زيارة : 09 Aug 2024 (06:43 PM)
 المشاركات : 2,582 [ + ]
 التقييم :  11
لوني المفضل : Cadetblue
رد: شياطين الجان يبنون يغوصون يسلسلون بالحديد ـ إذا الجان صالح كذلك .



بسم الله الرحمن الرحيم
نقرأ تفسيرها في تفسير البغوي :
قال الله عزوجل ( وَلَقَدْ فَتَنَّا سُلَيْمَانَ وَأَلْقَيْنَا عَلَى كُرْسِيِّهِ جَسَدًا ثُمَّ أَنَابَ ( 34 )
قوله عز وجل: ( وَلَقَدْ فَتَنَّا سُلَيْمَانَ ) اختبرناه وابتليناه بسلب ملكه.
وكان سبب ذلك ما ذكر محمد بن إسحاق عن وهب بن منبه قال: سمع سليمان عليه السلام بمدينة في جزيرة من جزائر البحر يقال لها صيدون, بها ملك عظيم الشأن, لم يكن للناس إليه سبيلا لمكانه في البحر, وكان الله قد آتى سليمان في ملكه سلطانًا لا يمتنع عليه شيء في بر ولا بحر, إنما يركب إليه الريح, فخرج إلى تلك المدينة تحمله الريح على ظهر الماء, حتى نـزل بها بجنوده من الجن والإنس, فقتل ملكها واستولى واستفاء وسبى ما فيها, وأصاب فيما أصاب بنتًا لذلك الملك, يقال لها: جرادة, لم ير مثلها حسنًا وجمالا فاصطفاها لنفسه, ودعاها إلى الإسلام فأسلمت على جفاء منها وقلة فقه, وأحبها حبًا لم يحبه شيئًا من نسائه, وكانت على منـزلتها عنده لا يذهب حزنها ولا يرقأ دمعها, فشق ذلك على سليمان فقال لها: ويحك ما هذا الحزن الذي لا يذهب, والدمع الذي لا يرقأ؟ قالت: إن أبي أذكره وأذكر ملكه وما كان فيه وما أصابه فيحزنني ذلك, قال سليمان: فقد أبدلك الله به مُلكًا هو أعظم من ملكه, وسلطانا هو أعظم من سلطانه, وهداك للإسلام وهو خير من ذلك كله, قالت: إن ذلك كذلك, ولكني إذا ذكرته أصابني ما ترى من الحزن, فلو أنك أمرت الشياطين فصوروا صورته في داري التي أنا فيها أراها بكرة وعشيًا لرجوت أن يذهب ذلك حزني, وأن يسلي عني بعض ما أجد في نفسي, فأمر سليمان الشياطين, فقال: مثلوا لها صورة أبيها في دارها حتى لا تنكر منه شيئًا, فمثلوه لها حتى نظرت إلى أبيها بعينه إلا أنه لا روح فيه, فعمدت إليه حين صنعوه فأزرته وقمصته وعممته وردته بمثل ثيابه التي كان يلبس, ثم كان إذا خرج سليمان [ من دارها ] تغدو عليه في ولائدها حتى تسجد له, ويسجدن له كما كانت تصنع به في ملكه, وتروح كل عشية بمثل ذلك وسليمان لا يعلم بشيء من ذلك أربعين صباحًا, وبلغ ذلك آصف بن برخيا, وكان صديقًا, وكان لا يرد عن أبواب سليمان, أي ساعة أراد دخول شيء من بيوته دخل, حاضرًا كان سليمان أو غائبًا, فأتاه فقال: يا نبي الله كبر سني, ورق عظمي, ونفد عمري, وقد حان مني الذهاب, فقد أحببت أن أقوم مقامًا قبل الموت أذكر فيه من مضى من أنبياء الله وأثني عليهم بعلمي فيهم, وأعلم الناس بعض ما كانوا يجهلون من كثير من أمورهم, فقال: افعل, فجمع له سليمان الناس, فقام فيهم خطيبًا فذكر من مضى من أنبياء الله تعالى, فأثنى على كل نبي بما فيه, فذكر ما فضله الله حتى انتهى إلى سليمان, فقال: ما أحلمك في صغرك, وأورعك في صغرك, وأفضلك في صغرك, وأحكم أمرك في صغرك, وأبعدك من كل ما تكره في صغرك, ثم انصرف, فوجد سليمان عليه السلام في نفسه من ذلك حتى ملأه غضبًا, فلما دخل سليمان داره أرسل إليه, فقال: يا آصف ذكرت من مضى من أنبياء الله, فأثنيت عليهم خيرًا في كل زمانهم, وعلى كل حال من أمرهم, فلما ذكرتني جعلت تثني عليّ بخير في صغري, وسكت عما سوى ذلك من أمري في كبري؟ فما الذي أحدثت في آخر أمري؟ فقال: إن غير الله ليعبد في دارك منذ أربعين صباحًا في هوى امرأة, فقال: في داري؟ فقال: في دارك, قال: إنا لله وإنا إليه راجعون لقد عرفت أنك ما قلت الذي قلت إلا عن شيء بلغك, ثم رجع سليمان إلى داره وكسر ذلك الصنم, وعاقب تلك المرأة وولائدها, ثم أمر بثياب الطهرة فأتى بها وهي ثياب لا يغزلها إلا الأبكار, ولا ينسجها إلا الأبكار, ولا يغسلها إلا الأبكار, لم تمسسها امرأة قد رأت الدم, فلبسها ثم خرج إلى فلاة من الأرض وحده, فأمر برماد ففرش له, ثم أقبل تائبًا إلى الله عز وجل, حتى جلس على ذلك الرماد وتمعك فيه بثيابه تذللا لله تعالى, وتضرعًا إليه يبكي ويدعو, ويستغفر مما كان في داره, فلم يزل كذلك يومه حتى أمسى, ثم رجع إلى داره, وكانت له أم ولد يقال لها الأمينة, كان إذا دخل مذهبه أو أراد إصابة امرأة من نسائه وضع خاتمه عندها حتى يتطهر, وكان لا يمس خاتمه إلا وهو طاهر, وكان ملكه في خاتمه فوضعه يومًا عندها, ثم دخل مذهبه فأتاها الشيطان صاحب البحر, واسمه صخر, على صورة سليمان لا تنكر منه شيئًا, فقال: خاتمي أمينة! فناولته إياه, فجعله في يده ثم خرج حتى جلس على سرير سليمان, وعكفت عليه الطير والجن والإنس, وخرج سليمان فأتى الأمينة وقد غيرت حاله, وهيئته عند كل من رآه, فقال: يا أمينة خاتمي, قالت: من أنت؟ قال: أنا سليمان بن داود, قالت: كذبت فقد جاء سليمان فأخذ خاتمه وهو جالس على سرير ملكه, فعرف سليمان أن خطيئته قد أدركته, فخرج فجعل يقف على الدار من دور بني إسرائيل فيقول: أنا سليمان بن داود, فيحثون عليه التراب ويسبونه, ويقولون انظروا إلى هذا المجنون أي شيء يقول يزعم أنه سليمان, فلما رأى سليمان ذلك عمد إلى البحر, فكان ينقل الحيتان لأصحاب البحر إلى السوق فيعطونه كل يوم سمكتين, فإذا أمسى باع إحدى سمكتيه بأرغفة وشوى الأخرى فأكلها, فمكث بذلك أربعين صباحًا عدة ما كان عبد الوثن في داره, فأنكر آصف وعظماء بني إسرائيل حكم عدو الله الشيطان في تلك الأربعين, فقال آصف: يا معشر بني إسرائيل هل رأيتم اختلاف حكم ابن داود ما رأيت؟ قالوا: نعم, قال: أمهلوني حتى أدخل على نسائه فأسألهن فهل أنكرتن منه في خاصة أمره ما أنكرناه في عامة أمر الناس وعلانيته, فدخل على نسائه, فقال: ويحكن هل أنكرتن من أمر ابن داود ما أنكرنا؟ فقلن: أشده ما يدع منا امرأة في دمها ولا يغتسل من الجنابة, فقال: إنا لله وإنا إليه راجعون إن هذا لهو البلاء المبين ثم خرج على بني إسرائيل فقال: ما في الخاصة أعظم مما في العامة, فلما مضى أربعون صباحًا طار الشيطان عن مجلسه, ثم مر بالبحر فقذف الخاتم فيه, فبلعته سمكة فأخذها بعض الصيادين, وقد عمل له سليمان صدر يومه ذلك, حتى إذا كان العشي أعطاه سمكتيه وأعطاه السمكة التي أخذت الخاتم, فخرج سليمان بسمكتيه, فباع التي ليس في بطنها الخاتم بالأرغفة, ثم عمد إلى السمكة الأخرى فبقرها ليشويها فاستقبله خاتمه في جوفها, فأخذه فجعله في يده, ووقع ساجدًا, وعكفت عليه الطير والجن, وأقبل عليه الناس, وعرف الذي كان قد دخل عليه لما كان قد حدث في داره, فرجع إلى ملكه وأظهر التوبة من ذنبه, وأمر الشياطين فقال: ائتوني بصخر فطلبته الشياطين حتى أخذته, فأتي به وجاؤوا له بصخرة فنقرها فأدخله فيها ثم شد عليه بأخرى, ثم أوثقها بالحديد والرصاص, ثم أمر به فقذف في البحر. هذا حديث وهب .
وقال الحسن: ما كان الله ليسلط الشيطان على نسائه.
وقال السدي: كان سبب فتنة سليمان أنه كان له مائة امرأة, وكانت امرأة منهن يقال لها جرادة هي آثر نسائه وآمنهن عنده, وكان يأتمنها على خاتمه إذا أتى حاجته, فقالت له يومًا: إن أخي كان بينه وبين فلان خصومة, وأنا أحب أن تقضي له إذا جاءك, فقال: نعم, ولم يفعل فابتلي بقوله, فأعطاها خاتمه ودخل المخرج, فجاء الشيطان في صورته فأخذه وجلس على مجلس سليمان, وخرج سليمان عليه السلام فسألها خاتمه فقالت: ألم تأخذه؟ قال: لا وخرج مكانه ومكث الشيطان يحكم بين الناس أربعين يومًا, فأنكر الناس حكمه, فاجتمع قراء بني إسرائيل وعلماؤهم حتى دخلوا على نسائه, فقالوا: إنا قد أنكرنا هذا, فإن كان سليمان فقد ذهب عقله, فبكى النساء عند ذلك فأقبلوا حتى أحدقوا به, ونشروا التوراة فقرؤوها فطار من بين أيديهم, حتى وقع على شرفه, والخاتم معه, ثم طار حتى ذهب إلى البحر, فوقع الخاتم منه في البحر, فابتلعه حوت, وأقبل سليمان حتى انتهى إلى صياد من صيادي البحر وهو جائع قد اشتد جوعه, فاستطعمه من صيده, وقال: إني أنا سليمان, فقام إليه بعضهم فضربه بعصا فشجه, فجعل يغسل دمه على شاطئ البحر, فلام الصيادون صاحبهم الذي ضربه, وأعطوه سمكتين مما قد مذر عندهم, فشق بطونهما وجعل يغسلهما, فوجد خاتمه في بطن إحداهما, فلبسه فرد الله عليه ملكه وبهاءه.
وحامت عليه الطير فعرف القوم أنه سليمان, فقاموا يعتذرون مما صنعوا, فقال: ما أحمدكم على عذركم ولا ألومكم على ما كان منكم, هذا أمر كائن لا بد منه, ثم جاء حتى أتى مملكته وأمر حتى أتي بالشيطان الذي أخذ خاتمه وجعله في صندوق من حديد, وأطبق عليه بقفل, وختم عليه بخاتمه, وأمر به فألقي في البحر وهو حي كذلك حتى الساعة.
وفي بعض الروايات: أن سليمان لما افتتن سقط الخاتم من يده, وكان فيه ملكه فأعاده سليمان إلى يده فسقط فأيقن سليمان بالفتنة, فأتى آصف فقال لسليمان: إنك مفتون بذنبك, والخاتم لا يتماسك في يدك [ أربعة عشر يومًا ] ففر إلى الله تائبًا, فإني أقوم مقامك, وأسير بسيرتك إلى أن يتوب الله عليك, ففر سليمان هاربًا إلى ربه, وأخذ آصف الخاتم, فوضعه في أصبعه فثبت فهو الجسد الذي قال الله تعالى: « وألقينا على كرسيه جسدا » فأقام آصف في ملكه يسير بسيرته أربعة عشر يومًا إلى أن رد الله على سليمان ملكه, فجلس على كرسيه وأعاد الخاتم في يده فثبت .
وروي عن سعيد بن المسيب قال: احتجب سليمان عن الناس ثلاثة أيام, فأوحى الله إليه احتجبت عن الناس ثلاثة أيام؟ فلم تنظر في أمور عبادي؟ فابتلاه الله عز وجل. فذكر حديث الخاتم وأخذ الشيطان إياه كما روينا.
وقيل: قال سليمان يومًا لأطوفن الليلة على نسائي كلهن, فتأتي كل واحدة بابن يجاهد في سبيل الله, ولم يستثن, فجامعهن فما خرج له منهن إلا شق مولود, فجاءت به القابلة فألقته على كرسيه, فذلك قوله تعالى: « وألقينا على كرسيه جسدا » .
أخبرنا عبد الواحد بن أحمد المليحي, أخبرنا أحمد بن عبد الله النعيمي, أخبرنا محمد بن يوسف, حدثنا محمد بن إسماعيل, حدثنا أبو اليمان, أخبرنا شعيب, حدثنا أبو الزناد, عن الأعرج, عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « قال سليمان: لأطوفن الليلة على تسعين امرأة كلهن تأتي بفارس يجاهد في سبيل الله, فقال له صاحبه: قل إن شاء الله, فلم يقل إن شاء الله, فطاف عليهن فلم تحمل منهن إلا امرأة واحدة, جاءت بشق رجل, وايم الله الذي نفس محمد بيده لو قال إن شاء الله لجاهدوا في سبيل الله فرسانًا أجمعون »
وقال طاووس عن أبي هريرة: لأطوفن الليلة بمائة امرأة, قال له الملك: قل إن شاء الله, فلم يقل ونسي. وأشهر الأقاويل أن الجسد الذي ألقي على كرسيه هو صخر الجني ، فذلك قوله عز وجل: ( وَأَلْقَيْنَا عَلَى كُرْسِيِّهِ جَسَدًا ثُمَّ أَنَابَ ) أي رجع إلى ملكه بعد أربعين يوما فلما رجع.

قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكًا لا يَنْبَغِي لأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ ( 35 )

( قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكًا لا يَنْبَغِي لأحَدٍ مِنْ بَعْدِي ) قال مقاتل وابن كيسان: لا يكون لأحد من بعدي. قال عطاء بن أبي رباح: يريد هب لي ملكا لا تسلبنيه في آخر عمري, وتعطيه غيري كما استلبته في ما مضى من عمري.
( إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ ) قيل: سأل ذلك ليكون آية لنبوته, ودلالة على رسالته, ومعجزة.
وقيل: سأل ذلك ليكون علمًا على قبول توبته حيث أجاب الله دعاءه ورد إليه ملكه, وزاد فيه.
وقال مقاتل بن حيان: كان لسليمان ملكًا ولكنه أراد بقول: « لا ينبغي لأحد من بعدي » تسخير الرياح والطير والشياطين, بدليل ما بعده.
أخبرنا عبد الواحد المليحي, أخبرنا أحمد بن عبد الله النعيمي, أخبرنا محمد بن يوسف, حدثنا محمد بن إسماعيل, حدثنا محمد بن بشار, حدثنا محمد بن جعفر، حدثنا شعبة, عن محمد بن زياد, عن أبي هريرة, عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: « إن عفريتًا من الجن تفلت البارحة ليقطع عليّ صلاتي, فأمكنني الله منه, فأخذته فأردت أن أربطه على سارية من سواري المسجد, حتى تنظروا إليه كلكم, فذكرت دعوة أخي سليمان » رب هب لي ملكًا لا ينبغي لأحد من بعدي « فرددته خاسئا » .

فَسَخَّرْنَا لَهُ الرِّيحَ تَجْرِي بِأَمْرِهِ رُخَاءً حَيْثُ أَصَابَ ( 36 ) وَالشَّيَاطِينَ كُلَّ بَنَّاءٍ وَغَوَّاصٍ ( 37 ) وَآخَرِينَ مُقَرَّنِينَ فِي الأَصْفَادِ ( 38 ) هَذَا عَطَاؤُنَا فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسَابٍ ( 39 )

قوله عز وجل: ( فَسَخَّرْنَا لَهُ الرِّيحَ تَجْرِي بِأَمْرِهِ رُخَاءً ) لينة ليست بعاصفة, ( حَيْثُ أَصَابَ ) [ حيث أراد ] تقول العرب: أصاب الصواب [ فأخطأ الجواب, تريد أراد الصواب ] .
( وَالشَّيَاطِين ) أي: وسخرنا له الشياطين, ( كُلَّ بَنَّاءٍ ) يبنون له ما يشاء من محاريب وتماثيل, ( وَغَوَّاصٍ ) يستخرجون له اللآلئ من البحر, وهو أول من استخرج اللؤلؤ من البحر.
( وَآخَرِينَ مُقَرَّنِينَ فِي الأصْفَادِ ) مشدودين في القيود, أي: وسخرنا له آخرين, يعني: مردة الشياطين, سخروا له حتى قرنهم في الأصفاد.
( هَذَا عَطَاؤُنَا ) [ أي قلنا له هذا عطاؤنا ] ( فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسَابٍ ) المن: هو الإحسان إلى من لا يستثنيه, معناه: أعط من شئت وأمسك عمن شئت, بغيرِ حساب لا حرج عليك فيما أعطيت وفيما أمسكت.
قال الحسن: ما أنعم الله على أحد نعمة إلا عليه تبعة, إلا سليمان فإنه أعطى أجر, وإن لم يعط لم يكن عليه تبعة.
وقال مقاتل: هذا في أمر الشياطين, يعني: خل من شئت منهم, وأمسك من شئت في وثاقك, لا تبعة عليك فيما تتعاطاه.


 

رد مع اقتباس
قديم 15 Aug 2012, 07:53 AM   #9
طالب علم
باحث علمي ـ جزاه الله خيرا


الصورة الرمزية طالب علم
طالب علم غير متصل

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم باحث : 2783
 تاريخ التسجيل :  May 2008
 أخر زيارة : 09 Aug 2024 (06:43 PM)
 المشاركات : 2,582 [ + ]
 التقييم :  11
لوني المفضل : Cadetblue
رد: شياطين الجان يبنون يغوصون يسلسلون بالحديد ـ إذا الجان صالح كذلك .



بسم الله الرحمن الرحيم
نقرأ تفسيرها في تفسير القرطبي :
الآيات: 34 - 40 قال الله عزوجل ( ولقد فتنا سليمان وألقينا على كرسيه جسدا ثم أناب، قال رب اغفر لي وهب لي ملكا لا ينبغي لأحد من بعدي إنك أنت الوهاب، فسخرنا له الريح تجري بأمره رخاء حيث أصاب، والشياطين كل بناء وغواص، وآخرين مقرنين في الأصفاد، هذا عطاؤنا فامنن أو أمسك بغير حساب، وإن له عندنا لزلفى وحسن مآب )
قوله تعالى: « ولقد فتنا سليمان » قيل: فتن سليمان بعد ما ملك عشرين سنة، وملك بعد الفتنة عشرين سنة؛ ذكره الزمخشري. و « فتنا » أي ابتلينا وعاقبنا. وسبب ذلك ما رواه سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: اختصم إلى سليمان عليه السلام فريقان أحدهما من أهل جرادة امرأة سليمان؛ وكان يحبها فهوى أن يقع القضاء لهم، ثم قضى بينهما بالحق، فأصابه الذي أصابه عقوبة لذلك الهوى. وقال سعيد بن المسيب: إن سليمان عليه السلام احتجب عن الناس ثلاثة أيام لا يقضي بين أحد، ولا ينصف مظلوما من ظالم، فأوحى الله تعالى إليه: « إنى لم أستخلفك لتحتجب عن عبادي ولكن لتقضي بينهم وتنصف مظلومهم » . وقال شهر بن حوشب ووهب بن منبه: إن سليمان عليه السلام سبى بنت ملك غزاه في البحر، في جزيرة من جزائر البحر يقال لها صيدون. فألقيت عليه محبتها وهي تعرض عنه، لا تنظر إليه إلا شزرا، ولا تكلمه إلا نزرا، وكان لا يرقأ لها دمع حزنا على أبيها، وكانت في غاية من الجمال، ثم إنها سألته أن يصنع لها تمثالا على صورة أبيها حتى تنظر إليه، فأمر فصنع لها فعظمته وسجدت له، وسجدت معها جواريها، وصار صنما معبودا في داره وهو لا يعلم، حتى مضت أربعون ليلة، وفشا خبره في بني إسرائيل وعلم به سليمان فكسره، وحرقه ثم ذراه في البحر. وقيل: إن سليمان لما أصاب ابنة ملك صيدون واسمها جرادة - فيما ذكر الزمخشري - أعجب بها، فعرض عليها الإسلام فأبت، فخوفها فقالت: اقتلني ولا أسلم فتزوجها وهي مشركة فكانت تعبد صنما لها من ياقوت أربعين يوما في خفية من سليمان إلى أن أسلمت فعوقب سليمان بزوال ملكه أربعين يوما. وقال كعب الأحبار: إنه لما ظلم الخيل بالقتل سلب ملكه. وقال الحسن: إنه قارب بعض نسائه في شيء من حيض أوغيره. وقيل: إنه أمر ألا يتزوج امرأة إلا من بني إسرائيل، فتزوج امرأة من غيرهم، فعوقب على ذلك؛ والله أعلم.

قوله تعالى: « وألقينا على كرسيه جسدا » قيل: شيطان في قول أكثر أهل التفسير؛ ألقى الله شبه سليمان عليه السلام عليه، واسمه صخر بن عمير صاحب البحر، وهو الذي دل سليمان على الماس حين أمر سليمان ببناء بيت المقدس، فصوتت الحجارة لما صنعت بالحديد، فأخذوا الماس فجعلوا يقطعون به الحجارة والفصوص وغيرها ولا تصوت. قال ابن عباس: كان ماردا لا يقوى عليه جميع الشياطين، ولم يزل يحتال حتى ظفر بخاتم سليمان بن داود، وكان سليمان لا يدخل الكنيف بخاتمه، فجاء صخر في صورة سليمان حتى أخذ الخاتم من امرأة من نساء سليمان أم ولد له يقال لها الأمينة؛ قال شهر ووهب. وقال ابن عباس وابن جبير: اسمها جرادة. فقام أربعين يوما على ملك سليمان وسليمان هارب، حتى رد الله عليه الخاتم والملك. وقال سعيد بن المسيب: كان سليمان قد وضع خاتمه تحت فراشه، فأخذه الشيطان من تحته. وقال مجاهد: أخذه الشيطان من يد سليمان؛ لأن سليمان سأل الشيطان وكان اسمه آصف: كيف تضلون الناس؟ فقال له الشيطان: أعطني خاتمك حتى أخبرك. فأعطاه خاتمه، فلما أخذ الشيطان الخاتم جلس على كرسي سليمان، متشبها بصورته، داخلا على نسائه، يقضي بغير الحق، ويأمر بغير الصواب.
واختلف في إصابته لنساء سليمان، فحكي عن ابن عباس ووهب بن منبه: أنه كان يأتيهن في حيضهن. وقال مجاهد: منع من إتيانهن وزال عن سليمان ملكه فخرج هاربا إلى ساحل البحر يتضيف الناس؛ ويحمل سموك الصيادين بالأجر، وإذا أخبر الناس أنه سليمان أكذبوه. قال قتادة: ثم إن سليمان بعد أن استنكر بنو إسرائيل حكم الشيطان أخذ حوته من صياد. قيل: إنه استطعمها. وقال ابن عباس: أخذها أجرة في حمل حوت. وقيل: إن سليمان صادها فلما شق بطنها وجد خاتمه فيها، وذلك بعد أربعين يوما من زوال ملكه، وهي عدد الأيام التي عبد فيها الصنم في داره، وإنما وجد الخاتم في بطن الحوت؛ لأن الشيطان الذي أخذه ألقاه في البحر. وقال علي بن أبي طالب رضي الله عنه: بينما سليمان على شاطئ البحر وهو يعبث بخاتمه، إذ سقط منه في البحر وكان ملكه في خاتمه. وقال جابر بن عبدالله: قال النبي صلى الله عليه وسلم: ( كان نقش خاتم سليمان بن داود لا إله إلا الله محمد رسول الله ) . وحكى يحيى بن أبي عمرو الشيباني أن سليمان وجد خاتمه بعسقلان، فمشى منها إلى بيت المقدس تواضعا لله تعالى. قال ابن عباس وغيره: ثم إن سليمان لما رد الله عليه ملكه، أخذ صخرا الذي أخذ خاتمه، ونقر له صخرة وأدخله فيها، وسد عليه بأخرى وأوثقها بالحديد والرصاص، وختم عليها بخاتمه وألقاها في البحر، وقال: هذا محبسك إلى يوم القيامة.
وقال علي رضي الله عنه: لما أخذ سليمان الخاتم، أقبلت إليه الشياطين والجن والإنس والطير والوحش والريح، وهرب الشيطان الذي خلف في أهله، فأتى جزيرة في البحر، فبعث إليه الشياطين فقالوا: لا نقدر عليه، ولكنه يرد عينا في الجزيرة في كل سبعة أيام يوما، ولا نقدر عليه حتى يسكر! قال: فنزح سليمان ماءها وجعل فيها خمرا، فجاء يوم وروده فإذا هو بالخمر، فقال: والله إنك لشراب طيب إلا أنك تطيشين الحليم، وتزيدين الجاهل جهلا. ثم عطش عطشا شديدا ثم أتاه فقال مثل مقالته، ثم شربها فغلبت على عقله؛ فأروه الخاتم فقال: سمعا وطاعة. فأتوا به سليمان فأوثقه وبعث به إلى جبل، فذكروا أنه جبل الدخان فقالوا: إن الدخان الذي ترون من نفسه، والماء الذي يخرج من الجبل من بوله. وقال مجاهد: اسم ذلك الشيطان آصف. وقال السدي اسمه حبقيق؛ فالله أعلم. وقد ضعف هذا القول من حيث إن الشيطان لا يتصور بصورة الأنبياء، ثم من المحال أن يلتبس على أهل مملكة سليمان الشيطان بسليمان حتى يظنوا أنهم مع نبيهم في حق، وهم مع الشيطان في باطل. وقيل: إن الجسد وَلدٌ وُلِدَ لسليمان، وأنه لما ولد اجتمعت الشياطين؛ وقال بعضهم لبعض: إن عاش له ابن لم ننفك مما نحن فيه من البلاء والسخرة، فتعالوا نقتل ولده أو نخبله. فعلم سليمان بذلك فأمر الريح حتى حملته إلى السحاب، وغدا ابنه في السحاب خوفا من مضرة الشياطين، فعاقبه الله بخوفه من الشياطين، فلم يشعر إلا وقد وقع على كرسيه ميتا. قال معناه الشعبي. فهو الجسد الذي قال الله تعالى: « والقينا على كرسيه جسدا » .
وحكى النقاش وغيره: إن أكثر ما وطئ سليمان جواريه طلبا للولد، فولد له نصف إنسان، فهو كان الجسد الملقى على كرسيه جاءت به القابلة فألقته هناك. وفي صحيح البخاري ومسلم عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( قال سليمان لأطوفن الليلة على تسعين امرأة كلهن تأتي بفارس يجاهد في سبيل الله فقال له صاحبه قل إن شاء الله، فلم يقل إن شاء الله فطاف عليهن جميعا فلم تحمل منهن إلا امرأة واحدة جاءت بشق رجل، وأيم الذي نفس محمد بيده لو قال إن شاء الله لجاهدوا في سبيل الله فرسانا أجمعون ) وقيل: إن الجسد هو آصف بن برخيا الصديق كاتب سليمان، وذلك أن سليمان لما فتن سقط الخاتم من يده وكان فيه ملكه، فأعاده إلى يده فسقط فأيقن بالفتنة؛ فقال له آصف: إنك مفتون ولذلك لا يتماسك في يدك، ففر إلى الله تعالى تائبا من ذلك، وأنا أقوم مقامك في عالمك إلى أن يتوب الله عليك، ولك من حين فتنت أربعة عشر يوما. ففر سليمان هاربا إلى ربه، وأخذ آصف الخاتم فوضعه في يده فثبت، وكان عنده علم من الكتاب. وقام آصف في ملك سليمان وعياله، يسير بسيره ويعمل بعمله، إلى أن رجع سليمان إلى منزله تائبا إلى الله تعالى، ورد الله عليه ملكه؛ فأقام آصف في مجلسه، وجلس على كرسيه وأخذ الخاتم. وقيل: إن الجسد كان سليمان نفسه؛ وذلك أنه مرض مرضا شديدا حتى صار جسدا. وقد يوصف به المريض المضنى فيقال: كالجسد الملقى.
صفة كرسي سليمان وملكه
روي عن ابن عباس قال: كان سليمان يوضع له ستمائة كرسي، ثم يجيء أشراف الناس فيجلسون مما يليه، ثم يأتي أشراف الجن فيجلسون مما يلي الإنس، ثم يدعو الطير فتظلهم، ثم يدعو الريح فتقلهم، وتسير بالغداة الواحدة مسيرة شهر. وقال وهب وكعب وغيرهما: إن سليمان عليه السلام لما ملك بعد أبيه، أمر باتخاذ كرسي ليجلس عليه للقضاء، وأمر أن يعمل بديعا مهولا بحيث إذا رأه مبطل أو شاهد زور ارتدع وتهيب؛ فأمر أن يعمل من أنياب الفيلة مفصصة بالدر والياقوت والزبرجد، وأن يحف بنخيل الذهب؛ فحف بأربع نخلات من ذهب، شماريخها الياقوت الأحمر والزمرد الأخضر، على رأس نخلتين منهما طاووسان من ذهب، وعلى رأس نخلتين نسران من ذهب بعضها مقابل لبعض، وجعلوا من جنبي الكرسي أسدين من ذهب، على رأس كل واحد منهما عمود من الزمرد الأخضر. وقد عقدوا على النخلات أشجار كروم من الذهب الأحمر، واتخذوا عناقيدها من الياقوت الأحمر، بحيث أظل عريش الكروم النخل والكرسي. وكان سليمان عليه السلام إذا أراد صعوده وضع قدميه على الدرجة السفلى، فيستدير الكرسي كله بما فيه دوران الرحى المسرعة، وتنشر تلك النسور والطواويس أجنحتها، ويبسط الأسدان أيديهما، ويضربان الأرض بأذنابهما. وكذلك يفعل في كل درجة يصعدها سليمان، فإذا استوى بأعلاه أخذ النسران اللذان على النخلتين تاج سليمان فوضعاه على رأسه، ثم يستدير الكرسي بما فيه، ويدور معه النسران والطاووسان والأسدان مائلان برؤوسهما إلى سليمان، وينضحن عليه من أجوافهن المسك والعنبر، ثم تناول حمامة من ذهب قائمة على عمود من أعمدة الجواهر فوق الكرسي التوراة، فيفتحها سليمان عليه السلام ويقرؤها على الناس ويدعوهم إلى فصل القضاء. قالوا: ويجلس عظماء بني إسرائيل على كراسي الذهب المفصصة بالجواهر، وهي ألف كرسي عن يمينه، ويجلس عظماء الجن على كراسي الفضة عن يساره وهي ألف كرسي، ثم تحف بهم الطير تظلهم، ويتقدم الناس لفصل القضاء. فإذا تقدمت الشهود للشهادات، دار الكرسي بما فيه وعليه دوران الرحى المسرعة، ويبسط الأسدان أيديهما ويضربان الأرض بأذنابهما، وينشر النسران والطاووسان أجنحتهما، فتفزع الشهود فلا يشهدون إلا بالحق.
وقيل: إن الذي كان يدور بذلك الكرسي تنين من ذهب ذلك الكرسي عليه، وهو عظم مما عمله له صخر الجني؛ فإذا أحست بدورانه تلك النسور والأسد والطواويس التي في أسفل الكرسي إلى أعلاه درن معه، فإذا وقفن وقفن كلهن عل رأس سليمان وهو جالس، ثم ينضحن جميعا على رأسه ما في أجوافهن من المسك والعنبر. فلما توفي سليمان بعث بختنصر فأخذ الكرسي فحمله إلى أنطاكية، فأراد أن يصعد إليه ولم يكن له علم كيف يصعد إليه؛ فلما وضع رجله ضرب الأسد رجله فكسرها، وكان سليمان إذا صعد وضع قدميه جميعا. ومات بختنصر وحمل الكرسي إلى بيت المقدس، فلم يستطع قط ملك أن يجلس عليه، ولكن لم يدر أحد عاقبة أمره ولعله رفع.

قوله تعالى: « ثم أناب » أي رجع إلى الله وتاب. وقد تقدم.

قوله تعالى: « قال رب اغفر لي » أي اغفر لي ذنبي « وهب لي ملكا لا ينبغي لأحد من بعدي إنك أنت الوهاب » يقال: كيف أقدم سليمان على طلب الدنيا، مع ذمها من الله تعالى، وبغضه لها، وحقارتها لديه؟. فالجواب أن ذلك محمول عند العلماء على أداء حقوق الله تعالى وسياسة ملكه، وترتيب منازل خلقه، وإقامة حدوده، والمحافظة على رسومه، وتعظيم شعائره، وظهور عبادته، ولزوم طاعته، ونظم قانون الحكم النافذ عليهم منه، وتحقيق الوعود في أنه يعلم ما لا يعلم أحد من خلقه حسب ما صرح بذلك لملائكته فقال: « إني أعلم ما لا تعلمون » [ البقرة: 30 ] وحوشي سليمان عليه السلام أن يكون سؤاله طلبا لنفس الدنيا؛ لأنه هو والأنبياء أزهد خلق الله فيها، وإنما سأل مملكتها لله، كما سأل نوح دمارها وهلاكها لله؛ فكانا محمودين مجابين إلى ذلك، فأجيب نوح فأهلك من عليها، وأعطى سليمان المملكة. وقد قيل: أن ذلك كان بأمر من الله جل وعز على الصفة التي علم الله أنه لا يضبطه إلا هو وحده دون سائر عباده، أو أراد أن يقول ملكا عظيما فقال: « لا ينبغي لأحد من بعدي » وهذا فيه نظر. والأول أصح. ثم قال له: « هذا عطاؤنا فأمنن أو أمسك بغير حساب » قال الحسن: ما من أحد إلا ولله عليه تبعة في نعمه غير سليمان بن داود عليه السلام فإنه قال: « هذا عطاؤنا » الآية.
قلت: وهذا يرد ما روي في الخبر: إن آخر الأنبياء دخولا الجنة سليمان بن داود عليه السلام لمكان ملكه في الدنيا. وفي بعض الأخبار: يدخل الجنة بعد الأنبياء بأربعين خريفا؛ ذكره صاحب القوت وهو حديث لا أصل له؛ لأنه سبحانه إذا كان عطاؤه لا تبعة فيه لأنه من طريق المنة، فكيف يكون آخر الأنبياء دخولا الجنة، وهو سبحانه يقول: « وإن له عندنا لزلفى وحسن مآب » . وفي الصحيح: ( لكل نبي دعوة مستجابة فتعجل كل نبي دعوته... ) الحديث. وقد تقدم فجعل له من قبل السؤال حاجة مقضية، فلذلك لم تكن عليه تبعة. ومعنى قوله: « لا ينبغي لأحد من بعدي » أي أن يسأله. فكأنه سأل منع السؤال بعده، حتى لا يتعلق به أمل أحد، ولم يسأل منع الإجابة. وقيل: إن سؤاله ملكا لا ينبغي لأحد من بعده؛ ليكون محله وكرامته من الله ظاهرا في خلق السموات والأرض؛ فإن الأنبياء عليهم السلام لهم تنافس في المحل عنده، فكل يحب أن تكون له خصوصية يستدل بها على محله عنده، ولهذا لما أخذ النبي صلى الله عليه وسلم العفريت الذي أراد أن يقطع عليه صلاته وأمكنه الله منه، أراد ربطه ثم تذكر قوله أخيه سليمان: « رب اغفر لي وهب لى ملكا لا ينبغي لأحد من بعدي » فرده خاسئا. فلو أعطي أحد بعده مثله ذهبت الخصوصية، فكأنه كره صلى الله عليه وسلم أن يزاحمه في تلك الخصوصية، بعد أن علم أنه شيء هو الذي خص به من سخرة الشياطين، وأنه أجيب إلى ألا يكون لأحد بعده. والله أعلم.

قوله تعالى: « فسخرنا له الريح تجري بأمره رخاء » أي لينة مع قوتها وشدتها حتى لا تضر بأحد، وتحمله بعسكره وجنوده وموكبه. وكان موكبه فيما روي فرسخا في فرسخ، مائة درجة بعضها فوق بعض، كل درجة صنف من الناس، وهو في أعلى درجة مع جواريه وحشمه وخدمه؛ صلوات الله وسلامه عليه. وذكر أبو نعيم الحافظ قال: حدثنا أحمد بن جعفر، قال حدثنا عبدالله بن أحمد بن حنبل، قال حدثنا أحمد بن محمد بن أيوب، قال حدثنا أبو بكر بن عياش عن إدريس بن وهب بن منبه، قال حدثني أبي قال: كان لسليمان بن داود عليه السلام ألف بيت أعلاه قوارير وأسفله حديد، فركب الريح يوما فمر بحراث فنظر إليه الحراث فقال: لقد أوتي آل داود ملكا عظيما فحملت الريح كلامه فألقته في أذن سليمان، قال فنزل حتى أتى الحراث فقال: إني سمعت قولك، وإنما مشيت إليك لئلا تتمنى ما لا تقدر عليه؛ لتسبيحة واحدة يقبلها الله منك لخير مما أوتي آل داود. فقال الحراث: أذهب الله همك كما أذهبت همي.
قوله تعالى: « حيث أصاب » أي أراد؛ قاله مجاهد. والعرب تقول: أصاب الصواب وأخطأ الجواب. أي أراد الصواب وأخطأ الجواب؛ قال ابن الأعرابي. وقال الشاعر:
أصاب الكلام فلم يستطع فأخطأ الجواب لدى المفصل
وقيل: أصاب أراد بلغة حمير. وقال قتادة: هو بلسان هجر. وقيل: « حيث أصاب » حينما قصد، وهو مأخوذ من إصابة السهم الغرض المقصود. « والشياطين » أي وسخرنا له الشياطين وما سخرت لأحد قبله. « كل بناء » بدل من الشياطين أي كل بناء منهم، فهم يبنون له ما يشاء. قال:
إلا سليمان إذ قال الإله له قم في البرية فاحددها عن الفند
وخيس الجن إني قد أذنت لهم يبنون تدمر بالصفاح والعمد
« وغواص » يعني في البحر يستخرجون له الدر. فسليمان أول من استخرج له اللؤلؤ من البحر. « وآخرين مقرنين في الأصفاد » أي وسخرنا له مردة الشياطين حتى قرنهم في سلاسل الحديد وقيود الحديد؛ قال قتادة. السدي: الأغلال. ابن عباس: في وثاق. ومنه قول الشاعر:
فآبوا بالنهاب وبالسبايا وأبنا بالملوك مصفدينا
قال يحيى بن سلام: ولم يكن يفعل ذلك إلا بكفارهم، فإذا آمنوا أطلقهم ولم يسخرهم.

قوله تعالى: « هذا عطاؤنا » الإشارة بهذا إلى الملك، أي هذا الملك عطاؤنا فأعط من شئت أو امنع من شئت لا حساب عليك؛ عن الحسن والضحاك وغيرهما. قال الحسن: ما أنعم الله على أحد نعمة إلا عليه فيها تبعة إلا سليمان عليه السلام؛ فإن الله تعالى يقول: « هذا عطاؤنا فامنن أو أمسك بغير حساب » . وقال قتادة: الإشارة في قوله تعالى: « هذا عطاؤنا » إلى ما أعطيه من القوة على الجماع، وكانت له ثلاثمائة امرأة وسبعمائة سرية، وكان في ظهره ماء مائة رجل، رواه عكرمة عن ابن عباس. ومعناه في البخاري. « فامنن أو أمسك بغير حساب » وعلى هذا « فامنن » من المني؛ يقال: أمنى يمني ومنى يمني لغتان، فإذا أمرت من أمنى قلت أمن؛ ويقال: من منى يمني في الأمر آمن، فإذا جئت بنون الفعل نون الخفيفة قلت امنن. ومن ذهب به إلى المنة قال: من عليه؛ فإذا أخرجه مخرج الأمر أبرز النونين؛ لأنه كان مضاعفا فقال امنن. فيروى في الخبر أنه سخر له الشياطين، فمن شاء من عليه بالعتق والتخلية، ومن شاء أمسكه؛ قال قتادة والسدي. وعلى ما روى عكرمة عن ابن عباس: أي جامع من شئت من نسائك، واترك جماع من شئت منهن لا حساب عليك. « وإن له عندنا لزلفى وحسن مآب » أي إن أنعمنا عليه في الدنيا فله عندنا في الآخرة قربة وحسن مرجع.


 

رد مع اقتباس
قديم 15 Aug 2012, 12:39 PM   #10
فراشة الربيع
وسام الشرف - قروب ـ رياحين الإخاء جزاها الله خيرا


الصورة الرمزية فراشة الربيع
فراشة الربيع غير متصل

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم باحث : 12360
 تاريخ التسجيل :  May 2012
 أخر زيارة : 28 Jul 2017 (08:48 PM)
 المشاركات : 2,344 [ + ]
 التقييم :  19
 الدولهـ
Egypt
 مزاجي
 وسائط MMS
وسائط MMS
 SMS ~

اللهم لا تصعب علينا أمرآ ، ولا تؤخر لنا دعوة ، وارضنا بجميل قدرك علينا..
لوني المفضل : Cadetblue
رد: شياطين الجان يبنون يغوصون يسلسلون بالحديد ـ إذا الجان صالح كذلك .



نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة

ربنا يجعله يااارب في ميزان حسناتك .


 
 توقيع : فراشة الربيع



مواضيع : فراشة الربيع



رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

 
مايُكتب على صفحات المركز يُعبّر عن رأى الكاتب والمسؤولية تقع على عاتقه


علوم الجان - الجن - عالم الملائكة - ابحاث عالم الجن وخفاياه -غرائب الجن والإنس والمخلوقات - فيديو جن - صور جن - أخبار جن - منازل الجن - بيوت الجن- English Forum
السحر و الكهانة والعرافة - English Magic Forum - الحسد والعين والغبطة - علم الرقى والتمائم - الاستشارات العلاجية - تفسير الرؤى والاحلام - الطب البديل والأعشاب - علم الحجامة

الساعة الآن 07:54 PM.


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir
HêĽм √ 3.2 OPS BY: ! ωαнαм ! © 2011-2012
جميع الحقوق محفوظة لمركز دراسات وأبحاث علوم الجان العالمي