#1
|
||||||||
|
||||||||
هل يُسأل الكفَّار ؟ ولماذا يُسألون ؟
اختلف العلماء في الكفار : هل يحاسبون ويسألون ؟ أم يأمر بهم إلى النار من غير سؤال ، لأن أعمالهم باطلة حابطة فلا فائدة من السؤال والحساب ؟ وإذا كانوا يحاسبون ويسألون فما فائدة حسابهم وسؤالهم ؟ قال شيخ الإسلام ابن تيمية : " هذه المسألة تنازع فيها المتأخرون من أصحاب أحمد وغيرهم ، فممن قال إنهم لا يحاسبون أبو بكر عبد العزيز ، وأبو الحسن التميمي ، والقاضي أبو يعلى ، وغيرهم ، وممن قال : إنهم يحاسبون : أبو حفص البرمكي من أصحاب أحمد ، وأبو سليمان الدمشقي ، وأبو طالب " (1) . والصحيح أن الكفار محاسبون مسؤولون كما أن أعمالهم توزن ، وقد دلت على ذلك نصوص كثيرة ، كقوله تعالى : ( وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ فَيَقُولُ أَيْنَ شُرَكَائِيَ الَّذِينَ كُنتُمْ تَزْعُمُونَ ) [القصص : 62]، وقوله : ( وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ فَيَقُولُ مَاذَا أَجَبْتُمُ الْمُرْسَلِينَ ) [ القصص: 65] ، وقوله : ( فَأَمَّا مَن ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ - فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَّاضِيَةٍ - وَأَمَّا مَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ - فَأُمُّهُ هَاوِيَةٌ - وَمَا أَدْرَاكَ مَا هِيَهْ - نَارٌ حَامِيَةٌ ) [القارعة : 6-11] . وقوله : ( وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُوْلَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنفُسَهُمْ فِي جَهَنَّمَ خَالِدُونَ - تَلْفَحُ وُجُوهَهُمُ النَّارُ وَهُمْ فِيهَا كَالِحُونَ - أَلَمْ تَكُنْ آيَاتِي تُتْلَى عَلَيْكُمْ فَكُنتُم بِهَا تُكَذِّبُونَ ) [ المؤمنون : 103-105 ] ولا شك أن هذه النصوص في الكفار المشركين . أما لماذا يحاسبون وتوزن أعمالهم مع أن أعمالهم حابطة مردودة فلأمور : الأول : إقامة الحجة عليهم ، وإظهار عدل الله فيهم ، ولا أحد أحب إليه العذر من الله ، وهو صاحب العدل المطلق ، ولذلك يسألهم ويحاسبهم ، ويطلعهم على سجلاتهم التي حوت أعمالهم ، ويظهر الميزان عظم سيئاتهم وشناعة أفعالهم ( وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَإِن كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِّنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ ) [ الأنبياء : 47 ] ، ( وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا ) [ الكهف : 49 ] . يقول القرطبي : " والباري – سبحانه وتعالى – يسأل الخلق في الدنيا والآخرة تقريراً لإقامة الحجة وإظهاراً للحكمة " (2) . الثاني : أن الله يحاسبهم لتوبيخهم وتقريعهم ، يقول شيخ الإسلام : " يراد بالحساب عرض أعمال الكفار عليهم وتوبيخهم عليها ، ويراد بالحساب موازنة الحسنات بالسيئات، فإن أريد بالحساب المعنى الأول ، فلا ريب أنهم محاسبون بهذا الاعتبار . وإن أريد به المعنى الثاني فإن قصد ذلك أن الكفار تبقى لهم حسنات يستحقون بها الجنة فهذا خطأ ظاهر " (3) . وهذا التأنيب والتقريع والتوبيخ ظاهر من نصوص كثيرة كقوله تعالى( وَلَوْ تَرَى إِذْ وُقِفُواْ عَلَى رَبِّهِمْ قَالَ أَلَيْسَ هَذَا بِالْحَقِّ قَالُواْ بَلَى وَرَبِّنَا قَالَ فَذُوقُواْ العَذَابَ بِمَا كُنتُمْ تَكْفُرُونَ ) [ الأنعام : 30 ] . وقوله : ( يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالإِنسِ أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِّنكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِي وَيُنذِرُونَكُمْ لِقَاء يَوْمِكُمْ هَذَا قَالُواْ شَهِدْنَا عَلَى أَنفُسِنَا وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَشَهِدُواْ عَلَى أَنفُسِهِمْ أَنَّهُمْ كَانُواْ كَافِرِينَ ) [ الأنعام : 130 ] ، وقوله : ( وَبُرِّزَتِ الْجَحِيمُ لِلْغَاوِينَ - وَقِيلَ لَهُمْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ تَعْبُدُونَ ) [ الشعراء : 91-92 ] ، وقوله : ( وَقِيلَ ادْعُوا شُرَكَاءكُمْ فَدَعَوْهُمْ فَلَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُمْ وَرَأَوُا الْعَذَابَ لَوْ أَنَّهُمْ كَانُوا يَهْتَدُونَ ) [ القصص : 64 ] . قال ابن كثير : " وأما الكفار فتوزن أعمالهم ، وإن لم تكن لهم حسنات تنفعهم يقابل بهذا كفرهم ، لإظهار شقائهم وفضيحتهم على رؤوس الخلائق " (4) . الثالث : أن الكفار مكلفون بأصول الشريعة كما هم مكلفون بفروعها ، فيسألون عما قصروا فيه وخالفوا فيه الحق ، يقول القرطبي : " وفي القرآن ما يدل على أنه مخاطبون بها ( أي فروع الشريعة ) مسؤولون عنها ، محاسبون بها ، مجزيون على الإخلال بها ، لأن الله تعالى يقول : ( وَوَيْلٌ لِّلْمُشْرِكِينَ - الَّذِينَ لَا يُؤْتُونَ الزَّكَاةَ ) [ فصلت : 6-7 ] ، فتوعدهم على منعهم الزكاة ، وأخبر عن المجرمين أنهم يقال لهم : ( مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ - قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ - وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ - وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخَائِضِينَ - وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ ) [ المدثر : 42-46 ] ، فبان بهذا أن المشركين مخاطبون بالإيمان والبعث وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة ، وأنهم مسؤولون عنها ، مجزيون " (5) . الرابع : أن الكفار يتفاوتون في كفرهم وذنوبهم ومعاصيهم ، ويحلون في النار بمقدار هذه الذنوب ، فالنار دركات بعضها تحت بعض ، كما أن الجنة درجات بعضها فوق بعض ، وكلما كان المرء أشد كفراً وضلالاً كلما كان أشد عذاباً ، وبعض الكفرة يكون في الدرك الأسفل من النار ، ومنهم المنافقون ( إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ ) [ النساء : 145 ] . يقول شيخ الإسلام ابن تيمية : " عقاب من كثرت سيئاته أعظم من عقاب من قلَّت سيئاته ، ومن كان له حسنات خففت عنه العذاب ، كما أن أبا طلب أخف عذاباً من أبي لهب .. فكان الحساب لبيان مراتب العذاب ، لا لأجل دخولهم الجنة " (6) . ويذكر القرطبي في وزن أعمال العباد وجهين : الأول : أنه يوضع في إحدى الكفتين كفره وسيئاته . ولا يجد الكافر حسنة توضع في الكفة الأخرى ، فترجح كفة السيئات لكون كفة الحسنات فارغة . والثاني : أن حسنات الكافر من صلة رحم ، وصدقة ، ومواساة للناس توضع في كفة الحسنات ، ولكن كفة السيئات ترجح بسبب كفره وشركه (7) والوجه الأول هو الصحيح لأن الشرك يحبط العمل ، ( لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ ) [ الزمر : 65 ] ( وَمَن يَرْتَدِدْ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُوْلَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَأُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ) [ البقرة : 217 ] . وفي الحديث : " إن الله لا يقبل من العمل إلا ما كان خالصاً وابتغي به وجهه " (8) . ولأنه قد صح أن الرسول صلى الله عليه وسلم أخبر أن الكافر يطعم بحسنته في الدنيا فيوافى يوم القيامة وليس له حسنة ، ففي صحيح مسلم ، ومسند أحمد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " إن الله لا يظلم مؤمناً حسنته ، يعطى بها في الدنيا ( وفي رواية يثاب عليها الرزق في الدنيا ) ويجزى بها في الآخرة ، وأما الكافر فيطعم بها بحسنات ما عمل بها لله في الدنيا ، حتى إذا أفضى إلى الآخرة لم يكن له حسنة يجزى بها " (9) . توجيه النصوص الدالة على أن الكفار لا يُسألون : فإن قيل : قررتم فيما سبق أن الكفار يسألون ويجادلون ويتكلمون ويعتذرون ، فيكف تفعلون بالنصوص الدالة على خلاف ذلك ، كقوله تعالى : ( وَلَا يُسْأَلُ عَن ذُنُوبِهِمُ الْمُجْرِمُونَ ) [ القصص : 78 ] ، وقوله : ( فَيَوْمَئِذٍ لَّا يُسْأَلُ عَن ذَنبِهِ إِنسٌ وَلَا جَانٌّ ) [ الرحمن : 39 ] ، وقوله : ( هَذَا يَوْمُ لَا يَنطِقُونَ - وَلَا يُؤْذَنُ لَهُمْ فَيَعْتَذِرُونَ ) [ المرسلات : 35-36 ] ، ونحو ذلك من النصوص . فنقول : ليس بين هذه النصوص وتلك تعارض ، وقد وفق أهل العلم بينهما بوجوه عدة . الأول : أن الكفار لا يسألون سؤال شفاء وراحة ، وإنما يسألون سؤال تقريع وتوبيخ ، لم عملتم كذا وكذا ؟ (10) وكذا يقال في تكليمهم واعتذارهم، أي لا يكلمهم الله بما يحبونه ، بل يكلمهم كلام تقريع وتوبيخ (11) . الثاني : أنهم لا يسألون سؤال استفهام ، لأنه تعالى عالم بكل أعمالهم ، وإنما يسألون سؤال تقرير ، فيقال لهم : لم فعلتم كذا ؟ قال الحسن وقتادة : لا يسألون عن ذنوبهم ، لأن الله حفظها عليهم وكتبتها عليهم الملائكة (12) . الثالث : أنهم يسألون في يوم القيامة في موطن دون موطن ، قال القرطبي : " القيامة مواطن ، فموطن يكون فيه سؤال وكلام ، وموطن لا يكون ذلك " (13) . وقال السفاريني : " وقيل يسألون في موطن دون موطن رواه عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما .. فللناس يوم القيامة حالات ، والآيات مخرجة باعتبار تلك الحالات ، ومن ثَمَّ قال الإمام أحمد في أجوبته القرآنية : أول ما تبعث الخلائق على مقدار ستين سنة لا ينطقون ، ولا يؤذن لهم في الاعتذار فيعتذرون ، ثم يؤذن لهم في الكلام فيتكلمون ، فذلك قوله تعالى : ( رَبَّنَا أَبْصَرْنَا وَسَمِعْنَا فَارْجِعْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا ) [ السجدة : 12 ] " (14) الآية ، فإذا أذن لهم في الكلام تكلموا ، واختصموا ، فذلك قوله تعالى : ( ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عِندَ رَبِّكُمْ تَخْتَصِمُونَ ) [الزمر : 31] ، عند الحساب وإعطاء المظالم ، ثم يقال لهم بعد ذلك : ( لَا تَخْتَصِمُوا لَدَيَّ وَقَدْ قَدَّمْتُ إِلَيْكُم بِالْوَعِيدِ ) [ق : 28] ، يعني في الدنيا ، فإن العذاب مع هذا القول كائن " (15) . الرابع : قال القرطبي : " أن معنى قوله تعالى : ( وَلَا يُسْأَلُ عَن ذُنُوبِهِمُ الْمُجْرِمُونَ ) [ القصص : 78 ] ، سؤال التعرف لتمييز المؤمنين من الكافرين ، أي إن الملائكة لا تحتاج إلى أن تسأل أحداً يوم القيامة أن يقال : ما دينك ؟ وما كنت تصنع في الدنيا ؟ حتى يتبين لهم بإخباره عن نفسه أنه كان مؤمناً أو كان كافراً ، لكن المؤمنين يكونون ناضري الوجوه منشرحي الصدور ، ويكون المشركون سود الوجوه زرقاً مكروبين ، فهم إذا كلفوا سوق المجرمين إلى النار ، وتميزهم في الموقف كفتهم مناظرهم عن تعرف أديانهم .. " (16) . -------------------------------- (1) مجموع فتاوي شيخ الإسلام : (4/305) . (2) تذكرة القرطبي : 225 . (3) مجموع فتاوي شيخ الإسلام : (4/305) . (4) النهاية ، لابن كثير : (2/35) . (5) تذكرة القرطبي : 309 . (6) مجموع فتاوي شيخ الإسلام : (4/305) . (7) تذكرة القرطبي : 312 . (8) رواه النسائي في الجهاد عن أبي أمامة ، انظر سلسلة الأحاديث الصحيحة حديث رقم 52 . (9) سلسلة الأحاديث الصحيحة : (1/82) ورقمه : 53 . (10) التذكرة للقرطبي : 286 . (11) انظر : تذكرة القرطبي : 287 . (12) لوامع الأنوار البهية : (2/174) . (13) تذكرة القرطبي : 286 . (14) لوامع الأنوار البهية : (2/174) . (15) لوامع الأنوار البهية : (2/174) . (16) تذكرة القرطبي : 287 . http://www.3gedh.com/alkbra/qe-kb/qekb33.htm
|
مواقع النشر (المفضلة) |
|
|
المواضيع المتشابهه | ||||
الموضوع | كاتب الموضوع | المنتدى | مشاركات | آخر مشاركة |
هل يُسأل من به مس من الجن عن أعماله المخالفة للشرع ؟ | نبراس الكلمة | منهج السلف الصالح . The Salafi Curriculum | 2 | 14 Mar 2009 12:26 PM |
الهدف الأساسي من الاعتكاف ، ولماذا ترك المسلمون تلك السنة ؟ | نبراس الكلمة | منهج السلف الصالح . The Salafi Curriculum | 6 | 21 Sep 2008 08:42 AM |
ما هي الأشهر الحرم ؟ولماذا بهذا الإسم ؟ | eb334 | منهج السلف الصالح . The Salafi Curriculum | 2 | 24 Oct 2007 09:48 PM |
هل تريد أن يُسلم على يديك الكثير من النّاس بإذن الله ؟! | نورالهدى | منهج السلف الصالح . The Salafi Curriculum | 3 | 22 Jan 2007 12:17 PM |