| الصوفيـــــــة ـ بيان وتحذير . Sufi statement warning فضح ضلال هذه الفرقة على مختلف طرقها وبيان علاقتهم بالسحر والشيطان |
![]() |
|
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
03 Apr 2010, 03:20 AM
|
#61 |
|
وسام الشرف
![]() ![]() ![]() ![]() ![]() ![]() ![]()
|
فهؤلاء السمنية يكون قولهم ان ما لا يدرك بالحواس لا يكون له حقيقة ثم الرجل قد يعلم ذلك بحواسه وقد يعلم ذلك باخبار من علم ذلك بحواسه ويدل على ذلك ان هؤلاء قوم موجودون فالرجل منهم لابد ان يقر بوجود ابويه وجده وولادته وحوادث بلده الموجودة قبله وما يحتاج اليه من اخبار الناس والبلاد وهذه الامور كلها لا يعلمها احدهم الا بالخبر فانه لم يدرك بحسه ولادته واحبال ابيه لامه ونحو ذلك لكن المخبرون يعلمونها بالاحساس ولا يتصور ان يعيش في العالم امة يكذبون بكل ما لم يحسوه بل هذا يلزم ان بعضهم لا يزال غير مصدق لبعض في معاملاتهم واجتماعاتهم والانسان مدني بالطبع لا يعيش الا مع بني جنسه ومن لم يقر الا بما احسه لم يمكنه الاستعانة ببني جنسه في عامة مصالحه # واذا كان مقصودهم ان ما لا يحس به لم يكن موجودا كان من الجواب السديد لهم ان يقال لهم الهي سبحانه يمكن احساسه فتمكن رؤيته وسماع كلامه وقد كلم في الدنيا بعض خلقه وسوف يكلم عباده ويرونه في الدار الاخرة فان كانوا ينكرون العلم والاقرار بكل ما لا يحسه الانسان امكنه ان يقرر عليهم العلم بالخبريات والمجربات والبديهيات وغير ذلك وان كانوا يقولون ان كل موجود فلابد ان يمكن احساسه فهذا الذي قالوه هو مذهب الصفاتية كلهم الذين يقرون بأن الله يرى في الدار الاخرة وهو مذهب سلف الامة وائمتها لكنه هنا ضل فظن ان الله لا يمكن احساسه ولا رؤيته واحتاج حينئذ الى اثبات موجود لا يمكن احساسه فزعم ان روح بني آدم كذلك لا يمكن احساسها بشيء من الحواس وقاس وجود الله على وجود الروح من هذا الوجه
وهذه هي الطريقة التي سلكها هذا المؤسس في اول تأسيسه حيث اثبت وجود ما لا يكون داخل العالم ولا خارجه بما قال من قال من الفلاسفة وموافقيهم من المسلمين ان الروح الذي في بني آدم لا داخل العالم ولا خارجه ولا يمكن احساسها فقول جهم هو قول هؤلاء كما قال تعالى ^ وقال الذين لا يعلمون لولا يكلمنا الله او تأتينا آية كذلك قال الذين من قبلهم مثل قولهم تشابهت قلوبهم ^ وقال تعالى ^ ففروا الى الله اني لكم منه نذير مبين ولاتجعلوا مع الله إلها آخراني لكم منه نذير مبين كذلك ما اتى الذين من قبلهم من رسول الا قالوا ساحر او مجنون اتواصوا به بل هم قوم طاغون ^ وقال تعالى ^ وكذلك جعلنا لكل نبي عدوا شياطين الانس والجن يوحي بعضهم الى بعض زخرف القول غرورا ^ # قال الامام احمد ووجد الجهم ثلاث آيات من القرآن من المتشابه قوله ^ ليس كمثله شيء ^ ^ وهو الله في السموات وفي الارض ^ و ^ لا تدركه الابصار وهو يدرك الابصار ^ فبنى اصل كلامه على هؤلاء الآيات وتأول القرآن على غير تأويله وكذب بأحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم وزعم ان من وصف الله بشيء مما وصف به نفسه في كتابه او حدث عنه رسوله كان كافرا وكان من المشبهة فأضل بكلامه بشرا كثيرا واتبعه على قوله رجال من اصحاب ابي حنيفة واصحاب عمرو بن عبيد بالبصرة ووضع دين الجهمية فاذا سألهم الناس عن قول الله ^ ليس كمثله شيء ^ يقولون ليس كمثله شيء من الاشياء وهو تحت الارضين السابعة كما هو على العرش ولا يخلو منه مكان دون مكان ولا يكون في مكان ولم يتكلم ولا يتكلم ولا ينظر اليه احد في الدنيا ولا في الآخرة ولا يوصف ولا يعرف بصفة ولا بفعل ولا له غاية ولا منتهى ولا يدرك بعقل وهو وجه كله وهو علم كله وهو سمع كله وهو بصر كله وهو نور كله وهو قدرة كله لا يوصف بوصفين مختلفين وفي نسخة ولا يكون شيئين مختلفين وليس له اعلى ولا اسفل ولا نواحي ولا جوانب ولا يمين ولا شمال ولا هو ثقيل ولا خفيف ولا له لون وفي نسخة ولا له نور ولا له جسم وليس معلوم او معقول وكلما خطر على قلبك انه شيء تعرفه فهو على خلافه فقلنا هو شيء فقالوا هو شيء لا كالاشياء فقلنا ان الشيء الذي يكون لا كالاشياء قد عرف اهل العقل انه لا شيء فعند ذلك تبين للناس انهم لا يثبتون شيئا او قال لا يأتون بشيء ولكنهم بدفعون عن انفسهم الشنعة بما يقرون في العلانية فاذا قيل لهم من تعبدون قالوا نعبد من يدبر امر هذا الخلق فقلنا هذا الذي يدبر امر هذا الخلق هو مجهول لا يعرف بصفة قالوا نعم فقلنا قد عرف المسلمون انكم لا تثبتون شيئا او قال لا تأتون بشيء وانما تدفعون عن انفسكم الشنعة بما تظهرون فقلنا لهم هذا الذي يدبر هو الذي كلم موسى قالوا لم يتكلم ولا يكلم لان الكلام لا يكون الا بجارحة والجوارح عن الله منتفية فلما سمع الجاهل قولهم ظن انهم من اشد الناس تعظيما لله ولا يعلم انهم انما يقود قولهم الى ضلالة وكفر وفي نسخة انهم انما يقودون قولهم الى فرية في الله ثم ذكر احمد الكلام في مناظرتهم في القرآن والرؤية والصفات والعرش ونحو ذلك # وكان الائمة كالامام احمد والفضيل بن عياض وغيرهما اذا ارادوا ان يذكروا ما يستحقه الله من التنزيه ذكروا سورة الاخلاص التي تعدل ثلث القرآن وانها مستوفية كل ما ينفي في هذا الباب ولهذا لما ناظرت الجهمية الامام احمد كأبي عيسى محمد بن عيسى برغوث وغيره من البصريين والبغداديين وذكروا الجسم وملازمة ذكر لهم احمد سورة الاخلاص فان ما فيها من التنزيه هو الحق دون ما ادخلوه في لفظ الجسم من الزيادات الباطلة # وذلك ان ما يذكرونه يدور على اصلين نفي التشبيه ونفي التجسيم الذي هو التركيب والتأليف ولهذا يذكر من العقائد التي يبغي فيها التنزيه الاعتقاد السليم من التشبيه والتجسيم فأصل كلامه كله يدور على ذلك ولا ريب انهم نزهوا الله بنفي هذين الامرين عن امور كثيرة بحسب تنزيهه عنها وما زادوه من التعطيل فانما قصدوا به التنزيه والتقديس وان كانوا في ذلك ضالين مضلين # وسورة الاخلاص تستوفي الحق من ذلك فان الله يقول ^ قل هو الله احد الله الصمد ^ وهذان الاسمان الاحد والصمد لم يذكرهما الله الا في هذه السورة وهما ينفيان عن الله ما هو متنزه عنه من التشبيه والتمثيل ومن التركيب والانقسام والتجسيم فان اسمه الاحد ينفي المثل والنظير كما تقدم الكلام على ذلك في ادلته السمعية وبينا ان الاحد في اسماء الله ينفي عنه ان يكون له مثل في شيء من الاشياء فهو احد في كل ما هو له واسمه الصمد ينفي عنه التفرق والانقسام والتمزق وما يتبع ذلك من تركيب ونحوه فإن اسم الصمد يدل على الاجتماع # وكذلك كل واحد من معنييه اللذين يتناولهما هذا الاسم وهو ان الصمد هو السيد الذي كمل سؤدده ويصمد اليه في الامور والصمد هو الذي لا جوف له كما يقال الملائكة صمد والادمي اجوف والمصمت ضد الاجوف فان اسم السيد يقتضي الجمع والقوة ولهذا يقال السواد هو اللون الجامع للبصر والبياض اللون المفرق للبصر ويقال للحليم السيد لان نفسه تجتمع فلا تتفرق وتتميز من الغيظ والواردات عليها وكذلك هو الذي يصبر على الامور والصبر يقتضي الجمع والحبس والضم وضده الجزع الذي يقتضي التفرق وكذلك التعزي والتعزز وعززته فتعزى او هو لا يتعزى هو ضد الجزع فان التعزز والتعزي يقتضي الاجتماع والقوة والجزع يقتضي التفرق والضعف # والانسان له في في سؤدده وعزته حالان احدهما ان يستغني بنفسه عن غيره ويعز بنفسه عن غيره فلا يحتاج الى الغير الذي يحتاج اليه غيره لغناه و لا يخاف منه لعزته والثاني ان يكون هو قد احتاج اليه غيره ويكون قد اعز غيره فغلبه واعزه فمنعه فيكون الناس قد صمدوا له أي قصدوه واجمعوا له وهذا هو الصمد السيد وذلك انما يكون من كمال سؤدده وصمديته التي تنافي تفرقه وتمزقه وضعفه # ولفظ الصمد يدل على انه لا جوف له وعلى انه السيد ليس كما تقول طائفة من الناس ان الصمد في اللغة انما هو السيد ويتعجبون مما نقل عن الصحابة والتابعين من ان الصمد هو الذي لا جوف له فان اكثر الصحابة والتابعين فسروه بهذا وهم اعلم باللغة وبتفسير القرآن ودلالة اللفظ على هذا اظهر من دلالتها على السؤدد وذلك ان لفظ ص م د يدل على الاجتماع والانضمام المنافي للتفرق والخلو والتخويف كما يقال صمد المال وصمده وتصمد اذا حمعه وضم بعضه الى بعض ومنه في الاشتقاق الاكبر الصمت والمصمت فان التاء والدال اخوان متقاربان الى بعض في المخرج والاشتقاق الاكبر هو ما يكون فيه الكلمتان قد اشتركت في جنس الحرف فالكلمتان اشتركت في الصاد والتاء والتاء والدال اخوان يقال صمت يصمت صماتا واصمت اصماتا وهو جمع وضم ينافي الانفتاح والتفريج ولهذا يقال للعظام ونحوها من الاجسام منها اجوف ومنها مصمت # فظهر ان اسمه الاحد يوجب تنزيهه عن ما يجب نفيه عنه من التشبيه ومماثلة غيره له في شيء من الاشياء واسمه الصمد يوجب تنزيهه عما يجب نفيه من الانقسام والتفرق ونحو ذلك مما ينافي كمال صمديته سبحانه وتعالى عما يقول الظالمون علوا كبيرا # واما ما تزيده المعطلة على ذلك من نفي صفاته التي وصف بها نفسه التي يجعلون نفيها تنزيها واثباتها تشبيها ومن نفي حده وعلوه على عرشه وسائر صفاته التي وصف بها نفسه يجعلون نفيها تنزيها ويجعلون اثبات ذلك اثباتا لانقسامه وتفرقه الذي يسمونه تجسيما وتركيبا فهذا باطل # وليتدبر هذا المقام فانه من اعظم الاشياء منفعة في اعظم اصول الدين الذي جاءت به هذه السورة التي تعدل ثلث القرآن وفيه اعظم اضطراب الخلائق وكثر فيه تعارض الحجج وتفرق الطوائف واذا كانت هذه الشبهة ونحوها هي اصل ضلال الاولين والاخرين لما فيها من الالفاظ المشبهة المجملة كما قال الامام احمد في وصف الذين عقدوا الوية البدعة واطلقوا عنان الفتنة قال فهم مختلفون في الكتاب مخالفون للكتاب مجمعون على مفارقة الكتاب يقولون على الله وفي الله وفي كتاب الله بغير علم يتكلمون بالمتشابه من الكلام ويخدعون جهال الناس بما يشبهون عليهم فطريق حل مثلها وامثالها ما تقدم من الكلام على الالفاظ المتشابهة المجملة التي فيها والتي احدثوها وليس لها اصل في كتب الله ولهذا كان هؤلاء من ^ الذين يجادلون في آيات الله بغير سلطان أتاهم ^ اذ السلطان هو كتاب الله فمن جادل بغير سلطان من الله كان ممن ذمه الله في الكتاب قال الله تعالى ^ الذين يجادلون في آيات الله بغير سلطان اتاهم كبر مقتا عند الله وعند الذين آمنوا كذلك يطبع الله على كل قلب متكبر جبار ^ وقال ^ ان الذين يجادلون في آيات الله بغير سلطان أتاهم ان في صدورهم الا كبر ما هم ببالغيه فاستعذ بالله انه هو السميع البصير ^ فهذه الالفاظ المشتبهة متى استفسر عن معانيها وفصلت زال ما في حجتهم من الاشتباه وتبين انها حجة داحضة وان كان هؤلاء ممن قال الله فيهم ^ وهم يجادلون في الله وهو شديد المحال ^ وقال تعالى ^ او يوبقهن بماكسبوا ويعفو عن كثير ويعلم الذين يجادلون في آياتنا ما لهم من محيص ^ # الوجه الثاني ان قوله من ينفي الجوهر يقول ان كل ما كان يشار اليه بحسب الحس بانه ها هنا او هناك فلابد ان يتميز احد جانبيه عن الاخر وذلك يوجب كونه منقسما انما يريد هؤلاء بكونه منقسما انه يمكن ان يتميز في نفسه بعضه عن بعض او يتميز منه شيء عن شيء او العقل يميز منه شيئا من شيء وليس لهذا التميز حد يوقف عنده لا يقولون ان فيه انقساما غير هذا بل يقولون انه واحد في نفسه كما انه واحد في الحس ويقولون ان الجسم منقسم الى بسيط والى مركب واما مثبتوه فلهم قولان احدهما انه ايضا واحد في نفسه وفي الحس ولكن قسمته تنتهي الى حد والثاني الى ان فيه اجزاءا موجودة فالمشار اليه بحسب الحس لا يفضي الى الامرين جميعا بل على ان كان منقسما كما ذكر لم يفض الى شيئين بل غايته ان يفضي الى ما ذكره من التركيب الذي تقدم الكلام عليه وان لم يكن منقسما وذلك عنده لا يكون الا على مثبتة الجوهر الفرد افضى الى ان يكون في غاية الحقارة وهذا الجوهر الفرد اما ان يكون منتفيا في نفس الامر واما ان يكون ثابتا فلا يقول العاقل ان رب العالمين بقدره فلم يبق ما يقال الا ما ذكره من الانقسام والتركيب وقد تقدم الكلام عليه وثبت انه لا يفضي الى هذين الامرين جميعا بل انما يفضي ان افضى الى احدهما فقط لكن يفضي الى هذا على تقدير والى هذا على تقدير آخر فظهر ان كونه مشارا اليه بالحس لا يفضي الى الامرين الذين ذكرهما وانما يفضي ان افضى الى احدهما # الوجه الثالث السؤال الذي اورده وهو انه لم لا يجوز ان يكون غير منقسم ويكون بقدر الجوهر الفرد بل يكون واحدا عظيما منزها عن التركيب والتأليف والانقسام وهذا ليس قول من ذكره من الكرامية فقط بل اذا كان هو قول من يقول انه فوق العرش وهو جسم فهو قول من يقول هو فوق العرش وليس بجسم بطربق الاولى والاحرى فان نفي التركيب والانقسام على القول بنفي الجسم أظهر من نفيه على القول بثبوت الجسم فاذا على ما ذكره هذا السؤال يورده على كل من يقول انه فوق العرش ويقول مع ذلك انه ليس بجسم وهذا قول الكلابية وائمة الاشعرية وطوائف لا يحصون من الفقهاء واهل الحيدث والصوفية من اصحاب ابي حنيفة ومالك والشافعي واحمد كالقاضي ابي يعلي وابي الوفاء ابن عقيل وابي الحسن ابن الزاغوني وغيرهم بل قد ذكر الاشعري ان هذا قول اهل السنة واصحاب الحديث فقال وقال اهل السنة واصحاب الحديث ليس بجسم ولا يشبه الاشياء وانه على العرش وقد تقدم قوله في ذلك وقول غيره وهؤلاء طوائف عظيمة وهم اجل قدرا عند المسلمين ممن قال انه ليس على العرش # فان نفاة كونه على العرش لا يعرف فيهم الا من هو مأبون في عقله ودينه عند الامة وان كان قد تاب من ذلك بل غالبهم او عامتهم حصل منهم نوع ردة عن الاسلام وان كان منهم من عاد الى الاسلام كما ارتد عنه قديما شيخهم الاول الجهم بن صفوان وبقي اربعين يوما شاكا في ربه لا يقر بوجوده ولا يعبده وهذه ردة باتفاق المسلمين وكذلك ارتد هذا الرازي حين امر بالشرك وعبادة الكواكب والاصنام وصنف في ذلك كتابه المشهور وله غير ذلك بل من هو اجل منه من هؤلاء بقي مدة شاكا في ربه غير مقر بوجوده مدة حتى آمن بعد ذلك وهذا كثير عالب فيهم ولا ريب ان هذا ابعد العالمين عن العقل والدين فاذا كان نؤلاء لا يناظرون ويخاطبون ويستعد لرد قولهم الباطل لما احتيج الى ذلك فالذين هم اولى بالعقل والدين اولى منهم بذلك # ونحن نورد من كلامهم ما يتبين به ان جانبهم اقوى من جانب النفاة وليس لنا غرض في تقرير ما جمعوه من النفي والاثبات في هذا المقام بل نبين انهم في ذلك احسن حالا من نفاة انه على العرش فيما جمعوه من النفي والاثبات وقد اجاب هؤلاء عما الزمهم النفاة من التجسيم الذي هو التركيب والانقسام كقول القاضي ابي بكر # فان قيل فما الدليل على ان لله وجها ويدا قيل قوله ^ ويبقى وجه ربك ذو الجلال والاكرام ^ وقوله ^ ما منعك ان تسجد لما خلقت بيدي ^ فاثبت لنفسه وجها ويدا # فإن قال فما انكرتم ان يكون وجهه ويده جارحة اذ كنتم لا تعقلون وجها ويدا الا جارحة قلنا لا يجب هذا كما لا يجب اذا لم يعقل حيا عالما قادرا الا جسما ان نقضي نحن وانتم بذلك على الله ولا يجب في كل شيء كان قائما بذاته ان يكون جوهرا لانا واياكم لم نجد قائما بنفسه في شاهدنا الا كذلك قال وكذلك الجواب لهم ان قالوا فيجب ان يكون علمه وحياته وكلامه وسمعه وبصره وسائر صفاته عرضا واعتلوا بالوجود # فإن قال قائل اتقولون انه في كل مكان قيل له معاذ الله بل هو مستو على عرشه كما اخبر في كتابه فقال ^ الرحمن على العرش استوى ^ وقال ^ اليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه ^ وقال ^ اامنتم من في السماء ان يخسف بكم الارض فاذا هي تمور ^ قال ولو كان في كل مكان لكان في بطن الانسان وفمه والحشوش والمواضع التي يرغب عن ذكرها ولوجب ان يزيد بزيادة الاماكن اذا خلق منها ما لم يكن وينقص بنقصانها اذا بطل منها ما كان ويصح ان يرغب اليه الى نحو الارض والى خلفنا والى يميننا والى شمالنا وهذا قد اجمع المسلمون على خلافه وتخطئة قائله # وقال ابو الحسن الاشعري يقال لهم ما انكرتم ان يكون الله عنى بقوله ^ يدي ^ يدين ليستا نعمتين قان قالوا لان اليدين اذا لم يكن نعمة لم يكن الا جارحة فان قالوا رجعنا الى المشاهد والى ما نجد فيما بيننا مخلوقا فوجدنا ذلك اذا لم يكن نعمة في الشاهد لم يكن الا جارحة قيل لهم ان كان رجوعكم الى الشاهد وعليه عملتم وبه قضيتم على الله عز وجل فكذلك لم تجدوا حيا من الخلق الا جسما لحما ودما فاقضوا بذلك علىربكم والا كنتم لقولكم تاركين ولاعتلالكم ناقصين وان قلتم حيا لا كالاحياء فلم انكرتم ان يكون اليدان اللتان اخبر الله عنهما يدين ليستا نعمتين ولا جارحتين ولا كالايدي وكذلك يقال لهم لم تجدوا قديرا حكيما ليس كالانسان وخالفتم الشاهد فيه فقد نقضتم اعتلالكم فلا تمنعوا من اثبات يدين ليستا نعمتين ولا جارحتين من اجل ان ذلك خلاف الشاهد # الوجه الرابع قوله عن المنازع لم لا يجوز ان يقال انه تعالى واحد منزه عن التأليف والتركيب ومع كونه كذلك فانه يكون عظيما # قوله والعظيم يجب ان يكون مركبا منقسما وذلك ينافي كونه واحدا قلنا سلمنا ان العظيم يجب ان يكون منقسما في الشاهد فلم قلتم انه يجب ان يكون في الغائب كذلك فان قياس الغائب على الشاهد من غير جامع باطل # والجواب عن الاول ان نقول انه اذا كان عظيما فلابد وان يكون منقسما وليس هذا من باب قياس الغائب على الشاهد بل هذا بناء على البرهان القطعي وذلك لانا اذا اشرنا الى نقطة لا تنقسم فاما ان يحصل فوقها شيء آخر او لا يحصل فان حصل فوقها شيء آخر كان ذلك الفوقاني مغايرا له اذ لو جاز ان يقال ان هذا المشار اليه عينه لا غيره جاز ان يقال هذا الجزء غير ذلك الجزء فيفضي الى تجويز ان الجبل شيء واحد
|
|
03 Apr 2010, 03:20 AM
|
#62 |
|
وسام الشرف
![]() ![]() ![]() ![]() ![]() ![]() ![]()
|
# يقال له هؤلاء قد يقولون لا هو عينه ولا هو غيره كما عرف في اصولهم ان غير الشيء ما جاز مفارقته له وان صفة الموصوف وبعض الكل لا هو هو ولا هو غيره فطائفة هذا المؤسس هم ممن يقولون بذلك وحينئذ فلا يلزم اذا لم يكن عينه ان يكون مغايرا له ولا يفضي الى تجويز ان الجبل شيء واحد واذا جاز ان يقولوا ان الموصوف الذي له صفات متعددة هو واحد غير متكثر ولا مركب ولا ينقسم جاز ايضا ان يقال ان الذي له قدر هو واحد غير متكثر ولا مركب ولا ينقسم وان كان في الموضعين يمكن ان يشار الى شيء منه ولا يكون المشار هو عين الآخر # فان قيل فهذا يقتضي ان يكون كل جسم غير مركب ولا منقسم والغرض في هذا السؤال خلافه فان هذا السؤال فرق فيه بين العظيم الشاهد والعظيم الغائب وان الشاهد منقسم بخلاف الغائب # قيل هذا الجواب هو مبني على ان غير الشيء ما جاز مفارقته له وكل مخلوق فان الله سبحانه قادر على ان يفرق بعضه عن بعض واذا جاز مفارقة بعضه لبعض جاز ان يكون مغايرا لبعض كما ان علمه وقدرته لما كان قيامه به جائزا لا واجبا كان عرضا أي عارضا للموصوف لا لازما والرب تعالى لا يجوز ان يفارقه شيء من صفاته الذاتية ولا يجوز ان يتفرق بل هو واحد صمد واذا كان كذلك لم يلزم عند هؤلاء ان يكون بعضه مغايرا لبعض كما اصلوه # الوجه الخامس انهم قد الزموا المنازع مثلما ذكره وقالوا اذا كان حيا عالما قادرا ولم يعقل في الشاهد من يكون كذلك الا جسما منقسما مركبا وقد اثبته المنازع حيا علاما قادرا ليس بجسم منقسم مركب فكذلك يجوز ان يكون اذا كان عظيما وكبيرا وعليا ولم يعقل في الشاهد عظيم وكبير وعلي
الا ما هو جسم مركب منقسم لم يجب ان يكون جسما مركبا منقسما الا اذا كان وجب ان يكون كل حي عليم قدير جسما مركبا منقسما # وكذلك يقولون لمن يقول ان حياته وعلمه وقدرته اعراض وكذلك يقول هؤلاء لمن يسلم اثبات الصفات فيقال اذا كان القائم بغيره من الحياة والعلم والقدرة وان شارك سائر الصفات في هذه الخصائص ولم يكن عندك عرضا فكذلك القائم بنفسه وان شارك غيره من القائمين بأنفسهم فيما ذكرته لم يجب ان يكون جسما مركبا منقسما ولا فرق بين البابين بحال فان المعلوم من القائم بنفسه انه جسم ومن القائم بغيره انه عرض وان القائم بنفسه لا بد ان يتميز منه شيء عن شيء والقائم بغيره لابد ان يحتاج الى محله فاذااثبت قائما بغيره يخالف ما علم من حال القائم بنفسه في ذلك فكذلك لزمه ان يثبت قائما بنفسه يخالف ما علم من حال القائمين بأنفسهم # وجماع الامر انه سبحانه قائم بنفسه متميز عن غيره وله اسماء وهو موصوف بصفات فان كان كونه عظيما وكبيرا موجبا لان يكون كغيره من العظماء الكبراء في وجوب الانقسام الممتنع عله فكذلك كونه حيا عالما قادرا وله حياة وعلم وقدرة # وسنتكلم على قوله ان هذا ليس من باب قياس الشاهد على الغائب # واما ما ذكره من التقسيم فيقال له في الوجه السادس ان ما ذكرته من التقسيم يرد نظيره في كل ما يثبت للرب فانه يقال اذا اشرنا الى صفة او معنى او حكم كعلمه وقدرته او عالميته وقادريته او وجوبه ووجوده او كونه عاقلا ومعقولا وعقلا ونحو ذلك فاما ان تكون الصفة او المعنى والحكم الاخر هو اياه او هو غيره فان كان هو اياه لزم ان يكون كونه حيا هو كونه عالما وكونه عالما هو كونه قادرا وكونه موجودا هو كونه فاعلا وكونه فاعلا هو كونه عاقلا ومعقولا وعقلا وهذا يفضي الى تجويز جعل المعاني المختلفة معنى واحدا وان يكون كل عرض وصفة قامت بموصوف صفة واحدة وهذا شك في البديهيات فهذا نظير ما الزموه للمنازع فانه يجب الاعتراف بثبوت معنيين ليس المفهوم من احدهما هو المفهوم الاخر وهذا قد قررناه فيما تقدم فان كان ثبوت هذه المعاني يستلزم التركيب والانقسام كان ذلك لازما على كل تقدير وان لم يكن مستلزما للتركيب والانقسام لم يكن ما ذكره مستلزما للتركيب والانقسام فان مدار الامر على ثبوت شيئين ليس احدهما هو الآخر وهذا موجود في موضعين # وهذا يتقرر بالوجه السابع وهو ان يقال المراد بالغيرين اما ان يكونا ما يجوز وجود احدهما دون الاخر او ما يجوز العلم بأحدهما دون الاخر # فان كان المراد بالغيرين هو الاول لم يجب ان يكون ما فوق المشار اليه غيره الا اذا جاز وجود احدهما دون الاخر وهذا ممتنع في حق الله تعالى بالاتفاق وبأنه واجب الوجود بنفسه على ما هو عليه كماهو مقرر في موضعه # ثم قد يقال في سائر المعاني انه يجوز وجود احدهما دون الاخر فيجوز حصول الوجود دون الوجوب او دون الفاعلية او دون العلم والعناية ودون كونه حيا عالما قادرا ونحو ذلك # وان كان المراد بالغيرين ما جاز العلم بأحدهما دون الاخر كالاحساس بأحدهما دون الآخر كما ذكره في جواز الاشارة الى نقطة دون ما فوقها فيقال لا ريب في جواز العلم ببعض المعاني الثابتة لله دون الآخر كما قد يعلم وجوده دون وجوبه ويعلم وجوبه دون كونه فاعلا وبعلم ذلك دون العلم بكونه حيا او عالما او قادرا او غير ذلك واذا كانت المغايرة ثابتة بهذا المعنى على كل تقدير وعند كل احد ولا يصح وجود موجود الا بها وان كان واحدا محضا كان بعد هذا تسمية ذلك تركيبا او تأليفا او غير تركيب ولا تأليف نزاعا لفظيا لا يقدح في المقصود # الوجه الثامن ان يقال اصطلاح هؤلاء اجود فانه اذا ثبت ان الموجودات تنقسم الى مفرد ومؤلف او الى بسيط ومركب او الى واحد وعدد علم ان في الموجودات ما ليس بمركب ولا مؤلف ولا عدد وهذه المعاني لا يخلو منها شيء من الموجودات فعلم ان هذه المعاني لا تنافي كون الشيء واحدا ومفردا فيما اذا كان مخلوقا فكيف ينافي كون الخالق واحدا فردا غير مركب ولا مؤلف فهذا الاعتبار المعروف الذي فطر الله عليه عباده # يوضح هذا ما قد قدمنا ان اسمه الاحد ينفي ان يكون له مثل في شيء من الاشياء فهو ينفي التشبيه الباطل واسمه الصمد ينفي ان يجوز عليه التفرق والانقسام وما في ذلك من التركيب والتجسد وذلك لانه سبحانه وصف نفسه بالصمدية كما وصف بالاحدية وهو سبحانه ^ ليس كمثله شيء ^ في جميع صفاته بل هو كامل في جميع نعوته كما لا يشبهه فيه شيء فهو كامل الصمدية كما انه كامل الاحدية والواحد من الخلق قد يوصف بأنه واحد كما قال ^ وان كانت واحدة ^ وكما قال ^ ذرني ومن خلقت وحيدا ^ ويوصف بالاحد مقيدا ومنفيا كقوله ^ فخذ احدنا مكانه ^ ^ واذا بشر احدهم بالانثى ^ ^ ولم يكن له كفوا احد ^ ويوصف ايضا بالصمدية كما قال يحيى بن ابي كثير الملائكة صمد والآدميون جوف وكما قال الشاعر % الا بكر الناعي بخير بني اسد % بعمرو بن مسعود وبالسيد الصمد % # وكما قال % فأنت السيد الصمد % # وكذلك لما في العبد من معنى الوحدة ومعنى الصمدية مع انه جسم من الاجسام فعلم ان كون الموجود جسما لا يمنع ان يكون واحدا وان يكون احد الاجسام وان يكون صمدا كما ان كونه جسما لا يمنع ان يكون حيا عالما قادرا لكن العبد ليس له الكمال الذي يستحقه الله في شيء من صفاته ولا قريب من ذلك فالله تعالى اذا وصف بأنه واحد صمد عالم قادر كان في ذلك على غاية الكمال الذي لا يماثله في شيء منه شيء من الاشياء لكن اذا كان ما ذكروه من المعاني التي يجعلونه كثرة وعددا وتركيبا هي ثابته لكل موجود وذلك لا يمنع ان يكون المخلوق واحدا فكيف يمنع ذلك ان يكون الاله الذي ليس كمثله شيء احدا # وذلك يظهر بالوجه التاسع وهو ان هذه المعاني التي تعلم القلب ان احدها ليس هو الاخر امر لابد منه كما قد علم على كل تقدير ونفي هذه نفي لكل موجود وهي غاية السفسطة ونهايته وذلك يجمع كل كفر وضلال ويخالف كل حس وعقل فهذا التميز ان اوجب ان تكون الحقيقة في نفسها فيها نوع من تميز لم يكن هذا منافيا لما هو الواجب والواقع من الوحدانية فان ذلك اذا لم ينف ان يكون كثير من المخلوقات واحدا فأن لا ينفي ذلك في الخالق اولى واحرى مع ان احديته لها من الخصائص ما لا يجوز مثله لشيء من المخلوقات فانه لا مثل له في شيء من الاشياء واما غيره فله الامثال قال تعالى ^ ومن كل شيء خلقنا زوجين لعلكم تذكرون ^ قالوا فتعلمون ان خالق الازواج واحد # وان قيل كما يقوله بعض الناس ان هذا الامتياز والتعدد الذهني لا يوجب ان يكون كذلك في الخارج وجعلوا هذا مثل الاتحاد الذي في المعاني الكلية فانه كما ان الذهن يدرك انسانية واحدة وجسما واحدا كليا عاما او مطلقا يطابق الافراد الموجودة في الخارج ومع انه ليس في الخارج شيء الا موجود بعينه لا يوجد فيها ما هو كلي عام ولكن لما بين الحقائق من التشابه والتماثل يوجد في هذا نظير ما يوجد في هذا فهو هو باعتبار النوع لا باعتبار العين بل هو نظيره باعتبار العين فاذا كان هذا التشبيه والتمثيل الموجود في الخارج اوجب للذهن ادراك معنى عام كلي يجمع الامرين وان لم يكن ذلك في الخارج عاما كليا فكذلك ما يوجد في العين الوحدة فيما يظن انه اجزاء كيف او كم قد يقال الذهن هو الذي يفرق تلك ويميز بعضها عن بعض والا فهي في نفسها واحدة لا تعدد فيها ولا تكثر ولا تركيب فالذهن هو الذي يأخذ الشيء الواحد فيفصله ويركبه بعد التفصيل كما انه هو الذي يأخذ الشيئين فيمثل احدهما بالآخر ويجعلهما واحدا بعد التمثيل فما يدرك من التشبيه والتمثيل الذي يعود الى معنى عام كلي يشتر كان فيه وما يذكر من الاجزاء والصفات الذي يعود الى معان تتميز في الذهن فيركبها ويؤلفها هو الذي عليه مدار باب التشبيه والتمثيل وباب التجسيم الذي هو التركيب وفي احدهما يجعل الذهن العدد واحدا وفي الآخر يجعل الواحد عددا لكن باعتبارين صحيحين لا يخالف ما هو عليه الحقيقة في نفس الامر ولهذا تغلط الاذهان هنا كثيرا لان بين ما في الاذهان وما في الاعيان مناسبة ومطابقة ومن وجه هو مطابقة العلم للمعلوم وهو ان ما في النفس من العلم ليس مساويا للحقيقة الخارجة فلاجل ما بينهما من الائتلاف والاختلاف كثر بين الناس الائتلاف والاختلاف ومن فهم ما يجتمعان فيه ويفترقان زاحت عنه الشبهات في هذه المحارات # والغرض في هذا الوجه ان الذي يقال في مواقع الاجماع بين الخلائق التي لا بد من اثبات شيء منها لكل عاقل في كل موجود يقال في مواقع النزاع بين مثبتة الصفات ونفاتها ولهذا يقال ما من احد ينفي صفة من الصفات التي وردت بها النصوص او يتأولها على خلاف مفهومها فرارا من محذور ينفيه الا ويلزمه فيما اثبته نظير ما فر منه فيما نفاه فسبحان من لا ملجأ منه الا اليه اللهم انا نعوذ برضاك من سخطك وبمعافاتك من عقوبتك ونعوذ بك منك لا نحصي ثناء عليك انت كما اثنيت على نفسك # وهذا القدر وان كان فيه رد على الطائفتين فيما نفته بغير حق فلا يضر في هذا المقام فان المقصود هنا حاصل به وهو ان هؤلاء المثبتة لعلو الله على عرشه مع نفيهم ما ينفونه يلزمون نفاة العلو على العرش بأعظم مما يلزمونهم به # الوجه العاشر قوله ان نقول اذا كان عظيما فلابد وان يكون منقسما وليس هذا من باب قياس الغائب على الشاهد بل بناء على البرهان القطعي وهو ما ذكره من التقسيم # فيقال له كل برهان قطعي يستعملونه في حق الله فلا بد وان يتضمن نوعا من قياس الغائب على الشاهد فانهم انما يمكنهم استعمال القياس الشمولي الذي هو القياس المنطقي الذي لابد فيه من قضية كلية سواء كانت القضية جزائية حملية او كانت شرطية متصلة تلازمية او كانت شرطية منفصلة عنادية تقسيمية فانه اذا قيل الواحد لا يصدر عنه الا واحد وقيل لو كان مشارا اليه بالحس لكان اما منقسما او غير منقسم او لو كان فوق العرش لكان اما كذا واما كذا او لو كان جسما او غير ذلك فلابد في جيمع ذلك من قضية كلية وهو ان كل واحد بهذه المثابة وان كل ما كان مشارا اليه بالحس لا يخرج عن القسمين وان كل ما كان فوق شيء فاما ان يكون كذا وكذا ولابد ان يدخلوا الله تعالى في هذه القضايا العامة الكلية ويحكمون عليه حينئذ بما يحكمون به على سائر الافراد الداخلة في تلك القضية ويشركون بينها وبينه في ذلك ومشاركته لتلك الافراد في ذلك الحكم المطلق والمعلق على شرط ومشابهته لها في ذلك هو القياس بعينه # ولهذا لما تنازع الناس في مسمى القياس فقيل قياس الشمول احق بذلك من قياس التمثيل كما يقوله ابن حزم وطائفة وقيل بل قياس التمثيل احق باسم القياس من قياس الشمول كما يقوله ابو حامد وابو محمد المقدسي وطائفة وقيل بل اسم القياس يتناول القسمين جميعا حقيقة كان هذا القول اصوب فما من احد يقيس غائبا بشاهد الا ولابد ان يدخلهما في معنى عام كلي كما في سائر اقيسة التمثيل وما من احد يدخل الغائب والشاهد في قياس شمول تحت قضية كلية الا ولابد ان يشرك بينهما ويشبه احدهما بالآخر في ذلك # فقول القائل لو كان عظيما مشارا اليه لكان منقسما لانا لا نعلم عظيما الا كذلك اولا نعقل عظيما الا كذلك هو كقوله لان كل عظيم فاذا اشرنا فيه الى نقظة فاما ان تكون هي ما فوقها وتحتها اولا تكون هي ذلك فانه من الموضعين لابد ان يتصور عظيما مطلقا مشارا اليه ويشرك بين العظيم الشاهد المشار اليه والعظيم الغائب المشار اليه في ذلك لكن قوله لا يعقل ابلغ من قوله لا نعلم او لم نشهد لان قوله لم نعلم او لم نشهد انما ينفي ما قد علمه وشهده دون ما لم يعلمه ويشهده بعد وقوله لا يعقل ينفي ان يكون معقولا في وقت من الاوقات ومتى لم يعقل العظيم المشار اليه الا كذلك فالبرهان الشمولي انما هو بناء على ما تصوره المستدل به وعقله من معنى العظيم المشار اليه فان فرضية النقطة في ذلك العظيم المشار اليه وقوله اما ان تكون هي الاخرى اولا تكون انما فرض ذلك وقدره فيما عقله وعلمه وارتسم في ذهنه وهو الذي يعقله من معنى العظيم المشار اليه فان جاز ان يثبت الغائب على خلاف ما يعقل بطل هذا البرهان وكان لمنازعه ان يثبت واحدا عظيما مشارا اليه منزها عن التركيب وان كان ذلك على خلاف ما يعقل من معنى العظيم المشار اليه وان كان لا يثبت الغائب الا على ما يعقل من معنى العظيم المشار اليه بطلت مقدمة الكتاب وبطل قوله باثبات موجود لا داخل العالم ولا خارجه وباثبات موجودين ليس احدهما متصلا بالآخر ولا منفصلا عنه # وهذا كلام في غاية الانصاف لمن فهمه فإنا لم نقل ان هذا البرهان باطل لكن قلنا صحة مثل هذا البرهان مستلزم صحة مذهب المنازع الذي يقول انه خارج العالم ويمتنع وجود موجود لا داخل العالم ولا خارجه فان كان البرهان صحيحا صح قوله انه فوق العرش وان كان البرهان باطلا لم يدل على انه ليس فوق العرش # وهذا يتقرر بالوجه الحادي عشر وهو ان يقال ما قاله المنازع في مقدمة الكتاب مثل قوله الانسان اذا تأمل في احوال الاجرام السفلية والعلوية وتأمل في صفاتها فذلك له قانون فاذا اراد ان ينتقل منها الى معرفة الربوبية وجب ان يستحدث لنفسه فطرة اخرى ومنهجا آخر وعقلا آخر بخلاف العقل الذي اهتدى به الى معرفة الجسمانيات وتقريره لما ذكره عن معلم الصابئة المبدلين ارسطو حيث قال من اراد ان يشرع من المعارف الالهية فليستحدث لنفسه فطرة اخرى # فيقال له قولك اذا اشرنا الى نقطة لا تنقسم فاما ان يحصل فوقها شيء آخر اولا يحصل هذا هو العقل الذي يهتدي به الى معرفة الجسمانيات فان الكلام في النقطة والخط وما يتبع ذلك من علم الهندسة وهو متعلق بمقادير الاجسام فان كان مثل هذا الدليل حقا في امر الربوبية بطلت تلك المقدمة التي قررت فيها انه لا ينظر في الامور الالهية بالعقل الذي به تعرف الجسمانيات واذا بطلت صح قول منازعك وجود موجود لا داخل العالم ولا خارجه ممتنع ومتى بطلت كان قول منازعك معلوما بالبديهة والفطرة الضرورية التي لا معارض لها حيث لم يعلم فسادها الا اذا بطل حكم العقل الذي يه تعرف الجسمانيات في امر الربوبية وان كان هذا الدليل لما انه متعلق بالجسمانيات لا يجوز الاستدلال بمثله في امر الربوبية فقد بطل هذا الدليل ولم يكن لك طريق الى فساد قول من يقول انه فوق العالم وفوق العرش وانه مع ذلك ليس بمركب ولا مؤلف او يقول ليس بجسم كما ذكرنا القولين فيما تقدم # يوضع ذلك الوجه الثاني عشر وهو ان علوه وكونه فوق العرش هو صفة من صفاته سبحانه وتعالى والعلم والقول في صفات الموصوف يتبع العلم والقول في ذاته فان كان مثل هذا الدليل حجة في صفاته نفيا واثباتا كان حجة مثله حجة في ذاته نفيا واثباتا لان العلم بالصفة بدون العلم بالموصوف محال # فاذا قال لو كان فوق العرش لكان منقسما مركبا مؤلفا فانما هوحكم على ذاته بانها لا تكون فوق العرش الا اذا كانت منقسمه مركبة مؤلفة والعلم بذلك ليس اظهر في العقل من العلم بانه اذا كان موجودا لم يكن الا داخل العالم او خارجه فان جميع ما ذكره من الحجج في معارضة قولهم اذا كان موجودا اما ان يكون داخل العالم واما ان يكون خارجه هو بعينه يقال في قوله اذا كان فوق العرش مشارا اليه فاما ان يكون منقسما واما ان يكون حقيرا # بل تلك يقال فيها انا نعلم بالاضطرار انه فوق العالم ونعلم بالاضطرار انه يمتنع ان يكون لا داخل العالم ولا خارجه ولا يشار اليه فهاتان قضيتان معينتان ونعلم بالاضطرار ان الموجودين فاما ان يكون احدهما داخلا في الآخر بحيث هو كالعرض في الجسم واما ان يكون مباينا عنه ونعلم بالاضطرار وجود موجود لا يكون داخلا في الآخر ولا خارجا عنه بحال فهذان علمان عامان مطلقان # فان جاز دفع هذه بأن يقال حقيقة الرب على خلاف ما يعقل من الحقائق وامره ثابت على حكم الحس والخيال فقول القائل اذا كان فوق العرش فاما ان يكون منقسما مركبا واما ان يكون بقدر الجوهر الفرد اولى بالدفع بأن يقال حقيقة الرب على خلاف ما يعقل من الحقائق وامره ثابت على خلاف حكم الحس والخيال وكون الشيء الذي فوق غيره والذي يشار اليه بالحس لابد ان يكون منقسما او حقيرا هو من حكم الحس والخيال قطعا # يقرر ذلك الوجه الثالث عشر وهو انك وسائر الصفاتية تثبتون رؤية الرب بالابصار كما تواترت بذلك النصوص عن النبي صلى الله عليه وسلم ثم انك وطائفة معك تقولون انه يرى لافي جهة ولا مقابلا للرائي ولا فوقه ولا في شيء من جهاته الست وجمهور عقلاء بنى آدم من مثبتة الصفاتية ونفاتها يقولون ان فساد هذا معلوم بالبديهة والحس ومن المعلوم ان كونه فوق العرش غير منقسم ولا حقير اظهر في العقل من كونه مرئيا بالابصار لا في شيء من الجهات الست فان هذا مبني على اصلين كلاهما تدفعه بديهية العقل والفطرة احدهما اثبات موجود لا في شيء من الجهات ولا داخل العالم ولا خارجه ولهذا كان عامة السليمي الفطرة على انكار ذلك والثاني اثبات رؤية هذا بالابصار فان هذا يخالفك فيه من وافقك على الاول فان كونه موجودا ايسر من كونه مرئيا فاذا كنت تجوز رؤية شيء بالابصار لا مقابل للرائي ولا في شيء من جهاته الست فكيف تنكر وجود موجود فوق العالم وليس بمركب ولا بجزء حقير وهو انما فيه اثبات وجوده على خلاف الموجود المعتاد من بعض الوجوه وذاك فيه اثباته على خلاف الموجود المعتاد من وجوه اعظم من ذلك # ودليل ذلك ان جميع فطر بني آدم السليمة تنكر ذلك اعظم من انكار هذا وان المخالفين لك في ذلك اعظم من المخالفين لك في هذا فان كون الرب فوق العالم اظهر في فطر الاولين والاخرين من كونه يرى بل العلم بالرؤية عند كثير من المحققين انما هو سمعي محض اما العلم بأنه فوق العالم فانه فطري بديهي معلوم بالادلة العقلية واما دلالة النصوص عليه فلا يحصيها الا الله # وما وقع في هذا من الغلط يكشفه الوجه الرابع عشر هو ان معرفة القلوب واقرارها بفطرة الله التي فطرها عليها ان ربها فوق العالم ودلالة الكتاب والسنة على ذلك وظهور ذلك في خاصة الامة وعامتها وكلام السلف في ذلك اعظم من كونه تعالى يرى بالابصار يوم القيامة او ان رؤيته بالابصار جائزه # ويشهد لهذا ان الجهمية اول ما ظهروا في الاسلام في اوائل المأة الثانية وكان حقيقة قولهم في الباطن تعطيل هذه الصفات كلها كما ذكر ذلك الائمة لا يصفونه الا بالسلوب المحضة التي لا تنطبق الا على المعدوم وقد ذكر هذا المؤسس ان جهما ينفي الاسماء كلها ان تكون معانيها ثابتة لله تعالى وكانوا في الباطن ينكرون ان يرى او ان يتكلم بالقرآن او غيره او يكون فوق العرش او ان يكون موصوفا بالصفات التي جاءت بها الكتب وعلمت بدليل من الدلائل العقلية وغيرها لكن ما كانوا يظهرون من قولهم للناس الا ما هو ابعد ان يكون معروفا مستيقنا من الدين عند العامة والخاصة واقرب الى ان يكون فيه شبهة ولهم فيه حجة ويكونون فيه اقل مخالفة لما يعلمه الناس من الحجج الفطرية والشرعية والقياسية وغير ذلك # وهذا شأن كل من اراد ان يظهر خلاف ما عليه امة من الامم من الحق انما يأتيهم بالاسهل الاقرب الى موافقتهم فان شياطين الانس والجن لا يأتون ابتداءا ينقضون الاصول العظيمة الظاهرة فانهم لا يتمكنون # ومما عليه العلماء ان مبدأ الرفض كان من الزنادقة المنافقين ومبدأ التجهم كان من الزنادقة المنافقين بخلاف رأي الخوارج والقدرية فانه انما كان من قوم فيهم ايمان لكن جهلوا وضلوا # ولهذا لما نبغت القرامطه الباطنية وهم يتظاهرون بالتجهم والرفض جميعا وهم في الباطن من اعظم بني آدم كفرا والحادا حتى صار شعارهم الملاحدة عند الخاص والعام وهم كافرون بما جاءت به الرسل مطلقا ومن اعظم الناس منافقة لجميع الناس من اهل الملل المسلمين واليهود النصارى وغير اهل الملل وضعوا الرأي الذي لهم والتدبير على سبع درجات سمو آخرها البلاغ الاكبر والناموس الاعظم وكان من وصيتهم لدعاتهم ان المسلمين اذا اتيتهم فلا تأت هؤلاء الذين يقولون الكتاب والسنة فانهم صعاب عليك لا يستجيبون لك ولكن ائتهم من جهة التشيع فاظهر الموالاة لآل محمد والتعظيم لهم والانتصار لهم والمعادات لمن ظلمهم واذكر من ظلم الاولين لهم ما امكن فان ذلك يوجب ان يستجيب لك خلق عظيم وبذلك يمكنك القدح في دينهم اخيرا ثم ذكر درجات دعوته درجة درجة كيف تدرج الناس فيها بحسب استعدادهم وموافقتهم له ما يطول وصفه هنا # وانما الغرض التنبيه على ان دعاة الباطل المخالفين لما جاءت به الرسل يتدرجون من الاسهل الاقرب الى موافقة الناس الى ان ينتهوا الى هدم الدين وهذا مما يفعله بعض اهل الحق ايضا في دعوة الناس الى الحق شيئا بعد شيء بحسب ما تقتضيه الشريعة وما يناسب حاله وحال اصحابه # واذا كان كذلك فالجهمية الذين كان باطن امرهم السلب والتعطيل لما نبغوا لم يكونوا يظهرون للناس الا ما هو اقل انكارا عليهم فاظهروا القول بان القرآن مخلوق واظهروا القول بأن الله لا يرى وكانت مسألة القرآن عندهم اقوى ولهذا افسدوا من افسدوه من ولاة الامور في امارة ابي العباس الملقب بالمأمون واخيه ابي اسحاق المعتصم والواثق جعلوا هذه المسألة مسألة يمتحنون بها الناس واظهروا ان مقصودهم انما هو توحيد الله وحده لانه هو الخالق وكل ما سواه مخلوق وان من جعل شيئا ليس هو الله تعالى وقال انه غير مخلوق فقد اشرك وقال بقول النصارى او نحو ذلك فصار كثير ممن لم يعرف حقيقة امرهم يظن ان هذا من الدين ومن تمام التوحيد فضلوا واضلوا وكانوا يتظاهرون بأن الله لا يرى لكن لم يجعلوا هذه المسألة المحنة لانه لا يظهر فيها من شبهة التوحيد للعامة ما يظهر في ان كل ما سوى الله مخلوق # وكان اهل العلم والايمان قد عرفوا باطن زندقتهم ونفاقهم وان المقصود بقولهم ان القرآن مخلوق ان الله لا يكلم ولا يتكلم ولا قال ولا يقول وبهذا تتعطل سائر الصفات من العلم والسمع والبصر وسائر ما جاءت به الكتب الالهية وفيه ايضا قدح في نفس الرسالة فان الرسل انما جاءت بتبليغ كلام الله فاذا قدح في ان الله يتكلم كان ذلك قدحا في رسالة المرسلين فعلموا ان في ان باطن ما جاؤا به قدح عظيم في كثير من اصلي الاسلام شهادة ان لا اله الا الله وشهادة ان محمدا رسول الله # لكن كثيرا من الناس لا يعلمون ذلك كما ان كثيرا من الناس لا يعلم باطن حال القرامطة لانهم انما يظهرون موالاة آل محمد صلى الله عليه وسلم ولا ريب ان كل مؤمن يجب عليه ان يواليهم وان اظهروا شيئا من التشيع الباطل الذي يوافقهم عليه الشيعة الذين ليسوا زنادقة ولا منافقين ولكن فيهم جهل وهوى تلبس عليهم فيه بعض الحق كما ان هؤلاء الجهمية وافقهم من العلماء والامراء في بعض ما يظهرونه من لم يكن من الزنادقة المنافقين لكن كان فيهم جهل وهوى |
|
03 Apr 2010, 03:21 AM
|
#63 |
|
وسام الشرف
![]() ![]() ![]() ![]() ![]() ![]() ![]()
|
# وقد قال الله تعالى في صفة المنافقين ^ لو خرجوا فيكم ما زادوكم الا خبالا ولأوضعوا خلالكم يبغونكم الفتنة وفيكم سماعون لهم ^ فاخبر الله ان المنافقين لا يزيدون المؤمنين الا خبالا وانهم يوضعون خلالهم أي يبتغون بينهم ويطلبون لهم الفتنة قال الله تعالى ^ وفيكم سماعون لهم ^ فاخبر ان في المؤمنين من يستجيب للمنافقين ويقبل منهم فاذا كان هذا في عهد النبي صلى الله عليه وسلم كان استجابة بعض المؤمنين لبعض المنافقين فيما بعده اولى # ولهذا استجاب لهؤلاء الزنادقة المنافقين طوائف من المؤمنين في بعض ما دعوهم اليه حتى اقاموا الفتنة وهذا موجود في الزنادقة الجهمية والزنادقة الرافضة والزنادقة الجامعة للامرين واعظمهم القرامطة والمتفلسفة ونحوهم فإن متقدمي الرافضة لم يكونوا جهمية بخلاف المستأخرين منهم فانه غلب عليهم التجهم ايضا # ولهذا كانت الشيعة المتقدمون خيرا من الخوارج الذين قاتلهم امير المؤمنين علي بن ابي طالب بأمر النبي صلى الله عليه وسلم واما كثير من مستأخري الرافضة فقد صار شرا من الخوارج بكثير بل فيهم من هو من اعظم الناس نفاقا بمنزلة المنافقين الذين كانوا على عهد النبي صلى الله عليه وسلم او فوقهم او دونهم ولهذا قال البخاري صاحب الصحيح في كتاب خلق الافعال ما ابالي اصليت خلف الجهمي او صليت خلف اليهودي والنصراني ولا يسلم عليهم ولا يعادون ولا يناكحون ولا يشهدون ولا توكل ذبائحهم قال وقال عبد الرحمن بن مهدي هما ملتان فاحذروهم الجهمية والرافضة
# اذا عرف ذلك فالجهمية اظهروا مسألة القرآن وانه مخلوق واظهروا ان الله لا يرى في الآخرة ولم يكونوا يظهرون لعامة المؤمنين وعلمائهم انكار ان الله فوق العرش وانه لا داخل العالم ولا خارجه وانما كان العلماء يعلمون هذا منهم بالاستدلال والتوسم كما يعلم المنافقون في لحن القول قال تعالى ^ لو نشاء لاريناكهم فلعرفتهم بسيماهم ولتعرفنهم في لحن القول ^ # وهذا كما قال حماد بن زيد الامام الذي هو من اعظم ائمة الدين القرآن كلام الله نزل به جبريل ما يحاولون الا ان ليس في السماء اله وقال ايضا سليمان بن حرب سمعت حماد بن زيد وذكر هؤلاء الجهمية فقال انما يحاولون ان يقولوا ليس في السماء شيء وقال عباد بن العوام الواسطي كلمت بشر المريسي واصحاب بشر فرأيت آخر كلامهم ينتهي ان يقولوا ليس في السماء شيء وقال عبد الرحمن بن مهدي ليس في اصحاب الاهواء اشر من اصحاب جهم يدورون على ان يقولوا ليس في السماء شيء ارى والله ان لا يناكحوا ولا يوارثوا وقال ايضا اصحاب جهم يريدون ان يقولوا ليس في السماء شيء وان الله ليس على العرش ارى ان يستتابوا فان تابوا والا قتلوا وقال عاصم ابن علي بن عاصم ناظرت جهميا فتبين من كلامه ان لا يؤمن ان في السماء ربا وقال علي بن عاصم مالذين قالوا ان لله ولدا اكفر من الذين قالوا ان الله لا يتكلم وقال احذر من المريسي واصحابه كلامهم ابو جاد الزندقة وانا كلمت استاذهم جهما فلم يثبت ان في السماء الها هكذا وجدت هذا عنه في كتاب خلق الافعال للبخاري والاول رواه ابن ابي حاتم عن عاصم بن علي ابن عاصم في كتاب الرد على الجهمية وكان اسماعيل بن ابي اويس يسميهم زنادقة العراق وقيل له سمعت احدا يقول القرآن مخلوق فقال هؤلاء الزنادقة لقد فررت الى اليمن حين تكلم ابو العباس ببغداد فهذا فرارا من هذا الكلام وقال وكيع بن الجراح من كذب بحديث اسماعيل عن قيس عن جرير عن النبي صلى الله عليه وسلم يعني قوله انكم سترون ربكم كما ترون الشمس والقمر فهو جهمي فاحذروه قال وكيع ايضا لا تستخفوا بقولهم القرآن مخلوق فانه من شر قولهم انما يذهبون الى التعطيل وقال الحسن بن موسى الاشيب وذكر الجهمية فنال منهم ثم قال ادخل رأس من رؤساء الزنادقة يقال له سمعلة على المهدي فقال دلني على اصحابك فقال اصحابي اكثر من ذلك فقال دلني عليهم فقال صنفان ممن ينتحل القبلة الجهمية والقدرية الجهمي اذا غلا قال ليس ثم شيء واشار الاشيب الى السماء والقدري اذا غلا قال هم اثنان خالق خير وخالق شر فضرب عنقه وصلبه # ومثل هذا كثير في كلام السلف والائمة كانوا يردون ما اظهرته الجهمية من نفي الرؤية وخلق القرآن ويذكرون ما تبطنه الجهمية مما هو اعظم من ذلك ان الله ليس على العرش ويجعلون هذا منتهى قولهم وان ذلك تعطيل للصانع وجحود للخالق اذ كانوا لا يتظاهرون بذلك بين المؤمنين كما كانوا يظهرون مسألة الكلام والرؤية لانه قد استقر في قلوب المؤمنين بالفطرة الضرورية التي خلقوا عليها وبما جاءتهم به الرسل من البينات والهدى وبما اتفق عليه اهل الايمان من ذلك ما لم يمكن الجهمية اظهار خلافه ^ ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى ونصله جهنم وساءت مصيرا ^ # فهذا يبين ان الاعتراف بان الله فوق العالم في العقل والدين اعظم بكثير من الاعتراف بان الله يرى وان القرآن غير مخلوق # فاذا كان هؤلاء الشرذمة الذين فيهم من التجهم ما فيهم مثل الرازي وامثاله يقرون بأن الله يرى كان اقرارهم بان الله فوق العالم اولى واحرى فانه لا يرد على مسألة العلو سؤال الا ويرد على مسألة الرؤية ما هو اعظم منه # ولا يمكنهم ان يجيبوا لمن يناظرهم في مسألة الرؤية بجواب لا اجابوا لمن يناظرهم في مسألة العرش بخير منه فان نفاة الرؤية قالوا في احد حججهم الواحد منا لا يرى الا ما كان مقابلا للرائي او لآلة الرائي والله يستحيل ان يكون كذلك فيستحيل ان يكون مرئيا لنا قالوا واحترزنا بقولنا او لآلة الرائي عن رؤية الانسان وجهه في المرآة اما المقدمة الاولى فهي من العلوم الضرورية الحاصلة بالتجربة واما المقدمة الثانية فمتفق عليها لو صحت رؤيته لوجبت رؤيته الآن لارتفاع موانع الرؤية وثبوت شروطها وهي صحة الحالة وحضور طرفي وان لا يكون في غاية الصغر واللطافة ويكون مقابلا للرائي او لآية الرؤية ولا تكون الحجب حاصلة وزعموا ان هذه الشروط متى وجدت وجبت الرؤية واذا انتفى بعضها امتنعت الرؤية # قال الرازي وهاتان الطريقتان يعني حجة الموانع وحجة المقابلة عليها تعويل المعتزلة في العقليات يعنى في مسألة نفي الرؤية لله تعالى # وقال في الجواب عن هذه الحجة من وجوه ثلاثة الاول ما بينا فيما مضى ان المقابلة ليست شرطا لرؤيتنا لهذه الاشياء وابطلنا ما ذكروه من دعوى الضرورة والاستدلال في هذا المقام الثاني سلمنا ان المقابلة شرط في صحة رؤيتنا لهذه الاشياء فلم قلتم انها تكون شرطا في صحة رؤية الله تعالى فإن رؤية الله تعالى بتقدير ثبوتها مخالفة لرؤية هذه الاشياء فلا يلزم من اشتراط نوع من جنس اشتراط نوع آخر من ذلك الجنس بذلك الشرط الثالث سلمنا انه يستحيل كوننا رآئين لله ولكنه لا يدل على انه لا يرى نفسه وانه في ذاته ليس بمرئي لا يقال ليس في الامة احد قال انه يصح ان يكون مرئيا مع انه يستحيل منا رؤيته فيكون مردودا بالاجماع ولا نا نقول لا نسلم ان احدا من الامة لم يقل بذلك فإن اصحاب المقالات قد حكوا ذلك عن جماعة # وهو قد ذكر قبل في مسألة كون الله سميعا بصيرا من دعوى الضرورة في هذه الامور ومن مقابلة الدعوى بالمنع ما هو اعظم مما يكون في مسألة العرش # فان قيل هذا يبين ان مسألة العلو اظهر في الفطرة والشريعة من مسألة الرؤية فلأي شيء هؤلاء اقروا بهذه وانكروا تلك # قيل سببه ان الجهمية كانت متظاهرة بدعوى خلق القرآن وانكار الرؤية ولم تكن متظاهرة بانكار العلو كما تقدم فكان الذين يناظرونهم من متكلمة اثبات الصفة كأبي سعيد ابن كلاب وابي الحسن الاشعري واصحابهما فظهر من مخالفتهم لهم في هاتين المسألتين بسبب ظهور الخلاف فيهما مالا يظهر فيما يخفونه من المسائل ومع هذا فقد كان اولئك يخالفونهم ايضا في انكار ان الله فوق العرش كما تقدم ذكره في كلامهم # لكن لم يأتوا في مناظرتهم بما يقطع مادة التجهم ويقلع عروقه بل سلموا لهم بعض الاصول التي بنوا عليها التجهم ومباحثهم في سألة حدوث العالم والكلام في الأجسام والأعرا وهو من الكلام الذي ذمه السلف والأئمة حتى قال محمد بن خويز منداد أهل البدع والأهواء عند مالك واصحابه هم فكل متكلم في الاسلام فهو من اهل البدع والاهواء اشعريا كان او غير اشعري وذكر ابن خزيمة وغيره ان الامام احمد كان يحذر مما ابتدعه عبد الله بن سعيد بن كلاب وعن اصحابه كالحارث وذلك لما علموه في كلامهم من المسائل والدلائل الفاسدة وان كان في كلامهم من الادلة الصحيحة وموافقة السنة ما لا يوجد في كلام عامة الطوائف فانهم اقرب طوائف اهل الكلام الى السنة والجماعة والحديث وهم يعدون من اهل السنة والجماعة عند النظر الى مثل المعتزلة والرافضة وغيرهم بل هم اهل السنة والجماعة في البلاد التي يكون اهل البدع فيها هم المعتزلة والرافضة ونحوهم # فلما كان الامر كذلك جاء بعض المتأخرين من اتباعهم فنظروا في الاصول التي وافقوا فيها الجهمية واخذوا لوازمها وكان ابو المعالي الجويني كثير المطالعة لكتب ابي هاشم بن ابي علي الجبائي وكان من اذكياء العالم وكان هو ابو الحسن الاشعري كلاهما تلميذا لابي علي الجبائي لكن الاشعري رجع الى مذهب اهل الاثبات الذين يثبتون الصفات والقدر ويثبتون خروج اهل الكبائر من النار ولا يخرجون احدا من الايمان ولا يرون القتال في الفتنة فناقض المعتزلة في اصولهم الخمس التي خالفوا بها اهل السنة والجماعة التي يسمونها التوحيد والعدل والمنزلة بين المنزلتين وانفاذ الوعيد والامر بالمعروف والنهي عن المنكر واما ابو هاشم فكان على هذه الاصول مع ابيه وان كان يخالفه في كثير من المسائل # وكان ابو المعالي كثير المطالعة لكتب ابي هاشم فصار هو وغيره يقودون الاصول التي وافق قدماؤهم فيها المعتزلة فرأوا ان من لوازمها نفي ان يكون الله على العرش فتظاهروا بانكار ذلك موافقة للمعتزلة ولم يكن الخلاف في ذلك مع المعتزلة من المسائل المشهورة لما قدمناه واما مسألة الرؤية والقرآن فهي من شعائر المذهبين فجعلوا ينصبون الخلاف مع المعتزلة في مسألة الرؤية ويسلمون لهم نفي علو الله علىالعرش وهذا عكس الواجب # ولهذا صارت المعتزلة تسخر منهم حتى يقول قائلهم من سلم ان الله ليس في جهة وادعى مع ذلك انه يرى فقد اضحك الناس على عقله او نحو هذا الكلام ولهذا صار كثير مناظراتهم مع الفلاسفة والمعتزلة فيها من الضعف ما اطمع اولئك فيهم وصاروا يفزعون منهم ويجبنون عنهم ويستطيلون على اخوانهم المؤمنين وبسبب ما وقع من ذلك في اهل الايمان والسيف واهل العلم والقلم اديلت عليهم الاعداء كما قال تعالى ^ ان الذين تولوا منكم يوم التقى الجمعان انما استزلهم الشيطان ببعض ما كسبوا ^ حتى ان بعض الاعيان الذي كان في باطنه ميل الى الفلسفة والاعتزال ولا يتظاهر بذلك درس مسألة الرؤية من جانب المثبتين وذكر حجتهم فيها ولا ريب ان ذلك يظهر من استطالة المعتزلة عليهم ما يشفي به قلبه # ولهذا صار كثير من اهل العلم والحديث يصف اقوال هؤلاء بان فيها نفاقا وتناقضا حيث يوافقون اهل السنة والجماعة على شيء من الحق ويخالفونهم فيما هو اولى بالحق منهم ويفسرون ما يوافقون فيه بما يحيله عن حقيقته وهذا كله لما وقع من الاشتباه عندهم في هذه المسائل ولما تعارض عندهم من الدلائل # والله هو المسئول ان يغفر لجميع المؤمنين ويصلح لهم امر الدينا والدين انه على كل شيء قدير # وهذا القدر الذي يوجد في هؤلاء قد يوجد من جنسه في منازعيهم من اهل الاثبات بحيث يعظم اهتمامهم لما ينازعون فيه اخوانهم الذين يوافقونهم في اكثر الاثبات من دق مسائل القرآن والصفات وغير ذلك بحيث يوالون على ذلك ويعادون عليه مع اعراضهم عمن هم ابعد من هؤلاء عن الحق والسنة حتى يفضي بكثير منهم الجهل والظلم الى ان يحب اولئك ويثني عليهم لما يرى فيهم من نوع خير او انه لا يبغضهم ولا يذمهم مع انه يبغض هؤلاء ويذمهم وهذا من جهله بحقيقة احوال الناس ومراتب الحق عند الله ومن ظلمه حيث يكون غضبه لنفسه لما يناله من اذى هؤلاء احيانا اعظم من غضبة لربه فيما فعله اولئك والدين انما يقوم بالعلم والعدل المضاد للجهل والظلم وبذلك انزل الله كتبه وارسل رسله والله تعالى يؤلف بين قلوب عباده المؤمنين على ما يحبه ويرضاه # الوجه الخامس عشر قوله واعلم ان الحنابلة القائلين بالتركيب والتأليف اسعد حالا من هؤلاء الكرامية وذلك لانهم اعترفوا بكونه مركبا من الاجزاء والابعاض واما هؤلاء الكرامية فانهم زعموا انه يشار اليه بحسب الحس وزعموا انه غير متناه ثم زعموا انه مع ذلك واحد لا يقبل القسمة فلا جرم صار قولهم على خلاف بديهة العقل # يقال قولك عن الحنبلية انهم يقولون بالتأليف والتركيب ويعبرون بكونه مركبا من الاجزاء والابعاض اتعنى به انهم يطلقون هذا اللفظ ام تعنى به انهم يثبتون الصفات المستلزمة لهذا المعنى فان عنيت الاول فلم نعلم احدا من الحنابلة يطلق هذا اللفظ كله وان كنت انت اطلعت على احد منهم يقول هذا اللفظ فهذا ممكن لكن يكون هؤلاء طائفة قليلة منهم والذي بلغنا من ذلك ان لفظ البعض جاء في كلام طائقة من السلف من الصحابة والتابعين وهو مذكور في كتب السنة جاء عن عبيد بن عمير من رواية ابن ابي نجيح عن مجاهد عنه ورواه عنه حماد بن سلمة وصرح به ورواه سفيان الثوري واظنه احتصر بعضه ورواه سفيان بن عيينة فكنى عنه وكذلك في خبر مسألة رؤية محمد ربه شيء يشبة ذلك من كلام عكرمة عن ابن عباس # ثم ذلك ليس مختصا بالحنابلة ولا هو فيهم اكثر منه في غيرهم بل يوجد في الشافعية والمالكية والحنفية والصوفية واهل الحديث واهل الكلام من الامامية وغيرهم من يطلق من هذه الالفاظ امورا لا يصل اليها احد من الحنابلة فما من نوع غلو يوجد في بعض الحنابلة الا ويوجد في غيرهم من الطوائف ما هو اكثر منه وهذا موجود في كتب المقالات وكتب السنة وكتب الكلام وفي طوائف بني آدم المعروفين وقد تكلمنا على هذا في غير هذا الموضع # وبينا سبب ذلك ان الامام احمد رضي الله عنه له من الكلام في اصول الدين وتقرير ما جائت به السنة والشريعة في ذلك ما عليه جماعة المؤمنين واظهار دلالة الكتاب والسنة والاجماع على ذلك والرد على اهل الاهواء والبدع المخالفين للكتاب والسنة في ذلك اعظم مما لغيره لانه ابتلي بذلك اكثر مما ابتلي به غيره ولانه اتصل اليه من سنن رسول الله صلى الله عليه وسلم واصحابه وتابعيهم والائمة بعدهم اعظم مما اتصل الى غيره فصار له من الصبر واليقين الذين جعلهما الله سببا للامامة في الدين بقوله ^ وجعلناهم ائمة يهدون بأمرنا لما صبروا وكانوا بأياتنا يوقنون ^ ما جعله الله له من الامامة في اصول الدين السنية الشرعية ما انعم به عليه وفضله به # فاتباعه لا يمكنهم مع اظهار موافقتهم له من الانحراف ما يمكن غيرهم ممن لم يجد لمتبوعه من النصوص في هذا الباب ما يصده عن مخالفته # ولهذا يوجد في غيرهم من الانحراف في طرفي النفي والاثبات في مسائل الصفات والقدر والوعيد والامامة وغير ذلك اكثر مما يوجد فيهم وهذا معلوم بالاستقراء # ولهذا ما زال كثير من ائمة الطوائف الفقهاء واهل الحديث والصوفية وان كانوا في فروع الشريعة متبعين بعض ائمة المسلمين رضي الله عنهم اجمعين |
|
03 Apr 2010, 03:22 AM
|
#64 |
|
وسام الشرف
![]() ![]() ![]() ![]() ![]() ![]() ![]()
|
فانهم يقولون نحن في الاصول او في السنة على مذهب احمد بن حنبل لا يقولون ذلك لاختصاص احمد بقول لم يقله الائمة ولا طعنا في غيره من الائمة بمخالفة السنة بل لانه اظهر من السنة التي اتفقت عليها الائمة قبله اكثر مما اظهروه فظهر تأثير ذلك لوقوعه وقت الحاجة اليه وظهور المخالفين للسنة وقلة انصار الحق واعوانه # حتى كانوا يشبهون قيامه بأمر الدين ومنعه من تحريف المبتدعين المشابهين للمرتدين بأبي بكر يوم الردة وعمر يوم السقيفة وعثمان يوم الدار وعلي يوم حروراء ونحو ذلك مما فيه تشبيه له بالخلفاء الراشدين فيما خلفت فيه الرسل وقام فيه مقامهم وكذلك سائر أئمة الدين كل منهم يخلف الأنبياء بقدر ما قام به من ميراثهم وما خلفهم فيه من دعوتهم والله يرضى عن جميع السابقين الاولين والتابعين لهم باحسان الى يوم الدين # وان كان يعنى بالتركيب والتأليف واعترافهم بالاجزاء والابعاض هو اثباتهم للصفات التي ورد بها الكتاب والسنة مثل الوجه واليدين ونحو ذلك فهذا قول جميع سلف الامة وائمتها وجميع المشهورين بلسان الصدق فيها من الفقهاء والصوفية واهل الحديث وهو قول الصفاتية قاطبة من الكلابية والكرامية والاشعرية وقد ذكر محمد بن الهيصم في كتاب جمل الكلام له هذه المسألة واثبت صفة الوجه واليد # فقوله عن الكرامية انهم لا يثبتون ذلك ان اراد به بعضهم فلعله بكون ولا ريب ان فيهم من يثبت هذه الصفات الخبرية كالوجه واليد التي يسميها هو الجوارح والابعاض ويطلقون ايضا لفظ الجسم اما لفظا واما لفظا
ومعنى واما الحنبلية فلا يعرف فيهم من يطلق هذا اللفظ لكن فيهم من ينفيه وفيهم من لا ينفيه ولايثبته وهو الذي كان عليه الامام احمد وسائر ائمة السنة وان كانوا مع ذلك يثبتون ما جاءت به النصوص مما يسميه المنازعون تجسيما وتشبيها بل يقولون اثبات هذه المعاني احق بمعنى التجسيم ممن يثبت لفظه دون معناه # وكذلك قوله عن الكرامية انهم زعموا انه غير متناهي فهذا انما هو قول بعضهم كما تقدم ذكره لذلك وان منهم من يقول هو متناهي ثم ان كلا من القولين ليس من خصائص الكرامية بل النزاع في ذلك مشهور عن غيرهم وقد ذكرنا بعض ما في ذلك من النزاع فيما ذكره الاشعري في المقالات # وكذلك قولهم لا يقبل القسمة هذا اللفظ قد يطلقه طوائف منهم ومن غيرهم وقد لا يطلقه طوائف لما فيه من الاجمال والتناقض # فالذي يقال على الكرامية باثباتهم واحدا فوق العرش لا ينقسم يقال على غيرهم ففي الطوائف الاربعة من الفقهاء كثير ممن يقول نحو ذلك وكذلك ابن كلاب والاشعري وائمة اصحابه يقولون نحو ذلك فان كل من قال انه فوق العرش وقال انه ليس بجسم او اثبت له هذه الصفات التي وردت بها النصوص كالوجه واليدين وقال مع ذلك انه جسم يرد عليه ذلك فانه يلزمه انه يشار اليه بحسب الحس وائه واحد لا ينقسم هذه القسمة التي زعمها # ولهذا نجد في هذه الطوائف منازعة بعضهم لبعض في ذلك كما يوجد في اصحاب ابي حنيفة ومالك والشافعي واحمد وكذلك يوجد في اصحاب الاشعري من يتنازعون في ذلك فنفاة الجهة منهم يقولون ان ادلتهم وائمتهم الذين يقولون ان الله تعالى فوق العرش وانه ليس بجسم متناقضون وكذلك نفاة الصفات الخبرية منهم يقولون ان مثبتيها مع نفي الجسم متناقضون ومثبتة العلو والصفات الخبرية يقولون ان نفاة ذلك منهم متناقضون حيث اثبتوا ما هو عرض في المخلوقات كالعلم والقدرة والحياة قالوا وليس هو بعرض في حق الخالق ولم يثبتوا ما هو جسم في حق المخلوق كاليد والوجه ويقولوا ليس لجسم في حق الخالق وكذلك اصحاب الامام احمد فطائفة منهم كابن عقيل وصدقة بن الحسين وابي الفرج بن الجوزي قد يقولون ان ابن حامد والقاضي ابا يعلي وابا الحسن ابن الزاغوني ونحوهم متناقضون حيث ينفون الجسم ويثبتون هذه الصفات وجمهورهم يقول بل هؤلاء هم المتناقضون الذين يثبتون الشيء تارة وينفونه اخرى كما هو معروف من حالهم واجتماع النفي والاثبات في الشيء الواحد اعظم من اجتماعهما في لوازمه وملزوماته فان كان كل منهما في وقتين فالاول اعظم وكذلك ان كانا في وقت واحد واما ان كان الاول في وقتين والثاني في وقت واحد فهذا ابلغ من وجه وهذا ابلغ من وجه ويقولون ان اولئك متناقضون حيث يسلمون بثبوت الصفات التي هي فينا اعراض ويمنعون ثبوت الصفات التي هي فينا اجسام # الوجه السادس عشر قوله فلا جرم صار قول الكرامية على خلاف العقل يقال هذا العقل الذي هذا على خلاف بديهته اما ان يكون حكمه وشهادته في الربوبية مقبولا او مردودا فان لم يكن مقبولا لم يضر هؤلاء ولا غيرهم مخالفته فانه يكون بمنزلة الشاهد الفاسق الذي قال الله فيه ^ ان جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا ^ # وان كان حكمه وشهادته مقبولا كان هذا المنازع وموافقوه اعظم مخالفة له من هؤلاء كما قد تقدم بيان ذلك واذا كان مخالفة قولهم لبديهة العقل اعظم من قول هؤلاء لم يجب على هؤلاء ان يرجعوا عن القول الذي هو اقل مخالفة لبديهة العقل الى القول الذي هو اكثر مخالفة لبديهة العقل بل يكون الواجب على هذا التقدير علىالطائفتين الاعتراف بما في بديهة العقل فيعترفون جميعا بانه فوق العالم ويمتنع ان يكون لا داخله ولا خارجه وحينئذ يكون مشارا اليه بحسب الحس وحينئذ يكون فيه ما سماه تأليفا وانقساما وان لم يكن هو المعروف من التأليف والانقسام فان المعروف من ذلك يجب تنزيه الله عنه كما نزه عنه نفسه في سورة الاخلاص كما تقدم التنبيه عليه بقوله ^ الله الصمد ^ فان الصمد فيه من معنى الاجتماع والقوة والسؤدد ما ينافي الانقسام والافتراق # الوجه السابع عشر انه ورد من جهة المنازع تشبيه بالمعدوم وذلك ان النفاة كثيرا ما يصفون اهل الاثبات بالتشبيه والتجسيم الذي هو التأليف ومن المعلوم انهم احق بالتشبيه الباطل حيث يشبهونه بالمعدومات والناقصات وهم يجمعون بين التمثيل والتعطيل بين ما هو قول المشركين الذين هم بربهم يعدلون وقول الكافرين الذين هم لربهم جاحدون # وذلك انهم يقولون ان كل ما هو عالم بعلم وقادر بقدرة وحي بحياة ونحو ذلك فهو من جنس واحد وهو متماثل لانه متحيز والمتحيزات كلها متماثلة ويقولون كلما هو فوق شيء فانه من جنس واحد متماثل لانه متحيز والمتحيزات متماثلة ويقولون كلما له سمع وبصر فهو من جنس واحد وهو متماثل لانه من المتحيزات التي هي متماثلة وهذا قول الجهمية والمعتزلة وغيرهم # وقد سلك الرازي ذلك في قوله ان الاجسام متماثلة لكن قصده به نفي العلو على العرش ونفي الصفات الخبرية # واما المعتزلة ونحوهم من الجهمية الذين ابتدعوا هذا القول اولا مقصودهم به النفي المطلق وكل ذلك بناء على ان جعلوا لله عدلا وسميا وكفوا في كل ما هو موصوف به حتى ان غاليتهم من الملاحدة والجهمية يقولون كلما يقال له حي وعالم وقادر فهو جنس واحد متماثل هؤلاء جعلوا لله عدلا وسميا وكفوا وندا في كل ماله من الاسماء والصفات حتى لزم من ذلك ان يكون كل جسم عدلا لله ومثلا وكفوا حتى البقة والبعوضة وان يكون كل حي عدلا لله وكفوا وسميا وكل ذلك بناء على ان كلما هو مسمى بهذه الاسم موصوف بهذه الصفات فانه جنس واحد متماثل وهذا من اعظم العدل بالله وجعل الانداد لله # ثم انهم نفوا ذلك عن الله فجحدوه بالكلية فصاروا مشركين معطلين لهذا جوز الاتحادية منهم عبادة كل شيء وجعلوا كل شيء عابدا ومعبودا وجوزا كل شرك في العالم فجمعوا جميع ما عليه المشركون من الاقوال والافعال فهذا تمثيلهم وعدلهم بالله واشراكهم به وتشبيههم اياه بخلقه فيما لله من صفات الاثبات # واما عدلهم وتمثيلهم فيما يصفونه به من السلوب فهم يعدلونه بالمعدوم تارة وبالمنقوصات اخرى فانهم تارة يصفونه بالصفات السلبية التي لا تنطبق الا على المعدوم فيكونون عادلين به المعدومات # وقد قدمنا فيما مضى ان الله سبحانه لا يوصف بصفة سلب ان لم تتضمن معنى ثبوتيا واما الصفة السلبية التي لا تتضمن ثبوتا فلا يوصف بها الا المعدوم وبيناايضا ان كل صفة تصلح للمعدوم المحض فانها لا تصلح لله تعالى لان تلك الصفة لا مدح فيها بحال اذ المعدوم المحض لا يمدح بحال وما ليس فيه مدح فان الله لا يوصف به سبحانه وتعالى بل له الاسماء الحسنى والمثل الاعلى ولما ذكرناه ايضا فيما تقدم # واما تمثيلهم له وعدلهم اياه بالمنقوصات القبيحات من المخلوقات فقولهم انه لا يتكلم وان وصفوه بالكلام ظاهرا موافقة للمؤمنين فمعناه عندهم انه خلف كلاما في غيره وكذلك قولهم انه ليس له سمع ولا بصر ولا قوة ولا حياة ونحو ذلك # واذا كان كذلك ظهر ما ذكره من جهة المنازع فان المنازع قلب عليهم القضية وقال اذا الزمتمونا انا نجعله كالجوهر الفرد فأنتم جعلتموه كالمعدوم وذلك انه لما قال انه لا يمكن ان يكون غير منقسم ويكون في غاية الصغر لان ذلك حقير وذلك على الله محال فقال المنازع انتم قلتم لا يمكن الاحساس به ولا الاشارة اليه بحال والذي لا يمكن الاحساس به ولا الاشارة اليه يكون كالمعدوم فيكون اشد حقارة واذا جاز وصفكم بهذا فلم لا يجوز الاول وهو كلام قوي جدا # والمنازع واصحابه يعلمون صحة هذا الكلام لانهم يقرون في مسألة الرؤية ان كل موجود يجوز ان يحس بالحواس الخمس وملتزمون على ذلك ان الله يجوز ان يحس به بالحواس الخمس السمع والبصر والشم والذوق واللمس وان ما لا يحس به بالحواس الخمس لا يكون الا معدوما فعامة السلف والصفاتية على ان الله يمكن ان يشهد ويرى ويحس به واول من نفى امكان احساسه الجهم ابن صفوان لما ناظره السمنية المشركون # الوجه الثامن عشر انه قال في الجواب اما قولهم الذي لا يحس ولا يشار اليه اشد حقارة من الجزء الذي لا يتجزى قلنا كونه موصوفا بالحقارة انما يلزم لو كان ذا حيز ومقدار حتى يقال انه اصغر من غيره اما اذا كان منزها عن الحيز والمقدار فلم يلزم وصفه بالحقارة # يقال له هذه مصادرة على المطلوب فانك انت اثبتت تنزيهه عن الحيز بهذه الحجة التي جعلت من مقدماتها انه ليس بحقير بقدر الجوهر الفرد فقيل لك مالا يمكن الاشارة اليه واحساسه احقر من الجوهر الفرد وقد وصفته بذلك فلا يكون وصفه بقدر الجوهر الفرد محالا على اصلك فقلت اما كونه موصوفا بالحقارة انما يلزم اذا كان له حيز مقدار واما اذا كان منزها عن الحيز والمقدار فلم يحصل بينه وبين غيره مناسبة فيقال لك الكلام انما هو في تنزيهه عن الحيز والمقدار فانت تنفي ذلك ومنازعك يثبته وهو محل النزاع فاذا كان جوابك مبنيا على محل النزاع كنت قد صادرت منازعك على المطلوب حتى حعلت المطلوب مقدمة في اثبات نفسه والمقدمة لا بد ان تكون معلومة او مسلمة فتكون قد طلبت من تسليم الحكم قبل الدلالة عليه وادعيت علمه قبل حصول علمه وقد صادرته عليه وطلبت منه ان يسلمه لك بلا حجة # وايضاح هذا ان العلم بكونه اذا وصقته بأنه لا يحس ولا يشار اليه ليس بأحقر من الجوهر الفرد اما ان يقف على العلم بكونه ليس بذي حيز ومقدار او لا يتوقف # فان توقف عليه لم يصح هذا الجواب حتى يثبت انه ليس بذي حيز ومقدار حتى يتم الجواب عما اورد على الحجة فاذا كان جواب الحجة لا يتم حتى يثبت انه ليس بذي حيز ولا مقدار ولا يثبت ذلك حتى يتم جواب الحجة لم يكن واحدا منهما حتى يكون الاخر قبله وذلك دور ممتنع # وان كان العلم بكونه ليس احقر من الجوهر الفرد اذا وصف بأنه لا يحس ولا يشار اليه لا يقف على العلم بانه ليس بذي حيز ومقدار لم يصح هذا الجواب وهو قولك كونه موصوفا بالحقارة انما يلزم لو كان له حيز ومقدار حتى يقال انه اصغر من غيره بل كان الجواب ان يقال لا يلزم ان يكون احقر من الجوهر الفرد سواء قيل انه ذو حيز ومقدار او لم يقل ذلك لكنه لو قال ذلك لظهر ان كلامه باطل فانه يعلم بالحس والضرورة ان كل ما كان ذا حيز ومقدار قيل انه لا يحس ولا يشار اليه فانه اصغر من الجوهر الفرد # ومما يوضح الامر في ذلك ان هذا السؤال الذي ذكره من جهة المنازع هو من باب المعارضة فانه لما ذكر حجته على انه ليس بذي جهة بأن ذلك يستلزم التركيب والحقارة قال له المعارض ما ذكرته من انه لا يمكن احساسه والاشارة اليه يستلزم ان يكون معدوما وذلك ابلغ في الحقارة من الجوهر الفرد فقال له قولك يستلزم من الحقارة اعظم مما الزمت به اهل الاثبات فاجاب عن المعارضة بمنع الحكم وان صحته ملازمة لصحة قول المنازع وهذا من افسد الاجوبة فان المعارض يقول لك بل هو عندي ذو حيز ومقدار فلم قلت انه ليس كذلك وهل النزاع الا فيه وقولك اما اذا لم يكن ذا حيز ومقدار لم يلزم وصفه بالحقارة يقال لك من الذي سلم لك ذلك وهل النزاع الا فيه وهذه الحجة التي ذكرتها انما اقمتها على نفي ذلك وهي لا تتم الا بالجواب على المعارضة فيكف تجيب عن المعارضة المستلزمة لنقيض مذهبك بنفسك مذهبك وهل هذا الا بمنزلة ان يقدح المعترض في دليلك بأنه يستلزم نقيض مذهبه # فان قيل هو لم يجب عن المعارضة بنفس مذهبه لكن قال صحة المعارضة مبنية على نقيض مذهبه وهو لا يقول بذلك فهو يقول للمعترض ما لم تثبت نقيض قولي لا تصح معارضتك وهو في هذا الباب في مقام المنع والمعترض يستدل وللمستدل الاول ان يمنعه بعض المقدمات ويجعل سند منعه ان لا يقول بذلك فهو ذكر ذلك لابداء سند المنع لا حجة للمنع فان المانع المطالب بالدليل ليس عليه حجة # فيقال المعترض لم يبن دليله على هذا بل ذكر ان ما لا يحس ولا يشار اليه معدوم احقر من الجزء الذي لا يتجزى فادعيت ان هذا انما يلزم اذا كان منزها عن الحيز والمقدار فلم يلزم وصفه بالحقارة فهذا الملزوم انما تقول انه لازم لدليله ان دليله مستلزم لهذا فمتى صح دليله صح هذا فهذا القدر ينفعه ولا يضره لانه يكون دليله حينئذ قد دل على شيئين على انك جعلته اصغر من الجوهر الفرد وجعلته معدوما وانه ذو حيز ومقدار فيدل على صحة مذهبه وعلى ان مذهبك يستلزم ان الله معدوم هذا باقراره ان دليله يستلزم صحة ذلك # وان قلت ان دليله يتوقف على صحة هذا بمعنى انه لم يثبت ان الله ذو حيز ومقدار لم يثبت انه اذا كان لا يحس ولا يشار اليه انه اصغر من الجوهر الفرد فهذا لم تثبته بل ادعيته دعوى ساذجة فلا تكون قد اجبت عن المعارضة وهو المطلوب وذلك انه لا يسلم انا اذا علمنا ان الشيء لا يحس ولا يشار اليه لم يعلم انه معدوم حتى يعلم قبل ذلك انه ذو حيز ومقدار بل قد يكون العلم بانه ذو حيز ومقدار بعد ذلك او قبله او معه اذا كانا متلازمين # وهذا لازم على اصلك واصل اصحابك لزوما قويا فانكم انتم وسائر الصفاتية تسلمون ان كل موجود فانه يمكن ان يحس وان الذي لا يمكن احساسه هو المعدوم وكثير من اهل السنة والحديث يقولون بانه يلمس ايضا وانتم تريدون انه يدرك بالحواس الخمس وانتم تثبتون هذا مثل اثبات انه ذو حيز ومقدار ولم يكن العلم بذلك موقوفا على العلم بأنه ذو حيز ومقدار # واذا كنت قلت ان كونه موصوفا انه احقر من الجوهر الفرد فاذا كان لا يحس ولا يشار اليه مستلزم ان يكون ذو حيز ومقدار وانت قلت هنا انه لا يحس ولا يشار اليه فقد لزمك اما ان يكون معدوما او يكون ذا حيز ومقدار واذا قلت انه يحس بطل ما ذكرته هنا من انه لا يحس ولا يشار اليه # وهذا الذي يورده المنازع حق في النظر الصحيح في المناظرة العادلة فانه يظهر به من تناقض منازعه وضعف حجته ما يدفعه به عنه ويظهر به من صحة حجته ما ينفع الناظر والمناظر # وهذا يتقرر بالوجه الثامن عشر وهو ان هؤلاء المنازعين له الذين ينتصر لهم المؤسس يقولون انه تجوز رؤيته بل يجوزون كونه مدركا بادراك اللمس بل يجوزون كونه مدركا بغير ذلك من الحواس مع قولهم انه ليس فوق العرش ولا يمكن ان يكون مشارا اليه بالحس ولا يمكن ان يحس به لا ريب انهم متناقضون في ذلك غاية التناقض فإنه من المعلوم ان ادراك اللمس به ابعد من كونه مشارا اليه بالحس او كونه في جهة فان لمس الانسان قائما بذاته التي هي في جهة معينة فادراكه الشيء بلمسه يقتضي من الاتصال به والملاصقة وكونه جهة من الملامس وغير ذلك مالا يقتضيه مجرد كونه ترفع اليه الايدي او الاعين فان من المعلوم انا نشير الى كل شيء من الموجودات التي نراها ومع هذا فلا يمكننا ان نلمس منها الا بعضها فاذا جاز كونه باللمس فلأن يجوز كونه مشارا اليه باليد والعين اولى واحرى # وكذلك كلما يلمسه فلا يكون الا في جهة وكثيرا ما يكون الشيء في جهة ولا يمكننا لمسه فكيف يجوز اثبات لمسه مع منع كونه في جهة اللامس هذا تناقض محض بل هذا نفي الشيء مع اثبات ما هو ابلغ منه وتحريم الشيء مع استحلال ما اعظم منه كما قال ابن عمر يستفتوني في دم البعوضة وقد قتلوا ابن بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم بل كما قال تعالى ^ قتال فيه كبير وصد عن سبيل الله وكفر به والمسجد الحرام واخراج اهله منه اكبر عند الله ^ وهو بمنزلة من يقول ان الله لا يرى ولكن يصافح ويعانق # وكذلك قولهم انه يرى وقولهم انه يتعلق به ادراك اللمس مع قولهم لا يمكن ان يحس تناقض ظاهر واذا كان ذلك تناقضا منهم ومن المعلوم ان مسألة الرؤية ثابتة بالنصوص المتواترة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وباجماع سلف الامة وائمتها فتكون صحتها مستلزمة لكونه يحس وذلك مستلزم لبطلان ما قالوه في هذه المسألة # فان قيل دليلهم العقلي في الرؤية ضعيف قيل لا نسلم انه ضعيف ثم ان كان ضعيفا فليس هو بأضعف مما ذكروه في هذه المسألة فان كان اضعف ظهر تناقضهم في النفي والاثبات في هاتين المسألتين # الوجه التاسع عشر انهم قد قرروا في هاتين المسألتين هنا وهناك ان ما يمكن ان يشار اليه ويحس به يكون معدوما وقرر هناك ان كل موجود فانه يصح ان يرى وان يلمس فيحس به ويلمس الذي هو ابلغ من الاشارات الحسية وان الله يصح ان يرى وان يتعلق به ادراك اللمس وان كل واحد من الرؤية واللمس مشترك بين الجواهر والاعراض فيتعلق بالله تعالى وهذا يوجب ان يكون الله يمكن ان يشار اليه ويمكن ان يحس به خلاف ما ذكره هنا كما تقدم وقرر هنا ان ما كان كذلك فانه يكون ذا حيز ومقدار وانه يلزمه ان يكون منقسما مركبا الانقسام والتركيب العقلي الذي الزم به مخالفة هنا وهذا يقتضي ان من لوازم اصولهم التي هم معترفون بالاصل وبلازم الأصل لم يلزمهم اياه غيرهم بالدليل بل هم اعترفوا به ان يكون الله له حيز ومقدار وانه مركب مؤلف له اجزاء وابعاض وهذا هو الذي انكره في هذا الموضع وليس هذا من جنس ما يلزم الرجل غيره شيئا بالحجة لكن هذا اقر بان الله سبحانه وتعالى موصوف بوصف واقر في موضع آخر انه اذا كان موصوفا بذلك الوصف لزم ان يكون كذا وكذا فمجموع الاقرارين اقر فيهما بما ذكرناه # الوجه العشرون انه اعترف هنا انه يكون اشد حقاره من الجوهر الفرد وان يكون معدوما اذا كان ذا حيز ومقدار وقلنا انه لا يمكن ان يشار اليه ولا يمكن ان يحس وقد ذكر هنا انه لا يمكن ان يشار ولا يمكن ان يحس به فلزم ان يكون معدوما احقر من الجوهر الفرد ولا ريب ان هذا حقيقة قولهم وقد اعترف هو بمقدمات ذلك لكن مفرقة لم يجمعها في موضع واحد اذ لو جمعها لم يخف عليه وهذا شأن المبطل # الوجه الحادي والعشرون ان منازعه يقول قد ثبت بالفطرة الضرورية وبالضرورة الشرعية واتفاق كل عاقل سليم الفطرة من البرية ان رب العالمين فوق خلقه وان من قال انه ليس فوق السموات رب يعبد ولا هناك اله يصلي له ويسجد وانما هناك العدم المحض فانه جاحد لرب العالمين مالك يوم الدين فان اعتقد انه مقر به وهذا يقتضي كما قلت انه ذو حيز ومقدار وكلما كان ذا حيز ومقدار وهو لا يمكن الاشارة الحسية اليه ولا يمكن الاحساس به فانه معدوم كما اعترف به وكما هو معروف في الفطر وهو احقر من الجوهر الفرد بلا ريب فثبت ان قولك يستلزم ان الباري معدوم وانه احقر من الجوهر الفرد وهذا مما اتفق علماء السلف وائمة الدين ان قول الجهمية انه ليس فوق العرش ولا داخل العالم ولا خارجه يتضمن انه معدوم لا حقيقة له ولا وجود قد صرحوا بذلك في غير موضع وكذلك هو في جميع الفطر السليمة # وان اردت ان تلزمه عدمه من غير بناء على المقدار فيقال # الوجه الثاني والعشرون انه اذا عرض علىالفطر السليمة التي لم تتقلد مذهبا تتعصب له شيء لا يكون داخل العالم ولا خارجه ولا يمكن ان يشار اليه ولا يمكن ان يحس به ولا هو في شيء من الجهات الست فان الفطرة تقضي بأن هذا لا يكون موجودا لان يكون معدوما وهذا قبل ان يخطر بفكر الانسان الحيز والمقدار نفيا واثباتا ثم بعد ذلك اذا علم ان الموجود او ان هذا لايكون الا ذا حيز ومقدار كان ذلك لانها آخر يقرر مذهب المنازع لهذا المؤسس # الوجه الثالث والعشرون ان المنازعين له في مسألة الرؤية قالوا لهم ما ذكرتموه من الحجة يقتضي كون الباري مدركا بادراك اللمس وذلك لانا من حيث اللمس نميز بين الطويل والاطول كما اننا نميز من حيث البصر الطويل والاطول فان اقتضى ذلك كون الاجسام مرئية اقتضى ان تكون ملموسة |
|
03 Apr 2010, 03:23 AM
|
#65 |
|
وسام الشرف
![]() ![]() ![]() ![]() ![]() ![]() ![]()
|
ولا شك انا ندرك من حيث اللمس الفرق بين الحرارة والبرودة فان ادراك اللمس معلق بالاجسام والاعراض فيعود ما ذكرتموه في الرؤية بتمامه في اللمس فيلزمكم تعلق اللمس للباري تعالى وانه باطل بالضرورة # وقال في الجواب ان اصحابنا التزموا ذلك ولا طريق الا ذلك # وقال ايضا قولهم لو كان الوجود علة لصحة رؤية الحقائق لصح منا رؤية الطعوم والعلوم وذلك معلوم الفساد بالضرورة قلنا دعوى الضرورة في محل الخلاف غير مقبولة # وذكر ايضا ان المخالفين له في مسألة الرؤية يدعون العلم الضروري بوجوب الرؤية عند الشروط النهائية وامتناعها عند عدمها وهو ما اذا كانت الحاسة سليمة والمرئي حاضرا ولا يكون على القرب القريب ولا على البعد البعيد ولا يكون متغيرا جدا ولا لطيفا ولا يكون بين المرئي والرائي حجب كثيفة وكان المرئي مقابلا للرائي او في حكم المقابلة فتارة يدعون ان ذلك العلم الضروري حاصل للعقلاء بعد الاختبار ولا حاجة فيه الى ضرب الامثال وتارة يثبتون بالاستدلال ان ذلك معلوم بالضرورة # وقال في الجواب اما دعوى العلم الضروري بحصول الادراك عند حضور هذه الامور فلا نزاع فيه واما العلم الضروري بعدمه عند عدمها ففيه كل النزاع # قال فإن زعمت انا مكابرون في هذا الانكار حلفنا بالايمان المغلظة انا لما رجعنا الى انفسنا لم نجد العلم بذلك اكثر من العلم باستمرار الامور العادية التي توافقنا على جواز تغيرها عن مجاريها فان الانسان كما يستبعد ان يأخذ الحديدة المحماة بيده ولا يجد حرارتها فكذلك يستبعد ان يذهب الى جيحون فيجد ماءه بالكلية دما او عسلا ويرى شخصا شابا قويا مع ان ذلك الشخص حدث
في تلك اللحظة من غير اب وام على ذلك الوجه ويرى طفلا رضيعا مع ان ذلك الطفل كان مولودا قبل ذلك بمأة الف سنة على ذلك الحال وليس استبعاد ما ذكروه بأقوى من هذه الامور استبعادا مع ان شيئا من ذلك ليس بممتنع وكذا فيما ذكروه # قال واعلم ان تجويز اخراق العادات لازم على الفلاسفة او المسلمين والمتكلمين وبين ذلك الى ان قال فليس لابي الحسن الا دعوى الضرورة في اول المسألة وليس لنا في مقابلتها الا المنع # فاذا كان هذه ثلاث قضايا ادعى منازعوه فيها العلم الضروري وهو يثبتها لاثبات رؤية موجود لا داخل العالم ولا خارجه كيف ينكر على منازعه فيما ادعاه من العلم البديهي بأن الموجود اذا كان خارج العالم لم يكن الا منقسما او حقيرا مع ان هذا اظهر بوجوه فصل # قال الرازي البرهان الثاني في بيان انه يمتنع ان يكون مختصا بالحيز والجهة وذلك انه لو كان مختصا بالحيز والجهة لكان محتاجا في وجوده الى ذلك الحيز وتلك الجهة وذلك محال فكونه في الحيز والجهة محال بيان الملازمة ان الحيز والجهة امر موجود والدليل عليه وجوه # احدها ان الاحياز الفوقانية مخالفة في الحقيقة والماهية للاحياز التحتانية بدليل انهم قالوا يجب ان يكون الله مختصا بجهة فوق ويمتنع حصوله في سائر الجهات والاحياز يعني التحت واليمين واليسار ولولا كونها مختلفة في الحقائق والماهيات لا متنع القول بأنه يجب حصوله تعالى في جهة الفوق ويمتنع حصوله في سائر الجهات واذا ثبت ان هذه الاحياز مختلفة في الماهيات وجب كونها امورا موجودة لان العدم المحض يمتنع كونه كذلك # الثاني هو ان الجهات مختلفة بحسب الاشارات فان جهة الفوق متميزة عن جهة التحت في الاشارة والعدم المحض والنفي الصرف يمتنع تميز بعضه عن بعض في الاشارة الحسية # الثالث ان الجوهر اذا انتقل من حيز الى حيز فالمتروك مغاير لا محالة للمطلوب والمتنقل عنه مغيرا للمنتقل اليه فثبت بهذه الوجوه الثلاثة ان الحيز والجهة امر موجود ثم ان المسمى بالحيز والجهة امر مستغن في وجوده عما يتمكن ويستقر فيه واما الذي كون مختصا بالحيز والجهة فانه يكون مفتقرا الى الحيز والجهة فان الشيء المرئي الذي يمكن حصوله لا مختصا بالجهة فثبت انه تعالى لو كان مختصا بالجهة والحيز لكان مفتقرا في وجوده الى الغير وانما قلنا ان ذلك محال لوجوه # الاول ان المفتقر في وجوده الى الغير يكون في وجوده يحيث يلزم من عدم ذلك الغير عدمه وكل ما كان كذلك كان ممكنا لذاته وكل ذلك في حق واجب الوجود محال # الثاني ان المسمى بالحيز والجهة امر متركب من الاجزاء والابعاض لما بينا انه يمكن تقديره بالذراع والشبر ويمكن وصفه بالزائد والناقص وكلما كان كذلك كان مفتقرا الى غيره والمفتقر الى غيره ممكن لذاته فالشيء المسمى بالحيز والجهة ممكن لذاته فلو كان الله مفتقرا اليه لكان مفتقرا الى الممكن والمفتقر الى الممكن اولى ان يكون ممكنا لذاته فالواجب لذاته ممكن لذاته وهو محال # الثالث لو كان الباري ازلا وابدا مختصا بالحيز والجهة لكان الحيز والجهة موجودا في الازل فيلزم اثبات قديم غير الله وذلك محال باجماع المسلمين فثبت بهذه الوجوه انه لو كان في الحيز والجهة يلزم هذه المحذورات فيلزم امتناع كونه في الحيز والجهة # فان قيل لا معنى لكونه مختصا بالحيز والجهة الا كونه مباينا عن العالم منفردا عنه ممتازا عنه وكونه تعالى كذلك لا يقتضي وجود امر آخر سوى ذات الله تعالى فبطل قولكم لو كان تعالى في الجهة لكان مفتقرا الى الغير والذي يدل على صحة ما ذكرناه ان العالم لا نزاع في انه مختص بالحيز والجهة وكونه مختصا بالحيز والجهة لا معنى له إلا كون البعض منفردا عن البعض ممتازا عنه وإذا عقلنا هذا المعنى هاهنا فلم لا يجوز مثله في كون الله تعالى مختصا بالحيز والجهة # الجواب اما قوله الحيز والجهة ليس امرا موجودا فجوابه انا قد بينا بالبراهين القاطعة انها اشياء موجودة وبعد قيام البراهين على صحته لا يبقى في صحته شك # واما قوله المراد من كونه مختصا بالحيز كونه منفردا عن العالم او ممتازا عنه او مباينا عنه قلنا هذه الالفاظ كلها مجملة فان الانفراد والامتياز والمباينة قد تذكر ويراد بها المخالفة في الحقيقة والماهية وذلك مما لا نزاع فيه ولكنه لا يقتضي الجهة والدليل على ذلك هو ان حقيقة ذات الله تعالى مخالفة لحقيقة الحيز والجهة وهذه المخالفة والمباينة ليست بالجهة فان امتياز ذات الله تعالى عن الجهة لا تكون بجهة اخرى والا لزم التسلسل وقد تذكر هذه الالفاظ ويراد بها الامتياز في الجهة وهو كون الشيء بحث يصح ان يشار اليه بأنه ها هنا او هناك وهذا هو مراد الخصم من قولهم انه تعالى مباين عن العالم او منفرد عنه وممتاز عنه الا انا بينا بالبراهين القاطعة ان هذا يقتضي كون ذلك الحيز امرا موجودا ويقتضي ان المتحيز محتاج الى الحيز # قوله الاجسام حاصلة في الاحياز فنقول غاية ما في الباب ان يقال الاجسام تحتاج الى شيء آخر وهذا غير ممتنع اما كونه تعالى محتاجا في وجوده الى شيء آخر فممتنع فظهر الفرق # يقال هذه الحجة وغيرها من الحجج كلها مبنية على ان القول بكونه فوق العرش يستلزم ان يكون متحيزا كما قدمه في الحجة الاولى فقد تقدم ان هذا فيه نزاع مشهور بين الناس من مثبتة الصفات ونفاتها فان كثيرا من الصفاتية من الكلابية والاشعرية وغيرهم من الفقهاء والصوفية واهل الحديث يقولون ليس بجسم وهو فوق العرش وقد يقولون ليس بمتحيز وهو فوق العرش اذا كان المراد بالمتحيز الجسم او الجوهر الفرد وكثيرا منهم من الكرامية والشيعة والفقهاء والصوفية واهل الحديث يقولون هو فوق العرش وهو جسم وهو متحيز ولكن منهم من يقول ليس بمركب ولا منقسم ولا ذي اجزاء وابعاض ومنهم من يقول لا ينفي ذلك # واما سلف الامة وائمتها ومن اتبعهم فالفاظهم فيها انه فوق العرش وفيها اثبات الصفات الخبرية التي يعبر هؤلاء المتكلمون عنها بأنها ابعاض وانها تقتضي التركيب والانقسام وقد ثبت عن ائمة السلف انهم قالوا لله حد وان ذلك لا يعلمه غيره وانه مباين لخلقه وفي ذلك لاهل الحديث والسنة مصنفات وهذا هو معنى التحيز عند من تكلم به من الاولين فإن هؤلاء كثيرا ما يكون النزاع بينهم لفظيا لكن اهل السنة والحديث فيهم رعاية لالفاظ النصوص والفاظ السلف وكثير من مبتغي ذلك يؤمن بألفاظ لا يفهم معناها وقد يؤمن بلفظ ويكذب بمعنى آخر غايته ان يكون فيه بعض معنى اللفظ الذي آمن به ولهذا يطعن كثر من اهل الكلام في نحو هؤلاء الذين يتكلمون بألفاظ متناقضة لا يفهمون التناقض فيها لكن وجود هذا وامثاله في اهل الكلام اكثر منه في اهل الحديث باضعاف مضاعفة كما قد بيناه في غير هذا الكتاب # واذا كان كذلك فالجواب عن هذه الحجة وامثالها مبين على مقامين # المقام الاول مقام من يقول انه نفسه تعالى فوق العرش ويقول انه بيس بجسم ولا متحيز كما يقول ذلك ابن كلاب والاشعري وكثير من الصفاتية فقهائهم ومحدثيهم وصوفيتهم وهو كثير فيهم فاش ظاهر منتشر والمنازعون لهم في وكونه فوق العرش كالرازي ومتأخري الاشعرية وكالمعتزلة يدعون ان هذا تناقض مخالف للضرورة العقلية وقد تكلمنا بين الطائفتين فيما تقدم بما ينبه على حقيقة الامر وتبين ان الاولين اعظم مخالفة للضرورة العقلية واعظم تناقضا من هؤلاء وان هؤلاء لا يسع احدهم في نظره ولا مناظرته ان يوافق اولئك على ما سلكوه من النفي فرارا مما الرموه اياه من التناقض لانه يكون كالمستجير من الرمضاء بالنار فيكون الذي وقع فيه من التناقض ومخالفة الفطرة الضرورية العقلية اعظم مما فر منه مع ما في ذلك من مخالفة القرآن والسنة وما اتفق عليه سلف الامة وان كان قد يضطر الى نوع باطل في الأول فإنه بمنزلة قول الواقف في الرمضاء أنا أجد حرارتها وألمها فيقال له النار التي فررت إليها أعظم حرارة وألما وأن كنت لا تجدها حين وقوفك على الرمضاء بل تجدها حين تباشرها فيكون قد فر من نوع تناقض و خلاف بعض الضرورة فوقع في انواع من التناقضات و مخالفة الضرورات و بقي ما امتاز به الاول في كلامه من الزندقه و الالحاد و مشاقة الرسول من بعد ما تبين له الهدى و اتباع غير سبيل المؤمنين زيادة علىذلك و لهذا كان في هؤلاء المثبته ممن له في الامه من الثناء و لسان الصدق ما ليس لمن هو من اولئك وان كان قد يذمه من يذمه من وجه اخر فليس الغرض بيان صوابهم مطلقا و لكن بيان ان طريقهم اقل خطا و طريق الاولين اعظم ضلاله فهذا احد المقامين و قد تقدم بيانه فلا نعيده # واما المقام الثاني فهو مقام من يسلم له انه فوق العرش وهو متحيز و له حد و نهايه و يطلق عليه ايضا لفظ الجهه فان اهل الإثبات متنازعون في اثبات لفظ الجهه وفي ذلك نزاع بين اصحاب الإمام أحمد وغيرهم كما أنهم متنازعون في إسم الحد أيضا وفي نزاع بين أصحاب الإمام أحمد وغيرهم فنقول وعلى هذا التقدير فالكلام على هذا من وجوه # الأول أن كلام هذا وغيره في الحيز هل هو أمر وجودي أو عدمي أو أضافي مضطرب متناقض فإنه وإن كان قد قرر هنا أنه وجودي فقد قرر في غير هذا الموضع أنه عدمي ويكفي نقض كلامه بكلامه فإنا قد إعتمدنا هذا مرات فإن هذا موجود في عامة هؤلاء تحقيقا لقوله تعالى ^ ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا ^ بخلاف الحق الذي يصدق بعضه بعضا فقد ذكر في البرهان الرابع بعد هذا نقيض هذا فقال # الوجه الربع أنا نعلم بالضرورة أن الأحياز بأسرها متساوية لأنها فراغ محض وخلاء صرف وإذا كانت بأسرها متساويا فيكون حكمها واحدا وذلك يمنع من القول واجب الإختصاص ببعض الأحياز على التعيين وقال فإن قيل لم لا يجوز أن يكون أختصاصه بجهة فوق أولى قلنا هذا باطل لوجهين أحدهما أنه قبل خلق العالم ما كان إلا الخلاء الصرف والعدم المحض فلم يكن هناك فوق ولا تحت الثاني أنه لو كان الفوق متميزا عن التحت بالتميز الذاتي لكانت أمورا موجودة قابلة للأنقسام وذلك يقتضي قدم الجسم لأنه لا معنى للجسم إلا ذلك # فهذا تصريح بأنها مختلفة في الحقائق وأنها خلاء صرف وفراغ محض وهذا يناقض ما ذكره هنا ومن لم يكن لسانه وراء قلبه كان كلامه كثير التقلب والتناقض # وذكر في نهايته في مسألة حدوث العالم لما ذكر نزاع المازع في أن الكون والحصول في الحيز أمر زائدا على ذات الجسم وذكر اسولتهم على دليله ثم قال وإن سلمنا أن ما ذكرتموه يدل على أن الحصول في الحيز زائد على ذات الجسم لكن معنا ما يدل على نفي ذلك وهو أمور ثلاثة # الأول وهو أن الحصول أمر نسبي والأمور النسبية تستدعي وجود أمرين لتتحقق بينهما تلك النسبة فلو كان الحصول في الحيز أمرا ثبوتيا للزم ان يكون الحيز أمرا ثبوتيا وهو باطل لأنه لو كان موجودا لكان أما أن يكون حالا في الجسم أولا يكون حالا فيه فإن كان حالا في الجسم لم يكن الجسم حالا فيه فلا حيزا للجسم وإن لم يكن حالا فيه فأما أن يكون ذا حيز أولا يكون والأول يقتضي التسلسل ثم ذكر # الثاني والثالث وليس هذا ذكر موضوعها ثم أنه في الجواب سلم أن الحيز ليس أمرا وجوديا وأجاب عما ذكروه فقال قوله الحصول في الحيز أمر نسبي فوجوده في الخارج يستدعي وجود الحيز في الخارج قلنا هذا باطل بالعلم فإنه نسبة أو ذو نسبة بين العالم والمعلوم ثم أنا نعلم به المحالات ولا وجود لها في أنفسها مع أن النسبة المسماة بالعلم حاصلة موجودة فعلمنا أن وجود النسبة لا يقتضي وجود كل واحد في المنتسبين # وقال في نهايته في آخر هذه الطريقة وأعلم أن هذه الطريقة مبنية على جواز خروج كل جسم عن حيزه وقد دللنا على ذلك بما مر ويمكن أن يستدل عليه بوجوه أخر منها أن نقول لووجب حصول جسمين في حيز لكان الحيز الذي حصل فيه الجسم الآخر إما أن يكون مخالفا للحيز الأول أولا يكون فأن كان مخالفا له كان أمرا ثبوتيا لأن العدم الصرف والنفي المحض لا يتصور فيه الإختلاف لأن المعقول في الإختلاف ان تكون حقيقة غير قائمة مقام الحقيقة الأخرى وذلك يستدعي حقائق متعينة في أنفسها وذلك في العدم محال ولما بطل ذلك ثبت ان الأحياز لو كانت متخالفة لكانت أمورا وجودية وهي ان يكون مشارا إليها أو لا يكون والقسم الأول على قسمين إما أن تكون حالة في الأجسام فحينئذ يستحيل حصول الجسم فيها وإلا لزم الدور أو لا تكون حالة في الأجسام مع أنه يمكن الإشارة إليها وذلك وهو المتحيز فيكون الحيز متحيزا وكل متحيز فله حيز وللحيز حيز آخر ولزم التسلسل وإن لم يكن الحيز مشارا إليه إستحال حصول الجسم المشار إليه فيه قال فثبت أن الحيز نفي محض وأنه إذا كان كذلك إستحال أن يخالف حيزا # وقال أيضا في نهايته في الحجة الثانية على حدوث العالم وهو أنه ممكن وكل ممكن محدث وقرر إمكانه بوجوه منها الكلام الذي حكيناه عنه قبل هذا في تقرير أن واجب الوجود لا يقال ينفى في ضمن الكلام على حجته على نفي الجسم وكون كل حيز هل يكون واجب الوجود أم لا فهي طريقة الفلاسفة التي قررها واستضعفها وفي ضمنها سؤال أورده وهو أنا لا نسلم أن الوجود أمر ثبوتي فيقال في الجواب قوله لا نسلم أن الوجود أمر ثبوتي قلنا يدل عليه أمران وذكر أحدهما قم قال الثاني أن المعقول في الوجوب إستحقاق الوجود والعلم الضروري حاصل فإن إستحقاق الوجود وصف ثبوتي كما أن العلم الضروري حاصل فإن حصول الجسم في الجهة أمر ثبوتي بل ها هنا أولى لأن حصول الجسم بالجهة عبارة عن إنتساب مخصوص للجسم إلى الجهة والجهة امر تقديري لا وجود له فإذا كان العلم الضروري حاصلا هناك مع هذا الإشكال فها هنا مع عدم ذلك الاشكال أولى # وقال أيضا في نهايته في مسألة الجهة بعينها ما سنذكره في آخر هذه الحجج وهو قوله لو كان الله حاصلا في الحيز لكان إما أن يكون واجبا أو غير واجب والأول باطل إذ لو صح حصوله في ذلك الحيز وامتنع حصوله في سائر الأحياز كان حقيقة ذلك الحيز مخالفة لحقيقة سائر هذه الأحياز ولو كان كذلك لكانت الأحياز امورا وجودية لأن العدم الصرف يستحيل أن يخالف بعضه بعضا ولو كانت الأحياز أمورا وجودية لكان إما أن تمكن الإشارة الحسية إليها أولا يمكن فإن أمكن فذلك الشيء إما أن يكون منقسما فيكون الباري الحال فيه منقسما أو لا يكون منقسما فيكون ذلك الشيء مختصا بجهة دون جهة فيكون للحيز حيزا آخر ويلزم التسلسل وإن لم يمكن الإشارة الحسية اليه أي الحيز الذي حصل الباري فيه وجب إستحاله الأشارة الحسية أم لا فهي طريقة الفلاسفة الإشارة الحسية إلى جهته إستحالت الإشارة الحسية إليه وكذلك قال في التأسيس في هذه الحجة # الوجه الثاني أن يقال لا نسلم أن كلما يسمي حيزا وجهة فهو أمر وجودي بل قد يقال إن المسمى بالجهة والحيز منه ما يكون وجديا وهو الأمكنة الوجودية مثل داخل العالم فإن الشمس والقمر والأفلاك والأرض والحجر والشجر ونحو هذه الأشياء كلها في أحياز وجودية ولها جهات وجودية وهو ما فوقها وما تحتها ونحو ذلك ومنه ما يكون عدميا مثل ما وراء العالم فإن العالم إذا قيل إنه في حيز أو وجهة فليس هو في جهة وجودية وحيز وجودي لأن ذلك الوجودي هو العالم أيضا والكلام في جهة جميع المخلوقات وحيزها ولأن ذلك يفضي إلى التسلسل وهو لم يقم دليلا على أن كل ما يسمي حيزا وجهة فهو أمر وجودي وإذا لم يثبت ذلك لم يجب أن يقال أن الباري إذا كان في حيز وجهة كان في أمر وجودي وذلك لأن الأدلة التي ذكرها إنما تدل لو دلت على وجود تلك الأمور المعينة المسماة بالحيز والجهة فلم قلت إن كل ما سمي بالحيز أو الجهة يكون موجودا # الوجه الثالث أن يقال لا نسلم أن الحيز لا يطلق إلا على المعدوم لا يطلق على الموجود بحال وهذا قول كثير من المتكلمين الذين يفرقون بين الحيز والمكان ويقولون العالم في حيز وليس في مكان وما في العالم في مكان والحيز عندهم هو تقدير المكان بمنزلة ما قبل خلق العالم ليس بزمان ولكنه تقدير الزمان وإذا كان أمرا مقدرا ومفروضا لا وجود له في نفسه بطل ما ذكره لكن يحتاج إلى الجواب عن وجوهه الثلاث # فأما الوجه الأول فإنه إحتجاج بقول المنازع له إنه يجب أن يكون الله في جهة الفوق ويمتنع حصوله في سائر الجهات فإن كان قول المخالف حقا فقد صح مذهبه الذي تستدل على إبطاله ولم تسمع منه الدلالة على ذلك وأن كان باطلا لم يدل على أن الحيز أمر وجودي فعلى التقديرين لا تكون هذه الحجة مقبولة لأنها إما أن تكون باطلة أو تكون مستلزمة لصحة قول المنازع # فإن قال أنا ألزم المنازع بها قيل له فغاية ما في الباب أن تكون حجة جدلية أحتججت فيها بكذب خصمك وهذا لا يكون برهانا قاطعا على أن الحيز أمر وجودي # ثم يقال لك أنت من أين تعلم أو تفيد الناس الذين يسترشدون منك ولا يتقلدون مذهبا أن الحيز أمر وجودي فإن كنت تعلم ذلك وتعلمه لقول خصمك لزم صحته وبطل مذهبك وإن لم تحتج بقول خصمك الذي تدفعه عنه بطلت هذه الحجة أن تكون طريقا لك إلى العلم أو إلى التعليم والإرشاد وكان غايتها ذكر تناقض الخصم وللخصم عنها اجوبة لا نحتاج إلى ذكرها هنا # وأما قوله في الوجه الثاني أن حهة الفوق متميزة عن جهة التحت في الإشارة فيقال له إن كانت الإشارة إلى ما فوقنا من العالم وما تحتنا منه فلا ريب أن هذا موجود لكن ليس ذلك هو مسمى الحيز والجهة الذي ينازعونك في أن الله فيه فإنهم لم يقولوا إن الله في جوف العالم وإنما قالوا هو خارج العالم فإن كانت الإشارة إلى ما فوق العالم وما تحته فلا نسلم أن أحدا يشير إلى ما تحت العالم أصلا وأما ما فوق العالم فالله هو الذي فوق العالم فالإشارة إلى ما هناك إشارة إليه سبحانه وتعالى ولا يسلم أنه يشار إلى شيء موجود فوق العالم غير الله تعالى فلم تحصل الإشارة إلى شيء معدوم بحال ولم يشر احد الى جهة عدمية بحال بل المشار اليه ليس هو الجهة التي ينازع فيها المناعون # واما قوله في الوجه الثالث ان الجوهر اذا انتقل من حيز الى حيز فالمتروك مغاير لا محالة للمطلوب فيقال ان كان الانتقال في اجسام العالم الموجودة فهذه امور وجودية وان كان فيما ليس كذلك فلا نسلم ان هناك شيء يكون متروكا ومطلوبا اصلا بل الاحياز الموجودة قد لا يكون المنتقل فيها طالبا لحيز دون حيز بل قصده شيء آخر فكيف يجب ان يكون كل منتقل ومتحرك طالبا لحيز وجودي يكون فيه وتاركا لحيز وجودي انتقل عنه # الوجه الرابع ان يقال لا ريب ان الجهة والحيز من الامور التي فيها اضافة ونسبة فانه يقال هذا جهة هذا وحيزه والجهة اصلها الوجه الذي يتوجه اليها الشيء كما يقال عدة ووعد وزنة ووزن وجهة ووجهة والوجهة من ذلك قال تعالى ^ ولكن وجهة هو موليها ^ # واما الحيز فانه فيعل من حازه يحوزه اذا جمعه وضمه وتحيز تفعيل كما ان يحوز يفعل كما قال تعالى ^ ومن يولهم يومئذ دبره الا متحرفا لقتال او متحيزا الى فئة ^ فالمقاتل الذي يترك مكانا وينتقل الى آخر لطائفة تفيء الى العدو فاجتمع اليها وانضم اليها فقد تحيز اليها # واذا كان كذلك في فالجهة تضاف تارة الى المتوجه اليها كما يقال في الانسان له ست جهات لانه يمكنه التوجه الى النواحي الست المختصة به التي يقال انها جهاته والمصلى يصلي الى جهة من الجهات لانه يتوجه اليها وهنا تكون الجهة ما يتوجه اليها المضاف وتارة تكون الجهة ما يتوجه منها المضاف كما يقول القائل اذا استقبل الكعبة هذه جهة الكعبة وكما يقول وهو بمكة هذه جهة الشام وهذه جهة اليمن وهذه جهة المشرق وهذه جهة المغرب كما يقال هذه ناحية الشام وهذه ناحية اليمن والمراد هذه الجهة والناحية التي يتوجه منها اهل الشام واليمن # فأما الحيز فلفظه في اللغة يقتضي انه ما يحوز الشيء ويجمعة ويحيط به وذلك قد يقال على الشيء المنفصل عنه كداره وقوبه ونحو ذلك وقد يقال لنفس جوانبه واقطاره انها حيزه فيكون حيزه بعضا منه # وهذا كما ان لفظ الحدود التي تكون للاجسام فانهم تارة يقولون في حدود العقار حده من جهة القبلة ملك فلان ومن جهة الشرق ملك فلان ونحو ذلك فهنا حد الدار هو حيزها المنفصل عنها وقد يقال حدها من جهة القبلة ينتهي الى ملك فلان ومن جهة الشرق ينتهي الى ملك فلان فحدها هنا آخر المحدود ونهايته وهو متصل ليس منفصلا عنه وهو ايضا حيزه وقد جاء في كتاب الله تعالى في موضع ^ تلك حدود الله فلا تقربوها ^ والحدود هنا هي نهايات المحرم واولها فلا يجوز قربان شيء من المحرم وفي موضع ^ تلك حدود الله فلا تعتدوها ^ والحدود هنا نهايات الحلال فلا يجوز تعدي الحلال # واذا كان هذا هو المعروف من لفظ الجهة والحيز في الموجودات المخلوقة فنقول اذا قيل الخالق سبحانه في جهة فاما ان يراد في جهة له او في جهة لخلقه فان قيل في جهة له فاما ان تكون جهة يتوجه منها او جهة بتوجه اليها وعلى التقديرين فليس فوق العالم شيء غير نفسه فهو جهة نفسه سبحانه لا يتوجه منها الى شيء موجود خارج العالم ولا يتوجه اليها من شيء موجود خارج العالم وليس هناك شيء موجود غير نفسه يتوجه منه ولا يتوجه اليه ومن قال ان العالم هناك ليس في جهة بهذا الاعتبار فقد صدق ومن قال انه جهة نفسه بهذا الاعتبار فقد قال معنى صحيحا ومن قال انه فوق المخلوقات كلها في جهة موجودة يتوجه اليها او يتوجه منها خارجة عن نفسه فقد كذب # وان اريد بما يتوجه منه او يتوجه اليه ما يراد بالحيز الذي هو تقدير المكان فلا ريب ان هذا عدم محض # واما الحيز فقد يحوز المخلوق جوانبه وحدود ذاته وقد يحوزه غيره فمن قال ان الباري فوق العالم كله يحوزه شيء موجود ليس هو داخلا في مسمى ذاته فقد كذب فان كل ما هو خارج عن نفس الله التي تدخل فيها صفاته فانه من العالم ومن قال ان حيزه هو نفس حدود ذاته ونهايتها فهنا الحيز ليس شيئا خارجا عنه # وعلى كل تقدير فمن قال انه فوق العالم لم يقل انه في حيز موجود خارج عن نفسه ولا في جهة موجودة خارجة عن نفسه واذا كان صاحب المذهب يصرح بنفي ذلك فالاحتجاج على انه ليس في حيز موجود احتجاج في غير محل النزاع فلا يضر المنازع # الوجه الخامس قوله الاحياز الفوقانية مخالفة بالحقيقة للاحياز التحتانية بدليل انهم قالوا يجب ان يكون الله مختصا بجهة فوق ويمتنع حصوله في سائر الجهات والاحياز اعنى التحت واليمين واليسار ولولا كونها مختلفة في الحقائق والماهيات لامتنع القول بأنه يجب حصوله في جهة الفوق ويمتنع حصوله في سائر الجهات # يقال له الذي اتفق عليه اهل الاثبات ان الله فوق العالم ويمتنع ان لا يكون فوق العالم سواء قدر انه في التحت او غير ذلك بل كون الله تعالى هو العلي الاعلى المتعالي فوق العالم امر واجب ونقيضه وهو كونه ليس فوق العالم ممتنع فثبوت علوه بنفسه على العالم واجب ونقيض هذا العلم ممتنع هذا هو الذي انفق عليه اهل الاثبات من سلف الامة وائمتها وسائر اهل الفطر السليمة المقرة بالصانع # واما ما ذكره من قول القائل يجب ان يكون مختصا بجهة فوق ويمتنع حصوله في سائر الجهات والاحياز فهؤلاء يريدون بذلك انه يجب ان يكون فوقنا ويمتنع ان يكون تحتنا او عن يميننا او عن شمائلنا وهم لا يعنون بذلك انه يكون متصلا برؤوسنا بل يعنون انه فوق الخلق فالعبد يتوجه اليه هناك لا يتوجه اليه من تحت رجليه او عن يمينه او عن شماله وقد قلنا ان الجهة فيها معنى الاضافة فالعبد يتوجه الى ربه بقلبه الى جهة العلو لا الى جهة السفل واليمين واليسار كما قال ابن عباس وعكرمة في قوله تعالى عن ابليس ^ ثم لآتينهم من بين ايديهم ومن خلفهم وعن ايمانهم وعن شمائلهم ولا تجد اكثرهم شاكرين ^ قال ولم يقل من فوقهم لانه علم ان الله من فوقهم # وهم لا يريدون بذلك انه من جهة العلو الموجودة في العالم دون جهة اليمين واليسار والتحت بل ليس هو فيما على رأس العبد من الاجسام ولا فيما عن يمينه ولا فيما عن شماله فهذه الاجسام المختلطة بالعبد من جهاته الست ليس شيء منها مما يجب ان يكون الله فيه وما اعلم احد قط يقول انه يجب ان يكون في شيء موجود منفصل عنه سواء كان ذلك فوق العبد او تحته فالرب يجب عندهم ان يكون فوق العالم وهي الجهة التي فوق ولا يجوز ان يكون فوق العالم وغيره بالنسبة اليه سواء # واما ان القوم يثبتون وراء العالم امورا وجودية يقولون يجب ان يكون الله في واحد منها دون سائرها فهذا ما علمنا احدا قاله وان قاله احد تكلم معه بخصوصه ولا يجعل هذا قول اهل العلم والايمان الذين يقولون ان الله فوق العرش # ولكن منشأ غلط كثير من الناس هنا ان الجهة نوعان اضافية متغيره وثابتة لازمة حقيقة فالاولى هي بحسب الحيوان فان كل حيوان له ست جهات جهة يؤمها هي امامه وجهة يخلفها هي خلفه وجهة تحاذي يمينه وجهة تحاذي يساره وجهة فوقه وجهة تحته وهذه الجهات تتبدل وتتغير بحسب حركته وليس لها صفة لازمة ثابتة وانما الجهة اللازمة الثابتة الحقيقية هي جهتا العلو والسفل فقط فالعلو ما فوق العالم والسفل سجين واسفل السافلين وهو اسفل العالم وقعره وجوفه # واذا كان الامر كذلك لزم من مباينة الله للعالم ان يكون فوقه وليس هناك شيء آخر يجوز ان يكون جهة لله تعالى ولا يمين العالم ولا يساره ولا تحته وكلام هؤلاء خارج باعتبار جهاتهم الاضافية المتنقلة لا باعتبار الجهة اللازمة الحقيقية # الوجه السادس ان يقال هب ان وراء العالم ست جهات وقالوا يجب اختصاصه بالعلو دون غيره كما انه يجب ان يكون فوقنا فالاختصاص من الامور النسبية والاضافية قد يكون لمعنى فيه وفي العالم او لمعنى فيه لا في العالم او في العالم لا فيه لا لمعنى في امر وجودي غيرهما # وقوله يمتنع ان يكون في سائر الجهات والاحياز لمعنى فيه سبحانه وهو انه العلي الاعلى وهو الظاهر الذي لا يكون فوقه شيء فالحاصل ان وجوب علوه هو لمعنى فيه سبحانه يستحق به ان يكون هو الاعلى الظاهر الذي لا يكون فوقه شيء فلا يجوز ان يكون في جهة تنافي علوه وظهوره وذلك لا يوجب ان تكون الجهة وجودية لان العلو والظهور نسبة بينه وبين الخلق فاذا قيل يجب ان يكون فوقهم وان يكون عاليا عليهم ولا يجوز غير ذلك لم يكن في هذا ما يقتضي ان يسبق ذلك ثبوت محل وجودي له بحيث لو فرض ان وراء العالم ست جهات وان العالم كالانسان الذي له ست جهات لكان انما هو ايجاب لنسبة خاصة واضافة خاصة له الى العالم لا يقتضي ذلك ان يكون هناك امور وجودية فضلا عن ان تكون مختلفة الحقائق # الوجه السابع ان وجود كونه فوق العالم امر مشروط بوجود العالم فانه قبل خلق العالم لا يقال انه فوقه ولا انه ليس فوقه اذ العلو والفوقية هي من الامور التي فيها نسبة واضافة وان كان الناس قد تنازعوا هل علوه وفوقيته واستواءه على العرش من الصفات الذاتية التي وجبت له بنفس ذاته وان كان فيه اضافة ظهر حكمها بخلق العالم والعرش كما يقولون في المشيئة والعلم او هو من الصفات الفعلية وانه استوى على العرش بعد ان لم يكن مستويا عليه او هو اضافة محضة بينه وبين العرش ام متضمن لامرين من ذلك او للامور الثلاثة فلا ريب ان وجود العلو على العرش والاستواء عليه انما هو بعد خلقه ولو قدر ان العالم او العرش خلق في حيز آخر لكان الله سبحانه وتعالى عاليا عاليبه ومستويا عليه حيث خلق كما أنه سبحانه إذا كان مع عبده بعلمه وقدرته او نصره وتأييده وغير ذلك فحيث كان العبد كان الله معه |
|
03 Apr 2010, 03:24 AM
|
#66 |
|
وسام الشرف
![]() ![]() ![]() ![]() ![]() ![]() ![]()
|
# واذا كان كذلك لم يكن لبعض الاحياز حقيقة يتميز بها عن حيز آخر لاجلها يستحق ان يكون الله فيه وانما وجوب اختصاصه هو تابع لوجوب علوه ولاستوائه وعلوه واستواءه على عرشه ينافي ان لا يكون عاليا عليه فما يفرض من سفول وتياسر ونحو ذلك مما ينافي العلو كان منتفيا لان احد النقيضين ينفي الآخر لا لصفة ثابتة لاحد الحيزين دون الاخر # الوجه الثامن قوله ولولا كونها مختلفة في الحقائق والماهيات لامتنع القول بأنه يجب حصوله تعالى في جهة الفوق يقال لا نسلم ذلك ولم يذكر على ذلك حجة فالمنع المجرد يكفي هذه الدعوى # ثم يقال اختصاص الشيء بوجوب كونه فوق الآخر دون كونه عن يمينه ويساره قد يكون لمعنى في الاعلى او لمعنى في الاسفل او لمعنى فيهما وهكذا كل امر فيه اضافة بين امرين كالحب والقدرة ونحو ذلك قد يكون لمعنى في المضاف وقد يكون لمعنى في المضاف اليه وقد يكون لمعنى فيهما كالحب والقدرة ونحو ذلك يقتضي معنى في المحب والمحبوب وكذلك القدرة ولذلك يختصان بشيء دون شيء # واما العلم فيقتضي معنى في العالم لا يقتضي معنى في المعلوم فان العلم يتعلق بكل شيء لا يختص بموجود دون معدوم ولا بممكن دون ممتنع فالاختصاص فيه انما هو في العالم لا في المعلوم وكذلك القول ونحوه # واما العلو فقد يكون لمعنى في العالي كصعود الانسان على السطح فانه هو الذي تحرك حركة اوجبت علوه والسطح لم يتغير فالرجل يكون تارة فوقه وتارة تحته لتحوله هو دون السطح والطير اذا حاذى الانسان وكان فوق رأسه ثم نزل حتى صار تحت مكان هو فيه كان الطير فوقه تارة وتحته اخرى لتحول
الطير دون تحوله هو واذا كانت الامور الاضافية لا تستلزم وجود معنى في غير المضاف والمضاف اليه وان جاز وجود ذلك لكن نفس معنى في احدهما قد يكفي في الصفات الذاتية التي فيها اضافة عارضة لها فيكف يكون في الاضافات المحضة فالعلو سواء كان صفة ثبوتية مستلزما للاضافة او كان فعلا مستلزما للاضافة او كان فيه الامران او كان اضافة محضة يكفي في تحققه وجود معنى في العالي تارة وفي السافل اخرى من غير اختلاف في حقيقة الاحياز # يوضح هذا الوجه التاسع ان الاحياز التي لا ريب في وجودها كالهواء والسطوحات ونحوها قد يعلو عليها الحيوان وتعلو عليه اخرى وتكون تارة عن يمينه وتارة عن شماله مع ان حقائقها في جميع هذه الاحوال سواء لم يتجدد لها باختلاف الحال في كونه عالية وسافلة ومتيامنة ومتياسرة صفة اصلا فاذا كانت الاحياز التي علم وجودها ولا يزال حكم الجهات يختلف فيها بكونها عالية وسافلة ومتيامنة ومتياسرة وهي مع ذلك لا يحدث فيها شيء من التغير فكيف يقال انه لولا كون الاحياز التي هي الفوق والتحت واليمين واليسار مختلفة في الحقائق والماهيات والا لامتنع القول بانه يجب حصوله في جهة فوق # ومما يصح ذلك الوجه العاشر وهو ان رأس الانسان ينبغي ان يكون مختصا بجهة فوق بالنسبة الى سائر بدنه ويده اليمنى يجب ان تكون مختصة بجهته اليمنى ويده اليسرى يجب ان تكون مختصة بجهته اليسرى وصدره وبطنه يجب ان يختص بجهة امامه وظهره يجب ان يختص بجهة خلفه واسفل قدميه يجب ان يختص بجهة تحته ومع هذا الوجوب المعلوم بالاحساس ليس ذلك لاختلاف حقائق الجهات التي اختصت بها هذه الاعضاء ولاختلاف صفاتها بل هذا الاختصاص لا يؤثر في الجهات شيئا اصلا وانما الاختصاص لمعنى في الانسان نفسه لا لمعنى في الجهات # الوجه الحادي عشر انه اذا قدر ان الحيز والجهة امر موجود لم نسلم المقدمة الثانية وهو قوله ان المسمى بالحيز والجهة امر مستغن في وجوده عما يتمكن ويستقر فيه والذي يكون مختصا بالحيز والجهة يكون مفتقرا الى الحيز والجهة فإن الشيء الذي يمكن حصوله في الحيز يتسحيل عقلا حصوله لا مختصا بالجهة وذلك ان وجود موجود مستغن عن الله ممتنع فان كل ما سواه مفتقر اليه وهو خالق كل شيء وربه ومليكه # وقوله ان المسمى بالحيز والجهة امر مستغن في وجوده مما يتمكن ويستقر فيه قياس شمول عام عدل الله فيه بأحقر المخلوقات فان الاجسام الضعيفة من المواد والحيوان كالحجر والمدر والبعوضة ونحوها اذا كانت في مكان او حيز فلا ريب انها قد تكون محتاجة اليه وهو مستغن عنها لكن قياس الله الخالق لكل شيء الغني عن كل شيء الصمد الذي يفتقر اليه كل شيء بالمخلوقات الضعيفة المحتاجة عدل لها برب العالمين ومن عدلها برب العالمين فانه في ضلال مبين وذلك ان اعظم الامكنة العرش ولا خلاف بين المسلمين الذين يقولون انه مستو عليه او مستقر او متمكن عليه والذين لا يقولون ذلك ان العرش مفتقر الى الله والله غني عن العرش بل هم متفقون على ان الله بقدرته الذي يمسك العرش وحملة العرش وسائر المخلوقات هذا معما جاء في الآثار من اثبات مكانه تعالى كالحديث الذي رواه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال ان الشيطان قال وعزتك يارب لا ابرح اغوي عبادك ما دامت ارواحهم في اجسادهم فقال الرب تعالى وعزتي وجلالي وارتفاع مكاني لا ازال اغفر لهم ما استغفروني # وفي شعر حسان % تعالى علوا فوق عرش الهنا % وكان مكان الله اعلا وارفعا % # فقوله ان الحيز والجهة امر مستغن في وجوده عما يتمكن ويستقر فيه قضية عامة ضرب بها مثلا في قياس شمولي ليس معه فيه الا مجرد تمثيل الخالق بالمخلوق الضعيف الفقير وان كان من الجنس الحقير وهؤلاء الجهمية دائما يشركون بالله ويعدلون به ويضربون له الامثال بأحقر المخلوقات بل بالمعدومات كما قدمنا التنبيه عليه غير مرة فلمارأوا ان المستوى على الفلك او الدابة او السرير يتغنى عنه مكانه قالوا يجب ان يكون الله ايضا يستغنى عنه مكانه تشبيها له بهذا المخلوق العاجز الضعيف ولما رأوا ان الحجر والمدر والشجر والانثى والذكر يستغنى عن حيزه ومكانه قالوا فرب الكائنات مشبه بهذه المتحيزات في افتقاره الى ما هو مستغن عنه تعالى الله عما يقول الظالمون علوا كبيرا # ثم يقال له في الوجه الثاني عشر ان كثيرا مما سمي مكانا وحيزا وجهة للانسان يكون مفتقرا اليه بل لغير الانسان ايضا فمن قال ان المكان هو السطح الباطن من الجسم الحاوي الملاقي للسطح الظاهر من الجسم المحوي كبطانة قميص اللابس كان كثير من الامكنة محتاجا الى الممكن كاحتياج القميص الى لابسه واستغناء صاحبه عنه # وكذلك الحيز قد ذكرنا انه يراد به حدود الشيء المتصلة به التي تحوزه وهو جوانبه وتلك تكون داخلة فيه فلا تكون مستغنية عنه مع حاجته اليها وقد يراد به الشيء المنفصل عنه الذي يحيط به كالقميص المخيط وهذا قد يكون مفتقرا الى الانسان كقميصه وقد يكون مستغنيا عنه وان كان مستغنيا عن الانسان لكن الانسان لا يحتاج الى حيز بعينه فليس الانسان مفتقرا الى حيز معين خارج غير ذاته بحال بل وكذلك جيمع الموجودات حيزها اما حدودها المحيطة بها ونهاياتها وهي منها فتلك لا توصف بالاستغناء عنها واما ما يحيط بها منفصلا عنها فليس في المخلوقات ما يحتاج الى حيز بعينه # واما الجهة فهي لا تكون جهة الا بالتوجه فهي مفتقرة في كونها جهة الى المتوجه والمتوجه لا يفتقر الى جهة بعينها بحال # واذا كانت المخلوقات لا تفتقر الى حيز موجود وجهة موجودة او مكان موجود بعينه وان كان فيها ما يفتقر الى نوع ذلك على البدل وما يسمى لها مكانا قد يفتقر اليها وكذلك ما يسمى حيزا لها متصلا او منفصلا قد يكون مفتقرا اليها وكذلك الجهة مفتقرة اليها في معنى كونها جهة كان دعوى افتقار المتحيزات للحيز مع استغناء الحيز عنه في حق المخلوقات ليس على اطلاقه بل اطلاق ذلك دعوى باطلة فكيف في حق الخالق الغني عن كل ما سواه المفتقر اليه كل ما سواه # الوجه الثالث عشر قوله والشيء الذي يمكن حصوله في الحيز يتسحيل عقلا حصوله لا في جهة يقال له الاجسام كلها حاصلة في الحيز كما ذكرته افتقول انه يستحيل عقلا حصول كل جسم في غير جهة وجودية فهذا لا يقوله عاقل بل يعلم ببديهة العقل ان كل جسم يمكن حصوله في غير جهة وجودية منفصلة كما ان العالم حصال في غير جهة وجودية وما علمنا عاقلا قال ان كل جسم يجب ان يكون حاصلا في حيز وجودي منفصل عنه # واذا كان كذلك كان قوله والشيء الذي يمكن حصوله في الحيز يستحيل عقلا حصوله لا في جهة التى قد قدم انها وجودية قول معلوم الفساد ببديهة العقل متفق على فساده بين العقلاء وهذا ليس مما يخفى على من تأمله # وانما الرجل غلط او خالط في المقدمين فانه قد سمع وعلم ان الجسم لا يكون الا متحيزا فلا بد لكل جسم من حيز ثم سمى حيزه جهة وقد قرر قبل هذا ان الجهة امر وجودي فركب ان كل جسم يفتقر الى حيز وجودي منفصل عنه وهذا الغلط نشأ من جهة ما في لفظ الحيز والجهة من الاجمال والاشتراك فيأخذ احدهما بمعنى ويسميه بالآخر ثم يأخذ من ذلك الآخر المعنى الآخر فيكون بمنزلة من قال المشتري قد قارن زحل وهذا هو المشتري الذي اشترى العبد وقد قارن البائع فيكون البائع هو زحل او يقول هذه الثريا والثريا قد نكحها سهيل وقارنها فتكون هذه الثريا قد قارنها سهيل ونحو ذلك ومن المعلوم ان الجهة التي نصر انها وجودية وهي مستغنية عن الحاصل فيها ليست هي الحيز الذي يجب لكل جسم # يوضح ذلك الوجه الرابع عشر وهو انه قال ان المسمى بالحيز والجهة امر مستغن في وجوده عما يتمكن ويستقر فيه واما الذي يكون مختصا بالحيز والجهة فانه يكون مفتقرا الىالحيز والجهة فان الشيء الذي يمكن حصوله في الحيز يستحيل عقلا حصوله لا مختصا بالجهة # وذلك يقتضي ان الشيء الذي يمكن حصوله في الحيز يستحيل عقلا حصوله في غير حيز وجهة فيكون محتاجا الى الحيز والجهة وقد قرر ان المسمى بالحيز والجهة امر مستغن في وجوده عما يتمكن ويستقر فيه فيكون الحيز والجهة مستغنيا عن المتحيز المتوجه وذلك يقتضي ان المتحيزات بأسرها مفتقرة الى احيازها وان احيازها التي يستحيل عقلا حصولها في غيرها مستغنية عنها ومن المعلوم لكل عاقل ان تحيز الجسم امر قائم به محتاج اليه ليس هو مستغنيا عن الجسم وهذا هوالذي يستحيل عقلا حصول المتحيز بدونه فانه يستحيل حصول متحيز بدون تحيز وكل جسم متحيز وحصول المتحيز بدون التحيز محال وهو مثل حصول الجسم او حصول المقدور بدون تقدر او حصول المميز بدون التميز واما كون المتحيز يستحيل عقلا حصوله في غير حيز وراء هذا التحيز فالعقل يعلم خلاف ذلك فيعلم ان المتحيز لا يفتقر الى حيز وجهة غير هذا التحيز الذي قام به # فظهر انه ناقض ما يعلم بالعقل خلافه بأن العقل يعلم افتقار المتحيز الى حيز منفصل عنه بل يفتقر الى حيز هو نهايته التي تحيط به فقلب القضية وجعل الحيز المنفصل الذي هو للجهة مستغنيا عن المتحيز والمتحيز يستحيل عقلا حصوله بدونه وظهر ببطلان المقدمين بطلان المقدمة الاولى من الحجة وهو قوله لو كان مختصا بالحيز والجهة لكان مفتقرا الى غيره # ونتكلم على المباينة فنقول # الوجه الخامس عشر قولك لو كان مختصا بالحيز والجهة لكان مفتقرا الى غيره لفظ مجمل قد تقدم الكلام على نظيره غير مرة وهو ان لفظ الغير عند كثير من الصفاتية او اكثرهم منهم اصحابك هو ما جاز مفارقة احدهما الاخر بزمان او مكان او وجود او ما جاز وجود احدهما دون الآخر وعند كثير من نفاة الصفات ومثبتيها ما جاز العلم بأحدهما دون الآخر فما الذي تريد بلفظ الغير في قولك لو كان مختصا بالحيز والجهة لكان مفتقرا الى غيره # ان اردت به لكان مفتقرا الى ما يجوز وجوده دونه فهذا باطل فليس في الموجوات ما يجوز وجوده دون الله وعلى هذا التقدير فيمتنع افتقار الله الى غيره لامتناع الغير الذي يجوز وجوده دونه كما يمتنع افتقاره الى مثله لامتناع مثله ويمتنع خوفه من نده لامتناع نده فالفقر والحاجة وعناه الى ما يستغنى عنه محال هذا ان اراد وجود ذلك الغير دونه # وان اراد وجود الله دون ذلك الغير فيكون المعنى انه مفتقر الى الغير الذي يجوز وجود الله دونه وهذا جمع بين القيضين فإنه أذا كان هو سبحانه موجودا دونه لم يكن مفتقرا اليه واذا كان مفتقرا اليه لم يكن سبحانه موجودا دونه فقول القائل انه مفتقر الى الغير الذي يوجد دونه مثل قوله مفتقرا الى ما هو سبحانه وتعالى مستغن عنه وذلك مثل قول القائل مفتقر لا مفتقر ويستغنى لا يستغنى # وكذلك ان اراد بالغير ما يجوز مفارقته لله بزمان او مكان او وجود فالحيز الذي هو من لوازم وجوده كالصفة الذاتية اللازمة له لا يفارقه بزمان ولا مكان # وقد ذكرنا ان الحيز الوجودي يراد به حد الشيء المتحيز الذي يجوزه ويراد به شيء منفصل عنه يحوزه والله سبحانه ليس هو بل ولا غيره من الملخلوقات مفتقرا الى حيز وجودي بالمعنى الثاني واما الحيز الوجودي بالمعنى الاول فهذا لا يجوز ان يفارق المتحيز لا في زمان ولا في مكان ولا وجود الا اذا فرق ذلك المتحيز وحينئذ فلا يكون هو اياه مع ان الله سبحانه صمد لا يجوز عليه التفرق والانقسام # فان ارد بالغير هذا المعنى كان التقدير لو كان مختصا بالحيز والجهة لكان مفتقرا في وجوده الى ما هو لازم لذاته لا يجوز مفارقته له ولا انفصاله عنه وهكذا حكم جميع الصفات الذاتية فيكون المعنى كما لو قيل لو كان له صفة ذاتية لكان مفتقرا اليها افتقار الموصوف الى الصفة وهذا من شبه نفاة الصفات التي يبطلها هذا المؤسس نفسه كما تقدم الكلام عليه وهذا احد الوجوه التي ذكرها في حجة نفاة الصفات في نهايته فقال الثالث عالمية الله وقادريته لو كانت لاجل صفات قائمة به لكان الباري محتاجا الى تلك الصفات لكن الحاجة على الله محال فبطل باتصاف ذاته بالصفات فقوله لو كان مختصا بالحيز والجهة لكان مفتقرا في وجوده الى ذلك مثل هذه سواء اذا فهم ان الحيز الذي يلزم المتحيز هو امر لازم له ليس شيئا منفصلا عنه وان المتحيز لا يفتقر الى حيز موجود منفصل عنه بضرورة العقل والحس واتفاق العقلاء وقد تقدم الكلام على مثل هذه الحجة غير مرة # وهي مثل قولهم يستلزم التركيب والكثرة الموجبة لافتقاره الى اجزائه وقد قال هو قولهم يلزم من اثبات الصفات وقوع الكثرة في الحقيقة الالهية فتكون تلك الحقيقة ممكنة قلنا ان عنيتم به احتياج تلك الحقيقة الى سبب خارجي فلا يلزم لاحتمال استناد تلك الصفات الى الذات الواجبة لذاتها وان عنيتم به توقف الصفات المخصوصة في ثبوتها على تلك الذات المخصوصة فذلك مما نلتزمه فأين المحال قال وايضا فعندهم الاضافات صفات وجودية في الخارج فيلزمكم ما الزمتمونا ويلزمكم ايضا في الصورة المرتسمة في ذاته من المفعولات ما الزمتمونا ونحن قد بينا ان هذه الامور ليست غيرا له بهذا الاصطلاح فلا يصح ان يقال هو مفتقر الى غيره # واما ان اراد بالغيرين ما يجوز العلم بأحدهما دون الاخر فنقول ثبوت هذه المعاني في حق الله تعالى متفق عليه بين العقلاء معلوم بضرورة العقل فلابد منه في كل موجود فانه يعلم شيء ثم يعلم شيءآخر فان كان ثبوت هذه الامور مستلزم حاجة الله الى الغير فهذا اللازم على كل تقدير ولكل العقلاء وحينئذ فلا يكون محذورا بهذا التفسير # فظهر ان قوله لكان مفتقرا في وجوده الى الغير اما منع الملازمة او منع انتفاء اللازم وذلك بسبب اشتراك لفظ الغير بضرورة العقل واتفاق العقلاء فان الغير ان عنى به ما يجوز مفارقته في وجود او زمان او مكان منعت المقدمة الاولى وهو قوله لكان مفتقرا الى غيره فان الحيز الوجودي الذي يلزمه ليس مما تجوز مفارقته وان عنى بالغير ما يجوز العلم بأحدهما دون الآخر فثبوت هذا في حق الله معلوم بضرورة العقل واتفاق العقلاء وان كان فيهم من لا يسميه غير # فالمقصود هنا المعنى دون الالفاظ فتكون المقدمة الثانية باطلة بضرورة العقل واتفاق العقلاء # الوجه السادس عشر يقال له ما تعني بقولك لكان مفتقرا في وجوده الى الغير فان الافتقار المعروف عند الاطلاق ان يكون الشيء محتاجا الى ما هو مستغن عنه كافتقار العبد الى الله # واما الشيئأن اللذان لا يوجد احدهما الا مع الآخر كالموصوف وصفته اللازمة او المقدرة وقدره اللازم له وكالامور المتضايفة مثل الابوة والبنوة والعلو والسفل ونحو ذلك فهذه الامور لا توصف بافتقار احدهما الى الآخر دون العكس لكن اذا قيل كل منهما مفتقر الى للآخر كان بمنزلة قول القائل الشيء مفتقر الى نفسه والمعنى ان احدهما لا يوجد الا مع الآخر كما ان الشيء لا يكون موجودا الا بنفسه فاذا كان مخلوقا كان الفاعل له لنفسه والفاعل لاحدهما هو الفاعل الآخر واذا كان ذلك هو الخالق لم يكن سبحانه مفتقرا الى غير ذاته وانما المعنى انه واجب الوجود بنفسه ووجوده لازم لزوما لا يمكن عدمه واحد هذه الامور لازم للآخر لزوما يمكن معه عدمه |
|
03 Apr 2010, 03:25 AM
|
#67 |
|
وسام الشرف
![]() ![]() ![]() ![]() ![]() ![]() ![]()
|
# واذا كان هذا المعنى هو الذي يمكن ان يراد بلفظ الافتقار هنا فيكون المعنى لو كان له صفة ذاتية لازمة له او لو كان له تحيز لازم لكان ملازما له لا ينفك عنه وحينئذ فيتحد اللازم والملزوم ويكون هذا من باب تحصيل الحاصل كما لو قيل لو كان واجبا بنفسه لكان مفتقرا الى نفسه والمعنى ان نفسه لازمة لنفسه لزوما لا يمكن عدمه فانما تغلط الاذهان هنا وتحصل الشبهة عند كثير من الناس والوهم في قلوبهم لما في لفظ الافتقار الى الغير من المحذور # وهؤلاء عمدوا الى هذا اللفظ فاستعملوه في غير المعنى المعروف في اللغة وسموا لزوم صفاته له افتقارا الى الغير فلما عبروا عن المعاني الصحيحة بل المعاني التي يعلم بضرورة العقل ثبوتها في نفس الامر بل لا يستريب في ثبوتها احد من العقلاء ما دام عاقلا عبروا عنها بالعبارات المشتركة المجملة التي قد تستعمل في معاني فاسدة يجب تنزيه الباري سبحانه وتعالى عنها كان هذا الاشراك مما اشركوا فيه بين الله وبين خلقه وهو من نوع شركهم وعدلهم بالله حيث اشركوا بين المعاني والواجبة لله الممتنعة عليه في لفظ واحد ثم نفوا به ما يجب لله وكانوا مشركين معطلين في المعاني كما تقدم التنبيه على ذلك غير مرة # بمنزلة من سمى رحمان اليمامة الرحمن وجعل يقول للناس انا كافر بالرحمن يوهمهم انه رحمان اليمامة وهو كافر بالرحمن الذي على العرش او بمنزلة من سمى الاوثان الآلهة والاله وجعل يقول للمؤمنين قد عبدت الاله ودعوت الاله وانما يعنى به الوثن اوبمنزلة الله اللات والعزى ومناة الثالثة الاخرى وهو يعني الكفر بالله فهذا المثل نظير ما فعلوه من تسميته لما اثبته الله لنفسه بأسمائه
وآياته بأسماء باطلة من المفتقر والغير ونحو ذلك ثم جعل يقول ينزه الله تعالى عن ان يكون مفتقرا الى الغير وهو مثل من يسمى نبيه محمدا مذمما ثم يقول العنوا مذمما وهو صلى الله عليه وسلم محمد ولي بمذمم # والله سبحانه الغني بماله من الاسماء والصفات وليس بمفتقر الى غيره بوجه من الوجوه وان سموه هم مفتقرا الى غيره اذا ثبتت له هذه الصفات كما سمى المشركون محمدا مذمما لما دعاهم الى توحيد الله وعبادته # وهذا حال فريق ممن خالف سلطان الله الذي بعث به رسله وسمى سبحانه الاشياء بما تستحقه من الاسماء من اهل الكفر والبدع التي تشتمل على ما هو من الايماز وما هو من الكفر فانهم يسمون الاشياء بأسماء تتضمن حمدا وذما ونفيا واثباتا وتلك الاسماء سموها هم وآباؤهم ما انزل الله بها من سلطان وذلك مثل تسمية الكفار النبي صلى الله عليه وسلم شاعرا وساحرا وكاهنا ومجنونا وذلك لنوع شبهة قد ازاحها بما اظهره من البينات فلما رأوا القرآن كلاما موزونا شبهوه بالشعر الموزون ورأوا الرسول يخبر بالغيوب عن روح ينزل اليه بها فشبهوه بالكاهن الذي يخبر بكلمة فيكذب معها مأة كذبة عن روح شيطاني ينزل علييه بها ورأوه يزيل مافي النفوس من الأعتقادات الفاسدة والإرادات الفاسدة الى الصحيح التي فطر الله عليه فشبهوه بالساحر الذي يغير الامر في ادراكاتهم وحركاتهم حتى يعتقدوا الشيء بخلاف ما هو عليه ويحبوا ما ابغضوه ويبغضوا ما احبوه ورأوه قد اتى بما يخالف عاداتهم الفاسدة وما يذمونه عليه فشبهوه بالمجنون الذي يخرج عما يعرف في العقل وما يذم عليه # كذلك يسمى اهل البدع لمن اتبع سبيله الذين قال فيهم ^ قل هذه سبيلي ادعو الى الله على بصيرة انا ومن اتبعني وسبحان الله وما انا من المشركين ^ باسماء باطلة كتسمية الرافضة لهم ناصبة مع محبتهم اهل البيت وموالاتهم تشبيها لهم بمن يبغضهم ويعاديهم لاعتقادهم ان لا ولاية لهم الا بالبراءة من الصحابة وزعموا انهم كانوا يعادونهم # وكسمية القدرية لهم مجبرة مع كونهم يعتقدون ان العبد فاعل حقيقة وله ارادة وقدرة تشبيها بمن يسلب العبد الفعل ويجعله كالجمادات التي لا ارادة لها لما اعتقدوا ان الله خالق كل شيء وهو خالق العبد وصفاته وافعاله # وكذلك تسمية الجهمية لهم مشبهة مع كونهم يعتقدون ان الله ليس كمثله شيء في صفة من صفاته اصلا تشبيها لهم بالممثلة الذين يجعلون الله من جنس المخلوقات لما اعتقدوا ان الله موصوف بصفات الاثبات التي جاءت بها النبوات # واما في الذم فتسمية الكفار اصنامهم الاله وتسميتها اللات والعزى ومنات الثالثة الاخرى وما في ذلك لها من معنى الهيبة والعزة والتقدير # وكذلك تسمية اهل البدع لانفسهم بأسماء لا يستحقونها كما تسمى الخوارج انفسهم المؤمنين دون بقية اهل القبلة ويسمون دارهم دار الهجرة # وكذلك الرافضة تسمى اهلها المؤمنين واولياء الله دون بقية اهل القبلة # وكذلك الجهمية ونحوها يسمونه انفسهم الموحدين ويسمون نفي الصفات توحيد الله # وتسمي المعتزلة ذلك توحيدا وتسمي التكذيب بالقدر عدلا وتسمى القتال في الفتنة الامر بالمعروف والنهي عن المنكر # وكذلك تسمية الصابئة لعلومهم او اعمالهم الحكمة او الحكمة الحقيقية او المعارف اليقينية مع ان فيها من الجهل والشبه والضلال مالا يحصيه الا ذو الجلال # وكذلك تسمية الاتحادية انفسهم اهل الله وخاصة الله والمحققين وهم من اعظم الناس عداوة لله وابعد الناس عن التحقيق # وما من اسم من هذه الاسماء الباطلة في الحمد والذم الا ولابد لاصحابه من شبهة يشتبه فيها الشيء بغيره بل قد يفعل المبطلون اعظم من ذلك كتسمية بعض الزنادقة المتفقرة المسجد اسطبل البطالين وهذا كثير في من يسمي الحق باسم الباطل والباطل باسم الحق وتلك كلها اسماء سموها هم وآباءهم ما انزل الله بها من سلطان وانما فعلوها لنوع من الشبه التي هي قياس فاسد كشبه الجهمية وقياسهم انه لو كان لله صفات لازمة لكان مفتقرا الى غيره فسموا لاجل ما هو به مستحق الحمد والثناء والمجد وهو الغني الصمد سموه لاجل ذلك مفتقرا الى الغير وهذا منهم باطل ما أنزل به من سلطان # الوجه السابع عشر قوله المفتقر في وجوده الى الغير يكون بحيث يلزم من عدم ذلك الغير عدمه وكل ما كان كذلك كان ممكنا لذاته وذلك في حق واجب الوجود لذاته محال # يقال اذا كان الشيء مفتقرا الى شيء آخر مستغن عنه وانه يكون بحيث يلزم من عدم ذلك الثاني عدم الاول او لا وجود للاول الا بالثاني وما كان كذلك فانه ممكن لذاته # لكن اذا كان الثاني غير مستغن عن الاول بل كان الثاني مفتقرا الى الاول بحيث يلزم من عدم الاول عدمه لم يمكن ان يجعل الاول ممكنا لافتقاره الى الثاني باولى من ان يجعل الثاني ممكنا لافتقاره الى الاول وحينئذ يجب دخولهما جميعا في وجوب الوجود اذا ثبت ان كلا منهما حاجته الى الآخر كحاجة الآخر اليه فكيف والموصوف هنا المستلزم للصفة # وذلك يظهر بالوجه الثامن عشر وهو انه قد عرف ان الغير هنا لا يعني الغير المنفصل عنه بل ما تغاير في العلم وان الافتقار المراد به اللازم فيكون المعنى ان الموصوف مستلزم الصفة ومعنى افتقاره اليها انه لا يكون له حقيقة اولا يكون على ما هو عليه الا بها وانه يلزم من عدمها عدمه لكن تلك الصفة ايضا يلزم من عدم الموصوف عدمها ولا حقيقة لها ولا وجود الا بالموصوف وكونها تستلزم الموصوف وهو افتقارها الى الموصوف ابلغ من كون الموصوف مستلزما لها واذا كان كذلك كان الموصوف واجبا للوجود ولم يكن يفتقر الى شيء منفصل عنه ولكن معنى حاجته استلزامه للصفة التي هي مستلزمة له وهذا حق وهو غير مناف لوجوب الوجود بل لا يكون وجود واجب ولا غير واجب الا كذلك # والوجه التاسع عشر انه لو فرض ان ذاته مستلزمهة لشيء منفصل عنه من حيز او غيره لكان بحيث يلزم من عدم ذلك اللازم لذاته المنفصل عنه عدم الملزوم الذي هو ذاته ثم لم يقل احد من الخلائق بأن رب العالمين مفتقر لاجل ذلك الى ما يكون عنه ولا على قول القائل بالتعليل والتوليد الذين منهم خرج التكلم بواجب الوجود فانهم يقولون انه علة تامة مستلزم لوجود معلوله الذي هو العالم الذي تولد عنه ومع هذا فهو واجب الوجود ليس بممكن الوجود ولا يفتقر الى غيره # الوجه العشرون قوله ان المسمى بالحيز والجهة امر مركب من الاجزاء والابعاض لانه يمكن تقديره بالذراع والشبر وما كان كذلك كان مفتقرا الى غيره ممكنا لذاته فالمفتقر اليه اولى ان يكون ممكنا # يقال له قد تقدم ان الحيز الوجودي الذي يقال ان ذات الله مستلزمة له ليس هو شيئا منفصلا عنه حتى يقال انه مركب من الاجزاء والابعاض ام ليس بمركب وهذا الوجه انما هو اقامة دليل على حيز وجودي منفصل عن الله تعالى مثل العرش والمنازعون له يقولون ان ذات الله ليست مستلزمة لوجود حيز وجودي منفصل عنه وانما قد يقول من يقول منهم انه يكون على العرش او يأتي في ظلل من الغمام او كان قبل ان يخلق العرش في عماء وهر السحاب الرقيق لكن لم يقولوا ان ذلك لازم له بل هو من الامور الجائزة عليه فلا يكون مفتقرا اليه # والوجه الحادي والعشرون انه اذا قال قائل انه لابد من حيز وجودي غير ذاته الغمام او غيره او الخلاء عند من يتخيل انه موجود فانه قد يقول لا نسلم انما ذكره من تقديره ومساحته يدل على امكانه فان هذا هو الادلة الدالة على امكان ذوات المقدار وقد تقدم بيان بطلانه وانه لم يقم على ذلك حجة لما ذكر ادلته على ان كل متحيز وكل جسم فهو ممكن # الوجه الثاني والعشرون انه اذا قدر ان ذلك ممكن لذاته فانه لا يكون الا مفتقرا الى الله لان كل ما سواه مفتقرا اليه وغيته ان تكون حقيقة الرب مستلزمة له ويكون افتقاره اليه كما يقال من افتقار الموصوف الى صفته واكثر ما يقال انه مفتقر اليه كافتقار العلة الى معلولها الذي هو مفتقر اليها يعني ان العلة لا تكون موجودة الا بوجود معلولها ومعلولها هو مفتقر اليها فجعل العلة الموجبة بنفسها مفتقرة الى معلولها حاصله ان وجوده لا يكون الا مع وجوده وهذا لا يوجب ان يكون واجب الوجود ممكنا # والوجه الثالث والعشرون قوله والمفتقر الى الممكن بذاته اولى ان يكون ممكنا لذاته فيقال اذا كان معنى الفقر ما يعود اليه حاصل كلامك وان معناه ان الواجب بنفسه مستلزم لوجود ما هو ممكن بذاته وهو الواجب لذلك الممكن وهو مع حاجته اليه هو الموجب فيكون حقيقة الامر ان الواجب بنفسه اوجب او اوجد ما يحتاج اليه وهذا لا يوجب ان يكون محتاجا الى ما هو مستغن عنه ولا أن يكون ممكنا بل لا يوجب الى ما هو غيره لان ذاته هي الموجبة لكل ما يحتاج اليه فلا حاجة به الى غيره بحال هذا مع تسميتنا هذه المعاني حاجة وافتقارا على ما زعمته ولكن لو كان محتاجا الى ممكن مستغن عنه بوجه من الوجوه كان فيه امكان اما اذا كان ذلك الامر محتاجا اليه من كل وجه غير مستغن عنه فالحاجة الى ما لا يقوم الا بنفسه كالحاجة الى نفسه وذلك لا ينافي وجوبه بنفسه بل حقيقة الواجب بنفسه ان لا يستغني عن نفسه ولا يكون الا بنفسه سمبت ذلك فقرا الى نفسه اولم تسمه وهذه الحجة لامور قد تقدم الكلام عليها فلهذا نختصر الكلام عليها ها هنا # الوجه الرابع والعشرون قوله في الثالث لو كان الباري ازلا وابدا مختصا بالحيز والجهة لكان الحيز والجهة موجودين في الازل فلزم اثبات قديم غير الله وذلك محال باجماع المسلمين # يقال له هؤلاء اذا قالوا بأنه مختص بحيز وجودي ازلا وابدا فليس ذلك عندهم شيئا خارجا عن مسمى الله كما ان الحيز الذي هو نهايات المتحيز وحدوده الداخلة فيه ليس خارجا عنه بل هو منه وعلى هذا التقدير فيكون اثباتهم لقدم هذا الحيز كاثبات سائر الصفاتية للصفات القديمة من علمه وقدرته وحياته لا فرق بين تحيزه وبين قيامه بنفسه وحياته وسائر صفاته اللازمة والحيز مثل الحياة والعلم بل ابلغ منه في لزومه للذات كما انه كذلك في سائر المتحيزات فالحيز الذي هو داخل في المتحيز الذي هو حدوده وجوانبه ونواحيه ونهاياته ابلغ في لزومه لذاته من بعض الصفات كالسمع والبصر والقدرة وغير ذلك # ثم ان هذه الحجة التي ذكرها من لوازم اثبات قديم غير الله تعالى مشهورة من حجج النفاة للصفات وقد ذكرها هو في نهايته فقال في حجتهم الرابع الصفات القديمة لابد وان تكون مساوية للذات القديمة في القدم وذلك بمقتضى الاشتراك في الحقيقة ولا يستحيل ان يكون للذات صفات قديمة لكن هذا الموضع لا يحتاج الى ذلك فانه احتج على نفي قديم غير الله باجماع المسلمين فيكون الجواب في # الوجه الخامس والعشرون وهو ان المسلمين لم يجمعوا على انه ليس لله صفة قديمة بل عامة اهل القبلة على اثبات ذلك ولكن اجمعوا على انه ليس فيما هو خارج من مسمى الله وهو الامور المخلوقة شيء قديم فاين هذا من هذا فهذا الاجماع انما يلزم لو قيل ان هناك حيزا وجوديا خارجا عن مسمى الله تعالى يختص به ازلا وابداء # الوجه السادس والعشرون ان احتجاجك في هذا الاجماع لا يصح فانك قد حكيت نزاع المسلمين في ان الباري هل هو متحيز ومختص بحيز وجهة وقررت ان الحيز امر وجودي فتكون قد حكيت نزاع المسلمين في ثبوت حيز قديم مع الله بل قد يقال حكيت اختلافهم في ثبوت حيز قديم وجودي غير الله واذاحكيت اختلافهم في ذلك لم يجز ان تحكي اجماعهم على نفي قديم غير الله تعالى # وتقرير هذا في الوجه السابع والعشرين ان يقال هذه الحجة في اولها مبنية على ان الحيز امر وجودي وبذلك ابطلت المنازع لك في ان الباري متحيز فلا يخلو اما ان يكون الحيز وجوديا ام لا فان كان الحيز وجوديا فقد ثبت تنازع الامة في ثبوت قديم غير الله معه لان النزاع في تحيزه معلوم مشهور وانت انما قصدت الرد علىالمخالف في ذلك وان لم يكن الحيز وجوديا بطلت الحجة من اصلها وعلى التقديرين لا يصح ان تحتج بالاجماع على نفي قديم غير الله تعالى مع حكايتك الخلاف في ان الله متحيز وبنائك الحجة على ان الحيز امر وجودي بل ان كان ما ذكرته من النزاع نقلا صحيحا وما ذكرته من الحجة صحيحة فقد ثبت ان في الامة من يقول بثبوت قديم غير الله وان لم يكن صحيحا بكل الاستدلال من اوله # الوجه الثامن والعشرون ان هذا اللفظ بعينه لا ينقل عن سلف الامة حتى يحتج بمضمون اللفظ ولكن لما علم من مذهب الامة ان الله خالق كل شيء وان العالم محدث ذكر هذا اللفظ نقلا لمذهبهم بالمعنى واذا كان كذلك لم يكن هذا متناولا لموارد النزاع بين الامة # الوجه التاسع والعشرون انه اورد من جهة المنازع انه لا يعنى بكونه مختصا بالحيز والجهة الا انه مباينا عن العالم منفردا عنه ممتازا عنه وكونه كذلك لا يقتضي وجودا آخر سوى ذات الله تعالى فبطل قولكم لو كان في الجهة لكان مفتقرا الى الغير وهذا كلام جيد قوي كما قد بيناه في ما مضى ان الحيز لا خلاف بين الناس انه قد يراد به ما ليس بخارج عن مسمى الذات وان هؤلاء المنازعين لا يقولون ان مع الباري موجودا هو داخل في مسمى نفسه او موجودا مستغنيا عنه فضلا عن ان يكون الرب مفتقرا اليه بل كلما سواه فانه محتاج اليه وقد قرر لهم ذلك بالعالم فقال # والذي يدل على صحة ما ذكرنا ان العالم لا نزاع في انه مختص بالحيز والجهة وكونه مختصا بالحيز والجهة لا معنى له الا كون البعض منفردا عن البعض ممتازا عنه واذا عقلنا هذا المعنى ههنا فلم لا يجوز مثله في كون الباري مختصا بالحيز والجهة وهذا كلام سديد وهو قياس من باب الاولى # ومثل هذا القياس يتعمل في حق الله تعالى وكذل ورد به الكتاب والسنة واستعمله سلف الامة وائمتها كقوله تعالى ^ ضرب لكم مثلا من انفسكم هل لكم مما ملكت ايمانكم من شركاء فيما رزقناكم فأنتم فيه سواء تخافونه كخيفتكم انفسكم ^ الآية وقوله ^ ام له البنات ولكن البنون ^ وقوله ^ اصطفى البنات على البنين ^ وقوله ^ واذا بشر احدهم بالانثى ظل وجهه مسودا وهو كظيم بتوارى من القوم من سوء ما بشر به ايمسكه على هون ام يدسه في التراب الا ساء ما يحكمون للذين لا يؤمنون بالآخرة مثل السوء ولله المثل الاعلى وهو العزيز الحكيم ^ وقوله ^ ويجعلون لله ما يكرهون وتصف السنتهم الكذب ان لهم الحسنى لا جرم ان لهم النار وانهم مفرطون ^ # فان الله اخبر انهم اذا لم يرضوا لانفسهم ان يكون مملوك احدهم شريكه ولم يرضوا لانفسهم ان يكون لهم البنات فربهم احق واولى بأن ينزهوه عما لا يرضوه لانفسهم للعلم بأنه احق منهم بالتنزيه عما هو عيب ونقص عندهم وهذا كما يقوله المسلم للنصراني كيف تنزه البتريك عن ان يكون له ولد وانت تقول ان لله ولدا وكذلك هنا هو ينزه العالم المتحيز ان يكون مفتقرا الى شيء موجود ولا ينزه الرب المعبود اذا كان فوق العرش ان يكون مفتقرا الى شيء موجود والخالق احق بالغنى من المخلوق فتنزيهه عن الشريك والولد والحاجة كل ذلك واجب له فاذا نزه بعض الموجودات عن شيء من ذلك كان تنزيهه الباري عنه اولى واحرى # ولم يجب عن هذا القياس والمثل الذي ضربوه له بالعالم بجواب صحيح بل قال قوله الاجسام حاصلة في الاحياز فنقول غاية ما في هذا الباب ان يقال الاجسام تحتاج الى شيء آخر وهذاغير ممتنع واما كون الله تعالى محتاج في وجوده الى شيء آخر فممتنع فظهر الفرق # فيقال له انت وجميع الخلق تسلمون ان كون العالم في حيز وجهة لا يستلزم الافتقار الى حيز موجود مستغن عن العالم فهذا لم يقله عاقل فانه يستلزم التسلسل واذا كان قد علم بالعقل والاتفاق ان العالم يستغنى في تحيزه عن حيز موجود خارج عنه فخالق العالم اولى ان يكون مستغنيا عن ذلك ومن قال انه في تحيزه يكون مفتقرا الى شيء موجود خارج عنه فلم يكفه انه عدله بالمخلوقات بل فضل المخلوق بالاستغناء عليه تعالى الله عما يقول الظالمون علوا كبيرا # واما قوله ايضا في الجواب فد بينا بالبراهين القاطعة ان الاحياز اشياء موجودة فلا يبقى في صحتها شك فيقال له قد تبين ان هذه من اضعف الشبه مع انك مبطل لها كما تقدم ثم ما ذكرته في نهايتك في ذلك منقوص عليك في العالم فما كان جوابك فيه كان جواب منازعك هنا لانك ضربت لله امثالا اوجبت فيها انه محتاج مع وصفك لمن هو دونه بالغنى عما جعلته محتاجا اليه # ويكفيك ضلالا انك لو اشركت بالله وجعلته مثل المخلوقات لنجوت من هذا الضلال الذي اوجبت فيه حاجة رب العالمين الى غيره اذا كان فوق العالم بل هذه الحال الذي سلكتها اسوأ من حال المشركين في هذا المقام حيث اغنيت المخلوق عما احوجت اليه الخالق ^ الذي خلق السموات والارض في ستة ايام ثم استوى على العرش ^ # ومثله في هذه المناظرة كما وقع بين اثنين واحد من المثبتة الذين يثبتهم الله بالقول الثابت وآخر من النفاة قال النافي للمثبت اذا قلتم ان الله فوق العالم وفوق العرش لزم ان يكون محتاجا الى العرش او يكون محمولا له محتاجا اليه كما اذا كان احدنا على السطح فقال له المثبت السماء فوق الارض وليست محتاجة اليها وكذلك العرش فوق السموات وليس محتاجا اليها فاذا كان كثير من الامور العالية فوق غيرها ليس محتاجا اليها فكيف يجب ان يكون خالق الخلق الغني الصمد محتاجا الى ما هو عال عليه وهو فوقه مع انه هو خالقه وربه ومليكه وذكل المخلوق بعض مخلوقاته مفتقر في كل اموره اليه فاذا كان المخلوق اذا علا على كل شيء غني عنه لم يجب ان يكون محتاجا اليه فكيف يجب على الرب اذا علا على كل شيء من مخلوقاته وذلك الشيء مفتقر اليه ان يكون الله محتاجا اليه # الوجه الثلاثون انه قال في الاعتراض لا معنى لكونه مختصا بالحيز والجهة الا كونه مباينا عن العالم منفردا عنه ممتازا عنه وكونه كذلك لا يقتضى وجود امر آخر سوى ذات الله تعالى فقال في الجواب اما قوله المراد من كونه مختصا بالحيز والجهة كونه تعالى منفردا عن العالم او ممتازا عنه او بائنا عنه قلنا هذه الالفاظ كلها مجملة فان الانفراد والامتياز والمباينة قد تذكر ويراد بها المخالفة في الحقيقة والماهية وذلك مما لا نزاع فيه ولكنه لا يقتضي الجهة والدليل على ذلك هو ان حقيقة ذات الله تعالى مخالفة لحقيقة الحيز واجهة وهذه المخالفة والمباينة ليست بالجهة فان امتياز ذات الله عن الجهة لا يكون بجهة اخرى والا لزم التسلسل # فيقال له هذا الذي ذكرته ليس دليلا على ان المخالفة في الحقيقة والماهية لا تقتضي الجهة فان قولك ان حقيقة ذات الله تعالى مخالفة لحقيقة الحيز والجهة وليس ذلك بالجهة انما يكون حجة لو ثبت ان الحيز والجهة امر وجودي فان الكلام هنا انما هو في الامتياز والمباينة التي من الامور الموجودة لا بين الموجود والمعدوم فان المعدوم ليس شيء في الخارج حتى يحتاج الى التمييز بينه وبين غيره وليس له حقيقة وماهية حتى يميز بينه وبين غيره ولو فرض انه محتاج الى التمييز بينه وبين غيره فالكلام هنا هو المباينة التي بين موجودين وهي المباينة بين الله وبين العالم # واذا كان كذلك كان احتجاجه بالمباينة التي بين الله وبين الجهة على المباينة بين الموجودين يكون بالحقيقة لا بالجهة انما يقع اذا كانت الجهة امرا وجوديا وهذا هو محل النزاع الذي نازعه فيه المنازع على ان الجهة المضافة الى الله تعالى ليست امرا موجودا فانه لا معنى لكون الباري في الجهة الا كونه مباينا للعالم ممتازا عنه منفردا وهو لا يقتضي وجود امر سوى ذات الله فاذا احتج على ان المباينة التي بين الله تعالى وبين العالم انما هي بالحقيقة ومباينة الشيء بالحقيقة لا يقتضي الجهة كمباينة الرب للجهة كان قد سلم ان الجهة امر وجودي في هذا الجواب وهذه مصادرة على المطلوب حيث جعل الشيء مقدمة في اثبات نفسه والمنازع يقول لا اسلم ان الجهة امر موجود حتى يقال ان الله تعالى مباين لشيء موجود بغير جهة فان النزاع ما وقع الا في وجودها وهذا اول المسألة فكيف يحتج في وجوده بدليل محتج فيه بوجوده وهذا ظاهر لا يخفى على من تدبره وظهر انه لم يذكر حجة على ان المخالفة بالحقيقة لا تقتضي الجهة # الوجه الحادي والثلاثون ان يقال المعلوم من المباينة والامتياز بالحقيقة والماهية لا يخلوا عن الجهة وذلك انه اما ان يكون بين جوهرين وجسمين وما يقوم بهما وكل منهما مباين للآخر بالجهة واما ان يكون عرضين بجوهر واحد وعين واحدة كطعمه ولونه وريحه وعلمه وقدرته او بين العينين وبين صفاتها واعراضها كالتميز بين الجسم وبين طعمه ولونه وريحه وهذان الموضعان لا تخلوا الامرين عن الجهة ايضا فان الجوهر هو في الحيز بنفسه بخلاف العرض الذي فيه فانه قائم في الحيز تبعا لغيره واما الصفتان والعرضان فهما ايضا قائمان بمتحيز وان كان احدهما لا يتميز عن الآخر بمحله فليس في الاشياء الموجودة التي يعلم تباينها وتمايزها ما يخلوا عن الجهة والحيز # فان قيل فاحد العرضين مباين الاخر بحقيقته مع اتفاق محلهما # فيقال الوجه الثاني والثلاثون وهو ان كل شيئين قائمين بأنفسهما لا يباين احدهما الآخر الا بالجهة وذلك ان الموجودات كلها الواجب والممكن اما قائم بنفسه واما القائم بغيره فالقائمان بأنفسهما لا يتميز بعضهما عن بعض الا بالجهة واما القائم بغيره فانه تبع في الوجود للقائم بنفسه # يوضع ذلك ان قالقائم بغيره هو محتاج الى محل ومكان # وايضا فقد يقال الاعراض نوعان احدهما مالا تشرتط له الحياة وهي قسمان # احدهما الاكوان وهي الحركة والسكون والاجتماع والافتراق فهذه لا تتميز وتتباين الا بالجهة والحيز وان كان تبعا للمحل فلا يفرق بين الحركة والسكون ولا بين الاجتماع والافتراق الا بالحيز والجهة فان الحركة انتقال في حيز بعد حيز والسكون دوام في حيز واحد والاجتماع يكون بتلاقي الحيزين والافتراق يكون بتباينهما # والثاني الطعوم والالوان والروايح وهذه هي الصفات فهذه الامور لا تدرك بشيء واحد بل تتميز بحواس مختلفة فالذي يتميز به هذا غير الذي يتميز به هذا فحقائقها لا تظهر الا بادراكها وادراكها من اجناس في احياز متباينة فامتياز الاحياز التي لا دراكاها تقوم مقام امتياز احيازها # والقسم الثاني ما تشترط له الحياة كالعلم والقدرة والسمع والبصر فهذه ايضا متابينة قد يحصل بين محالها التباين فقد يحصل بين آثارها من تباين المحال ما يقوم مقام تباين محالها وقد يقال هذه الاعراض كلها مفروضة الاضافة الىالغير وذلك الغير الذي هي مضافة اليه متباين بجهته فهي متباينة بالاضافة الى ما تتباين جهته وظهر انه ليس في الموجودات ما يباين غيره بمجرد حقيقته المجردة عن الجهة من كل وجه بل لابد من شيء يظهر تحصل به الوجه الثالث والثلاثون أن يقال لا نسلم أنه إذا قيل هذا مباين لهذا وممتاز عنه أو منفرد عنه فإنه لا يراد به إلا أن حقيقته ليست مثل حقيقته بل المراد بذلك أن هذا في ناحية عن هذا وأنه منفصل عنه بحيث يكون حيزه غير حيز هذا هو المعروف من هذا وأما الإختلاف في الحقيقة فمعناه عدم المماثلة فإن الحقائق إما مختلفة وإما متماثلة ومن المعلوم أنه إذا قيل ان الله مباين للعالم أو ممتاز عنه ومنفرد عنه لم يرد به أن الله ليس مثل العالم وهذا كما قيل لإبن المبارك بماذا نعرف ربنا بأنه فوق سمواته على عرشه بائن من خلقه فهذه المباينة لا يراد بها عدم المماثلة بل يراد بها أنه منفصل عنه وتصور ذلك بديهي ظاهر # وما يعلم في المواضع التي يستعمل فيها لفظ مباينة الشيء لغيره وامتيازه عنه وانفراده عنه ألا ويكون ذلك مع إنفصال أحدهما عن الآخر حتى إذا ضمن ذلك المفاضلة وعدم المماثلة مثل أن يقال هذا متميز عن هذا بكذا وكذا وهذا منفرد عن إقرانه بكذا وكذا ففي هذه المواضع كلها يوجد معنى الإنفصال والتميز بالحيز والجهة دليل ذلك أنه لا يعرف أن يقال اللون منفرد عن الطعم ومباين له مع أن أحدهما ليس مثل الآخر فعلم أن المخالفة التي مضمونها عدم المماثلة فهي متضمنة الإنفصال # الوجه الرابع والثلاثون أن يقال المختلفان في الحقيقة هما اللذان لا يتماثلان فالمماثلة ضد المخالفة والإختلاف ضد التماثل وعدم التماثل لا بد أن يستلزم صفات حقيقية ثبوتية أختلفا بها وإلا فالعدم المحض لا يوجب إمتياز أحدهما عن الآخر فإذن التباين بمعنى الأختلاف في الحقيقة يقتضي أمورا ثبوتية خالف بهما أحدهما الآخر مخالفة تنفي ثماثله وإذا كان المراد بالمباينة ذلك لم يجز العلم بها إلا بعد العلم بأن الشيئين ليسا متماثلين وذلك لا يكون إلا بعد العلم بأمور ثبوتية تنفي مماثلتهما كما يعلم الطعم واللون والريح فيعلم أنها ليست متماثلة والعلم بأن الخالق مباين للمخلوق وأنه ممتاز عنه وأنه منفرد عنه يحصل قبل العلم بأن الله لا مثيل له وأن حقيقته مخالفة لحقيقة العالم كما أنه قد يحصل العلم بأنه ليس مماثلا للخلق بل مخالف له قبل العلم بأنه مباين للعالم ممتاز عنه منفرد عنه فإن باب الكيف غير باب الكم وباب الصفة غير باب القدر # وإذا كانت المباينة بالقدر والجهة تعلم دون هذه علم أنها أيضا ثابتة وأن كانت تلك أيضا ثابتة وأنه مباين للخلق بالوجهين جميعا بل المباينة بالجهة والقدر أكمل فإنها تكون لما يقوم بنفسه كما تكون له المباينة بالصفة والكيفية وأما المباينة بمجرد الصفة والكيفية فلا تكون إلا لما يقوم بغيره لأن عدم قيامه بنفسه يمنع أن يكون له قدر وحيز وجهة على سبيل الإستقلال ومن ها هنا تبينا الوجه الخامس والثلاثون وهو أن من المعلوم أن مباينة الله لخلقه أعظم من مباينة بعض الخلق بعضا سواء في ذلك مباينة الأجسام بعضها لبعض والأعراض بعضها لبعض ومباينة الأجسام للأعراض ثم الأجسام والأعراض تتباين مع تماثلها بأحيازها وجهاتها المستلزمة لتباين أعيانها وتتباين مع اختلافها كالجسمين المختلفين والعرضين المختلفين في محلين وأدنى ما تتباين به الإختلاف في الحقيقة والصفة دون الحيز كالعرضين المختلفين في محل واحد فلو لم يباين الباري لخلقه إلا بمجرد الإختلاف في الحقيقة والصفة دون الجهة والحيز والقدر لكانت مباينته لخلقه من جنس مباينة العرض لعرض آخر حال في محله أو مباينة الجسم للعرض الحال في محله وهذا يقتضي أن مباينته للعالم من جنس مباينة الشيئين اللذين هما في حيز واحد ومحل واحد فلا تكون هذه المباينة تنفي أن يكون هو العالم في محل واحد بل إذا كان العالم قائما بنفسه وكانت مباينته له من هذا الجنس كانت مباينته للعالم مباينة العرض للجسم الذي قام به ويكون العالم كالجسم وهو معه كالعرض وذلك يستلزم أن تكون مباينته للعالم مباينة المفتقر إلى العالم وإلى محل يحله لا سيما والقائم بنفسه مستغن عن الحال فيه وهذا من أبطل الباطل وأعظم الكفر فإن الله غني عن العالمين كما تقدم # ومن ها هنا جعله كثير من الجهمية حالا في كل مكان وربما جعلوه نفس الوجود القائم بالذوات أو جعلوه الوجود المطلق أو نفس الموجودات فهذا كله مع أنه من أبطل الباطل وهو تعطيل للصانع ففيه من إثبات فقره وحاجته إ إلى العالم ما يجب تنزيه الله عنه # وهؤلاء قد زعموا أنهم نزهوه عن الحيز والجهة فلا يكون مفتقرا إلى غيره فأحوجوه بهذا التنزيه إلى كل شيء وصرحوا بهذه الحاجة كما ذكرناه في غير هذا الموضع فسبحانه وتعالى عما يقول الظالمون علوا كبيرا ^ وقالوا اتخذ الرحمن ولدا لقد جئتم شيئا إدا تكاد السموات يتفرطن منه وتنشق الأرض وتخر الجبال هدا أن دعوا للرحمن ولدا وما ينبغي للرحمن أن يتخذ ولدا إن كل من في السموات والأرض إلا آتى الرحمن عبدا لقد أحصاهم وعدهم عدا وكلهم آتيه يوم القيامة فردا ^ ومع هذا فهؤلاء أقرب إلى الإثبات وإلى العلم من إثبات مباينة لا تعقل بحال وهو مباينة من قال لا داخل العالم ولا خارجه فإن هذه ليست كشيء من المباينات المعروفة التي أدناها مباينة العرض للجسم أو للعرض بحقيقته وأن ذلك يقتضي أن يكون أحدهما في الآخر أو يكونان كلاهما في محل واحد # وإذا كان هؤلاء النفاة لم يثبتوا له مباينة تعقل وتعرف بين موجودين علم أنه في موجب قولهم معدوما كما اتفق سلف الأمة وأئمتها على أن ذلك حقيقة قول هؤلاء الجهمية الذين يقولون إنه ليس فوق العرش إنهم جعلوه معدوما ووصفوه بصفة المعدوم # يدل على ذلك أن هذا الرازي جعل مباينته لخلقه من جنس مباينته للحيز ولا يجب أن يكون موجودا كما تقدم فعلم أنهم أثبتوا مباينته للعالم من جنس مباينة الموجود للمعدوم أو من جنس مباينة المعدوم للمعدوم والعالم موجود لا ريب فيه فيكونون قد جعلوه بمنزلة المعدوم وهذا حقيقة قولهم وإن كانوا قد لا يعلمون ذلك فإن هذا حال الضالين # الوجه السادس والثلاثون أن يقال هب أنهم أثبتوا له مباينة تعقل لبعض الموجودات فالواجب أن يكون مباينته للخلق أعظم من مباينة كل لكل فيجب أن يثبت له من المباينة أعظم من مباينة العرض للعرض ومباينة الجوهر للجوهر وذلك يقتضي أن يثبت له المباينة بالصفة التي تسمى المباينة بالحقيقة والكيفية والمباينة بالقدر التي تسمى المباينة بالجهة أو الكمية وأن كانت مباينته لهذين أعظم مما يعلم من مباينة المخلوق للمخلوق إذ ليس كمثله شيء في شيء مما يوصف به وأما إثبات بعض المباينات دون بعضها فهذا يقتضي مماثلته للمخلوق وأن يكون شبهه ببعض المخلوقات أعظم من شبه بعضها ببعض وذلك ممتنع |
|
03 Apr 2010, 03:26 AM
|
#68 |
|
وسام الشرف
![]() ![]() ![]() ![]() ![]() ![]() ![]()
|
# يوضح ذلك الوجه السابع والثالثون وهو أن المباينة تقتضي المخالفة في الحقيقة وهي ضد المماثلة وحيث كانت المباينة فإنها تستلزم ذلك فإن المباينة بالجهة والحيز تقتضي أن تكون عين أحدهما مغايرة لعين الآخر وهذا فيه رفع الأتحاد وإثبات مخالفة وكذلك أختلاف الصفة والقدر ترفع المماثلة وتثبت المباينة والمخالفة وهو ان كان قد قال ان المباينة يعني بها المباينة بالجهة والمخالفة في الحقيقة وقد ذكرنا انها في المعنى الاول اظهر فإنها تستلزم الأختلاف في الحقيقة حيث كانت فإن الشيئين المتماثلين لا يتصور أن يتماثلا حتى يرتفع التباين في العين بل لا بد أن تكون عين أحدهما ليست عين الآخر وأن يكون له ما يخصه من أحوال كالعرضين المتماثلين بل السوادين إذا حل أحدهما في محل بعد الآخر فإن زمان هذا غير زمان الآخر ولهذا يقال المباينة تكون بالزمان وتكون بالمكان وتكون بالحقيقة # المقصود هنا أن المباينة مستلزمة لرفع المماثلة فإذا كان الله سبحانه ليس كملثه شيء في أمر من الأمور وجب أن تكون له المباينة التامة بكل وجه فيكون مباينا للخلق بصفته وقدره بحقيقته وجهته وبقدمه الذي يفارق به الكائنات في زمانها فتكون الأشياء مباينة له بمكانها وزمانها وحقيقتها وهو سبحانه مباين لها بأزله وأبده وظهوره وبطونه فهو الأول والآخر والظاهر والباطن وهو مباين لها بصفته سبحانه وتعالى # يؤيد هذا أن المثبتة للصور أعظم تنزيها لله عن مماثلة الخلق من نفاتها لأن الأمور السلبية لا ترفع المماثلة بل الإعدام متماثلة وإنما يرتفع التماثل بالأمور الوجودية فكل من كان أعظم إثباتا لما توجبه اسماء الله وصفاته كان رفعه
المماثلة عن الله أعظم وظهر أن هؤلاء الجهمية الذين يزعمون أنهم يقصدون تنزيهه عن المشابهه هم الذين جعلوا له أمثالا وأندادا فيما أثبتوه وفيما نفوه كما تقدم بيان ذلك والله أعلم فصل # قال الرزاي البرهان الثالث في أنه يمتنع أن يكون الله مختصا بالجهة والحيز هو أنه لو كان مختصا بالجهه والحيز لكان لا يخلو إما أن يقال إنه غير متناه من جميع الجوانب أو يقال إنه غير متناه من بعض الجوانب أو يقال إنه متناه من كل الجوانب والأقسام الثلاثة باطلة فالقول بكونه مختصا بحيز وجهة باطل # أما قولنا إنه يمتنع أن يكون غير متناه من جميع الجوانب فيدل عليه وجوه # الأول أن وجود بعد لا نهاية له محال والدليل عليه أن فرض بعد غير متناه بفضي إلى المحال فوجب أن يكون محالا وإنما قلنا إنه بفضي إلى المحال لأنا إذا فرضنا بعدا غير متناه وفرضنا بعدا آخر متناهيا موازيا له ثم زال خط المتناهي من الموازاة إلى المسامتة فنقول هذا يقتضي أن يحصل من الخط الأول الذي هو غير متناه نقطة هي أول نقطة المسامتة وذلك الخط المتناهي ما كان مسامتا للخط الغير متناهي ثم صار مسامتا له فكانت هذه المسامتة حادثه في أول أوان حدوثها لا بد وأن يكون مع نقطة معينة فتكون تلك النقطة هي أول نقطة المسامتة لكن كون الخط غير متناه يمنع من ذلك لأن المسامتة مع النقطة الفوقانية تحصل قبل المسامتة مع النقطة التحتانية فإذا كان الخط غير متناه فلا نقطة فيه إلا وفوقها نقطة أخرى وذلك يمنع من حصول المسامتة في المرة الأولى مع نقطة معينة فثبت أن هذا يقتضي أن يحصل في الخط الغير متناهي نقطة هي أول نقطة المسامتة وأن لا يحصل وهذا المحال إنما لزم من فرضنا أن ذلك الخط غير متناه فوجب أن يكون في ذلك محالا فثبت أن القول بوجود بعد متناه محال # الوجه الثاني وهو أنه إذا كان القول بوجود بعد غير متناه ليس محالا فعند هذا لا يمكن إقامة الدليل على كون العالم متناهيا بكلية وذلك باطل بالإجماع # الوجه الثالث أنه لو كان غير متناه من جميع الجوانب لوجب أن لا يخلو شيء من الجهات والأحياز عن ذاته فحينئذ يلزم أن يكون العالم مخالطا لأجزاء ذاته وأن تكون القاذورات والنجاسات كذلك وهذا لا يقوله عاقل # وأما القسم الثاني وهو أن نقول غير متناه من بعض الجوانب وقناه من سائر الجوانب فهو أيضا باطل لوجهين # الأول أن البرهان الذي ذكرناه على امتناع بعد غير متناه قائم سواء قيل إنه غير متناه من كل الجوانب أو من بعض الجوانب # الثاني أن الجانب الذي فرض أنه غير متناه والجانب الذي فرض أنه متناه إما أن يكونا متساويين في الحقيقة والماهية وأما أن لا يكونا كذلك أما القسم الأول فإنه يقتضي أن يصح على كل واحد من هذين الجانبين ما يصح على الجانب الآخر وذلك بقتضي جواز الفصل والوصل والزيادة والنقصان على ذات الله تعالى وهو محال وأما القسم الثاني وهو القول بأن أحد الجانبين مخالف للجانب الثاني في الحقيقة والماهية فنقول أن هذا محال من وجوه الأول أن هذا يقتضي كون ذاته مركبة وهو باطل كما بينا الثاني أنا بينا أنه لا معنى للمتحيز إلا الشيء الممتد في الجهات المختص بالأحياز وبينا أن المقدار يمتنع أن يكون صفة بل يجب أن يكون ذاتا وبينا أنه متى كان الأمر كذلك كان جميع المتحيزات متساوية وإذا كان كذلك أمتنع القول بأن أحد جانبي ذلك شيء مخالف للجانب الآخر في الحقيقة والماهية # أما القسم الثالث وهو ان يقال إنه متناه من كل الجوانب فهذا أيضا باطل من وجهين الأول أن كل ما كان متناهيا من جميع الجوانب كانت حقيقته قابلة الزيادة والنقصان وكل ما كان كذلك كان محدثا على ما بيناه الثاني أنه كان متناهيا من جميع الجوانب فحينئذ تفرض فوقه أحياز خالية وجهات فارغة فلا يكون هو تعالى فوق جميع الأشياء بل تكون تلك الأحياز أشد فوقية من الله # وايضا فهو تعالى قادر على خلق الجسم في الحيز الفارغ فلو فرض حيز خال لكان قادرا على أن يخلق فيه جسما وعلى هذا التقدير يكون ذلك الجسم فوق الله تعالى وذلك عند الخصم محال مثبت أنه لو كان في جهة لم يخل الأمر عن أحد هذه الأقسام الثلاثة وثبت أن كل واحد منها باطل محال فكان القول بأن الله تعالى في الحيز والجهة محال # فإن قيل الستم تقولون أنه غير متناه في ذاته فيلزمكم جميع ما ألزمتمونا # قلنا الشيء الذي يقال إنه غير متناه على وجهين أحدهما أنه شيء غير مختص بجهة وحيز ومتى كان كذلك امتنع أن يكون له طرف ونهاية وحد # والثاني أنه مختص بجهة وحيز إلا أنه مع ذلك ليس لذاته مقطع وحد فنحن إذا قلنا لا نهاية لذات الله تعالى عنينا به التفسير الأول فإن كان مرادكم ذلك فقد ارتفع النزاع بيننا وإن كان مرادكم هو الوجه الثاني فحينئذ يتوجه عليكم ما ذكرنا من الدليل ولا ينقلب ذلك علينا لأنا لا نقول انه غير متناه بهذا التفسير حتى يلزمنا ذلك الإلزام فظهر الفرق وبالله التوفيق # يقال هذه الحجة هي من جنس قولهم لو كان فوق العرش لكان إما أن يكون أصغر منه أو بقدره أو أكبر منه ببعد متناه أو غير متناه وهذه الحجج من حجج الجهمية قديما كما ذكر ذلك الأئمة وذكروا أن جهما وأتباعه هم أول من أحدلث في ألإسلام هذه الصفات السلبية وإبطال نقيضها مثل قولهم ليس فوق العالم ولا هو داخل العالم ولا خارجه وليس في مكان دون مكان وليس بمتحيز ولا جوهر ولا جسم ولا نهاية ولا حد ونحو هذه العبارات فإن هذه العبارات جميعها وما يشبهها لا تؤثر عن أحد من الصحابة والتابعين ولا من أئمة الدين المعروفين ولا يروي بها حديث عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا توجد في شيء من كتب الله المنزلة من عنده بل هذه هي من أقوال الجهمية ومن الكلام الذي إتفق السلف على ذمة لما أحدثه من أحدثه فحيث ورد في كلام السلف ذم الجهمية كأن أهل هذه العبارات داخلين في ذلك وحيث ورد عنهم الكلام والمتكلمين كان أهل هذه العبارات داخلين في ذلك فإن ذلك لما أحدثه المبتدعون كثر ذم أئمة الدين لهم وكلامهم في ذلك كثير قد صنف فيه مصنفات حتى إن أعيان هذه العبارات وأمثالها ذكرها السلف والأئمة فيما أنكروه على الجهمية وأهل الكلام المحدث وقد قدمنا ما وصفه الإمام احمد من مذهب جهم حيث قال وتأول القرآن على غير تأويله وكذب باحاديث النبي صلى الله عليه وسلم وزعم أن من وصف الله بشيء مما وصف به نفسه في كتابه أو حدث عنه النبي كان كافرا وكان من المشبهة فأضل بشرا كثيرا وتبعه على قوله رجال من أصحاب أبي حنيفة وأصحاب عمرو إبن عبيد بالبصرة ووضع دين الجهمية فإذا سالهم الناس عن قول الله عز وجل ^ ليس كمثله شيء ^ ما تفسيره يقولون ليس كمثله شيء من الأشياء هو نحت الأرضين السابعة كما هو على العرش لا يخلو منه مكان ولا هو في مكان دون مكان ولا يتكلم ولا يكلم ولا ينظر إليه أحد في الدنيا ولا ينظر إليه أحد في الآخرة ولا يوصف ولا يعرف بصفته ولا يعقل ولا له غاية ولا منتهى ولا يدرك بعقل وهو وجه كله وهو سمع كله وهو نور كله وهو قدرة كله ولا يوصف بوصفين مختلفين وليس له أعلا ولا أسفل ولا نواحي ولا جوانب ولا يمين ولا شمال ولا هو خفيف ولا ثقيل ولا له لون ولا له جسم وليس بمعقول وكلما خطر بقلبك أنه شيء تعرفه فالله بخلافه # وقال أيضا الإمام أبو سعيد عثمان بن سعيد في كتابه المعروف الذي سماه نقض عثمان بن سعيد على المريسي الجهمي العنيد فيما افترى على الله في التوحيد قال # باب الحد والعرش # وادعى المعارض أنه ليس لله حد ولا غاية ولا نهاية قال وهذا هو الأصل الذي بني عليه جهم جميع ضلالاته واشتق منها أغلوطاته وهي كلمة لم يبلغنا أنه سبق جهما إليها أحد من العالمين فقال له قائل ممن يحاوره قد علمت مرادك أيها الأعجمي تعني أن الله لا شيء لأن الخلق كلهم علموا أنه ليس شيء يقع عليه إسم الشيء إلا وله حد وغاية وصفة وأن لا شيء ليس له حد ولا غاية ولا صفة فالشيء ابدا موصوف لا محالة ولا شيء يوصف بلا حد ولا غاية وقولك لا حد له تعني أنه لا شيء # قال أبو سعيد والله تعالى له حد لا يعلمه غيره ولا يجوز لأحد أن يتوهم لحده عاية في نفسه ولكن نؤمن بالحد ونكل علم ذلك إلى الله ولمكانه أيضا حد وهو على عرشه فوق سمواته فهذان حدان إثنان # قال وسئل إبن المبارك بم نعرف ربنا قال بأنه على عرشه بائن من خلقه قيل بحد قال بحد حدثناه الحسن بن الصباح البزار عن علي بن الحسن بن شقيق عن أبن المبارك قال فمن ادعى أن ليس لله حد فقد ردالقرآن وادعى أنه لا شيء لأن الله تعالى وصف حد مكانه في مواضع كثيرة من كتابه فقال ^ الرحمن على العرش استوى ^ ^ أأمنتم من في السماء ^ ^ يخافون ربهم من فوقهم ^ ^ إني متوفيك ورافعك إلي ^ ^ إليه يصعد الكلم الطيب ^ فهذا كله وما أشبهه شواهد ودلائل على الحد ومن لم يعترف به فقد كفر بتنزيل الله وجحد آيات الله # وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الله فوق عرشه فوق سمواته وقال للأمة السوداء أين الله قالت في السماء قال أعتقها فإنها مؤمنة فقول رسول الله صلىالله عليه وسلم إنها مؤمنة دليل على أنها لو لم تؤمن أن الله في السماء لم تكن مؤمنة وأنه لا يجوز في الرقبة المؤمنة إلا من شهد لله أنه في السماء كما قال الله ورسوله # ثم قال وحدثنا أحمد بن منيع البغدادي حدثنا أبو معاوية عن شبيب إبن شيبة عن الحسن عن عمران بن حصين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لأبيه يا حصين كم تعبد اليوم إلها قال سبعة ستة في الأرض وواحد في السماء قال فأيهم تعده لرغبتك ورهبتك قال الذي في السماء فلم ينكر النبي صلىالله عليه وسلم على الكافر إذا عرف أن أله العالمين في السماء كما قاله النبي صلىالله عليه وسلم لحصين الخزاعي في كفره يوئذ كان أعلم بالله الجليل الأجل من المريسي وأصحابه معما ينتحلون من الإسلام إذ ميز بين الإله الخالق الذي في السماء وبين الآلهة والأصنام المخلوقة التي في الأرض فقد اتفقت الكلمة من المسلمين والكافرين أن الله في السماء وحدوه بذلك إلا المريسي الضال وأصحابه حتى الصبيان الذين لم يبلغوا الحلم قد عرفوه بذلك إذا حزب الصبي شيء رفع يديه إلى ربه يدعوه في السماء دون ما سواها فكل أحد بالله وبمكانه أعلم من الجهمية # وقدمنا أيضا قوله في ضمن رده على الجهمي المنكر لأستواء الله على العرش قال وأعجب من هذا كله قياسك الله بقياس العرش ومقداره ووزنه من صغير أو كبير وزعمت كالصبيان العميان أن كان الله أكبر من العرش أو أصغر منه أو مثله فإن كان الله أصغر فقد صيرتم العرش أعظم منه وإن كان أكبر من العرش فقد ادعيتم فيه فضلا عن العرش وإن كان مثله فإنه إذا ضم إلى العرش السموات والأرض كانت أكبر من خرافات تكلم بها وترهات يلعب بها وضلالات يضل بها لو كان من يعمل عليه لله لقطع ثمرة لسانه والخيبة لقوم هذا مقيههم والمنظور إليه مع هذا التمييز كله وهذا النظر وكل هذه الجهالات والضلالات # فيقال لهذا البقباق النفاخ إن الله أعظم من كل شيء وأكبر من كل خلق ولم يحتمله العرش عظما ولا قوة ولا حمله العرش احتملوه بقوتهم ولا استقلوا بعرشه بشدة أسرهم ولكنهم حملوه بقدرته ومشيئته وإرادته وتأييده لولا ذلك ما أطاقوا حمله وقد بلغنا أنهم حين حملوا العرش وفوقه الجبار في عزته وبهائه ضعفوا عن حمله واستكانوا وجثوا على ركبهم حتى لقنوا لا حول ولا قوة الا بالله فاستقلوا به بقدرة الله وارادته ولولا ذلك ما استقل به العرش ولا الحملة ولا السموات والارض ومن فيهن ولو قد شاء لا ستقل على ظهر بعوضة فاستقلت به بقدرته ولطف ربوبيته فكيف على عرش عظيم اكبر من السموات السبع والارضين السبع ولو كان العرش في السموات والارضين ما وسعته ولكنه فوق السماء السابعة # واذا عرف اصل هذا الكلام فجيمع السلف والائمة الذين بلغهم ذلك انكروا ما فيه من هذه المعاني السلبية التي تنافي ما جاء به الكتاب والسنة # ثم من كان من السلف اخبر بحال الجهمية مثل الذين كانوا يباشرونهم من السلف والائمة الذين بالعراق وخراسان اذ ذاك فانهم كانوا اخبر بحقيقة امرهم لمجاورتهم لهم فانهم قد يتكلمون بنقيض ما نفوه وقد يتوقف بعضهم عن اطلاق اللفظ مثل لفظ الحد فان المشاهير بالامامة في السنة اثبتوه كما ذكره عثمان بن سعيد عنهم وسمى ابن المبارك # وذكر شيخ الاسلام ابو اسماعيل الانصاري الهروى في كتاب ذم الكلام باسناده ما ذكره حرب بن اسماعيل الكرماني صاحب احمد واسحاق في مسائلة عنهما وعن غيرهما قال قلت لاسحاق بن ابراهيم ما تقول في قوله ^ ما يكون من نجوى ثلاثة ^ الآية قال حيث ما كنت هو اقرب اليك من حبل الوريد وهو بائن من خلقه قلت لاسحاق على العرش بحد قال نعم بحد وذكره عن ابن المبارك قال هو على عرشه بائن من خلقه وذكر ايضا ما ذكره ابن ابي حاتم باسناده ان هشام بن عبيد الله الرازي القاضي صاحب محمد بن الحسن حبس رجلا في التجهم فتاب فجيء به الى هشام ليمتحنه فقال الحمد لله على التوبة اتشهد ان الله على عرشه بائن من خلقه قال اشهد ان الله على عرشه ولا ادري ما بائن من خلقه فقال ردوه الى الحبس فانه لم يتب وقال شيخ الاسلام شرح مسألة حد البينونة في كتاب الفاروق يعني تصنيفه باب اغنى عن تكريره ها هنا # وقال شيخ الاسلام في اثناء الطبقة الثانية من كتاب ذم الكلام واهله وسألت يحيى بن عمار عن ابي حاتم بن حبان البستي قلت رأيته قال كيف لم اره ونحن اخرجناه من سجستان كان له علم كثير ولم يكن له كثير دين قدم علينا فانكر الحد فاخرجناه من سجستان هذا مع ان هؤلاء الذين يذكر شيخ الاسلام اقوالهم من ائمة الحديث والفقه والتصوف وغيرهم وقد ذكر عنهم ذم الكلابية والكرامية والاشعرية ونحوهم على ما احدثوه مما بخالف طريقة اهل السنة والحديث # وذكر الخلال في كتاب السنة ما تقدم من رواية حرب عن اسحاق ابن ابراهيم وذكر ايضا عن حرب قال املي علي اسحاق بن ابراهيم ان الله عز وجل وصف نفسه في كتابه بصفات استغنى الخلق ان يصفوه بغير ما وصف به نفسه من ذلك قوله ^ يأتيهم الله في ظلل من الغمام ^ وقوله ^ وترى الملائكة حافين من حول العرش ^ في آيات كلها تصف العرش وقد ثبتت الروايات في العرش واعلى شيء فيه واثبته قول الله ^ الرحمن على العرش استوى ^ قال وانا ابو بكر المروذي ثنا محمد بن الصباح النيسابوري ثنا سليمان بن داود أبو داود الخفاف قال قال إساحاق بن ابراهيم بن راهويه قال الله تبارك وتعالى ^ الرحمن على العرش استوى ^ اجماع اهل العلم انه فوق العرش استوى ويعلم كل شيء في اسفل الارض السابعة وفي قعور البحر ورؤوس الآكام وبطون الاودية وفي كل موضع كما يعلم علم ما في السموات السبع وما فوق العرش احاط بكل شيء علما وما تسقط من ورقة الا يعلمها ولا حبة في ظلمات البر والبحر الا وقد عرف ذلك كله واحصاه ولا يعجزه معرفة شيء عن معرفة غيره # قال ابو بكر الخلال في كتاب السنة انا ابو بكر المروذي قال سمعت ابا عبد الله قيل له روى علي بن الحسن بن شقيق عن ابن المبارك انه قيل له كيف نعرف الله قال على العرش بحد قال قد بلغني ذلك عنه واعجبه ثم قال ابو عبد الله ^ هل ينظرون الا ان يأتيهم الله في ظلل من الغمام ^ ثم قال ^ وجاء ربك والملك صفا صفا ^ قال الخلال وانا محمد بن علي الوراق حدثنا ابو بكر الاثرم حدثني محمد بن ابراهيم القيسي قال قلت لاحمد بن حنبل يحكى عن ابن المبارك قيل له كيف نعرف ربنا قال في السماء السابعة على عرشه بحد فقال احمد هكذا هو عندنا وقال حدثنا الحسن بن صالح العطار ثنا هارون ابن يعقوب الهاشمي ان يعقوب بن العباس قال كنا عند ابي عبد الله قال فسألناه عن قول ابن المبارك على العرش استوى بحد فقلنا له ما معنى قول ابن المبارك بحد قال لا اعرفه ولكن ولهذا شواهد من القرآن في خمسة مواضع ^ اليه يصعد الكلم الطيب ^ ^ أأمنتم من في السماء ^ ^ تعرج الملائكة والروح اليه ^ وهو على العرش وعلمه مع كل وقولهم ما معنى قول ابن المبارك وقوله لا اعرفه قد يكون لا اعرف حقيقة مراده لكن للمعنى الظاهر من اللفظ شواهد وهو النصوص التي تدل على ان الله تنتهي اليه الامور وانه في السماء ونحو ذلك وقد يكون لا ادري من اين قال ذلك لكن له شواهد # وقال الخلال انا يوسف بن موسى ان ابا عبد الله احمد بن حنيل قيل له والله تبارك وتعالى فوق السماء السابعة على عرشه بائن من خلقه وقدرته وعلمه بكل مكان قال نعم على عرشه لا يخلو شيء من علمه وقال اخبرني عبد الملك الميموني انه سأل ابا عبد الله ما تقول فيمن قال ان الله ليس على العرش قال كلامهم كله يدور على الكفر # وهذا المحفوظ عن السلف والائمة من اثبات حد لله في نفسه قد بينوا مع ذلك ان العباد لا يحدونه ولا يدركونه ولهذا لم يتناف كلامهم في ذلك كما يظنه بعض الناس فانهم نفوا ان يحد احد الله كما ذكره حنبل عنه في كتاب السنة والمحنة وقد رواه الخلال في كتاب السنة اخبرني عبد الله بن حنبل حدثني ابي حنبل بن اسحاق قال قال عمي نحن نؤمن بالله عز وجل على عرشه كيف شاء وكما شاء بلا حد ولا صفة يبلغها واصف او يحده احد فصفات الله عز وجل منه وله وهو كما وصف نفسه لا تدركه الابصار بحد ولا غاية وهو يدرك الابصار وهو عالم الغيب والشهادة علام الغيوب ولا يدركه وصف واصف وهو كما وصف نفسه وليس من الله شيء محدود ولا يبلغ علمه وقدرته احد غلب الاشياء كلها بعلمه وقدرته وسلطانه ليس كمثله شيء وهو السميع البصير وكان الله قبل ان يكون شيء والله الاول وهو الآخر ولا يبلغ احد حد صفاته فالتسليم لامر الله والرضا بقضائه نسأل الله التوفيق والسداد انه على كل شيء قدير # وذلك ان لفظ الحد عند كل من تكلم به يراد به شيئآن يراد به حقيقة الشيء في نفسه ويراد به الوجود العيني او الوجود الذهني فاخبر ابو عبد الله انه على العرش بلا حد يحده احد او صفة يبلغها واصف واتبع ذلك بقوله ^ لا تدركه الابصار ^ بحد ولا غاية وهذا التفسير الصحيح للادراك أي لا تحيط الابصار بحده ولا غايته ثم قال ^ وهو يدرك الابصار ^ وهو عالم الغيب والشهادة علام الغيوب ليتبين انه عالم بنفسه وبكل شيء # وقال الخلال واخبرني علي بن عيسى ان حنبلا حدثهم قال سألت ابا عبد الله عن الاحاديث التي تروى ان الله تبارك وتعالى ينزل الى السماء الدنيا وان الله يضع قدمه وما اشبه هذه الاحاديث فقال ابو عبد الله نؤمن بها ونصدق بها ولا كيف ولا معنى ولا نرد منها شيئا ونعلم ان ما جاء به الرسول حق اذا كانت بأسانيد صحاح ولا نرد على الله قوله ولا يوصف بأكثر مما وصف به نفسه بلا حد ولا غاية ليس كمثله شيء قال وقال حنبل في موضع آخر قال ليس كمثله شيء في ذاته كما وسف به نفسه فقد اجمل تبارك وتعالى بالصفة لنفسه فحد لنفسه صفة ليس يشبهه شيء فيعبد الله بصفاته غير محدودة ولا معلومة الا بما وصف نفسه قال تعالى ^ وهو السميع البصير ^ # قال وقال حنبل في موضع آخر قال فهو سميع بصير بلا حد ولا تقدير ولا يبلغ الواصفون وصفاته منه وله ولا يتعدى القرآن والحديث فنقول كما قال ونصفه كما وصف نفسه ولا يتعدى ذلك ولا تبلغه صفة الواصفين نؤمن بالقرآن كله محكمة ومتشابهة ولا نزيل عنه صفة من صفاته لشناعة شنعت وما وصف به نفسه من كلام ونزول وخلوة بعبده يوم القيامة ووضعه كنفه عليه هذا كله يدل على ان الله يرى في الآخرة والتحديد في هذا بدعة والتسليم لله بأمره بغير صفة ولا حد الا ما وصف به نفسه سميع بصير لم يزل متكلما عالما غفورا عالم الغيب والشهادة علام الغيوب فهذه صفات وصف بها نفسه لا تدفع ولا ترد وهو على العرش بد حد كما قال ^ ثم استوى على العرش ^ كيف شاء المشيئة اليه عز وجل والاستطاعة له ^ ليس كمثله شيء ^ وهو خالق كل شيء وهو كما وصف نفسه سميع بصير بلا حد ولا تقدير قول ابراهيم لابيه ^ يا أبت لم تعبد ما لا يسمع ولا يبصر ^ فثبت ان الله سميع بصير صفاته منه لا نتعدى القرآن والحديث والخبر يضحك الله ولا نعلم كيف ذلك الا بتصديق الرسول صلى الله عليه وسلم وتثبيت القرآن ولا يصفه الواصفون ولا يحده احد تعالى الله عما يقول الجهمية والمشبهة # وقال لي ابو عبد الله قال لي اسحاق بن ابراهيم لما قرأ الكتاب بالمحنة تقول ^ ليس كمثله شيء ^ فقلت له ^ ليس كمثله شيء وهو السميع البصير ^ قال ما اردت بهذا قلت القرآن صفة من صفات الله وصف بها نفسه لا ننكر ذلك ولا نرده قلت له المشبهة ما يقولون قال من قال بصر كبصري ويد كيدي وقال حنبل في موضع آخر وقدم كقدمي فقد شبه الله بخلقه وهذا يحده وهذا كلام سوء وهذا محدود والكلام في هذا لا احبه قال عبد الله جردوا القرآن وقال النبي صلى الله عليه وسلم يضع قدمه نؤمن به ولا نحده ولا نرده على رسول الله صلى الله عليه وسلم بل نؤمن به قال الله تبارك وتعالى ^ ما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا ^ فقد امرنا الله عز وجل بالاخذ بما جاء والنهي عما نهى واسماؤه وصفاته غير مخلوقة ونعوذ بالله من الزلل والارتياب والشك انه على كل شيء قدير # قال وزادني ابو القاسم الجبلي عن حنبل في هذا الكلام وقال تبارك وتعالى ^ الله لا اله الا هو الحي القيوم ^ ^ الله لا اله الا هو الملك القدوس السلام المؤمن المهين العزيز الجبار المتكبر ^ هذه صفات الله عز وجل واسماؤه تبارك وتعالى وزاد علي بن عيسى عن حنبل قال وسمعت ابا عبد الله يقول ما احد اشد حدثا على اهل البدع والخلاف من حماد بن سلمة ولا اروى لاحاديث الرؤية والرد على القدرية والمعتزلة منه قال وسمعت ابا عبد الله يقول القوم يرجعون الى التعطيل في قولهم كله ينكرون الآثار وما ظننتهم هكذا حتى سمعت مقالتهم # وكذلك قال عبد العزيز بن عبد الله بن ابي سلمة الماجشون احد ائمة المدينة المشاهير على عهد مالك بن انس وهم مالك وابن ابي ذئب وابن الماجشون هذا قال في كلامه المشهور عنه الذي رواه ابن بطة وغيره بأسانيد صحيحة قال وقد سئل فيما جحدته الجهمية اما بعد فقد فهمت ما سألت فيما تتابعت فيه الجهمية ومن خالفها في صفة الرب العظيم الذي فاقت عظمته الوصف والتقدير وكلت الالسن عن تفسير صفته وانحسرت العقول دون معرفة قدره وردت عظمته العقول فلم تجد مساغا فرجعت خاسئة وهي حسيرة فانما امروا بالنظر والتفكير فيما خلق بالتقدير وانما يقال كيف لمن لم يكن مرة ثم كان فأما الذي يحول ولا يزول ولم يزل وليس له مثل فانه لا يعلم كيف هو الا هو وكيف يعرف قدر من لم يبدأ ولا يموت ولا يبلى وكيف يكون لصفة شيء منه حد او منتهى يعرفه عارف او يحد قدره واصف على انه الحق المبين لا حق احق منه ولا شيء ابين منه الدليل على عجز العقول عن تحقيق صفته عجزها عن تحقيق صفة اصغر خلقه لا تكاد تراه صغيرا يحول ويزول ولا يرى له سمع ولا بصر ولما يتقلب به ويحتال من عقله اعضل بك واخفى عليك مما ظهر من سمعه وبصره فتبارك الله احسن الخالقين وخالقهم وسيد السادة وربهم ^ ليس كمثله شيء وهو السميع البصير ^ اعرف رحمك الله غناك عن تكلف صفة ما لم يصف الرب من نفسه بعجزك عن معرفة قدر ما وصف منها اذا لم تعرف قدر ما وصف فما تكلفك علم ما لم يصف هل تستدل بذلك على شيء من طاعته او تنزجر به عن شيء من معصيته # فأما الذي جحد ما وصف الرب تعمقا وتكلفا فقد استهوته الشياطين في الارض حيران فصار يستدل بزعمه على جحد ما وصف الرب وسمى من نفسه بأن قال لا بد ان كان له كذا من ان يكون له كذا فعمي عن البين بالخفي بجحد ما سمى الرب بنفسه بصمت الرب عما لم يسم منها فلم يزل يملي له الشيطان حتى جحد قول الله عز وجل ^ وجوه يومئذ ناضرة الى ربها ناظرة ^ فقال لا يراه احد يوم القيامة فجحد والله افضل كرامة الله التي اكرم بها اولياءه يوم القيامة من النظر الى وجهه ونظر الله اياهم في مقعد صدق عند مليك مقتدر قد قضى انهم لا يموتون فهم بالنظر اليه ينضرون # الى ان قال وانما جحد رؤيته يوم القيامة اقامة للحجة الضالة المضلة لانه قد عرف اذا تجلى لهم يوم القيامة رأوا منه ما كانوا به قبل ذلك مؤمنين وكان له جاحدا وقال المسلمون يا رسول الله هل نرى ربنا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم هل تضارون في رؤية الشمس ليس دونها سحاب قالوا لا قال فهل تضارون في رؤية القمر ليلة البدر ليس دونه سحاب قالوا لا قال فانكم ترون ربكم يومئذ كذلك وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تمتليء النار حتى يضع رب العزة فيها قدمه فتقول قط قط وينزوي بعضها الى بعض وقال لثابت بن قيس بن شماس لقد ضحك الله مما فعلت بضيفك البارحة |
|
03 Apr 2010, 03:27 AM
|
#69 |
|
وسام الشرف
![]() ![]() ![]() ![]() ![]() ![]() ![]()
|
وقال فيما بلغنا ان الله ليضحك من ازلكم وقنوطكم وسرعة اجابتكم فقال له رجل من العرب ان ربنا ليضحك قال نعم قال لا نعدم من رب يضحك خيرا في اشباه لهذا مما لم نحصيه # وقال الله تعالى ^ وهو السميع البصير ^ ^ واصبر لحكم ربك فانك بأعيننا ^ وقال ^ ولتصنع على عيني ^ وقال ^ ما منعك ان تسجد لما خلقت بيدي ^ وقال ^ والارض جميعا قبضته يوم القيامة والسموات مطويات بيمينه سبحانه وتعالى عما يشركون ^ فوالله ما دلهم على عظم ما وصف به نفسه وما تحيط به قبضته الا صغر نظيرها منهم عندهم ان ذلك الذي القى في روعهم وخلق على معرفته قلوبهم فما وصف الله من نفسه وسماه على لسان رسوله سميناه كما سماه ولم نتكلف منه صفة ما سواه لا هذا ولا هذا لا نجحد ما وصف ولا نتكلف معرفة ما لم يصف # اعلم رحمك الله ان العصمة في الدين ان تنتهي حيث انتهى بك ولا تجاوز ما قد حد لك فان من قوام الدين معرفة المعروف وانكار المنكر فما بسطت عليه المعرفة وسكنت اليه الافئدة وذكر اصله في الكتاب والسنة وتوارث علمه الامة فلا تخافن في ذكره وصفته من ربك ما وصف من نفسه عيبا ولا تكلفن لما وصف لك من ذلك قدرا وما انكرته نفسك ولم تجد ذكره في كتاب ربك ولا في الحديث عن نبيك من ذكر صفة ربك فلا تتكلفن علمه بعقلك ولا تصفه بلسانك واصمت عنه كما صمت الرب عنه من نفسه فان تكلفك معرفة ما لم يصف من نفسه مثل انكارك ما وصف منها فكما اعظمت ما جحد الجاحدون مما وصف من نفسه فكذلك اعظم تكلف ما وصف
الواصفون ما لم يصف منها فقد والله عز المسلمون الذين يعرفون المعروف ويمعرفتهم يعرف وينكرون المنكر ويانكارهم ينكر يسمعون ما وصف الله به نفسه من هذا في كتابه وما يبلغهم مثله عن نبيه فما مرض من ذكر هذا وتسميته من الرب قلب مسلم ولا تكلف صفة قدره ولا تسمية غيره من الرب مؤمن وما ذكر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم انه سماه من صفة ربه فهو بمنزلة ما سمى ووصف الرب تعالى من نفسه والراسخون في العلم الواقفون حيث انتهى علمهم الواصفون لربهم بما وصف من نفسه التاركون لما ترك من ذكرها لا ينكرون صفة ما سمى منها جحدا ولا يتكلفون صفة ما لم يسم تعمقا لان الحق تبرك ما ترك وتسمية ما سمى ^ ومن يتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى ونصله جهنم وسآت مصيرا ^ وهب لنا ولكم حكما والحقنا بالصالحين وهذا كله كلام ابن الماجشون فصل # والكلام على هذه الحجة في مقامين احدهما منع المقدمة الاولى والثاني منع الثانية # اما الاول فهو قول من يقول هو فوق العرش وليس له حد ولا مقدار ولا هو جسم كما يقول ذلك كثير من الصفاتية من الكلابية وائمة الاشعرية وقدمائهم ومن وافقهم من الفقهاء والطوائف الاربعة وغيرهم واهل الحديث والصوفية وغير هؤلاء وهم امم لا يحصيهم الا الله ومن هؤلاء ابو حاتم ابن حبان وابو سليمان الخطابي البستيان قال ابو سليمان الحطابي في الرسالة الناصحة لما تكلم على الصفات ومما يجب ان يعلم من هذا الباب ويحكم القول فيه انه لا يجوز ان يعتمد في الصفات الا الاحاديث المشهورة التي قد ثبتت بصحة اسانيدها وعدالة ناقليها فان قوما من اهل الحديث قد تعلقوا منها بالفاظ لا تصح من طريق السند وانما هي من رواية المفاريد والشواذ فجعلوها اصلا في الصفات وادخلوها في جملتها كحديث الشفاعة وما روي فيه من قوله فاعود الى ربي فاجده بمكانه او في مكانه فزعموا على هذا المعنى ان لله مكانا تعالى الله عن ذلك وانما هذه اللفظة تفرد بها في هذه القصة شريك بن عبد الله بن ابي نمر وخالفه اصحابه فيها ولم يتابعوه عليها وسبيل مثل هذه الزيادة ان ترد ولا تقبل لاستحالتها ولان مخالفة اصحاب الراوي له في الرواية كخلاف البينة للبينة اذا تعارضت البينتان سقطتا معا وقد تحتمل هذه اللفظة لو كانت صحيحة ان يكون معناها انه يجد ربه بمكانه الاول من الاجابة في الشفاعة والاسعاف بالمسألة اذا كان مرويا في الخبر انه يعود مرارا فيسأل ربه في المذنبين من امته كل ذلك يشفعه ويسعفه بمسألته فيهم # قلت هذا في حديث المعراج بحديث الشفاعة ولكن في حديث الشفاعة فأستأذن من رواية شريك ولكن غلظ الخطابي في بذلك فاشتبه عليه حديث المعراج على ربي في داره فيؤذن لي عليه فاذا رأيته وقعت ساجدا ذكر ذلك ثلاث مرات وهذا في الصحيح من رواية قتادة عن انس واما تلك اللفظة فهي في حديث المعراج من رواية شريك وليس هذا موضع الكلام في ذلك # قال الخطابي ومن هذا الباب قوما منهم زعموا ان لله حدا وكان اعلا ما احتجوا به في ذلك حكاية عن ابن المبارك قال علي بن الحسن بن شقيق قلت لابن المبارك انعرف الله بحد او نثبته بحد فقال نعم بحد فحعلوه اصلا في هذا الباب وزادوا الحد في صفاته تعالى الله عن ذلك وسبيل هؤلاء القوم عافانا الله واياهم ان بعلموا ان صفات الباري لا تؤخذ الا من كتاب الله تعالى وقول رسول الله صلى الله عليه وسلم دون قول احد من الناس كائنا من كان علت درجته او نزلت تقدم زمانه او تأخر لانها لا تدرك من طريق القياس والاجتهاد فيكون فيها لقائل مقال ولنظر مجال على ان هذه الحكاية عن ابن المبارك قد رويت لنا انه قيل له انعرف الله بجد فقال نعم بجد بالجيم دون الحاء # قال وزعم بعضهم ان يقال ان له حدا لا كالحدود كما تقول يد لا كالايدي فيقال له انما احوجنا الى ان نقول يد لا كالايدي لان اليد قد جاء ذكرها في القرآن وفي السنة فلزم قبولها ولم يجز ردها فاين ذكر الحد في الكتاب او في السنة حتى نقول حدا لا كالحدود كما نقول يد لا كالايدي ارأيت ان قال قائل رأس لا كالرؤوس قياسا على قولنا يد لا كالايدي هل تكون الحجة عليه الا نظير ما ذكرنا في الحد من انه لما جاء ذكر اليد وجب القول به ولما لم يجيء ذكر الرأس لم يجز القول به # وممن انكر الحد ابو الحارث # وكان القاضي ابو يعلي ينكر الحد ثم رجع الى الاقرار به وكذلك لفظ الجهة قال في كتاب ابطال التأويلات لاخبار الصفات في كلامه على حديث العباس بن عبد المطلب والاستواء على العرش فاذا ثبت انه على العرش فالعرش في جهة وهو على عرشه وقد منعنا في كتابنا هذا في غير موضع اطلاق الجهة عليه والصواب جواز القول بذلك لان احمد قد اثبت هذه الصفة التي هي الاستواء على العرش وأثبت أنه في السماء وكل من أثبت هذا أثبت الجهة وهم أصحاب ابن كرام وابن منده الأصبهاني المحدث # قال والدلالة عليه أن العرش في جهة بلا خلاف وقد ثبت بنص القرآن أنه مستو عليه فاقتضى أنه في جهة ولأن كل عاقل من مسلم وكافر إذا دعا فإنما يرفع يديه ووجهه نحو السماء وفي هذا كفاية ولأن من نفي الجهة من المعتزلة والأشعرية يقول ليس في جهة ولا خارجا منها وقال قائل هذا بمثابة من قال باثبات موجود مع وجود غيره ولا يكون وجود أحدهما قبل وجود الآخر ولا بعده ولأن العوام لا يفرقون بين قول القائل طلبته فلم أجده في موضع ما وبين قوله طلبته فإذا هو معدوم # قال وقد احتج ابن منده على اثبات الجهة بأنه لما نطق القرآن بإذن الله على العرش وأنه في السماء وجاءت السنة بمثل ذلك وبأن الجنة مسكنه وأنه في ذلك وهذه الأشياء أمكنة في نفسها فدل على أنه في مكان # قال وإذا ثبت استواؤه ثبت أنه على العرش وأنه في جهة فهل الاستواء من صفات الذات قياس قول أصحابنا أنه من صفات الذات وأنه موصوف بها في القدم وإن لم يكن هناك عرش موجود لتحقق وجود ذلك فيه في الثاني لأنهم قالوا خالق ورازق موصوف به فيما لم يزل ولا مخلوق ولا مرزوق لتحقق الفعل من جهته وقد تقول العرب سيف مقطوع و خبر مستمع و ماء مرو وإن لم يوجد منه القطع لتحقق الفعل منه واستدل بعض أصحابنا بأنه موصوف في الأزل بالربوبية ولا مربوب وبالألوهية ولا مألوه وعلى قياس هذا النزول إلى السماء والمجيء في ظلل من الغمام ووضع القدم في النار # فإن قيل فقد قال أحمد في رواية حنبل هو على العرش كيف شاء وكما شاء وصفات الذات لا تدخل تحت المشيئة بل المشيئة راجعة إلى خلق العرش لا إلى الاستواء عليه قلت وفي هذا نزاع بين الأصحاب وغيرهم ليس هذا موضعه # قال القاضي وإذا ثبت استواؤه وأنه في جهة وأن ذلك من صفات الذات فهل يجوز اطلاق الحد عليه قد أطلق أحمد القول بذلك في رواية المروذي فقد ذكر له قول ابن المبارك نعرف الله على العرش بحد فقال أحمد بلغني ذلك وأعجبه وقال الأثرم قلت لأحمد يحكى عن ابن المبارك نعرف ربنا في السماء السابعة على عرشه بحد فقال أحمد هكذا هو عندنا قال القاضي ورأيت بخط أبي اسحاق أنا أبو بكر أحمد بن نصر الرفاء سمعت أبا بكر بن أبي داود سمعت أبي يقول جاء رجل إلى أحمد بن حنبل فقال له لله تبارك وتعالى حد قال نعم لا يعلمه إلا هو قال الله تبارك وتعالى ^ وترى الملائكة حافين من حول العرش ^ يقول محدقين # قال فقد أطلق أحمد القول بإثبات الحد لله وقد نفاه في رواية حنبل فقال نحن نؤمن بأن الله على العرش كيف شاء وكما شاء بلا حد ولا صفة يبلغها واصف أو يحده أحد فقد نفى الحد عن الصفة المذكورة وهو الحد الذي يعلمه خلقه والموضع الذي أطلقه محمول على معنيين أحدهما أنه تعالى في جهة مخصوصة وليس هو تعالى ذاهبا في الجهات بل خارج العالم متميز عن خلقه منفصل عنهم غير داخل في كل جهة وهذا معنى قول أحمد له حد لا يعلمه إلا هو والثاني أنه على صفة يبين بها عن غيره ويتميز ولهذا سمي البواب حدادا لأنه يمنع غيره عن الدخول فهو تعالى فرد واحد ممتنع عن الاشتراك له في أخص صفاته # قال وقد منعنا من إطلاق القول بالحد في غير موضع من كتابنا ويجب أن يجوز على الوجه الذي ذكرناه فهذا رجوع منه إلى القول بإثبات الحد لكن اختلف في ذلك كلامه فقال هنا ويجب أن يحمل على اختلاف كلام أحمد في إثبات الحد على اختلاف حالين فالموضع الذي قال إنه على العرش بحد معناه ما حاذى العرش من ذاته فهو حد له وجهة له والموضع الذي قال هو على العرش بغير حد معناه ما عدا الجهة المحاذية للعرش وهي الفوق والخلف والأمام والميمنة والميسرة وكان الفرق بين جهة التحت المحاذية للعرش وبين غيرها ما ذكرنا أن جهة التحت تحاذي العرش بما قد ثبت من الدليل والعرش محدود فجاز أن يوصف ما حاذاه من الذات أنه حد وجهة وليس كذلك فيما عداه لأنه لا يحاذي ما هو محدود بل هو مار في الميمنة والميسرة والفوق والأمام والخلف إلى غير غاية فلهذا لم يوصف واحد من ذلك بالحد والجهة وجهة العرش تحاذي ما قابله من جهة الذات ولم تحاذ جميع الذات لأنه لا نهاية لها # قلت هذا الذي ذكره في تفسير كلام أحمد ليس بصواب بل كلام أحمد كما قال أولا حيث نفاه نفي تحديد الحاد له وعلمه بحده وحيث أثبته أثبته في نفسه ولفظ الحد يقال على حقيقة المحدود صفة أو قدرا أو مجموعهما ويقال على العلم والقول الدال على المحدود # وأما ما ذكره القاضي في إثبات الحد من ناحية العرش فقط فهذا قد اختلف فيه كلامه وهو قول طائفة من أهل الإثبات والجمهور على خلافه وهو الصواب # والمقصود أن نفاه الحد والمقدار والجسم ونحو ذلك من الصفاتية الذين يقولون أنه على العرش يقولون لا نسلم أنه إذا كان هو ينفسه فوق العرش فإنه لا يلزم أن يوصف بتناهي المقدار كما لا يستلزم الانقسام وكذلك لا يستلزم أن يوصف عندهم بعدم التناهي الذي هو بعد لا يتناهى كما لا يوصف عندهم بعدم الانقسام الذي هو جزء لا ينقسم وكذلك لا يستلزم ذلك عندهم أن يوصف بأنه أكبر من العرش في المقدار والمساحة أو أصغر أو بقدره فإنهم يقولون هذه اللوازم كلها إنما تلزم إذا فرض أن فوق العرش ما هو جسم أما إذا كان الذي فوق العرش ليس بجسم فإنه يمتنع أن يستلزم لوازم الجسم لأن الانقسام أو التناهي والتحديد ونحو ذلك هي لازمة للجسم وملزومة له فلا يكون متناهيا محدودا مقسوما إلا ما يكون جسما ولا يكون جسما إلا ما جاز أن يوصف بالانقسام أو بقبول التناهي والتحديد وعدم ذلك # قالوا لمنازعيهم من النفاة فإذا اتفقنا على أنه ليس بجسم أو إذا قام الدليل على انه ليس بجسم وقد علمنا بالفطرة والضرورة العقلية والأدلة المتواترة السمعية واتفاق سلف الأمة وخير البرية أنه فوق العرش كان التقدير أن الذي فوق العرش ليس بجسم وحينئذ فقول القائل إما أن يكون متناهيا أو ذاهبا في الجهات إلى غير غاية وإما أن يكون منقسما أو جوهرا فردا كل ذلك باطل لأن هذه اللوازم إنما تكون إذا كان الذي على العرش جسما أما إذا كان غير جسم ولا متحيز فإنه لا يلزمه شيء من هذه اللوازم # وقالوا هذا اللزوم والتقسيم كله من حكم الوهم والخيال وباب الربوبية لا يجوز أن يحكم فيه بحكم الوهم والخيال كما قد قرره هذا المؤسس في مقدمة هذا الكتاب # ولا ريب أن قولهم هذا أصح من قول منازعيهم من النفاة لما قيل لهم إما أن يكونا متباينين وإما أن يكونا متحايثين وإما أن يكون أحدهما بحيث الآخر وإما أن يكون مباينا عنه بالجهة فقالوا ليس بكذا ولا كذا ففنوا الطريقين جميعا وقالوا إنه لا يمكن أن يحس به ولا أن يشار إليه بالحس فقيل لهم هذا أحقر من الجوهر الفرد فقالوا في جواب ذلك إنما يلزم لو كان جسما أو لو كان موصوفا بالحيز والمقدار أو قالوا هذا من حكم الوهم والخيال أو حكم الحس والوهم # فقد بينا فيما تقدم غير مرة أن كلام منازعيهم هؤلاء أبعد عن الخطأ في العقل والدين من منازعيهم فانهم هم أعظم مخالفة لما يعلم بضرورة العقل وبديهته وفطرته من منازعيهم هؤلاء المثبتين لأن الله على العرش الموافقين لهم على نفي الجسم وقد تقدم التنبيه على أصل كلام هؤلاء وأنه إن كان كثيرا ممن يوافقهم على أن الله على العرش أو على نفي الجسم يقول إن هذا القول متناقض ويصفهم بالتناقض في ذلك فالنفاة أعظم تناقضا منهم وأعظم مخالفة لما يعلم بالاضطرار في العقل والدين وأن هؤلاء أعظم مخالفة للعلوم الشرعية والعقلية ولا ريب أن كلام هؤلاء فيه ما يحتج به مثبتو الحد والمقدار والتحيز والجهة وفيه ما يحتج به نفاة الجسم والتحيز والجهة أيضا فلهذا قيل إنهم متناقضون أو أن لهم قولين # وقد ذكرنا بعض كلام أبي الحسن الأشعري وغيره من أئمة أصحابه الذي احتجوا به على أن الله على العرش وما احتجوا في ذلك من الآيات التي يحتج بها على اثبات الحد فقال باب ذكر الاستواء فإن قال قائل ما تقولون في الاستواء قيل له إن الله مستو على عرشه كما قال سبحانه ^ الرحمن على العرش استوى ^ وقد قال عز وجل ^ إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه ^ وقال سبحانه ^ بل رفعه الله إليه ^ وقال سبحانه ^ يدبر الأمر من السماء إلى الأرض ثم يعرج إليه ^ وهذه الآيات التي استشهد بها الامام أحمد لقول ابن المبارك وكذلك هي التي احتج بها عثمان بن سعيد الدارمي وغيره على ذلك فهذا الرازي وموافقوه على النفي من المعتزلة ومتأخري الأشعرية يسلمون أن الاستدلال بهذه الآيات على أن الله فوق العرش يستلزم القول بدلالتها على أن الله متحيز في جهة وأن له حدا وقد تقدم تمام قول الأشعري # قال أيضا وقد قال تعالى ^ يخافون ربهم من فوقهم ^ وقال سبحانه ^ تعرج الملائكة والروح إليه ^ وقال سبحانه ^ ثم استوى إلى السماء ^ وقال ^ ثم استوى على العرش الرحمن فاسأل به خبيرا ^ وقال ^ ثم استوى على العرش مالكم من دونه من ولي ولا شفيع ^ قال وكل هذا يدل على أنه في السماء مستو على عرشه قال والسماء باجماع الناس ليست في الأرض فدل على أنه عز وجل منفرد بوحدانيته مستو على عرشه كما وصف نفسه قال وقال سبحانه ^ وجاء ربك والملك صفا صفا ^ وقال عز وجل ^ هل ينظرون إلا أن يأتيهم الله في ظلل من الغمام والملائكة ^ وهاتان الآيتان هما اللتان احتج بهما أحمد على قول ابن المبارك في الرواية الأخرى # قال وقال سبحانه ^ يا عيسى إني متوفيك ورافعك إلي ^ وقال سبحانه ^ وما قتلوه يقينا بل رفعه الله إليه ^ قال واجتمعت الأمة على أن الله رفع عيسى إلى السماء قال ومن دعاء المسلمين جميعا إذا هم رغبوا إلى الله في الأمر النازل بهم أنهم يقولون يا ساكن العرش أو يامن احتجب بالعرش أو بسبع سموات وهذا تصريح منه باحتجابه بالأجسام المخلوقة وهذا عند منازعيه من نفاة أصحابه وغيرهم يستلزم أن يكون جسما متحيزا # قال وقال عز وجل ^ وما كان لبشر أن يكلمه الله إلا وحيا أو من وراء حجاب أو يرسل رسولا فيوحي إذنه ما يشاء ^ وقد خصت الآية البشر دون غيرهم وهذا كله منه يقتضي أن الله سبحانه قد يحتجب عن شيء دون شيء ممن ليس من جنس البشر ولو كانت الآية عامة للبشر وغيرهم لكان أبعد عن شبهة وإدخال الشك عل من سمع الآية أن يقول لأحد أن يكلمه الله إلا وحيا ومن وراء حجاب أو يرسل رسولا فيرفع الشك والحيرة من أن يقول ما كان لجنس من الأجناس أن يكلمه الله إلا وحيا ومن وراء حجاب أو يرسل رسولا وترك أجناسا لم يعمهم بالآية قال فدل ما ذكرناه على أن خص البشر دون غيرهم وقد احتج بذلك على أن الله فوق العرش لأن النفاة يقولون الاحتجاب لا يكون إلا من صفات الأجسام ولا يكون على العرش إلا إذا كان جسما وهذا قد استدل بهذه الآيات على احتجابه عن بعض خلقه المستلزم أن يكون على العرش # قال وقال الله عز وجل ^ ثم ردوا إلى الله مولاهم الحق ^ ^ ولو ترى إذ وقفوا على ربهم ^ وقال ^ ولو ترى إذ المجرمون ناكسو رؤسهم عند ربهم ^ وقال سبحانه ^ وعرضوا على ربك صفا لقد جئتمونا كما خلقناكم أول مرة ^ وقال كل ذلك يدل على أنه ليس في خلقه ولا خلقة فيه وأنه سبحانه مستو على عرشه جل وتعالى عما يقول الظالمون علوا كبيرا جل عما يقول الذين لم يثبتوا له في وصفهم حقيقة ولا أوجبوا له بذكرهم إياه وحدانية إذ كان كلامهم يؤول إلى التعطيل وجميع أوصافهم تدل على النفي في التأويل ويريدون بذلك زعموا التنزيه ونفي التشبيه فنعوذ بالله من تنزيه يوجب النفي والتعطيل فاحتجاجه بقوله ^ ثم ردوا إلى الله ^ وقوله ^ وقفوا على ربهم ^ وقوله ^ عرضوا على ربك ^ وقوله ^ ناكسو رؤسهم عند ربهم ^ على أن الله فوق العرش كل ذلك لأن هذه الآيات تدل على النهايات والغايات والحدود والتباين الذي بينه وبين خلقه # فإذا نتكلم على حجته في هذا المقام فإنه يقال له قولك لو كان مختصا بالحيز والجهة لكان لا يخلو إما أن يكون متناهيا أو غير متناه فإن قلت نحن نقول هو موجود في غير جهة ولا حيز أصلا وهو غير متناه من جميع الجوانب أو بعضها أو غير متناه من جميعها يعارضونه بأن يقولوا هذه الحجة ترد عليك أيضا بأن يقال ولو كان موجودا أو قائما بنفسه كان متناهيا في ذاته بمعنى أن ذاته يمتنع أن يكون لها طرف ونهاية وحد # يقال لك اذا عقل موجود لا نهاية له فهل التفسير يعقل موجود فوق العرش لا يوصف بالتناهي وعدمه أولى وأحرى بمعنى أنه يمتنع أن يكون له نهاية أو يكون ذا مسحة لا نهاية لها فانه إذا عقل هذا في موجود مطلق لم يمتنع وصف هذا الموجود بأنه فوق العرش ويكون كذلك بل يكون هذا أقرب إلى العقل لأن الفطر تقر بأن الله فوق العالم وتنكر وجود موجود لا داخل العالم ولا خارجه فإذا أقررت بوجوده خارج العالم كان أقرب إلى الفطرة والعقل وإذا جاز أن يقال في هذا إنه لا يتناهى بمعنى أن ذاته لا تقبل الوصف بتناهي المقدار وعدمه كذلك يقال فيه مع وجوده فوق العرش وإذا قال قائل هذا الفوقية أو هذا العلو فوق العرش لا يعقل أو قال لا يعقل علو ولا فوقية إلا بمعنى الذهاب في الجهات قيل له معرفة الصفة وعقلها فرع على معرفة الموصوف وعقله فطلبك العلم بكيفية علوه مع أنك لا تعقل حقيقته جمع بين الضدين وإذا كنت تقر بأنه موجود بل إقرارك بأن ذاته فوق العرش فوقية تناسب ذاته أسهل على العقل من الاقرار بأنه لا داخل العالم ولا خارجه بل الاقرار بأنه ليس ذا مساحة ومقدار لا ينافي الاقرار بأنه خارج العالم وفوقه كما يناسب ذاته ومنافاة الاقرار بوجوده مع كونه لا داخل العالم ولا خارجه أعظم تنافيا # وأما المقام الثاني فكلام من لا ينفي هذه الأمور التي يحتج بها عليه نفاة العلو على العرش ليس لها أصل في الكتاب والسنة بل قد يثبتها أو يثبت بعضها لفظا أو معنى أو لا يعترض لها بنفي ولا إثبات وهذا المقام هو الذي يتكلم فيه سلف الأمة وأئمتها وجماهير أهل الحديث وطوائف من أهل الكلام والصوفية وغيرهم وكلام هؤلاء أسد في العقل والدين حيث ائتموا بما في الكتاب والسنة وأقروا بفطرة الله التي فطر عليها عباده فلم يغيروا وجعلوا كتب الله التي بعث بها رسله هي الأصل في الكلام وأما الكلام المجمل المتشابه الذي يتكلم به النفاة ففصلوا مجمله ولم يوافقوهم على لفظ مجمل قد يتضمن نفي معنى حق ولا وافقوهم أيضا على نفي المعاني التي دل عليها القرآن والعقل وان شنع النفاة على من يثبت ذلك أو زعموا أن ذلك يقدح في أدلتهم وأصولهم # والكلام عليه من وجوه أحدها أن يقال قوله وأما القسم الثالث وهو أن يقال كل متناه من كل الجوانب فهذا باطل من وجهين الأول أن كل ما كان متناهيا من جميع الجوانب كانت حقيقته قابلة للزيادة والنقصان وكل ما كان كذلك كان محدثا على ما بيناه فيقال له قد تقدم الكلام على هذه الحجة وبينا أن جماهير بني آدم من المسلمين واليهود والنصارى والصابئين والمجوس والمشركين يخالفونك في هذه المقدمة وبينا فساد ما ذكرته من الحجة عليها بوجوه كثيرة بيانا واضحا ونحن نحيل على ما ذكرناه هناك كما أحال هو عليه # وأما الوجه الثاني فقوله إنه لما كان متناهيا من جميع الجوانب فحينئذ نفرض فوقه أحيازا خالية وجهات فارغة فلا يكون هو تعالى فوق جميع الأشياء بل تكون تلك الأحياز أشد فوقية من الله تعالى ويكون قادرا على أن يخلق فيها جسما فوقه فيقولون لك هذا بناء على أن الأحياز والجهات لابد أن تكون أمرا وجوديا وأنه يمكن أن تكون فوقه وهم ينازعونك في هاتين المقدمتين وأنت معترف بفسادها في غير موضع من كتبك وقد تقدم البيان بأن الحيز لا يجب أن يكون أمرا وجوديا وإبطال ما يستدل به على خلاف ذلك وظهر صحة قوله سبحانه ^ هو الأول والآخر والظاهر والباطن ^ وما ثبت في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم إنه كان يقول في دعائه أنت الأول فليس قبلك شيء وأنت الآخر فليس بعدك شيء وأنت الظاهر فليس فوقك شيء وأنت الباطن فليس دونك شيء وهذا النص أيضا يدل على أنه ليس فوق الله شيء وهذا نفي عام لكل ما يسمى شيئا وكل موجود فإنه يسمى شيئا فقد اتفق الناس على أن كل موجود غير الله فإنه شيء لكون النبي صلى الله عليه وسلم قد نفى أن يكون فوقه شيء موجود حيزا وغيره وهذا يبطل أن يكون فوقه أحياز موجودة # والذي يوضح ذلك أنه قد قرر في هذه الحجة امتناع وجود أبعاد لا تتناهى وذلك يبطل وجود أحياز لا تتناهى حتى إنه يقول ليس وراء العالم أحياز وأبعاد لا تتناهى فإذا كانوا يوجبون في العالم الذي هو متحيز محدود متناهي أن لا يكون وراءه أحياز موجودة فكيف يوجبون أن يكون فوق خالق العالم أحياز موجودة بل هذا الرازي وأمثاله إذا ناظره الفلاسفة في أنه يمكن أن يكون العالم أكثر مما هو ويمكن أن يخلق مثله عالم آخر لم يقرر ذلك عليهم إلا بما هو من جنس مجادلاته المعرفة التي لا يزال يضطرب فيها غاية الاضطراب من السلب والايجاب فكيف يوجب أن يكون فوق رب العالمين أحيازا خالية وجهات فارغة ويضرب لهم هنا مثلا من أنفسهم كما يناظر به من يقول إن الله شريكا من خلقه أو أن له ولدا لا يرضى مثله لنفسه فيقال له المخلوق الذي هو عندك متحيز لا يجب أن يكون فوقه عندك أحياز خالية وجهات فارغة فكيف توجب في خالق العالم إذا وصف بأنه فوق العرش وأنه متحيز أن يكون فوقه أحياز خالية وجهات فارغة # وأما قوله هو قادر على خلق الجسم في الحيز الفارغ فيكون ذلك الجسم فوقه فيقال لك هذا مبني على أنه يمكن أن يكون فوقه شيء فإن لم يبين إمكان ذلك لم يصح أن يقال هو قادر على خلق جسم فوقه كما لا يصح أن يقال هو قادر على خلق جسم قبله أو بعده فقد يقول لك المنازع إذا وجب أن يكون هو العلي الأعلى المتعالي الذي لا يعلوه شيء لم يجز أن يعلوه شيء كما أنه إذا وجب أن يكون الأول والآخر لم يجز أن يسبقه شيء أو يتأخر عنه شيء كما قال النبي صلى الله عليه وسلم أنت الأول فليس قبلك شيء وأنت الآخر فليس بعدك شيء وأنت الظاهر فليس فوقك شيء وأنت الباطن فليس دونك شيء لكن الأول والآخر لا ابتداء له ولا انتهاء وإذا لم يكن له نهاية ولا حد من الوجهين جميعا ظهر فيه امتناع أن قبله أو بعده شيء بخلاف المتناهي المحدود من الأحياز # ولكن هذا الفرض جاء من خصوص المكان والزمان بدليل أن أهل الجنة لا آخر لوجودهم بل هم باقون أبدا وإن كانوا متحيزين لا حد ولا نهاية لآخرهم وإن كانت ذواتهم محدودة متناهية في أحيازها وأما كنها ولهذا لما أراد جهم أن يطرد دليلة في وجوب النهاية لكل مخلوق أوجب فناء الجنة والنار ولما أراد أبو الهذيل أن يطرد دليله في تناهي الحوادث أوجب انقطاع حركات أهل الجنة والنار # والمقصود هنا أن وجوب تناهي البقاء والأمد وإذا كانت الأحياز متناهية أو كان المتحيز متناهيا لم يجب أن يكون فوقه شيء إذ ليس وراء الموجود شيء موجود إلى غير نهاية وقد تقدم ابطاله لذلك # وأيضا فيقال له لم تذكر حجة على امتناع أحياز خالية ولا امتناع خلق أجسام وأنت تقول إن هذا برهان فإن لم تذكر حجة على امتناع ذلك لم يكن هذا الوجه دليلا # وأما قولك لا يكون هو فوق جميع الأشياء بل تكون الأحياز أشد فوقية فهذا تمسك باطلاق لفظ مع أنك لا تقول بمعناه فهو عندك أيضا ليس فوقه شيء من الأشياء فضلا عن أن تكون فوقه جميعها إلا بمعنى القدرة والتدبير وهذا المعنى يثبته المنازع مع اثباته لهذه الفوقية الأخرى فيكون قد أثبت ما تثبته من صفات الكمال ويثبت كمالا آخر لم تثبته أنت |
|
03 Apr 2010, 03:28 AM
|
#70 |
|
وسام الشرف
![]() ![]() ![]() ![]() ![]() ![]() ![]()
|
# وأيضا فتلك الأحياز ليست شيئا أصلا لأن الأشياء هي الموجودة ولا موجود إلا الله وخلقه وهو فوق خلقه وإذا لم تكن أشياء لم يصح أن يكون شيء فوقه وكان هو فوق كل شيء # وأما خلق جسم هناك فلم يذكر على امتناعه حجة إلا أن الخصم لا يقول به والخصم يقول ذلك ممتنع لامتناع أن يكون شيء موجود فوق الله فإن سلمت له هذه العلة كان ذلك جوابا لك وإن لم تسلمها لم يكن مذهبه صحيحا فلا تحتج به وقد تقدم كلامك على إبطال مثل هذه الحجة وهي الالزامات المختلفة المآخذ # وأيضا فلو قال قائل بل ذلك جائز فلم تذكر على إبطاله حجة لا سيما وعندك أن النقص على الله لم يعلم امتناعه بالعقل وإنما علمته بالاجماع لا سيما إن احتج بظاهر قوله تعالى ^ يأتيهم الله في ظلل من الغمام ^ وبقوله كان في عماء ما فوقه هواء وما تحته هواء لا سيما وهذا لا ينافي الفوقية والعلو بالقدرة والقهر والتدبير وعندك لا يستحق الله الفوقية إلا بهذا وهذا المعنى ثابت سواء خلق فوقه شيئا آخر أو لم يخلقه فإذا لم يكن هذا مستحيلا على أصلك لم يصح احتجاجك باستحالته عن المنازع الذي ينازعك في المسألة بل قد يقول لك إذا لم يكن ما يمنع جواز ذلك إلا هذا فعليك أن تقول به لأن هذا ليس بمانع عندك # الوجه الثاني أن يقال قد ذكرت أن الكرامية الذين قالوا انه فوق العرش منهم من قال إنه ملاق للعرش ومنهم من قال إنه مباين عنه ببعد متناه ومنهم من قال إنه مباين عنه ببعد غير متناه وهذا القول يتضمن أن بين الله وبين العرش بعدا غير متناهيا
# وقد ذكر الأشعري في المقالات قول طوائف ممن يقول أنه لا نهاية لذاته مع قولهم إنه ممتد في الجهات فقال بعد ذكر مقالات المعتزلة هذا شرح اختلاف الناس في التجسيم قال قد أخبرنا عن المنكرين للتجسيم أنهم يقولون إن الباري ليس بجسم ولا محدود ولا ذي نهاية ونحن الآن نخبر عن أقاويل المجسمة واختلافهم في التجسيم قال واختلفوا فيما بينهم في التجسيم وهل للباري قدر من الأقدار وفي مقداره على ستة عشر مقالة فذكر قول هشام انه جسم وأن له مقدارا وأنه ذو لون وطعم ورائحة ومجسة لونه هو طعمه وهو رائحته وهو مجسته وهو نفسه لون قال ولم يثبت لونا غيره وأنه يتحرك ويسكن ويقوم ويقعد وهذا قد يقال إنه يناسب قول من قال من الصفاتية إن يدرك بالحواس # قال وحكي عن بعض المجسمة أنه كان يثبت البارى ملونا ويأبى أن يكون ذا طعم ولون ورائحة ومجسة وأن يكون طويلا أو عريضا أو عميقا وزعم أنه في مكان دون مكان متحرك من وقت ما خلق الخلق وهذا قد يناسب قول من يقول إنه يدرك بالرؤية فقط فإن هذا يزعم أنه لا يرى إلا اللون # قال وقال قائلون إن الباري جسم وأنكروا أن يكون موصوفا بلون وطعم ورائحة أو مجسة أو شيء مما وصف به هشام غير أنه على العرش مباين له دون ما سواه قال واختلفوا في مقدار البارى بعد أن جعلوه جسما فقال قائلون هو جسم وهو في كل مكان وفاضل عن جميع الأماكن وهو مع ذلك متناه غير أن مساحته أكبر من مساحة العالم لأنه أكبر من كل شيء وقال بعضهم مساحته على قدر العالم وقال بعضهم أن البارى جسم له مقدار من المساحة ولا يدري كم ذلك القدر وقال بعضهم هو في أحسن الأقدار وأحسن الأقدار أن يكون ليس بالعظيم الجافي ولا بالقليل القمي وحكي عن هشام أن أحسن الأقدار أن يكون سبعة أشبار بشبر نفسه وقال بعضهم ليس لمساحة البارى نهاية ولا غاية وأنه ذاهب في الجهات الست اليمين والشمال والأمام والخلف والفوق والتحت قالوا وما كان كذلك لا يقع عليه اسم جسم ولا طويل ولا عريض ولا عميق وليس بذي حدود ولا قطب وقال قوم أن معبودهم هو الفضاء وهو جسم تحل الأشياء فيه ليس بذي غاية ولا نهاية وقال بعضهم هو الفضاء ليس بجسم والأشياء قائمة به # فقد ذكر عن هاتين الفرقتين أنه لا نهاية لمساحته مع قول بعضهم إنه جسم وقول بعضهم إنه ليس بجسم كما ذكر عن آخرين من المجسمة أنه جسم وهو في كل مكان وفاضل عن جميع الأماكن وهو مع ذلك متناه وعن آخرين أنه بقدر العالم وأما القائلون بأنه على العرش فلم يذكر عنهم قولا أنه لا نهاية لمساحته وذكر أيضا عن زهير الأثري وأبي معاذ التومنى أنه فوق العرش وبكل مكان وقال فأما أصحاب زهير الأثري فإن زهيرا كان يقول إن الله بكل مكان وأنه مع ذلك على عرشه وأنه يرى بالأبصار بلا كيف وأنه موجود الذات بكل مكان وأنه ليس بجسم ولا محدود ولا يجوز عليه الحلول والمماسة ويزعم أنه يجئ يوم القيامة كما قال ^ وجاء ربك والملك صفا صفا ^ بلا كيف # فيقال له إذا نازعك إخوانك المتكلمون الجهمية من المجسمة وغير المجسمة الموافقون لك على أنه ليس فوق العرش الذين يقولون لا نهاية لذاته ومساحته مع قولهم انه جسم ومع قولهم انه ليس بجسم فما حجتك عليهم وهذا هو القسم الأول وهذا ليس من أقوال من يقول انه فوق العرش # وكذلك ذكر أبو الحسن الأشعري لما ذكر اختلاف الناس هل هو في مكان دون مكان أم لا في مكان أم في كل مكان فقال قد ذكرنا قول من امتنع من ذلك وقال إنه في كل مكان حال وقول من قال لا نهاية له وأن هاتين الفرقتين ذكرتا القول أنه في مكان دون مكان فأخبر أن القائلين بأنه لا نهاية له ينكرون أن يكون في مكان دون مكان فلا يقولون إنه فوق العرش لكن هذا المؤسس ان لم يبطل قول هؤلاء بالحجة والا خصموه فانه ينكر أن يكون الله فوق العرش ويوافقهم على اطلاق القول بأنه لا نهاية له ولا حد ولا غاية وإن كان يفسر ذلك بتفسير آخر لكن نفي قولهم لابد له من حجة # فأما الوجه الأول الذي ذكره فيقولون له لا نسلم أن الخط المتناهي يمكنه أن يسامت غير المتناهي فقولك زال عن الموازاة إلى المسامتة فرع إمكان ذلك والمحال المذكور إنما لزم من فرض مسامتة خط متناه لخط غير متناهي فلزم من قولك أن يحصل في المتناهي نقطة هي أول نقطة المسامتة وأن لا يحصل لكن قولك إن هذا المحال إنما لزم من فرضنا أن ذلك الخط غير متناه ممنوع بل يقال هذا المحال إنما لزم من فرض مسامتة المتناهي لغير المتناهي فالاحالة كانت بفرض مسامتة له لا بفرض وجود غير المتناهي لم قلت إن الأمر ليس كذلك # وقد يقول لك أحد الفريقين من هؤلاء نحن نقول أنه غير متناه وأنه غير جسم وحينئذ لا يمكن أن يفرض فيه خطوط ونقط فلا بد من إقامة دليل على امتناع شيء ليس بجسم غير متناهي فان أقمت دليلا على ذلك بطل ما ذكرته في القسم الثالث من وجود أحياز خالية فوق البارى لأنه إذا أوجب عندك تناهي الأبعاد وإن لم تكن أجساما وجب تناهي الأحياز فلم يجب أن يكون فوق الباري حيز ولا بعد كما الزمتهم إياه في القسم الثالث # وأما الوجه الثاني الذي احتججت به عليهم فقولك إذا كان القول بوجود بعد غير متناه ليس محالا فعند هذا لا يمكن إقامة الدليل على كون العالم متناهيا بكليته وذلك باطل بالاجماع يقولون لك أكثر ما يمكنك دعوى الاجماع على أن دليله امتناع بعد لا يتناهى ولا يلزم من الاجماع على الحكم أن يكونوا مجمعين على دليل معين # وأيضا فلا يلزم من بطلان هذا الدليل بطلان سائر الأدلة كيف وقد ذكرت أنه مجمع عليه والاجماع من أعظم الأدلة إذ حجة الاجماع ليست موقوفة على إحالة أبعاد لا تتناهى بدليل أن سلف الأمة وأئمتها يعترفون أن الاجماع حجة من غير أن يبنوا ذلك على أدلة فيها هذه المقدمة التي قد لا تخطر ببال أكثرهم # وقد يقول هؤلاء هب أنه قام دليل تناهي العالم وتناهي المخلوقات وتناهي الأبعاد التي فيها المحدثات فلم قلت إن ذلك محال في حق البارى وهذا يقوله مثبتة الجسم ونفاته كما تقدم ذكر القولين لهم # وأما الوجه الثالث قولك لو كان غير متناه من جميع الجوانب أوجب أن لا يخلو شيء من الجهات والأحياز عن ذاته فحينئذ يلزم أن يكون العالم مخالطا لأجزائه وأن يكون القاذورات والنجاسات كذلك وهذا لا يقوله عاقل فان أردت أن ليس في المكلفين من العقلاء من يقوله فقد قاله منهم طوائف كما ذكرناه عن الأشعري أنه نقل ذلك عن طائفتين ممن يقول إن له مساحة طائفة تقول إنه جسم وطائفة تنفى الجسم # وأيضا فطوائف من الجهمية يقولون إنه بذاته في كل مكان وقد ذكر الأئمة والعلماء ذلك عن الجهمية وردوا ذلك عليهم وطوائف أخر يقولون إنه موجود الذات في كل مكان وأنه على العرش كما نقله الأشعري عن زهير وأبي معاذ # وأيضا هؤلاء الاتحادية يصرحون بذلك تصريحا لا مزيد عليه حتى يجعلونه عين الكلب والخنزير والنجاسات لا يقولون إنه مخالط لها بل وجودها عين وجوده وهذا وان كان من أعظم الكفر فالغرض أن إخوانه من الذين يقولون أن الله ليس فوق العرش قد قالوا هذا كله وما هو أكثر منه فلا بد أن يرد قولهم بطرقه التي يسلكها وإلا لم يكن قوله أصح من قولهم بل قولهم أقرب إلى العقل من قوله أنه لا داخل العالم ولا خارجه ولهم في الجواب عن المخالطة من الكلام ما هو مع كونه باطلا أقرب إلى العقل من كلامه مثل قولهم أنه بمنزلة الشعاع للشمس الذي لا يتجنس بما يلاقيه وبمنزلة الفضاء والهواء الذي لا يتأثر بما يكون فيه ونحو هذا من الأمثال التي يضربونها لله فهم مع كونهم جعلوا لله ندا وعدلا ومثلا وسميا في كثير من أقوالهم إن لم يكونوا أمثل منه فليسوا دونه بكثير # وأما إن أردت أن العقل يبطل هذا القول فلم تذكر على بطلانه حجة عقلية أكثر ما ذكرت قولا تنفر عنه النفوس أو ما يتضمن نوع نقص وأنت تقول ليس في العقل ما ينفي عن الله النقص وإنما نفيته بالاجماع فهذا الوجه في جانب من يقول بالقسم الثالث # وأما القسم الثاني وهو التناهي من جهة دون جهة فما علمت به قائلا فإن قال هذا أحد فإنه يقول إنه فوق العرش ذاهبا إلى غير نهاية فهو متناه من جهة العالم غير متناه من الجهة الأخرى وهذا لم يبلغني أن أحدا قاله ونقل الأشعري يقتضي أن هذا لم يقله أحد بل كل من قال بعدم نهايته أنكر أن يكون فوق العرش # الوجه الثالث أن يقال فرض بعد غير متناه لا يخلو إما أن يكون محالا أو لا يكون محالا فإن كان محالا بطل ما ذكر مما ذكرته في القسم الثالث من تجويز أحياز خالية فوقه إذا كان متناهيا من جميع الجهات فإنه إذا وجب تناهي الأبعاد لم يجب أن يكون فوق العالم بعد فضلا عن أن يكون فوق الباري بعد وأذا فرض ما ذكرته في القسم الثالث وهو أحد الوجهين نفي الوجه الأول وهو كون كل ماله قدر مخصوص يجب أن يكون محدثا وقد تقدم الكلام عليه بما فيه كفاية وإذا بطل الوجهان بطل ما ذكرته على إفساد القسم الثالث وإن كان فرض بعد غير متناه ممكنا ثبت إمكان القسم الأول وبطل ما ذكرته من الحجة على إحالة ذلك فقد ظهر على التقديرين أن ما ذكرته ليس بدليل صحيح # الوجه الرابع أن القسم الثاني وهو أنه غير متناه من بعض الجوانب ومتناه من سائر الجوانب وان كنا لم نعلم به قائلا فلم تذكر دليلا على إبطاله ولا استدللت على إبطاله بنص أو اجماع فأما الدليل الذي ذكرته على امتناع بعد غير متناه فقد تقدم القول عليه مع إن تلك الوجوه لا تصلح هنا كما صلحت هناك # أما الوجه الأول وهو اجتماع وجود المسامتة وعدمها إذا قدر مسامتة غير المتناهي للمتناهي فإنه ما تقدم فيه إذا كان متناهيا من بعض الجهات أمكن فرض المسامتة في تلك الجهة وحينئذ فتسامت النقطة الفوقانية من تحت الجهة قبل التحتانية لكن هذا لا يحصل إلا عند فرض مسامتا من الجهة التي لا تتناهى # وأما الوجه الثالث وهو لزوم مخالطة ذاته للقاذورات فهذا لا يلزم إذا قيل إنه متناه من جانب الخلق دون الجانب الآخر فإنه حينئذ لا يكون مخالطا لهم من هذا الوجه هنا بطولا ظاهرا # وأما بطلان إقامة الدليل على تناهي العالم فقد تقدم الكلام عليه مع أن العالم في بقائه فيه متناه من أوله غير متناه من آخره ففيه تناه من وجه دون وجه لكن هذا ليس هو المتناهي في الجهة والمقدار والبعد # والغرض أن الوجوه الثلاثة هي في هذا القسم فيها نوع نقص عن ذلك القسم # وأما الوجه الثاني وهو قولك أن الجانب الذي فرض أنه غير متناه والجانب الآخر إما أن يتساويا في الحقيقة والماهية وإما أن لا يكونا كذلك أما القسم الأول فإنه يقتضي أن يصح على كل واحد من هذين الجانبين ما يصح على الآخر وذلك يقتضي جواز الفصل والوصل والزيادة والنقصان فيقال لك مشاركة الشيء لغيره في حقيقته لا يقتضي مساواته له في المقدار كالمقادير المختلفة من الفضة والذهب وسائر الأجسام المتماثلة في الحقيقة فانها تتماثل في الحقيقة مع اختلاف المقادير وحينئذ فهذه الأمور إنما يجوز على بعضها ما يجوز على بعض فيما تماثلت فيه وهو الصفة والكيفية وأما ما يتعلق بالمقدار فليس الكبير في ذلك كالصغير ولا يجوز على أحدهما ما يجوز على الآخر بل للصغير أحكام لا تصح في الكبير وللكبير أحكام لا تصح على الصغير مثل شغل الحيز الذي بقدره وغير ذلك # وإذا كان كذلك فالبعد الذي يتناهى من أحد جانبيه دون الآخر وإنما تماثلت حقيقة الجانبين في الصفة والكيفة فلم تتماثل في المقدار لأن أحدهما أكبر من الآخر قطبا فلا يلزم أن يجوز على غير المتناهي من النقص والفصل # وأيضا فان لزم أن يجوز على أحدهما ما يجوز على الآخر فقولك ذلك يقتضي جواز الفصل والوصل والزيادة والنقصان على ذات الله تعالى هذا هو بعينه الدليل على امتناع كونه متناهيا وهو أن المتناهي يقبل الزيادة والنقصان وقد قيل لك أن هذا ممنوع فيما وجوبه به بنفسه فإن صفاته تكون لازمة لذاته فلا يمكن أن يكون على خلاف ما هو عليه كما نقول إن معلوماته أكثر من مقدوراته ومقدوراته أكثر من مخلوقاته ومراداته وهذان لم يكن نظير ذلك والغرض التنبيه على تقدم الكلام في مثل هذا # وأيضا فلم تذكر دليلا على امتناع الفصل والوصل والزيادة والنقصان فإن اعتصمت في ذلك بإجماع كانت الحجة سمعية وأن قنعت بنفور النفوس عن ذلك فنفور النفوس على قولك أعظم مع أن هذا ليس حجة عندك # وقولك وأما القسم الثاني وهو القول بأن أحد الجانبين مخالف للجانب الآخر في الحقيقة والماهية فنقول إن هذا محال من وجوه الأول أن هذا يقتضي كون ذاته مركبة وهو باطل كما بيناه # يقال لك قد تقدم الكلام على إبطال حجة التركيب بما يظهر به فسادها لكل عاقل لبيب # فقولك الثاني أنا بينا أنه لا معنى للمتحيز إلا الشيء الممتد في الجهات المختص بالأحياز وبينا أن المقدار يمتنع أن يكون صفة بل يجب أن يكون ذاتا وبينا أنه متى كان الأمر كذلك كانت جميع المتحيزات متساوية وإذا كان كذلك امتنع القول بأن أحد جانبي ذلك الشيء يخالف الجانب الآخر في الحقيقة والماهية # فيقال لك هذه حجة تماثل الأجسام وقد تقدم أنها من أبطل ما في العالم من الكلام وهي منشاها من كلام المعتزلة والجهمية كما ذكره الأشعري وغيره كما أن الأولى من كلام الفلاسفة والصابئة وهي أيضا من حجج المعتزلة والجهمية وقد تبين أن المقدر صفة للشيء المقدر المحدود وليس هو عين الشيء المقدر المحدود وتبين أيضا أنه لو كان المقدار هو الذات لم يجب أن تكون المقدورات متساويات فإن بينها اختلافا في صفات ذاتيات لها وهي مختلفة في تلك الصفات الذاتيات وان كانت مشتركة في أصل المقدار الذي جعلته الذات وغايتها أن تكون بمنزلة الأنواع المشتركة في الجنس المتمايزة بالفصول # وأيضا فأنت وسائر الصفاتية بل وجميع العباد يثبتون لله معاني ليست متماثلة بل هذا واجب في كل موجود مثل إثبات أنه موجود بنفسه ومبدع بنفسه ومبدع لغيره وأنه عالم وأنه قادر وأنه حي وهذه حقائق مختلفة فالقول في اقتضائها للتركيب كالقول في اختلاف الجانبين كذلك كما تقدم ذلك # وأما حجة تساوي الأبعاد وتماثلها فهذه الحجة إن صحت فهي كافية في نفي كونه كذلك سواء قبل إنه متناه أو غير متناه والحجة المستقلة بنفسها في المطلوب لا تصلح أن تجعل دليل بعض مقدمات دليل المطلوب لأن هذا تطويل وعدول عن سواء السبيل # الوجه الخامس أنه أورد اعتراضا من جهة المنازع بقوله فان قيل ألستم تقولون أنه تعالى غير متناه في ذاته فيلزمكم جميع ما ألزمتموه علينا وقال في الجواب قلنا الشيء الذي يقال انه غير متناه على وجهين أحدهما أنه غير مختص بجهة وحيز ومتى كان كذلك امتنع أن يكون له طرف ونهاية وحد والثاني أنه مختص بجهة وحيز إلا أنه مع ذلك ليس لذاته منقطع وحد فنحن إذا قلنا إنه لا نهاية لذات الله عنينا به التفسير الأول # فيقال المعقول المعروف إذا قيل هذا لا يتناهى أو لا حد له ولا غاية ولا نهاية أن يكون موجودا أو مقدر الوجود ويكون ذلك الموجود أو المقدر ليس له حد ولا نهاية ولا منقطع بل لا يفرض له حد ومنقطع إلا وهو موجود بعده كما يقال في وجود الباري وبقائه فيما لم يزل ووجوده وبقائه فيما لا يزال بل في وجود أهل الجنة في الجنة فيما لم يزال بقاؤه لا ينتهي ذلك إلى حد الا ويكون بعده شيء كما أن وجود البارى لا يقدر له حد ووقت الا وهو موجود قبله وكذلك اذا قدر أجسام أو أبعاد لا تتناهى فانه لا يفنى قبله وكذلك إذا قدر أجسام أو أبعاد لا تتناهى فانه لا يفنى منها شيء أو يقدر منها الا وهي تكون موجودة بعده وكذلك ما يقدر في الذهن إلى حد ومقطع الا ويقدر بعده شيء آخر وكذلك ما يقدر في الذهن من عدم التناهي من العلل وغيرها كما بين فساده هو من هذا الباب # فالغرض ان الشيء الذي يوصف بعدم التناهي إما حقيقة وإما مقدار ممتنعا وإما تقديرا غير ممتنع أو غير معلوم الامتناع كلها مشتركة في ذلك فاما وصف الشيء بانه غير متناه بمعنى أن ليس له حقيقة تقبل التناهي وتقبل عدم التناهي فوصف هذا بأنه غير متناه مثل صفة المعدوم بأنه غير متناهي لأنه لا يمكن له نهاية وحد وطرف ولا يمكن أن يقال وذاته لا تقبل أن يوصف بالتناهي وعدمه كما لا يقبل أن يوصف بالحياة وعدمها ولا بالعلم وعدمه ولا بالقدرة وعدمها |
|
![]() |
| مواقع النشر (المفضلة) |
|
|
المواضيع المتشابهه
|
||||
| الموضوع | كاتب الموضوع | المنتدى | مشاركات | آخر مشاركة |
| كلمات ذهبية لشيخ الإسلام ابن تيميه | فخوره بحجابى | منهج السلف الصالح . The Salafi Curriculum | 6 | 07 May 2012 03:44 PM |
| نقص الوضوء و تلبيس The lack of ablution and dressing Devil | أبو سفيان | عالم الجان ـ علومه ـ أخباره ـ أسراره ـ خفاياه . الإدارة العلمية والبحوث World of the jinn | 1 | 19 May 2010 10:41 PM |
| تلبيس الأم أبنائها ملابس رثة خوفاً من العين | مكاوية | العين والحسد وخطرها على المجتمعات قديما وحديثا . الإدارة العلمية والبحوث Research studies and eye a | 1 | 21 Sep 2008 11:57 PM |
| وإن من شيء إلا يسبح بحمده ????????????? | ابن الورد | منهج السلف الصالح . The Salafi Curriculum | 2 | 08 Jun 2007 11:18 PM |
![]()