#1
|
||||||||||
|
||||||||||
كيف أنوي العمل لله وكيف أحتسب الأجر فيه ؟
أ ولا : الحديث في " النيات " من أدق الأحاديث وأصعبها ؛ لارتباطها بخفايا النفوس وتعلقها بأفكار القلوب التي لا تنكشف إلا بالتفكر في مراحلها ودرجاتها ، ولأن علم السلوك قائم عليها ، يدور في فلكها ، وهو من أدق العلوم وأرقاها ، ولا تتم سعادة العبد ولا نجاته يوم القيامة إلا بالتوفيق إلى النية الصالحة . لذلك نجد في صفحات تراث سلفنا الصالحين ، وعلمائنا الأبرار المتقين الكثير من تجارب الخوض في هذه الأبواب ، والكثير من العلوم التي بنيت لفهم حقيقة النية وطريقة الإخلاص ومعالجة الإرادة . وكان مما قالوه أن كل عمل لا بد - كي يقوم ويتم - أن تتحقق فيه أركان ثلاثة : 1- الداعية الباعثة على العمل ( العلم ) 2- والإرادة التي هي الانبعاث نحو العمل ( القصد والنية ) 3- والقدرة (العمل). ولنمثل لذلك بمثال يتضح به المقال : إذا هجم على الإنسان سبع أو وحش مثلا ، فإن معرفته بضرر السبع وأذيته له هي الداعية الباعثة على الهرب للتخلص من ذلك الضرر ، فتحقق الركن الأول ( الباعث )، ولذلك ستنبعث في قلبه إرادة الهرب وقصده ، فيتحقق الركن الثاني ( النية )، ثم تنتهض القدرة لتفعل فعل الهرب بسبب الإرادة ، فيتم الفعل بذلك . فالفعل هنا هو الهرب ، والنية هي الفرار من السبع لا غير ، والباعث الذي هو المقصد المنوي الذي دعا إلى الفعل هو التخلص من ضرر السبع وأذاه . ينظر: " إحياء علوم الدين " ، للغزالي (4/365) . ثانيا : من أراد أن ينوي النية الصالحة في عمله ، فلا بد أن يلتفت إلى الباعث الداعي الذي يزجره نحو ذلك العمل ، فيحرص على أن يكون باعثه أمرا صالحا مشروعا ، مما يحبه الله ويرضاه ويثيب عليه ، فتنطلق النية والإرادة نحو ذلك العمل بسبب هذا الباعث الصالح ، وبهذا تكون النية لله تعالى ، ثم عليه بعد ذلك أن يحافظ على هذا الداعي الأصلي الخالص لله تعالى ، فلا يتفلت منه أثناء عمله ، ولا يتقلب ، ولا ينصرف إلى غير الله ، ولا يداخله شرك آخر . ولهذا قال سفيان الثوري رحمه الله : " سفيان الثوريّ: "ما عالجت شيئاً عليّ أشد من نيّتي، إنها تتقلب عليّ " !! فمن أراد أن يقوم بعمل " قراءة القرآن الكريم " مثلا ، ويكون عمله خالصا متقبلا عند الله تعالى ، فلا بد أن ينشأ الباعث في نفسه نشأة صحيحة شرعية ، كقصد عبادة الله تعالى ، أو يعلم فضيلة ثواب قراءة القرآن الكريم فتتشوف النفس لتحصيله ، أو يعرف منفعة التدبر والتأمل في آيات الله تعالى ، أو أن القرآن الكريم يأتي شفيعا لصاحبه يوم القيامة ، أو يستحضر أن القرآن كلام الله ، وهو من أحب ما يتقرب به إليه ، ونحو ذلك من البواعث الشرعية التي تلقي في النفس الرغبة نحو هذا الفعل . فإذا رغبت النفس به ، وانطلقت الإرادة نحو تحقيقه لأجل تلك الأغراض : تحققت النية ، ثم إذا توفرت القدرة لتحقيق التلاوة : اكتمل العمل المشروع الخالص لوجه الله عز وجل . ثم يبقى عليه بعد ذلك أن يحافظ على ما حصله من النية الخالصة ، والعمل الصالح ، فعدوه إبليس يتلصص عليه ، حريص على أن يخطف منه ما استطاع !! ثالثا: البواعث التي بتعث المرء على العمل الصالح قد تتعدد ، ولها درجات ومراتب ، وإذا كانت كلها صالحة تضاعف أجر العمل أضعافا كثيرة ، وكلما تعلقت بالدرجات العلى من اليقين والإيمان كان العمل أعظم عند الله عز وجل . يقول أبو حامد الغزالي رحمه الله : " أما الأصل فهو أن ينوى بها عبادة الله تعالى لا غير ، فإن نوى الرياء صارت معصية ، وأما تضاعف الفضل فبكثرة النيات الحسنة ، فإن الطاعة الواحدة يمكن أن ينوي بها خيرات كثيرة ، فيكون له بكل نية ثواب ، إذ كل واحدة منها حسنة ، ثم تضاعف كل حسنة عشر أمثالها كما ورد به الخبر . ومثاله : القعود فى المسجد ، فإنه طاعة ، ويمكن أن ينوى فيه نيات كثيرة حتى يصير من فضائل أعمال المتقين ، ويبلغ به درجات المقربين : أولها : أن يعتقد أنه بيت الله ، وأن داخله زائر الله ، فيقصد به زيارة مولاه رجاء لما وعده به رسول الله صلى الله عليه وسلم . وثانيها : أن ينتظر الصلاة بعد الصلاة ، فيكون في جملة انتظاره في الصلاة . وثالثها : كف السمع والبصر والأعضاء عن الحركات والترددات ، فإن الاعتكاف كف وهو في معنى الصوم . ورابعها : عكوف الهم على الله ، ولزوم السر للفكر في الآخرة ، ودفع الشواغل الصارفة عنه بالاعتزال إلى المسجد . وخامسها : التجرد لذكر الله ، أو لاستماع ذكره وللتذكر به . وسادسها : أن يقصد إفادة العلم بأمر بمعروف ونهي عن منكر ، إذ المسجد لا يخلو عمن يسيء في صلاته ، أو يتعاطى ما لا يحل له ، فيأمره بالمعروف ويرشده إلى الدين ، فيكون شريكا معه في خيره الذي يعلم منه ، فتتضاعف خيراته . وسابعها : أن يستفيد أخا في الله ، فإن ذلك غنيمة وذخيرة للدار الآخرة ، والمسجد معشش أهل الدين المحبين لله وفي الله . وثامنها : أن يترك الذنوب حياء من الله تعالى ، وحياء من أن يتعاطى في بيت الله ما يقتضي هتك الحرمة . فهذا طريق تكثير النيات ، وقس به سائر الطاعات والمباحات ، إذ ما من طاعة إلا وتحتمل نيات كثيرة ، وإنما تحضر في قلب العبد المؤمن بقدر جده في طلب الخير وتشمره له ، وتفكر فيه ، فبهذا تزكوا الأعمال وتتضاعف الحسنات " انتهى باختصار من " إحياء علوم الدين " (4/370-371) رابعاً: وأما الاحتساب فهو مرادف الإخلاص لوجه الله تعالى ، لا فرق بينهما ، فمن نوى بعمله نية صالحة فقد احتسبه عند الله تعالى ، ولا يحتاج إلى مزيد استحضار قلبي لفكرة أخرى . يقول الإمام النووي رحمه الله : " معنى : ( احتسابا ) : أن يريد الله تعالى وحده ، لا يقصد رؤية الناس ، ولا غير ذلك مما يخالف الإخلاص " انتهى من " شرح مسلم " (6/39) ويقول ابن بطال رحمه الله : " وقوله : ( احتسابًا ) يعنى : يفعل ذلك ابتغاء وجه الله تعالى " انتهى من " شرح صحيح البخاري " (4/146) ويقول الحافظ ابن حجر رحمه الله : " الأجر الموعود به إنما يحصل لمن صنع ذلك احتسابا : أي : خالصا " انتهى من " فتح الباري " (1/110) وينصح بمراجعة كتاب "مقاصد المكلفين" لفضيلة الدكتور عمر سليمان الأشقر، حفظه الله ، فهو كتاب نافع مفيد في بابه . المصدر | https://islamqa.info/ar/162186.
|
26 Sep 2018, 06:02 AM | #2 |
الحسني
|
رد: كيف أنوي العمل لله وكيف أحتسب الأجر فيه ؟
أختي الفاضلة الكريمة سلطانة
نشكر لكم مشاركاتكم المباركة وجزاكم الله تعالى عن الجميع خير الجزاء |
|
12 Oct 2018, 02:16 AM | #3 |
وسام الشرف
SULTANA
|
رد: كيف أنوي العمل لله وكيف أحتسب الأجر فيه ؟
اجمعين ان شاء الله
|
|
مواقع النشر (المفضلة) |
|
|