3 - أم المؤمنين خديجة بنت خويلد - رضي الله عنها -

بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

* ** * ** * ** * ** *

أم المؤمنين .. خديجة بنت خويلد رضي الله عنها خير نساء العالمين , قد جمع الله لها محامد النساء كلها فكانت بحق أكمل النساء خلقا ودينا وذكاء ونبلا , لم يعرف التاريخ لها مثيلا من قبل ولا من بعد .. فهي في طهرها وحصانتها وعبادتها وخشوعها كمريم ابنة عمران , وفي قربها من ربها وحبها لخالقها وبغضها للظلم والظالمين كامرأة فرعون آسية بنت مزاحم , وفي ذكائها ونبلها وقوة شخصيتها وحسن سياستها كبلقيس .

* ** * ** * ** * ** *

وبذلك قد فاقت نساء العالمين جلالا وجمالا بالإضافة إلى ما حباها الله به من مزيد فضله تميزت به عمن سواها . . ولدت رضي الله عنها قبل عام الفيل بخمس عشرة سنه , وقد ورثت عن أبويها شرف النفس وحسن السيرة والحزم وجمال الخلقة والخلق ..

* ** * ** * ** * ** *

ولما بلغت سن الزواج تزوجها أبو هالة النباش بن زرارة فولدت له ولدين ابنها هند ثم رزقت بأخيه هاله , ثم توفي زوجها تاركا لها ولولديها ثروته الطائلة .

وتزوجت بعده عتيق بن عائذ المخزومي فولدت له بنتا يقال لها هند أيضا .

* ** * ** * ** * ** *

وكانت رضي الله عنها ذات مال وفير وخير كثير فعملت بالتجارة بواسطة الأمناء من شباب أهل مكة فربحت منها ربحا مباركا فيه ولما اتسعت تجارتها احتاجت إلى عمال أكثر يتصفون بالأمانة والذكاء والخبرة بفنون التجارة فدلها الناس على محمد صلى الله عليه وسلم فدعته إلى بيتها معززا مكرما لتعرض عليه العمل في تجارتها فوجدته أهلا للقيام بذلك فهو شديد الذكاء وسيم الطلعة غني النفس لطيف المحضر إن صمت فعليه الوقار وإن تكلم سما وعليه البهاء .

* ** * ** * ** * ** *

فخرج صلى الله عليه وسلم في مالها وخرج معه غلامها ميسرة حتى قدم الشام , وعندها سر ميسرة بما رآه من إخلاص النبي صلى الله عليه وسلم وصدقه ووفاءه في البيع والشراء وأمانته , ولكن لم يدهشه هذا الأمر كثيرا فلعله كان يعرف ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم قبل ذلك ولكنه شاهد أمرا عجبا ! فقد شاهد غمامة تظلل النبي صلى الله عليه وسلم منذ أن غادر مكة فتقيه حرارة الشمس .

* ** * ** * ** * ** *

وقد التقى ميسرة مع راهب يسمى نسطور كان بينهما سابق معرفة فأخذ يسأله عن صفات النبي صلى الله عليه وسلم فيجيبه ميسرة بما يعرفه عنه من النزاهة وكرم الخلق وجلوسه الساعات الطوال غارقا في بحار الفكر في سبحات العابدين الخاشعين وأخذ يسأله عن صفات النبي الخاتم المذكورة في التوراة والإنجيل , وكلما سأل عن صفة وجدها فيه فتقدم نسطور إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : يا محمد قد عرفت فيك علامات النبوة كلها خلا خصلة واحدة فأوضح لي عن كتفك فإذا بخاتم النبوة يتلألأ فأقبل عليه يقبله وقال : هو خاتم النبيين يبعثه الله بالسيف المسلول , من أطاعه نجى ومن عصاه غوى ..

* ** * ** * ** * ** *

ثم خلا بميسرة فقال له : هذا والله نبي تجده أحبارنا منعوتا في كتبهم . فلما وصل ميسرة إلى سيدته خديجة أخذ يقص عليها ما رآه وسمعه فقالت له : صدقت يا ميسرة وعند ذلك أخذت خديجة رضي الله عنها تربط الماضي بالحاضر بالمستقبل , فقد رأت في الماضي في منامها أن شمسا مضيئة أشد ما يكون الضوء جمالا وجلالا تهبط إلى دارها من سماء مكة فيغمر ضوئها ما يحيط به من بقاع وأماكن ..

* ** * ** * ** * ** *

وقد قصت تلك الرؤية على ابن عمها ورقة بن نوفل فاستبشر ورقة بن نوفل بما رأت ابنة عمه وبشرها قائلا لها : لك البشرى يا ابنة العم فهذه الشمس المضيئة علامة على قرب ظهور النبي الذي أظل زمانه ودخولها دارك دليل على أنكي أنتي التي تتزوجين منه فظلت رضي الله عنها تحلم بالزواج من خير البرية صلى الله عليه وسلم ولاسيما بعدما عرفت من ابن عمها ورقة بن نوفل أنه النبي المنتظر وتأكد لها ذلك بالأدلة الصادقة والبراهين الساطعة ..

* ** * ** * ** * ** *

وفي غمرة الحيرة والإضطراب تدخل عليها صديقتها نفيسه بنت منبه وتجلس معها تبادلها أطراف الحديث حتى استطاعت أن تكشف السر الكامن المرتسم على محياها وفي نبرات حديثها وهو الرغبة في الزواج من النبي صلى الله عليه وسلم .

* ** * ** * ** * ** *

فقالت نفيسة : كانت خديجة رضي الله عنها امرأة حازمة جلدة شريفة مع ما أراد الله بها من الكرامة والخير وهي يومئذ أوسط قريش نسبا وأعظمهم شرفا وأكثرهم مالا وكل قومها كان حريصا على نكاحها لو قدر على ذلك , لقد طلبوها وبذلوا لها الأموال قالت خديجة : لقد قلت حقا ولكنني اليوم راغبة في محمد وقد حزمت أمري واخترت رجلي , فانطلقي إليه واذكريني عنده

* ** * ** * ** * ** *

فذهبت إليه وانتهزت خلوة به فقالت في ترفق وإغراء : إنك اليوم أمين قريش وفتاها الحبيب وقد تزوج لداتك - أي من هم في مثل سنك - وأصبح لكل منهم الولد فلم لا تتزوج ؟ قال : ما بيدي ما أتزوج به . قالت نفيسة : فإن كفيت ذلك ودعيت إلى الجمال والمال والشرف ألا تجيب ؟ فقال الأمين : فمن هي ؟؟ قالت : خديجة . قال : بنت خويلد ؟ قالت : نعم . فقال : وكيف لي بذلك ؟؟ قالت : علي ذلك . فقال : إن وافقت فقد قبلت .

* ** * ** * ** * ** *

فعادت إليها بأحب بشرى إلى قلبها فإن أمينها علق الزواج على قبول خديجة . وكانت رضي الله عنها تنظر الى الزواج من النبي صلى الله عليه وسلم نظرة دينية لتفوز بهذا النور النبوي المنبعث من قلبه على وجهه . وتم الزواج المبارك , وبمرور الأيام إزداد حب خديجة رضي الله عنها للنبي صلى الله عليه وسلم وكانت على مر الأيام وطول العشرة تزداد يقينا بأن الرجل الذي اختارته لنفسها هو أصلح أهل الأرض للقيام برسالته والنهوض بأمته .

* ** * ** * ** * ** *

وأعظم مواقفها إيجابية وقوفها ومساندتها للنبي صلى الله عليه وسلم في بدء الدعوة عندما جاءه الملك في غار حراء , ثم رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى خديجة رضي الله عنها ترجف بوادره : " زملوني زملوني " فزملوه حتى ذهب عنه الروع ثم قال : " أي خديجه , مالي ؟ " . وأخبرها الخبر ثم قال : " لقد خشيت على نفسي " . قالت له خديجة : كلا أبشر فوالله لا يخزيك الله أبدا , إنك لتصل الرحم وتصدق الحديث وتحمل الكل وتكسب المعدوم وتقري الضيف وتعين على نوائب الحق .

* ** * ** * ** * ** *

فانطلقت به خديجة حتى أتت ورقة بن نوفل بن أسد بن عبد العزى وهو ابن عم خديجة أخي أبيها وكان امرأ تنصر في الجاهلية , وكان يكتب الكتاب العربي ويكتب من الإنجيل بالعربية ما شاء الله أن يكتب وكان شيخا كبيرا قد عمي , فقالت له خديجة : أي ابن عم , اسمع من ابن أخيك . قال ورقة بن نوفل : يا ابن أخي ماذا ترى . فأخبره رسول الله صلى الله عليه وسلم خبر ما رآه ..

* ** * ** * ** * ** *

فقال له ورقه : هذا الناموس - أي جبريل - الذي أنزل على موسى صلى الله عليه وسلم , ياليتني فيها جذعا - أي شابا قويا - ياليتني أكون حيا حين يخرجك قومك . قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " أومخرجي هم ؟ " قال ورقة : نعم , لم يأت رجل قط بما جئت به إلا عودي , وإن يدركني يومك أنصرك نصرا مؤزرا . البخاري 4953 , مسلم 160 .

* ** * ** * ** * ** *

ومع ما سمعته أم المؤمنين رضي الله عنها من ورقة من أن قريشا بقوتها وصلابتها سوف تحارب النبي صلى الله عليه وسلم وتعاديه إلا أنها وقفت خلفه تسانده وتحملت الإيذاء في سبيل الله تعالى , فكان جزاؤها من جنس عملها , فهذا جبريل عليه السلام قد آتى النبي صلى الله عليه وسلم وعنده خديجة فقال إن الله يقرئ خديجة السلام فقالت : إن الله هو السلام وعلى جبريل السلام وعليك السلام ورحمة الله وبركاته . النسائي 245 واسناده حسن .

* ** * ** * ** * ** *

ومن فضلها أنها من كملة نساء العالمين وأن النبي صلى الله عليه وسلم قد رزق حبها فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " اني قد رزقت حبها " مسلم 2435 .

* ** * ** * ** * ** *

وحسبك من فضلها رضي الله عنها ما ذكره الإمام ابن كثير من أوليات الطاهرة خديجة رضي الله عنها فقال : أول من تزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم , وأول من آمن به صلى الله عليه وسلم على الصحيح , وأول من صلى مع رسول الله صلى الله عليه وسلم , وأول من رزق منها الأولاد , وأول من بشرها بالجنة من أزواجه , وأول من أقرأها ربها السلام , وأول صديقة من المؤمنات , وأول زوجات النبي صلى الله عليه وسلم وفاة , وأول قبر نزل فيه النبي صلى الله عليه وسلم قبرها بمكة .

فرضي الله عنها وأرضاها وجعل جنة الفردوس مثواها

* ** * ** * ** * ** *

وصل اللهم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم

* ** * ** * ** * ** *

تقبلوا تحياتي
ولا تنسوني من صالح دعائكم
فراشة الربيع

أختي الفاضلة الكريمة فراشة الربيع
جزاك الله تعالى عنا كل خير
وجعل الله تعالى كل ماتقدمينه في ميزان حسناتكم
اللهم ربنا أنصر بها السنة وأنفع بها الأمة

جزاكي الله خير اختي الفاضلة

"

جزآكِ الله خير

جزانا وإياكم جميعا ..

شكرا لمروركم وردكم الطيب

وكل عام وأنتم بخير وفي طاعه