|
#1
|
||||||||
|
||||||||
مقدمة في أصول الفقه وتعريفاته ~ أ
مقدمة في أصول الفقه وتعريفاته الفوائد الثرية في مختصر الأصول الفقهية (1) أبو البراء محمد بن عبدالمنعم آل عِلاوة قال الشافعي: ومنزلةُ السَّفيه من الفقيه كمنزلة الفقيه من السَّفيه فهذا زاهدٌ في قُرْب هذا وهذا فيه أزهدُ منه فيه إذا غلَب الشَّقاءُ على سفيه تنطَّع في مخالفةِ الفقيه مقدمة في أصول الفقه [1] : هذا الفن من الأهمية بمكانٍ، فيَنبغي لطالب العلم الاهتمام والاعتناء به؛ لذا يقول العُلماء: (من حُرِمَ الأصول، حُرِمَ الوصول)، فلا يُمكن أن تصل إلى العلوم إلا بأصولها وقواعدها. إن أصول الفقه عِلم جليلُ القدر، بالغ الأهمية، وغزير الفائدة؛ فائدته التمكُّن من حصول قدرة تستطيع بها استِخراج الأحكام الشرعية من أدلتها على أسُس سليمة؛ أي أنك إذا عرفتَ أصول الفقه، أمكنَكَ أن تَستنبِط الأحكام الشرعية من أدلتها، فتأمَّل معي المثال التالي: قول الله - تعالى -: ( وَأُولَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ ) [الطلاق: 4]. فظاهر الآية أن المرأة إذا وضعَت ولو بعد موت زوجِها بدقائق انتهَت عدَّتها، علمنا هذا من دراسة أصول الفقه؛ لأن هذا عموم، والعموم يشمَل جميع أفراده. أصول الفقه: فائدة: العلماء - رَحِمَهم الله - يَذكُرون عند التعريف: المعنى اللُّغوي؛ لأنه الحقيقة التي يُرجَع إليها، ويَذكرون المعنى الشرعي؛ لأن الحقيقة الشرعية لها ارتباط بالمعنى اللُّغوي، ولها صِلة به؛ لأن الشرع جاء باللغة العربية، فله ارتباط بالمعنى اللغوي، أحيانًا يزيد أوصافًا، وأحيانًا ينقص مثاله: • الصلاة في اللغة: الدعاء، ولكن في الشرع هي: (عبادة ذات أقوال وأفعال معلومة مُفتتَحة بالتكبير، ومختتَمة بالتسليم). تعريف أصول الفقه: يُعرَّف أصول الفقه باعتبارَين: الأول: باعتِبار مُفردَيه: أي كلمة "أصول" على حِدة، وكلمة "فقه" على حِدة. فالأصول: هي جَمع أصل، وهو ما يُبنى عليه غيرُه، أو ما يَستنِد وجود الشيء إليه؛ قال - تعالى -: ( أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ ) [إبراهيم: 24]. لذا أبو الإنسان وجدُّه يسمى أصلاً؛ لأنه يتفرَّع منه أولاده. أما الأصل اصطلاحًا: فيُطلَق على الدليل غالبًا؛ كقولهم: "أصل هذه المسألة الكتاب والسنَّة"؛ أي دليلها، ويُطلق على غير ذلك، إلا أن هذا الإطلاق هو المراد في علم الأصول [2]. أما الفقه: لغةً: فالفهم؛ قال - تعالى -: ( وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسَانِي * يَفْقَهُوا قَوْلِي )[طه: 27، 28]، وقال - تعالى -: ( وَلَكِنْ لَا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ ) [الإسراء: 44]، ويُطلَق على العلم، وعلى الفِطنة. أما الفقه اصطلاحًا فهو: (معرفة الأحكام الشرعية العملية المُكتسَبة من أدلتها التفصيلية) [3]. الثاني: تعريف أصول الفقه باعتباره عِلمًا ولقبًا: هو: (أدلة الفقه الإجمالية، وكيفية الاستفادة منها، وحال المستفيد) [4]. • المقصود بأدلة الفقه الإجمالية: هي الأدلة الشرعية المتَّفق عليها والمختلف فيها. • المقصود بكيفية الاستفادة منها: أي كيفية استفادة الأحكام الشرعية من الأدلة الشرعية، وهي طرق الاستِنباط، مثل الأمر والنهي، والعام والخاص، والمُطلَق والمقيَّد، والمُجمَل والمبيَّن، والمنطوق والمفهوم. • المقصود بحال المستفيد: أي المجتهد، ويدخُل في ذلك مباحث التعارُض والترجيح، والفتوى؛ لأنها من خصائص المُجتهِد، ويَدخُل فيه أيضًا مبحث التقليد؛ لكون المقلد تابعًا له. • بقي من مباحث علم الأصول: مبحث الأحكام، لم يدخل في هذا التعريف باعتبار أن موضوع أصول الفقه هو: الأدلة، فتكون الأحكام بهذا الاعتبار مقدِّمة من مُقدِّمات علم أصول الفقه، غير داخلة في موضوعه. وعند التأمل نجد أنه داخِل في عِلم الأصول، سواء ذُكر في التعريف أم لا، وسواء اعتُبر موضوعًا لعلم الأصول أم لا [5]. • هناك أيضًا قواعد الفقه: وهي تبحَث في قواعد وضوابط الفقه، التي يَنبني عليها مسائل. مسألة: هل يَنبغي أن يُقدَّم علم أصول الفقه على الفقه، أم يقدم الفقه عليه؟ قال ابن عثيمين: قال بعض العلماء - رحمهم الله -: قدِّم الأصول حتى تَبني عليها الفروع، فاعرف أصول الفقه، قبل أن تعرف الفقه. وقال بعض العلماء - رحمهم الله -: بل يقدَّم الفقه؛ لأن الإنسان يُمكن أن يعرف الفقه دون أن يرجع إلى أصول الفقه، وحينئذ يمكن للإنسان أن يعرف الفقه قبل أن يعرف أصول الفقه؛ وهذا هو الذي عليه العمل الجاري من قديم الزمان، حتى إن بعض المشايخ - فيما نسمَع - يقرؤون الفقه، ولا يقرؤون أصول الفقه إطلاقًا [6]. موضوع أصول الفقه: هو معرفة الأدلة الشرعية ومراتبها وأحوالها [7]. مَصادر أصول الفقه: المقصود بها الأدلة والأصول التي بُنيت عليها قواعده، وهي: 1- استِقراء نُصوص الكتاب والسنَّة الصحيحة. 2- الآثار المروية عن الصحابة والتابعين. 3- إجماع السلف الصالِح. 4- قواعد اللغة العربية وشواهِدها المنقولة عن العرب. 5- الفِطرة السوية والعقل السليم. 6- اجتهادات أهل العلم واستِنباطاتهم وفق الضوابط الشرعية [8]. [1] مستفادة من كتاب: شرح الأصول من علم الأصول؛ للشيخ ابن عثيمين، ومن محاضرات شرح كتاب الأصول من علم الأصول؛ لشيخي عادل بن يوسف العزازي في مسجد التوحيد بشُبرا، ومن كتاب معالم أصول الفقه عند أهل السنَّة والجماعة؛ لمحمد بن حسين الجيزاني، والوجيز في أصول الفقه؛ لعبدالكريم زيدان. [2] انظر: شرح الكوكب المنير (1: 39)، ويُطلَق على الراجح، مثل قولهم: الأصل في الكلام الحقيقة؛ أي: الراجح في الكلام حملُه على الحقيقة، لا على المجاز. ويُطلَق على المستصحب، فيقال: الأصل براءة الذمَّة؛ أي: يُستصحَب خلوُّ الذمة من الانشغال بشيء حتى يَثبُت خلافه؛ انظر: الوجيز في أصول الفقه؛ لعبدالكريم زيدان (9 - 10). [3] انظر: مختصر ابن اللحام (31)، وشرح الكوكب المنير (1: 41). [4] انظر: قواعد الأصول (21)، شرح الكوكب المنير (1: 44). [5] انظر: معالم أصول الفقه عند أهل السنة والجماعة (21)؛ لمحمد بن حسين الجيزاني. [6] شرح نظم الورقات (15 - 16). [7] انظر: مجموع الفتاوى (20: 401). [8] مستفاد من كتاب الرسالة للإمام الشافعي، نقلاً من كتاب معالم الفقه (22 - 23)؛ لمحمد بن حسين الجيزاني - حفظه الله. فرسان السنة بالقرآن نرتقي
آخر تعديل ابن الورد يوم
24 Jan 2015 في 02:14 AM.
|
18 Jan 2015, 11:02 PM | #2 |
مشرفة قروب ـ رياحين الإخاء جزاها الله تعالى خيرا
|
رد: مقدمة في أصول الفقه وتعريفاته ~ أ
مقدمة لطيفة عن طرق دراسة الفقه ونبذ التعصب لأقوال الرجال أبو البراء محمد بن عبدالمنعم آل عِلاوة إن الحمد لله نحمده، ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، مَن يهدِه الله فلا مضلَّ له، ومَن يضلل فلا هاديَ له، وأشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله. ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ) [آل عمران: 102]. ( يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا ) [النساء: 1]. ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا ) [الأحزاب: 70، 71]. أما بعد، فإن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهَدْي هدي محمد -صلى الله عليه وسلم- وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثةٍ بدعة، وكل بدعةٍ ضلالة، وكل ضلالةٍ في النار[1]. وبعد: فقد منَّ الله علينا بأن حَفِظَ لنا دينَنا، وأتمَّ علينا نعمتَه بوجود العلماء الربَّانيين، الذين أفنوا أعمارهم وأموالهم في سبيل خدمة دينه ونشره، فأعلى الله ذكرَهم، وشكر لهم سعيَهم. وقد أخبر النبي -صلى الله عليه وسلم- أن مَن أراد الله به الخير يفقِّهه في الدِّين، ففي حديث معاوية بن أبي سفيان قال: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: ((مَنْ يُرِد اللهُ به خيرًا يُفقِّهْهُ في الدين))[2]. ودراسة الفقه ومعرفة كيفية العبادات من أجلِّ ما يُنفَق فيه الوقت والجهد والمال؛ لذا اعتنى العلماء قديمًا وحديثًا بالتصنيف والتأليف لتدوين وتسطير الفقه، وتسابَقَ العلماء على خدمته بالشرح والتأليف، والتأصيل والتفريع، والاستدلال والاستنباط، وتخريج الأدلة والنصوص. ومن المعلوم الملاحظ أن طريقة التدوين والتأليف والدراسة في الفقه تنتظم في طريقتين: الطريقة الأولى: طريقة الفقه المذهبي، وهي عبارة عن اختيار مذهب من مذاهب الأئمة المعتبرين، وهذا يعرف بالتفقه في المسائل من كتب الفروع. والطريقة الثانية: فقه الراجح، وهي عبارة عن اختيار الراجح في كل مسألة من المسائل بدليلها من الكتاب والسنة، وهذا يعرف بالتفقه في الدلائل. فالتفقه من كتب المسائل له أربع مراتب: الأولى: تصور المسألة. الثانية: معرفة دليلها. الثالثة: استنباط الحكم من الدليل. الرابعة: معرفة كيفية الاستنباط التي أوصلت إلى الحكم. وكذلك تحصيل التفقه من كتب الدلائل له أربع مراتب: الأولى: معرفة الدليل. الثانية: استنباط الحكم منه. الثالثة: معرفة كيفية الاستنباط. الرابعة: تصور المسألة. والحاصل أن كلَّ طريقة من الطريقتين لا غنى لها عن الأخرى؛ إذ الفقيه لا بد له من حديث صحيح يعتمد عليه ويبني عليه مذهبه، كذا المحدِّث يحتاج إلى نظرة الفقهاء للحديث لاستنباط الأحكام. أما ما يدَّعيه البعض أن المحدِّثين لا علاقة لهم بالفقه، فهذه فِرْيَة وادِّعاء لا دليل عليه، ويكفي في الرد على هذه الفرية أن ثلاثةً من أصحاب المذاهب المتبوعة من كبار المحدثين، وهم: مالك - الشافعي - أحمد. قال الخطابي: ورأيتُ أهل العلم في زماننا قد حصلوا حزبين وانقسموا إلى فرقتين: أصحاب حديث وأثر، وأهل فقه ونظر، وكل واحدة منهما لا تتميَّز عن أختها في الحاجة، ولا تستغني عنها في درك ما تنحوه من البغية والإرادة؛ لأن الحديث بمنزلة الأساس الذي هو الأصل، والفقه بمنزلة البناء الذي هو له كالفرع، وكل بناء لم يُوضَع على قاعدة وأساس فهو منهارٌ، وكل أساس خلا عن بناء وعمارة فهو قفر وخراب. ووجدتُ هذين الفريقين على ما بينهم من التداني في المحلين، والتقارب في المنزلتين، وعموم الحاجة من بعضهم إلى بعض، وشمول الفاقة اللازمة لكل منهم إلى صاحبه - إخوانًا متهاجرين، وعلى سبيل الحق بلزوم التناصر والتعاون غير متظاهرين. فأما هذه الطبقة الذين هم أهل الأثر والحديث، فإن الأكثرين منهم إنما وكدهم الروايات وجمع الطرق، وطلب الغريب والشاذ من الحديث، الذي أكثره موضوع أو مقلوب، لا يراعون المتون ولا يتفهَّمون المعاني ولا يستنبطون سيرها، ولا يستخرجون رِكازها وفقهها، وربما عابوا الفقهاء وتناولوهم بالطعن، وادَّعوا عليهم مخالفة السنن، ولا يعلمون أنهم عن مبلغ ما أوتوه من العلم قاصرون، وبسوء القول فيهم آثمون. وأما الطبقة الأخرى - وهم أهل الفقه والنظر - فإن أكثرهم لا يعرجون من الحديث إلا على أقلِّه، ولا يكادون يميِّزون صحيحه من سقيمه، ولا يعرفون جيِّدَه من رديئه، ولا يعبؤون بما بلَغهم منه أن يحتجُّوا به على خصومهم إذا وافق مذاهبهم التي ينتحلونها، ووافق آراءهم التي يعتقدونها، وقد اصطلحوا على مُواضعةٍ بينهم في قبول الخبر الضعيف والحديث المنقطع إذا كان ذلك قد اشتهر عندهم، وتعاورته الألسن فيما بينهم، من غير ثبت فيه أو يقين علم به، فكان ذلك ضلَّةً من الرأي وغبنًا فيه، وهؤلاء - وفقنا الله وإياهم - لو حُكِي لهم عن واحدٍ من رؤساء مذاهبهم وزعماء نحلهم قولٌ يقوله باجتهاد من قِبَل نفسه، طلبوا فيه الثقة، واستبرؤوا له العهدة. فتجد أصحاب مالك لا يعتمدون من مذهبه إلا ما كان من رواية ابن القاسم والأشهب وضُرَبائهم من تلاد أصحابه، فإذا وجدت رواية عبدالله بن عبدالحكم وأضرابه لم تكن عندهم طائلاً. وترى أصحابَ أبي حنيفة لا يقبلون من الرواية عنه إلا ما حكاه أبو يوسف ومحمد بن الحسن والعِلْية من أصحابه والأجلة من تلامذته، فإنْ جاءهم عن الحسن بن زياد اللؤلؤي وذويه روايةُ قولٍ بخلافه، لم يقبلوه ولم يعتمدوه. وكذلك تجد أصحاب الشافعي إنما يعوِّلون في مذهبه على رواية المُزَني والربيع بن سليمان المرادي، فإذا جاءت رواية حَرْمَلة والجيزي وأمثالهما، لم يلتفتوا إليها ولم يعتدُّوا بها في أقاويله. وعلى هذا عادة كل فرقة من العلماء في أحكام مذاهب أئمَّتهم وأستاذيهم. فإذا كان هذا دأبَهم، وكانوا لا يقنَعون في أمرِ هذه الفروع وروايتها عن هؤلاء الشيوخ إلا بالوثيقة والثبت، فكيف يجوز لهم أن يتساهلوا في الأمر الأهم، والخطب الأعظم، وأن يتواكلوا الرواية والنقل عن إمام الأئمة ورسول ربِّ العزة، الواجب حكمُه، اللازمة طاعتُه، الذي يجب علينا التسليم لحكمه، والانقياد لأمره؛ من حيث لا نجد في أنفسنا حرجًا مما قضاه، ولا في صدورنا غلاًّ من شيء مما أبرمه وأمضاه؟![3]. ومعلوم أن الأئمة عندما تكلَّموا وصنَّفوا في العلم والفقه، إنما أرادوا إظهار الحق بدليله، وأن كلام الرجال غيرُ مرادٍ لذاته، وإنما المرادُ هو إصابة الحق والوصول إليه، فمَن اختار طريقةً من الطريقتين، فله وجه من الحق والصواب، ولكن ينبغي التنبيه على عدم التعصب لأقوال الرجال، وإنما التعصب - إن صح التعبير - يكون للدليل. وإليك بعضًا من أقوال الأئمة في رد التمسك بأقوالهم وإنما التمسك بالدليل: قال أبو حنيفة: (لا يحل لأحد أن يأخذ بقولنا ما لم يعلم من أين أخذناه)[4]. وقال مالك بن أنس: (ليس أحدٌ بعد النبي -صلى الله عليه وسلم- إلا ويؤخذ من قوله ويُترَك إلا النبي - صلى الله عليه وسلم)[5]. وقال الشافعي: (أجمع المسلمون على أن مَن استبان له سنةٌ عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لم يحلَّ له أن يَدَعها لقول أحد)[6]. وقال أحمد: (لا تقلِّدني ولا تقلِّد مالكًا ولا الشافعي ولا الأوزاعي ولا الثوري، وخُذْ من حيث أخذوا)[7]. وهذا لا يعني أننا نترك قولَ واختيارَ الأئمة ونذهب فنأخذ بقول واختيار فلان وفلان، ولكن هو اتباعُ الدليل ندور وراءه حيث دار، فلا أحد كائنًا مَن كان مطلوب اتباعه إلا النبي -صلى الله عليه وسلم- ورحم الله ابن عباس؛ حيث قال: (يوشك أن تنزل عليكم حجارة من السماء؛ أقول لكم: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وتقولون: قال أبو بكر وعمر!)، وهما مَن هما، إنهما أعلم الصحابة وأفضل الصحابة - رضي الله عنهم أجمعين. ومن المعلوم أن لا أحد يقول بأن أقوال الأئمة يجب اتباعها مطلقًا، فالصواب أن ننظر في أقوالهم، فإذا وافقتِ الحقَّ قبِلناها، وإلا أخذنا بكلامِهم في العودة إلى الدليل؛ لأن الأئمة كلَّهم معترفون بأنهم ما أحاطوا بجميع النصوص، فالصحابة - رضي الله عنهم - خَفِي عليهم بعض السنن، فما ظنُّك بغيرهم من الأئمة، وقد يصلُ الإمامَ الحديثُ ولكن لم يصحَّ عنده، أو صح عنده ولم يصحَّ عند غيره، وقد لا يصله أصلاً، وقد يصلُه بعض الأدلة دون بعضها الآخر في المسألة الواحدة. فإذا علِمنا هذا، فاعلَم أن واجبَنا نحو أئمتنا أن نعتذرَ لهم، ونترحَّم عليهم، وأنهم يدور اجتهادهم بين الأجر والأجرين، ولكن ليس لمقلِّدي الأئمة من العذر ما للأئمة إذا تبين لهم الخطأ؛ لأن الأئمة بذلوا جهدهم ووُسْعَهم في الوصول للحق بدليله من الكتاب والسنة وأقوال الصحابة، ومَن كان هذا شأنه فهو جديرٌ بالعذر في خطئه، والأجر في اجتهاده، أما المقلِّدون فيبقى لهم كلام الأئمة في ذم التقليد في الخطأ[8]. [1] خطبة الحاجة، رواها مسلم في صحيحه في كتاب الجمعة 2/496، وشرحها شيخ الإسلام ابن تيمية في رسالة مفيدة، وقد وردت عن ثمانية من الصحابة - رضي الله عنهم - جمعها العلامة الألباني في رسالة ماتعة. [2] البخاري 71، ومسلم 2436، من حديث معاوية بن أبي سفيان. [3] معالم السنن للخطابي 1/3 - 5. [4] الانتقاء في فضائل الأئمة الفقهاء؛ لابن عبدالبر 145، وإعلام الموقعين؛ لابن القيم 2/309. [5] الجامع؛ لابن عبدالبر 2/91. [6] إعلام الموقعين 2/361. [7] إعلام الموقعين 2/302. [8] الكلام في هذه المسألة يطول، وهذه النبذة من سن القلم، ومَن أراد الاستزادة فعليه بكتاب "رفع الملام عن الأئمة الأعلام"؛ لشيخ الإسلام ابن تيمية، ومقدمة صفة صلاة النبي - صلى الله عليه وسلم - للألباني. |
بالقرآن نرتقي
|
18 Jan 2015, 11:04 PM | #3 |
مشرفة قروب ـ رياحين الإخاء جزاها الله تعالى خيرا
|
رد: مقدمة في أصول الفقه وتعريفاته ~ أ
ما يُنجِّسُ الماءَ ~ الصراط السوي في سؤالات الصحابة للنبي - صلى الله عليه وسلم - الطهارة (1) ~
|
بالقرآن نرتقي
|
18 Jan 2015, 11:05 PM | #4 |
مشرفة قروب ـ رياحين الإخاء جزاها الله تعالى خيرا
|
رد: مقدمة في أصول الفقه وتعريفاته ~ أ
تابع .. ما يُنجِّسُ الماءَ
|
بالقرآن نرتقي
|
18 Jan 2015, 11:06 PM | #5 |
مشرفة قروب ـ رياحين الإخاء جزاها الله تعالى خيرا
|
رد: مقدمة في أصول الفقه وتعريفاته ~ أ
نشأة أصول الفقه الفوائد الثرية في مختصر الأصول الفقهية (2) أبو البراء محمد بن عبدالمنعم آل عِلاوة أصول الفقه له أصل من الكتاب والسنَّة، وله أصل من كلام الصحابة - رضي الله عنهم - لكن لم يُصنَّف فيه بهذه الطريقة المنظمة المفردة، إلا على يد الإمام الجليل الشافعي - رحمه الله - في كتابه "الرسالة"، ثم تطوَّر التصنيف في أصول الفقه، بأن دخل عليه المنهج الحديثي على يد الإمامَين الجليلَين: الخطيب البغدادي، وابن عبدالبر، ثم برز جانب الإصلاح وتقويم العِوَج الطارئ على علم الأصول، وذلك على يد الإمامَين ابن تيمية وتلميذه ابن القيم - رحمهما الله. وعند النظر إلى مؤلَّفات أصول الفقه الخاصة تبرز لنا أربعة مؤلفات، امتاز كل واحد منها بميزات عديدة، وهذه المؤلفات هي: كتاب "الرسالة"؛ للشافعي، وكتاب "الفقيه والمتفقه"؛ للخطيب البغدادي، وكتاب "روضة الناظر"؛ لابن قدامة، وكتاب "شرح الكوكب المنير"؛ لابن النجار الفتوحي. 1- كتاب الرسالة: عاش الشافعي في وقت ظهَر فيه مَدرستان في الفقه: المدرسة الأولى: مدرسة الحديث والرواية، وكانت بالمدينة، وشيخُها الإمام مالك بن أنس، لكون المدينة موطنَ الصحابة ومكان الوحي. المدرسة الثانية: مدرسة الرأي، وكانت بالعراق، وشيوخُها أصحاب أبي حنيفة؛ وذلك لعدم توافُر أسباب الرواية لدَيهم، لكثرة الفتن. فاستطاع الشافعي الجمع بين المدرستَين والفوز بمحاسنهما؛ حيث تلقى العلم على الإمام مالك، وكذا على محمد بن الحسن الشيباني صاحب أبي حنيفة، يُضاف إلى ذلك جمعُه فقه أهل الشام ومصر؛ حيث أخذ عن فُقهائهما. قال الإمام أحمد بن حنبَل: "كان الفقه قُفلاً على أهله حتى فتَحه الله بالشافعي"[1]. 2- كتاب الفقيه والمتفقه: صنَّف الخطيب البغدادي هذا الكتاب نصيحةً لطائفتين؛ لأهل الحديث، ولأهل الرأي؛ حيث ظهر في عصرِه ذمُّ الرأي، والنهي عنه، والتحذير منه مُطلَقًا، فلم يُميِّزوا بين محمود الرأي ومَذمومه، أما أهلُ الرأي فجل ما يَحتجُّون به من الأخبار واهٍ ضعيفٌ عند علماء الحديث. لذا قال الخطيب البغدادي: "فقد ذكرتُ السبب الموجِب لتنافي هذَين الفريقَين، وتباعُد ما بين هاتين الطائفتَين، ورسمتُ في هذا الكتاب لصاحب الحديث خاصَّة ولغيره عامَّة ما أقوله نصيحةً مني له، وغيرةً عليه"[2]. 3- كتاب روضة الناظِر وجنَّة المناظِر: قال بعض العُلماء: إن كتاب "الروضة"، مختصر "المُستَصفى"؛ للغزالي، وهذه عُدت مَزيَّة للكِتاب؛ لأن الغزالي متأخِّر في الزمان، فاستطاع أن يجمع جُلَّ الفوائد الأصولية التي سبقته، كما أنه من آخر كتب الغزالي الأصولية، وابن قدامة لم يقلد الغزالي في آرائه وفي سائر منهجه، بل ظهرت لمساته، وبرزت شخصيته المستقلة، مثلاً اعتنى بآراء الإمام أحمد بن حنبل، وضم إلى الروضة أقوال الحنابلة وأثبتها، كذا من خلال ترجيحاته واختياراته التي اعتمد فيها على الحجة والدليل. 4- كتاب شرح الكوكب المُنير: الشيخ تقي الدين بن النجار الفتوحي (ت: 927 هجريًّا)، صاحب الكتاب، وهو شرح لمُختصَر (التحرير) له أيضًا، الذي اختصَره من كتاب (التحرير) للمرداوي الحنبلي (ت: 885 هجريًّا). يمتاز هذا الكتاب بأن حجمه متوسِّط، وأن الفتوحي أثبت فيه أقوال العلماء، وأرجع الأقوال إلى مصدرها بعبارة سلسة وأسلوب سهل واضح[3]. قال ابن عُثَيمين: (وأول من جمَعه كفنٍّ مُستقلٍّ الإمام الشافعي محمد بن إدريس - رحمه الله - ثم تابعَه العلماء في ذلك، فألَّفوا فيه التآليف المتنوعة، ما بين منثور ومنظوم، ومختصر ومبسوط، حتى صارَ فنًّا مُستقلاًّ له كيانه ومميزاته، ومن أحسن ما ألِّف فيه، بل من أجمعِ ما ألِّف فيه: "مختصر التحرير"؛ للفتوحي، وهذا المختصر كتاب صغير؛ لكنه في الحقيقة خُلاصة ما قاله الأصوليُّون في أصول الفقه، وهو مُختصَر، ويُمكِن للإنسان أن يحفظه عن ظهر قلب، إلا أنه يَحتاج إلى عالم يبين معناه للطالب، وكذلك شرحه: "الكوكب المنير في شرح التحرير"، فهذا من أجمع ما رأيتُ على اختصاره، وهو يُمكِن أن يكون نِصف "زاد المستقنع". أما أحسن ما يكون فيه من العبارات والسلاسة فهو: "المُسْتَصْفَى"؛ للغزالي، وهو في مجلدين كبيرين، لكنه في الحقيقة يرتاح الإنسان لقراءته؛ لأنه سهل الأسلوب، وجيِّد في عرض الآراء ومناقشتها، وهو من أحسن ما قرأت من جهة التبيين والتوضيح. و"الروضة"، مأخوذ من "المُسْتَصْفَى"، في الواقع، على أن مصنِّف الروضة، الموفَّق - رحمه الله - صار أحيانًا يَحذف بعض الكلمات التي توجب الإشكال والتعقيد في العبارة، وإلا لو رجعت وقارنتَ بين الروضة والمستصفى للغزالي لوجدت أن الكلام هو نفس الكلام، لكن الموفَّق - رحمه الله - يتصرَّف فيه بعض التصرُّف أحيانًا. و"مختصر التحرير"؛ للفتوحي من الحنابلة، و"التحرير"؛ للمرداوي علي بن سليمان صاحب كتاب "الإنصاف"، وهو أكبر، والورقات على اسمه ورقات"[4]. [1] انظر: تهذيب الأسماء واللغات (1: 61).
[2] الفقيه والمتفقه (2: 77 - 87). [3] مستفاد هذا المبحث من كتاب معالم الفقه (24 - 62)؛ للجيزاني - حفظه الله - باختصار وتصرف. [4] شرح الأصول من علم الأصول؛ للعثيمين (23). |
بالقرآن نرتقي
|
18 Jan 2015, 11:10 PM | #6 |
مشرفة قروب ـ رياحين الإخاء جزاها الله تعالى خيرا
|
رد: مقدمة في أصول الفقه وتعريفاته ~ أ
فوائد أصول الفقه والأدلة الشرعية ~ الفوائد الثرية في مختصر الأصول الفقهية (3) ~
|
بالقرآن نرتقي
|
18 Jan 2015, 11:13 PM | #7 |
مشرفة قروب ـ رياحين الإخاء جزاها الله تعالى خيرا
|
رد: مقدمة في أصول الفقه وتعريفاته ~ أ
الأحكام الشرعية ( الوضعية ) ~ الفوائد الثرية في مختصر الأصول الفقهية (5) ~
|
بالقرآن نرتقي
|
18 Jan 2015, 11:15 PM | #8 |
مشرفة قروب ـ رياحين الإخاء جزاها الله تعالى خيرا
|
رد: مقدمة في أصول الفقه وتعريفاته ~ أ
قواعد وأصول في فهم النصوص الشرعية ~ الفوائد الثرية في مختصر الأصول الفقهية (6) ~
|
بالقرآن نرتقي
|
18 Jan 2015, 11:16 PM | #9 |
مشرفة قروب ـ رياحين الإخاء جزاها الله تعالى خيرا
|
رد: مقدمة في أصول الفقه وتعريفاته ~ أ
قواعد وأصول في فهم النصوص الشرعية ~ الفوائد الثرية في مختصر الأصول الفقهية (6) ~
|
بالقرآن نرتقي
|
18 Jan 2015, 11:17 PM | #10 |
مشرفة قروب ـ رياحين الإخاء جزاها الله تعالى خيرا
|
رد: مقدمة في أصول الفقه وتعريفاته ~ أ
تابع .. قواعد وأصول في فهم النصوص الشرعية ~ الفوائد الثرية في مختصر الأصول الفقهية (6) ~
|
بالقرآن نرتقي
|
مواقع النشر (المفضلة) |
|
|