|
#1
|
||||||||
|
||||||||
|
الإحسان ُفي رمضان
الحَمْدُ للهِ ربِّ العالمين، والصلاة والسلام على سيّدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين. الحَمْدُ للهِ الذي يسّر لنا هذا اللقاء، وأسأله -سبحانه وتعالى- أن يجعله لقاءً مُباركًا مَرْحومًا، اللهمّ آمين. لقاؤنا اليوم إن شاء الله سيكون عنوانه: الإحسان في رمضان. أوّلاً قبل أن نتكلّم عن طريقة الإحسان في رمضان نتكلّم عن معنى كلمة الإحسان، هذه القيمة العظيمة. ما معنى الإحسان؟ عندما نسمع كلمة رمضان يمرّ في الخواطر أن المقصود تقليصًا على درجة الإحسان التي هي من مراتب الدين، ويظنّ الإنسان دائمًا أنّ الإحسان درجة بعيدة عنه، فينظر للمسألة بهذه الطريقة! أنّه لابد أن يكون مسلمًا، ثم يترقّى إلى أن يكون مؤمنًا، ثم يترقّى إلى أن يكون محسنًا، وهذا التفكير يَحْرِم القوم خيرًا كثيرًا! ما وجه الخير الذي يُحرمه القوم؟ أن العبد يستطيع أن يكون محسنًا في تفاصيل حياته، حتى إذا جمع الإحسان في التفاصيل أصبح محسنًا مجمَلا، فكأننا نقول أن الإحسان عبارة عن الإحسان في التفاصيل، فتحسن في صلاتك، وتحسن في صيامك، وتحسن في صدقتك... وعندما تجمع تفاصيل الإحسان بعد ذلك تكون محسنًا على وجه العموم. إذًا معناها أن الإحسان عمل يستطيع أن يقوم به الإنسان. تنبيه: كل الناس يستطيعوا أن يكونوا محسنين، لا يطلق عليه لفظ محسِن إطلاقًا لكن يكون أحسَنَ في صلاته، أحسن في صيامه، أحسن في قراءته للفاتحة، ونحن بأنفسنا نستعمل هذا اللفظ. مثلا: ابنك عندما يعرف قراءة الفاتحة ولا يعرف قراءة بقية السور ماذا نقول عنه ؟ أحسن في قراءة الفاتحة. هكذا وأنت تدخل في الصلاة ممكن أن تحسن في التكبير لكن ما تحسن في قراءة الفاتحة والركوع، وممكن أن تحسن في قراءة الفاتحة لكن ما تحسن في السورة التي بعدها أو في الركوع أو في السجود وهكذا... إذن الإنسان يستطيع أن يحسن وأن يجمِّع لنفسه نقاط إحسان إذا استطاع أن يدرِّب نفسه على الإحسان في المسائل القليلة أو في المسائل المنفصلة يوفّقه الله فيحسن إجمالاً في الدِّين كلّه. أين مكان الإحسان؟ مكان الإحسان قلوب العباد، يعني الإنسان بقلبه يصبح محسنا. نبدأ أولا بتقرير أن رمضان شهر للإحسان. فما الإحسان أولا ؟ الجواب : هو فعل ما هو حَسَن، أي : تفعل فعلا موصوفا بأنه حَسَن. كيف نستعمل كلمة [ أحسنت ] ؟ أي فعلت فعلا أنت فيه محسِنا، يعني أحسنت فعلا، إذن الإحسان فعل ما هو حسن. فانظر إلى حياتك كلها و أنت تتقرب إلى الله، ستجد أن في كل فعل من أفعالك يمكن أن يقال لك أحسنت !! أحسنت قراءة الفاتحة، أحسنت الركوع فعلا، أحسنت السجود، و هكذا... يعني الإحسان فعل ما هو حسن بطريقة حسنة و هو قربة إلى الله، أي أن اجتهادك في أن تكون محسنا سيكون قربة إلى الله عزوجل. نرى من النصوص والأدلة التي مدح الله فيها الإحسان : § ورد في الحديث : أن رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال ((إِنَّ اللَّهَ كَتَبَ الْإِحْسَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ))[1] أي أنك تستطيع أن تكون محسنا في كل شيء، أي أن كل شيء تتقرب به أو تفعله ستجد فرصة للإحسان فيه. § ومن ذلك آية سورة النحل التي تدل على أن الإحسان قربة لله عزوجل، قال الله تعالى : {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ}[2]، وأي فعل أمر سيكون عبادة وقربى له. إذن الإحسان قربى وعبادة معناها أنك وقت قيامك بالأعمال يُطلب منك أن تتعبد الله بالإحسان فيها، تتقرب إلى الله بالعبادة و تتقرب إليه أيضا بالإحسان في العبادة. § من ذلك آية سورة البقرة : {وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ}[3] {وَأَحْسِنُوا}، أحسنوا : فعل أمر و هذا يكفي أن تعرفي أنها عبادة. واعلموا أنكم لو أحسنتم أحبكم الله ... يعني انظر كل ما بذلت جهدك في أن تحسن في العبادة فأنت تتقرب إلى الله خطوة من أجل أن يحبك، فحصيلة الإحسان محبة الله. § أيضا من النصوص : قال تعالى : {إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ}[4] إذن هذا كله يدفعك إلى الإحسان، سيحبك الله لو أحسنت. سيكون الله معك لو أحسنت. لذلك لابد أن تهتم بالإحسان: o لأنه أمْر وعبادة o ولأنه سبب لمحبة الله لك o ولأنه سبب لمعية الله لك وكفى بهذه الأسباب سببا لأن تعتني به. ننظر الآن إلى النتيجة من الإحسان : في سورة المرسلات ما جزاء الإحسان؟ يقول الله عز وجل: {إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي ظِلَالٍ وَعُيُونٍ (41) وَفَوَاكِهَ مِمَّا يَشْتَهُونَ (42) كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ}[5]. هذا كله لماذا ؟ {إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ}[6]، أي لأنهم كانوا محسنين كان هذا جزاؤهم. إذًا انظري لهذه الأربعة : 1. الله عز وجل أمر بالإحسان، إذن هو عبادة ـ 2. الله عز وجل يحب المحسنين. 3. الله عزوجل مع المحسنين. 4. الله عزوجل سيجازي المحسنين بهذه الجزاءات العظيمة. إذًا الإحسان أمر رُغِّب فيه في الشريعة على كل الأفعال. ومِن أجل أننا مُقبِلون على الموسم القادم -الذي نسأل الله عز وجل أن يبلغنا ويبلغكم رمضان- نحن نناقش كيف نكون محسنين في هذا الموسم، وإلا هذا الإحسان لا ينقضي بوقت، طول الوقت مطلوب منك أن تحسن. لماذا سنناقش الإحسان في رمضان بالذات ؟ انظري لآية المرسلات ما أولها؟ {إِنَّ الْمُتَّقِينَ} عودي إلى الوراء وانظري في النحل {إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا} لاحظي أن التقوى أتت مع الإحسان. فكري في رمضان، ما المقصد العظيم من صيام رمضان ؟ لعلكم تتقون، فكانت التقوى من أعظم مقاصد رمضان، من أعظم مقاصد الصيام، وهذه التقوى إنما تأتي لو أحسنت في الصيام، فلن تصل لأن تكون متقيًا إلا إذا كنت محسنا. لنرى الصلاة من أجل أن تتصور : الصلاة ما أهم آثارها ؟ أنها تنهى عن الفحشاء والمنكر. أنت ترى أن هناك كثيرون يصلون ثم يقررون في صلاتهم لأن يقعوا في الفحشاء والمنكر مجرد ما يسلموا من الصلاة ينتقلوا إلى الفحشاء والمنكر !! لماذا ؟! لأن صلاتهم خَلَت من الإحسان ؛ لذلك الأثر لم يحصل أنها تنهاك عن الفحشاء والمنكر. في رمضان الأثر المرغوب : التقوى، من أجل أن تخرج من رمضان متقي، وليس متدهور حالك، لابد أن يكون في رمضان حالك أنك محسن في صيامك، محسن في أعمالك، فتكون النتيجة أنك تتقي. لذلك انظري في المرسلات: أولها : {إِنَّ الْمُتَّقِينَ}. آخرها وصفهم : {إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ} وصفهم أنهم كانوا محسنين. إذًا التقوى من لوازمها أن تكون محسنا، وبالعكس طالما أنك محسن إذًا النتيجة ستخرج أنك متقي يعني الإحسان هو مسبِّب التقوى. فأنت لن تصل من صيامك أن تكون متقيا وتصل للغاية إلا لو أحسنت في الصيام. لذلك دائما نسأل أنفسنا، لماذا يأتي أول يوم العيد وتتدهور حالنا كأننا ما صُمنا كل الشهر؟ لا تأتوا بأعذار أنكم نائمون وأنكم.. إلى آخر الكلام ؛ لأن الذي في قلبه التقوى لا يهون عليه أبدا أن ينام عن فرض، لا يهون عليه أبدا أن يسهر في الليل ولم يوتر. نحن بعد أن ننتهي أول يوم العيد نجد أنفسنا أننا لم نوتر حتى ثاني يوم العيد، فبعد قيام طويل حتى الوتر ممكن أن يفوت علينا !! هذا لا يمكن أن يكون حال المتقين ؛ لأن المتقي زاد يقينا فيصل إلى يقين أنه سيلقى ربه فيتقي كل ما يغضبه ويتقي كل حال تبعده. أصبح يحب الله ويعرف ماذا يعني أن الله يحبه فيتقي أن يُحرم من هذا الحب. من غير المعقول أن يكون طول الشهر كان متقيا ومرة واحده ينقلب ويكون غير متقٍ! لا يُقبل هذا. ثم أنك تعلم يقينا أن الإيمان يزيد وينقص، ولما يزيد الإيمان معناه ذلك أن العمل الصالح الذي تعمله سبَّب لك زيادة الإيمان. مثلا : اليوم أول يوم في رمضان صام الناس والصيام عمل صالح، المفروض أنه يزيد إيمانك، وغدا صيامك يصبح أفضل من صيامك البارحة يعني اليوم الثاني أحسن من اليوم الأول، واليوم العاشر أحسن من اليوم الأول ؛ لأنك جمعت من الأعمال الصالحة إيمانا فزادت فيك قوة العمل الصالح، فالإيمان يزيد بالطاعات وينقص بالمعاصي، فالمفروض لما أصل ليوم عشرين يكون زاد إيماني ومن ثَمَّ زادت أعمالي. أنت ترى المنحنى يصعد لأعلى أم أنه ينزل لأسفل وينكسر ؟ وإذا نزل لأسفل وانكسر معناه أنه لم يزد إيمانك، معناه أن هناك خلل في الطريق الذي تسيره، وهو ترك الإحسان. ومن أجل ذلك كان من المهم جدا أن تعرف كيف تقضي يوما صائما وأنت محسن، محسن في صيامك ومحسن في قضاء ساعات يومك، لذلك استعملنا هذا الاسم في رمضان. يعني لماذا نقول الإحسان في رمضان ؟ لأن هذه العبادة هي التي تُسبِّب لك زيادة الإيمان، وإذا زاد الإيمان أول يوم زادت الأعمال ثاني يوم وإذا زادت الأعمال زاد الإيمان وهكذا... فأنت في منحنى مرتفع مستمر في منحنى الزيادة. لكن أن تصل في الوسط وتجد نفسك منقطع فهذا معناه أنه يوجد خلل في طريقك وأنت تسير. يتبع
![]() بالقرآن نرتقي
|
| مواقع النشر (المفضلة) |
|
|
![]()