اعلانات
اعلانات     اعلانات
 


﴿ بِسۡمِ ٱللَّهِ ٱلرَّحۡمَـٰنِ ٱلرَّحِيمِ ﴾ الٓمٓ ﴿١﴾ ذَٰلِكَ ٱلۡكِتَٰبُ لَا رَيۡبَۛ فِيهِۛ هُدٗى لِّلۡمُتَّقِينَ ﴿٢﴾ ٱلَّذِينَ يُؤۡمِنُونَ بِٱلۡغَيۡبِ وَيُقِيمُونَ ٱلصَّلَوٰةَ وَمِمَّا رَزَقۡنَٰهُمۡ يُنفِقُونَ ﴿٣﴾ وَٱلَّذِينَ يُؤۡمِنُونَ بِمَآ أُنزِلَ إِلَيۡكَ وَمَآ أُنزِلَ مِن قَبۡلِكَ وَبِٱلۡأٓخِرَةِ هُمۡ يُوقِنُونَ ﴿٤﴾ أُوْلَٰٓئِكَ عَلَىٰ هُدٗى مِّن رَّبِّهِمۡۖ وَأُوْلَٰٓئِكَ هُمُ ٱلۡمُفۡلِحُونَ ﴿٥﴾ البقرة .

روى الإمام مسلم عن أبي أمامة الباهلي قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( اقرَؤوا القُرآنَ؛ فإنَّه يَأتي شَفيعًا يومَ القيامةِ لصاحبِه، اقرَؤوا الزَّهراوَينِ: البَقرةَ وآلَ عِمرانَ؛ فإنَّهما يَأتِيانِ يومَ القيامةِ كأنَّهما غَيايتانِ، أو كأنَّهما غَمامتانِ، أو كأنَّهما فِرقانِ مِن طَيرٍ صَوافَّ يُحاجَّانِ عن أصحابِهما، اقرَؤوا سورةَ البَقرةِ؛ فإنَّ أخذَها بَركةٌ، وتَركَها حَسرةٌ، ولا تَستطيعُها البَطَلةُ ) .


           :: الكعبة (آخر رد :عائد لله)       :: الحجامة فضلها وفوائدها . (آخر رد :المكي)       :: افضل ايام الحجامة . (آخر رد :المكي)       :: سورة يس (آخر رد :طالبة علم شرعي)       :: "وأشرقت الأرض بنور ربها" تلاوة رائعة بصوت الطفلة بشرى . (آخر رد :ابن الورد)       :: حلم الدموع (آخر رد :hoor)       :: كحل الإثمد ، تعريفه ، ومصدره ، وفوائده ، وضوابط استعماله للنساء والرجال (آخر رد :المكي)       :: الحشد المليوني على الحدود وساعة الصفر تقترب من جزيرة العرب (آخر رد :ابن الورد)       :: طالبان والرايات السود / ظهور المهدي في جيش المشرق / خراسان (آخر رد :ابن الورد)       :: السرطان ليس مرض . (آخر رد :المكي)      

 تغيير اللغة     Change language
Google
الزوار من 2005:
Free Website Hit Counter

منهج السلف الصالح . The Salafi Curriculum عقيدة وفقه ومعاملات

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
#1  
قديم 19 Jun 2013, 02:55 AM
مسلم
جزاه الله خيرا
مسلم غير متصل
لوني المفضل Cadetblue
 رقم باحث : 11240
 تاريخ التسجيل : Sep 2011
 فترة الأقامة : 5177 يوم
 أخر زيارة : 24 Aug 2013 (06:28 AM)
 المشاركات : 28 [ + ]
 التقييم : 10
 معدل التقييم : مسلم is on a distinguished road
بيانات اضافيه [ + ]
هداية القرآن - مدارج السالكين بين منازل إياك نعبد وإياك نستعين .



مسألة: الجزء الأول
[ ص: 27 ] بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

وَبِهِ نَسْتَعِينُ وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ الْعَلِيِّ الْعَظِيمِ

الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ، وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ ، وَلَا عُدْوَانَ إِلَّا عَلَى الظَّالِمِينَ ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ ، وَإِلَهُ الْمُرْسَلِينَ ، وَقَيُّومُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرَضِينَ ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ الْمَبْعُوثُ بِالْكِتَابِ الْمُبِينِ ، الْفَارِقُ بَيْنَ الْهُدَى وَالضَّلَالِ ، وَالْغَيِّ وَالرَّشَادِ ، وَالشَّكِّ وَالْيَقِينِ ، أَنْزَلَهُ لِنَقْرَأَهُ تَدَبُّرًا ، وَنَتَأَمَّلَهُ تَبَصُّرًا ، وَنَسْعَدَ بِهِ تَذَكُّرًا ، وَنَحْمِلَهُ عَلَى أَحْسَنِ وُجُوهِهِ وَمَعَانِيهِ ، وَنُصَدِّقَ بِهِ وَنَجْتَهِدَ عَلَى إِقَامَةِ أَوَامِرِهِ وَنَوَاهِيهِ ، وَنَجْتَنِي ثِمَارَ عُلُومِهِ النَّافِعَةِ الْمُوصِلَةِ إِلَى اللَّهِ سُبْحَانَهُ مِنْ أَشْجَارِهِ ، وَرَيَاحِينَ الْحِكَمِ مِنْ بَيْنِ رِيَاضِهِ وَأَزْهَارِهِ ، فَهُوَ كِتَابُهُ الدَّالُّ عَلَيْهِ لِمَنْ أَرَادَ مَعْرِفَتَهُ ، وَطَرِيقُهُ الْمُوَصِّلَةُ لِسَالِكِهَا إِلَيْهِ ، وَنُورُهُ الْمُبِينُ الَّذِي أَشْرَقَتْ لَهُ الظُّلُمَاتُ ، وَرَحْمَتُهُ الْمُهْدَاةُ الَّتِي بِهَا صَلَاحُ جَمِيعِ الْمَخْلُوقَاتِ ، وَالسَّبَبُ الْوَاصِلُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ عِبَادِهِ إِذَا انْقَطَعَتِ الْأَسْبَابُ ، وَبَابُهُ الْأَعْظَمُ الَّذِي مِنْهُ الدُّخُولُ ، فَلَا يُغْلَقُ إِذَا غُلِّقَتِ الْأَبْوَابُ ، وَهُوَ الصِّرَاطُ الْمُسْتَقِيمُ الَّذِي لَا تَمِيلُ بِهِ الْآرَاءُ ، وَالذِّكْرُ الْحَكِيمُ الَّذِي لَا تَزِيغُ بِهِ الْأَهْوَاءُ ، وَالنُّزُلُ الْكَرِيمُ الَّذِي لَا يَشْبَعُ مِنْهُ الْعُلَمَاءُ ، لَا تَفْنَى عَجَائِبُهُ ، وَلَا تُقْلِعُ سَحَائِبُهُ ، وَلَا تَنْقَضِي آيَاتُهُ ، وَلَا تَخْتَلِفُ دِلَالَاتُهُ ، كُلَّمَا ازْدَادَتِ الْبَصَائِرُ فِيهِ تَأَمُّلًا وَتَفْكِيرًا ، زَادَهَا هِدَايَةً وَتَبْصِيرًا ، وَكُلَّمَا بَجَسَتْ مَعِينُهُ فَجَّرَ لَهَا يَنَابِيعَ الْحِكْمَةِ تَفْجِيرًا ، فَهُوَ نُورُ الْبَصَائِرِ مِنْ عَمَاهَا ، وَشِفَاءُ الصُّدُورِ مِنْ أَدْوَائِهَا وَجَوَاهَا ، وَحَيَاةُ الْقُلُوبِ ، وَلَذَّةُ النُّفُوسِ ، وَرِيَاضُ الْقُلُوبِ ، وَحَادِي الْأَرْوَاحِ إِلَى بِلَادِ الْأَفْرَاحِ ، وَالْمُنَادِي بِالْمَسَاءِ وَالصَّبَاحِ : يَا أَهْلَ الْفَلَاحِ ، حَيَّ عَلَى الْفَلَاحِ ، نَادَى مُنَادِي الْإِيمَانِ عَلَى رَأْسِ الصِّرَاطِ الْمُسْتَقِيمِ يَاقَوْمَنَا أَجِيبُوا دَاعِيَ اللَّهِ وَآمِنُوا بِهِ يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُجِرْكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ .

[ ص: 28 ] أَسْمَعَ وَاللَّهِ لَوْ صَادَفَ آذَانًا وَاعِيَةً ، وَبَصَّرَ لَوْ صَادَفَ قُلُوبًا مِنَ الْفَسَادِ خَالِيَةً ، لَكِنْ عَصَفَتْ عَلَى الْقُلُوبِ هَذِهِ الْأَهْوَاءُ فَأَطْفَأَتْ مَصَابِيحَهَا ، وَتَمَكَّنَتْ مِنْهَا آرَاءُ الرِّجَالِ فَأَغْلَقَتْ أَبْوَابَهَا وَأَضَاعَتْ مَفَاتِيحَهَا ، وَرَانَ عَلَيْهَا كَسْبُهَا فَلَمْ تَجِدْ حَقَائِقُ الْقُرْآنِ إِلَيْهَا مَنْفَذًا ، وَتَحَكَّمَتْ فِيهَا أَسْقَامُ الْجَهْلِ فَلَمْ تَنْتَفِعْ مَعَهَا بِصَالِحِ الْعَمَلِ .

وَا عَجَبًا لَهَا ! كَيْفَ جَعَلَتْ غِذَاءَهَا مِنْ هَذِهِ الْآرَاءِ الَّتِي لَا تُسْمِنُ وَلَا تُغْنِي مِنْ جُوعٍ ، وَلَمْ تَقْبَلِ الِاغْتِذَاءَ بِكَلَامِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ، وَنُصُوصِ حَدِيثِ نَبِيِّهِ الْمَرْفُوعِ ، أَمْ كَيْفَ اهْتَدَتْ فِي ظُلَمِ الْآرَاءِ إِلَى التَّمْيِيزِ بَيْنَ الْخَطَأِ وَالصَّوَابِ ، وَخَفِيَ عَلَيْهَا ذَلِكَ فِي مَطَالِعِ الْأَنْوَارِ مِنَ السُّنَّةِ وَالْكِتَابِ ؟ .

وَاعَجَبًا ! كَيْفَ مَيَّزَتْ بَيْنَ صَحِيحِ الْآرَاءِ وَسَقِيمِهَا ، وَمَقْبُولِهَا وَمَرْدُودِهَا ، وَرَاجِحِهَا وَمَرْجُوحِهَا ، وَأَقَرَّتْ عَلَى أَنْفُسِهَا بِالْعَجْزِ عَنْ تَلَقِّي الْهُدَى وَالْعِلْمِ مِنْ كَلَامِ مَنْ كَلَامُهُ لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ ، وَهُوَ الْكَفِيلُ بِإِيضَاحِ الْحَقِّ مَعَ غَايَةِ الْبَيَانِ وَكَلَامِ مَنْ أُوتِيَ جَوَامِعَ الْكَلِمِ ، وَاسْتَوْلَى كَلَامُهُ عَلَى الْأَقْصَى مِنَ الْبَيَانِ ؟ .

كَلَّا ، بَلْ هِيَ وَاللَّهِ فِتْنَةٌ أَعْمَتِ الْقُلُوبَ عَنْ مَوَاقِعِ رُشْدِهَا ، وَحَيَّرَتِ الْعُقُولَ عَنْ طَرَائِقِ قَصْدِهَا ، يُرَبَّى فِيهَا الصَّغِيرُ ، وَيَهْرَمُ فِيهَا الْكَبِيرُ .

وَظَنَّتْ خَفَافِيشُ الْبَصَائِرِ أَنَّهَا الْغَايَةُ الَّتِي يَتَسَابَقُ إِلَيْهَا الْمُتَسَابِقُونَ ، وَالنِّهَايَةُ الَّتِي تَنَافَسَ فِيهَا الْمُنَافِسُونَ ، وَتَزَاحَمُوا عَلَيْهَا ، وَهَيْهَاتَ ، أَيْنَ السُّهَى مِنْ شَمْسِ الضُّحَى ؟ وَأَيْنَ الثَّرَى مِنْ كَوَاكِبِ الْجَوْزَاءِ ؟ وَأَيْنَ الْكَلَامُ الَّذِي لَمْ تُضْمَنْ لَنَا عِصْمَةُ قَائِلِهِ بِدَلِيلٍ مَعْلُومٍ ، مِنَ النَّقْلِ الْمُصَدَّقِ عَنِ الْقَائِلِ الْمَعْصُومِ ؟ وَأَيْنَ الْأَقْوَالُ الَّتِي أَعَلَا دَرَجَاتِهَا أَنْ تَكُونَ سَائِغَةَ الِاتِّبَاعِ ، مِنَ النُّصُوصِ الْوَاجِبِ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ تَقْدِيمُهَا وَتَحْكِيمُهَا وَالتَّحَاكُمُ إِلَيْهَا فِي مَحَلِّ النِّزَاعِ ؟ وَأَيْنَ الْآرَاءُ الَّتِي نَهَى قَائِلُهَا عَنْ تَقْلِيدِهِ فِيهَا وَحَذَّرَ ، مِنَ النُّصُوصِ الَّتِي فَرَضَ عَلَى كُلِّ عَبْدٍ أَنْ يَهْتَدِيَ بِهَا وَيَتَبَصَّرَ ؟ وَأَيْنَ الْمَذَاهِبُ الَّتِي إِذَا مَاتَ أَرْبَابُهَا فَهِيَ مِنْ جُمْلَةِ الْأَمْوَاتِ ، مِنَ النُّصُوصِ الَّتِي لَا تَزُولُ إِذَا زَالَتِ الْأَرْضُ وَالسَّمَاوَاتُ ؟

سُبْحَانَ اللَّهِ ! مَاذَا حُرِمَ الْمُعْرِضُونَ عَنْ نُصُوصِ الْوَحْيِ ، وَاقْتِبَاسِ الْعِلْمِ مِنْ مِشْكَاتِهِ مِنْ كُنُوزِ الذَّخَائِرِ ؟ ! وَمَاذَا فَاتَهُمْ مِنْ حَيَاةِ الْقُلُوبِ وَاسْتِنَارَةِ الْبَصَائِرِ ؟ قَنَعُوا بِأَقْوَالٍ اسْتَنْبَطَتْهَا مَعَاوِلُ الْآرَاءِ فِكْرًا ، وَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ لِأَجْلِهَا زُبُرًا ، وَأَوْحَى بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا ، فَاتَّخَذُوا لِأَجْلِ ذَلِكَ الْقُرْآنَ مَهْجُورًا .

دَرَسَتْ مَعَالِمُ الْقُرْآنِ فِي قُلُوبِهِمْ فَلَيْسُوا يَعْرِفُونَهَا ، وَدُثِرَتْ مَعَاهِدُهُ عِنْدَهُمْ فَلَيْسُوا يَعْمُرُونَهَا ، وَوَقَعَتْ أَلْوِيَتُهُ وَأَعْلَامُهُ مِنْ أَيْدِيهِمْ فَلَيْسُوا يَرْفَعُونَهَا ، وَأَفَلَتْ كَوَاكِبُهُ النَّيِّرَةُ مِنْ [ ص: 29 ] آفَاقِ نُفُوسِهِمْ فَلِذَلِكَ لَا يُحِبُّونَهَا ، وَكَسَفَتْ شَمْسُهُ عِنْدَ اجْتِمَاعِ ظُلَمِ آرَائِهِمْ وَعَقْدِهَا فَلَيْسُوا يُبْصِرُونَهَا .

خَلَعُوا نُصُوصَ الْوَحْيِ عَنْ سُلْطَانِ الْحَقِيقَةِ ، وَعَزَلُوهَا عَنْ وِلَايَةِ الْيَقِينِ ، وَشَنُّوا عَلَيْهَا غَارَاتِ التَّأْوِيلَاتِ الْبَاطِلَةِ ، فَلَا يَزَالُ يَخْرُجُ عَلَيْهَا مِنْ جُيُوشِهِمْ كَمِينٌ بَعْدَ كَمِينٍ ، نَزَلَتْ عَلَيْهِمْ نُزُولَ الضَّيْفِ عَلَى أَقْوَامٍ لِئَامٍ ، فَعَامَلُوهَا بِغَيْرِ مَا يَلِيقُ بِهَا مِنَ الْإِجْلَالِ وَالْإِكْرَامِ ، وَتَلَقَّوْهَا مِنْ بَعِيدٍ ، وَلَكِنْ بِالدَّفْعِ فِي صُدُورِهَا وَالْأَعْجَازِ ، وَقَالُوا : مَا لَكِ عِنْدَنَا مِنْ عُبُورٍ ، وَإِنْ كَانَ وَلَا بُدَّ ، فَعَلَى سَبِيلِ الِاجْتِيَازِ ، أَنْزَلُوا النُّصُوصَ مَنْزِلَةَ الْخَلِيفَةِ فِي هَذَا الزَّمَانِ ، لَهُ السَّكَّةُ وَالْخُطْبَةُ وَمَا لَهُ حُكْمٌ نَافِذٌ وَلَا سُلْطَانٌ ، الْمُتَمَسِّكُ عِنْدَهُمْ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ صَاحِبُ ظَوَاهِرَ ، مَبْخُوسٌ حَظُّهُ مِنَ الْمَعْقُولِ ، وَالْمُقَلِّدُ لِلْآرَاءِ الْمُتَنَاقِضَةِ الْمُتَعَارِضَةِ وَالْأَفْكَارِ الْمُتَهَافِتَةِ لَدَيْهِمْ هُوَ الْفَاضِلُ الْمَقْبُولُ ، وَأَهْلُ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ ، الْمُقَدِّمُونَ لِنُصُوصِهَا عَلَى غَيْرِهَا جُهَّالٌ لَدَيْهِمْ مَنْقُوصُونَ وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آمِنُوا كَمَا آمَنَ النَّاسُ قَالُوا أَنُؤْمِنُ كَمَا آمَنَ السُّفَهَاءُ أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ السُّفَهَاءُ وَلَكِنْ لَا يَعْلَمُونَ .

حُرِمُوا وَاللَّهِ الْوُصُولَ ، بِعُدُولِهِمْ عَنْ مَنْهَجِ الْوَحْيِ ، وَتَضْيِيعِهِمُ الْأُصُولَ ، وَتَمسَّكُوا بِأَعْجَازٍ لَا صُدُورَ لَهَا ، فَخَانَتْهُمْ أَحْرَصَ مَا كَانُوا عَلَيْهَا ، وَتَقَطَّعَتْ بِهِمْ أَسْبَابُهَا أَحْوَجَ مَا كَانُوا إِلَيْهَا ، حَتَّى إِذَا بُعْثِرَ مَا فِي الْقُبُورِ ، وَحُصِّلَ مَا فِي الصُّدُورِ ، وَتَمَيَّزَ لِكُلِّ قَوْمٍ حَاصِلُهُمُ الَّذِي حَصَّلُوهُ ، وَانْكَشَفَتْ لَهُمْ حَقِيقَةُ مَا اعْتَقَدُوهُ ، وَقَدِمُوا عَلَى مَا قَدَّمُوهُ وَبَدَا لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مَا لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ وَسَقَطَ فِي أَيْدِيهِمْ عِنْدَ الْحَصَادِ لَمَّا عَايَنُوا غَلَّةَ مَا بَذَرُوهُ .

فَيَا شِدَّةَ الْحَسْرَةِ عِنْدَمَا يُعَايِنُ الْمُبْطِلُ سَعْيَهُ وَكَدَّهُ هَبَاءً مَنْثُورًا ، وَيَا عُظْمَ الْمُصِيبَةِ عِنْدَمَا يَتَبَيَّنُ بَوَارِقَ أَمَانِيهِ خُلَّبًا ، وَآمَالَهُ كَاذِبَةً غُرُورًا ، فَمَا ظَنُّ مَنِ انْطَوَتْ سَرِيرَتُهُ عَلَى الْبِدْعَةِ وَالْهَوَى وَالتَّعَصُّبِ لِلْآرَاءِ بِرَبِّهِ يَوْمَ تُبْلَى السَّرَائِرُ ؟ وَعُذْرُ مَنْ نَبَذَ الْوَحْيَيْنِ وَرَاءَ ظَهْرِهِ فِي يَوْمٍ لَا تَنْفَعُ الظَّالِمِينَ فِيهِ الْمَعَاذِرُ ؟

أَفَيَظُنُّ الْمُعْرِضُ عَنْ كِتَابِ رَبِّهِ وَسُنَّةِ رَسُولِهِ أَنْ يَنْجُوَ مِنْ رَبِّهِ بِآرَاءِ الرِّجَالِ ؟ أَوْ يَتَخَلَّصَ مِنْ بَأْسِ اللَّهِ بِكَثْرَةِ الْبُحُوثِ وَالْجِدَالِ ، وَضُرُوبِ الْأَقْيِسَةِ وَتَنَوُّعِ الْأَشْكَالِ ؟ أَوْ بِالْإِشَارَاتِ وَالشَّطَحَاتِ ، وَأَنْوَاعِ الْخَيَالِ ؟

[ ص: 30 ] هَيْهَاتَ وَاللَّهِ ، لَقَدْ ظَنَّ أَكْذَبَ الظَّنِّ ، وَمَنَّتْهُ نَفْسُهُ أَبْيَنَ الْمُحَالِ ، وَإِنَّمَا ضُمِنَتِ النَّجَاةُ لِمَنْ حَكَّمَ هُدَى اللَّهِ عَلَى غَيْرِهِ ، وَتَزَوَّدَ التَّقْوَى وَائْتَمَّ بِالدَّلِيلِ ، وَسَلَكَ الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ ، وَاسْتَمْسَكَ مِنَ الْوَحْيِ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى الَّتِي لَا انْفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ .

وَبَعْدُ ، فَلَمَّا كَانَ كَمَالُ الْإِنْسَانِ إِنَّمَا هُوَ بِالْعِلْمِ النَّافِعِ ، وَالْعَمَلِ الصَّالِحِ ، وَهُمَا الْهُدَى وَدِينُ الْحَقِّ ، وَبِتَكْمِيلِهِ لِغَيْرِهِ فِي هَذَيْنِ الْأَمْرَيْنِ ، كَمَا قَالَ تَعَالَى وَالْعَصْرِ إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ أَقْسَمَ سُبْحَانَهُ أَنَّ كُلَّ أَحَدٍ خَاسِرٌ إِلَّا مَنْ كَمَّلَ قُوَّتَهُ الْعِلْمِيَّةَ بِالْإِيمَانِ ، وَقُوَّتَهُ الْعَمَلِيَّةَ بِالْعَمَلِ الصَّالِحِ ، وَكَمَّلَ غَيْرَهُ بِالتَّوْصِيَةِ بِالْحَقِّ وَالصَّبْرِ عَلَيْهِ ، فَالْحَقُّ هُوَ الْإِيمَانُ وَالْعَمَلُ ، وَلَا يَتِمَّانِ إِلَّا بِالصَّبْرِ عَلَيْهِمَا ، وَالتَّوَاصِي بِهِمَا كَانَ حَقِيقًا بِالْإِنْسَانِ أَنْ يُنْفِقَ سَاعَاتِ عُمْرِهِ بَلْ أَنْفَاسَهُ فِيمَا يَنَالُ بِهِ الْمَطَالِبَ الْعَالِيَةَ ، وَيَخْلُصُ بِهِ مِنَ الْخُسْرَانِ الْمُبِينِ ، وَلَيْسَ ذَلِكَ إِلَّا بِالْإِقْبَالِ عَلَى الْقُرْآنِ وَتَفَهُّمِهِ وَتَدَبُّرِهِ وَاسْتِخْرَاجِ كُنُوزِهِ وَإِثَارَةِ دَفَائِنِهِ ، وَصَرْفِ الْعِنَايَةِ إِلَيْهِ ، وَالْعُكُوفِ بِالْهِمَّةِ عَلَيْهِ ، فَإِنَّهُ الْكَفِيلُ بِمَصَالِحِ الْعِبَادِ فِي الْمَعَاشِ وَالْمَعَادِ ، وَالْمُوَصِّلُ لَهُمْ إِلَى سَبِيلِ الرَّشَادِ ، فَالْحَقِيقَةُ وَالطَّرِيقَةُ ، وَالْأَذْوَاقُ وَالْمَوَاجِيدُ الصَّحِيحَةُ ، كُلُّهَا لَا تُقْتَبَسُ إِلَّا مِنْ مِشْكَاتِهِ ، وَلَا تُسْتَثْمَرُ إِلَّا مِنْ شَجَرَاتِهِ .

وَنَحْنُ بِعَوْنِ اللَّهِ نُنَبِّهُ عَلَى هَذَا بِالْكَلَامِ عَلَى فَاتِحَةِ الْكِتَابِ وَأُمِّ الْقُرْآنِ ، وَعَلَى بَعْضِ مَا تَضَمَّنَتْهُ هَذِهِ السُّورَةُ مِنْ هَذِهِ الْمَطَالِبِ ، وَمَا تَضَمَّنَتْهُ مِنَ الرَّدِّ عَلَى جَمِيعِ طَوَائِفِ أَهْلِ الْبِدَعِ وَالضَّلَالِ ، وَمَا تَضَمَّنَتْهُ مِنْ مَنَازِلِ السَّائِرِينَ ، وَمَقَامَاتِ الْعَارِفِينَ ، وَالْفَرْقِ بَيْنَ وَسَائِلِهَا وَغَايَاتِهَا ، وَمَوَاهِبِهَا وَكَسْبِيَّاتِهَا ، وَبَيَانِ أَنَّهُ لَا يَقُومُ غَيْرُ هَذِهِ السُّورَةِ مَقَامَهُا ، وَلَا يَسُدُّ مَسَدَّهَا ، وَلِذَلِكَ لَمْ يُنَزِّلِ اللَّهُ فِي التَّوْرَاةِ وَلَا فِي الْإِنْجِيلِ وَلَا فِي الْقُرْآنِ مِثْلَهَا .

وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ ، وَعَلَيْهِ الْتُكْلَانُ ، وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ الْعَلِيِّ الْعَظِيمِ .
الكتب - مدارج السالكين بين منازل إياك نعبد وإياك نستعين - هداية القرآن- الجزء رقم1





رد مع اقتباس
قديم 19 Jun 2013, 03:01 AM   #2
مسلم
جزاه الله خيرا


الصورة الرمزية مسلم
مسلم غير متصل

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم باحث : 11240
 تاريخ التسجيل :  Sep 2011
 أخر زيارة : 24 Aug 2013 (06:28 AM)
 المشاركات : 28 [ + ]
 التقييم :  10
لوني المفضل : Cadetblue
رد: هداية القرآن - مدارج السالكين بين منازل إياك نعبد وإياك نستعين .



مدارج السالكين بين منازل إياك نعبد وإياك نستعين » فصل الصراط المستقيم

مسألة: الجزء الأول
فَصْلٌ :
وَذَكَرَ الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ مُفْرَدًا مُعَرَّفًا تَعْرِيفَيْنِ : تَعْرِيفًا بِاللَّامِ ، وَتَعْرِيفًا بِالْإِضَافَةِ ، وَذَلِكَ يُفِيدُ تَعَيُّنَهُ وَاخْتِصَاصَهُ ، وَأَنَّهُ صِرَاطٌ وَاحِدٌ ، وَأَمَّا طُرُقُ أَهْلِ الْغَضَبِ وَالضَّلَالِ فَإِنَّهُ سُبْحَانَهُ يَجْمَعُهَا وَيُفْرِدُهَا ، كَقَوْلِهِ وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ فَوَحَّدَ لَفْظَ الصِّرَاطِ وَسَبِيلِهِ ، وَجَمَعَ السُّبُلَ الْمُخَالِفَةَ لَهُ ، [ ص: 38 ] وَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ خَطَّ لَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَطًّا ، وَقَالَ : هَذَا سَبِيلُ اللَّهِ ، ثُمَّ خَطَّ خُطُوطًا عَنْ يَمِينِهِ وَعَنْ يَسَارِهِ ، وَقَالَ : هَذِهِ سُبُلٌ ، عَلَى كُلِّ سَبِيلٍ شَيْطَانٌ يَدْعُو إِلَيْهِ ، ثُمَّ قَرَأَ قَوْلَهُ تَعَالَى وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ وَهَذَا لِأَنَّ الطَّرِيقَ الْمُوَّصِلَ إِلَى اللَّهِ وَاحِدٌ ، وَهُوَ مَا بَعَثَ بِهِ رُسُلَهُ وَأَنْزَلَ بِهِ كُتُبَهُ ، لَا يَصِلُ إِلَيْهِ أَحَدٌ إِلَّا مِنْ هَذِهِ الطَّرِيقِ ، وَلَوْ أَتَى النَّاسُ مِنْ كُلِّ طَرِيقٍ ، وَاسْتَفْتَحُوا مِنْ كُلِّ بَابٍ ، فَالطُّرُقُ عَلَيْهِمْ مَسْدُودَةٌ ، وَالْأَبْوَابُ عَلَيْهِمْ مُغَلَّقَةٌ إِلَّا مِنْ هَذَا الطَّرِيقِ الْوَاحِدِ ، فَإِنَّهُ مُتَّصِلٌ بِاللَّهِ ، مُوَصِّلٌ إِلَى اللَّهِ ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى هَذَا صِرَاطٌ عَلَيَّ مُسْتَقِيمٌ قَالَ الْحَسَنُ : مَعْنَاهُ صِرَاطٌ إِلَيَّ مُسْتَقِيمٌ ، وَهَذَا يَحْتَمِلُ أَمْرَيْنِ : أَنْ يَكُونَ أَرَادَ بِهِ أَنَّهُ مِنْ بَابِ إِقَامَةِ الْأَدَوَاتِ بَعْضِهَا مَقَامَ بَعْضٍ ، فَقَامَتْ أَدَاةُ " عَلَى " مَقَامَ " إِلَى " ، وَالثَّانِي : أَنَّهُ أَرَادَ التَّفْسِيرَ عَلَى الْمَعْنَى ، وَهُوَ الْأَشْبَهُ بِطَرِيقِ السَّلَفِ ، أَيْ صِرَاطٌ مُوَّصِلٌ إِلَيَّ ، وَقَالَ مُجَاهِدٌ : الْحَقُّ يَرْجِعُ إِلَى اللَّهِ ، وَعَلَيْهِ طَرِيقُهُ ، لَا يُعَرَّجُ عَلَى شَيْءٍ ، وَهَذَا مِثْلُ قَوْلِ [ ص: 39 ] الْحَسَنِ وَأَبْيَنُ مِنْهُ ، وَهُوَ مِنْ أَصَحِّ مَا قِيلَ فِي الْآيَةِ ، وَقِيلَ : عَلَيَّ فِيهِ لِلْوُجُوبِ ، أَيْ عَلَيَّ بَيَانُهُ وَتَعْرِيفُهُ وَالدِّلَالَةُ عَلَيْهِ ، وَالْقَوْلَانِ نَظِيرُ الْقَوْلَيْنِ فِي آيَةِ النَّحْلِ ، وَهِيَ وَعَلَى اللَّهِ قَصْدُ السَّبِيلِ وَالصَّحِيحُ فِيهَا كَالصَّحِيحِ فِي آيَةِ الْحِجْرِ : أَنَّ السَّبِيلَ الْقَاصِدَ وَهُوَ الْمُسْتَقِيمُ الْمُعْتَدِلُ يَرْجِعُ إِلَى اللَّهِ ، وَيُوَصِّلُ إِلَيْهِ ، قَالَ طُفَيْلٌ الْغَنَوِيُّ :


مَضَوْا سَلَفًا قَصْدُ السَّبِيلِ عَلَيْهِمُ وَصَرْفُ الْمَنَايَا بِالرِّجَالِ تُشَقْلَبُ
أَيْ مَمَرُّنَا عَلَيْهِمْ ، وَإِلَيْهِمْ وُصُولُنَا ، وَقَالَ الْآخَرُ :


فَهُنَّ الْمَنَايَا أَيُّ وَادٍ سَلَكْتُهُ عَلَيْهَا طَرِيقِي أَوْ عَلَيَّ طَرِيقُهَا
فَإِنْ قِيلَ : لَوْ أُرِيدَ هَذَا الْمَعْنَى لَكَانَ الْأَلْيَقُ بِهِ أَدَاةَ إِلَى الَّتِي هِيَ لِلِانْتِهَاءِ ، لَا أَدَاةَ عَلَى الَّتِي هِيَ لِلْوُجُوبِ ، ألَا تَرَى أَنَّهُ لَمَّا أَرَادَ الْوُصُولَ قَالَ إِنَّ إِلَيْنَا إِيَابَهُمْ ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا حِسَابَهُمْ وَقَالَ إِلَيْنَا مَرْجِعُهُمْ وَقَالَ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ مَرْجِعُهُمْ وَقَالَ لَمَّا أَرَادَ الْوُجُوبَ ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا حِسَابَهُمْ وَقَالَ إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ وَقَالَ وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا وَنَظَائِرُ ذَلِكَ .

قِيلَ : فِي أَدَاةِ عَلَى سِرٌّ لَطِيفٌ ، وَهُوَ الْإِشْعَارُ بِكَوْنِ السَّالِكِ عَلَى هَذَا الصِّرَاطِ عَلَى هُدًى ، وَهُوَ حَقٌّ ، كَمَا قَالَ فِي حَقِّ الْمُؤْمِنِينَ أُولَئِكَ عَلَى هُدًى مِنْ رَبِّهِمْ وَقَالَ لِرَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّكَ عَلَى الْحَقِّ الْمُبِينِ وَاللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ هُوَ الْحَقُّ ، وَصِرَاطُهُ حقٌّ ، وَدِينُهُ حَقٌ ، فَمَنِ اسْتَقَامَ عَلَى صِرَاطِهِ فَهُوَ عَلَى الْحَقِّ وَالْهُدَى ، فَكَانَ فِي أَدَاةِ " عَلَى " عَلَى هَذَا الْمَعْنَى مَا لَيْسَ فِي أَدَاةِ إِلَى فَتَأَمَّلْهُ ، فَإِنَّهُ سِرٌّ بَدِيعٌ .

فَإِنْ قُلْتَ : فَمَا الْفَائِدَةُ فِي ذِكْرِ عَلَى فِي ذَلِكَ أَيْضًا ؟ وَكَيْفَ يَكُونُ الْمُؤْمِنُ مُسْتَعْلِيًا عَلَى الْحَقِّ ، وَعَلَى الْهُدَى ؟ .

[ ص: 40 ] قُلْتُ : لِمَا فِيهِ مِنِ اسْتِعْلَائِهِ وَعُلُوِّهِ بِالْحَقِّ وَالْهُدَى ، مَعَ ثَبَاتِهِ عَلَيْهِ ، وَاسْتِقَامَتِهِ إِلَيْهِ ، فَكَانَ فِي الْإِتْيَانِ بِأَدَاةِ " عَلَى " مَا يَدُلُّ عَلَى عُلُوِّهِ وَثُبُوتِهِ وَاسْتِقَامَتِهِ ، وَهَذَا بِخِلَافِ الضَّلَالِ وَالرَّيْبِ ، فَإِنَّهُ يُؤْتَى فِيهِ بِأَدَاةِ " فِي " الدَّالَّةِ عَلَى انْغِمَاسِ صَاحِبِهِ ، وَانْقِمَاعِهِ وَتَدَسُّسِهِ فِيهِ ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى فَهُمْ فِي رَيْبِهِمْ يَتَرَدَّدُونَ وَقَوْلِهِ وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا صُمٌّ وَبُكْمٌ فِي الظُّلُمَاتِ وَقَوْلِهِ فَذَرْهُمْ فِي غَمْرَتِهِمْ حَتَّى حِينٍ وَقَوْلِهِ وَإِنَّهُمْ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مُرِيبٍ .

وَتَأَمَّلْ قَوْلَهُ تَعَالَى وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدًى أَوْ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ فَإِنَّ طَرِيقَ الْحَقِّ تَأْخُذُ عُلُوًّا صَاعِدَةً بِصَاحِبِهَا إِلَى الْعَلِيِّ الْكَبِيرِ ، وَطَرِيقَ الضَّلَالِ تَأْخُذُ سُفْلًا ، هَاوِيَةً بِسَالِكِهَا فِي أَسْفَلِ سَافِلِينَ .

وَفِي قَوْلِهِ تَعَالَى قَالَ هَذَا صِرَاطٌ عَلَيَّ مُسْتَقِيمٌ قَوْلٌ ثَالِثٌ ، وَهُوَ قَوْلُ الْكِسَائِيِّ إِنَّهُ عَلَى التَّهْدِيدِ وَالْوَعِيدِ ، نَظِيرُ قَوْلِهِ إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ كَمَا قَالَ : تَقُولُ طَرِيقُكَ عَلَيَّ ، وَمَمَرُّكَ عَلَيَّ ، لِمَنْ تُرِيدُ إِعْلَامَهُ بِأَنَّهُ غَيْرُ فَائِتٍ لَكَ ، وَلَا مُعْجِزٍ ، وَالسِّيَاقُ يَأْبَى هَذَا ، وَلَا يُنَاسِبُهُ لِمَنْ تَأَمَّلَهُ ، فَإِنَّهُ قَالَهُ مُجِيبًا لِإِبْلِيسَ الَّذِي قَالَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ فَإِنَّهُ لَا سَبِيلَ لِي إِلَى إِغْوَائِهِمْ ، وَلَا طَرِيقَ لِي عَلَيْهِمْ .

فَقَرَّرَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ ذَلِكَ أَتَمَّ التَّقْرِيرِ ، وَأَخْبَرَ أَنَّ الْإِخْلَاصَ صِرَاطٌ عَلَيْهِ مُسْتَقِيمٌ ، [ ص: 41 ] فَلَا سُلْطَانَ لَكَ عَلَى عِبَادِي الَّذِينَ هُمْ عَلَى هَذَا الصِّرَاطِ ، لِأَنَّهُ صِرَاطٌ عَلَيَّ ، وَلَا سَبِيلَ لِإِبْلِيسَ إِلَى هَذَا الصِّرَاطِ ، وَلَا الْحَوْمِ حَوْلَ سَاحَتِهِ ، فَإِنَّهُ مَحْرُوسٌ مَحْفُوظٌ بِاللَّهِ ، فَلَا يَصِلُ عَدُوُّ اللَّهِ إِلَى أَهْلِهِ .

فَلْيَتَأَمَّلِ الْعَارِفُ هَذَا الْمَوْضِعَ حَقَّ التَّأَمُّلِ ، وَلْيَنْظُرْ إِلَى هَذَا الْمَعْنَى ، وَيُوَازِنْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْقَوْلَيْنِ الْآخَرَيْنِ ، أَيُّهُمَا أَلْيَقُ بِالْآيَتَيْنِ ، وَأَقْرَبُ إِلَى مَقْصُودِ الْقُرْآنِ وَأَقْوَالِ السَّلَفِ ؟ .

وَأَمَّا تَشْبِيهُ الْكِسَائِيِّ لَهُ بِقَوْلِهِ إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ فَلَا يَخْفَى الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا سِيَاقًا وَدِلَالَةً ، فَتَأَمَّلْهُ ، وَلَا يُقَالُ فِي التَّهْدِيدِ : هَذَا طَرِيقٌ مُسْتَقِيمٌ عَلَيَّ ، لِمَنْ لَا يَسْلُكُهُ ، وَلَيْسَتْ سَبِيلُ الْمُهَدَّدِ مُسْتَقِيمَةً ، فَهُوَ غَيْرُ مُهَدَّدٍ بِصِرَاطِ اللَّهِ الْمُسْتَقِيمِ ، وَسَبِيلُهُ الَّتِي هُوَ عَلَيْهَا لَيْسَتْ مُسْتَقِيمَةً عَلَى اللَّهِ ، فَلَا يَسْتَقِيمُ هَذَا الْقَوْلُ الْبَتَّةَ .

وَأَمَّا مَنْ فَسَّرَهُ بِالْوُجُوبِ ، أَيْ عَلَيَّ بَيَانُ اسْتِقَامَتِهِ وَالدِّلَالَةُ عَلَيْهِ ، فَالْمَعْنَى صَحِيحٌ ، لَكِنْ فِي كَوْنِهِ هُوَ الْمُرَادَ بِالْآيَةِ نَظَرٌ ، لِأَنَّهُ حَذْفٌ فِي غَيْرِ مَوْضِعِ الدِّلَالَةِ ، وَلَمْ يُؤَلَّفِ الْحَذْفُ الْمَذْكُورُ لِيَكُونَ مَدْلُولًا عَلَيْهِ إِذَا حُذِفَ ، بِخِلَافِ عَامِلِ الظَّرْفِ إِذَا وَقَعَ صِفَةً فَإِنَّهُ حَذْفٌ مَأْلُوفٌ مَعْرُوفٌ ، حَتَّى إِنَّهُ لَا يُذْكَرُ الْبَتَّةَ ، فَإِذَا قُلْتَ : لَهُ دِرْهَمٌ عَلَيَّ ، كَانَ الْحَذْفُ مَعْرُوفًا مَأْلُوفًا ، فَلَوْ أَرَدْتَ : عَلَيَّ نَقْدُهُ ، أَوْ عَلَيَّ وَزْنُهُ وَحِفْظُهُ ، وَنَحْوَ ذَلِكَ وَحَذَفْتَ لَمْ يَسُغْ ، وَهُوَ نَظِيرُ : عَلَيَّ بَيَانُهُ الْمُقَدَّرِ فِي الْآيَةِ ، مَعَ أَنَّ الَّذِي قَالَهُ السَّلَفُ أَلْيَقُ بِالسِّيَاقِ ، وَأَجَلُّ الْمَعْنَيَيْنِ وَأَكْبَرُهُمَا .

وَسَمِعْتُ شَيْخَ الْإِسْلَامِ تَقِيَّ الدِّينِ أَحْمَدَ ابْنِ تَيْمِيَّةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَقُولُ : وَهُمَا نَظِيرُ [ ص: 42 ] قَوْلِهِ تَعَالَى إِنَّ عَلَيْنَا لَلْهُدَى وَإِنَّ لَنَا لَلْآخِرَةَ وَالْأُولَى قَالَ : فَهَذِهِ ثَلَاثَةُ مَوَاضِعَ فِي الْقُرْآنِ فِي هَذَا الْمَعْنَى .

قُلْتُ : وَأَكْثَرُ الْمُفَسِّرِينَ لَمْ يَذْكُرْ فِي سُورَةِ " وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى " إِلَّا مَعْنَى الْوُجُوبِ ، أَيْ عَلَيْنَا بَيَانُ الْهُدَى مِنَ الضَّلَالِ ، وَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ يَذْكُرْ فِي سُورَةِ النَّحْلِ إِلَّا هَذَا الْمَعْنَى كَالْبَغَوِيِّ ، وَذَكَرَ فِي الْحِجْرِ الْأَقْوَالَ الثَّلَاثَةَ ، وَذَكَرَ الْوَاحِدِيُّ فِي بَسِيطِهِ الْمَعْنَيَيْنِ فِي سُورَةِ النَّحْلِ ، وَاخْتَارَ شَيْخُنَا قَوْلَ مُجَاهِدٍ وَ الْحَسَنِ فِي السُّوَرِ الثَّلَاثِ .
الكتب - مدارج السالكين بين منازل إياك نعبد وإياك نستعين - فصل الصراط المستقيم- الجزء رقم1


 

رد مع اقتباس
قديم 19 Jun 2013, 03:20 PM   #3
أبو خالد
باحث جزاه الله تعالى خيرا


الصورة الرمزية أبو خالد
أبو خالد غير متصل

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم باحث : 25
 تاريخ التسجيل :  Jun 2005
 أخر زيارة : 15 Jul 2018 (03:04 PM)
 المشاركات : 11,365 [ + ]
 التقييم :  21
 الدولهـ
Saudi Arabia
 الجنس ~
Male
 مزاجي
 وسائط MMS
وسائط MMS
 SMS ~
اللهم إني ظلمت نفسي
ظلـمآ كثيرآ
ولا يفغر الذنوب
الا أنت
فاغفر لي مفغرة من عندك
وأرحمني
إنك أنت الغفور الرحيم
لوني المفضل : Cadetblue
رد: هداية القرآن - مدارج السالكين بين منازل إياك نعبد وإياك نستعين .



بارك الله فيك اخي الفاضل

وجزاك الله خير


 
 توقيع : أبو خالد



قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « إذا دعا الرَّجلُ لأخيهِ بظَهرِ الغيبِ قالَتِ الملائِكةُ آمينَ ولَك بمِثلٍ»

الراوي: عويمر بن مالك أبو الدرداء المحدث:الألباني - المصدر: صحيح أبي داود -
خلاصة حكم المحدث: صحيح
فلاتحرمونا دعائكم


رد مع اقتباس
قديم 20 Jun 2013, 03:02 AM   #4
نور الشمس
وسام الشرف - مشرفة قروب - أخوات البحث العلمي - جزاها الله تعالى خيرا
** أم عمـــر **


الصورة الرمزية نور الشمس
نور الشمس غير متصل

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم باحث : 13417
 تاريخ التسجيل :  Dec 2012
 أخر زيارة : 21 Aug 2023 (03:12 PM)
 المشاركات : 8,847 [ + ]
 التقييم :  35
 الدولهـ
Saudi Arabia
 الجنس ~
Female
 مزاجي
لوني المفضل : Olivedrab
رد: هداية القرآن - مدارج السالكين بين منازل إياك نعبد وإياك نستعين .



مجهود رآئع
جزآكـ الله خير


 
 توقيع : نور الشمس



قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى:

‏🌱 اجعل نفسك دائماً في تفاؤل والذي يريده الله سيكون

‏ وكن مسروراً فرحاً واسع الصدر ،،

‏فالدنيا أمامك واسعة والطريق مفتوح ✨

‏فهذا هو الخير ،،،

‏ 📚 شرح رياض الصالحين - ج4 ص87

🦋🍃


رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

 
مايُكتب على صفحات المركز يُعبّر عن رأى الكاتب والمسؤولية تقع على عاتقه


علوم الجان - الجن - عالم الملائكة - ابحاث عالم الجن وخفاياه -غرائب الجن والإنس والمخلوقات - فيديو جن - صور جن - أخبار جن - منازل الجن - بيوت الجن- English Forum
السحر و الكهانة والعرافة - English Magic Forum - الحسد والعين والغبطة - علم الرقى والتمائم - الاستشارات العلاجية - تفسير الرؤى والاحلام - الطب البديل والأعشاب - علم الحجامة

الساعة الآن 12:19 PM.


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir
HêĽм √ 3.2 OPS BY: ! ωαнαм ! © 2011-2012
جميع الحقوق محفوظة لمركز دراسات وأبحاث علوم الجان العالمي