اعلانات
اعلانات     اعلانات
 


﴿ بِسۡمِ ٱللَّهِ ٱلرَّحۡمَـٰنِ ٱلرَّحِيمِ ﴾ الٓمٓ ﴿١﴾ ذَٰلِكَ ٱلۡكِتَٰبُ لَا رَيۡبَۛ فِيهِۛ هُدٗى لِّلۡمُتَّقِينَ ﴿٢﴾ ٱلَّذِينَ يُؤۡمِنُونَ بِٱلۡغَيۡبِ وَيُقِيمُونَ ٱلصَّلَوٰةَ وَمِمَّا رَزَقۡنَٰهُمۡ يُنفِقُونَ ﴿٣﴾ وَٱلَّذِينَ يُؤۡمِنُونَ بِمَآ أُنزِلَ إِلَيۡكَ وَمَآ أُنزِلَ مِن قَبۡلِكَ وَبِٱلۡأٓخِرَةِ هُمۡ يُوقِنُونَ ﴿٤﴾ أُوْلَٰٓئِكَ عَلَىٰ هُدٗى مِّن رَّبِّهِمۡۖ وَأُوْلَٰٓئِكَ هُمُ ٱلۡمُفۡلِحُونَ ﴿٥﴾ البقرة .

روى الإمام مسلم عن أبي أمامة الباهلي قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( اقرَؤوا القُرآنَ؛ فإنَّه يَأتي شَفيعًا يومَ القيامةِ لصاحبِه، اقرَؤوا الزَّهراوَينِ: البَقرةَ وآلَ عِمرانَ؛ فإنَّهما يَأتِيانِ يومَ القيامةِ كأنَّهما غَيايتانِ، أو كأنَّهما غَمامتانِ، أو كأنَّهما فِرقانِ مِن طَيرٍ صَوافَّ يُحاجَّانِ عن أصحابِهما، اقرَؤوا سورةَ البَقرةِ؛ فإنَّ أخذَها بَركةٌ، وتَركَها حَسرةٌ، ولا تَستطيعُها البَطَلةُ ) .


           :: الكعبة (آخر رد :عائد لله)       :: الحجامة فضلها وفوائدها . (آخر رد :المكي)       :: افضل ايام الحجامة . (آخر رد :المكي)       :: سورة يس (آخر رد :طالبة علم شرعي)       :: "وأشرقت الأرض بنور ربها" تلاوة رائعة بصوت الطفلة بشرى . (آخر رد :ابن الورد)       :: حلم الدموع (آخر رد :hoor)       :: كحل الإثمد ، تعريفه ، ومصدره ، وفوائده ، وضوابط استعماله للنساء والرجال (آخر رد :المكي)       :: الحشد المليوني على الحدود وساعة الصفر تقترب من جزيرة العرب (آخر رد :ابن الورد)       :: طالبان والرايات السود / ظهور المهدي في جيش المشرق / خراسان (آخر رد :ابن الورد)       :: السرطان ليس مرض . (آخر رد :المكي)      

 تغيير اللغة     Change language
Google
الزوار من 2005:
Free Website Hit Counter

الرسل والأنبياء في القرآن والسنة ـ دراسات وأبحاث . الإدارة العلمية والبحوث The prophets and apostle عليهم صلوات ربى وسلامه

 
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
Prev المشاركة السابقة   المشاركة التالية Next
#1  
قديم 11 Nov 2012, 01:36 AM
طالب علم
باحث علمي ـ جزاه الله خيرا
طالب علم غير متصل
لوني المفضل Cadetblue
 رقم باحث : 2783
 تاريخ التسجيل : May 2008
 فترة الأقامة : 6377 يوم
 أخر زيارة : 09 Aug 2024 (06:43 PM)
 المشاركات : 2,582 [ + ]
 التقييم : 11
 معدل التقييم : طالب علم is on a distinguished road
بيانات اضافيه [ + ]
ضرورة الوحي .



بسم الله الرحمن الرحيم
ضرورة الوحي
إذا قلنا بضرورة الوحي، فيعني: ضرورة وجود صلة بين الشهادة والغيب، وضرورة معرفتنا لكلام الخالق، وضرورة كل ما له علاقة بوصول العلم من المصدر (الخالق) إلى النفس المدركة، وذاك متمثِّل في النبوة والرسالة والوحي والشرع والكتب، وكثيرٌ من السور فيها بيان للتصحيح الذي ورد في القرآن لأوضاع العالم - خاصة المعرفية - حيث بيَّن أن طرق المعرفة المتداولة غير كافية، فالوحي قضية رئيسة لتصنيف الناس إلى مسلم ومؤمن، وكافر ومشرك ومنافق، وما يتعلق بهذا التصنيف من معاملات، وتعامل بين الناس فيما بينهم، وبين كل صنف وبين خالقهم، وهو قضية مهمة لتوجيه المنهج، ومعرفة الطريق الغيبي والجانب الرُّوحاني، فغالب السور المكية كانت لإثبات مصدر آخر يُعرَض على الناس، وهو القرآن الكريم، الوحي الرباني وكلام خالق الكون؛ {حم * تَنْزِيلٌ مِنَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ * كِتَابٌ فُصِّلَتْ آَيَاتُهُ قُرْآَنًا عَرَبِيًّا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ * بَشِيرًا وَنَذِيرًا فَأَعْرَضَ أَكْثَرُهُمْ فَهُمْ لاَ يَسْمَعُونَ * وَقَالُوا قُلُوبُنَا فِي أَكِنَّةٍ مِمَّا تَدْعُونَا إِلَيْهِ وَفِي آَذَانِنَا وَقْرٌ وَمِنْ بَيْنِنَا وَبَيْنِكَ حِجَابٌ فَاعْمَلْ إِنَّنَا عَامِلُونَ * قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَاسْتَقِيمُوا إِلَيْهِ وَاسْتَغْفِرُوهُ وَوَيْلٌ لِلْمُشْرِكِينَ} [فصلت: 1- 6]، وثاني سورة في المصحف كان موضوعها إثبات أن القرآن مصدر للعلم واليقين، ثم صنَّفت مواقف الناس منه إلى مؤمن وكافر ومنافق؛ {الم * ذَلِكَ الْكِتَابُ لاَ رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ * الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُون} [البقرة: 1- 3]، ثم: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ} [البقرة: 6]، ثم: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ} [البقرة: 6]، بعدها فصل حال كل صنف من الناس، والأحكام النازلة والصادرة عليهم.

وكل سورة بدأت بحروف الهجاء فبعدها يكون الكلام حول إثبات مصدرية الوحي القرآني.

والغرض هنا ليس إثبات وجود الخالق أو صفاته أو توحيد ربوبيته، إنما هو هل الإنسان بحاجة إلى مصدر آخر إضافي إلى المصدر الأول (الكون)؟ فالاستدلال على الخالق هو قائمٌ بالفِطرة، وبخلق الإنسان، فنفس كون الإنسان حادثًا بعد أن لم يوجد، ومولودًا بعد أن لم يكن، ومخلوقًا من ماء مهين في أطوار بقرار مكين، هذا لم يُعلَم بمجرد خبر الرسول (الوحي)؛ بل يعلمه الناس كلُّهم، سواء أخبروا به أم لم يحيطوا به خبرًا؛ لذا كان التنويه بذلك في القرآن الكريم بسياق التذكير والإقرار للناس بما هو معلوم عندهم علم يقين، وهذا ما يُصْطَلح عليه بدليل الافتقار.

والخلاف بين المشركين في كل العصور لم يكن حول مَن الخالق؟ أو حول عظمته وصفاته، بل حول ضرورة اتخاذ وحيه مصدرًا للعلم، ومنهاجًا للحياة، بالتحاكم إليه في كل نواحي الحياة صغيرها وكبيرها؛ أي: هل هذا مصدر للحق أو معه غيره؟ {قُلْ هَلْ مِنْ شُرَكَائِكُمْ مَنْ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ قُلِ اللَّهُ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ} [يونس: 34]، فاستدل عليهم بخلقه للكون كلِّه دون شريك ولا مُعين، وأقرُّوا كلُّهم بذلك؛ لذا قال: {فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ}؛ أي: كيف تُصرفون وتنحرفون عن معرفة الحقيقة وإدراك الحق، مع إقراركم بأنه الواحد الأحد الخالق المدبِّر المتصرف في الكون؟! فمصدر العلم المستدل منه هنا هو (الكون)؛ أي: المخلوقات، بعدها انتقل إلى مرحلة ثانية هي الغاية من إيراد دليل الخلق والافتقار، والانفراد والإبداع للنظام: {قُلْ هَلْ مِنْ شُرَكَائِكُمْ مَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ قُلِ اللَّهُ يَهْدِي لِلْحَقِّ} [يونس: 35]، فمع اتخاذهم للكون مصدرًا للمعرفة اتَّخذوا مصدرًا آخر، وهم (شركاؤهم)، فحصل في جميع العصور أن الإنسان اتخذ مصدرين للعلم والمعرفة: الأول مادي (الكون)، والثاني روحاني له صور عِدَّة؛ من روحانيات الصالحين إلى روحانية الكواكب، واتخذ للروحاني الغيبي أشكالاً، وهي رموز مشهودة كيما يكون المصدر (محسوسًا) من أصنام وأوثان وأرباب وآلهة، وهذا دليل تاريخي وفطري، بأنه لم يخلُ عصر لإنسان من اتخاذ آلهة بشتَّى أنواع المعبودات، وهذا لحاجته النفسيَّة الفطرية، وهي غريزةٌ فيه، مثلها مثل باقي الغرائز يحتاج إلى إشباعها وتلبية حاجاتها، ولو في أبسط صورها بأن يعبد هواه ويتخذه إلهًا هو في ذاته، وهؤلاء هم من جعلوا العقولَ مستغنيةً عن علوم الوحي؛ {أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ أَفَأَنْتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلا} [الفرقان: 43]، وفي هذه الآية دليلٌ قوي على أن العقل قوة إدراكية، وما به علوم يتلقَّاها من مصادر خارجة عنه، فإمَّا أن يكون مصدرُه هواه، وهو ما تلقَّاه من علوم قبل الوحي، أو يتحاكم إلى علوم الوحي ويحاكم بينها وبين ما عنده بواسطة العقل (القوَّة الإدراكية)، وهنا يفصل العقل بين الهوى وما تشتهيه الأنفس من ملذَّات مُضِرَّة، وبين الحق الرباني وما فيه من منافع قد تنفر عنها الأنفس الخبيثة.

بعدها قال - تعالى -: {قُلِ اللَّهُ يَهْدِي لِلْحَقِّ} [يونس: 35]، وهذا يقرُّون به، لكن يشركون غيره معه، والله جعل الحق حصريًّا به؛ {أَفَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمْ مَنْ لاَ يَهِدِّي إِلاَّ أَنْ يُهْدَى فَمَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُون} [يونس: 35]، وهنا قَصَم ظهورهم، فشركاؤهم لا يخاطبونهم، وإن فعلوا فهم أنفسُهم بحاجةٍ إلى هداية لكونهم بشرًا، فالموتى والأجرام السماوية لا تهديهم؛ لأنها لا تتواصل معهم أصلاً، والبشر الأحياء وأهواؤهم تحتاج إلى هداية؛ لنقصها وافتقارها إلى غيرها في تحصيل العلم، ثم ختمت الآية بالاستغراب عن معيار الصدق، والحكم الذي جعل الشركاء مصدرًا للهداية للحق؛ {وَمَا يَتَّبِعُ أَكْثَرُهُمْ إِلاَّ ظَنًّا إِنَّ الظَّنَّ لاَ يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا يَفْعَلُونَ} [يونس: 36]، فالصراع ومحل النزاع كان حول الحاجة إلى الوحي كمصدر للعلم (الهداية إلى الحق)، وكونه الوحيد الهادي إلى الحق؛ أي: هو مصدر الغيب وحده، ثم انتقل الخلاف إلى إثبات عصمة النبي، وربانية القرآن؛ أي: إنه وحي من الله - تعالى - إلى نبيه - عليه الصلاة والسلام - وهذه مرحلةٌ بعد الاعتراف بضرورة الوحي كمصدر وحيد للمعرفة والعلم؛ {وَمَا كَانَ هَذَا الْقُرْآَنُ أَنْ يُفْتَرَى مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلَكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ الْكِتَابِ لاَ رَيْبَ فِيهِ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِين} [يونس: 37].

قال السعدي في تفسيره للآيات: "إذا تبين أنه ليس في آلهتهم التي يعبدون مع الله أوصاف معنوية ولا أوصاف فعلية تقتضي أن تعبد مع الله؛ بل هي متَّصفة بالنقائص الموجبة لبطلان إلهيتها، فلأي شيء جعلت مع الله آلهة؟ فالجواب: أن هذا من تزيين الشيطان للإنسان أقبح البهتان، وأضل الضلال، حتى اعتقد ذلك، وأَلِفه وظنَّه حقًّا، وهو لاشيء"[16]، ففطرة الإنسان وسلوكه عبر عصور تأبى عليه أن يتَّخذ الكون مصدرًا وحيدًا للعلم[17] وما في العقول من المعارف الكونية لم تكن أبدًا كافية لمسايرة الحياة النفسية والعملية، بل كان دائمًا في حاجة إلى مصدر يشبع روحه بعد ما أشبع جسده من الكون وما فيه، فإن أقرَّ بذلك كان لا بُدَّ أن يقام دليل على انفراد الخالق بكونه مصدرًا لذلك العلم وحده، والدليل مبني على دليل الافتقار له أصلاً في الخلق لأدوات المعرفة وقواها وخلق مصدر المعرفة المادي (الكون)، الإقرار بهذا مع يقين الإنسان أن قدراته لا تَصِل إلى المصدر (الخالق) يلزمه بالإقرار بطريق آخر غير الحواس، لكنَّه قابِلٌ للحس وهو الوحي، والوحي لا يدرك إلا بالنبوة، وهي ما يمكن للحواس أن تصل إليه، فالنُّبوة قوَّة إدراكية تمثِّل طورًا فوق العقل، فهي واسطة بين ما هو إلهي وما هو بشري، وهي الناقلة للكلام الإلهي والعلم الربَّاني من مصدره (الخالق) إلى القوة الإدراكية البشرية (المخلوقة)، يقول بعض الباحثين: إذا كان للإنسان حواس يحس بها وعقلٌ يعقل به، وهو مخلوقٌ لله - سبحانه وتعالى - يعيش في هذا الكون مع بني جنسه، ويتعامل مع عناصر الكون من حيوان وجماد، فهل يستطيع بحسه وعقله أن يعيش ويؤدي دوره في هذا الكون، ويقوم بوظيفة الخلافة في الأرض، ويتوجَّه في كل ما يعمل إلى الله خالقه سبحانه؟ وهل يستطيع بهذا كلِّه أن يحدِّد وظيفته، وأن تكون له معرفة صحيحة بخالقه، وبما يطلب منه؟ وهل يستطيع بهذه الكفايات - الحس والعقل- أن يعرف ما ينتظره بعد موته؟... وعجزُ الإنسان بيِّنٌ في أن يفي بهذه المعرفة، وأن يقدِّم شيئًا عنها، ومن ثمَّ فالإنسان في أشدِّ الحاجة إلى مصدرٍ آخر للمعرفة، يسلمه به العقل وتتطلَّبه فطرته[18].

واعتماد النبوة طريقًا للمصدر الرباني هو كون الطريق الأول من الحواس لا يمكنه الوصول إلى ذلك المصدر إلا بواسطة وهي (النبوة)؛ لأن المصدر الرباني من عالم الغيب – أي: ما غاب عن الحواس - وكل ما غاب عنها لن يدركه العقل؛ لذا كان الاستدلال على صحة ويقينية المصدر الرباني، ووجود الوحي والنبوة في القرآن دائمًا من ميدان الشهادة، ومجالي الآفاق والأنفس، فإذا أقرَّ العقل بلَّغه الرسالة[19].

فالوحي ممكن ووقوعه يُقِرُّ به العقل ويدركه، وذاك لإقراره بوجود مجالٍ لا يصل إليه مقابل للمجال الذي يدركه وهو عالم الشهادة، فلَزِمه الإقرار بوجود طريق إلى مجال الغيب ليس منه ولا في الحواس؛ لأن وجود العلم في النفس – أي: العقل - وانتقال المثال (الماهية، الحقيقة، التصوُّر) من المجال (الموضوع) المدرك إلى محل الإدراك لا بُدَّ له من نَوَاقِل، وبديهيٌّ ومسلَّمٌ أن العقل لا يملِك نواقلَ يتصل بها بعالم الغيب، ولا هو قادرٌ في الخوض في ذلك المجال، فلزمه نواقل غير الحواس لكي تصل لها الحواس، تلك النواقل هي (عقول) الأنبياء؛ لأنها تصل إلى إدراك مجال الغيب، ثم تنقله إلينا، فتتلقَّفه الحواسُّ (السمع)، وهذا ما يصطلح عليه العلماء - كابن تيمية والغزالي والرازي وغيرهم - بطريق (الخبر، والسماع، والسمع، والنقل).

قال أبو حامد الغزالي: إن العقول قاصرة، والعقلاء أجمعهم معترفون بأن العقل لا يهتدي إلى ما بعد الموت، ولا يرشد إلى وجه ضرر المعاصي، ونفع الطاعات، لا سيما على سبيل التفصيل والتحديد، كما وردت في الشرائع، بل أقرُّوا أن ذلك لا يدرك إلا بنور النبوة[20].

وإذا أقر العقل بقصوره عن إدراك عالم الغيب، وآمن بربوبية الخالق ووحدانيته في الألوهية، فهو في أمسِّ الحاجة للوحي؛ كيما يتصور عقيدته نحو خالقه، ويعي معنى العبادة وكيفياتها وشروطها، ويستوعب التشريعات من أوامر ونواهٍ، فليس التقرُّب من الله - تعالى - كما يريد العبد، بل كما يريد الرَّبُّ، والعبادة ليست من مقتضيات العقل، والقانون الإلهي كونه إلهيًّا أنه لم يصدر من عقول بشرية مخلوقة، وهذا ما يميِّزه عن القانون الوضعي البشري.

"فالنبوة إحدى الضروريات التي تؤيدها العقول، ويثبتها الواقع الاستقرائي للمجتمعات الإنسانية، وذلك من خلال إجماع البشرية على عظمة هؤلاء الأنبياء، وما تميَّزت به دعوتهم من التوحيد، وتوضيح العلاقة بين الخالق والمخلوق" [21].

ومن المقرَّر أن المعرفة الخبرية - الوَحْيِيَّة - تكون يقينية حينما تبلغ حدَّ التَّواتر؛ حيث استحالة التواطؤ على الكذب، مع عدم تعارض مضمون هذا الخبر مع أصل من أصول العقل أو قوانينه الذاتية[22]، وهنا تظهر أهمية الوحي؛ إذ يبدأ بالإجابة عن أسئلة الإنسان الكلية ومشكلاته الكبرى، فإلى جانب الخالق والمخلوق، هناك المبدأ والمعاد، وظاهرة الكون، ومقياس الخير والشر، والقبيح والحسن، والحق والباطل، والمؤمن والكافر.

ومن جهةٍ، فإن حقيقة الوحي تبرُز هنا كفيصل بين الإنسان الذي يفكِّر من عنده، ويشرِّع وَفق معطياته الفلسفية، والإنسان الذي يبلِّغ عن ربه، من غير زيادة أو نقصان[23].

وقد بيَّن الكثير من العلماء أدلة (ضرورية) الوحي، قال ابن تيميَّة: لولا الرسالةُ لم يهتدِ العقلُ إلى تفاصيل النافع والضار في المعاش والمعاد[24].

وقال الغزالي: ووراء العقل طورٌ آخر تُفتَح فيه أعين أخرى يبصر بها الغيب، وما سيكون في المستقبل، وأمور أخرى العقل معزول عنها؛ كعزل قوة التمييز عن إدراك المعقولات، وكعزل قوة الحسِّ عن مدركات التمييز، وكما أن المميِّز لو عُرِضت عليه مدركات العقل لأباها واستبعدها، فكذلك بعضُ العقلاء أَبَوا مدرَكات النبوة واستبعدوها وذلك عين الجهل؛ إذ لا مستند لهم إلا أنه طورٌ لم يبلغه العقل، ولم يوجد في حقه، فيظن أنه غير موجود في نفسه، والأكْمَه لو لم يعلم بالتواتر والسماع الألوان والأشكال، وحكي له ذلك ابتداءً - لم يفهمها ولم يُقِرَّ بها، وقد قرَّب الله - تعالى - على خلقه بأن أعطاهم نموذجًا من خاصية النبوة وهي النوم؛ إذ النائم يدرك ما سيكون من الغيب، إما صريحًا وإما في كسوة مثال، يكشف عنه التعبير، هذا لو لم يجد به الإنسان من نفسه، وقيل له: إنَّ من الناس مَن يسقط مغشيًّا عليه كالميت، ويزول عنه إحساسه وسمعه وبصره، فيدرك الغيب - لأنكره، وأقام البرهان على استحالته"، وقال: "القوى الحاسَّة أسباب الإدراك، فمَن لم يدرك الشيء مع وجودها وحضورها فبألاّ يدرك مع ركودها أَوْلى وأحقُّ، وهذا نوع قياس يكذِّبه الوجود والمشاهدة، فكما أنَّ العقل طورٌ من أطوار الآدمي يحصل فيه عينٌ يبصر بها أنواعًا من المعقولات الحواس معزولة عنها، فالنبوة أيضًا عبارة عن طورٍ يحصل فيه عينٌ لها نور يظهر في نورها الغيب، وأمور لا يدركها العقل"[25].

فالحاجة للوحي والنبوة في كونها طورًا فوق طور العقل لا بُدَّ منها لتلقِّي العلم من المصدر (الخالق)؛ لفهم الغيب والجانب الروحاني في الإنسان، وتلبية حاجات هذا الجانب، وبلوغ الغاية من الخلافة - وهي التوحيد - لا يكون إلا بمعرفة ما يأتي عن طريق الوحي والنبوة، فالغاية من الوحي والنبوة نجدها في نصوص كثيرة، إما مفصلة أو مجملة:
• البشارة والنذارة: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا} [سبأ: 28].
• إخراج الناس من ظلمات الجهل والغَواية والضلال إلى نور الهداية؛ {الر كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيد} [إبراهيم: 1].
• الفصل في الخلاف، وبيان الأصول والكليات التي تقوم عليها البشرية: {وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ إِلاَّ لِتُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي اخْتَلَفُوا فِيهِ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُون} [النحل: 64]، وبوجه عام لبيان العقائد والتشريعات؛ أي: علاقة العباد بربهم؛ بمعرفة كيف يوحِّدون أفعال ربهم، ويخصُّونه بها دون غيره إقرارًا وعقيدة، وكيف يوحِّدون أفعالهم نحوه، ويختصُّونه بالعبادة والطاعة كما يريد، وكيف يتعاملون فيما بينهم ومع غيرهم، وأكثر وضوحًا أن يكون الوحي هو قانونهم دنيويًّا وأخرويًّا.
رابط الموضوع: مفهوم الوحي - علوم قرآن - موقع آفاق الشريعة - شبكة الألوكة



 توقيع : طالب علم


رد مع اقتباس
 

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
الوحي

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML متاحة

الانتقال السريع

 
مايُكتب على صفحات المركز يُعبّر عن رأى الكاتب والمسؤولية تقع على عاتقه


علوم الجان - الجن - عالم الملائكة - ابحاث عالم الجن وخفاياه -غرائب الجن والإنس والمخلوقات - فيديو جن - صور جن - أخبار جن - منازل الجن - بيوت الجن- English Forum
السحر و الكهانة والعرافة - English Magic Forum - الحسد والعين والغبطة - علم الرقى والتمائم - الاستشارات العلاجية - تفسير الرؤى والاحلام - الطب البديل والأعشاب - علم الحجامة

الساعة الآن 10:46 PM.


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir
HêĽм √ 3.2 OPS BY: ! ωαнαм ! © 2011-2012
جميع الحقوق محفوظة لمركز دراسات وأبحاث علوم الجان العالمي