عرض مشاركة واحدة
قديم 19 Nov 2011, 10:16 PM   #3
ابومسلم
باحث علمي ـ بحث إشراف تنسيق مراقبة ـ الإدارة العلمية والبحوث ـ جزاه الله خيرا


الصورة الرمزية ابومسلم
ابومسلم غير متصل

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم باحث : 9766
 تاريخ التسجيل :  Sep 2010
 أخر زيارة : 25 Oct 2022 (12:39 AM)
 المشاركات : 249 [ + ]
 التقييم :  10
لوني المفضل : Cadetblue
رد: منهج الاستنباط من القرآن الكريم



الحلقة الثانية
________________________________________
بسم الله الرحمن الرحيم


برنامج: الدراسات القرآنية على إذاعة القرآن الكريم


بعنوان: " منهج الاستنباط من القرآن الكريم ( 2 ) "


الدكتور / يوسف بن صالح العقيل :بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله .
أما بعد : فمرحباً بكم أيها الإخوة المستمعون الكرام ، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته . حييتم أهلا وسهلا . أرحب بكم كما أرحب بضيفي لهذا اللقاء فضيلة الشيخ : فهد بن مبارك الوهبي عضو هيئة التدريس بجامعة طيبة فمرحبا بكم فضيلة الشيخ .
الشيخ الدكتور / فهد بن مبارك الوهبي : حياكم الله .
الدكتور / يوسف بن صالح العقيل : حديثنا ممتد أيها الإخوة في حلقة مضت كان فضيلة الشيخ فهد ضيف لهذا البرنامج وقد تحدث عن منهج الاستنباط من القرآن الكريم تحدث فضيلته عن المقصود من الاستنباط والفرق بين الاستنباط والتفسير وأيضاً هل لكل أحد أن يستنبط من القرآن الكريم ثم الشروط التي ينبغي أن تتوفر لمن يستنبط من كتاب الله . في هذا اللقاء لعلنا نستعرض مع فضيلة الشيخ كيف نعرف أن هذا الاستنباط صحيح أم غير صحيح وأيضاً ماهي الأسباب التي تؤدي إلى الخطأ في الاستنباط وغير ذلك من الأمور التي تتعلق بموضوع منهج الاستنباط من القرآن الكريم . لكن في البداية ياشيخ لنربط الإخوة المستمعين الكرام الذين لم يكونوا معنا في اللقاء الماضي ولو بإيجاز الفرق بين الاستنباط والتفسير هل هناك فرق ؟ عندما نتكلم نقول استنباط هل هو معنى التفسير أو شيء آخر ؟
الشيخ الدكتور / فهد بن مبارك الوهبي : بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد :
سبق أن نذكرنا أن الاستنباط شيء غير التفسير وأن الاستنباط من ناحية الاصطلاح يختلف تماما عن التفسير فالتفسير هو بيان المعاني وكشف مراد الله من القرآن وأما الاستنباط فهو استخراج المعاني الخفية من القرآن الكريم هذه أهم الفروق بين التفسير والاستنباط .
الدكتور / يوسف بن صالح العقيل : هنا يقودنا الحديث إلى " المعنى المستنبط " توفرت لدى المستنبط هذه الشروط التي ذكرتموها ثم استنبط معنى من المعاني في كتاب الله هل هناك شروط للمعنى المستنبط نحكم من خلالها أن هذا المعنى صحيح أو أن هذا المعنى خطأ ؟
الشيخ الدكتور / فهد بن مبارك الوهبي : نعم بعد أن يستنبط الشخص المعنى لابد أن يعرضه على شروط المعنى المستنبط حتى تكون هذه الشروط هي التي تقوم المعنى لأنه قد يكون الشخص أهلا للاستنباط لكنه لم يوفق للمعنى لجهله مثلا بحديث معين يعارض هذا المعنى أو غير ذلك من الأسباب فهناك شروط كثيرة أهمها ثلاثة شروط :الشرط الأول/ أن يكون هذا الاستنباط سليما من معارض شرعي راجح ونحن نقول من معارض شرعي راجح لأن المعارض قد يكون مرجوحا فإذا كان المعارض مرجوحا فالاستنباط صحيح ومثال المعارض المرجوح لما يستنبط المعتزلة مثلا لما نحن نستنبط من آية معينه الرؤية رؤية الله كَلَّا إِنَّهُمْ عَن رَّبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَّمَحْجُوبُونَ يستنبط أهل السنة منها أنه يرى يوم القيامة لأنه لما منع أعدائه من الرؤية دل ذلك بمفهوم المخالفة أن أوليائه يرونه ولو لم يكن كذلك لما صح هذا العقاب إذا كان كلهم لايرونه فلا فرق بين المؤمنين وغير المؤمنين . لما يأتي شخص من المعتزلة مثلا ويعارض هذا الاستنباط بقوله تعالى (لَن تَرَانِي ) فيقول أنا أعارضك بدليل قوله ( لَن تَرَانِي ) هل هذا المعارض راجح أو مرجوح ؟ مرجوح لأن هذه الدلالة أصلا ليست صحيحة بل هي معارضة بأحاديث كثيرة تدل على الرؤية فإذاً نحن قلنا سلامته من معارض شرعي راجح والمثال للمعارض الراجح لما جاء بعض الناس واستنبط من قوله تعالى وَإِذْ نَجَّيْنَاكُم مِّنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوَءَ الْعَذَابِ استنبط منها عقيدة التناسخ . الله الآن يتحدث عن من ؟ يتحدث عن الأمم السابقة من بني إسرائيل وقال للمعاصرين من اليهود والنصارى وَإِذْ نَجَّيْنَاكُم مِّنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوَءَ الْعَذَابِ من أهل الكتاب اليهود فكأن جاء شخص وقال إذاً مادام الخطاب موجه للمعاصرين فإذاً هم نفسهم المتقدمين فإذاً هناك تناسخ للأرواح انتقلت من الأولين إلى الآخرين .فهذه العقيدة عقيدة فاسدة وباطلة ومعارضة للنصوص الصريحة فإذاً هذا لا يمكن أن يقبل لأنه معارض للنصوص الكثيرة الدالة على البعث والقيامة وهي أصل من أصول الإيمان .
الدكتور / يوسف بن صالح العقيل :كأن كلمة معارض مرجوح أو معارض راجح إذا قلنا مرجوح كأن فيه تخفيف وقد يكون المعارض أصلا باطل ليس فقط مرجوحا كأن لفظة مرجوح تخفيف ؟
الشيخ الدكتور / فهد بن مبارك الوهبي : تخفيف نعم قد يكون المعارض ظاهر البطلان وقد يكون لا يرقى إلى كونه معارض راجحا لكن هناك حالة أو حالتان باقية إذا كان المعارض مساوي أو إذا كان لا يوجد معارض ولا موافق هاتان حالتان أخرى غير الحالتين السابقتين إذا لم يوجد معارض ولا موافق فالاستنباط صحيح مثاله قوله وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ * إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ هذه الآية استدل بها كثير من العلماء على تحريم الاستمناء هل جاء في القرآن أو في السنة ما يؤيد هذا المعنى؟ لم يأتي . هل جاء ما يعارضه؟ لم يأتي . فإذن حكم هذا الاستنباط صحيح لأننا لو قلنا أنه يشترط في الاستنباط أن يأتي ما يؤيده لما كان للاستنباط فائدة فالاستنباط دليل في حد ذاته ولو لم يأتي ما يوافقه .أما الحالة الثالثة :وهي أن يكون المعارض مساويا فما الحكم هنا؟الحكم هنا أن ننتقل إلى مرجحات خارجية ومثالها مثلاً الخلاف الواقع بين العلماء في مسألة هل الأفضل صالحي البشر أو الملائكة الأدلة المتعارضة وليس هناك راجح ولا مرجوح هي متساوية ففي هذه الحالة يتوقف الإنسان في مثل هذه المسألة أو يبحث عن المرجحات الخارجية وقد توقف كثير من العلماء عند هذه المسألة وقالوا هذه المسألة لا يوجد فيها ما يعارض أو ما يوافق هذه تقريبا معنى الشرط سلامته من معارض شرعي راجح فإذا وجد المعارض الشرعي الراجح فالاستنباط غير صحيح وذكرنا أمثلة ومن الأمثلة أيضا قوله وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَى لَن نُّؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْكُمُ الصَّاعِقَةُ وَأَنتُمْ تَنظُرُونَ استنبط منها بعضهم أن الله عاقبهم لأنهم طلبوا ما لا يجوز وهو الرؤية فقالوا إذن نحن نستنبط من هذا الآية أن الله لا يرى هل هذا الاستنباط معارض أو غير معارض؟ معارض . وهل المعارض راجح أو مرجوح؟ راجح لأن الآية لم تدل نصا على أن الله لا يرى ولكن المعنى المأخوذ منها معارض لنصوص الصحيحين (إنكم سترون ربكم كما ترون هذا القمر لا تضامون أو لا تضارون في رؤيته ) .



الدكتور / يوسف بن صالح العقيل : إذاً هذا من حيث سلامته من معارض شرعي _ طبعاً الحديث معارض شرعي راجح _ كلامكم حفظكم الله حول شروط المعنى المستنبط لهذا المعنى المستنبط شروط حتى نقول بصحة هذا المعنى أول هذه الشروط أن يسلم من المعارض الشرعي الراجح . هل هناك شروط أخرى ؟ .
الشيخ الدكتور / فهد بن مبارك الوهبي : هناك شرط ثاني/ وهو أن يكون هذا المعنى المستنبط مرتبطا بالنص فإذا لم يوجد دلالة لفظية بين المعنى وبين النص لا يكون هذا المعنى صحيحا وإن كان في ذاته صحيحا كيف في ذاته صحيحا ؟ أبسط الأمثلة لو جاء شخص وقال الله يقول أَقِيمُوا الصَّلَاةَ استنبط منها وجوب الزكاة هل لما نقول أن هذا الاستنباط خطأ من هذه الآية هل نحن نبطل الزكاة؟ لا. نحن نقول ارتباطه بهذه الآية غير صحيح وبالتالي لا يمكن أن نقول أن هذا استنباط قرآني من هذه الآية وقد شدد بعض العلماء حتى شيخ الإسلام يقول أن من يربط المعنى باللفظ بدون رابط هذا افتراء على الله وهذا يبين خطورة الاستنباط وأنه لا يدخل فيه أي أحد لا بد أن يكون شخصاً عالماً وعنده معرفة بطرق الاستنباط . فإذن لا بد من الارتباط مثال الارتباط أن يكون دلالة من دلالات أهل الأصول مثلا أو قاعدة من قواعد القرآن يقول الله كَلَّا إِنَّهُمْ عَن رَّبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَّمَحْجُوبُونَ لما نحن نستنبط رؤية الله من هذه الآية هل هناك ارتباط أو لا يوجد؟ يوجد . الارتباط هو مفهوم المخالفة يعني كَلَّا إِنَّهُمْ عَن رَّبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَّمَحْجُوبُونَ هؤلاء .
الدكتور / يوسف بن صالح العقيل : وهناك من هم ليسوا محجوبون .
الشيخ الدكتور / فهد بن مبارك الوهبي : يرون الله فإذن هنا يوجد الارتباط فإذا لم يوجد الارتباط لا يكون الاستنباط استنباطاً قرآنياً بمعنى الاستنباط اللفظي وإنما يكون قد يكون أحياناً قياس على معاني القرآن الكريم مثال القياس لما يأتي شخص ويقول لَّا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ هذه الآية تتكلم عن اللوح المحفوظ أو عن القرآن ؟سيقول كما أن القرآن لا يمسه إلا المطهرون فإن معانيه لا يصل إليها إلا أهل القلوب الطاهرة هل هذا استنباط من القرآن الكريم؟هذا قياس على معاني القرآن الكريم وفرق بين القياس وبين الاستنباط القياس مثل قياس أهل الفقه و أصول الفقه و الاستنباط لابد أن يكون ارتباطاً لفظياً هذا الشرط الثاني من شروط المعنى المستنبط .
الدكتور / يوسف بن صالح العقيل : هناك ممكن تأتي أراء حول آية من الآيات أو كذا هل الرأي له مجال في مسألة الاستنباط أو لا؟
الشيخ الدكتور / فهد بن مبارك الوهبي : نعم الاستنباط كله قائم على الرأي وعلى إعمال العقل.
الدكتور / يوسف بن صالح العقيل : لكن الرأي مرتبط بآية وله شروطه ؟
الشيخ الدكتور / فهد بن مبارك الوهبي : بدون شك بهذه الشروط وبهذه الضوابط التي ذكرناها إذا كان الرأي مجرد عن هذه الضوابط فهو غير صحيح أما إذا كان داخل هذه الضوابط فهو رأي مقبول والاستنباط كله قائم على جهد الذهن وإعماله في استخراج الأحكام الخفية من القرآن الكريم .
الدكتور / يوسف بن صالح العقيل : يعني إذاً ممكن أن نقول أن الشروط في المعنى الصحيح أن يكون سليماً من المعارض الشرعي الراجح وأن يكون مرتبطاً بالنص والثالث ؟
الشيخ الدكتور / فهد بن مبارك الوهبي : الشرط الثالث/ من شروط المعنى الصحيح أن يكون مما للرأي فيه مجال يعني لا يأتي شخص ويستنبط في أمر لا يصل إليه الإنسان من أمور الغيب مثلا لو جاء شخص وقال أنا استنبط من عدي أحرف سورة ما متى تقوم الساعة أو يقول مثلا أنا استنبطت من سورة معينة متى تسقط الدولة الفلانية هذا في علم الغيب مثل ما حدث في استنباطات متى تسقط دولة إسرائيل ومتى يقع كذا هذه لا يمكن أن تدخل في الاستنباط القرآني الصحيح لأنه لا يمكن للعقل أن يصل إلى هذا الأمر فالله قال عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَداً مثال قديم وقع فيه اليهود اليهود حاولوا أن يصلوا إلى عمر هذه الأمة عن طريق الأحرف المقطعة فجاءوا حسبوا الم عن طريق حساب الجمل وحسبوا كهيعص وحسبوا حتى يصلوا متى تسقط هذه الأمة ومتى تنتهي لذلك هذا الاستنباط لا يكون صحيحا لأنه في أمر الغيب وكل استنباط وقع في أمر الغيب فإنه يرد على صاحبه ولا يقبل .
الدكتور / يوسف بن صالح العقيل : مادمنا نتكلم عن مالرأي فيه مجال وسلامة المعنى المستنبط وأن له شروطاً حتى نحكم بسلامته هذا يقودنا على الخطأ في الاستنباط أسبابه ياتُرى ماهي ؟
الشيخ الدكتور / فهد بن مبارك الوهبي : أسباب الخطأ في الاستنباط :كثيرة لكن أهمها أولا/ الانحراف في التفسير أو الخطأ في التفسير فإذا أخطأ الإنسان في التفسير فإنه بلا شك سيخطئ في الاستنباط مثال ذلك لما جاء بعض ناس وفسروا قوله تعالى وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ قالوا اليقين بمعنى المرتبة التي يصل إليها الإنسان مرتبة اليقين قالوا فإذا وصل الإنسان لمرتبة اليقين تسقط عنه العبادات الآن هم أخطئوا في التفسير فينبني على ذلك الخطأ في الاستنباط . ومثال ذلك أيضالما قالوا في قوله تعالى إِن تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ قالوا ملكك إذا عذبت عذبت من شئت و جوزوا بناء على ذلك تعذيب المؤمنين هذا لا يكون صحيح لأن التفسير أيضا غير صحيح .
السبب الثاني / الانحراف في العقيدة وقد ذكرنا أن من الشروط صحة الاعتقاد فإذا كان المفسر عنده خطأ في العقيدة فإنه يترتب عليه خطأ في التفسير في تفسير آيات الاعتقاد والاستدلال بها على عقيدته التي يعتقد بها فنحذر عندما نقرأ في كتب التفسير لغير المؤلفين من أهل السنة والجماعة في هذا الباب في باب الاعتقاد نحذر من الوقوع في تلك الأخطاء ولذلك بعض المؤلفين من كبار المفسرين مثل الزمخشري عفا الله عنه يستخرج كثير من العلماء أخطائه بجهد وبمشقة لأنه يستنبط استنباطات دقيقة جدا وتدل على أن للاعتقاد أثره في هذه الاستنباطات مع وضوح النصوص المعارضة قد تكون النصوص في الصحيحين وترد لأجل عقيدته التي يؤمن بها .


الدكتور / يوسف بن صالح العقيل : بالمناسبة هل جمعت هذه الأخطاء في تفسير الزمخشري ؟
الشيخ الدكتور / فهد بن مبارك الوهبي : كثير الذين ذكروا حواشي على الزمخشري وهي مطبوعة مع الزمخشري حواشي الزمخشري ونبهوا على أخطائه .
الدكتور / يوسف بن صالح العقيل : تحدثنا عن سببين من أسباب الخطأ في الاستنباط : الانحراف في التفسير وبالتالي يقود إلى الخطأ في الاستنباط . أيضاً الانحراف في العقيدة وأن هذا مؤثر لأن المفسر أوالمستنبط وهو ينطلق من معتقد وبالتالي ربما ينوي هذا الاستنباط حتى يكيفه على معتقده . هل هناك أسباب أخرى للخطأ ؟
الشيخ الدكتور / فهد بن مبارك الوهبي : من الأسباب أيضا الخطأ في فهم باطن القرآن هناك بعض النصوص التي قد يحسنها بعض العلماء التي تدل على أن للقرآن ظهرا وبطنا فتفسير هذه النصوص إذا كان تفسيراً خاطئاً ينبني عليه خطأ في الاستنباط فبعضهم يرى أن الآيات التي جاءت في القرآن لها ظواهر يفهمها عامة الناس ولها بواطن تدل على اعتقاداتهم مثل ماذكرنا في الحلقة الماضية في قول الله فَلَا أُقْسِمُ بِالْخُنَّسِ قالوا الخنس تأويلها الظاهر هو النجوم وتأويلها الباطن هو الإمام المهدي فهذا التأويل خطأ في فهم معنى باطن القرآن ليس المراد بالباطن هو الوصول إلى هذه المعاني التي لم يفهمها العرب وإنما الباطن قد ذكر العلماء معنى الباطن أن هناك دلالات خفية للقرآن الكريم يصل إليها بعض العلماء هذا من أسباب الخطأ أيضا .
الدكتور / يوسف بن صالح العقيل : عندنا ثلاثة الآن الإنحراف في التفسير ، الإنحراف في العقيدة ، والخطأ في فهم باطن القرآن الكريم هل هناك أسباب أخرى ؟
الشيخ الدكتور / فهد بن مبارك الوهبي : الرابع : هو تقديم العقلي على النقلي وهذا شبيه بتقديم العقيدة أو الاعتقاد على النص فإذا جاء أحد المفسرين أو أحد المستنبطين وهو يقدم عقله على النقل فسيقع في أخطاء لأنه قد يصطدم النقل بما يعتقده هو أو بما يراه من العقل مثال ذلك جاء بعضهم عند قوله وَلَن تَسْتَطِيعُواْ أَن تَعْدِلُواْ بَيْنَ النِّسَاء وَلَوْ حَرَصْتُمْ قال هو باستنباطه أنه يحرم الزواج من الثانية والثالثة والرابعة وقال لأن العقل يقول أنه لا يوجد عدل فإذا لم يوجد العدل فإننا لا نجيز الزواج من الثانية والثالثة والرابعة فهنا قدم العقل على دلالة الأحاديث الكثيرة الواردة في الجواز والنصوص أيضا التي تدل على الجواز فتقديم العقل خطير في التعامل مع النصوص وإنما يجب أن يكون تابعاً للنصوص .
الدكتور / يوسف بن صالح العقيل : يقول الله تعالى ياشيخ فهد مَّا فَرَّطْنَا فِي الكِتَابِ مِن شَيْءٍ وفي آية أخرى وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَاناً لِّكُلِّ شَيْءٍ هل يشمل القرآن جميع الأشياء جميع أنواع الاستنباط بمعنى أنه يمكن للإنسان أن يستنبط من القرآن كل ما يريد من أمور هذه الحياة مثلا يقرأ القرآن ويستنبط مثلا الأحداث العالمية الحالية وهناك من يستنبط الأمور التربوية يعني جوانب متعددة وكثيرة يعني الكلام في هذا لو ذكرتموه بطرح علمي جزاكم الله خيرا ؟
الشيخ الدكتور / فهد بن مبارك الوهبي : شمولية القرآن الله قد أشار إلى هذا الموضوع في قوله تعالى وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَاناً لِّكُلِّ شَيْءٍ وفي قوله تعالى مَّا فَرَّطْنَا فِي الكِتَابِ مِن شَيْءٍ على القول بأن الكتاب هنا هو القرآن لكن أصل المسألة هل القرآن بذاته بدون رجوع إلى غيره من الأدلة يشمل كل شيء أو لابد من الرجوع إلى الأدلة الأخرى فإذا قلنا عن القسم الأول الذين يقولون أن القرآن شامل لكل شيء بدون رجوع إلى السنة وبدون رجوع إلى الإجماع وبدون رجوع إلى مصادر أخرى فهذا لاشك أنه خطأ بل إنه حتى في مسائل الدين لابد من الرجوع إلى غيره من السنة و إلى غير ذلك من الأدلة وقد أشار القرآن إلى ذلك وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُو و أشار النبي عليه الصلاة والسلام أيضاً إلى هذا الموضوع قال عليه الصلاة والسلام ( هل عسى رجل يبلغه الحديث عني وهو متكئ على أريكته فيقول بيننا وبينكم كتاب الله فما وجدنا فيه حلالا استحللناه وما وجدنا فيه حراما حرمناه وإنما حرم رسول الله كما حرم الله ) فإذاً الذين يقتصرون على القرآن فقط هؤلاء مخطئون إذا لم يرجعوا إلى غيره من الأدلة والمفسرون جميع المفسرين إلا قليل منهم قالوا أن هذه الآية وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَاناً لِّكُلِّ شَيْءٍ مراد بها الخصوص عامة مراد بها الخصوص والمراد وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَاناً لِّكُلِّ شَيْءٍ من أمور الدين فما تحتاجونه من أمور الدين سيدلكم عليه هذا الكتاب إما دلالة أصلية موجودة في القرآن كحكم الصلاة مثلاً و إما دلالة إلى غيره من الأدلة كالدلالة إلى السنة في قوله تعالى وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ أو الدلالة إلى الإجماع في قوله تعالى وَمَن يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءتْ مَصِيراً دلنا على الإجماع على حجية الإجماع . فإذاً القرآن بذاته أو بغيره من الأدلة الأخرى يدلنا على كل شيء من أمور الدين وما يحتاجونه الناس من أمور الدنيا في معاملاتهم بلاشك موجودة في القرآن لكن إدخال العلوم العصرية وعلوم الطبيعة كلها وغيرها هذا لا يمكن أن يقول به أحد ولم أجد أحد من العلماء من صرح بأن القرآن فيه كل شيء إلا رجل واحد وهو من علماء الشافعية وهو اسمه مرسي وهذا العالم ذكر عنه السيوطي أنه يقول أن القرآن فيه كل شيء لكن لما جاء يمثل من أمثلته اتضح لي أن معنى كلامه أن فيه إشارات وليس فيه احتواء يعني فيه إشارات لعلوم الفلك ذكر بعض الأشياء في علوم الفلك فيه إشارات لعلوم الزراعة ذكر بعض الأمور هذا لاشك فيه فيه إشارات لكنه لا يحتوي كل هذا العلم لا نقول أن جميع علوم الأحياء موجود في القرآن و علوم الكيمياء وعلوم الطبيعة في القرآن هذا لا يقول به أحد ولا يمكن أن يقع في القرآن إذا كانت مسائل الدين لا توجد بالتفصيل إلا أن هذا الكتاب كتاب خالد ومن صفاته أنه يكون كلي وليس تفصيلي وهذه من خصائص القرآن بلاشك وهو معروف عند العلماء .
الدكتور / يوسف بن صالح العقيل : لنختم شيخ فهد بأنواع الاستنباط يعني لابد بعد هذا الحديث الطويل عن منهج الاستنباط من القرآن الكريم أن هناك أنواع باعتبارات متعددة . تُرى ماهي هذه الأنواع ؟
الشيخ الدكتور / فهد بن مبارك الوهبي : يمكن اختصار هذا أن الاستنباط يتنوع بحسب اعتبارات الاعتبار الأول باعتبار الصحة والبطلان فهناك استنباطات صحيحة وهناك استنباطات باطله الاستنباط الصحيح أن يكون ارتباطه صحيح بالقرآن الكريم وألا يوجد معارض راجح له مثال ما ذكره الشيخ ابن عثيمين في قوله تعالى وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبْ عَلَيْنَا إِنَّكَ أَنتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ قال يستنبط منها أن العبادات تؤخذ من النصوص فهي توقيفيه لأنها لو كانت اجتهادية لما دعاء إبراهيم ربه أن يهديه للمناسك فهذا يدل على أنها توقيفيه وهناك الاستنباط الباطل وقد ذكرنا أمثلة كثيرة فيما سبق عليها . الاعتبار الثاني الاستنباط من نص واحد أو من مجموع نصين النص الواحد أمثلته ما سبقت وأما مجموع نصين فهذه يسميها ابن القيم دلالة التركيب يعني تركيب النصوص وهي من أدق أنواع الدلالة فيأتي المستنبط إلى آية و يستنبط منها معنى ثم يأتي إلى آية أخرى ويستنبط منها معنى ويركب المعنيين فيخرج معنى ثالثا مثل قوله وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْراً وقوله وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلاَدَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ فإذا خصمنا الحمل الحولين من الثلاثين يتبقى ستة أشهر هي أقل مدة الحمل فإذاً آيتين استخرج منهما معنى ثالث جديد مثل إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ هذه تدل على أن القرآن أنزل في ليلة القدر ثم جاء أن ليلة القدر شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ أن ليلة القدر في رمضان فإذاً القرآن أنزل في رمضان ولم ينزل في غيره من الأشهر . أيضا يتنوع الاستنباط باعتبار موضوعه إلى استنباط عقدي يعني في باب العقيدة وقد ذكرنا أمثلة كثيرة مثل قوله وَقَالَ لِلَّذِي ظَنَّ أَنَّهُ نَاجٍ مِّنْهُمَا اذْكُرْنِي عِندَ رَبِّكَ استنبط منها الشيخ السعدي رجمه الله أنه يجوز الاستعانة بالمخلوق فيما يستطيعه لأن يوسف طلب من هذا الذي ظن أنه ناج طلب منه طلب وهذا الطلب يؤول إلى أنه استعان به وهذا جائز في شريعتنا والثاني أن يكون استنباطا من باب الفقه ومثاله قوله تعالى وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن مَّنَعَ مَسَاجِدَ اللّهِ أَن يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ وَسَعَى فِي خَرَابِهَا استنبط منها الشيخ ابن عثيمين أنه يجوز منع المساجد لمصلحة لأن الآية تقول وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن مَّنَعَ مَسَاجِدَ اللّهِ أَن يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ فالذي يمنعها لمصلحة كتغيير فرش مثلاً أو الترميم أوغير ذلك فهذا لم يمنعها عن ذكر الله وإنما منعها ليحسنها فهذا لا بأس بها كذلك هناك استنباطات أصولية في أصول الفقه مثل قوله وَمَن يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ استنبط منها الإمام الشافعي حجية الإجماع وكثير من العلماء .
الدكتور / يوسف بن صالح العقيل : أحسن الله إليكم شيخ فهد ماتفضلتم به ولعلنا نختم هنا لأن الوقت ينتهي إلى هذا الحد . ضيفنا مستمعينا الكرام هو الشيخ فهد بن مبارك الوهبي تحدث عن منهج الاستنباط من القرآن الكريم خلال حلقتين الحلقة الماضية وهذه الحلقة ذكر فيهما معنى الاستنباط ثم الحديث عن الفرق بين الاستنباط والتفسير والفروق بين كلٍ منهما وأن لكلٍ منهما معنى ثم أيضاً شروط الشخص الذي يستنبط من كتاب الله وذكرنا منها معرفة التفسير الصحيح وصحة الاعتقاد ومعرفة طرق الاستنباط والعلم باللغة العربية ثم أيضاً شروط المعنى المستنبط نفسه من سلامته من معارض شرعي راجح وأهمية أن يرتبط بالنص وأن يكون فيما للرأي فيه مجال ثم ختم بالحديث حول أسباب الخطأ في الاستنباط من الانحراف في التفسير أولاً ثم الانحراف في عقيدة الذي يستنبط فيترتب عليه الخطأ في استنباطه أو الخطأ في فهم القرآن الكريم وتقديم العقل على النقل ثم كان حديثاً أيضاً آخر عن أنواع الاستنباط وقد ذكر في ذلك مجموع من الفوائد . شكر الله لفضيلة الشيخ فهد بن مبارك الوهبي عضو هيئة التدريس بجامعة طيبة جزيتم عنا خيرا شيخ فهد .
الشيخ الدكتور / فهد بن مبارك الوهبي : جزاكم الله خير .
الدكتور / يوسف بن صالح العقيل : شكراً لكم أنتم مستمعينا الكرام على متابعتكم . والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .



 
التعديل الأخير تم بواسطة ابن الورد ; 19 Nov 2011 الساعة 10:25 PM

رد مع اقتباس