عرض مشاركة واحدة
قديم 02 Jun 2010, 04:07 PM   #2
العائذ بالله
باحث برونزي


الصورة الرمزية العائذ بالله
العائذ بالله غير متصل

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم باحث : 6752
 تاريخ التسجيل :  Aug 2009
 أخر زيارة : 03 Jun 2019 (07:24 PM)
 المشاركات : 39 [ + ]
 التقييم :  10
لوني المفضل : Cadetblue
رد: الجِنّ وَأحوالهُم في الشعر الجَاهلي !!!



فمن ذلك ماكان يدعيه الأعشى من أن له جنياً اسمه مِسحَل، يلازمه ويلقي على لسانه الشعر، فينتصر به على الخصوم والأعداء، ويفحم به الشعراء الهجائين. وقد صور ذلك في قوله يهجو قوماً استعانوا عليه بشاعر يدعى جهنَّام، فاستعان عليهم بشيطانه: (25):


فلما رأيت الناس للشر أقبلوا *** وثابوا إلينا من فصيح وأعجم


دعوت خليلي مسحلا ودعوا له *** جهنَّام جدعاً للهجين المذمم


حباني أخي الجني نفسي فداؤه *** بأفيح جياش العشيات خضرم


فقال ألا فانزل على المجد سابقاً *** لك الخير قلِّدْ إذا سبقت وأنعم


وقد ذكره في موضع آخر من شعره، وأشار إلى أنه خليل يلازمه دائماً، وأنه شيطان شعر يعينه على إجادة الشعر والنبوغ فيه(26):


وما كنت شاحرداً ولكن حسبتني *** إذا مسحلٌ سدَّى لي القول أنطق


شريكان فيما بيننا من هوادة *** صفيان: جني وانس موفق


يقول، فلا أعيا لشيء أقوله *** كفاني لا عيٌ ولا هو أخرقِ


وكان حسان بن ثابت يزعم أيضاً أن له جنياً يلهمه الشعر، ويوشيه أحسن الوشي، ويجوده فيظفر به على الشعراء(27):


لا أسرق الشعراء ما نطقوا *** بل لا يوافق شعرهم شعري


أني أبى لي ذلكم حسبي *** ومقالة كمقاطع الصخر


وأخي من الجن البصير إذا *** حال الكلام بأحسن الحبر


وعلى هذا فإن الجن قد ينفعون الناس فيقدمون لهم العون ويلهمونهم الجيد من الشعر إذ كانوا شعراء. غير أن منفعتهم تكاد تكون في مجال ضيق، وفي حوادث قليلة، أما ضررهم فهو المشهور عنهم.


*قوى الشر:


لقد كان العرب الجاهليون يخشون الجن خشية شديدة، وكانت تشيع بينهم أخبار عن أفراد قتلهم الجن أو اختطفوهم أو سلبوهم شيئاً من إنسانيتهم. "فقد قتلت الجن مرداس ابن أبي عامر، كما قتلت سعد بن عبادة. واستهووا سنان بن حارثة ليستفحلوا، فمات فيهم، واستهووا طالب بن أبي طالب فلم يوجد له أثر، واستهووا عمارة بن الوليد بن المغيرة، ونفخوا في إحليله فصار مع الوحش"(28).


وفضلاً عن ذلك فإن الجن يترصدون بمن يدنون من أماكنهم، متعمداً أو غالطاً، فيثيرون في وجهه التراب، مما يؤدي إلى عماه أو قتله. بل إن منهم متخصصين بشرور معينة حيث أنهم يخبلون الناس ويسلبونهم عقولهم. لذلك سماهم العرب بالخابل والخبل. وقد ذكرهم أوس بن حجر في قوله(29):


لليلى بأعلى ذي معارك منزل *** خلاء تنادى أهله فتحملوا


تبدل حالاً بعد حال عهدته *** تناوح جِنَّان بهن وخبَّل


وافتخر حاتم الطائي بأنه يجود على الإنس والجن من خبل وغيرهم كرماً وعطاء، فقال: (30):


مهلاً، نوار، أقلي اللوم والعذلا *** ولا تقولي لشيء فات ما فعلا


ولا تقولي لمال كنت مهلكه *** مهلاً، وإن كنت أعطي الجن والخبلا


وكان من أعظم مصائبهم وأقسى شرورهم ما يسببونه من داء قاتل ومرض مميت هو الطاعون، إذ كان الجاهليون يتصورون طعناً من الشيطان، لذلك دعوا الطاعون برماح الجن. وقد زعم هذا الزعم حسان بن ثابت حين أرجع طاعوناً حل بالشام إلى وخز الجن، فقال(31):


فأعجل القوم عن حاجاتهم شغل *** من وخز جن بأرضِ الروم مذكور


ولخوفهم الشديد من شر الجن فإن كثيراً منهم كانوا، إذا نزلوا أرضاً منقطعة عن العمران قام أحدهم واستعاذ بالجني، سيد تلك الأرض، ليدرأ عنهم الأذى، وقد أشار القرآن الكريم إلى هذا الأمر في قوله تعالى: {وأنه كان رجال من الإنس يعوذون برجال من الجن فزادوهم رهقاً}(32).


وجاء في تفسير الآية: "كانت عادة العرب في الجاهلية أنهم إذا نزلوا وادياً أو مكاناً موحشاً، من البراري، وغيرها، يعوذون بعظيم ذلك المكان من الجان أن يصيبهم بشيء يسوؤهم، كما كان أحدهم يدخل بلاد أعدائه في جوار رجل كبير وذمامه وخفارته، فلما رأت الجن أن الإنس يعوذون بهم من خوفهم منهم، زادوهم رهقاً أي خوفاً وإرهاباً وذعراً"(33).


وحينما كانوا يعوذون بالجن فإنهم كانوا يخاطبونهم بلهجة، فيها التذلل لهم والتمجيد لسيدهم، كي يمن عليهم بالرعاية و الحماية، قال أحدهم، وقد نزل أرضاً موحشة(34):


هيا صاحب الشجراء هل أنت مانعي *** فإني ضيف نازل بفنائكا


وإنك للجنَّان في الأرض سيد *** ومثلك آوى في الظلام الصعالكا


ولكن يبدو أن التعوذ لا يفيد دائماً، فهذا رجل استعاذ بعظيم واد نزل فيه ليحميه هو وولده، فلم يمنع ذلك من أن يأتي أسد ويفترس ابنه، فعبر عن خيبته بقوله (35):


قد استعذنا بعظيم الوادي *** من شر مافيه من الأعادي


فلم يجرنا من هزبر عادي


فكائنات الجن تملأ الصحراء، ولاسيما الأماكن النائية عن العمران، وللجن في مخيلة العرب الجاهليين أشكال هائلة مخيفة، وقوى للخير ينفعون بها الناس، وقوى للشر ترهبهم وتفزعهم. ولعلنا لا نغلو إذا قلنا أنه لو اكتملت لدينا تفصيلات أكثر عن تلك الحوادث وأمثالها من عالم الجن لجلِّيت لنا أساطير عربية متكاملة، لا تقل عن أساطير الإغريق القدماء خصباً في الخيال وغنى في التصوير.


***


*الحواشي:


(1) السيرة النبوية: 1/ 423.


(2) شرح ديوان حسان بن ثابت: ص 423.


(3) الحيوان: 6/215.


(4) الديوان: ص 251.


(5) الديوان: ص37.


(6) الديوان: ص59.


(7) الديوان: ص 212.


(8) الديوان: ص134.


(9) الديوان: ص 203.


(10) الحيوان: ص6/ 47.


(11) الحيوان: ص 6/ 197.


(12) أخبار مكة: 2/ 12.


(13) الديوان: ص 317.


(14) الديوان: ص 367.


(15) الحيوان: 6/ 189.


(16) الديوان: ص 35.


(17) الحيوان: 6/ 189.


(18) الديوان: ص 91.


(19) الديوان: ص200.


(20) الديوان: ص13.


(21) الحيوان: 6/ 215.


(22) الحيوان: 6/ 182.


(23) عجائب المخلوقات: ص 239.


(24) الحيوان: 6/ 225.


(25) الديوان: ص 125.


(26) الديوان: ص 221.


(27) الديوان: ص 173.


(28) الحيوان: 6/ 208 210.


(29) الديوان: ص94.


(30) الديوان: ص73.


(31) الديوان: ص219.


(32) سورة الجن: الآية 6.


(33) تفسير ابن كثير: 4/ 428.


(34) بلوغ الأرب: 2/ 326.


(35) بلوغ الأرب: 2/ 326.


***


*مصادر البحث:


فضلاً عن القرآن الكريم ودواوين الشعراء المذكورين فإن أهم المصادر هي:


أخبار مكة للأزرقي: مكة 1325ه.


بلوغ الإرب في معرفة أحوال العرب، لمحمود شكري الألوسي: مصر 1342ه.


الحيوان: للجاحظ: تحقيق عبد السلام هارون، القاهرة: 1965.


عجائب المخلوقات وغرائب الموجودات للقزويني: 1970.





مجلة التراث العربي-مجلة فصلية تصدر عن اتحاد الكتاب العرب-دمشق العدد 20 - السنة الخامسة - تموز "يوليو" 1985 - ذو القعدة 1405



 
 توقيع : العائذ بالله

من تكلم فى غير فنه أتى بالعجائب


رد مع اقتباس