04 Apr 2010, 03:28 AM
|
#9
|
|
وسام الشرف
|
بيانات اضافيه [
+
]
|
|
رقم باحث : 8176
|
|
تاريخ التسجيل : Jan 2010
|
|
أخر زيارة : 08 Aug 2011 (06:14 AM)
|
|
المشاركات :
1,109 [
+
] |
|
التقييم : 10
|
|
|
لوني المفضل : Cadetblue
|
|
ص -256- والأذن واللسان فيرى القبيح حسنا منه ومن معشوقه كما في المسند مرفوعا"حبك الشيء يعمي ويصم"فهو يعمي عين القلب عن رؤية مساوي المحبوب وعيوبه فلا ترى العين ذلك ويصم أذنه عن الإصغاء إلى العذل فيه فلا تسمع الأذن ذلك والرغبات تستر العيوب فإن الراغب في شيء لا يرى عيوبه حتى إذ زالت رغبته فيه أبصر عيوبه فشدت الرغبة غشاوة علي العين تمنع من رؤية الشيء علي ما هو عليه كما قيل:
هويتك إذ عينى عليها غشاوة فلما انجلت قطعت نفسي ألومها
والداخل في الشيء لا يرى عيوبه والخارج منه الذي لم يدخل فيه لا يرى عيوبه ولا يرى عيوبه إلاّ من دخل فيه ثم خرج منه ولهذا كان الصحابة الذين دخلوا في الإسلام بعد الكفر خير من الذين ولدوا في الإسلام.
قال: عمر بن الخطاب رضي الله عنه"إنما ينتقض عرى الإسلام عروة عروة إذا ولد في الإسلام من لا يعرف الجاهلية".
وأما فساده للحواس ظاهرا فإنه يمرض البدن وينهكه وربما أدى إلى تلفه كما هو المعروف في أخبار من قتله العشق.
وقد رفع إلى ابن عباس وهو بعرفة شاب قد انتحل حتى عاد جلدا علي عظم فقال: ما شأن هذا؟ قالوا: به العشق, فجعل ابن عباس يستعيذ بالله من العشق عامة يومه.
الثامن:أن العشق كما تقدم هو الإفراط في المحبة بحيث يستولي المعشوق علي القلب من العاشق حتى لا ولو من تخيله وذكره والفكر فيه بحيث لا يغيب عن خاطره وذهنه فعند ذلك تشتغل النفس عن استخدام القوة الحيوانية
ص -257- النفسانية فتتعطل تلك القوى فيحدث بتعطيلها من الآفات علي البدن والروح ما يضر دواؤه ويتعذر أفعاله وصفاته ومقاصده ويختل جميع ذلك فتعجز البشر عن صلاحه كما قيل:
الحب أول ما يكون لجاجة يأتي بها وتسوقه الأقدار
حتى إذا خاض الفتى لجج الهوى جاءت أمور لا تطاق كبار
والعشق مبادئه سهلة حلوة وأوسطه هم وشغل قلب وسقم وآخره عطب وقتل إن لم يتداركه عناية من الله كما قيل:
وعش خاليا فالحب أوله عنا وأوسطه سقم وآخره قتل
وقال آخر:
تولع بالعشق حتى عشق فلما استقل به لم يطق
رأى لجة ظنها موجة فلما تمكن منها غرق
والذنب له فهو الجاني علي نفسه وقد قعد تحت المثل السائر"يداك أوكتا وفوك نفخ".
فصل:
والعاشق له ثلاث مقامات: مقام ابتداء ومقام توسط ومقام انتهاء.
فأما مقام ابتدائه قالوا: فالواجب عليه مدافعته بكل ما يقدر عليه إذا كان الوصول إلى معشوقه متعذرا قدرا وشرعا فإن عجز عن ذلك وأبى قلبه إلاّ السفر إلى محبوبه -وهذا مقام التوسط والانتهاء- فعليه كتمانه ذلك وأن لا يفشيه إلى الخلق ولا يشمت بمحبوبه ويهتكه بين الناس فيجمع بين الظلم والشرك
ص -258- فإن الظلم في هذا الباب من أعظم أنواع الظلم وربما كان أعظم ضررا علي المعشوق وأهله من ظلمه فإنه يعرض المعشوق بهتكه في عشقه إلى وقوع الناس فيه وانقسامهم إلى مصدق ومكذب وأكثر الناس يصدق في هذا الباب بأدنى شبهة وإذا قيل فلان فعل بفلان أو بفلانه كذبه واحد وصدقه تسعمائة وتسعة وتسعين وخبر العاشق للهتك عن المتهتك عند الناس في هذا الباب يفيد القطع اليقيني بل إذا أخبرهم المفعول به عن نفسه كذبا وافتراء علي غيره جزموا بصدقة جزما لا يحتمل النقيض بل لو جمعهما مكانا واحدا اتفاقا جزموا إن ذلك عن وعد واتفاق بينهما وجزمهم في هذا الباب علي الظنون والتخييل والشبهة والأوهام والأخبار الكاذبة كجزمهم بالحسيات المشاهدة وبذلك وقع أهل الإفك في الطيبة المطيبة حبيبة رسول الله صلى الله عليه وسلم المبرأة من فوق سبع سموات بشبهة مجيء صفوان بن المعطل بها وحده خلف العسكر حتى هلك من هلك ولولا إن تولي الله سبحانه براءتها والذب عنها وتكذيب قاذفها لكان أمرا آخر.
والمقصود: إن في إظهار المبتلي عشق من لا يحل له الاتصال به من ظلمه وأذاه ما هو عدوان عليه وعلي أهله وتعريض لتصديق كثير من الناس ظنونهم فيه فإن استعان عليه ممن يستميله إليه إما برغبة أو رهبة تعدى الظلم وانتشر وصار ذلك الواسطة بين الراشي والمرتشي وصار ذلك الواسطة ظالم وإذا كان النبي صلى الله عليه وسلم قد لعن الرائش وهو الواسطة ديوثا ظالما بين الراشي أو المرتشي لإيصال الرشوة فما الظن بالديوث الواسطة بين العاشق والمعشوق في الوصلة المحرمة فيتساعد العاشق علي ظلم المعشوق وغيره ممن يتوقف حصول غرضهما علي ظلمه في نفس ومال أو عرض فإن كثيرا ما يتوقف حصول المطلوب غرضه نفس يكون حياتها مانعة من غرضه وكم قتيل طل دمه بهذا السبب من زوج وسيد قريب وكم
ص -259- خبثت امرأة على بعلها وجارية وعبد على سيدهما وقد لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم من فعل ذلك وتبرأ منه وهو من أكبر الكبائر وإذا كان النبي صلى الله على ه وسلم قد نهى إن يخطب الرجل على خطبة أخيه وأن يستام على سومه فكيف بمن يسعى بالتفريق بينه وبين امرأته وأمته حتى يتصل بهما وعشاق الصور ومساعدوهم من الدياثة لا يرون ذلك ذنبا فإن في طلب العاشق وصل معشوقه ومشاركة الزوج والسيد ففي ذلك من إثم ظلم الغير ما لعله لا يقصر عن إثم الفاحشة إن لم يرب على ها ولا يسقط حق الغير بالتوبة من الفاحشة فإن التوبة وإن أسقطت حق الله فحق العبد باق له المطالبة به يوم القيامة فإن من ظلم الوالد بإفساد ولده وفلذة كبده ومن هو أعز عليه من نفسه وظلم الزوج بإفساد حبيبته والجناية على فراشه أعظم من ظلمه كله ولهذا يؤذيه ذلك أعظم مما يؤذيه ولا يعدل ذلك عنده إلاّ سفك دمه فيا له من ظلم أعظم إثماً من فعل الفاحشة فإن كل ذلك حقا لغاز في سبيل الله وقف له الجاني الفاعل يوم القيامة وقيل له:"خذ من حسناته ما شئت"كما أخبر بذلك النبي صلى الله على ه وسلم ثم قال صلى الله على ه وسلم:"فما ظنكم؟"أي فما تظنون تبقى له من حسناته فإن انضاف إلى ذلك إن يكون المظلوم جارا أو ذا رحم محرم تعدد الظلم وصار ظلما مؤكدا لقطيعة الرحم وإيذاء الجار ولا يدخل الجنة قاطع رحم ولا من لا يأمن جاره بوائقه.
فإن استعان العاشق على وصال معشوقه بشياطين الجن إما بسحر
ص -260- أو استخدام أو نحو ذلك ضم إلى الشرك والظلم كفر السحر فإن لم يفعله هو ورضي به كان راضيا بالكفر غير كاره لحصول مقصوده وهذا ليس ببعيد من الكفر.
والمقصود: إن التعاون في هذا الباب تعاون على الإثم والعدوان.
وأما ما يقترن بحصول غرض العاشق من الظلم المنتشر المتعدي لا يخفى فإنه إذا حصل له مقصوده من المعشوق فللمعشوق أمور أخر يريد من العاشق إعانته على ها فلا يجد من إعانته بدا فيبقى كل منهما يعين الأخ على الظلم والعدوان فالمعشوق يعين العاشق على ظلم من اتصل به من أهله وأقاربه وسيده وزوجه والعاشق يعين المعشوق على ظلم من يكون غرض المعشوق متوقفا على ظلمه فكل منهما يعين الآخر على أغراضه التي يكون فيها ظلم الناس فيحصل العدوان والظلم للناس بسبب اشتراكهما في القبح لتعاونهما بذلك على الظلم وكما جرت به العادة بين العشاق والمعشوقين من إعانة العاشق لمعشوقه على ما فيه ظلم وعدوان وبغي حتى ربما يسعى له في منصب لا يليق به ولا يصلح لمثله في تحصيل مال من غير حله وفي استطالته على غيره فإذا اختصم معشوقه وغيره أو تشاكيا لم يكن إلاّ في جانب المعشوق ظالما كان أو مظلوما هذا إلى ما ينضم إلى ذلك من ظلم العاشق للناس بالتحيل على أخذ أموالهم والتوصل بهما إلى معشوقه بسرقة أو غصب أو خيانة أو يمين كاذبة أو قطع طريق ونحو ذلك وربما أدى ذلك النفس التي حرم الله ليتوصل به إلى معشوقه.
فكل هذه الآفات وأضعافها وأضعاف أضعافها تنشأ من عشق الصور وربما حمله على الكفر الصريح وقد تنصر جماعة ممن نشأ في الإسلام بسبب العشق كما جرى لبعض المؤذنين حين أبصر وهو على سطح مسجد امرأة جميلة ففتن بها ونزل
ص -261- ودخل على ها وسألها نفسها فقالت: هي نصرانية فإن دخلت في ديني تزوجت بك ففعل فرقي في ذلك اليوم على درجة عندهم فسقط منها فمات ذكر هذا عبد الحق في كتاب العاقبة له.
وإذا أراد النصارى إن ينصروا الأسير أروه امرأة جميلة وأمروها إن تطمعه في نفسها حتى إذا تمكن حبها من قلبه بذلت له نفسها إن دخل في دينها فهنالك {يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ}.,في وفي العشق من ظلم كل واحد من العاشق والمعشوق لصاحبه لمعاونته له على الفاحشة وظلمه لنفسه فكل منهما ظالم لنفسه وصاحبه وظلمهما متعد إلى الغير كما تقدم وأعظم من ذلك ظلمهما بالشرك فقد تضمن العشق أنواع الظلم كلها والمعشوق إذا لم يتق الله فإنه يعرض العاشق للتلف وذلك ظلم منه بأن يطمعه في نفسه ويتزين له ويستميله بكل طريق حتى يستخرج ونفعه ولا يمكنه من نفسه لئلا يزول غرضه بقضاء وطره منه فهو يسومه سوء العذاب والعاشق معشوقه ليشفي نفسه منه ولا سيما إذا جاد بالوصال لغيره وكم للعشق من قتيل من الجانبين وكم قد أزال من نعمة وأفقر من غني وأسقط من مرتبة وشتت من شمل وكم أفسد من أهل للرجل وولد فإن المرأة إذا رأت بعلها عاشقا لغيرها اتخذت هي معشوقا لنفسها فيصير الرجل مترددا بين خراب بيته بالطلاق وبين القيادة فمن الناس من يؤثر هذا ومنهم من يؤثر هذا.
فعلى العاقل إن يحكم على نفسه سد عشق الصور لئلا يؤذيه ويؤديه ذلك إلى الهلاك يبك هذه المفاسد وأكثرها أو بعضها فمن فعل ذلك فهو المفرط بنفسه والمغرر بها فإذا هلكت فهو الذي أهلكها فلولا تكراره النظر إلى وجه معشوقه وطمعه في
ص -262- وصاله لم يتمكن عشقه من قلبه فإن أول أسباب العشق الاستحسان سواء تولد عن نظر أو سماع فإن لم يقارنه طمع في الوصال وقارنه الإياس من ذلك لم يحدث له العشق فإن اقترن به الطمع فصرفه عن فكره ولم يشغل قلبه به لم يحدث له ذلك فإن أطاع مع ذلك الفكر في محاسن المعشوق وقارنه خوف ما هو أكبر عنده من لذة وصاله إما خوف ديني كخوف النار وغضب الجبار واجتناب الأوزار وغلب هذا الخوف على ذلك الطمع والفكر لم يحدث له العشق فإن فاته هذا الخوف وقارنه خوف دنيوي كخوف إتلاف نفسه وماله وذهاب جاهه وسقوط مرتبته عند الناس وسقوطه من عين من يعز عليه وغلب هذا الخوف لداعي العشق دفعه وكذلك إذا خاف من فوات محبوب هو أحب إليه وأنفع له من ذلك المعشوق وقدم محبته على محبة المعشوق اندفع عنه العشق فإن انتفى ذلك كله أو غلبت محبة المعشوق لذلك انجذب إليه القلب بالكلية ومالت إليه النفس كل الميل فإن قيل: قد ذكرتم آفات العشق ومضاره ومفاسده فهلا ذكرتم منافعه وفوائده التي من جملتها: رقة الطبع وترويح النفس وخفتها وزوال تلفها ورياضتها وحملها على مكارم الأخلاق من الشجاعة والكرم والمروءة ورقة الحاشية ولطف الجانب؟
وقد قيل ليحيى بن معاذ الرازي: إن ابنك قد عشق فلانة فقال: الحمد لله الذي صيره إلى الطبع الآدمي.
|
|
|
|