04 Apr 2010, 03:28 AM
|
#38
|
|
وسام الشرف
|
بيانات اضافيه [
+
]
|
|
رقم باحث : 8176
|
|
تاريخ التسجيل : Jan 2010
|
|
أخر زيارة : 08 Aug 2011 (06:14 AM)
|
|
المشاركات :
1,109 [
+
] |
|
التقييم : 10
|
|
|
لوني المفضل : Cadetblue
|
|
ص -250- تضمحل عند امتناع زوجته أو سريته وإبائها بحيث لا يعاودها ومنهم من يتضاعف حبه وإرادته بالمنع ويشتد شوقه بكل ما منع وتحصل له من اللذة بالظفر نظير ما يحصل من لذة بالظفر بالضد بعد امتناعه ونفاره واللذة بإدراك المسألة بعد استصعابها وشدة الحرص علي إدراكها.
السابع: أنها طلبت وأرادت وبذلت الجهد فكفته مؤنة الطلب وذل الرغبة إليها بل كانت هي الراغبة الذليلة وهو العزيز المرغوب إليه.
الثامن: إنه في دارها وتحت سلطانها وقهرها بحيث يخشى إن لم يطاوعها من إذا هاله فاجتمع داعي الرغبة والرهبة.
التاسع: إنه لا يخشى إن تنم عليه هي ولا أحد من جهتها فإنها هي الطالبة والرغبة وقد غلقت الأبواب وغيبت الرقباء.
العاشر: أنه كان مملوكا لها في الدار بحيث يدخل ويخرج ويحضر معها ولا ينكر عليه وكان الأنس سابقا علي الطلب وهو من أقوى الدواعي كما قيل لامرأة شريفة من أشراف العرب: ما حملك علي الزنا؟ قالت: قرب الوسادة وطول السرار تعني قرب وساد الرجل من وسادتي وطول السرار بيننا.
الحادي عشر: أنها استعانت عليه بأئمة المكر والاحتيال فأرته إياهن وشكت حالها إليهن لتستعين بهن عليه فاستعان هو بالله عليهن فقال: {وَإِلا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إليهنَّ وَأَكُنْ مِنَ الْجَاهِلِينَ}.
الثاني عشر: أنها تواعدته بالسجن والصغار وهذا أنواع إكراه إذ هو تهديد ممن يغلب علي الظن وقوع ما هدد به فيجتمع داعي الشهوة وداعي السلامة من ضيق السجن والصغار.
ص -251- الثالث عشر: إن الزوج لم يظهر منه الغيرة والنخوة ما راحم به بينهما ويبعد كلا منهما عن صاحبه بل كان غاية ما قابلها به إن قال ليوسف: {أَعْرِضْ عَنْ هَذَا} وللمرأة {إِنَّكِ كُنْتِ مِنَ الْخَاطِئِينَ} وشدة الغيرة للرجل من أقوى الموانع وهذا لم يظهر منه غيرة.
ومع هذه لدواعي كلها فآثر مرضات الله وخوفه وحمله حبه لله علي إن اختار السجن علي الزنا {قَالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إلى مِمَّا يَدْعُونَنِي إليه} وعلم أنه لا يطيق صرف ذلك عن نفسه وأن ربه تعالى لم يعصمه ويصرف عنه كيدهن صبا إليهن بطبعه وكان من الجاهلين وهذا من كمال معرفته بربه وبنفسه.
وفي هذه القصة من العبر والفوائد والحكم ما يزيد علي ألف فائدة لعلنا إن وفقنا الله إن نفردها في مصنف مستقل.
فصل:
والطائفة الثانية الذين حكى الله عنهم العشق: هم اللوطية كما قال تعالى: {وَجَاءَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ يَسْتَبْشِرُونَ قَالَ إن هَؤُلاءِ ضَيفِي فَلا تَفْضَحُونِ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَلا تُخْزُونِ قَالُوا أَوَلَمْ نَنْهَكَ عَنِ الْعَالَمِينَ قَالَ هَؤُلاءِ بَنَاتِي إن كُنْتُمْ فَاعِلِينَ لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ} فهذه الأمة عشقت حكاه سبحانه عن طائفتين عشق كل منهما ما حرم عليه من الصور ولم يبال بما في عشقه من الضرر.
وهذا داء أعيا الأطباء دواؤه وعز عليهم شفاؤه وهو والله الداء العضال والسم القتال الذي ما علق بقلب إلاّ وعز علي الورى استنقاذه من إساره ولا اشتعلت نار في مهجة إلاّ وصعب علي الخلق تخليصها من ناره وهو أقسام:
ص -252- تارة يكون كفرا لمن اتخذ معشوقه ندا يحبه كما يحب الله فكيف إذا كانت محبته أعظم من محبة الله في قلبه؟ فهذا عشق لا يغفر لصاحبه فإنه من أعظم الشرك. والله لا يغفر إن يشرك به وإنما يغفر بالتوبة الماحية ما دون ذلك وعلامة هذا العشق الشركي الكفرى: إن يقدم العاشق رضاء معشوقه علي رضاء ربه وإذا تعارض عنده حق معشوقه وحقه وحق ربه وطاعته قدم حق معشوقه علي حق ربه وآثر رضاه علي رضاه وبذل لمعشوقه أنفس ما يقدر عليه وبذل لربه إن بذل أردى ما عنده وستفرغ وسعه في مرضات معشوقه وطاعته والتقرب إليه وجعل لربه إن أطاعه الفضلة التي تفضل عن معشوقه من ساعاته.
فتأمل حال أكثر عشاق الصور هل تحدها مطابقة لذلك ثم ضع حالهم في كفة وتوحيدهم في كفة وإيمانهم في كفة ثم زن وزنا يرضي الله ورسوله ويطابق العدل وربم صرح العاشق منهم بأن وصل معشوقه أحب إليه من توحيد ربه كما قال العاشق الخبيث:
يترشفن من فمي رشفات هن أحلي فيه من التوحيد
وكما صرح الخبيث الآخر إن وصله أشهى إليه من رحمة ربه فعياذا بك اللهم من هذا الخذلان ومن هذا الحال قال الشاعر:
وصلك أشهى إلى فؤادي من رحمة الخالق الجليل
ولا ريب أن هذا العشق من أعظم الشرك وكثير من العشاق يصرح بأنه لم يبق في قلبه موضع لغير معشوقه البتة بل قد ملك معشوقه عليه قلبه كله فصار عبدا مخلصا من كل وجه لمعشوقه: فقد رضي هذا من عبودية الخالق جل جلاله بعبودية المخلوق مثله فإن العبودية أي كمال الحب والخضوع وهذا قد استغرق قوة حبه وخضوعه وذله لمعشوقه فقد أعطاه حقيقة العبودية.
ص -253- ولا نسبة بين مفسدة هذا الأمر العظيم ومفسدة الفاحشة فإن تلك ذنب كبير لفاعله حكمه حكم أمثاله ومفسدة هذا العشق مفسدة الشرك وكان بعض الشيوخ من العارفين يقول: لئن أبتلي بالفاحشة مع تلك الصورة أحب إلى من إن أبتلي فيها بعشق يتعبد لها قلبي ويشغله عن الله.
فصل:
ودواء هذا الداء القتال إن يعرف إنما ما بتلي به من الداء المضاد للتوحيد (إنما هو من جهله وغفلة قلبه عن الله فعليه إن يعرف توحيد ربه وسننه وآياته أولا) ثم يأتي من العبادات الظاهرة والباطنة بم يشغل قلبه عن دوام الفكر فيه ويكثر اللجاء والتضرع إلى الله سبحانه في صرف ذلك عنه وأن يرجع بقلبه إليه وليس له دواء أنفع من الإخلاص لله وهو الدواء الذي ذكره الله في كتابه حيث قال: {كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ}.
وأخبر سبحانه أنه صرف عنه السوء من العشق والفحشاء من الفعل بإخلاصه فإن القلب إذا خلص وأخلص عمله لله لم يتمكن منه عشق الصور فإنه إنما يتمكن من قلب فارغ كما قال:
أتاني هواها قبل إن أعرف الهوى فصادف قلبا خاليا فتمكنا
وليعلم العاقل إن العقل والشرع قد يوجبان تحصيل المصالح وتكميلها وإعدام المفاسد وتقليلها فإذا عرض للعاقل أمر يرى فيه المصلحة والمفسدة وجب عليه أمران: أمر علمي وأمر عملي فالعلمي طلب معرفة الراجح من طرفي المصلحة والمفسدة فإذا تبين له الرجحان وجب عليه إيثار الأصلح له.
ص -254- ومن المعلوم أنه ليس في عشق الصور مصلحة دينية ولا دنيوية بل مفسدته الدينية والدنيوية أضعاف أضعاف ما يقدر فيه من المصلحة وذلك من وجوه:
أحدها: الاشتغال بذكر المخلوق وحبه عن حب الرب تعالى وذكره فلا يجتمع في القلب هذا وهذا إلاّ ويقهر أحدهما صاحبه ويكون السلطان والغلبة له.
لثاني: عذاب قلبه به فإن من أحب شيئا غير الله عذب به ولا بد كما قيل:
فما في الأرض أشقى من محب وإن وجد الهوى حلو المذاق
تراه باكيا في كل حين مخافة فرقة أو لاشتياق
فيبكي إن نأوا شوقا إليهم ويبكي إن دنو خوف الفراق
فتسخن عينه عند الفراق وتسخن عينه عند التلاقي
والعشق وإن استلذ به صاحبه فهو من أعظم عذاب القلب.
الثالث: إن العاشق قلبه أسير في قبضة معشوقه يسومه الهوان ولكن لسكرة العشق لا يشعر بمصابه فقلبه كالعصفورة في كف الطفل يسومها حياض الردى والطفل يلهو ويلعب كما قال بعض هؤلاء:
ملكت فؤادي بالقطيعة والجفا وأنت خلي البال تلهو وتلعب
فيعيش العاشق عيش الأسير الموثق المطلقويعيش الخلي عيش المسيب
طليق برأي العين وهو أسير عليل علي قطب الهلاك يدور
وميت يرى في صورة الحي غاديا وليس له حتى النشور نشور
أخو غمرات ضاع فيهن قلبه فليس له حتى الممات حضور
الرابع: أنه يشتغل به عن مصالح دينه ودنياه فليس شيء أضيع لمصالح
ص -255- الدين والدنيا من عشق الصور إما مصالح الدين فإنها منوطة بلم شعث القلب وإقباله علي الله وعشق الصور أعظم شيئا تشعيثا وتشتيتا له وأما مصالح الدنيا فهي تابعة في الحقيقة لمصالح الدين فمن انفرطت عليه مصالح دينه وضاعت عليه فمصالح دنياه أضيع وأضيع.
الخامس: إن آفات الدنيا والآخرة أسرع إلى عشاق الصور من النار في يابس الحطب وسبب ذلك إن القلب كلما قرب من العشق قوى اتصاله به بعد من الله فأبعد القلوب من الله قلوب عشاق الصور وإذا بعد القلب من الله طرقته الآفات من كل ناحية فإن الشيطان يتولاه من تولاه عدوه واستولي عليه لم يدع أذى يمكنه إيصاله إليه إلاّ أوصله فما الظن من قلب تمكن منه عدوه وأحرص الخلق علي عيبه وفساده وبعده من وليه ومن لا سعادة له ولا فلاح ولا سرور إلاّ بقربه وولايته.
السادس: أنه إذا تمكن من القلب واستحكم وقوى سلطانه أفسد الذهن وأحدث الوساوس وربما التحق صاحبه بالمجانين الذين فسدت عقولهم فلا ينتفعون به وأخبار العشاق في ذلك موجودة في مواضعها بل بعضها يشاهد بالعيان وأشرف ما في الإنسان عقله وبه يتميز عن سائر الحيوانات فإن عدم عقله التحق بالبهائم بل ربما كان حال الحيوان أصلح من حاله وهل أذهب عقل مجنون ليلي وأضرابه إلاّ العشق؟ وربما زاد جنونه علي جنون غيره كما قيل:
قالوا: جننت بمن تهوى فقلت لهم العشق أعظم مما بالمجانين
العشق لا يستفيق الدهر صاحبه وإنما يصرع المجنون بالحين
السابع: أنه ربما أفسد الحواس أو نقصها إما فسادا معنويا أو صوريا إما الفساد المعنوي فهو تابع لفساد القلب فإن القلب إذا فسد فسدت العين
|
|
|
|