عرض مشاركة واحدة
قديم 04 Apr 2010, 03:21 AM   #35
محمد الغماري
وسام الشرف


الصورة الرمزية محمد الغماري
محمد الغماري غير متصل

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم باحث : 8176
 تاريخ التسجيل :  Jan 2010
 أخر زيارة : 08 Aug 2011 (06:14 AM)
 المشاركات : 1,109 [ + ]
 التقييم :  10
لوني المفضل : Cadetblue


ص -228- لأقواهما محبة كما أنه يفعل ما يكره لحصول ما محبته أقوي عنده من كراهة ما يفعله أو لخلاصه من مكروه
وتقدم إن خاصية العقل إيثار علي المحبوبين علي أدناهما وأيسر المكروهين علي أقواهما وتقدم إن هذا من الكمال قوة الحب والبغض.
ولا يتم له هذا إلاّ بأمرين قوة الإدراك وشجاعة القلب فإن التخلف عن ذلك والعمل بخلافه يكون إما بضعف الإدراك بحيث أنه لم يدرك مراتب المحبوب والمكروه علي ما كان عليه إما لضعف في النفس وعجز في القلب بحيث لا يطاوعه الإيثار الأصلح له مع علمه بأنه الأصلح فإذا علمني إدراكه وقويت نفسه وتشجع قلبه علي إيثار المحبوب الأعلى والمكروه الأدنى فقد وفق لأسباب السعادة.
فمن الناس من يكون سلطان شهوته أقوي من سلطان عقله وإيمانه فيقهر الغالب الضعيف ومنهم من يكون سلطان إيمانه وعقله أقوى من سلطان شهوته وإذا كان كثير من المرضى يحميه الطبيب عما يضره فتأبى عليه نفسه وشهوته إلاّ تناوله ويقدم شهوته علي عقله وتسميه الأطباء: عديم المروءة فهكذا أكثر مرضى القلب يؤثرون ما يزيد مرضهم لقوة شهوتهم له.
فأصل الشر من ضعف الإدراك وضعف النفس ودناءتها وأصل الخير من كمال الإدراك وقوة النفس وشرفها وشجاعتها.
فالحب والإرادة أصل كل فعل ومبدأه والبغض والكراهة أصل كل ترك ومبدأه وهاتان القوتان في القلب أصل سعادته وشقاوته.
ووجود الفعل الاختياري لا يكون إلاّ بوجود سببه من الحب والإرادة.
وأما عدم الفعل فتارة يكون لعدم مقتضاه وسببه وتارة يكون لوجود البغض والكراهة المانع منه وهذا متعلق الأمر والنهى وهو الذي يسمى الكف





ص -229- وهو متعلق الثواب والعقاب وبهذا يزول الاشتباه في مسألة الترك هل هو أمر وجودي أو عدمي؟ والتحقيق أنه قسمان فالترك المضاف إلى عدم السبب المقتضي عدمي والمضاف إلى السبب المانع من الفعل وجودي.
فصل:
وكل واحد من الفعل والترك الاختياريين فإنما يؤثر الحي لما فيه من الحصول والمنفعة التي يلتذ بحصولها أو زوال الألم الذي يحصل له الشفاء بزواله ولهذا يقال شفاء صدره وشفاء قلبه قال:

هي الشفاء لداء لوظفرت بها وليس منها شفاء الداء مبذول

وهذا مطلوب يؤثره العاقل حتى الحيوان البهيم ولكن يغلط فيه أكثر الناس غلطا قبيحا فيقصد حصول اللذة بما يعقب عليه أعظم الألم فيؤلم نفسه من حيث يظن أنه يحصل لذتها ويشفى قلبه بما يعقب عليه غاية المرض وهذا شأن من قصر نظره علي العاجل ولم يلاحظ العواقب وخاصة العقل النظر في العواقب فأعقل الناس من أثر لذة نفسه وراحته في الآجلة الدائمة علي العاجلة المنقضية الزائلة وأسفه الخلق من باع نعيم الأبد وطيب الحياة الدائمة واللذة العظمى التي لا تنغيص فيها ولا نقص بوجه ما بلذة منقضية مشوبة بالآلام والمخاوف وهي سريعة الزوال وشيكة الانقضاء.
قال بعض العلماء: فكرت في سعي العقلاء فرأيت سعيهم كلهم في مطلوب واحد وإن اختلفت طرقهم في تحصيله رأيتهم جميعهم إنما يسعون في دفع الهم والغم عن نفوسهم فهذا في الأكل والشرب وهذا في التجارة والكسب وهذا بالنكاح وهذا بسماع الغناء والأصوات المطربة وهذا باللهو واللعب فقلت: هذا المطلوب مطلوب العقلاء ولكن الطرق كلها غير موصلة إليه بل



ص -230- لعل أكثرها إنما يوصل إلى ضده ولم أر في جميع هذه الطرق طريقا موصلا إليه إلاّ الإقبال علي الله وحده ومعالمته وحده وإيثار مرضاته علي كل شيء فإن سالك هذا السلام فاته حظه من الدنيا فقد ظفر بالحظ العالي الذي لا فوت معه وإن حصل للعبد حصل له كل شيء وإن فاته فاته كل شيء وإن ظفر بحظه من الدنيا ناله علي أهني الوجوه فليس للعبد أنفع من هذه الطريق ولا أوصل منها إلى لذته وبهجته وسعادته وبالله التوفيق"
فصل:
والمحبوب قسمان: محبوب لنفسه ومحبوب لغيره ولا بد إن ينتهي إلى المحبوب لنفسه دفعا للتسلسل المحال وكل ما سوى المحبوب الحق فهو محبوب لغيره وليس شيء يحب لذاته لنفسه إلاّ الله وحده وكل ما سواه مما يحب فإنما محبته تبعا لمحبة الرب تبارك وتعالي كمحبة ملائكته وأنبيائه وأوليائه فإنها تبع لمحبته سبحانه وهي من لوازم محبته فإن محبة المحبوب توجب محبة ما يحبه وهذا موضع يجب الاعتناء به فإنه محل فرقان بين المحبة النافعة لغيره والتي لا تنفع بل قد تضر.
فاعلم أنه لا يحبه لذاته إلاّ من كماله من لوازم ذاته وإلهيته وربوبيته وغناه من لوازم ذاته وما سواه فإنما يبغض ويكره لمنافاته محابه ومضادته لها وبغضه وكراهته بحسب قوة هذه المنافاة وضعفها فما كان أشد منافاة لمحابه كان أشد كراهة من الأعيان والأوصاف والأفعال والإرادات وغيرها فهذا ميزان عادل يوزن به موافقة الرب ومخالفته وموالاته ومعاداته فإذا رأينا شخصا يحب ما يكرهه الرب تعالي ويكره ما يحبه علمنا إن فيه من معاداته بحسب ذلك وإذا رأينا الشخص يحب ما يحبه الرب ويكره ما يكرهه وكلما كان الشيء أحب إلى الرب كان أحب إليه وأثره عنده وكلما كان أبغض إليه كان





ص -231- أبغض إليه وأبعد منه علمنا إن فيه من موالاة الرب بحسب ذلك. فتمسك بهذا الأصل غاية التمسك في نفسك وفي غيرك فالولاية عبارة عن موافقة الولي الحميد في محابه ومساخطه ليست بكثرة صوم ولا صلاة ولا تمزق ولا رياضة.
والمحبوب لغيره قسمان أيضا: أحدهما ما يلتذ المحب بإدراكه وحصوله والثاني: ما يتألم به ولكن يحتمله لإفضائه إلى المحبوب كشرب الدواء الكريه قال تعالي: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ وَعَسَى إن تَكْرَهُوا شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى إن تُحِبُّوا شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ}.
فأخبر سبحانه إن القتال مكروه لهم مع إنهم خير لهم لإفضائه إلى أعظم محبوب وأنفعه والنفوس تحب الراحة والدعة والرفاهية وذلك شر لها لإفضائه إلى فوات هذا المحبوب فالعاقل لا ينظر إلى لذة المحبوب العاجل فيؤثرها وألم المكروه العاجل فيرغب عنه فإن ذلك قد يكون شرا له بل قد يجلب عليه غاية الألم وتفوته أعظم اللذة بل عقلاء الدنيا يتحملون المشاق المكروهة لما يعقبهم من اللذة بعدها وإن كانت منقطعة.
فالأمور أربعة: مكروه يوصل إلى مكروه ومكروه يوصل إلى محبوب ومحبوب يوصل إلى محبوب ومحبوب يوصل إلى مكروه فالمحبوب الموصل إلى المحبوب قد اجتمع فيه داعي الفعل من وجهين والمكروه الموصل إلى مكروه قد اجتمع فيه داعي الترك من وجهين.
بقي القسمان الآخران يتجاوز بهما الداعيان- وهما معترك الابتلاء والامتحان- فالنفس توثر أقربهما جوارا منهما وهو العاجل والعقل والإيمان يؤثرا نفعهما وإبقائها والقلب بين الداعيين وهو إلى هذا مرة إلى هذا مرة وهاهنا





ص -232- محل الابتلاء شرعا وقدرا فداعي العقل والإيمان ينادي كل وقت: حي علي الفلاح عند الصباح يحمد القوم السري وفي الممات يحمد العبد التقى فإن اشتد ظلام ليل المحبة وتحكم سلطان الشهوة والإرادة يقول: يا نفس اصبري فما هي إلاّ ساعة ثم تنقضي ويذهب هذا كله ويزول.
فصل:
وإذا كان الحب أصل كل عمل من حق وباطل فأصل الأعمال الدينية حب الله ورسوله كما إن أصل الأقوال الدينية تصديق الله ورسوله وكل إرادة تمنع كمال حب الله ورسوله وتزاحم هذه المحبة وشبهه منع كمال التصديق في معارضة لأصل الإيمان أو مضعفة له فإن قويت حتى عارضت أصلي الحب والتصديق كانت كفرا وشركا أكبر وإن لم تعارضه قدحت في كماله وأثرت فيه ضعفا وفتورا في العزيمة والطلب وهي تحجب الواصل وتقطع الطالب وتنكي الراغب فلا تصلح الموالاة إلاّ بالمعاداة كما قال تعالي: عن إمام الحنفاء المحبين انه قال لقومه {قَالَ أَفَرَأَيْتُمْ مَا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمُ الأَقْدَمُونَ فإنهمْ عَدُوٌّ لِي إِلا رَبَّ الْعَالَمِينَ} فلم يصح لخليل الله هذه الموالاة والخلة إلاّ بتحقيق هذه المعاداة فإنه لا ولائه إلاّ لله ولا ولائه إلاّ بالبراءة من كل معبود سواه قال تعالي: {قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَداً حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ} وقال تعالي: {وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لأَبِيهِ وَقَوْمِهِ إِنَّنِي بَرَاءٌ مِمَّا تَعْبُدُونَ إِلا الَّذِي فَطَرَنِي فإنه سَيَهْدِينِ وَجَعَلَهَا كَلِمَةً بَاقِيَةً فِي عَقِبِهِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ}



ص -233- أي جعل هذه الموالاة لله والبراءة من كل معبود سواه كلمته باقية في عقبه يتوارثها الأنبياء وأتباعهم بعضهم عن بعض وهي كلمة: لا إله إلاّ الله وهي التي ورثها إمام الحنفاء لأتباعه إلى يوم القيامة وهي الكلمة التي قامت بها الأرض والسموات وفطر الله عليها جميع المخلوقات وعليها أسست الملة ونصبت القبلة وجردت سيوف الجهاد وهي محض حق الله علي جميع العباد وهي الكلمة العاصمة للدم والمال والذرية في هذه الدار والمنجية من عذاب القبر وعذاب النار وهي المنشور الذي لا تدخل الجنة إلاّ به والحبل الذي لا يصل إلى الله من لم يتعلق بسببه وهي كلمة الإسلام ومفتاح دار الطريق وبها تنقسم الناس إلى شقي وسعيد ومقبول وطريد وبها انفصلت دار الكفر من دار الإسلام وتميزت دار النعيم من دار الشقاء والهوان وهي العمود الحامل للفرض والسنة"ومن كان آخر كلامه لا إله إلاّ الله دخل الجنة".
وروح هذه الكلمة وسرها: إفراد الرب حبل ثناؤه وتقدست أسماؤه وتبارك اسمه وتعالي جده ولا إله غيره. بالمحبة والإجلال والتعظيم والخوف والرجاء وتوابع ذلك: من التوكل والإنابة والرغبة والرهبة فلا يحب سواه بل كان ما كان يحب غيره فإنما هو تبعا لمحبته وكونه وسيلة إلى زيادة محبته ولا يخاف سواه ولا يرجي سواه ولا يتوكل إلاّ عليه ولا يرغب إلاّ إليه ولا يرهب إلاّ منه ولا يحلف إلاّ باسمه ولا ينذر إلاّ له ولا يتاب إلاّ إليه ولا يطاع إلاّ أمره ولا يحتسب إلاّ به ولا يستغاث في الشدائد إلاّ به ولا يلتجئ إلاّ إليه ولا يسجد إلاّ له ولا يذبح إلاّ له وباسمه يجتمع ذلك في حرف واحد وهو: إن لا يعبد إلا إياه بجميع أنواع العبادة هذا هو تحقيق شهادة إن لا إله إلاّ الله ولهذا حرم الله علي النار من شهد إن لا إله إلاّ الله حقيقة الشهادة ومحال أن يدخل النار من خطبته بحقيقة هذه الشهادة وقام



ص -234- بها كما قال تعالي: {وَالَّذِينَ هُمْ بِشَهَادَاتِهِمْ قَائِمُونَ} فيكون قائما بشهادته في باطنه وظاهره وفي قلبه وقالبه فإن من الناس من تكون شهادته ميتة ومنهم من تكون نائمة إذا نبهت انتبهت ومنهم من تكون مضطجعة ومنهم من تكون إلى القيام أقرب وهي في القلب بمنزلة الروح في البدن فروح ميتة وروح مريضة إلى الموت أقرب وروح إلى الحياة أقرب وروح صحيحة قائمة بمصالح البدن وفي الحديث الصحيح عنه صلي الله عليه وسلم"إني لأعلم كلمة لا يقولها عبد عند الموت إلاّ وجدت روحه لها روحا"فحياة هذه الروح بهذه الكلمة فيها فكما إن حياة البدن بوجود الروح فيه وكما إن من مات علي هذه الكلمة فهو في الجنة يتقلب فيها فمن عاش علي تحقيقها والقيام بها فروحه تتقلب في جنة المأوى وعيشها أطيب عيش قال تعالي: {وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى فإن الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى} فالجنة مأواه يوم اللقاء؟ وجنة المعرفة والمحبة والأنس بالله والشوق إلى لقائه والفرح به والرضا عنه وبه مأوى روحه في هذه الدار فمن كانت هذه الجنة مأواه هاهنا كانت جنة الخلد مأواه يوم المعاد ومن حرم هذه الجنة فهو لتلك الجنة أشد حرمانا والأبرار في نعين وإن اشتد بهم العيش وضاقت بهم الدنيا والفجار في جحيم وإن اتسعت عليهم الدنيا قال تعالى: {مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً} جنة الدنيا قال تعالي: {فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ إن يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإسلام وَمَنْ يُرِدْ إن يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقاً حَرَجاً}



 
 توقيع : محمد الغماري

احفظ الله يحفظك

تستطيع أن ترى الصورة بحجمها الطبيعي بعد الضغط عليها

moh_elgmare@yahoo.com


رد مع اقتباس