عرض مشاركة واحدة
قديم 04 Apr 2010, 03:08 AM   #32
محمد الغماري
وسام الشرف


الصورة الرمزية محمد الغماري
محمد الغماري غير متصل

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم باحث : 8176
 تاريخ التسجيل :  Jan 2010
 أخر زيارة : 08 Aug 2011 (06:14 AM)
 المشاركات : 1,109 [ + ]
 التقييم :  10
لوني المفضل : Cadetblue


الثالث: أن هذا منتقض بوطء الأم والبنت والأخت فإن النفرة الطبيعية عنه حاصلة مع أن الحد فيه من أغلظ الحدود -في أحد القولين- وهو القتل بكل حال محصنا كان أو غير محصن وهذه إحدى الروايتين عن الإمام أحمد وهو قول إسحاق بن رهويه وجماعة من أهل الحديث.
وقد روى أبو داود والترمذي من حديث البراء بن عازب قال:"لقيت عمى ومعه الراية فقلت له إلى أين تريد؟ قال: بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى رجل نكح امرأة أبيه من بعده أن أضرب عنقه وأخذ ماله". قال الترمذي:



ص -208- هذا حديث حسن قال الجوزجاني: عم البراء اسمه: الحارث بن عمرو.
في سنن أبي داود وابن ماجه من حديث ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"من وقع على ذات محرم فاقتلوه".
ورفع إلى الحجاج رجلا اغتصب أخته على نفسها فقال: أحبسوه واسألوا من ها هنا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فسألوا عبد الله بن مطرف فقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:"من تخطى حرم المؤمنين فخطوا وسطه بالسيف"وفيه دليل على القتل بالتوسيط وهذا دليل مستقل في المسألة وهو أن من لا يباح وطؤه بحال فحد واطئه القتل دليله: من وقع على أمه وابنته وكذلك يقال في وطء ذوات المحارم من وطء من لا يباح وطؤه بحال فكان حده القتل كاللوطي.
والتحقيق: أن يستدل على المسألتين بالنص والقياس يشهد لصحة كل منهما وقد إتفق المسلمون على أن من زنا بذات محرم فعليه الحد وإنما اختلفوا في صفة الحد هل هو القتل بكل حال أو حده حد الزاني؟ على قولين:
فذهب الشافعي ومالك وأحمد -في إحدى روايتيه- أن حده حد الزاني. وذهب أحمد وإسحق وجماعة من أهل الحديث إلى أن حده القتل بكل حال وكذلك اتفقوا كلهم على أنه لو أصابها باسم النكاح عالما بالتحريم أنه يحد إلاّ أبا حنيفة وحده فانه رأي ذلك شبهة مسقطة للحد.
والمنازعون يقولون: إذا أصابها باسم النكاح فقد زاد الجريمة غلظا وشدة. فإنه ارتكب محذورين عظيمين: محذور العقد ومحذور الوطء فكيف تخفف عنه العقوبة بضم محذور العقد إلى محذور الزنى؟.
وأما وطء الميتة ففيه قولان للفقهاء وهما في مذهب أحمد وغيره:



ص -209- أحدهما: أنه يجب به الحد وهو قول الأوزاعي فان فعله أعظم جرما وأكثر ذنبا لأنه انضم إلى هتك فاحشة حرمة الميتة.
فصل:
وأما وطء البهيمة فللفقهاء فيه ثلاثة أقوال:
أحدها: أنه يؤدب ولا حد عليه وهذا قول مالك وأبي حنيفة والشافعي في أحد قوليه وهو قول إسحق.
والقول الثاني: أن حكمه حكم الزاني يجلد أن كان بكرا ويرجم أن كان محصنا وهذا قول الحسن.
والقول الثالث: أن حكمه حكم اللوطي نص عليه أحمد ويخرج على الروايتين في حده هل هو القتل حتما أو هو كالزاني؟
والذين قالوا"حده القتل"احتجوا بما رواه أبو داود من حديث ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم"من أتى بهيمة فاقتلوه واقتلوها معه".
قالوا: ولأنه وطء لا يباح بحال فكان فيه القتل حدا للوطي. ومن لم يرد عليه الحد قالوا: لم يصح فيه الحديث ولو صح لقلنا به ولم يحل لنا مخالفته.
قال إسمعيل بن سعيد الشالنجي: سألت أحمد عن الذي يأتي البهيمة فوقف عندها ولم يثبت حديث عمرو بن أبي عمرو في ذلك.
وقال الطحاوي: الحديث ضعيف وأيضا فرواية ابن عباس وقد أفتى بأنه لا حد عليه قال أبو داود: وهذا يضعف الحديث.
ولا ريب أن الزاجر الطبعي عن إتيان البهيمة أقوى من الزاجر الطبعي عن التلوط وليس الأمران في طباع الناس سواء فإلحاق أحدهما بالآخر من أفسد القياس كما تقدم.





ص -210- فصل:
وأما قياسكم وطء الرجل لمثله على سحاق المرأتين فمن أفسد القياس إذ لا إيلاج هناك وإنما نظير مباشرة الرجل الرجل من غير إيلاج على أنه قد جاء في بعض الأحاديث المرفوعة"إذا أتت المرأة المرأة فهم زانيتان"ولكن لا يجب الحد بذلك لعدم الإيلاج وإن أطلق عليهما اسم الزنى العام كزنى العين واليد والرجل والفم.
وإذا ثبت هذا: فاجمع المسلمون على أن حكم التلوط مع المملوك كحكمه مع غيره ومن ظن أن تلوط الإنسان مع مملوكه جائز واحتج على ذلك بقوله تعالى {إِلا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ} وقاس ذلك على أمته المملوكة فهو كافر يستتاب كما يستتاب المرتد فان تاب و وإلاّ ضرب عنقه وتلوط الإنسان بمملوكه كتلوطه بمملوك غيره في الإثم والحكم
فصل:
فإن قيل: مع هذا كله فهل من دواء لهذا الداء العضال؟ ورقية لهذا السحر القتال؟ وما الاحتيال لدفع هذا الخيال؟ وهل من طريق قاصد إلى التوفيق؟ وهل يمكن السكران بخمرة الهوى أن يفيق؟ وهل يملك العاشق قلبه والعشق قد وصل إلى سويدائه؟ وهل للطبيب بعد ذلك حيلة في برئه من سويداه؟ إن لامه لائم التذ بملامه لذكره لمحبوبه وان عذله عذل أغراه عذله وسار به في طريق مطلوبه ينادي عليه شاهد حاله بلسان مقاله:

وقف الهوى بي فليس لي متأخر عنه ولا متقدم

وأهنتني فأهنت نفسي جاهدا ما من يهون عليك ممن يكرم



ص -211- أشهبت أعدائي فصرت أحبهم إذ كان حظي منك حظي منهم

أجد الملامة في هواك لذيذة حبا لذكرك فليلمني اللوم

ولعل هذا هو المقصود بالسؤال الأول الذي وقع عليه الاستفتاء عليه والداء الذي طلب له الدواء.
قيل: نعم الجواب من أصله و"ما أنزل الله سبحانه من داء إلاّ وأنزل له دواء علمه من علمه وجهله من جهلة". والكلام في دواء داء تعلق القلب بالمحبة الهوائية من طريقين:
أحدهما: جسم مادته قبل حصولها.
والثاني: قلعها بعد نزولها وكلاهما يسير على من يسره الله عليه ومتعذر على من لم يعنه الله فان أزمة الأمور بيديه.
وأما الطريق المانع من حصول هذا الداء فأمران:
أحدهما: غض البصر كما تقدم فان النظرة سهم مسموم من سهام إبليس ومن أطلق لحظاته دامت حسراته وفي غض البصر عدة منافع:
أحدها: أنه امتثال لأمر الله الذي هو غاية سعادة العبد في معاشه ومعاده وليس للعبد في دنياه وآخرته أنفع من امتثال أوامر ربه تبارك وتعالى وما سعد من سعد في الدنيا والآخرة إلاّ بامتثال أوامره وما شقي من شقي في الدنيا والآخرة إلاّ بتضييع أوامره.
الثاني: أنه يمنع من وصول أثر السم المسموم -الذي لعل فيه هلاكه- إلى قلبه.
الثالث: أنه يورث القلب أنسا بالله وجمعية على الله فان إطلاق البصر يفرق القلب ويشتته ويبعده من الله وليس على العبد شيء أضر من إطلاق البصر فإنه يوقع الوحشة بين العبد وبين ربه.

ص -212- الرابع: أنه يقوي القلب ويفرحه كما أن إطلاق البصر يضعفه ويحزنه.
الخامس: أنه يكسب القلب نورا كما أن إطلاقه يكسبه ظلمة ولهذا ذكر سبحانه آية النور عقب الأمر بغض البصر فقال {قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ} ثم قال: إثر ذلك {اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ} أي مثل نوره في قلب عبده المؤمن الذي امتثل أوامره واجتنب نواهيه وإذا استنار القلب أقبلت وفود الخيرات إليه من كل جانب كما أنه إذا أظلم أقبلت سحائب البلاء والشر عليه من كل مكان فما شئت من بدعة وضلالة واتباع هوى واجتناب هدى وإعراض عن أسباب السعادة واشتغال بأسباب الشقاوة فإن ذلك إنما يكشفه له النور الذي في القلب فإذا فقد ذلك النور بقى صاحبه كالأعمى الذي يجوس في حنادس الظلام.
السادس: أنه يورث الفراسة الصادقة التي يميز بها بين المحق والباطل والصادق والكاذب وكان شاه بن شجاع الكرماني يقول: من عمر ظاهره باتباع السنة وباطنه بدوام المراقبة وغض بصره عن المحارم وكف نفسه عن الشهوات واعتاد أكل الحلال لم تخط له فراسة وكان شجاع هذا لا تخطي له فراسة.
والله سبحانه يجزي العبد على عمله بما هو من جنس عمله ومن ترك شيئا عوضه عن حبسه بصره لله ويفتح له باب العلم والإيمان والمعرفة والفراسة الصادقة المصيبة التي إنما تنال ببصيرة القلب وضد هذا ما وصف الله به اللوطيين من العمه الذي هو ضد البصيرة فقال تعالى: {لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ} فوصفهم بالسكرة التي هي فساد العقل والعمه الذي هو فساد البصيرة فالتعلق بالصور يوجب فساد العقل وعمه البصيرة يسكر القلب كما قال القائل:



ص -213- سكران سكر هوى وسكر مدامة ومتى إفاقة من به سكران؟

وقال الآخر:

قالوا: جننت بمن تهوى؟ فقلت لهم العشق أعظم مما بالمجانين

العشق لا يستفيق الدهر صاحبه وإنما يصرع المجنون في الحين

السابع: إنه يورث القلب ثباتا وشجاعة وقوة ويجمع الله له بين سلطان النصرة البصيرة والحجة وسلطان القدرة والقوة كما في الأثر"الذي يخالف هواه يفرق الشيطان من ظله"وضد هذا تجده في المتبع هواه -من ذل النفس ووضاعتها ومهانتها وخستها وحقارتها- وما جعله الله سبحانه فيمن عصاه كما قال: الحسن"إنهم وان طقطقت بهم البغال وهملجت بهم البراذين فإن ذل المعصية لا تفارق رقابهم أبي الله إلاّ أن يذل من عصاه"وقد جعل الله سبحانه العز قرين طاعته والذل قرين معصيته فقال تعالى: {وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ} وقال تعالى: {وَلا تَهِنُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} والإيمان قول وعمل ظاهر وباطن وقال تعالى: {مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعاً إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ} أي من كان يريد العزة فيطلبها بطاعة الله وذكره من الكلم الطيب والعمل الصالح وفي دعاء القنوت"إنه لا يذل من واليت ولا يعز من عاديت"ومن أطاع الله فقد والاه فيما أطاعه فيه وله من العز بحسب طاعته ومن عصاه فقد عاداه فيما عصاه فيه وله من الذل بحسب معصيته.

الثامن: أنه يسد على الشيطان مدخله من القلب فإنه يدخل مع النظرة وينفذ معها إلى القلب أسرع من نفوذ الهوى في المكان الخالي فيمثل له صورة

ص -214- المنظور إليه ويزينها ويجعلها صنما يعكف عليه القلب ثم يعده ويمنيه ويوقد على القلب نار الشهوة ويلقى عليه حطب المعاصي التي لم يكن يتوصل إليها بدون تلك الصورة فيصير القلب في اللهب فمن ذلك اللهب تلك الأنفاس التي يجد فيها وهج النار وتلك الزفرات والحرقات فإن القلب قد أحاطت به النيران بكل جانب فهو في وسطها كالشاة في وسط التنور لهذا كانت عقوبة أصحاب الشهوات بالصور المحرمة: أن جعل لهم في البرزخ



 
 توقيع : محمد الغماري

احفظ الله يحفظك

تستطيع أن ترى الصورة بحجمها الطبيعي بعد الضغط عليها

moh_elgmare@yahoo.com


رد مع اقتباس