|
وسام الشرف
|
بيانات اضافيه [
+
]
|
|
رقم باحث : 8176
|
|
تاريخ التسجيل : Jan 2010
|
|
أخر زيارة : 08 Aug 2011 (06:14 AM)
|
|
المشاركات :
1,109 [
+
] |
|
التقييم : 10
|
|
|
لوني المفضل : Cadetblue
|
|
ص -161- سبقت له من الله الحسنى, فأرسل إليهم رسله, وأنزل عليهم كتبه بما يوافق فطرهم وعقولهم فازدادوا بذلك نورا على نور {يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشَاءُ},
إذا عرف هذا فمن خصائص الإلهية السجود, فمن سجد لغيره فقد شبه المخلوق به.
ومنها: التوكل, فمن توكل على غيره فقد شبهه به. ومنها: التوبة, فمن تاب لغيره فقد شبهه به.
ومنها: الحلف باسمه تعظيما وإجلاله, فمن حلف بغيره فقد شبهه به. هذا في جانب التشبيه.
وأما في جانب التشبه به: فمن تعاظم وتكبر ودعا الناس إلى إطرائه في المدح والتعظيم والخضوع والرجاء, وتعليق القلب به خوفا ورجاء والتجاء واستعانة فقد تشبه بالله ونازعه في ربوبيته وإلهيته, وهو حقيقة بأن ويذله غاية الهوان, ويذله غاية الذل, ويجعله تحت أقدام خلقه.
وفي الصحيح عنه صلى الله عليه وسلم قال:"يقول الله عز وجل: العظمة إزاري, والكبرياء ردائي, فمن نازعني واحدا منهما عذبته"وإذا كان المصور الذي يصنع الصورة بيده من أشد الناس عذابا يوم القيامة لتشبه بالله في مجرد الصنعة, فما الظن بالتشبه بالله في الربوبية والالهية؟ كما قال: النبي صلى الله عليه وسلم:"أشد الناس عذابا يوم القيامة المصورون, يقال لهم أحيوا ما خلقتم".
وفي الصحيحين عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال:"قال الله عز وجل: ومن أظلم ممن ذهب يخلق خلقا كخلقي, فليخلقوا ذرة, فليخلقوا شعيرة"فنبه بالذرة والشعيرة على ما هو أعظم منهما وأكبر.
والمقصود: أن هذا حال من تشبه به في صنعة صورة, فكيف حال من تشبه
ص -162- به في خواص ربوبيته وإلهيته؟ وكذلك من تشبه به في الاسم الذي لا ينبغي إلاّ لله وحده, كملك الأملاك, وحاكم الحكام, ونحوه.
وقد ثبت في الصحيح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال:"أن أخضع الأسماء عند الله رجل يسمى: بشاهان شاه- ملك الملوك- لا ملك إلاّ الله"وفي لفظ"أغيظ الله رجل يسمى بملك الأملاك".
فهذا مقت الله وغضبه على من تشبه به في الاسم الذي لا ينبغي إلاّ له, فهو سبحانه ملك الملوك وحده وهو حاكم الحكام وحده, فهو الذي يحكم الحكام كلهم, ويقضي عليهم كلهم, لا غيره.
فصل:
إذا تبين هذا فهاهنا أصل عظيم يكشف سر المسألة, وهو أن أعظم الذنوب عند الله إساءة الظن به, فإن المسيء به الظن قد ظن به خلاف كماله المقدس, فظن به ما يناقض أسماؤه وصفاته, ولهذا توعد الله سبحانه الظانين به ظن السوء بما لم يتوعد به غيرهم, كما قال تعالى: {عَلَيْهِمْ دَائِرَةُ السَّوْءِ وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَلَعَنَهُمْ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيراً} وقال تعالى: لمن أنكر صفة من صفاته {وَذَلِكُمْ ظَنُّكُمُ الَّذِي ظَنَنْتُمْ بِرَبِّكُمْ أَرْدَاكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ مِنَ الْخَاسِرِينَ}. وقال تعالى: عن خليله إبراهيم إنه قال: لقومه {مَاذَا تَعْبُدُونَ أَإِفْكاً آلِهَةً دُونَ اللَّهِ تُرِيدُونَ فَمَا ظَنُّكُمْ بِرَبِّ الْعَالَمِينَ} أي فما ظنكم أي يجازيكم به إذا لقيتموة وقد عبدتم غيره وماذا ظننتم به حتى عبدتم معه غيره؟ وماظننتم بأسمائه وصفاته وربوبيته من النقص حتى أحوجكم ذلك إلى عبودية غيره؟ فلو ظننتم به ما هو أهله من أنه بكل شيء عليم, وهو على كل شيء قدير, وأنه غني عن كل ما سواه, وكل ما سواه فقير إليه,
ص -163- وأنه قائم بالقسط على خلقه, وأنه المتفرد بتدبير خلقه لا يشرك فيه غيره, والعالم بتفاصيل الأمور, فلا يخفي عليه خافية من خلقه, والكافي لهم وحده, فلا يحتاج إلى معين, والرحمن بذاته, فلا يحتاج في رحمته إلى من يستعطفه, وهذا بخلاف الملوك وغيرهم من الرؤساء, فأنهم يحتاج إلى من يعرفهم أحوال الرعية وحوائجهم, إلى من قضاء حوائجهم, وإلى من يسترحمهم وإلى من يستعطفهم بالشفاعة, فاحتاجوا إلى الوسائط ضرورة لحاجتهم وضعفهم وعجزهم وقصور علمهم, فأما القادر على كل شيء الغني عن كل شىء, الرحمن الرحيم الذي وسعت رحمته كل شيء, فإدخال الوسائط بينه وبين خلقه نقص بحق ربوبيته وإلهيته وتوحيده وظن به ظن سوء, وهذا يستحيل أن يشرعه لعباده, ويمتنع في العقول والفطر وقبحه مستقر في السليمة فوق كل قبيح.
يوضع هذا: أن العابد معظم لمعبوده, متأله له, خاضع ذليل له, ورب تعالى وحده هو الذي يستحق كمال التعظيم والجلال والتأله والتذلل والخضوع, وهذا خالص حقه, فمن أقبح الظلم أن يعطى حقه لغيره, أو يشرك بينه وبينه فيه, ولا سيما الذي جعل شريكه في حقه هو عبده ومملوكه, كما قال تعالى: {ضَرَبَ لَكُمْ مَثَلاً مِنْ أَنْفُسِكُمْ هَلْ لَكُمْ مِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ شُرَكَاءَ فِي مَا رَزَقْنَاكُمْ فَأَنْتُمْ فِيهِ سَوَاءٌ تَخَافُونَهُمْ كَخِيفَتِكُمْ أَنْفُسَكُمْ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآياتِ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ} الآية أي إذا كان أحدكم يأنف أن يكون مملوكه شريك له في رزقه, فكيف تجعلون لي من عبيدي شركاء فيما أنا به متفرد به وهو الإلهية, التي لا تنبغي لغيري, ولا تصح لسواي؟
فمن زعم ذلك فما قدرني حق قدري, ولا عظمني حق عظمتي, ولا أفردني بما أنا منفرد به وحدي دون خلقي فما قدر الله بحق قدره من عبد معه غيري,
ص -164- كما قال تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُبَاباً وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ وَإِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئاً لا يَسْتَنْقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ مَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ} فما قدر الله حق قدره من عبد معه غيره من لا يقدر على خلق أضعف حيوان وأصغره, وإن سلبهم الذباب شيئا مما عليه لم يقدر على الاستعاذة منه, قال تعالى: {وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ} الآية فما قدر من هذا شأنه وعظمته حق قدره من أشرك معه في عبادته من ليس له شيء من ذلك البتة, بل هو أعجز شيء وأضعفه, فما قدر القوي العزيز حق قدره من أشرك معه الضعيف الذليل.
وكذلك ما قدره حق قدره من قال: إنه لم يرسل إلى خلقه رسولا, ولا أنزل كتابا, بل نسبه إلى مال يليق به ولا يحسن منه من إهمال خلقه وتضييعهم وتركهم سدي, وخلقهم باطلا عبثا, وكذا ما قدره حق قدره من نفي حقائق أسمائه الحسنى وصفاته العلى, فنفى سمعه وبصره وإرادته واختياره وعلوه فوق خلقه, وكلامه وتكليمه لمن شاء من خلقه بما يريد, ونفى عموم قدرته وتعلقها بأفعال عباده من طاعتهم ومعاصيهم, فأخرجها عن قدرته ومشيئته وخلقه, وجعلهم يخلقون لأنفسهم ما يشاءون بدون مشيئة الرب, فيكون في ملكه مالا يشاء, ويشاء مالا يكون, فتعالى الله عن قوله أشباه المجوس علوا كبيرا.
وكذلك ما قدره حق قدره من قال: إنه يعاقب عبده على مالا يفعله عبد, ولا له عليه قدرة, ولا تأثير له فيه البتة, بل هو نفس فعل الرب جل جلاله, فيعاقب عبده على فعله هو سبحانه الذي جبر العبد عليه, وجبره على الفعل أعظم من إكراه المخلوق للمخلوق, وإذا كان من المستقر في الفطر والعقول أن
ص -165- السيد لو أكره عبده على فعل أو ألجأه إليه ثم عاقبه عليه لكان قبيحا فأعدل العادلين وأحكم الحاكمين وأرحم الراحمين كيف يجبر العبد على فعل لا يكون للعبد فيه صنع ولا تأثير. ولا هو واقع بإرادته, ولا هو فعله البتة, ثم يعاقب عليه عقوبة الأبد؟ تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا. وقول هؤلاء شر من أقول المجوس, والطائفتان ما قدر الله حق قدره.
وكذلك ما قدره حق قدره من لم يصنه عن نتن ولا حش ولا مكان يرغب عن ذكره, بل جعله في كل مكان, وصانه عن عرشه أن يكون مستويا عليه {إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ} وتعرج الملائكة والروح إليه, وتنزل من عنده {يُدَبِّرُ الأَمْرَ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الأَرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ} فصانه عن استوائه على سرير الملك, ثم جعله في كل مكان يأنف الإنسان, بل غيره من الحيوان, أن يكون فيه, وما قد الله حق قدره من نفى حقيقة محبته ورحمته ورأفته ورضاه وغضبه ومقته, ولا من نفي حقيقة حكمته التي هي الغابات المحمودة المقصودة بفعله, ولا من نفى حقيقة فعله, ولم يجعل له فعلا اختياريا يقوم به, بل أفعاله مفعولات منفصلة عنه, فنفي حقيقة مجيئه وإتيانه واستوائه على عرشه, وتكليمه موسى من جانب الطور, ومجيئه يوم القيامة لفصل القضاء بين عباده بنفسه, إلى غير ذلك من أفعاله وأوصاف كماله التي نفوها, وزعموا أنهم ينفيها قد قدروه حق قدره.
وكذلك لم يقدره حق قدره من جعل له صاحبة وولدا, وجعله سبحانه يحل في جميع مخلوقاته, أو جعله عين هذا الوجود.
وكذلك لم يقدره حق قدره من قال: إنه رفع أعلمكم رسول الله صلى الله عليه وسلم وأهل بيته وأعلى ذكرهم, وجعل الله فيهم الملك والخلافة والعز, ووضع أولياء
ص -166- رسول الله صلى الله عليه وسلم وأهل بيته وأهانهم وأذلهم وضرب عليهم الذل أين ما ثقفوا. وهذا يتضمن غاية القدح في جناب الرب, تعالى عن قول الرافضة علوا كبيرا.
وهذا القول مشتق من قول اليهود والنصارى في رب العالمين: إنه أرسل ملكا ظالما, فادعى النبوة لنفسه, وكذب على الله, ومكث زمانا طويلا يكذب عليه كل وقت, ويقول: قال: الله كذا, وأمر بكذا, ونهى عن كذا, وينسخ شرائع أنبيائه ورسله, ويستبيح دماء أتباعهم وأموالهم وحريمهم, ويقول: الله أباح لي ذلك, والرب تعالى يظهره ويؤيده ويعليه, ويعزه ويجيب دعواته, ويمكنه ممن يخالفه, ويقيم الأدلة على صدقه, ولا يعاديه أحد إلا ظفر به, فيصدقه بقوله وفعله وتقريره, وتحدث أدلة تصديقه شيئا بعد شيء.
ومعلوم أن هذا يتضمن أعظم القدح والطعن في الرب سبحانه وتعالى وعلمه, وحكمته وحمته وربوبيته, تعالى الله عن قول الجاحدين علوا كبيرا.
فوازن بين قول هؤلاء وقول إخوانهم من الرافضة تجد القولين, كما قال: الشاعر:
رضيعى لبان ثدى أم تقاسما
بأسحم داج عوض لا يتفرق
وكذلك لم يقدره حق قدره من قال: أنه يجوز أن يعذب أولياءه ومن لم يعصه طرفة عين ويدخلهم دار الجحيم, وينعم أعدءه ومن لم يؤمنبه طرفه عين ويدخلهم دار النعيم, وأن كل الأمرين بالنسبة إليه سواء, وإنما الخبر المحض جاء عنه بخلاف ذلك, فمعناه للخبر لا للمخالفة حكمته وعدله, وقد أنكر سبحانه في كتابه على من جوز عليه ذلك غاية الإنكار, وجعل الحكم به من أسوء الأحكام.قال تعالى:{وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا بَاطِلاً ذَلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنَ النَّارِ أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آمَنُوا
ص -167- وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَالْمُفْسِدِينَ فِي الأَرْضِ أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّارِ} وقال{أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَوَاءً مَحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ وَخَلَقَ اللَّهُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ بِالْحَقِّ وَلِتُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ} وقال {أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ}.
وكذلك لم يقدره حق قدره من زعم أنه لا يحيى الموتى, ولا يبعث من في القبور, ولا يجمع خلقه ليوم يجازى المحسن فيه بإحسانه والمسيء فيه بإساءته, ويأخذ للمظلوم فيه حقه من ظالمه, ويكرم للمتحملين للمشاق في هذه الدار من أجله وفي مرضاته بأفضل كرامته, ويبين لخلقه الذي يختلفون فيه, ويعلم الذين كفروا أنهم كانوا كاذبين.
وكذلك لم يقدره حق قدره من هان عليه أمره فعصاه, ونهيه فارتكبه, وحقه فضيعه, وذكره فأهمله, وغفل قلبه عنه, وكان هواه آثر عنده من طلب رضاه وطاعة المخلوق أهم عنده من طاعته, فلله الفضلة من قلبه, وقوله وعلمه, هواه المقدم في ذلك لأنه المهم عنده, يستخف بنظر الله إليه واطلاعه عليه وهو في قبضته, وناصيته بيده,
|