|
وسام الشرف
|
بيانات اضافيه [
+
]
|
|
رقم باحث : 8176
|
|
تاريخ التسجيل : Jan 2010
|
|
أخر زيارة : 08 Aug 2011 (06:14 AM)
|
|
المشاركات :
1,109 [
+
] |
|
التقييم : 10
|
|
|
لوني المفضل : Cadetblue
|
|
ومن هؤلاء من يزعم أن معبوده هو الإله على الحقيقة, ومنهم من يزعم أنه أكبر الآلهة, ومنهم من يزعم أنه إله من جملة الآلهة, وأنه إذا خصه بعبادته والتبتل إليه والانقطاع إليه أقبل عليه واعتني به, ومنهم من يزعم أنه معبوده الأدنى يقربه إلى المعبود الذي هو فوقه, و الفوقاني يقربه إلى من هو فوقه, حتى تقربه تلك الآلهة إلى الله سبحانه وتعالى, فتارة تكثر (الآلهة) الوسائط وتارة تقل.
فصل:
وأما الشرك في العبادة: فهو أسهل من هذا الشرك, وأخف أمرا, فانه يصدر ممن يعتقد أنه لا إله إلاّ الله, وأنه لا يضر ولا ينفع ولا يعطى ولا يمنع إلاّ الله, وأنه لا إله غيره ولا رب سواه, ولكن لا يخلص لله في معاملته وعبوديته, بل يعمل لحظ نفسه تارة, وطلب الدنيا تارة, ولطلب الرفعة والمنزلة والجاه عند الخلق تارة, فلله من عمله وسعيه نصيب, ولنفسه وحظه وهواه نصيب,
ص -155- وللشيطان نصيب, وللخلق نصيب, هذا حال أكثر الناس, وهو الشرك الذي قال: فيه النبي صلى الله عليه وسلم فيما رواه ابن حبان في صحيحه"الشرك في هذه الأمة أخفى من دبيب النمل, قالوا: وكيف ننجوا منه يا رسول الله؟ قال: اللهم إني أعوذ بك أن أشرك بك وأنا أعلم, وأستغفرك لما لا أعلم"فالرياء كله شرك, قال تعالى: {قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَداً} أي كما أنه إله واحد, لا إله سواه, فكذلك ينبغي أن تكون العبادة له وحده, فكما تفرد بالإلهية يحب أن يفرد بالعبودية, فالعمل الصالح هو الخالي من الرياء المقيد بالسنة, وكان من دعاء عمر بن الخطاب رضي الله عنه:"اللهم اجعل عملي كله صالحا, واجعله لوجهك خالصا, ولا تجعل لا حد فيه شيئا".
وهذا الشرك في العبادة يبطل ثواب العمل, وقد يعاقب عليه إذا كان العمل واجبا, فإنه ينزله منزلة من لم يعلمه, فيعاقب على ترك الأمر, فان الله سبحانه إنما أمر بعبادته خالصة, قال تعالى: {وَمَا أُمِرُوا إِلاّ لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ} فمن لم يخلص لله في عبادته لم يفعل ما أمر به, بل الذي أتي به شيء غير المأمور به, فلا يصح, ويقبل منه, ويقول الله تعالى"أنا أغني الشركاء عن الشرك, فمن عمل عملا أشرك معي فيه غيري, فهو للذى أشرك به, وأنا منه برئ".
وهذا الشرك ينقسم إلي مغفور وغير مغفور, وأكبر وأصغر, والنوع الأول: ينقسم إلى كبير وأكبر, وليس شيء منه مغفور, فمنه الشرك بالله في المحبة والتعظيم بأن يحب مخلوقا كما يحب الله, فهذا من الشرك الذي لا يغفره الله
ص -156- وهو الشرك الذي قال: سبحانه فيه {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَاداً يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبّاً لِلَّهِ} الآية.
وقال أصحاب هذا الشرك لآلهتهم وقد جمعتهم الجحيم {تَاللَّهِ إِنْ كُنَّا لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ إِذْ نُسَوِّيكُمْ بِرَبِّ الْعَالَمِينَ}.
ومعلوم أنهم ما سووهم به سبحانه في الخلق, والرزق, والإماتة, والإحياء, والملك, والقدرة, وإنما سووهم به في الحب والتأله والخضوع لهم والتذلل, وهذا غاية الجهل والظلم, فكيف يسوي من خلق من التراب برب الأرباب؟ وكيف يسوي العبيد بما لك الرقاب؟ وكيف يسوي الفقير بالذات, الضعيف بالذات, العاجز بالذات, المحتاج بالذات, الذي ليس له من ذاته إلاّ العدم, بالغنى بالذات, القادر بالذات, الذي غناه, وقدرته, وملكه, وجوده, وإحسانه, وعلمه, ورحمته, وكماله المطلق التام من لوازم ذاته؟.
فأي ظلم أقبح من هذا؟ وأي حكم أشد جورا منه؟ حيث عدل من لا عدل له بخلقه, كما قال تعالى: {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ} فعدل المشرك من خلق السموات والأرض, وجعل الظلمات والنور, بمن لا يملك لنفسه ولا لغيره مثقال ذرة في السموات ولا في الأرض, فيا لك من عدل تضمن أكبر الظلم وأقبحه.
فصل:
ويتبع هذا الشرك به سبحانه في الأقوال, والأفعال, والإرادات, والنيات, فالشرك في الأفعال كالسجود لغيره, والطواف بغير بيته, وحلق الرأس عبودية وخضوعا لغيره, وتقبيل الأحجار غير الحجر الأسود الذي هو يمين الله في الأرض, أو تقبيل القبور, واستلامها, والسجود لها, وقد لعن النبي
ص -157- صلى الله عليه وسلم من اتخذ قبور الأنبياء والصالحين مساجد يصلى لله فيها, فكيف بمن أتخذ القبور أوثانا يعبدها من دون الله؟.
وفي الصحيحين عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال:"لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد".
وفي الصحيح عنه:"إن من أشرار الناس من تدركهم الساعة وهم أحياء, والذين يتخذون القبور مساجد".
وفي الصحيح أيضا عنه:"أن من كان قبلكم كانوا يتخذون القبور مساجد, ألا فلا تتخذوا القبور مساجد, فإني أنهاكم عن ذلك".
وفي مسند الإمام أحمد رضي الله عنه, وصحيح ابن حبان عنه صلى الله عليه وسلم قال:"لعن الله زوارات القبور, والمتخذين عليها المساجد والسرج".
وقال:"اشتد غضب الله على قوم اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد".
وقال:"أن من كان قبلكم إذا مات فيهم الرجل الصالح بنوا على قبره مسجدا, وصوروا فيه تلك الصورة, أولئك شرار الخلق عند الله يوم القيامة".
فهذا حال من سجد لله في مسجد على قبر, فكيف حال من سجد للقبر بنفسه؟ وقد قال: النبي صلى الله عليه وسلم:"اللهم لا تجعل قبري وثنا يعبد"وقد حمى النبي صلى الله عليه وسلم جانب التوحيد أعظم حماية, حتى نهى عن صلاة التطوع لله سبحانه عند طلوع الشمس وعند غروبها, لئلا يكون ذريعة إلى التشبه بعباد الشمس الذين يسجدون لها في هاتين الحالتين, وسد الذريعة بأن منع الصلاة بعد العصر والصبح لاتصال هذين الوقتين بالوقتين اللذين يسجد المشركون فيهما للشمس.
وأما السجود لغير الله فقال:"لا ينبغي لأحد أن يسجد لأحد إلاّ لله"و"لا ينبغي"في كلام الله ورسوله صلى الله عليه وسلم للذي هو في غاية الامتناع شرعا,
ص -158- كقوله تعالى {وَمَا يَنْبَغِي لِلرَّحْمَنِ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَداً} وقوله {وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ وَمَا يَنْبَغِي لَهُ} وقوله {وَمَا تَنَزَّلَتْ بِهِ الشَّيَاطِينُ وَمَا يَنْبَغِي لَهُمْ} وقوله عن الملائكة {مَا كَانَ يَنْبَغِي لَنَا أَنْ نَتَّخِذَ مِنْ دُونِكَ مِنْ أَوْلِيَاءَ}
فصل:
ومن الشرك به سبحانه الشرك به في اللفظ, كالحلف بغيره, كما رواه أحمد وأبو داود عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال:"من حلف بغير الله فقد أشرك"وصححه الحاكم وابن حبان.
ومن ذلك قول القائل للمخلوق: ما شاء الله وشئت, كما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: له رجل:"ما شاء الله وشئت, قال: أجعلتني لله ندا؟ قل: ما شاء الله وحده"وهذا مع أن الله قد أثبت للعبد مشيئة كقوله {لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ} فكيف بمن يقول: أنا متوكل على الله وعليك, وأنا في حسب الله وحسبك, وما لي إلاّ الله وأنت, وهذا من الله ومنك, وهذا من بركات الله وبركاتك, والله لي في السماء وأنت لي في الأرض, أو يقول: والله وحياة فلان, أو يقول: نذرا لله ولفلان, وأنا تائب لله ولفلان, أو أرجوا الله وفلانا, ونحو ذلك؟.
فوازن بين هذه الألفاظ وبين قول القائل: ما شاء الله وشئت, ثم انظر أيهما أفحش؟ يتبين لك أن قائلها أولى لجواب النبي صلى الله عليه وسلم لقائل تلك الكلمة, وأنه إذا كان قد جعل لله ندا فهذا قد جعل من لا يداني رسول الله صلى الله عليه وسلم في شيء من الأشياء- بل لعله أن يكون من أعدائه- ندا لرب العالمين, فالسجود والعبادة, والتوكل, والإنابة, والتقوى, والخشية, والحسب, والتوبة, والنذر, والحلف, والتسبيح, والتكبير, والتهليل, والتحميد,
ص -159- والاستغفار, وحلق الرأس خضوعا وتعبدا, والطواف بالبيت, والدعاء, كل ذلك محض حق الله لا يصلح ولا ينبغي لسواه من ملك مقرب ولا نبي مرسل.
وفي مسند الإمام أحمد"أن رجلا أتى به إلى النبي صلى الله عليه وسلم قد أذنب ذنبا, فلما وقف بين يديه قال: اللهم إني أتوب إليك ولا أتوب إلى محمد, فقال: قد عرف الحق لأهله".
فصل:
وأما الشرك في الإرادات والنيات فذلك البحر الذي لا ساحل له, وقل من ينجو منه فمن أراد بعمله غير وجه الله ونوى شيئا غير التقرب إليه, وطلب الجزاء منه, فقد أشرك في نيته وإرادته. والإخلاص: أن يخلص لله في أفعاله وأقواله وإرادته ونيته. وهذه هي الحنيفية ملة إبراهيم التي أمر الله بها عباده كلهم, من أحد غيرها وهي حقيقة الإسلام كما قال تعالى: {وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإسلام دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ} وهي ملة إبراهيم عليه السلام التي من رغب عنها فهو من أسفه السفهاء.
فصل:
إذا عرفت هذه المقدمة انفتح لك الجواب عن السؤال المذكور, فنقول, ومن الله وحده نستمد الصواب.
حقيقة الشرك: هو التشبه بالخالق والتشبيه للمخلوق به, هذا هو التشبيه في الحقيقة, لا إثبات صفات الكمال التي وصف الله بها نفسه ووصفه بها رسوله الله صلى الله عليه وسلم, فعكس من نكس الله قلبه, وأعمى عين بصيرته, وأركسه بكسبه, الأمر وجعل التوحيد تشبيها, والتشبيه تعظيما وطاعة, فالمشرك مشبه للمخلوق بالخالق في خصائص الإلهية. فإن من خصائص الإلهية التفرد بملك الضر والنفع والعطاء
ص -160- والمنع وذلك يوجب تعليق الدعاء والخوف والرجاء والتوكل به وحده, فمن علق ذلك بمخلوق فقد شبهه بالخالق, وجعل من لا يملك لنفسه نفعا ولا ضرا ولا موتا ولا حياة ولا نشورا- فضلا من غيره- تشبيها لمن له الأمر كله, فأزمة الأمور كلها بيديه, ومرجعها إليه, فما شاء كان وما لم يشأ لم يكن, لا مانع لما أعطى, ولا معطى لما منع, بل إذ فتح لعبده باب رحمته لم يمسكها أحد, وإن أمسكها عنه لم يرسلها إليه أحد.
فمن أقبح التشبيه: تشبيه هذا العاجز الفقير بالذات, بالقادر الغني بالذات.
ومن خصائص الإلهية: الكمال المطلق من جميع الوجوه, الذي لا نقص فيه بوجه من الوجوه. وذلك يوجب أن تكون العبادة كلها له وحده, والتعظيم والإجلال والخشية والدعاء والرجاء والإنابة والتوكل والاستعانة, وغاية الذل مع غاية الحب, كل ذلك يجب عقلا وشرعا وفطرة أن يكون له وحده, ويمنع عقلا وشرعا وفطرة أن يكون لغيره, فمن جعل شيئا من ذلك لغيره فقد شبه ذلك الغير بمن لا شبيه له ولا ند له, وذلك أقبح التشبيه وأبطله. ولشدة قبحه وتضمنه غاية الظلم أخبر سبحانه عباده أنه لا يغفره, مع أنه كتب على نفسه الرحمة.
ومن خصائص الإلهية: العبودية التي قامت على ساقين لا قوام لها بدونهما: غاية الحب, مع غاية الذل, هذا تمام العبودية, وتفاوت منازل الخلق فيها بحسب تفاوتهم في هذين الأصلين, فمن أعطى حبه وذله وخضوعه لغير الله فقد شبهه به في خالص حقه. وهذا من المحال أن تأتي به شريعة من الشرائع, وقبحه مستقر في كل فطرة وعقل, ولكن غيرت الشياطين فطر أكثر الخلق وعقولهم, وأفسدتها عليهم واجتالتهم عنها, ومضى على الفطرة الأولى من
|