عرض مشاركة واحدة
قديم 04 Apr 2010, 02:44 AM   #17
محمد الغماري
وسام الشرف


الصورة الرمزية محمد الغماري
محمد الغماري غير متصل

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم باحث : 8176
 تاريخ التسجيل :  Jan 2010
 أخر زيارة : 08 Aug 2011 (06:14 AM)
 المشاركات : 1,109 [ + ]
 التقييم :  10
لوني المفضل : Cadetblue



ص -108- تنفيذ الحق وهم أكثر هذا الخلق وهم الذين رؤيتهم قذى للعيون وحمى الأرواح وسقم القلوب يضيقون الديار ويغلون الأسعار ولا يستفاد بصحبتهم إلا العار والشنار.
القسم الثالث: من له بصيرة في الهدى ومعرفة به لكنه ضعيف لا قوة له على تنفيذه ولا الدعوة إليه وهذا حال المؤمن الضعيف والمؤمن القوي خير وأحب إلى الله منه.
القسم الرابع: من له قوة وهمة وعزيمة لكنه ضعيف البصيرة في الدين لا يكاد يميز بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان بل يحسب كل سوداء تمرة وكل بيضاء شحمة يحسب الورم شحما والدواء النافع سما.
وليس في هؤلاء من يصلح للإمامة في الدين ولا هو موضعا لها سوى القسم الأول قال الله تعالى: {وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآياتِنَا يُوقِنُونَ} فأخبر سبحانه أن بالصبر واليقين نالوا الإمامة في الدين وهؤلاء هم الذين استثناهم الله سبحانه من جملة الخاسرين وأقسم بالعصر الذي هو زمن سعى الخاسرين والرابحين على أن من عداهم فهو من الخاسرين فقال تعالى: {وَالْعَصْرِ إِنَّ الأِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ إلا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ} ولم يكتف منهم بمعرفة الحق والصبر عليه حتى يوصي بعضهم بعضا به ويرشده إليه ويحثه عليه.
وإذا كان من عدا هؤلاء خاسرا فمعلوم أن المعاصي والذنوب تعمي بصيرة القلب فلا يدرك الحق كما ينبغي وتضعف قوته وعزيمته فلا يصبر عليه بل قد تتوارد على القلب حتى ينعكس إدراكه حتى ينعكس سيره فيدرك سيره





ص -109- فيدرك الباطل حقا والحق باطلا والمعروف منكرا والمنكر معروفا فينتكس في سيره ويرجع عن سفره إلى الله والدار الآخرة إلى سفره إلى مستقر النفوس المبطلة التي رضيت بالحياة الدنيا واطمأنت لها وغفلت عن الله وآياته وتركت الاستعداد للقائه ولو لم يكن في عقوبة الذنوب إلا هذه العقوبة وحدها لكانت كافية داعية إلى تركها والبعد منها والله المستعان.
وهذا كما أن الطاعة تنور القلب وتجلوه وتصقله وتقويه وتثبته حتى يصير كالمرآة المجلوة في جلائها وصفائها فيتملىء نورا فإذا دنا الشيطان منه أصابه من نور ما يصيب مسترق السمع من الشهب الثواقب فالشيطان يفرق من هذا القلب أشد من فرق الذئب من الأسد حتى إن صاحبه ليصرع الشيطان فيخر صريعا فيجتمع عليه الشياطين فيقول بعضهم لبعض: ما شأنه؟ فتقول: أصابه إنسي وبه نظرة من الإنس:

فيا نظرة من قلب حر منور يكاد لها الشيطان بالنور يحرق

أفيستوي هذا القلب وقلب مظلم أرجاؤه مختلفة أهواؤه قد اتخذه الشيطان وطنه وأعده مسكنه إذا تصبَّح بطلعته حياه وقال: فديت من لا يفلح في دنياه ولا في أخراه؟ :

أنا قرينك في الدنيا وفي الحشر بعدهافأنت قرين لي بكل مكان

فإن كنت في دار الشقاء فإنني وأنت جميعا في شقا وهوان

قال الله تعالى: {وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَاناً فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ وَإِنَّهُمْ لَيَصُدُّونَهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ حَتَّى إِذَا جَاءَنَا قَالَ يَا لَيْتَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ بُعْدَ الْمَشْرِقَيْنِ فَبِئْسَ الْقَرِينُ وَلَنْ يَنْفَعَكُمُ الْيَوْمَ إِذْ ظَلَمْتُمْ أَنَّكُمْ فِي الْعَذَابِ مُشْتَرِكُونَ}



ص -110- فأخبر سبحانه أنه من عشا عن ذكره وهو كتابه الذي أنزل على رسول صلى الله عليه وسلم فأعرض عنه وعمى عنه وغشت بصيرته عن فمه وتدبره ومعرفة مراد الله منه قيض الله له شيطانا عقوبة له بإعراضه عن كتابه فهو قرينه الذي لا يفارقه لا في الإقامة ولا في السير ومولاه وعشيره الذي هو بئس المولى وبئس العشير.

رضيعا لبان ثدي أن تقاسما بأسحم داج عوض لا يتفرق

ثم أخبر سبحانه أن الشيطان يصد قرينه ووليه عن سبيله الموصل إليه وإلى جنته ويحسب هذا الضال المضل المصدود أنه على طريق هدى حتى إذا جاء القرينان يوم القيامة يقول أحدهما للآخر: يا ليت بيني وبينك بعد المشرقين فبئس القرين كنت لي في الدنيا أضللتني عن الهدى بعد إذ جاءني وصددتنى عن الحق وأغويتني حتى هلكت وبئس القرين أنت لي اليوم.
ولما كان المصاب إذا شاركه غيره في مصيبته حصل له بالتأسي نوع تخفيف وتسلية أخبر الله سبحانه أن هذا غير موجود وغير حاصل في حق المشتركين في العذاب وأن القرين لا يجد راحة ولا أدنى فرح بعذاب قرينه معه وإن كانت المصائب في الدنيا إذا عمت صارت مسلاة كما قالت الخنساء في أخيها صخر:

فلولا كثرة الباكين حولي على إخوانهم لقتلت نفسي

وما يبكون مثل أخي ولكن أعزي النفس عنه بالتأسي

فمنع الله سبحانه هذا القدر من الراحة على أهل النار فقال: {وَلَنْ يَنْفَعَكُمُ الْيَوْمَ إِذْ ظَلَمْتُمْ أَنَّكُمْ فِي الْعَذَابِ مُشْتَرِكُونَ}



ص -111- فصل:
ومن عقوباتها: أنها مدد من الإنسان يمد به عدوه عليه وجيش يقويه به على حربه وذلك أن الله سبحانه ابتلى هذا الإنسان بعدو لا يفارقه طرفة عين ولا ينام عنه ولا يغفل عنه يراه هو وقبيله من حيث لا يراه يبذل جهده في معاداته في كل حال ولا يدع أمر يكيده به يقدر على إيصاله إليه إلا أوصله ويستعين عليه ببني جنسه من شياطين الجن: وغيرهم من شياطين الإنس: فقد نصب له الحبائل وبغى له الغوائل ومدحوله الأشراك ونصب له الفخاخ والشباك وقال لأعوانه: دونكم عدوكم وعدو أبيكم لا يفوتكم ولا يكون حظه الجنة وحظكم النار ونصيبه الرحمة ونصيبكم اللعنة وقد علمتم أن ما جرى عليّ وعليكم من الخزي واللعن والإبعاد من رحمة الله بسببه ومن أجله فابذلوا جهدكم أن يكونوا شركاءنا في هذه البلية إذ فاتتنا شركة صالحيهم في الجنة وقد أعلمنا الله سبحانه بذلك كله من عدونا وأمرنا أن نأخذ له أهبته ونعد له عدته.
ولما علم سبحانه أن آدم وبنيه قد بلوا بهذا العدو وقد سلط عليهم أمدهم بعساكر وجند يلقونه بها وأمد عدوهم أيضا بجند وعساكر يلقاهم به وأقام سوق الجهاد في هذه الدار في مدة العمر التي هي بالإضافة إلى الآخرة كنفس واحد من أنفاسها واشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة يقاتلون في سبيل الله فيقتلون ويقتلون وأخبر أن ذلك وعد مؤكد عليه في أشرف كتبه وهي التوارة والإنجيل والقرآن وأخبر أنه لا أوفى بعهده منه سبحانه ثم أمرهم أن يستبشروا بهذه الصفقة التي من أراد أن يعرف قدرها فلينظر إلى المشتري من هو؟ وإلى الثمن المبذول في هذه السلعة وإلى من جرى على يديه هذا العقد فأي فوز أعظم من هذا؟ وأي تجارة أربح منه؟



ص -112- ثم أكد سبحانه هذا الأمر بقوله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَيُدْخِلْكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ وَأُخْرَى تُحِبُّونَهَا نَصْرٌ مِنَ اللَّهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ} ولم يسلط سبحانه هذا العدو على عبده المؤمن الذي هو أحب المخلوقات إليه إلا لأن الجهاد أحب شيء إليه وأهله أرفع الخلق عنده درجات وأقربهم إليه وسيلة فعقد سبحانه لواء هذا الحرب لخلاصة مخلوقاته وهو القلب الذي محل معرفته ومحبته وعبوديته والإخلاص له والتوكل عليه والإنابة إليه فولاه أمر هذا الحرب وأيده بجند من الملائكة لا يفارقونه: {لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ} يعقب بعضهم بعضا كلما ذهب بدل جاء بدل آخر يثبتونه ويأمرونه بالخير ويحضونه عليه ويعدونه بكرامة الله ويصبرونه ويقولون: إنما هو صبر ساعة وقد استرحت راحة الأبد.
ثم أمده سبحانه بجند آخر من وحيه وكلامه فأرسل إليه رسوله صلى الله عليه وسلم وأنزل إليه كتابه فازداد قوة إلى قوته ومددا إلى مدده وعدة إلى عدته وأيده مع ذلك بالعقل وزيرا له ومدبرا وبالمعرفة مشيرة عليه ناصحة له وبالإيمان مثبتا له ومؤيدا وناصرا وباليقين كاشفا له عن حقيقة الأمر حتى كأنه يعاين ما وعد الله تعالى أولياءه وحزبه على جهاد أعدائه فالعقل يدبر أمر جيشه والمعرفة تصنع له أمور الحرب وأسبابها ومواضعها اللائقة بها والإيمان يثبته ويقويه ويصبره واليقين يقدم به ويحمل به الحملات الصادقة ثم أمد سبحانه القائم بهذا الحرب بالقوى الظاهرة والباطنة فجعل العين





ص -113- طليعته والأذن صاحب خبرة واللسان ترجمانه واليدين والرجلين أعوانه وأقام ملائكته وحملة عرشه يستغفرون له ويسألون له أن يقيه السيئات ويدخله الجنات وتولى سبحانه الدفع والدفاع عنه بنفسه وقال: {أُولَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ إلا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} وهؤلاء جندي {وَإِنَّ جُنْدَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ}.
وعلم سبحانه عباده كيفية هذا الحرب والجهاد فجمعها لهم في أربع كلمات فقال: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} ولا يتم أمر هذا الجهاد إلا بهذه الأمور الأربعة فلا يتم له الصبر إلا بمصابرة العدو وهو مقاومته ومنازلته فإذا صابر عدوه احتاج إلى أمر آخر وهو المرابطة وهي لزوم ثغر القلب وحراسته لئلا يدخل معه العدو ولزوم ثغر العين والأذن واللسان والبطن واليد والرجل فهذه الثغور منها يدخل العدو فيجوس خلال الديار ويفسد ما قدر عليه فالمرابطة لزوم هذه الثغور ولا يخلي مكانها فيصادف العدو والثغر خاليا فيدخل منه.
فهؤلاء أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم خير الخلق بعد النبيين والمرسلين وأعظمهم حماية وحراسة من الشيطان وقد أخلوا المكان الذي أمروا بلزومه يوم أحد فدخل منه العدو فكان ما كان.
وجماع هذه الثلاثة وعمودها الذي تقوم به هو تقوى الله تعالى فلا ينفع الصبر ولا المصابرة ولا المرابطة إلا بالتقوى ولا تقوم التقوى على ساق الصبر.
فانظر الآن فيك إلى التقاء الجيشين واصطدام العسكرين وكيف تدال مرة ويدال عليك مرة أخرى؟ أقبل ملك الكفرة وعساكره فوجد القلب في





ص -114- حصنه جالسا على كرسي مملكته أمره نافذ في أعوانه وجنده قد حفوا به يقاتلون عنه ويدافعون عن حوزته فلم يمكنه الهجوم عليه إلا بمخامرة بعض أمرائه وجنده عليه فسأل عن أخص الجند به وأقربهم منه منزلة فقيل له: هي النفس فقال لأعوانه: ادخلوا عليها من مرادها وانظروا مواقع محبتها وما هو محبوبها فعدوها به ومنوها إياه وانقشوا صورة المحبوب فيها في يقظتها ومنامها فإذا اطمأنت إليه وسكنت عنده فاطرحوا عليها كلاليب الشهوة وخطاطيفها ثم جروها بها إليكم فإذا خامرت على القلب وصارت معكم عليه ملكتم ثغور العين والأذن واللسان والفم واليد والرجل فرابطوا على هذه الثغور كل المرابطة فمتى دخلتم منها إلى القلب فهو قتيل أو أسير أو جريح مثخن بالجراحات ولا تخلوا هذه الثغور ولا تمكنوا سرية تدخل منها إلى القلب فتخرجكم منها وإن غلبتم



 
 توقيع : محمد الغماري

احفظ الله يحفظك

تستطيع أن ترى الصورة بحجمها الطبيعي بعد الضغط عليها

moh_elgmare@yahoo.com


رد مع اقتباس