عرض مشاركة واحدة
قديم 04 Apr 2010, 02:39 AM   #13
محمد الغماري
وسام الشرف


الصورة الرمزية محمد الغماري
محمد الغماري غير متصل

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم باحث : 8176
 تاريخ التسجيل :  Jan 2010
 أخر زيارة : 08 Aug 2011 (06:14 AM)
 المشاركات : 1,109 [ + ]
 التقييم :  10
لوني المفضل : Cadetblue


وأعظم العقوبات نسيان العبد لنفسه وإهمال لها وإضاعته حظها ونصيبها من الله وبيعه ذلك بالغبن والهوان وأبخس الثمن فضيع من لا غنى له عنه ولا عوض له منه واستبدل به من عنه كل الغنى أو منه كل العوض.

من كل شيء إذا ضيعته عوض وليس في الله إن ضيعت من عوض

فالله سبحانه يعوض كل ما سواه ولا يعوض منه شيء ويغني عن

ص -82- كل شيء ولا يغني عنه شيء ويجير من كل شيء ولا يجير منه شيء ويمنع من كل شيء ولا يمنع منه شيء فكيف يستغني العبد عن طاعة من هذا شأنه طرفة عين؟ وكيف ينسى ذكره ويضيع أمره حتى ينسيه نفسه فيخسرها ويظلمها أعظم الظلم؟ فما ظلم العبد ربه ولكن ظلم نفسه وما ظلمه ربه ولكن هو الذي ظلم نفسه
فصل:
ومن عقوباتها: أنها تخرج العبد من دائرة الإحسان وتمنعه ثواب المحسنين فإن الإحسان إذا باشر القلب منعه عن المعاصي فإن من عبد الله كأنه يراه لم يكن ذلك إلا لاستيلاء ذكره ومحبته وخوفه ورجائه على قلبه بحيث يصير كأنه يشاهده وذلك يحول بينه وبين إرادة المعاصي فضلا عن مواقتها فإذا خرج من دائرة الإحسان فإنه صحةه رفقته الخاصة وعيشهم الهنيء ونعيمهم التام فإن أراد الله به خيرا أقره في دائرة عموم المؤمنين فإن عصاه بالمعاصي التي تخرجه من دائرة الإيمان كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: "لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن ولا يشرب الخمر حين يشربه وهو مؤمن ولا يسرق السارق حين يسرق وهو مؤمن ولا ينتهب نهبة ذات شرف يرفع إليه الناس فيها أبصارهم حين ينتهبها وهو مؤمن" فإياكم إياكم والتوبة معروضة بعد.
فصل:
ومن فاته رفقة المؤمنين وحسن دفاع الله عنهم فإن الله يدافع عن الذين آمنوا وفاته كل خير رتبه الله في كتابه على الإيمان وهو نحو مائة خصلة





ص -83- كل خصلة منها خير من الدنيا وما فيها
فمنها الأجر العظيم: {وَسَوْفَ يُؤْتِ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ أَجْراً عَظِيماً}
ومنها الدفع عنهم شرور الدنيا والآخرة: {إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا}
ومنها استغفار الملائكة حملة العرش لهم: {الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا}
ومنها موالاة الله لهم ولا يذل من مولاه الله قال الله تعالى: {اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا}
ومنها أمره ملائكته بتثبيتهم: {إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا}
ومنها أن لهم الدرجات عند ربهم والمغفرة والرزق الكريم
ومنها العزة: {وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لا يَعْلَمُونَ}
ومنها معية الله لأهل الإيمان: {وَأَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ}
ومنها الرفعه في الدنيا والآخرة: {يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ}
ومنها إعطاؤهم كفلين من رحمته وإعطاؤهم نورا يمشون به ومغفرة ذنوبهم
ومنها الود الذي يجعله سبحانه لهم وهو أنه يحبهم يحببهم إلى ملائكته وأنبيائه وعباده الصالحين: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدّاً}.



ص -84- ومنها أمانهم من الخوف يوم يشتد الخوف: {فَمَنْ آمَنَ وَأَصْلَحَ فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ}
ومنها: أنهم المنعم عليهم الذين أمرنا أن نسأله أن يهدينا إلى صراطهم في كل يوم وليلة سبع عشرة مرة
ومنها أن القرآن إنما هو هدى لهم وشفاء: {قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدىً وَشِفَاءٌ وَالَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ فِي آذَانِهِمْ وَقْرٌ وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمىً أُولَئِكَ يُنَادَوْنَ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ}
والمقصود أن الإيمان سبب جالب لكل خير وكل خير في الدنيا والآخرة فسببه الإيمان وكل شرر في الدنيا فسببه عدم الإيمان فكيف يهون على العبد أن يرتكب شيئا يخرجه من دائرة الإيمان ويحول بينه وبينه ولكن لا يخرج من دائرة عموم المسلمين؟ فإن استمر على الذنوب وأصر عليها خيف عليه أن يرين قلبه فيخرجه عن الإسلام بالكلية ومن هاهنا اشتد خوف السلف كما قال بعضهم: أنتم تخافون الذنوب وأنا أخاف الكفر.
فصل:
ومن عقوباتها: أنها تضعف سير القلب إلى الله والدار الآخرة أو تعوقه أوتوقفه وتقطعه عن السير فلا تدعه يخطوا إلى الله خطوة هذا إن لم ترده عن وجهته إلى ورائه فالذنب يحجب الواصل ويقطع السائر وينكس الطالب والقلب إنما يسير إلى الله بقوته فإذا مرض بالذنوب ضعفت تلك القوة التي تسيره فإن زالت بالكلية انقطع عن الله انقطاعا يبعد تداركه والله المستعان
فالذنب إما أن يميت القلب أو يمرضه مرضا مخوفا أو يضعف قوته ولا بد حتى ينتهي ضعفه إلى الأشياء الثمانية التي استعاذ منها النبي صلى الله





ص -85- عليه وسلم وهي: "الهم والحزن والكسل والعجز والجبن والبخل وضلع الدين وغلبة الرجل" وكل اثنين منها قرينان
فالهم والحزن قرينان فإن المكروه الوارد على القلب إن كان من أمر مستقبل يتوقعه أحدث الهم وإن كان من أمر ماض قد وقع أحدث الحزن
والعجز والكسل قرينان فإن تخلف العبد عن أسباب الخير والفلاح إن كان لعدم قدرته فهو العجز وإن كان لعدم إرادته فهو الكسل
والجبن والبخل قرينان فإن عدم النفع منه إن كان ببدنه فهو الجبن وإن كان بماله فهو البخل
وضلع الدين وقهر الرجال قرينان فإن استعلاء الغير عليه إن كان بحق فهو من ضلع الدين وإن كان بباطل فهو قهر الرجال
والمقصود أن الذنوب من أقوى الأسباب الجالبة لهذه الثمانية كما أنها من أقوى الأسباب الجالبة: "لجهد البلاء ودرك الشقاء وسوء القضاء وشماتة الأعداء" ومن أقوى الأسباب الجالبة لزوال نعم الله تعالى وتقدس وتحول عافيته إلى نقمته وتجلب جميع سخطه.
فصل:
ومن عقوبات الذنوب: أنها تزيل النعم وتحل النقم فما زالت عن العبد نعمة إلا بذنب ولا حلت به نقمة إلا بذنب كما قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه: "ما نزل بلاء إلا بذنب ولا رفع إلا بتوبة" وقد قال تعالى: {وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ}





ص -86- وقال تعالى: {ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّراً نِعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ}
فأخبر الله تعالى أنه لا يغير نعمه التي أنعم بها على أحد حتى يكون هو الذي يغير ما بنفسه فيغير طاعة الله بمعصيته وشكره بكفره وأسباب رضاه بأسباب سخطه فإذا غير غُير عليه جزاء وفاقا {وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ} فإن غير المعصية بالطاعة غير الله عليه العقوبة بالعافية والذل بالعز وقال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوءاً فَلا مَرَدَّ لَهُ وَمَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَالٍ}
وفي بعض الآثار الإلهية عن الرب تبارك وتعالى أنه قال: "وعزتي وجلالي لا يكون عبد من عبيدي على ما أحب ثم ينتقل عنه إلى ما أكره إلا انتقلت له مما يجب إلى ما يكره ولا يكون عبد من عبيدي على ما أكره ثم ينتقل عنه إلى ما أحب إلا انتقلت له مما يكره إلى ما يحب"
ولقد أحسن القائل:

إذا كنت في نعمة فارعها فإن الذنوب تزيل النعم

وخطها بطاعة رب العباد فرب العباد سريع النقم

وإياك والظلم مهما استطعت فظلم العباد شديد الوخم

وسافر بقلبك بين الورى لتبصر آثار من قد ظلم

فتلك مساكنهم بعدهم شهود عليهم ولاتتهم

وما كان شيء عليهم أضر من الظلم وهو الذي قد قصم

فكم تركوا من جنان ومن قصور وأخرى عليهم أطم

صلوا بالجحيم وفات النعيم وكان الذي نالهم كالحلم



ص -87- فصل:
ومن عقوباتها: ما يلقيه الله سبحانه من الرعب والخوف في قلب العاصي فلا تراه إلا خائفا مرعوبا فإن الطاعة حصن الله الأعظم الذي من دخله كان من الآمنين من عقوبة الدنيا والآخرة ومن خرج عنه أحاطت به المخاوف من كل جانب فمن أطاع الله انقلبت المخاوف في حقه أمانا ومن عصاه انقلبت مأمنه مخاوف فلا تجد العاصي إلا وقلبه كأنه بين جناحي طائر إن حركت الريح الباب قال: جاء الطلب وإن سمع وقع قدم خاف أن يكون نذيرا بالعطب يحسب أن كل صيحة عليه وكل مكروه قاصد إليه فمن خاف الله آمنه من كل شيء ومن لم يخف الله أخافه من كل شيء:

بذا قضاء الله بين الخلق مذ خلقوا إن المخاوف والإجرام في قرن

ومن عقوباتها: أنها توقع الوحشة العظيمة في القلب فيجد المذنب نفسه مستوحشا قد وقعت الوحشة بينه وبين ربه وبينه وبين الخلق وبينه وبين نفسه وكلما كثرت الذنوب اشتدت الوحشة وأمرُّ العيش عيش المستوحشين الخائفين وأطيب العيش عيش المستأنسين فلو نظر العاقل ووازن بين لذة المعصية وما توقعه من الخوف والوحشة لعلم سوء حاله وعظيم غبنه إذ باع أنس الطاعة وأمنها وحلاوتها بوحشة المعصية وما توجبه من الخوف والضرر الداعي له كما قيل:

فإن كنت قد أوحشتك الذنوب فدعها إذا شئت واستأنس

وسر المسألة أن الطاعة توجب القرب من الرب سبحانه فكلما اشتد القرب قوى الأنس والمعصية توجب البعد من الرب وكلما زاد البعد قويت الوحشة ولهذا يجد العبد وحشة بينه وبين عدوه للبعد الذي بينهما وإن كان ملابسا له

ص -88- قريبا منه ويجد أنسا وقربا بينه وبين من يجب وإن كان بعيدا عنه والوحشة سببها الحجاب وكلما غلظ الحجاب زادت الوحشة فالغفلة توجب الوحشة وأشد منها وحشة المعصية وأشد منها وحشة الشرك والكفر



 
 توقيع : محمد الغماري

احفظ الله يحفظك

تستطيع أن ترى الصورة بحجمها الطبيعي بعد الضغط عليها

moh_elgmare@yahoo.com


رد مع اقتباس