عرض مشاركة واحدة
قديم 04 Apr 2010, 02:38 AM   #12
محمد الغماري
وسام الشرف


الصورة الرمزية محمد الغماري
محمد الغماري غير متصل

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم باحث : 8176
 تاريخ التسجيل :  Jan 2010
 أخر زيارة : 08 Aug 2011 (06:14 AM)
 المشاركات : 1,109 [ + ]
 التقييم :  10
لوني المفضل : Cadetblue


حتى أمر أن يعلف العجين الذي عجن بمياههم لنواضح لتأثير شؤم المعصية في الماء وكذلك تأثير شؤم الذنوب في نقص الثمار وما ترى به من الآفات
وقد ذكر الإمام أحمد في مسنده في ضمن حديث قال: "وجدت في خزائن بعض بني أمية حبة حنطة الحبة بقدر نواة التمرة وهي في صرة مكتوب عليها: هذا كان ينبت في زمن من العدل" وكثير من هذه الآفات أحدثها الله سبحانه وتعالى بما أحدث العباد من الذنوب



ص -75- وأخبرني جماعة من شيوخ الصحراء أنهم كانوا يعهدون الثمار أكبر مما هي الآن وكثير من هذه الآفات التي تصيبها لم يكونوا يعرفونها وإنما حدثت من قرب
وأما تأثير الذنوب في الصور والخلق فقد روى الترمذي في جامعه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "خلق الله آدم وطوله في السماء ستون ذراعا فلم يزل الخلق ينقص حتى الآن" فإذا أراد الله أن يطهر الأرض من الظلمة والفجرة والخونة يخرج عبدا من عباده من أهل بيت نبيه صلى الله عليه وسلم فيملأ الأرض قسطا كما ملئت جورا ويقتل المسيح اليهود والنصارى ويقيم الدين الذي بعث الله به رسوله وتخرج الأرض بركتها وتعود كما كانت حتى إن العصابة من الناس ليأكلون الرمانة ويستظلون بقحفها ويكون العنقود من العنب وقر بعير وأن اللقحة الواحدة لتكفي الفئام من الناس وهذا لأن الأرض لما طهرت من المعاصي ظهرت فيها آثار البركة من الله تعالى التي محقتها الذنوب والكفر ولاريب أن العقوبات التي أنزلها الله في الأرض بقية آثارها سارية في الأرض تطلب ما يشاركها من الذنوب التي هي آثار تلك الجرائم التي عذبت بها الأمم فهذه الآثار في الأرض من آثار العقوبات كما أن هذه المعاصي من آثار الجرائم فتناسبت كلمة الله وحكمه الكوني أولا وآخرا وكان العظيم من العقوبة للعظيم من الجناية والأخف للأخف وهكذا يحكم سبحانه بين خلقه في دار البرزخ ودار الجزاء
وتأمل مقارنة الشيطان ومحله وداره فإنه لما قارن العبد واستولى عليه نزعت البركة من عمره وعمله وقوله ورزقه ولما أثرت طاعته في الأرض ما أثرت





ص -76- نزعت البركة من كل محل ظهرت فيه طاعته وكذلك مسكنه لما كان الجحيم لم يكن هناك شيء من الروح والرحمة والبركة
فصل:
ومن عقوبات الذنوب: أنها تطفئ من القلب نار الغيرة التي هي لحياته وصلاحه كالحرارة الغريزية لحياة جميع البدن فالغيرة حرارته وناره التي تخرج ما فيه من الخبث والصفات المذمومة كما يخرج الكير خبث الذهب والفضة والحديد وأشرف الناس وأعلاهم وهمة أشدهم غيرة على نفسه وخاصته وعموم الناس ولهذا كان النبي صلى الله عليه وسلم أغير الخلق على الأمة والله سبحانه أشد غيرة منه كما ثبت في الصحيح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: "أتعجبون من غيرة سعد؟ لأنا أغير منه والله أغير مني"
وفي الصحيح أيضا عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال:في خطبة الكسوف: "يا أمة محمد ما أحد أغير من الله أن يزني عبده أو تزني أمته"0
وفي الصحيح أيضا عنه أنه قال: "لا أحد أغير من الله من أجل ذلك حرم الفواحش ما ظهر منها وما بطن ولا أحد أحب إليه العذر من الله من أجل ذلك أرسل الرسل مبشرين ومنذرين ولا أحد أحب إليه المدح من الله من أجل ذلك أثنى على نفسه" فجمع في هذا الحديث بين الغيرة التي أصلها كراهة القبائح وبغضها وبين محبة العذر الذي يوجب كمال العدل والرحمة والإحسان والله سبحانه مع شدة غيرته يحب أن يعتذر إليه عبده ويقبل عذر من اعتذر إليه وإنه لا يؤاخذ عبيده بارتكاب ما يغار من ارتكابه حتى يعذر إليهم ولأجل ذلك أرسل رسله وأنزل كتبه إعذارا وإنذارا وهذا غاية المجد والإحسان ونهاية الكمال فإن كثيرا ممن تشتد غيرته من المخلوقين يحمله شدة الغيرة على سرعة الإيقاع والعقوبة من غير إعذار منه ومن غير قبول لعذر من





ص -77- اعتذر إليه بل يكون له في نفس الأمر عذر ولا تدعه شدة الغيرة أن يقبل عذره وكثير ممن تقبل المعاذير يحمله على قبولها قلة الغيرة حتى يتوسع في طرق المعاذير ويرى عذرا ما ليس بعذر حتى يعذر كثير منهم بالقذر وكل منهما غير ممدوح على الإطلاق
وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "إن من الغيرة ما يحبها الله ومنها ما يبغضها الله فالتي يبغضها الله الغيرة في غير ريبة" وذكر الحديث
وإنما الممدوح اقتران الغيرة بالعذر فيغار في محل الغيرة ويعذر في موضع العذر ومن كان هكذا فهر الممدوح حقا
ولما جمع سبحانه صفات الكمال كلها كان أحق بالمدح من كل أحد ولايبلغ أحد أن يمدحه كما ينبغي له بل هو كما مدح نفسه وأثنى على نفسه فالغيور قد وافق ربه سبحانه في صفة من صفاته ومن وافق الله في صفه من صفاته قادته تلك الصفة إليه بزمامه وأدخلته على ربه وأدنته منه وقربته من رحمته وصيرته محبوبا له فإنه سبحانه رحيم يحب الرحماء كريم يحب الكرماء عليم يحب العلماء قوي يحب المؤمن القوي وهو أحب إليه من المؤمن الضعيف حييٌ يحب أهل الحياء جميل يحب أهل الجمال وتر يحب أهل الوتر
ولو لم يكن في الذنوب والمعاصي إلا أنها توجب لصاحبها ضد هذه الصفات وتمنعه من الاتصاف بها لكفى بها عقوبة فإن الخطرة تنقلب وسوسة والوسوسة تصير إرادة والإرادة تقوى فتصير عزيمة ثم تصير فعلا ثم تصير صفة لازمة وهيئة ثابتة راسخة وحينئذ يتعذر الخروج منها كما يتعذر الخروج من صفاته القائمة به
والمقصود أنه كلما اشتدت ملابسته للذنوب أخرجت من قلبه الغيرة على





ص -78- نفسه وأهله وعموم الناس وقد تضعف في القلب جدا حتى لا يستقبح بعد ذلك القبيح لا من نفسه ولا من غيره وإذا وصل إلى هذا الحد فقد دخل في باب الهلاك وكثير من هؤلاء لا يقتصر على عدم الاستقباح بل يحسن الفواحش والظلم لغيره ويزينه له ويدعوه إليه ويحثه عليه ويسعى له في تحصيله ولهذا كان الديوث أخبث خلق الله والجنة حرام عليه وكذلك محلل الظلم والبغي لغيره ومزينه له فانظر ما الذي حملت عليه قلة الغيرة
وهذا يدلك على أن أصل الدين الغيرة ومن لا غيرة له لا دين له فالغيرة تحمي القلب فتحمي له الجوارح فتدفع السوء والفواحش وعدم الغيرة تميت القلب فتموت الجوارح فلا يبقى عندها دفع البتة ومثل الغيرة في القلب مثل القوة التي تدفع المرض وتقاومه فإذا ذهبت القوة وجد الداء المحل قابلا ولم يجد دافعا فتمكن فكان الهلاك
ومثلها مثل صياصي الجاموس التي يدفع بها عن نفسه وولده فإذا كسرت طمع فيه عدوه.
فصل:
ومن عقوباتها ذهاب الحياء الذي هو مادة الحياة للقلب وهو أصل كل خير وذهابه ذهاب الخير أجمعه
وفى الصحيح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: "الحياء خير كله"
وقال" إن مما أدرك الناس من كلام النبوة الأولى إذا لم تستح فاصنع ما شئت" وفيه تفسيران:



ص -79- أحدهما: أنه على التهديد والوعيد والمعنى من لم يستح فإنه يصنع ما شاء من القبائح إذ الحامل على تركها الحياء فإذا لم يكن هناك حياء يردعه عن القبائح فإنه يواقعها وهذا تفسير أبي عبيدة
والثاني: أن الفعل إذا لم تستح من الله فافعله وإنما الذي ينبغي تركه هو ما يستحي منه من الله وهذا تفسير الإمام أحمد في رواية ابن هانئ
فعلى الأول يكون تهديدا كقوله: {اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ} وعلى الثاني يكون إذنا وإباحة
فإن قيل: فهل من سبيل إلى حمله على المعنيين؟
قلت: لا ولا على قول من يحمل المشترك على جميع معانيه لما بين الإباحة والتهديد من المنافاة ولكن اعتبار أحد المعنيين يوجب اعتبار الآخر
والمقصود أن الذنوب تضعف الحياء من العبد حتى ربما انسلخ منه بالكلية حتى إنه ربما لا يتأثر بعلم الناس بسوء حاله ولا باطلاعهم عليه بل كثير منهم يخبر عن حاله وقبح ما يفعل والحامل له على ذلك انسلاخه من الحياء وإذا وصل العبد إلى هذه الحالة لم يبق في صلاحه مطمع


وإذا رأى إبليس طلعة وجهه حياء وقال فديت من لايفلح

والحياء مشتق من الحياة والغيث يسمى حيا بالقصر لأن به حياة الأرض والنبات والدواب وكذلك سميت بالحياء حياة الدنيا والآخرة فمن لا حياء فهو ميت في الدنيا شقي في الآخرة وبين الذنوب وبين قلة الحياء وعدم الغيرة تلازم من الطرفين وكل منهما يستدعي الآخر ويطلبه حثيثا ومن استحي من الله عند معصيته استحى الله من عقوبته يوم يلقاه ومن لم يستح من الله تعالى من معصيته لم يستح الله من عقوبته.

ص -80- فصل:
ومن عقوبات الذنوب: أنها تضعف في القلب تعظيم الرب جل جلاله وتضعف وقاره في قلب العبد ولابد شاء أم أبى ولو تمكن وقار الله وعظمته في قلب العبد لما تجرأ على معاصيه وربما اغتر المغتر وقال: إنما يحملني على المعاصي حسن الرجاء وطمعي في عفوه لا ضعف عظمته في قلبي وهذا من مغالطة النفس فإن عظمة الله تعالى وجلاله في قلب العبد "تقتضي تعظيم حرماته" وتعظيم حرماته تحول بينه وبين الذنوب والمتجرئون على معاصيه ما قدروا الله حق قدره وكيف يقدره حق قدره أو يعظمه و يكبره و يرجو وقاره ويجله من يهون عليه أمره ونهيه؟ هذا من أمحل المحال وأبين الباطل وكفى بالعاصي عقوبة أن يضمحل من قلبه تعظيم الله جل جلاله وتعظيم حرماته ويهون عليه حقه
ومن بعض عقوبة هذا: أن يرفع الله عز وجل مهابته من قلوب الخلق ويهون عليهم ويستخفون به كما هان عليه أمره واستخف به فعلى قدر محبة العبد لله يحبه الناس وعلى قدر خوفه من الله يخافه الخلق وعلى قدر تعظيمه الله وحرماته يعظمه الناس وكيف ينتهك عبد حرمات الله ويطمع أن لا ينتهك الناس حرماته؟ أم كيف يهون عليه حق الله ولا يهونه الله على الناس؟ أم كيف يستخف بمعاصي الله ولا يستخف به الخلق
وقد أشار سبحانه إلى هذا في كتابه عند ذكر عقوبات الذنوب وأنه أركس أربابها بما كسبوا وغطى على قلوبهم وطبع عليها بذنوبهم وأنه نسيهم كما نسوه وأهانهم كما أهانوا دينه وضيعهم كما ضيعوا أمره ولهذا قال تعالى في آية سجود المخلوقات له: {وَمَنْ يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ} فإنهم لما هان عليهم السجود له واستخفوا به ولم يفعلوه أهانهم الله فلم يكن

ص -81- لهم من مكرم بعد أن أهانهم الله ومن ذا يكرم من أهانه الله أو يهن من أكرمه الله.
فصل:
ومن عقوباتها: أنها تستدعى نسيان الله لعبده وتركه وتخليته بينه وبين نفسه وشيطانه وهناك الهلاك الذي لا يرجى معه نجاة قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ أُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} فأمر بتقواه ونهي أن يتشبه عباده المؤمنون بمن نسيه بترك تقواه وأخبر أنه عاقب من ترك التقوى بأن أنساه نفسه أي أنساه مصالحها وما ينجيها من عذابه وما يوجب له الحياة الأبدية وكمال لذتها وسرورها ونعيمها فأنساه الله ذلك كله جزاء لما نسيه من عظمته وخوفه والقيام بأمره فترى العاصي مهملا لمصالح نفسه مضيعا لها وقد أغفل الله قلبه عن ذكره واتبع هواه وكان أمره فرطا قد انفرطت عليه مصالح دنياه وآخرته وقد فرط في سعادته الأبدية واستبدل بها أدني ما يكون من لذة إنما هي سحابة صيف أو خيال طيف كما قيل:

أحلام نوم أو كظل زائل إن اللبيب بمثلها لا يخدع



 
 توقيع : محمد الغماري

احفظ الله يحفظك

تستطيع أن ترى الصورة بحجمها الطبيعي بعد الضغط عليها

moh_elgmare@yahoo.com


رد مع اقتباس