عرض مشاركة واحدة
قديم 03 Apr 2010, 04:04 AM   #2
محمد الغماري
وسام الشرف


الصورة الرمزية محمد الغماري
محمد الغماري غير متصل

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم باحث : 8176
 تاريخ التسجيل :  Jan 2010
 أخر زيارة : 08 Aug 2011 (06:14 AM)
 المشاركات : 1,109 [ + ]
 التقييم :  10
لوني المفضل : Cadetblue


# فان ذلك مما لا يمكن النزاع فيه كما حكيناه عنه فيما تقدم وحينئذ فيكون ما عليه بنو آدم من الاعتقاد الذي هو مستند رفع أيديهم الى الله حين الدعاء اعتقادا صحيحا في الأصل ليس بفاسد # لكن قد علم أن الناس هنا في طرفي نقيض منهم من يغلو في الاثبات حتى يثبت مماثلة الله لخلقه في بعض الأمور ومنهم من يلغو في التعطيل حتى لا يمثله الا بالمعدوم والموات لكن الاعتقاد الذي يدعوهم الى رفع ايديهم لا يجب أن يكون من التمثيل الباطل اذ لا يختص أهله بالرفع الى الله واذا كان كذلك لم يكن مستند الناس كلهم في الرفع الى الله باطلا واذا لم يكن مستندهم كلهم باطلا بل كان مستند بعضهم حقا ثبت أن الله يرفع اليه الأيدي وأن فاعل ذلك يكون اعتقاده صحيحا وذلك يقتضي صحة الاشارة الحسية اليه الى فوق وهو المطلوب # الوجه الحادي والثلاثون أن يقال مضمون ما ذكرته أن الناس لما لم يشاهدوا حيا عالما قادرا الا جسما سبق الى اعتقادهم انهم اذا دعوا حيا قادرا عالما كان جسما ويتبع ذلك انه في مكان والعلو أشرف من غيره فيسبق الى فهم الداعي أن من اعتقد عظمته اذا كان في جهة وهي أن يكون في جهة العلو وحاصل هذا أن الأمم المختلفة من الأولين والآخرين المجمعون على رفع ايديهم الى الله في الدعاء انما فعلوا ذلك لاعتقادهم ان الله جسم ووجه هذا الاعتقاد أنهم لم يشهدوا حيا عالما قادرا الا جسما فاعتقدوا فيمن يدعونه ذلك واثبتوا له المكان اذ الجسم لا بد له من حيز وخصوه بالعلو لأنه اشرف فمضمون هذا ذكر مستند العباد في رفع الأيدي # فيقال له لا يخلو اما أن يكون هذا مستندهم اولا يكون فان لم يكن هذا مستندهم بطل هذا الجواب وصحت الحجة وثبت أنهم

# انما رفعوا أيديهم الى الله لعلمهم الضروري بأن الذي يطلب منه تحصيل المطالب وتيسير العسير في تلك الجهة وان كان هذا مستندا لهم كان قد حكى اتفاق الأمم الذين يرفعون أيديهم في الدعاء على أن الله جسم اذ لم يشهدوا موجودا الا جسما وحينئذ فهذا أبلغ في الحجة عليه فان الأمم المتفقين على رفع الأيدي اذا كانوا يعتقدون ان الله جسم كان هذا من ابلغ حجج القائلين بالجسم لأن هؤلاء الذين يرفعون ايديهم فيهم الأنبياء وفيهم هذه الأمة التي لا تجتمع على ضلالة فصار ما جعله جوابا حجة عليه # الوجه الثاني والثلاثون أن يقال هب انما ذكرته مستندهم فلم تذكر حجة على بطلان هذا أكثر ما قلت فظهر أن سبب هذا الالف فلا يكون صوابا ومعلوم ان مجرد إعتياد الأمم كلهم للشيء إن لم يدل على انه حق يدل على أنه باطل فليس في كون الفوا ذلك واعتادوه ما يدل على أنه ليس بصواب حتى تقول فظهر ان سبب ذلك الالف فلا يكون صوابا # الوجه الثالث والثلاثون انك قد ذكرت ان مستند هذا الالف هو اعتقاد الدعاة ان الحي العليم القادر لا يكون الا جسما ومعلوم أن هذا بلفظه قول طوائف كثيرة من أهل الكلام من الشيعة والكرامية وغيرهم وأما بمعناه فالمؤسس وغيره يقول أن هذا قول من رقال إن الله فوق العرش أو إنه يشار إليه في الدعاء ومعلوم أن القول بكون الله فوق العرش أو أنه يشار اليه بالأيدي والدعاء هو قو سلف الأمة وأئمتها وعامتها واذا كان هؤلاء كلهم يقولون بالمعنى الذي سميته تجسيما لم يضر القول بذلك ولم يجزرده الا بحجة وانت لم تذكر في جواب هذه الحجة ما يصلح أن يكون جوابا # وقد قدمنا في الوجه الذي قبل هذا ان الاشارة الى الله في الدعاء ان استلزم اعتقاد الداعي أن الله جسم فقد ثبت أن هذا قول من قوله حجة والا بطلت

# حكايته وأما هنا فان كون الحي القادر لا يكون الا بائنا عن غيره بالجهة له حد يتميز به عن غيره وهو معنى كونه جسما عنده وهذا المعنى ما اتفق عليه سلف الامة وأئمتها وان تنوعت الفاظهم فيه فكلها متوافقة متطابقة وبالجملة فلا يمكنه أن ينازع أن هذا قول خلق كثير من أهل الحديث والفقه والتصوف والكلام فلا بد من دليل ابطاله فان قال دليل ابطاله ما ذكره من نفي كون الله جسما قيل قدمنا ما يتبين معه فساد تلك الأدلة # ثم يقال هذا لا يصلح أن يكون جوابا لما تذكره وهو الوجه الرابع والثلاثون يقال له هذا الذي ذكرته مضمونه الدعاة الرافعي أيديهم لاعتقادهم أن الله جسم حيث لم يشهدوا مدعوا حيا عالما قادرا الا جسما ومعلوم أن الدعاة الرافعي أيديهم لو لم يكن فيهم من قوله حجة وخلاف قوله كفر فلا نزاع في أنهم جماهير بني آدم من الأولين والآخرين وفيهم من العلماء والعباد من لا يحصيه الا رب العباد فلو لم يكن هذا دليلا من أعظم الأدلة على أن الله جسم بمقتضى ما قررته لكان هذا مما يجب الجواب عن حجة قائله فان مخالفة جماهير بني آدم ليست هينة ولا يصلح ما ذكرته من الحجة على نفي الجسم جوابا لان هذا الدليل الذي ذكرته عنهم يقتضي أنهم احتجوا على كونه جسما بما ذكرته عنهم وهذه معارضة لما ذكرته فان لم تبين فساد هذه المعارضة لم يكن بطلان حجته لحجتهم بأولى من العكس وأنت لم تذكر حجة على فساد حجتهم بحال # فان قيل هذه الحجة مبناها على قياس الغائب على الشاهد وهو باطل قيل قياس الغائب على الشاهد باتفاق الأمم ينقسم الى حق وباطل فان لم تبين أن هذا من الباطل لم يصلح رده بمجرد ذلك

# الوجه الخامس والثلاثون أن تقرير ما ذكرته من مستندهم مثل تقرير المسلك القياسي في العلو وهو أن يقال لم نشهد موجودا قائما بنفسه الا جسما او لم نشهد حيا عالما قادرا الا جسما فاختصاص القائم بنفسه او الحي القادر بكونه جسما دون أن يكون عرضا أو يكون لا جسما ولا عرضا اما أن يكون لكونه موجودا قائما بنفسه او لما يندرج فيه واجب الوجود او لما يختص الممكن او المحدث فان كان الأول والثاني وجب في كل موجود قائم بنفسه أن يكون جسما وحينئذ فتصح حجتهم والثاني باطل لأنه يوجب تعليل الأمر الوجودي وهو القائم بالنفس او كون القائم بنفسه حيا عالما قادرا بما فيه أمر عدمي والعدم لا يصلح أن يكون علة للوجود وقد تقدم الكلام على هذه الحجة وأنه لم يقدح فيها بقادح واذا كان كذلك كان قد ذكر لهم حجة توجب أنه فوق وأنه جسم غير ما ذكروه من العلم الضروري وان لم يقدح في ذلك بشيء وذكر أن الأخلاف اخذوا ذلك عن الاسلاف واتفقوا عليه وتسمية ذلك تخيلا لا يوجب فساده ان لم يبين أنه خيال فاسد # فظهر انما ذكره تقرير لقولهم بالقياس العقلي والأثر النبوي والاجماع الشرعي مع ما ذكروه من الضرورة العقلية وأنه زاد في التقرير على كونه فوق أنه مع ذلك جسم ولا ريب أن هذا قوله وقول أكثر الناس من النفاة والمثبتة فانهم يقولون ان كونه فوق العرش يستلزم المعنى الذي يسميه المتكلمون جسما ويسميه أهل الحديث حدا # الوجه السادس والثلاثون أن العلوم الكلية والعقلية لبني آدم جميعها من هذا الباب فان الانسان يشهد بحسه الباطن والظاهر أمورا معينة جزئية على

# صفات ثم يعقل بما يجعله الله في عقله من العبرة والقياس ان الأعيان التي لم يشهدها هي كالأعيان المشهودة في تلك الصفات وعلم عقله بالتماثل والاختلاف كاحساسه بالأعيان قد يكون علما قطعيا وقد يكون ظنا غالبا وقد يكون صوابا وقد يكون خطئا وكل من الحس والعقل يعرض له الغلط لأسباب والناس متنازعون أي الادراكين اكمل ادراك الحس او العقل وأيهما الذي يرجح على الآخر وبكل حال فلا يقوم بنفسه قضية كلية عقلية ضرورية أو غير ضرورية الا بتوسط قياس واعتبار حتى مثل علمه بأن الواحد نصف الاثنين وان الجسم لا يكون في مكانين وأن الضدين لا يجتمعان هو في ذلك كله قد أدرك بحسه ذلك في بعض الأجسام والأجساد والألوان المتضادة وعقل أن ما لم يحسه مثل ما أحسه في ذلك وأن الحكم لا يفترق واحد وواحد وجسم وجسم ولون ولون وضد وضد يحكم بذلك حكما عاما كليا # واذا كان كذلك لم يكن له حجة عقلية في العلم الالهي أصلا الا ولا بد فيها من قضية كلية والقضية الكلية لا بد فيها من قياس الغائب على الشاهد فان كان هذا باطلا بطل جميع كلامهم بالأدلة العقلية في العلم الالهي وحينئذ فيبطل ما ذكروه في نفي الجسم وغيره فلا يكون لهم جواب عما احتج به المنازع وان لم يكن باطلا لم يكن له ابطال هذه الحجة بما ذكره من أن مضمونها قياس الغائب على الشاهد فحاصله أنه ان كان ما يسلكونه من الطرق الكلامية العقلية في الالهيات طرقا صحيحة فهذه الطريق منها فتكون حجة عليهم وان لم تكن صحيحة لم تكن حجة لهم كما لا تكون عليهم فلا يكون كلامهم حقا دون كلام خصومهم ولا يكون ما دفع به الضرورة التي ذكرها منازعوهم حقا

# الوجه السابع والثلاثون أن المنازعين لهم يحتجون بالدلائل السمعية الكثيرة وبما يذكرونه من الضرورة العقلية وبما ذكروه من الأقيسة العقلية فان كانت الأقيسة العقلية صحيحة كما تقدم ذكرها مقبولة في هذا الباب لم يجز رد ما يذكرونه من الأقيسة العقلية الا بما يبين فساد القياس الخاص الذي أوردوه لا بمجرد كونه قياسا للغائب على الشاهد وان كانت مردودة كان ما يذكره النفاة كله مردودا وحينئذ فتبقى الأدلة السمعية سليمة عن معارض عقلي فيبطل ما يذكرونه من كونها عارضت القواطع العقلية وحينئذ يمتنع تأويلها ويجب اعتقاد مضمونها ويكون ما ذكروه من الضرورة العقلية لا دليل على فسادها وهذا بين لمن تدبره ومبناه على العدل والانصاف وقد قدمنا فيما مضى التنبيه على هذا وأن مبنى كلامهم في الالهيات انما هو القياس على ما وجدوه في المشهودات لا طريق لهم غير ذلك اصلا # الوجه الثامن والثلاثون ان القول بان الله ليس بجسم ولا جوهر ولا متحيز ولا داخل العالم ولا خارجه ونحو ذلك ليس هو قول أحد من سلف الأمة ولا أئمتها ولا له أصل في شيء من كتب الله المنزلة ولا آثار انبيائه بل متواتر عن السلف والأئمة انكار هذا الكلام وتبديع أهله كما قال ابو العباس بن سريج توحيد اهل العلم وجماعة المسلمين أشهد أن لا اله الا الله وان محمدا رسول الله وتوحيد اهل الباطل الخوض في الأعراض والأجسام وانما بعث النبي صلى الله عليه وسلم بانكار ذلك وذلك ان التوحيد الذي بعث الله به رسله هو عبادة الله وحده لا شريك له وهو معنى شهادة أن لا اله الا الله وذلك يتضمن التوحيد بالقول والاعتقاد وبالارادة والقصد وأما الخوض في الأعراض والأجسام كما خاض فيه المتكلمون كقولهم ليس بجسم ولا عرض ونحو ذلك فأول من ابتدعه في الاسلام الجهمية واتباعهم من المعتزلة لا يعرف في هذه الأمة حدوث القول في الله بأنه ليس بجسم

# ولا جوهر ونحو ذلك الا من جهة هؤلاء وكذلك الاستدلال على حدوث العالم بطريق الجسم والعرض انما ابتدعها في الاسلام هؤلاء وهذا أصل علم الكلام الذي اطبق على ذمة أئمة الاسلام من الأولين والآخرين ولما ابتدع هؤلاء القول بأنه ليس بجسم ولا جوهر عارضهم الطائفة الأخرى من الشيعة وغيرهم فقالوا بل هو جسم # والسلف والأئمة لم يثبتوا هذه الاسماء لله ولا نفوها عنه لما في كل من الاثبات والنفي من الابتداع في الدين من اجمال واشتراك ويثبت به باطل وينفي به حق مع أن السلف والأئمة لم يختلفوا أن نفاة الجسم اعظم ضلالا وابتداعا من مثبتيه بل الأئمة والسلف تواتر عنهم من ذم الجهمية مالا يحصيه الا الله ولهم أيضا كلام في ذم المشبهة لكن أقل من ذم الجهمية بكثير وأما لفظ الجسم فلا يحفظ عن أحد منهم ذمه ولا انكاره كما لا يحفظ عنهم مدحه واقراره ولكن المحفوظ عنهم من الألفاظ الاثبات فقول نفاة الجسم انها هي التجسيم ويعدون أعلام الدين وأئمة الدين من المجسمين والمشبهين كما هو موجود في كتب مقالاتهم كما يعدون منهم مالكا وأصحابه وحماد بن سلمة وأصحابه والشافعي وأحمد بن حنبل واسحاق بن راهويه وأمثال هؤلاء الأئمة # ولما تكلم بنفي الجسم ابو الهذيل امام المعتزلة واتباعه وتكلم في اثباته هشام بن الحكم واشياعه قال هؤلاء الجسم هو الموجود هو القائم بنفسه ولا يعني بالجسم الا القائم بنفسه ولا يعقل قائم بنفسه الا الجسم وقالوا دعوى وجود قائم بنفسه ليس بجسم كدعوى قائم بنفسه لا تقوم به صفة فان المعتزلة يقولون ان الباري تعالى قائم بنفسه وأنه يمتنع أن يكون

# محلا للصفات والحوادث قالوا وهذان مثل دعوى قائم بنفسه لا يباين غيره ولا يتميز عنه قالوا واثبات موجود قائم بنفسه ليس هو جسما ولا يقوم به صفة مثل اثبات قائم بنفسه ليس حي ولا ميت ولا عالم ولا جاهل ولا قادر ولا عاجز كا يقوله من يقوله من الملاحدة والفلاسفة هذا كله جحد لما يعلم بضرورة العقل ومخالفة للبديهة والحس وما زال الأئمة يصفون مقالة الجهمية بأنها مخالفة للعقول وأن العقل يعلم أنهم يصفون العدم لا الوجود ولهذا عندهم نفاة التجسيم من المجسمة لموافقتهم لهم في أصل الاثبات وان خالفوهم في بعض التفاصيل # واذا كان كذلك فهذا الذي مستندا للداعين من الأولين والآخرين أنه هو الرجوع الى القياس العقلي وهو قياس ما غاب عنهم من الموجود على ما شاهدوه لا ينافي ما ذكروه من أن ذلك يقتضي علمهم الضروري بأن الذي يدعي ويسأل هو في جهة فوق لأن العلوم الضرورية الكلية لا بد فيها من قياس كما تقدم وهم كما قد يقولون يعلم بالضرورة ان الله فوق ويقولون أيضا يعلم بالضرورة أن مالا يكون داخل العالم ولا خارجه فانه معدوم ويقول من يفهم معنى الجسم على اصطلاح المتكلمين يعلم بالضرورة انه لا يكون موجود قائم بنفسه الا ما سميتموه الجسم ويقولون كل من رجع الى فطرته وفهم معنى ذلك ولم يصده عن موجب الفطرة ظن التقليد او اقيسة فاسدة وهوى من تعصب للمذهب المألوف فانه يعلم ذلك ويثبتون ذلك بالمقاييس العقلية التي هي أقوى من مقاييس النفاة # واذا كان كذلك فنفي التجسيم لا يمكن ان يكون بنص ولا اجماع بل ولا بأثر عن أحد من سلف الأمة وأئمتها وليس مع نفاته الا مجرد

# ما يذكرونه من الأقيسة العقلية فاذا كان رفع الأيدي الى السماء في الدعاء مستلزما لاعتقاد الدعاة التجسيم وهم يثبتون ذلك بالأقيسة العقلية أيضا كان جانبهم أرجح لو لم يجيبوا عن حجج النفاة فكيف اذا اجابوا عنها واذا بينوا ان نقيض قولهم مستلزم للتعطيل لتعطيل وجود الباري ذاته وصفاته وتعطيل معرفته وعبادته ودعائه # الوجه التاسع والثلاثون أن يقال ليس قول القائل بأن رفع الأيدي الى السماء مستلزم التجسيم بأعظم مما يقال لكل من أثبت شيئا من الأسماء والصفات فان الملاحدة من المتفلسفة واتباعهم الذين يجمعون بين النقيضين فيقولون لا موجود ولا معدوم ولا حي ولا ميت أو يقولون لا يقال موجود ولا معدوم ولا حي ولا ميت يزعمون أن هذه الأسماء لا تقال الا لما هو جسم ونفاة الصفات من العلم والقدرة وغيرها يقولون ان هذه الصفات لا تقوم الا بجسم ومنكروا الرؤية والقائلون بخلق القرآن يقولون لا يمكن أن يرى الا جسم ولا يقوم الكلام الا بجسم وهو يبينون ذلك اعظم من بيان هذا المؤسس ان الرافعين لأيديهم في الدعاء مستندهم اعتقاد أن المدعو جسم # وحينئذ فلا يخلو اما أن يكون ما ذكره النفاة من لزوم التجسيم لهؤلاء المثبتة حقا او باطلا فان كان ذلك حقا كان التجسيم حقا اذ الاثبات للأسماء والصفات حق معلوم بالضرورة العقلية وبالنصوص السمعية وقول النفاة مستلزم للجمع بين النقيضين ولغير ذلك من السفسطة وان كان ما يذكره هؤلاء النفاة من لزوم التجسيم باطلا فانتفاء هذا اللازم في حق الداعين اولى وأوكد # الوجه الاربعون أن يقال ومن المعلوم ان هذاب الباب كثيرا ما يقال فيه ان الناس يتناقضون فيه فيثبت أحدهما شيئا من وجود واجب او اسم او صفة وينفي

# لوازمه او ينفي الجسم ونحوه ويثبت ملازمه ولا ريب أن باب الاثبات حجته العقلية الضرورية والنظرية اعظم من حجج النفي فان النفاة ليس معهم حجج ضرورية وليس معهم قياس عقلي الا ومع أولئك ما هو أقوى واكثر هذا اذا لم يعرف الانسان القدح في مقاييسهم والا فمن عرف القدح فيها تبين له أن حاصلها تهويل لا تحصيل وأما الحجج السمعية فهي مع المثبتة أضعافا مضاعفة وليس مع النفاة ما يفيد ظنا # واذا كان كذلك فالذي تسميه النفاة تجسيما اذا كان لازما أمكن المثبتة أن تلزمه ويكون مقرره الأدلة العقلية والسمعية وأما النفاة فلا يمكنهم النفي الا تركوا العقل والسمع وهذه حال أهل النار الذين ^ قالوا لو كنا نسمع أو نعقل ما كنا من اصحاب السعير ^ واذا لم يكن لازما لم يحتج الى اثباته وان دفع الشك في لزومه وكان في تناقض المثبت مع نفي الجسم قولان فلا ريب ان تناقض المثبت اقل بكثير من تناقض النافي ومتابعته الأدلة السمعية والعقلية اكثر وتقريره للفطرة والشرعة أظهر واذا كان ما في جانبه من الخطأ أقل لم يحزأن يرجع الى من خطأه اكثر بل على ذلك ان يوافقه على ما معه من الصواب ثم ان رجعا جميعا الى تمام الصواب والا كان استكثارهما من الصواب اولى وأحب من استكثار الخطأ
فصل # قد ذكر ابو عبد الله الرازي في نهاية العقول له لمثبتي الجهة حججا أخرى فنذكر هنا أيضا ما ذكره من الجانبين في الكتابين فقال واحتج مثبتو الجهة بأمور اربعة أولها أنا نعلم بالضرورة ان كل موجودين قائمين بأنفسهما فلا بد وأن يكونا متباينين وتعلم بالضرورة أن التباين بين الشيئين لا يخلو عن

# احد الوجوه الثلاثة التباين بالحقيقة او بالزمان او بالمكان واذا ثبت ذلك فنقول التباين بين الباري تعالى وبين العالم لا يمكن ان يكون بالحقيقة او بالزمان او بهما فقط لأن الجوهر يباين العرض الحال فيه بالحقيقة وبالزمان وكذلك العرضان الحالان في محل واحد قد تباينا تباينا بالحقيقة والزمان مع أنا نعلم بالضرورة أن بين الباري وبين العالم من التباين ما ليس بين الجوهر وما حل فيه وبين العرضين الحالين في المحل الواحد اذ لا بد من زيادة بيان على هذين القسمين ولا ثالث يعقل الا التباين بالمكان فوجب أن يكون التباين بين الباري تعالى وبين العالم بالمكان وذلك يقتضي كون الباري تعالى في الجهة # ثم قال والجواب عما تمسكوا به اولا أن المحل مباين للحال في الحقيقة والزمان ولكن أحدهما حال في الآخر محل له ويشتركان أيضا في الحدوث والامكان والحاجة الى المؤثر وأما الباري تعالى كما خالف العالم في الحقيقة وفي الزمان فليس حالا فيه ولا محلا له ولا بينهما مشاركة في الحدوث والامكان والحاجة فلما كان كذلك كان الاختلاف بين الباري تعالى وبين العالم اتم من الاختلاف بين الحال وبين المحل فاذا ادعيتم ثبوت التباين بينهما من غير هذه الوجوه حتى تقولوا يجب أن يكون ذلك التباين بالمكان فهو محل النزاع # قلت وهذه الحجة التي ذكرها عن ابن الهيصم من بعض الوجوه والكلام على هذا من وجوه # أحدها ان هذا الذي ذكره من الجواب تقرير لحجة المنازع وتوكيد لها ليس بجواب عنها ومثل هذا يفعله هذا وامثاله في مواضع قال تعالى ^ أو من ينشؤ في الحلية وهو في الخصام غير مبين ^ قالوا هي المرأة لا تتكلم بحجة لها الا كانت عليها وهؤلاء فيهم من التخنث بمشابهتهم المشركين الذين قال الله ^ ان يدعون

# من دونه الا اناثا وان يدعون الا شيطانا مريدا ^ ما شابهوا به النساء وكذلك ان حجة المنازع مبنية على مقدمات احداهن ان الله مباين للعالم والثانية ان المباينة ليست بالحقيقة او الزمان أو المكان والثالثة أن مباينته للعالم أعظم من أن يكون بمجرد الحقيقة او الزمان واذا اثبتت هذه المقدمات لزم أن يكون مباينا له بالمكان # ويظهر ذلك بنظم ذلك في قياسين أحدهما ان يقال الباري مباين للعالم وكل مباين لغيره فلا بد وأن يكون مباينا بالحقيقة او الزمان او المكان فينتج ان الباري سبحانه لا بد أن يكون مباينا للعالم بالحقيقة او الزمان أو المكان ثم يقال ومباينته للعالم ليست بمجرد الحقيقة والزمان وكل مباينة ليست بمجرد الحقيقة والزمان فلا بد أن تكون بالمكان فينتج أنه لا بد من المباينة بالمكان # اذا تبين نظم الدليل فقولهم الباري مباين للعالم لا منازعة فيه وقد ذكروا ان ذلك معلوم بالضرورة في كل موجودين قائمين بأنفسهما ولم ينازعهم في ذلك وقولهم كل مباين لغيره فلا بد وأن تكون مباينته بأحد الوجوه الثلاثة قد ذكروا أن ذلك معلوم بالضرورة قالوا ويعلم بالضرورة أن التباين بين الشيئين لا يخلو عن أحد الوجوه الثلاثة التباين بالحقيقة أو بالزمان أو بالمكان وقد سلم لهم ذلك ولم ينازعهم فيه فاثبتوا بذلك أن الباري لا بد أن يكون مباينا للعالم بالحقيقة أو الزمان أو المكان # وأما القياس الثاني قولهم مباينته ليست بمجرد الحقيقة والزمان أثبتوا ذلك بأن قالوا المباينة بالحقيقة وبالزمان بين الحال والمحل وبين الحالين في المحل مع أنا نعلم بالضرورة أن بين الباري وبين العالم من التباين ما ليس

# بين المحل والحال فيه وبين الحالين في المحل والمحل هو الجوهر والحال فيه هو العرض واذا كان التباين الذي بينه وبين العالم زائدا على تباين هذين وهذان متباينان بالحقيقة وبالزمان لم يكن التباين بينه وبين العالم بمجرد الحقيقة والزمان فانه اذا كانت مباينته للعالم أعظم من مباينة المباين لغيره بالحقيقة والزمان لم تكن من جنسها وهذا بين فانه اذا كانت حقيقة المباينة بمجرد الحقيقة والزمان لم يمتنع أن يكون أحدهما حالا في الآخر او يكونان جميعا حالين في محل واحد وهذا تقوله الحلولية من الجهمية فان القائل اذا قال الباري مباين للعالم وهو مع هذا حال فيه أو محل له ومباينته له بانه قبله وأن حقيقته تخالف حقيقته كما يباين الجوهر العرض والعرض الجوهر لم تكن المباينة بالحقيقة والزمان مانعة من هذه المحايثة فاذا كانت المحايثة منتفية لم يكن بد من اثبات مباينة تتقي هذه المحايثة والمباينة بالحقيقة والزمان لا تنفي المحايثة # ولهذا لما زعم الجهمية أنه ليس مباينا بالمكان اضطربوا بعد ذلك فقال جمهور علمائهم لا هو محايث للعالم ولا هو خارج عنه وقال كثير من عامتهم وعبادهم وعلمائهم بل هو محايث فانه اذا ارتفعت المباينة بالمكان لم يبق الا المحايثة ولا ريب أن قول هؤلاء اقرب الى المعقول لكنه اقرب الى العقل ابتداءا حيث جعلوه موجودا محاثيا للعالم لكنه أعظم تناقضا وجهلا من وجه آخر فان ما به نفوا أن يكون على العرش هو أعظم نفيا لكونه محايثا للعالم ولأن في كونه في نفس المخلوقات من الكفر والضلال ما فيه شناعة تزيد على النفي المطلق الذي لا يفهم بحال وأيضا فالأدلة الدالة على أنه فوق العالم وأنه مباين للعالم تمنع المحايثة أيضا

# والمقصود هنا أنهم اذا لم يثبتوا الا المبيانة بالحقيقة أو بالزمان لم يكن العلم بهذه المباينة مانعا من جواز المحايثة عليه لأن العرض والجوهر بينهما تباين بالحقيقة وبالزمان مع تحايثهما وهذا قد اتفقوا على نفيه وقد ذكروا انهم يعلمون بالاضرار ان بين الباري تعالى وبين العالم من التباين ما ليس بين الجوهر والعرض الحال فيه وهذا بين اذ لولا زيادة التباين لجاز أن يكون العالم كالعرض في الخالق والخالق جواهر قائمة بنفسها أو يكون الخالق كالعرض القائم بالجوهر ومعلوم أن هذا أشد استحالة باتفاق العقلاء فان الباري قائم بنفسه وهو المقيم لكل قائم فضلا عن أن يكون كالعرض في الجوهر والعالم جواهر قائمة بانفسها فثبت بذلك أن مباينته للعالم ليست بمجرد الحقيقة والزمان واذا ثبت ذلك فالمقدمة الثانية وهو أن المباينين الذين ليس تباينهما بمجرد الحقيقة والزمان فلا بد أن يكونا متباينين بالمكان وقد تقدمت وتقدم ما ذكر وسلم فيها من العلم الضروري # اذا تبين ما ذكره من حجتهم فقوله في الجواب ان المحل مباين للحال في الحقيقة والزمان ولكن احدهما حال في الآخر والآخر محل له ويشتركان ايضا في الحدوث والامكان والحاجة الى المؤثر كلام صحيح لكن مضمونهما أنهما مع التباين بالحقيقة والزمان متحايثان مشتركان في الحيز وفي أمور أخرى وهي الحدوث والامكان والحاجة الى المؤثر وهذا الكلام انهما مع هذا التباين متحايثان ومشتركان ومجتمعان في أمور اخرى فتكون المباينة بينهما دون المباينة بين العالم والباري وهكذا قال القوم انا نعلم بالضروة ان بين الباري سبحانه

# ومن العالم من التباين ما ليس بين الجوهر الذي هو المحل وبين ما حل فيه فما ذكره تقرير لذلك # وقوله واما الباري كما خالف العالم في الحقيقة وفي الزمان فليس حالا فيه ولا محلا له ولا بينهما مشاركة في الحدوث والامكان والحاجة فلما كان كذلك كان الاختلاف بين الباري تعالى وبين العالم أتم من الاختلاف بين الحال والمحل فيقال له هذا توكيد لما قالوه لأنهم ذكروا أن مباينة الباري تعالى أتم فانه غير محايث اذ ليس هو حالا في العالم ولا محلا له بخلاف الجوهر والعرض واما عدم المشاركة في الحدوث فيعود الى المباينة بالزمن فان القديم قبل المحدث والى المباينة بالحقيقة فان حقيقة القديم مخالفة لحقيقة المحدث وأما عدم المشاركة في الامكان والحاجة الى المؤثر فيعود الى المباينة بالحقيقة فان الواجب بنفسه الغنى عن غيره حقيقته مخالفة لحقيقة الممكن في نفسه المفتقر الى غيره فهذا الذي ذكره مضمونه أن مباينة الباري أتم من مباينة الجوهر للعرض لأنه مع المخالفة بالحقيقة وبالزمان غير محايث وهكذا قال القوم ان مباينة العالم أزيد من مباينة الجوهر للعرض فهذا الكلام تقرير لمقدمة من مقدمات دليلهم # وقوله بعد ذلك فاذا ادعيتم ثبوت التباين بينهما من غير هذه الوجوه حتى تقولوا يجب أن يكون ذلك التباين بالمكان فهو محل النزاع يقال أولا ليس هذا جوابا للقوم فانك لم تمنعهم شيئا من مقدمات دليلهم ولا عارضتهم ولكن ذكرت كلاما اجنبيا وذكرت أنهم ينازعونك في المباينة بالمكان ولا ريب أنهم ينازعونك في ذلك لكن قد أقاموا حجة ولم تمنع شيئا من مقدماتها ولكن حكيت مذهبك وحكاية المذهب ليست جوابا لم احتج على بطلانه



 
 توقيع : محمد الغماري

احفظ الله يحفظك

تستطيع أن ترى الصورة بحجمها الطبيعي بعد الضغط عليها

moh_elgmare@yahoo.com


رد مع اقتباس