03 Apr 2010, 04:03 AM
|
#10
|
|
وسام الشرف
|
بيانات اضافيه [
+
]
|
|
رقم باحث : 8176
|
|
تاريخ التسجيل : Jan 2010
|
|
أخر زيارة : 08 Aug 2011 (06:14 AM)
|
|
المشاركات :
1,109 [
+
] |
|
التقييم : 10
|
|
|
لوني المفضل : Cadetblue
|
|
# بالنداء انما هو يتعين في الباطن بقصد الداعي وفي الظاهر باشارته والمنادي الداعي ونحوه من ذوي الطلب والاستدعاء او المخبر المحدث قد يشير اشارة ظاهرة الى المنادي وغيره من المقصودين اما لتعريف المخاطبين اذا لم يعرفوا المعين الا بذلك مثل من ينادي رجلا بعينه في رجال فيقول يا رجل او يا هذا او يا زيد ويكون هناك جماعة اسمهم زيد ولا بد أن يشير اليه اما بتوجيه وجهه نحوه او بعينه او براسه أو يده أو غير ذلك وتارة يشير توكيدا وتحقيقا لخطابه وإذا كان متميزا بالاسم ولا يجوز ان يدعو احدا وتكون الاشارةخ الى غير من دعا فلا يجوز ان يقول يا زيد ويشير الى غير من قصده او يا هذا ويشير الى غير من قصده # فاذا قال الداعي اللهم وأشار برأسه او عينه او وجهه أو يده أو أصبعه لم تكن اشارته الا الى الله الذي دعاه وناداه وناجاه لا الى غيره اذ المدعو المنادى من شأن الداعي ان يشير اليه وليس هنا من يشير اليه الداعي بقوله اللهم او يا الله ونحو ذلك الا الله فهو الذي يشير اليه بباطنه وظاهره واشارته اليه بباطنه وظاهره هي قصده وصمده ذلك من معنى كونه صمدا اي يصمد العباد له واليه ببواطنهم وظواهرهم وهو من معنى كونه مقصودا مدعوا معبودا وهو من معنى الهيته فيدعونه ويقصدونه ببواطنهم وظواهرهم فكما لا يجوز ان يكون القصد بالقلب اذا قالوا يا الله لغيره بل هو المقصود بالباطن فكذلك هو ايضا المقصود بالظاهر اذا قالوا ي الله وأشاروا بظواهرهم بحركة ظاهرة بالاشارة اليه والتوجه نحوه وقصده كحركة بواطنهم بالاشارة اليه والتوجه نحوه وقصده لكن الظاهر تبع للباطن ومكمل له فمن دفع هذه الاشارة اليه فهو كدفع الاشارة اليه بالقلب وذلك دفع لقصده الدافع لدعائه المتضمن لدفع عبادته ولكونه صمدا
# فهؤلاء المعطلة حقيقة قولهم منع أن يكون صمدا مدعوا معبودا مقصودا كما أن حقيقة قولهم منع أن يكون في نفسه حقا صمدا موجودا فقولهم مستلزم لعدم نفسه وتعطيله ولعدم معرفته وعبادته وقصده وان كانوا من وجه آخر يقرون بوجوده وعبادته ودعائه وقصده اذ ليسوا معطلين مطلقا بل جامعين بين الاقرار والانكار والاثبات والنفي ولهذا كان أهل المعرفة بالله متفقين على أنه لا يتم معرفة عبد بربه ويتم قصده له وتوجهه اليه ودعاه له الا باقراره بأنه فوق العالم وأنه باقراره بذلك تثبت الالهية في قلبه ويصير له رب يعبده ويقصده وبدون ذلك لا يبقى قلبه مستقرا مطمئنا الى اله يعبده ويقصده بل يبقى عنده من الريب والاضطراب ما يجده من جرب قلبه في هذه الأسباب كما قال الشيخ ابو جعفر الهمداني ما قال عارف قط يا الله الا وجد في قلبه ضرورة تطلب العلو لا تلفت يمنة ولا يسرة # وكذلك المخاطب له بمثل قوله ^ اياك نعبد واياك نستعين ^ هو مثل الداعي بقوله ^ اهدنا الصراط المستقيم ^ فان الخطاب كله سواء كان بالأسماء المضمرة منفصلها ومتصلها مرفوعها ومنصوبها ومخفوضها كقوله انت ربي وأنا عبدك وقوله ^ اياك نعبد ^ وقوله اسلمت نفسي اليك ووجهت وجهي اليك وفوضت امري اليك وقوله خلقتني ورزقتني وقوله نستعينك ونستهديك ونستغفرك # الوجه العشرون أن كون الرب الها معبودا يستلزم أن يكون بجهة من عابده بالضرورة وذلك ان العبادة تتضمن قصد المعبود وارادته وتوجه القلب اليه وهذا امر يحسه الانسان من نفسه في جميع مراداته ومقصوداته ومطلوباته ومحبوباته التي قصدها وأحبها وطلبها دون قصده وحبه وطلبه للآلهة كما قال تعالى ^ ومن الناس من يتخذ من دون الله اندادا يحبونهم كحب الله والذين آمنوا أشد حبا لله ^
# والانسان يحس من نفسه أنه اذا قصد شيئا او احبه غير نفسه فلا بد وان يكون بجهة منه وانه اذا قيل له اقصد او اطلب او اعبد أو احب من لا يكون بجهة منك ولا هو فيك ولا فوقك ولا تحتك ولا أمامك ولا وراءك ولا عن يمينك ولا عن شمالك كان هذا امرا بالممتنع لذاته ليس هو امرا بممكن لا يطيقه والممتنع لذاته يمتنع الأمر الشرعي به باتفاق المسلمين ويكون حقيقة الأمر اعبد من يمتنع ان تعبد واقصد من يمتنع ان تقصد وادع من يمتنع ان يدعى ووجه وجهك الى من يمتنع التوجه اليه وهذا امر بالجمع بين النقيضين # وقد ذكرنا نظير هذا غير مرة وبينا ان قول الجهمية يستلزم الجمع بين النقيضين وان يكون موجودا معدوما معبودا غير معبود مأمورا بعبادته منهيا عنها فحقيقته امر بعبادة العدم المحض والنفي الصرف وترك عبادة الله سبحانه وهذا رأس الكفر وأصله وهو لازم لهم لزوما لا محيد عنه واذا كان فيه ايمان لا يقصد ذلك لكن الذي ابتدع هذا النفي ابتداءا وهو عالم بلوازمه كان من أعظم المنافقين الزنادقة المعطلين للصانع ولعبادته ودعائه # ولهذا تجد هذا السلب انما يقع كثيرا من متكلمي الجهمية الذين ليس فيهم عبادة لله ولا انابة اليه وتوجه اليه وان صلوا صلوا بقلوب غافة وان دعوه دعوه بقلوب لاهية لا تتحقق قصد المعبود المدعو فانها متى صدقت في العبادة والدعاء اضطرت الى قصد موجود يكون بجهة منها فتنتقل حينئذ الى حال عبادة الجهمية فتجعله في كل مكان او الوجود المطلق ويتوجه بقلبه الى الجهات الست فبينما كان في نفيه عن الجهات الست صار مثبتا له في الجهات الست وهذا حال الجهمية دائما يترددون بين هذا النفي العام المطلق وهذا الاثبات العام المطلق وهم في كلاهما حائرون ضالون لا يعرفون الرب الذي امروا بعبادته
# وكل من جرب نفسه وامتحنها من المؤمنين علم من نفسه علما يقينيا ضروريا يجده من نفسه كما يجد حبه وبغضه ورضاه وغضبه وفرحه وحزنه انه متى صدق في عبادة الله ودعائه والتوجه اليه بقلبه لزم ان يقصده بجهة منه فان كان على فطرته التي فطر عليها او ممن هو مع ذلك مؤمن بما جاءت به الرسل قصد الجهة العالية وان كان ممن غيرت فطرته قصد الجهات كلها وقصد كل موجود فلهذا قال الشيخ ابو جعفر الهمداني لأبي المعالي ما قال عارف قط ي الله الا وجد من قلبه ضرورة تطلب الجهة العالية لا تلتفت يمنة ولا يسرة # فتبين ان قوله ^ اياك نعبد واياك نستعين ^ بل وقوله ^ اهدنا الصراط المستقيم ^ لا يصدق في قول ذلك الا من يقر ان الله فوقه ومن لم يقر بذلك يكون فيه نفاق عنده قصد بلا مقصود وعبادة بلا معبود حقيقي وان كان مثبتا له من بعض الوجوه لكن قلبه لا يكون مطمئنا الى انه يعبده # يوضح ذلك ان عبادة القلب وقصده وتوجهه حركة منه وحركة الانسان بل كل جسم لا يكون الا في جهة اذ الحركة مستلزمة للجهة وتقدير متحرك بلا جهة كتقدير حركة بلا متحرك وهذا مما لا نزاع فيه بين العقلاء لكن غلاة المتفلسفة قد يزعمون ان القلب والروح ليس جسما وانه لا داخل البدن ولا خارجه وهذا معلوم فساده بالحس والعقل والسمع كما قد بيناه في غير هذا الموضع وغلاة المتكلمين يزعمون ان الروح انما هو عرض من اعراض البدن ليست شيئا ينمارق البدن ويقوم بنفسه وهذا ايضا فاسد في الشرع والعقل كما بيناه في غير هذا الموضع واذا عرف فساد القولين علم ان الروح التي فينا جسم يتحرك ثم نقول القلب الذي هو مضغة يحس الانسان من نفسه بصمود وارتفاعه الى فوق عند اضطراره الى الله تعالى
# الوجه الحادي والعشرون قوله في نهايته الاشارة الى فوق سببها الالف والعادة وجريان الناس على ذلك وقد ذكر مستند هذه العادة أنه مستند فاسد # يقال هذه المقدمة تقرر بوجوه # احدها ان ذلك يستلزم علما ضروريا بأن مدعوهم فوق كما تقدم من انهم يجدون هذا العلم الفطري الضروري وانهم يخبرون بألسنتهم انهم يجدونه وان افعالهم واقوالهم تدل على انهم يجدونه وهذا العلم يلزم نفوسهم لزوما لا يمكنهم الانفكاك عنه اعظم من لزوم العلم الضروري بالأمور الحسابية والطبيعية مثل كون الواحد ثلث الثلاثة وان الجسم لا يجتمع في مكانين وذلك ان ذلك علم مجرد ليسوا مضطرين اليه بل قد لا يخطر ذلك ببال احدهم وأما هذا العلم فهم مع كونهم مضطرين اليه هم مضطرون الى موجبه ومقتضاه وهو الدعاء والسؤال والذل والخضوع للمدعو المعبود الذي هو فوق فهم مضطرون الى العلم والى العمل الذي يتبع هذا العلم وهو السؤال والطلب وان كان فيهم من يكون عند ظنه الاستغناء ويحمله الاستكبار على الأعراض عن هذا العلم والاعتراف والطلب والارادة والدعاء او يحمله عليه اعتقاد فاسد او عادة فاسدة فهذا لا يخرجه عن ان يكون ضروريا فان هذا من اعظم السفسطة التي يدعو اليها أهل التقليد للآباء وطلب العلو والفساد في الأرض ومن المعلوم انه مع قوة الصارف المعارض للداعي لا يكون حاله كحال الداعي الذي لم يعارضه صارف # وما ذكر من مبادىء العلم الحسابي والطبيعي كالعلم بأن الواحد نصف الاثنين وان الجسم لا يكون في مكانين ونحو ذلك ليس الداعي الى هذا العلم قويا في النفوس ولا الصارف عنه قويا في النفس ولهذا تجد عامة من يصير هذا العلم
# قائما بنفسه من عنده نوع نظر وبحث فيما يتعلق بذلك وتجد الحاجة لمثل هذا النوع فساد خاص في عقله او غرض خاص وأما العلم الالهي فهو أجل واشرف فانه ضروري لبني آدم علما وارادة فطروا على ذلك موجود هذا العلم والأرادة الضروريتين في أنفسهم اكثر وأكثر من وجود ذلك والمعارض لهذا لا بد وأن يكون قويا اما اعتقاد فاسد كاعتقاد الجهمية المتأولين الذين لم يكابروا العقل وليس لهم غرض في خلاف الدين واما ارادة فاسدة قوية كارادة فرعون وقومه الذين قال الله فيهم ^ وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم ظلما وعلوا فانظر كيف كان عاقبة المفسدين ^ وقال له موسى ^ لقد علمت ما أنزل هؤلاء الا رب السموات والأرض بصائر ^ وهذه الارادة الفاسدة هي الهوى الذي يصد عن معرفة الحق وهو مرض في القلب يمنعه ما فطر عليه من صحة الادراك والحركة كما يمنع مرض العين ما فطرت عليه من صحة الادراك والحركة وكذلك المرض في سائر الأعضاء فهؤلاء الذين لا يجدون في انفسهم علما ضروريا وقصدا ضروريا لمن هو فوق العالم قد مرضت قلوبهم وفسدت فطرتهم ففسد احساسهم الباطن كما يفسد الاحساس الظاهر مثل المرة التي تفسد الذوق والحول والعشي الذي يفسد البصر وغير ذلك ولهذا انما يكون الاعتبار في هذا بذوي الفطر السليمة من الفساد والاحالة # فان قيل قد تكرر ما ذكرتموه من كون الناس مضطرين الى الاقرار بأن صانع العالم فوق ولا ريب ان هذا قد قاله طوائف كثيرة من أهل الكلام والحديث والفقه والتصوف وهو من أشهر حججهم وادلتهم عند خاصتهم وعامتهم لكن هذا مستلزم أن يكون الاقرار بالصانع فطريا ضروريا فانه اذا كان الاقرار بعلوه فطريا ضرويا فالاقرار به نفسه اولى ان يكون فطريا ضروريا لان العلم بالموصوف لا يجوز أن يتأخر عن العلم بالصفةخ والعلم بالقضية المرادية
# لا يجوز ان يتأخر عن العلم بفردها فاذا كان العلم بمضمون قولنا هو فوق علما ضروريا فالعلم به وبمعنى فوق أولى أن يكون ضروريا وليس الأمر كذلك فان الأقرار بالصانع انما هو معلو بالنظر والاستدلال كا هو مشهور عند العلماء النظار ولهذا تنازعوا في اول الواجبات هل العل نفسه او النظر المفضي اليه على قولين وان كان النزاع قد يقال انه لفظي لكون العلم واجبا لنفسه والنظر واجبا وجوب الوسائل التي تجب لغيرها وهذا نزاع مشهور في عامة الطوائف وهو قولان لاصحاب الامام احمد وغيرهم # قيل له من الناس من قد يقول في مثل هذا أن العلم بالتصديق والقضية المؤلفة اذا كان بديهيا ضروريا فقد يكون ذلك لكون تصور المفردين بديهيا وهذا هو البديهي تصورا وتصديقا وقد يكون تصور المفردين كسبيا نظريا ولكن بعد حصول تصورهما يكون العلم بنسبة احدهما الى الأخر بديهيا ضروريا لا يفتقر الى وسط بينهما يكون دليلا على المطلوب واذا كان كذلك لم يجب اذا كان العلم بأنه فوق بديهي ضروري أن يكون العلم بمعناه وبمعنى فوق بديهيا ضروريا لكن هذا القول لم يجب به لأن القائلين بأن العلم بهذا بديهي ضروري قالوا انه فطري لبني آدم بدون نظر قياسي يكون سابقا على هذا العلم فهم جعلوه من الفطري الضروري البديهي المطلق # ولأن البديهي للتصديق دون التصور انما يقف على ما يحصل به تصور المفردين لا يقف على ما يحصل به وجود المفردين في الخارج فهب أن العلم بمسمى اسم الله فطري لكن العلم بوجوده هو أيضا علم بتصديق كالعلم بعلوه ولأن دعوى كون التصور مطلوبا يعلم بالحدود باطل كما بيناه في غير هذا الموضع
# وبيتا ان الحدود لا تفيد الا لتمييز بين المحدود وغيره لا تفيد المستمع تصور ما لم يتصوره بدونها وأن التصورات لو لم تعلم الا بالحدود لأفضى الى الدور ولأن الحاد يجب أن يتصور المحدود قبل أن يحده وان الحد من باب الاقوال والعبارة والقول لا يفيد المستمع ان لم يكن متصورا لمفردات الكلام قبل ذلك بنفسها او بنظيرها اذ العلم بالمعنى الذي قصده المخاطب يفتقر الى العلم بأن اللفظ دال على المعنى موضوع له والعلم بكون اللفظ موضوعا للمعنى يقف على العلم بالمعنى وباللفظ فلا يجوز ان يكون تصور ذلك المعنى مستفادا من اللفظ الذي لا يدل الا بعد أن يعلم المعنى وأن اللفظ موضوع له ودال عليه ولان المعرف للمفرد بالقول اما أن يعرفه بلفظ مفرد مطابق له وهو الاسم او يعرفه بذكر صفة مخصوصة به ولفظ تلك الصفة بمنزلة الاسم في العموم والخصوص كالناطق والانسان واما أن يعرفه بذكر الخاص بعد العام فتصور العام وشموله لتلك الأفراد مسبوق بتصور تلك الأفراد فلو كان تصور تلك الأفراد مستفادا من العام لزم الدور اذ علم المتكلم والمستمع بأن الانسان حيوان مسبوق بتصور الانسان والحيوان اذ لا يعلم أن الانسان حيوان الا من يعلم الانسان ولا يعلم ان الحيوان جسم الا من يعلم الحيوان والجسم فلو كانت معرفة الانسان لا تستفاد الا بعد معرفة الحيوان ومعرفة الحيوان لا تعلم الا بعد معرفة مفرداته التي يوصف بها لزم الدور وذلك أن الأجناس الكلية لا وجود لها كلية الا في الأذهان والذهن انما يجردها اذا أحس بها معينة موجودة مشخصة في الخارج لكن يقال انه قد ينتزعها من بعض الأعيان مثل ان يتصور الحيوان من جهة معرفته بالفرس ولا يتصور كون الانسان هو أيضا كذلك فيقال له ذلك المعنى الذي يوصف به الفرس يكون نظيره للأمر الذي يحد لك وهو الانسان لكن هذا أيضا يلزم الدور فانه ليس علم الانسان بانطباق بعض الانواع بأنه حيوان أولي من العلم بانصاف النوع الآخر به
# وأهل هذه الحدود لا يقولون المحدود هو نوع الانسان دون الفرس ولا بالعكس بل الحدود لهذه الأنواع كلها سواء بل علم الانسان عندهم بنفسه وبنوعه وبصفاته هي عنده اسبق واظهر من علمه بصفات غيره ن الأنواع وبالجملة فليس موضع هذا وانما المقصود هنا أنا لا نجيب بذلك الجواب بل نقول هب أن العلم بأنه فوق اذا كان فطريا ضرويا أولى فأي محذور في ذلك # قوله المشهور عند النظار أن العلم بالصانع انما يحصل بالنظر والاستدلال وهو ترتيب الأقيسة العقلية # يقال له ليس هذا قول أحد من سلف الأمة ولا ائمتها ولا قاله أحد من الأنبياء والمرسلين ولا هو قول كل المتكلمين ولا غالبهم بل هذا قول محدث في الاسلام ابتدعه متكلمو المعتزلة ونحوهم من المتكلمين الذين اتفق سلف الأمة وأئمتها على ذمهم وقد نازعهم في ذلك طوائف من المتكلمين من المرجئة والشيعة وغيرهم وقالوا بل الاقرار بالصانع فطري ضروري بديهي لا يجب ان يتوقف على النظر والاستدلال بل قد يقولون يمتنع ان يحصل بالقياس والنظر وهذا قول جماهير الفقهاء والصوفية واهل الحديث والعامة وغيرهم بل قد اتفق سلف الأمة وأئمتها على ان معرفة الله والاقرار به لا يقف على هذه الطرق التي يذكرها اهل طريقة النظر بل بعض هذه الطرق لا تفيد عندهم المعرفة فضلا عن أن يكون الله لا يقر به مقر ولا يعرفه عارف الا بالطريقة المشهورة له من اثبات حدوث العالم بحدوث صفاته مع دعواهم أن الله لا يعرف الا بهذه الطريقة وهذه مسألة عظيمة ليس هذا موضع بسطها وقد بسطناها في غير هذا الموضع # وياق ان أصل المعرفة والاقرار بالصانع لا يقف على النظر والاستدلال بل يحصل بديهة وضرورة ولهذا يقر بالصانع جميع الأمم مع عظيم شركهم
# وكفرهم وأنهم لا يسلكون من هذه الطرق المشهورة عند النظار مثل الاستدلال بالحدوث على المحدث وبالامكان على الواجب ولهذا يوجد له عند كل أمة اسم يسمونه والتسمية مسبوقة بالتصور فلا يسمى أحد الا ما عرفه ثم المستمع لذلك الاسم يقبل بفطرته ثبوت المسمى به من غير طلب حجة على وجوده ويكون قبولها لذلك كقبولها لأسماء سائر ما أدركه بحسه وعقله مثل الشمس والقمر والواحد والاثنين بل هذا أكمل واشرف ودلائل هذا كثيرة ليس هذا موضعها # ومع هذا فالطرق النظرية تفيد العلم والمعرفة ولا منافاة بين كون الشيء يعلم بالبديهة والضرورة ويكون عليه أدلة وهي نوعان # احدهما الآيات كما يذكر الله ذلك في القرآن والآية هي دليل عليه بعينه لا تدل على قدر مشترك بينه وبين غيره منفس الكائنات وما فيها وهو عين وجودها في الخارج مستلزم لوجود الرب وهو آية له ودليل عليه وشاهد بوجوده بعينه لا قدر مشترك بينه وبين غيره # الثاني ضرب الأمثال والقياس وهو نوعان أحدهما قياس الأولى والأخرى فهذا أيضا مما يذكره الله في القرآن لكن عامة ما يستعمل هذا في صفاته كاثبات وحدانيته في الهيته وقدرته ونحو ذلك # والثاني الأقيسة المطلقة اقيسة الشمول المنطقية واقيسة التمثيل وهذه التي يسلكها هؤلاء النظار المتكلمون من المتفسلفة ومتكلمي أهل الملل وهي اضعف الطرق وأقلها فائدة وطريقة المتكلمين أجود فانهم يثبتون بها ان للعالم محدثا وأما المتفلسفة فما يثبتون أولا الا وجودا واجبا ليس فيه انه صانع العالم ولا باريه ثم ان كلا من الصنفين لا بد أن يستعمل طريقته قضية كلية مثل
# قول أولئك العالم محدث او العالم فيه حوادث من جواهر وصفات وغير ذلك وكل محدث فلا بد له من محدث فان هذه قضية كلية وهي مع كونها معلومة بالبديهة والضرورة فقد يثبتها كثير من المعتزلة بقياس التمثيل وهو القياس على محدثات الآدمي من الدور والبنيان # ومن المعلوم أن علم الانسان بأن كل محدث لا بد له من محدث هو علم يندرج فيه أن هذا المحدث لا بد له من محدث وهذا المحدث لا بد له من محدث ومن المعلوم أن علمه بهذه الأفراد المعينة أسبق الى حسه وعقله من علمه بهذه القضية الكلية العامة كما في نظائر ذلك كما أن علمه هذا الانسان يحس ويلتذ ويتألم قبل علمه بأن كل انسان يحس ويلتذ ويتألم اذ الأمور الموجودة الحسية يكون العلم بها قبل أن يعقل عامة كلية واذا كان كذلك فعلم الانسان بأن هذا المحدث الذي علم حدوثه كما يشهده من الحوادث او يعلم حدوثه بدليل او قياس علمه بأن هذا المحدث لا بد له من محدث لا يحتاج الى أن يعلم قبل ذلك أن كل محدث فلا بد له من محدث فلا يحتاج في العلم بالمحدث الى هذه القضية الكلية والقياس المشتمل عليها وان كان ذلك أيضا من جملة الأقيسة والأمثال المضروبة التي يثبت بها ذلك لكن ينبغي أن يكون على وجه أالأولى بأن يقال اذا كان هذا المحدث الصغير لا بدل له محدث فهذا المحدث الكبير أولى # وأيضا فنحن لم نشهد محدثا تاما مطلقا اذ لا محدث تام على الحقيقة الا الله سبحانه فظن من ظن من المعتزلة أنه انما يعرف ان المحدث يفتقر الى محدث الا بالقياس على احداث الآدميين غلط وذلك أن حكم الاصل أضعف من حكم الفرع فان الانسان وان زعموا انه يحدث تصرفاته فلا ريب انه يفتقر فيما يبنيه وينسجه الى آلة خارجة عن قدرته فليس هو نظير حكم الفرع بل يستعمل قياس الأولى ليعلم ان حكم الفرع أقوى وأحق
# وكذلك قول القائل ان الممكن لا يترجح أحد طرفيه على الآخر الا بمرجح قضية كلية مضمونها أن جميع الممكنات وهي التي لا تستحق بنفسها الوجود ولا يمتنع عليها العدم فلا تكون موجوده الا بمرجح لكن العلم بها ليس باسبق ولا بأظهر من العلم بافرادها فان الانسان متى تصور أن الشيء الفلاني لا يستحق الوجود في نفسه ولا يمتنع أن ذلك الشيء الفلاني لا يوجد بنفسه بل نفس تصور الممكن يوجب هذا العلم فانه اذا قيل الشيء يجوز وجوده من غيره والشان انما هو في تعيين الأمور التي هي ممكنة وهذا قد يعلم بالحدوث المشهود او المستدل عليه فتكون طريقتهم تابعة لطريقة الأولين واما علم ذلك بغير هذه الطريق ففيها من الخفاء والنزاع ما ليس هذا موضعه # ولهذا كثر في هؤلاء من يجحد الصانع مع اقراره بوجود واجب ثم مع ذلك فأؤلئك انما يستفيدون بطريقهم العلم بالقدر المشترك بينه وبين سائر المحدثين اذ القضية الكلية لا تدل الا على القدر المشترك فيكونوا قد علموا من احداثه ما علموه من احداث سائر الحيوانات حتى البعوضة ومعلوم أن هذا علم قليل نزر بما يستحقه الرب ولم يعلموا من احداث ربهم الا ما اشركوا به فيه جميع الحيوانات فيكونون أبعد عن معرفة الله تعالى من المشركين الذين قال فيهم ^ وما يؤمن اكثرهم بالله الا وهم مشركون ^ # ونحن نعلم أن المحدث تعظم قدرته وفعله الأمر المحدث كما يعلم أن باني الدار العظيمة وناسج الثوب العظيم اعظم من باني الدار الصغيرة وناسج الثوب الصغير لكن القضية الكلية التي ذكروها تفيد أنه أعظم من سائر المحدثين
بقدر عظمة العالم على جميع مصنوعات اولئك وهذا بعض ما يستحقه الرب من التعظيم وعدم المماثلة لكن نفس الاحداث ايضا فيه من التفاوت اعظم من هذا التفاوت فما احدثه الرب وان كان اعظم فنفس احداثه ايضا اعظم وهو ليس من جنس احداث المخلوقين وما ذكروه من القياس لا يفيد هذا الا بدليل آخر اذ القضية الكلية لا تدل الا على القدر المشترك ثم قياسهم يدل على ذات ما موصوفة بهذاه الاحداث # ففي الجملة ليس في هذا القياس علم بخصوص الربوبية ولهذا كان ما ورد به القرآن من كونه رب العالمين وخالق كل شيء ونحو ذلك له من الربوبية على هذا ما لم يتسع هذا الموضع لذكره اذ غيره ليس ربا مطلقا ولا خالقا مطلقا ايضا فكان ما اثبته له من فعل العالم أثبته على الوجه المختص به لم يثبته باسم لا يفيد الا القدر المشترك كما فعله هؤلاء الذين قاسوا احداثه على احداثهم وأما الآخرون فانما يستفيدون الاقرار بوجود واجب الوجود قدرمشترك بينه وبين سائر الموجودات فكان معلوم هذا أبعد عن معرفة الله وما يخصه من معلوم اولئك اذ كونه محدثا فيه تعرض لربوبيته وفعله وان كانوا قد اشركوا بينه وبين الحيوانات وأما هؤلاء فانهم اشركوا بينه وبين سائر الموجودات باثبات وجوده ثم تمييزه بكون وجوده واجبا كتميز أولئك بأنه محدث العالم ولا ريب أن تمييز هؤلاء اجود فان كونه محدث العالم مستلزم غناه ووجوده بنفسه وأما العلم بمجرد كونه موجودا بنفسه فلا يفيد العلم بأنه صانع العالم ولا بأنه رب السموات والأرض ولا يفيد أيضا العلم بمغايرته لشيء من الموجودات التي لم يعلم حدوثها اذ كون وجوده واجبا لا ينفي بنفسه أن يكون بعض الذوات التي ليست محدثة ثم اذا قرروا أن الاجسام كلها ممكنة أو أن السموات والأرض كلها ممكنة وواجب الوجود غيرها او قرروا أن واجب الوجود
# لا يكون اثنين لم يستفيدوا بذلك الا مجرد ان الوجود المشترك بينه وبين غيره وجد بنفسه ولم يحتج الى فاعل فيكونون قد مثلوه بسائر الموجودات ولكن فرقوا بينه وبينها بالغنى عن الغير فقط وهذا الوصف قد يزعمون انه عدمي وقد يزعمون أنه اضافي وعلى هذين التقديرين فلا يكونون اثبتوا لرب العالمين الا ما أثبتوه لسائر الموجودات وهذا يجمع كل شرك في العالمين وان زعموا أنه ثبوتي نقضوا ما أثبتوه وحده واجب الوجود بحيث اثبتوا لواجب الوجود امرين ثبوتيين وهذا باب واسع يطول الكلام فيه # فظهر أن قيستهم قد يستغنى عنها كما قد يتفطن بها بعض الناس لما كان ذاهلا عنه لكن مع امكان ان يتفطن بدونها ومع ذلك فلا تفيد المعرفة الضرورية التي تحصل بالفطرة او بالآيات او بقياس الأولى فضلا عن أن تفيد المعرفة التي تحصل بعد ذلك بالشرعة لكن تفيد نوعا من المعرفة الفاجرة وتبطل ما يقابل ذلك من النكرة والجهل والكفر فتثبت شيئا من الاقرار بالصانع وتمنع شيئا من الانكار له وأما أن تفيد ما تفيده الآيات المشهوده والمسموعة وما في ضمن ذلك من الأمثال المضروبة التي مبناها على ألأولوية # وقد نقلوا عن أساطين الفلاسفة القدماء انهم قالوا العلم الالهي لا سبيل فيه الى اليقين وانما نتكلم بالأولى والأخلق والأحرى وحملوا ذلك على أنهم ارادوا انه ليس فيه الا الظن الغالب فان كانوا ارادوا هذا فناهيك بهذا الافلاس من معرفة الله تعالى ولكن يحتمل أنهم ارادوا أن اليقين الذي يستفاد بالمقاييس الشمولية والتمثيلية المستعملة في الموجودات لا توجد في حق الله تعالى لكن هؤلاء احق واولى واحرى بما يثبت من صفات الكمال وبما ينفي من صفات النقص
# ومعلوم ان ذلك الرجحان والفضل غير معلوم قدره ووصفه بالقياس فحينئذ لا لنا سبيل الى اليقين بالحقيقة التي دل عليها القياس العقلي فهذا ان أرادوه فهو جيد لهم ومن قال ذلك فقد قال الحق واعطى النظر القياسي حقه اذ لا يمكن به في معرفة الربوبية غير هذا او هو معرفة مجملة غير مفصلة # وبكل حال فقد لا يحتاج الى هذه الطرق النظرية استغني عنها بالفطرة البديهية الضرورية عاما وخاصا وبالآيات المشهودة والمسموعة وعلم جماهير الخلق من هذا الباب وهو اثبت وأرسخ من علم أؤلئك فان أولئك عندهم من الشك والارتياب وأنواع التلون والاضطراب مالا يوجد عند عامة هؤلاء فضلا عمن كان من ذوي الالباب والآيات لا يحتاج فيها الى القياس كما أن الشعاع آية على الشمس وليس ذلك بقياس الشمس على غيرها من المؤثرات وبقياس الشعاع على غيره من الآثار بل عند الناس علم فطري بالحس والعقل أن نفس الشعاع مستلزم للشمس على وجه لا يشرك الشمس في ذلك غيرها وما من مخلوق الا وهو نفسه آية على خالقه على وجه لا يشركه فيه غيره كما قيل % وفي كل شيء له آية % تدل على أنه واحد %
# لكن الكلام في هذا يحتاج الى بسط طويل ليس هذا موضعه # وانما الغرض التنبيه على أن ما ذكره اهل الاثبات من اقرار العباد بفطرهم أن ربهم فوقهم اذا كان مستلزما لاقرارهم بربهم بفطرهم وان الاقرار به فطري فليس في لزوم ذلك شيء من الاستبعاد اذ على القول بذلك جماهير اصناف العباد وانما يستبعد ذلك من غير متبدعة المتكلمين فطرته وسلكوا به في مسالكهم الحرجة الضيقة وأوهموه أنهم العارفون بالحجة والدليل دون الأولين والآخرين من كل صنف وجيل وهذا كما تزعمه القرامطة الباطنية انهم خلاصة أهل
|
|
|
|