عرض مشاركة واحدة
قديم 03 Apr 2010, 03:40 AM   #2
محمد الغماري
وسام الشرف


الصورة الرمزية محمد الغماري
محمد الغماري غير متصل

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم باحث : 8176
 تاريخ التسجيل :  Jan 2010
 أخر زيارة : 08 Aug 2011 (06:14 AM)
 المشاركات : 1,109 [ + ]
 التقييم :  10
لوني المفضل : Cadetblue



فصل
# وقد ذكر في نهايته على نفي الجهة حجة أخرى فنذكرها وإن كان موادها داخلة فيما ذكرناه ليكمل ما ذكره في ذلك فقال المسألة الثانية في أنه ليس في الجهة قال وقبل الخوض في الاستدلال لابد من البحث عما لا يكون جسما هل يعقل حصوله في الجهة أم لا فإن لم يعقل حصوله كانت الدلالة على نفي الجسمية كافية في نفي الجهة قال وزعم من أثبت الجهة نفى الجسمية أنا نعلم بالضرورة اختصاص الأكوان بالجهة المخصوصة مثل الكون القائم بأعلى الجدار والكون القائم بأسفله ولا يضرنا في ذلك ما يقال الأكوان إنما تحصل في الجهات على طريق التبعية لمحلها لأنا نقول الحصول في الجهة أعم من الحصول في الجهة بالاستقلال أو التبعية وتسليم الخاص يتضمن تسليم العام فإذا سلمتم اختصاص الأكوان والجهات على سبيل التبعية فقد سلمتم اختصاص الأكوان بالجهات ومتى ثبت ذلك ثبت أنه لا يلزم من نفي كون الشيء جسما نفي اختصاصه بالجهة والحيز وإذا ثبت ذلك وجب علينا بعد الفراغ من نفي الجسمية عن الله إقامة الدليل على نفي حصوله في الجهة والحيز # يقال هذا الذي ذكره يمكن الجواب عنه بأن يقال لا يحصل في الجهة إلا الحيز أو ما قام به أو يقال لا يحصل في الجهة على سبيل الاستقلال إلا الجسم لا يحصل في الجهة على سبيل الاستقلال أو التبعية إلا الجسم أو ما قام به وأي هذه العبارات قيل لم يكن ما ذكره دليلا على إمكان أن يكون في الجهة قائم بنفسه غير الجسم # ونحن نذكر حجته قال فنقول الباري تعالى لو كان حصوله في جهة لكان إما أن يكون في أكثر من حيز واحد أو لا يكون إلا في حيز واحد

والأول باطل لأن الحاصل في أحد الحيزين إما أن يكون هو الحاصل في الحيز الثاني أو غيره والأول باطل وإلا لكان الشيء الواحد حاصلا دفعة واحدة في حيزين وهو محال ولو عقل ذلك فليعقل مثله في الجسم حتى يحصل الجسم الواحد دفعة واحدة في حيزين وأنه محال والثاني أيضا محال أما أولا فلأنه يلزم منه انقسام ذاته وهو محال على ما مر وأما ثانيا فلأن اختصاص كل جزء منه بحيزه إما أن يكون واجبا أو جائزا والقسمان باطلان على ما سيأتي # وأما إن قيل بأنه في حيز واحد فهو باطل لوجهين الأول بأنه يكون أقل القليل ويتعالى الله عنه والثاني فلأن حصوله في ذلك الحيز إما أن يكون واجبا أو غير واجب والأول باطل إذ لو صح حصوله في ذلك الحيز وامتنع حصوله في سائر الأحياز لكانت حقيقة ذلك الحيز مخالفة لحقيقة سائر الأحياز ولو كان كذلك لكانت الأحياز أمورا وجودية لأن العدم الصرف يستحيل أن يخالف بعضه بعضا ولو كانت الأحياز أمورا وجودية لكان إما يمكن الإشارة الحسية إليها أو لا يمكن فإن أمكن فذلك الشيء إما أن يكون منقسما فيكون الباري الحال فيه منقسما أولا يكون منقسما فيكون ذلك الشيء مختصا بجهة دون جهة فيكون للحيز حيز آخر ويلزم التسلسل وإن لم يمكن الإشارة الحسية إلى الحيز الذي حصل الباري تعالى فيه وجب استحالة الاشارة الحسية الى الباري تعالى لأنا نعلم بالضرورة أن مالا يمكن الإشارة الحسية إلى جهته استحالت الاشارة الحسية إليه فإذا لا يكون الباري في الجهة وهو المطلوب وأما إن لم يكن حصول الباري واجبا فاختصاصه بها لابد وأن يكون لفاعل مختار سواء إن كان بواسطة معنى أولا بواسطة معنى وكل ما كان فعلا لفاعل مختار فهو محدث فاختصاص الباري بالحيز محدث فهو إذا في الأزل ما كان حاصلا في الحيز والشيء الذي لا يكون كذلك استحال أن

يصير محتاجا إلى الحيز فثبت أن الباري يمتنع أن يكون في الأحياز والجهات # قال ويمكن أن يعتمد في هذه المسألة أيضا على أنه لو كان في الجهة لكان منقسما لأن الجانب الذي منه يلينا غير الجانب الذي لا يلينا وذلك يوجب انقسام ذاته لكنا بينا أن الانقسام عليه تعالى محال فحصوله في الجهة والحيز أيضا محال قال وهذا الكلام إنما يدفع القول بنفي الجزء الذي لا يتجزأ ولم يذكر في نهايته على نفي الجهة إلا هذا الكلام وقد تقدم ما ذكره على نفي الجسم # وهذه الحجة هي مثل الحجة الرابعة التي ذكرها في تاسيسه لكن فيها حشو وزيادة مستغنى عنها لا حاجة إليها وهؤلاء القوم من أعظم الناس إتيانا بحشو القول الكثير الذي نقل فائدته أو تعلم مضرته كما يروى فيهم عن أمير المؤمنين على بن أبي طالب كرم الله وجهه أنه ذكر قال أنا ضمين وذمتي رهينة لا يهيج على التقوى زرع قوم ولا يظمأ على الهدى سبخ أصل وإن أبغض الناس إلى الله تعالى رجل قمش علما حتى إذا ارتوى من ماء آجن وامتلأ من غير طائل سماه أشباهه من الناس عالما فإن نزلت به احدى الشبهات هيأ له حشو الرأي من قيله فلا هو سكت عما لا يعلم فيسلم ولا تكلم بما يعلم فيغنم تصرخ منه الدماء وتبكي منه الفروج الحرام وهو من أحق الناس بهذا هؤلاء المتكلمون في أصول الدين بغير كتاب الله وسنة رسوله ويوقعون بين الأمة العداوة والبغضاء بما لا أصل له حتى قد يكفروا من خالفهم ويبيحوا قتلهم وقتالهم كما يفعل أهل الأهواء من الخوارج والرافضة والجهمية والمعتزلة كما فعله هذا المؤسس في كتابه هذا وأمثاله حيث كفر الذين خالفوه وهم أحق بالإيمان بالله ورسوله منه بدرجات لا تحصى ولا حول ولا قوة إلا بالله

# ولهذا كان التكفير لمن يخالفهم من أهل السنة والجماعة من شعار المارقين كما قال النبي صلى الله عليه وسلم فيما استفاض عنه من الأحاديث الصحيحة في صفة الخوارج يحقر أحدكم صلاته مع صلاتهم وصيامه مع صيامهم وقراءته مع قراءتهم يقرؤون القرآن لا يجاوز حناجرهم يمرقون من الاسلام كما يمرق السهم من الرمية وفي رواية يقتلون أهل الإيمان ويدعون أهل الأوثان # وهؤلاء الذي يدعون الإيمان لأنفسهم دون أهل السنة والجماعة من المسلمين كالخوارج والروافض والجهمية والمعتزلة لهم نصيب من قوله تعالى ^ وقالوا لن يدخل الجنة إلا من كان هودا أو نصارى تلك أمانيهم قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين بلى من أسلم وجهه لله وهو محسن فله أجره عند ربه ولاخوف عليهم ولا هم يحزنون ^ وبعضهم مع بعض كما قال الله تعالى ^ وقالت اليهود ليست النصارى على شيء وقالت النصارى ليست اليهود على شيء وهم يتلون الكتاب كذلك قال الذين لا يعلمون مثل قولهم فالله يحكم بينهم يوم القيامة فيما كانوا فيه يختلفون ^ فهم كما قال الامام أحمد مختلفون في الكتاب مخالفون للكتاب مجمعون على مفارقة الكتاب قد جمعوا وصفي الاختلاف الذي ذمه الله في كتابه فإنه ذم الذين خالفوا الأنبياء والذي اختلفوا على الأنبياء فآمن كل منهم ببعض وكفر ببعض قال في الأولين ^ ولو شاء الله ما اقتتل الذين من بعدهم من بعد ما جاءتهم البينات ولكن اختلفوا فمنهم من آمن ومنهم من كفر ولو شاء الله ما اقتتلوا ولكن الله يفعل ما يريد ^ وقال في الثاني ^ ذلك بأن الله نزل الكتاب بالحق وإن الذين اختلفوا في الكتاب لفي شقاق بعيد ^ وقال تعالى ^ ولا تكونوا كالذين تفرقوا واختلفوا من بعد ما جاءهم البينات وأولئك لهم عذاب عظيم ^ وقال ^ إن الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا لست منهم في شيء إنما أمرهم إلى الله ^ وقال ^ ولا يزالون مختلفين

إلا من رحم ربك ولذلك خلقهم ^ # وهؤلاء الجهمية معروفون بمفارقة السنة والجماعة وتكفير من خالفهم واستحلال دمه كما نعت النبي صلى الله عليه وسلم الخوارج لكن قولهم في الله أقبح من قول الخوارج وإن كان للخوارج من المباينة للجماعة والمقاتلة لهم ما ليس لهم مع أن أهل المقالات ذكروا أن قول الخوارج في الصفات هو قول الجهمية والمعتزلة هذا ذكره الأشعري وغيره من المعتزلة وهذا والله أعلم يكون قول من تأخر من الخوارج إلى أن حدث التجهم في أول المأة الثانية وأما الخوارج الذين كانوا في زمن الصحابة وكبار التابعين فأولئك لم يكن قد ظهر في زمنهم التجهم أصلا ولا عرف في الأمة إذ ذاك من كان ينكر الصفات أو ينكر أن يكون على العرش أو يقول أن القرآن مخلوق أو ينكر رؤية الله تعالى ونحو ذلك مما ابتدعته الجهمية من هذه الأمة # وقد تكلمنا على هذه الحجة في غير هذا الموضع بما فيه كفاية ونذكر ما يليق بهذا الموضع وذلك من وجوه # أحدها أن قوله لو كان حصوله في جهة لكان إما أن يكون في أكثر من حيز واحد أو لا يكون إلا في حيز واحد يقال له أما الذين يقولون إنه فوق العرش وليس بجسم وهم أئمة أصحابك والكلابية وطوايف كثيرة من الفقهاء وأهل الحديث والصوفية وقد ذكر الأشعري أنه قول أهل السنة وأصحاب الحديث فيمنعون التلازم ويقولون لا نسلم أنه إذا كان في جهة بمعنى أنه نفسه فوق العرش لكان إما أن يكون في حيز واحد أو في أكثر من حيز فإن هذا التلازم إنما فيما إذا كان فوق العالم جسما أما إذا وافقتمونا على أنه ليس بجسم فإن التقدير يكون إذا كان فوق العالم ما ليس بجسم أو إذا كان في الجهة ما ليس بجسم فإنه إما أن يكون في حيز واحد أو أكثر ومعلوم أن ما ليس بجسم لا يكون في الحيز الاصطلاحي لافي واحد ولافي أكثر وهذا ظاهر واضح

# فإن قلت هذا متناقض فإنه إذا كان فوق العالم أو في الجهة وجب أن يكون جسما قيل لك أولا قد صدرت هذا الكلام في هذه المسألة بأنه لايلزم من نفي كون الشيء جسما نفي اختصاصه بالحيز وإذا سلمت لهم لم يكن لك أن تنازعهم فيه فإن هذا رأس المسألة فيكون التقدير باتفاق منك ومنهم أن ما ليس بجسم إذا كان في الجهة بمعنى أنه يكون فوق العالم هل يكون في حيزين يعني الحيز الاصطلاحي وهم يقولون أنه لا يكون في الحيز الاصطلاحي مع كونه فوق العالم ومع كونه في الجهة وهي جهة العلو # الوجه الثاني أن يقال قولك في حيز واحد أوفي أكثر من حيز يقتضي تعدد الأحياز وذلك ممنوع فإن الأحياز إما أن تكون وجودية أو عدمية وهي ليست وجودية كما قررته في هذه الحجة وفي غيرها وإذا كانت عدمية فالعدم المحض لا يتعدد ولا يقال فيه إما أن يكون واحدا أو اثنان فامتنع أن يقال إما أن يكون في حيز واحد أو في حيزين # ويتقوى هذا بالوجه الثالث وهو أن الحيز إما أن يكون وجوديا أو عدميا فإن كان وجوديا جاز اختصاصه بأمر وجودي على سبيل الوجوب كاختصاصه بصفاته الواجبة له الوجودية وحينئذ فيبطل ما ذكره في الحجة من امتناع كونه في الحيز واجبا أو جائزا وإن كان الحيز عدميا لم يصح أن يقال إما أن يكون في حيز واحد أو في حيزين وهذا يقتضي بطلان أحد طريقيه الذي ذكرهما في هذه الحجة أحدهما إما أن يكون في حيز أو حيزين والثاني امتناع كونه واجبا أو جائزا # يوضح هذا الوجه الرابع وهو أن أحياز المتحيز الوجودية اللازمة له هي حدوده ونهايته والعدمية هي ما يقال إنه تقدير المكان فإن أراد بالحيز الأمر

الوجودي منعت الحجة التي منع فيها أن يكون له حيز واجب وأن أراد به الأمر العدمي منع انقسامه إلى واحد وكثير # فإن قيل الحيز العدمي الذي هو تقدير المكان يتجدد ويتعدد باتحاد الحال وتعدده فإذا كان الحال فيه جوهرا واحدا كان واحدا وإن كان جواهر متعددة كان متعددا # قيل الجواب عن هذا هو الوجه الخامس وهو أن هذه المسألة قد صدرها بالكلام في الحيز مع من يقول أنه ليس بجسم ومع هذا فإنه يكون مختصا بالجهة وقد قال هو لما ذكر الحجة إذا ثبت ذلك ثبت أنه لا يلزم من نفي كون الشيء جسما نفي اختصاصه بالجهة والحيز # وإذا كان كذلك فيقال إما أن يكون الحال فيه جسما أو جوهرا فردا أو لا يستلزم ذلك فإن كان الحيز مستلزما لذلك لم يكن المختص بالحيز إلا جسما أو جوهريا فردا وحينئذ فيلزم من نفي كونه جسما وكونه جوهرا فردا أن لا يكون متحيزا كما قد يفعله المؤسس وغيره أحيانا وهو خلاف الفرض فإن الفرض نفي الحيز والجهة بدون البناء على نفي الجسمية خلافا لمن يقول ليس بجسم ولكنه في الحيز والجهة فإذا كان هذا الدليل لا يتم إلا بنفي الجسمية بطل هذا الدليل من أصله ومتى كان الحيز مستلزما للجسم أو للجوهر الفرد لزم من نفي اللازم وهو الجسم والجوهر الفرد نفي الملزوم وهو الحيز وإن كان الحيز ليس مستلزما للجسم والجوهر الفرد لم يلزم أن يكون الحال فيه جسما ولا جوهرا فردا وحينئذ فلا يلزم أن يقال ينقسم بانقسام الحال فيه إن كان جوهرا فردا كان

الحيز واحدا وإن كان جسما كان أكثر من واحد فإن الحال فيه على هذا التقدير لا يكون جسما ولا جوهرا فردا وإن كان كذلك ظهر أن تقسيمه الحيز إلى واحد وإلى أكثر من واحد غير لازم على هذا التقدير ولا يصح الدليل على التقدير الأول وذلك يظهر بطلانه على التقديرين # الوجه السادس أن يقال هب أنه لم يسلم أن الحيز مستلزم لكون الحال فيه جسما ولم يسلم أن نفي الجسم لا يستلزم نفي الحيز لكن يقال انقسام الحيز إلى واحد أو أكثر من واحد إما أن لا يعلم إلا بأن يعلم أن محله جسم أو جوهر أو يعلم قبل العلم بحال محله فإن لم يعلم اتحاده وتعدده إلا بالحال فيه لم يلزم إذا قيل إن الله في حيز أن يكون الحيز منقسما إلى واحد وعدد حتى يثبت أنه يجب أن يكون الله جسما أو جوهرا فردا فيكون العلم بانقسام الحيز إلى واحد وعدد متوقفا على العلم بأن الباري تعالى يجب أن يكون على هذا التقدير جسما أو جوهرا فردا وهو لم يبين ذلك وإذا تبين ذلك كان نفي الجسم كافيا له في نفي كونه متحيزا فلم يحتج حينئذ إلى تقسيم الحيز إلى واحد أو أكثر من ذلك فظهر أن هذا الذي ذكره لم يذكر عليه حجة ولو ذكر عليه حجة لم يحتج إلى ذكره وعلى التقديرين فلا يصلح ذكره لامع الحجة ولا بدون الحجة على هذا التقدير وإن كان العلم بانقسامه إلى واحد أو عدد يعلم بدون أن يعلم أن محله جوهر أو جسم فليذكر ذلك أو لم يذكره فيتوجه المنع ثم إنه لا يصلح أن تحتج على ذلك إلا بكون الحيز ينقسم بانقسام الحال فيه والحال فيه لا يكون إلا جوهرا أو جسما لأن التقدير أن انقسامه لا يتوقف العلم به على هذه الحجة

# الوجه السابع أن يقال وصف الشيء بأنه واحد وبأنه أكثر من واحد إما أن يستلزم كونه موجودا أو لا يستلزم كونه موجودا فإن استلزم كونه موجودا لزم من هذا التقسيم أن يكون وجوديا وأنت قد ذكرت في تمام الحجة أنه ليس بوجودي وإن كان الوصف بأنه وجودي وإن كان الوصف بأنه واحد وبأكثر من واحد لايستلزم أنه موجود بطل ما ذكره فيما تقدم حكايته عنه من أن الجسم منقسم ليس بواحد فإنه بنى ذلك على أن الوحدة صفة قائمة بالجسم قال والعرض لا يحدث في المحل ولا يحصل فيه إلا إذا كان المحل متعينا متميزا عن غيره فإنه إذا ثبت أن كون الموصوف واحدا أو أكثر لا يستلزم أن يكون موجودا لم يلزم أن تكون الوحدة والكثرة صفة وجودية فإن المعدوم لا يوصف بالصفة الوجودية فإذا لم يجب أن تكون الوحدة وجودية لم يجب أن يقوم بالجسم ولا أن يكون عرضا فلا يمتنع أن يكون الجسم واحدا وإذا كان الجسم واحدا مع عظمته ولم يكن فيه كثرة وجودية لم يصح أن يستدل بحلوله في الحيز على انقسام الحيز وتعدده وحينئذ فإذا لم يلزم من حلول الجسم في الحيز أن يكون الحيز متعددا منقسما في نفسه لم يلزم من حلول الرب في الحيز أن يكون منقسما وجاز حلوله في الحيز الذي لا يقال إنه أكثر من واحد ولا يكون أقل القليل ولايكون جوهرا فردا # وبالجملة فإذا لم يكن الجسم مشتملا على كثرة مع كونه في الحيز فالباري أولى أن يكون كذلك وحيزه أولى بذلك وهو يبطل ما ذكره # الوجه الثامن أن يقال الحيز في نفسه ليس إلا واحدا وليس هو في نفسه منقسما ولا متكثرا وإذا كان كذلك لم يصح أن يكون الحال فيه إما أن يحل في حيز واحد أو في أحياز متعدده فإن هذا مقتضى أن الحيز فيه كثرة وهذا

ممنوع وتوجيه ذلك أن الناس قد تنازعوا في الجسم هل واحد في نفسه أو هو متكثر فيه انقسامات حاصلة على قول كما تقدم حكايته وتقدم أن المؤسس لم يذكر على انقسامه وعدم وحدته حجة وإذا كان الأمر كذلك مع أن الجسم يقبل الانقسام بلا نزاع فالحيز الذي لا يعقل فيه وجود الانقسام أولى أن لا يكون فيه كثرة ولا انقسام وهذا ظاهر # بل يقال في الوجه التاسع إن انقسام الحيز في نفسه قبل حلول شيء فيه ممتنع قطعا سواء قيل إن الجسم واحد أو منقسم في نفسه وذلك لأن الحيز هنا ليس المراد به شيئا موجودا كما قد قرره وإنما هو تقدير المكان وهذا هو مسمى الحيز في اصطلاح كثير من المتكلمين وإذا كان كذلك فمن الممتنع أن يتميز بعضه عن بعض قبل حلول ما يتقدر به وهذا معلوم بالحس والضرورة العقلية ولا يقول قائل إن ذلك يتميز بالإشارة فإن الإشارة إلى العدم محال وإنما يشار إلى موجود وإذا كان الحيز لا يتعدد ولا ينقسم قبل حلول الحال فيه كان تعدده تابعا لتعدد الحال فيه فإن لم يثبت كون الحال فيه جسما منقسما لم يكن منقسما وإذا كان المنازع له يقول إن الحال فيه ليس هو جسما أو هو جسم وليس بمنقسم في نفسه بطل انقسام الحيز ومن المعلوم أن القائلين بأنه متحيز يقولون هذا تارة وهذا تارة كما تقدم ذكر ذلك عنهم # ومن قال إنه منقسم بمعنى يتميز بعضه عن بعض فجوابهم ما يقال في الوجه العاشر أن يقال الحيز الواحد هو ما يحل فيه الجوهر الفرد كما فسرته فيما بعد فإن الحال فيه يكون أقل القليل ويتعالى الله عن ذلك وإذا كان كذلك كان ثبوته مبنيا على ثبوت الجوهر الفرد وأنت قد اعترفت أنك وأذكياء الطوائف متوقفون فيه لتعارض الأدلة فيه وإذا لم يعلم ثبوت الجوهر الفرد لم يعلم ثبوت حيز واحد بهذا الصغر واذا لم يعلم ذلك بطل العلم بأن الحيز

إما واحدا بهذا التفسير وإما أكثر من واحدا بهذا التفسير وإما أكثر من واحد # الوجه الحادي عشر أن يقال لك ما مرادك بالحيز الواحد وبأي شيء يتميز الحيز الواحد عما هو أكثر منه فإن أردت به ما يحله الجوهر الفرد لم يثبت توحد الحيز حتى يثبت الجوهر الفرد ويثبت حلوله فيه ومن المعلوم أن الحيز لو كان ثابتا في نفس الأمر فليس هو مما يحس حتى يعلم حلوله في الحيز أو عدم حلوله بل أكثر ما يقال إنه داخل الجسم في حيز علمنا أن الجواهر التي خلقت فيه أيضا لكن هذا لا يفيد تميز الحيز الواحد عن غيره ولا العلم به وإذا كان الحيز الواحد الذي أردته لا يتميز ولا يعلم به كان العلم بحلول الشيء فيه أو عدم حلوله باطلا لأن العلم بحلول الشيء في محله فرع تصور المحل فإذا كان المحل لا يعلم توحده ولا يتميز كان الحكم بثبوت الحلول فيه أو عدمه حكما باطلا فيكون الدليل باطلا # الوجه الثاني عشر أن يقول لك المنازع إما أن تريد بالحيز الواحد ما يحل فيه الجوهر الفرد أو ماهو أكبر منه فإن أردت الأول فحلول الرب فيه محال كما ذكرته وكان المنازع يقول لك يحل في أكثر من واحد بهذا التفسير # وأما قولك الحاصل في أحد الحيزين إما أن يكون هو الحاصل في الآخر أو غيره يقال لك لا هو هو ولا هو غيره أو لا يقال هو هو ولا هو غيره كما تقدم تقرير ذلك على أصل كثير من متكلمي الصفاتية أو أكثرهم غير مرة بأن الغيرين ماجاز وجود أحدهما دون الآخر أو ماجاز مفارقته له في مكان أو زمان أو وجود وحينئذ فلا يرد ما ذكرته على كونه هو هو وكونه غيره وإن أردت بالواحد

ما هو أكبر من محل الجوهر الفرد لم يكن الحال مستلزما لأن يكون أقل القليل وقد بطل حجة الصغير وسيأتي الكلام على الوجوب والجواز # الوجه الثالث عشر أن يقال هذه الحجة مشتملة على حجتين إحداهما حجة الانقسام أو الصغر وهي تعم الأقسام والثانية ما يخص قسما قسما مع ذلك ونحن نتكلم على الحجتين جميعا فإحداهما حجة الانقسام والتركيب والأخرى هي من جنس حجة تماثل الأجسام وهاتان الحجتان هما جماع ما يذكره النفاة في هذا الباب فإنه يعود إلى ما يذكره من التركيب وإلى ما يذكره من التمثيل وقد تقدم فيما يمتنع من ذلك وبينا أن سورة الإخلاص ^ قل هو الله أحد الله الصمد ^ تنزهه عن الممتنع من هذين فاسمه الأحد منع التشبيه الممتنع عليه واسمه الصمد منع الانقسام والتركيب الممتنع عليه ولكن هؤلاء النفاة غلوا في ذلك وتعدوا حدود الله فيه فزادوا على الحق من الباطل شيئا كثيرا كما أن من المثبتة من غلا في الاثبات وتعدى حدودا الله حتى زاد على إثبات الحق زيادات باطلة والله يهدينا الصراط المستقيم وليس هذا موضع الشرح والبسط لما تضمنته هذه السورة العظيمة من أصول التوحيد والايمان فإنها كثيرة عظيمة إذ الأحدية والصمدية ينتظمان أصول التوحيد والإيمان والدين في أسماء الله وصفاته في دينه إذ دينه الحق يتبع ما هو عليه سبحانه في نفسه # ولما كان الدين عند الله هو الاسلام والاسلام هو الاستسلام لله وحده وله ضدان الاشراك والاستكبار فالمستكبر استكبر عن الاسلام له والمشرك استسلم لغيره وإن كان قد استسلم له فمعنى الأحد يوجب الاخلاص لله المنافي للشرك ومعنى الصمد يوجب الاستسلام لله وحده المنافي للاستكبار فإن الصمد يتضمن صمود كل شيء إليه وفقره إليه

# وأيضا فدين الله واحد لا تفرق فيه والصمد يناسب اجتماعه فالله سبحانه وتعالى هو الاله الواحد ودينه واحد وعباده المؤمنون مجتمعون يعتصمون بحبله غير مفترقين واسمه الأحد يقتضي التوحيد والصمد يقتضي الاجتماع وعدم التفرق فإن الصمد فيه معنى الاجتماع وعدم التفريق والتوحيد أبدا قرين الاجتماع لأن الاجتماع فيه الوحدة والتفرق لابد فيه من التثنية والتعدد كما أن الاشراك مقرون بالتفرق قال تعالى ^ فأقم وجهك للدين حنيفا فطرة الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله ذلك الدين القيم ولكن أكثر الناس لا يعلمون منيبين إليه واتقوه وأقيموا الصلاة ولا تكونوا من المشركين من الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا كل حزب بما لديهم فرحون ^ ولهذا كان شعار الطائفة الناجية هو السنة والجماعة دون البدعة والفرقة فإن أصل توحيد الله وعبادته وحده لا شريك له وأصل البدع الاشراك بالله شركا أصغر أو أكبر # وهؤلاء الملبسون يقولون لا ينقسم أو لا يتجزأ أو لا يتبعض ونحو ذلك ولو لم يريدوا إلا ما هو حق لكانوا محسنين لكن حقيقة قولهم أنه ليس هناك شيء يتصور أن يكون مجتمعا فضلا أن يكون متفرقا ولا شيء موجود يتميز عن غيره فضلا عن أن يكون منقسما فأخذوا لفظ التفرق والانقسام فوضعوه على غير المعاني المعروفة ونفوا به ما يستلزم نفي الحقيقة بالكلية كما فعل غيرهم في نفي العلم والقدرة ونحوهما أو نفي الأسماء كالحي والعليم والقدير ونحو ذلك فنفي الصفات يستلزم نفي الأسماء كما قد ذكرناه في غير هذا الموضع # والمقصود هنا الكلام على هاتين الحجتين الانقسام والجواز بحسب ما ذكره في نهايته وإن كان قد تقدم الكلام عليها فنقول

قوله إذا كان في أكثر من حيز لزم انقسامه لا نسلم أنه يستلزم انقسامه ولا نسلم أيضا أن الحيز الكبير ينقسم حتى يكون مافيه منقسما ولو كان هو منقسما لم نسلم أن كل ما في المنقسم يجب أن يكون منقسما # الوجه الرابع عشر أنه قد تقدم غير مرة أن هذا الانقسام أكثر ما يراد به امتياز بعضه عن بعض وبينا أن هذا مثل امتياز الصفات وبينا أن هذا مما يجب أن يقر به كل أحد في كل موجود وأن نفي هذا يستلزم جحد الموجودات جميعها الواجب والممكن وبينا أن ما يذكر في ذلك من الافتقار والغير والحيز فهو ألفاظ مجملة مشتركة مشتبهة يراد بها حق وباطل فيجب أن ينفى ما فيها من الباطل دون الحق الذي يريده بعض الناس بهذه الألفاظ وقد تقدم بسط ذلك بما يغني عن إعادته وهو أحال على ما تقدم فأحلنا أيضا عليه # الوجه الخامس عشر أن المنازع يقول به هب أن في حيز واحد فلم قلت أن ذلك محال قولك إنه يكون أقل القليل ويتعالى الله عنه يقال لا نسلم أنما هو حيز واحد لا يتسع إلا مقدار الجوهر الفرد بل يكون واحدا وهو عظيم وهذا في الحيز أولى منه في الجسم فإذا كان قال طوائف إن الجسم يكون عظيما ويكون واحدا فالحيز أولى وأيضا فمن قال إنه فوق العرش وهو عظيم وليس بجسم أو هو جسم وليس بمركب فإنه يقول بثبوت حيز واحد عظيم # الوجه السادس عشر أن المنازع يقول الجوهر الفرد لا يخلو إما أن يكون ثابتا أو لا يكون فإن كان ثابتا لم تكن قد ذكرت دليلا عقليا على نفي

كونه بقدره كما اعترفت بذلك فيما تقدم في نهايتك في المسلك الثاني على نفي الجسم أن المنازع إذا أصر على المطالبة بالدليل على أنه حال كونه بقدر الجوهر فطريق دفعه أن يتمسك بالوجوه التي استدل بها على نفي الجزء الذي يتجزأ حتى تنقطع المطالبة وإذا لم يكن لك طريق إلا هذا فهذا الطريق باطلة إذا قدر ثبوت الجوهر الفرد فإنه بتقدير ثبوته تكون الوجود التي احتج بها على نفيه باطلة وإذا لم يكن الجوهر الفرد ثابتا لم يجز أن يقال إن الحال في الجزء الواحد هو أقل القليل بل لم يكن الحيز الواحد إذا فسر بذلك وجود أصلا وإذا كان كذلك فعلى التقديرين لا تكون قد ذكرت حجة على أنه لا يكون في الحيز الواحد وإنما تعتصم في مثل ذلك بالإجماع إجماع العقلاء وإجماع المسلمين داخل في ذلك # فيقال لك هؤلاء المنازعون يقول إنه عظيم في نفسه أعظم من كل عظيم وأكبر من كل كبير وأعلى من كل عال قد وسع كرسيه السموات السبع والأرضين السبع ويقولون لك ^ ماقدروا الله حق قدره والأرض جميعا قبضته يوم القيامة والسموات مطويات بيمينه ^ قال ابن عباس ما السموات السبع والأرضون السبع وما بينهما في يد الرحمن إلا كخردلة في يد أحدكم أو كما قال فهذا مستند ثان نفى كونه بقدر الجوهر الفرد فإن سلمت ذلك لم يكن لك أن تقول ليس فوق العرش ولا هو في نفسه كبير وعظيم ولم يكن ما سلموه يستلزم أن لا يكون فوق العرش وإن قيل إنه في حيز واحد أو جهة واحدة وإن لم تسلم ذلك بل زعمت أنما فوق السماوات رب ولا هناك إله أصلا وأن محمدا لم يعرج به إلى الله تعالى بل صعد إلى علو العالم فقط وأن رب العالمين ليس داخل العالم ولا خارجه قالوا لك

نحن نقول إن من وصفه بهذا فقد جعله معدوما والمعدوم أحقر من الجوهر الفرد وإذا كان كذلك لم نسلم لك مادمت مصرا على هذا النفي أنه أحقر من الجوهر الفرد فإن ذلك يستلزم تسليم النقيضين فيكون قد سلمنا أنه معدوم وأنه ليس أحقر من الجوهر الفرد وذلك باطل وإذا لم يسلم له على هذا التقدير أنه أحقر من الجوهر الفرد لم يكن له أن يحتج بالاجماع كما تقدم نظير هذا # وتقدم ما قرره في أول نهايته أن الاحتجاج بمثل هذا الاجماع الذي يختلف فيه المأخذ لا يصح نظرا ولا مناظرة فإن المناظر ليس له أن يحتج بموافقة موافق بناءا على مأخذ لا يعتقد صحته والمناظر يجيبه خصمه بأنك إن وافقتني على المأخذ وإلا منعتك الحكم على هذا التقدير لأنه عندي تقدير غير واقع فلا يكون له حجة بحال ولو احتج بها في الفطرة في إعظام الله أن يكون كذلك قيل له هذه الفطرة التي فيها أن الله تعالى فوق العالم وهي تحيل الله أن يقال ليس فوق العالم ولا داخله ولا خارجه كما يحيله أن يقال هو بقدر الجوهر الفرد فإن كان ما الفطرة من هذا حقا فكذلك الآخر وحينئذ فلا يبقى معه حجة على نفي كونه بقدر الجوهر الفرد لا عقلية ولا سمعية لأن السمع إما نص وإما إجماع والسمعيات التي وصف الله فيها نفسه بأنه علي وعظيم وكبير معناها عندهم القدرة والقهر لا يعنون بها عظم قدره في نفسه فلا ينافي ما زعموه صغر المقدار لا سيما مع ما يعتمدونه من القول بأن الملك العظيم والآدمي العظيم يكون بقدر الجوهر الفرد لأن الحياة ولازمها لا تحل إلا في قدر ذلك كما تقدم وإذا لم يكن لهم على ذلك حجة بطلت هذه الحجج التي ذكرها وظهر عجزهم عن تنزيه الله تعالى أن يكون فيه نقص فلا يقدرون أن ينزهوه على أصولهم العقلية عن نقص ولا عن صغر



 
 توقيع : محمد الغماري

احفظ الله يحفظك

تستطيع أن ترى الصورة بحجمها الطبيعي بعد الضغط عليها

moh_elgmare@yahoo.com


رد مع اقتباس