03 Apr 2010, 03:32 AM
|
#73
|
|
وسام الشرف
|
بيانات اضافيه [
+
]
|
|
رقم باحث : 8176
|
|
تاريخ التسجيل : Jan 2010
|
|
أخر زيارة : 08 Aug 2011 (06:14 AM)
|
|
المشاركات :
1,109 [
+
] |
|
التقييم : 10
|
|
|
لوني المفضل : Cadetblue
|
|
# أحدها أن قوله أن الأرض إذا كانت كرة فالجهة التي هي فوق بالنسبة إلى سكان أهل المشرق هي تحت بالنسبة إلى سكان المغرب فلو اختص الباري بشيء من الجهات لكان في جهة التحت بالنسبة إلى بعض الناس يقال له كان الواجب إذا احتجت بما ذكرته من أمر الهيئة تتم ما يقولونه هم وما يعلمه الناس كلهم فإنه لا نزاع بينهم ولا بين أحد من بني آدم أن الأرض هي تحت السماء حيث كانت وأن السماء فوق الأرض حيث كانت وهذا وهم متفقون مع جملة الناس على أن الجهة الشرقية سماؤها وأرضها ليست تحت الغربية ولا الجهة الغربية سماؤها وأرضها تحت الشرقية ومتفقون على جهل من جعل إحدى الجهتين في نفسها فوق الأخرى أو تحتها # وذلك يتضح بما قدمناه قبل هذا من أن الجهات نوعان جهات ثابتة لازمة لا تتحول وجهات إضافية نسبية تتبدل وتتحول فأما الأولى وهي الجهة الثابتة اللازمة الحقيقية فهي جهة العلو والسفل فالسماء أبدا في الجهة العالية التي علوها ثابت لازم لايتبدل وكلما علت اتسعت وكلما والأرض أبدا في الجهة السافلة التي سفلوها ثابت لازم لا يتبدل سفلت ضاقت فلهذا كان الأعلا هو الأوسع وكان السفل هو الأضيق ولهذا قابل الله تعالى بين عليين وبين سجين في كتابه فقال ^ كلا إن كتاب الأبرار لفي عليين ^ وقال ^ كلا إن كتاب الفجار لفي سجين ^ ولم يقل في سفلين كما لم يقل هناك في وسعين ليبين الضيق والحرج الذي في المكان كما بين سفوله بمقابلته بعليين وبين أيضا سعة عليين بمقابلة سجين فيكون قد دل على العلو والسعة التي للأبرار وعلى السفول والضيق الذي للفجار # وأما الجهات الست فقد ذكرنا أنها تقال بالنسبة والاضافة إلى الحيوان وحركته ولهذا تتبدل بتبدل حركته وأعضائه فإذا تحرك إلى المشرق كان
المشرق أمامه والمغرب خلفه والجنوب يمينه والشمال شامه وعلى هذا بنيت الكعبة لأن وجهها مستقبل مهب الصبا بين المشرق والشمال وأركانها على الجهات الأربع فالحجر الأسود مستقبل المشرق واليماني مستقبل اليمن والغربي مستقبل الغرب والشامي مستقبل الشام إلى القطب الشمالي وهو محاذ أرض الجزيرة كالرقة وحران ونحوهما ولهذا قال من قال من المصنفين في دلائل القبلة كأبي العباس بن القاص وغيره إن قبلة هذه البلاد أعدل القبل لأن سكانها يستدبرون القطب الشمالي لا يحتاجون أن ينحرفوا عنه إلى المشرق كما يفعل أهل الشام ولا إلى المغرب كما يفعل أهل العراق # فالانسان تتبدل جهاته بتبدل حركاتهم مع أن الجهات نفسها لم تختلف أصلا ولم يصر الشرق منها غربيا ولا الغربي شرقيا وكذلك الجهة التي تحاذي رأسه هي علوه والتي تحاذي رجليه هي سفله فإذا كان رجلان في أقصى المشرق منتهى الأرض عند ساحل البحر هناك وفي أقصى المغرب منتهى الأرض عند ساحل البحر هناك فكل منهما تكون السماء فوقه لأنها تحاذي رأسه وكذلك الأرض تحته لأنها تحاذي رجليه كما أن السماء فوق الأرض في نفسها وليس أحد هذين تحت الآخر في نفس الأمر كما أن سجين الذي هو أسفل السافلين تحتهما ولو هبط شيئان ثقيلان من عندهما لانتهى إلى أسفل السافلين وهو سجين لم يلتق ذلك الشيئان الثقيلان لكن لو قدر أن تخرق الأرض فيلتقيان هناك لكانت رجلا أحدهما إلى رجلي الآخر ولو فرض أن أحدهما أخرقت له الأرض حتى يمر في جوفها ويصل إلى الآخر لكانت رجلاه تلاقي رجلي الآخر فبهذا الاعتبار يتخيل كل واحد منهما أن الآخر تحته بمحاذاته ناحية رجليه لكن الحركة السفلية هي إلى أسفل الأرض وقعرها ومن هناك تبقى الحركة صاعدة إلى فوق كحركة الصاعد من الأرض إلى السماء فيكون
المتحرك من أسفل الأرض وقعرها إلى ظهرها وعلوها على هذا الوجه كهيئة المعلق برجليه إلى ناحية السماء وذراعيه إلى ناحية الأرض وكهيئة النملة المتحركة تحت السقف والسقف يحاذي رجليها فتصير بهذا الاعتبار السماء تحاذي رجليه والأرض تحاذي رأسه فمن هنا يقال إن السماء تحته والأرض فوقه إذا كان مقلوبا منكوسا # فيجتمع من هذا أمران أحدهما أن تكون حركته على خلاف الحركة التي جعلها الله في خلقه والثاني أن تبدل الجهة تبدلا إضافيا لا حقيقيا كما تتبدل اليمين باليسار والأمام بالوراء ومن المعلوم أن المشرق والمغرب لا يتبدلان قط باستقبالهما تارة واستدبارهما أخرى فكيف يتبدل العلو والسفل بتنكيس الانسان وقلبه على رأسه والمحاذاة حينئذ للسماء برجليه والأرض برأسه بل هذا المنكوس يعلم أن السماء فوقه والأرض تحته ونحن لا نمنع أن هذا قد يسمى علوا وسفلا بهذا الاعتبار التقديري الاضافي لكن هذا لا يعتبر الجهة الحقيقية الثابتة # وبهذا الاعتبار سمى في هذا الحديث المروي عن أبي هريرة وأبي ذر عن النبي صلى الله عليه وسلم حيث قال فيه لو أدلى أحدكم بحبل لهبط على الله فإنه قدر ضعيف الادلاء وهو ممتنع فسماه هبوطا على هذا التقدير كما لو قلبت رجلا الانسان ورمي إلى ناحية السماء لكن قائما على السماء # وإذا ظهر هذا علم أن الله سبحانه لا يكون في الحقيقة قط إلا عاليا # وذلك يظهر بالوجه الثاني وهو أن يقال هذا الذي ذكرته وارد في جميع الأمور العالية من العرش والكرسي والسموات السبع وما فيهن من الجنة والملائكة والكواكب والشمس والقمر ومن الرياح وغير ذلك فإن هذه الأجسام مستديرة كما ذكرت ومعلوم أنها فوق الأرض حقيقة وإن كان على مقتضى ما ذكرته
تكون هذه الأمور دائما تحت قوم كما تكون فوق آخرين وتكون موصوفة بالتحت بالنسبة إلى بعض الناس وهي التحتية التقديرية الاضافية وإن كانت موصوفة بالعلو الحقيقي الثابت كما أنها أيضا عالية بالعلو الإضافي الوجودي دون الإضافي التقديري وإذا كان الأمر كذلك ولم يكن في ذلك من الأحالة إلا ما هو مثلما في هذا ودونه لم يكن في ذلك محذورا فإن المقصود أن الله فوق السموات وهذا ثابت على كل تقدير # وهذا يظهر بالوجه الثالث وهو أن يقال هذا الذي ذكرته من هذا الوجه لا يدفع فإنه كما أنه معلوم بالحساب والعقل فإنه ثابت بالكتاب والسنة قال الله تعالى ^ هو الأول والآخر والظاهر والباطن ^ وقد روى مسلم في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يقول أنت الأول فليس قبلك شيء وأنت الآخر فليس بعدك شيء وأنت الظاهر فليس فوقك شيء وأنت الباطن فليس دونك شيء اقض عنا الدين وأعننا من الفقر فأخبر أنه الظاهر الذي ليس فوقه شيء وأنه الباطن الذي ليس دونه شيء فهذا خبر بأنه ليس فوقه شيء في ظهوره وعلوه على الأشياء وإنه ليس دونه شيء فلا يكون أعظم بطونا منه حيث بطن من الجهة الأخرى من العباد جمع فيها لفظ البطون ولفظ الدون وليس هو لفظ الدون بقوله وأنت الباطن فليس دونك شيء فعلم أن بطونه أوجب أن لا يكون شيء دونه فلا شيء دونه باعتبار بطونه والبطون يكون باعتبار الجهة التي ليست ظاهرة # ولهذا لم يقل أنت السافل ولهذا لم يجئ هذا الاسم الباطن كقوله وأنت الباطن فليس دونك شيء إلا مقرونا بالاسم الظاهر الذي فيه ظهوره
وعلوه فلا يكون شيء فوقه لأن مجموع الاسمين يدلان على الاحاطة والسعة وأنه الظاهر فلا شيء فوقه والباطن فلا شيء دونه # لم يقل أنت السافل ولا وصف الله قط بالسفول لا حقيقة ولا مجازا بل قال ليس دونك شيء فأخبر أنه لا يكون شيء دونه هناك كما جاء في الأثر الذي ذكره مالك في الموطأ أنه يقال حسبنا الله وكفى سمع الله لمن دعا ليس وراء الله منتهى فالأمر متناه مداه ولا شيء دونه في معنى اسمه الباطن ليبين أنه ليس يخرج عنه من الوجهين جميعا وذلك لأن ما في هذا المعنى من نفي الجهة شيء دونه هو بالنسبة والاضافة التقديرية وإلا ففي الحقيقة هو عال أيضا من هناك والأشياء كلها تحته # وهذا كما أن الضار والمانع والخافض لا تذكر إلا مقرونة بالنافع المعطي الرافع لأن ما فعله من الضرر والمنع والخفظ فيه حكمة بالغة أوجب أن تكون فيه رحمة واسعة ونعمة سابغة فليس في الحقيقة ضررا عاما وإن كان فيه ضرر فالضرر الاضافي بالنسبه إلى بعض المخلوقات يشبه ما في البطون من كونه ليس تحته شيء وأنه لو أدلى بحبل لهبط عليه فإن الهبوط والتحتية أمر اضافي بالنسبة إلى تقدير حال لبعض المخلوقات هذا في قدره وهذا في فعله وضلال هؤلاء الجهمية في قدره كضلال القدرية في فعله وكلاهما من وصفه ولهذا كانت المعتزلة ضالة في الوجهين جميعا وقد قابلهم بنوع من الضلال بعض أهل الاثبات حتى نفوا ما أثبتته النصوص والله يهدينا الصراط المستقيم صراط الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا
# وبيان ما في الحديث الصحيح من قوله وأنت الظاهر فليس فوقك شيء وأنت الباطن فليس دونك شيء أنه من المعلوم أن فوق و دون من الأسماء التي تسميها النحاة ظروف المكان لدلالة لفظها على المكان اللغوي فأما لفظ الفوق فظاهر وهو بحسب المضاف إليه فكون الشيء فوق لا ينافي أن يكون تحت غيره وانتفاء أن يكون فوقه شيء لا يمنع أن يكون تحته شيء فقوله وأنت الظاهر فليس فوقك شيء فنفى أن يكون فوق الله شيء وذلك يقتضي أنه سبحانه وتعالى أكمل شيء ظهورا والظهور يتضمن العلو فلهذا قال فليس فوقك شيء ولم يقل فليس أظهر منك شيء لأنه لو أراد مجرد الانكشاف والتجلي للناس لنا في ذلك وصفة بالبطون لأن كون الشيء ظاهرا بمعنى كونه معلوما ومشهودا ينافى كونه باطنا ولكن الظهور يتضمن معنى العلو ومن شأن العالي أبدا أن يكون ظاهرا متجليا بخلاف السافل فإن من شأنه أن يكون خفيا لأنه إذا علا ترآى للأبصار فراته فهو سبحانه مع ظهوره المتضمن علوه فلا شيء فوقه وهو أيضا باطن فلا شيء دونه # ولفظ الدون ليس المراد به أي الناقص ولكن لما كان يقال هذا دون هذا أي دونه بمعنى أنه يحصل دونه ويجعل الآخر فوقه صار يفهم من اللفظ هذا بل هذا اللفظ في كتاب الله تعالى في مواضع قال تعالى ^ فاتبع سببا حتى إذا بلغ مطلع الشمس وجدها تطلع على قوم لم نجعل لهم من دونها سترا ^ إلى قوله ^ ثم أتبع سببا حتى إذا بلغ بين السدين وجد من دونهما قوما لا يكادون يفقهون قولا ^ فقوله ^ لم نجعل لهم من دونها سترا ^ بين أن الستر إذا كان عليهم كالسقوف كان ذلك من دون الشمس فيكون بينهم وبين الشمس وتكون الشمس محجوبة مستورة عنهم بذلك الستر فتكون هي أبطن عنهم من الستر والستر أدنى إليهم وتكون الشمس من ورائه وكذلك قوله ^ حتى إذا بلغ بين
السدين وجد من دونهما قوما ^ الآية فهؤلاء القوم كان السدان من ورائهم إذ في قولك هذا فوق هذا وهذا دون هذا ثلاثة أسماء اسم مضاف إليه وظرف مضاف إلى هذا الاسم واسم أول متصل بالظرف ومتعلق به ويقال هذا هو مضاف إليه اضافة معنوية كما يقال حروف الجر تضيف معاني الأسماء إلى الأفعال # فإذا قيل ^ وجد من دونهما قوما ^ فالقوم هم المتعلقون بالمكان الذي هو دون السدين والسدان هما المضاف إليهما فكونهما دون السدين هو بالنسبة إلى ذي القرنين الذين وجدهما هناك فإنه وجدهم إليه أدنى وأقرب والسدان أبعد والقرب إليه أحق بالظهور والبيان والبعيد عنه أولى بالاحتجاب والاستتار هذه هي العادة فيما يقرب الينا ويبعد عنا من الأجسام ولو جاء أحد من جهة السد لقال وجدت هؤلاء دون ذي القرنين فالشيء الذي بين اثنين يقول هذا هو دونك ويقول الآخر هذا دونك وكل منهما صادق كما لو كان بينهما حائط أو نهر أو بحر لقال هؤلاء لأهل تلك الناحية هذا دونكم وكذلك يقولون الآخرون هذا دونكم كما أن كل أهل جانب يقولون عن الأخرى هم من وراء هذا الحائط ومن خلفه إذ الجهات أمور نسبية إضافية وكذلك قال تعالى ^ ومن دونهما جنتان ^ فهاتان دون تلك والأولتان فوق هاتان وهاتان أدنى إلينا # ولهذا صار في هذا اللفظ معنى القرب والبعد من وجه ومعنى الاحتجاب والاختفاء من وجه فقوله وأنت الباطن فليس دونك شيء نفى أن يكون شيء دونه كما نفى أن يكون فوقه ولو قدر فوقه شيء لكان أكمل منه في العلو والبيان إذ هذا شأن الظاهر ولو كان دونه شيء لكان أكمل منه في الدنو والاحتجاب إذ هذا شأن الباطن وهذا يوافق قوله أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد
|
|
|
|