03 Apr 2010, 03:20 AM
|
#2
|
|
وسام الشرف
|
بيانات اضافيه [
+
]
|
|
رقم باحث : 8176
|
|
تاريخ التسجيل : Jan 2010
|
|
أخر زيارة : 08 Aug 2011 (06:14 AM)
|
|
المشاركات :
1,109 [
+
] |
|
التقييم : 10
|
|
|
لوني المفضل : Cadetblue
|
|
# يقال له هؤلاء قد يقولون لا هو عينه ولا هو غيره كما عرف في اصولهم ان غير الشيء ما جاز مفارقته له وان صفة الموصوف وبعض الكل لا هو هو ولا هو غيره فطائفة هذا المؤسس هم ممن يقولون بذلك وحينئذ فلا يلزم اذا لم يكن عينه ان يكون مغايرا له ولا يفضي الى تجويز ان الجبل شيء واحد واذا جاز ان يقولوا ان الموصوف الذي له صفات متعددة هو واحد غير متكثر ولا مركب ولا ينقسم جاز ايضا ان يقال ان الذي له قدر هو واحد غير متكثر ولا مركب ولا ينقسم وان كان في الموضعين يمكن ان يشار الى شيء منه ولا يكون المشار هو عين الآخر # فان قيل فهذا يقتضي ان يكون كل جسم غير مركب ولا منقسم والغرض في هذا السؤال خلافه فان هذا السؤال فرق فيه بين العظيم الشاهد والعظيم الغائب وان الشاهد منقسم بخلاف الغائب # قيل هذا الجواب هو مبني على ان غير الشيء ما جاز مفارقته له وكل مخلوق فان الله سبحانه قادر على ان يفرق بعضه عن بعض واذا جاز مفارقة بعضه لبعض جاز ان يكون مغايرا لبعض كما ان علمه وقدرته لما كان قيامه به جائزا لا واجبا كان عرضا أي عارضا للموصوف لا لازما والرب تعالى لا يجوز ان يفارقه شيء من صفاته الذاتية ولا يجوز ان يتفرق بل هو واحد صمد واذا كان كذلك لم يلزم عند هؤلاء ان يكون بعضه مغايرا لبعض كما اصلوه # الوجه الخامس انهم قد الزموا المنازع مثلما ذكره وقالوا اذا كان حيا عالما قادرا ولم يعقل في الشاهد من يكون كذلك الا جسما منقسما مركبا وقد اثبته المنازع حيا علاما قادرا ليس بجسم منقسم مركب فكذلك يجوز ان يكون اذا كان عظيما وكبيرا وعليا ولم يعقل في الشاهد عظيم وكبير وعلي
الا ما هو جسم مركب منقسم لم يجب ان يكون جسما مركبا منقسما الا اذا كان وجب ان يكون كل حي عليم قدير جسما مركبا منقسما # وكذلك يقولون لمن يقول ان حياته وعلمه وقدرته اعراض وكذلك يقول هؤلاء لمن يسلم اثبات الصفات فيقال اذا كان القائم بغيره من الحياة والعلم والقدرة وان شارك سائر الصفات في هذه الخصائص ولم يكن عندك عرضا فكذلك القائم بنفسه وان شارك غيره من القائمين بأنفسهم فيما ذكرته لم يجب ان يكون جسما مركبا منقسما ولا فرق بين البابين بحال فان المعلوم من القائم بنفسه انه جسم ومن القائم بغيره انه عرض وان القائم بنفسه لا بد ان يتميز منه شيء عن شيء والقائم بغيره لابد ان يحتاج الى محله فاذااثبت قائما بغيره يخالف ما علم من حال القائم بنفسه في ذلك فكذلك لزمه ان يثبت قائما بنفسه يخالف ما علم من حال القائمين بأنفسهم # وجماع الامر انه سبحانه قائم بنفسه متميز عن غيره وله اسماء وهو موصوف بصفات فان كان كونه عظيما وكبيرا موجبا لان يكون كغيره من العظماء الكبراء في وجوب الانقسام الممتنع عله فكذلك كونه حيا عالما قادرا وله حياة وعلم وقدرة # وسنتكلم على قوله ان هذا ليس من باب قياس الشاهد على الغائب # واما ما ذكره من التقسيم فيقال له في الوجه السادس ان ما ذكرته من التقسيم يرد نظيره في كل ما يثبت للرب فانه يقال اذا اشرنا الى صفة او معنى او حكم كعلمه وقدرته او عالميته وقادريته او وجوبه ووجوده او كونه عاقلا ومعقولا وعقلا ونحو ذلك فاما ان تكون الصفة او المعنى والحكم الاخر هو اياه او هو غيره فان كان هو اياه لزم ان يكون كونه
حيا هو كونه عالما وكونه عالما هو كونه قادرا وكونه موجودا هو كونه فاعلا وكونه فاعلا هو كونه عاقلا ومعقولا وعقلا وهذا يفضي الى تجويز جعل المعاني المختلفة معنى واحدا وان يكون كل عرض وصفة قامت بموصوف صفة واحدة وهذا شك في البديهيات فهذا نظير ما الزموه للمنازع فانه يجب الاعتراف بثبوت معنيين ليس المفهوم من احدهما هو المفهوم الاخر وهذا قد قررناه فيما تقدم فان كان ثبوت هذه المعاني يستلزم التركيب والانقسام كان ذلك لازما على كل تقدير وان لم يكن مستلزما للتركيب والانقسام لم يكن ما ذكره مستلزما للتركيب والانقسام فان مدار الامر على ثبوت شيئين ليس احدهما هو الآخر وهذا موجود في موضعين # وهذا يتقرر بالوجه السابع وهو ان يقال المراد بالغيرين اما ان يكونا ما يجوز وجود احدهما دون الاخر او ما يجوز العلم بأحدهما دون الاخر # فان كان المراد بالغيرين هو الاول لم يجب ان يكون ما فوق المشار اليه غيره الا اذا جاز وجود احدهما دون الاخر وهذا ممتنع في حق الله تعالى بالاتفاق وبأنه واجب الوجود بنفسه على ما هو عليه كماهو مقرر في موضعه # ثم قد يقال في سائر المعاني انه يجوز وجود احدهما دون الاخر فيجوز حصول الوجود دون الوجوب او دون الفاعلية او دون العلم والعناية ودون كونه حيا عالما قادرا ونحو ذلك # وان كان المراد بالغيرين ما جاز العلم بأحدهما دون الاخر كالاحساس بأحدهما دون الآخر كما ذكره في جواز الاشارة الى نقطة دون ما فوقها فيقال لا ريب
في جواز العلم ببعض المعاني الثابتة لله دون الآخر كما قد يعلم وجوده دون وجوبه ويعلم وجوبه دون كونه فاعلا وبعلم ذلك دون العلم بكونه حيا او عالما او قادرا او غير ذلك واذا كانت المغايرة ثابتة بهذا المعنى على كل تقدير وعند كل احد ولا يصح وجود موجود الا بها وان كان واحدا محضا كان بعد هذا تسمية ذلك تركيبا او تأليفا او غير تركيب ولا تأليف نزاعا لفظيا لا يقدح في المقصود # الوجه الثامن ان يقال اصطلاح هؤلاء اجود فانه اذا ثبت ان الموجودات تنقسم الى مفرد ومؤلف او الى بسيط ومركب او الى واحد وعدد علم ان في الموجودات ما ليس بمركب ولا مؤلف ولا عدد وهذه المعاني لا يخلو منها شيء من الموجودات فعلم ان هذه المعاني لا تنافي كون الشيء واحدا ومفردا فيما اذا كان مخلوقا فكيف ينافي كون الخالق واحدا فردا غير مركب ولا مؤلف فهذا الاعتبار المعروف الذي فطر الله عليه عباده # يوضح هذا ما قد قدمنا ان اسمه الاحد ينفي ان يكون له مثل في شيء من الاشياء فهو ينفي التشبيه الباطل واسمه الصمد ينفي ان يجوز عليه التفرق والانقسام وما في ذلك من التركيب والتجسد وذلك لانه سبحانه وصف نفسه بالصمدية كما وصف بالاحدية وهو سبحانه ^ ليس كمثله شيء ^ في جميع صفاته بل هو كامل في جميع نعوته كما لا يشبهه فيه شيء فهو كامل الصمدية كما انه كامل الاحدية والواحد من الخلق قد يوصف بأنه واحد كما قال ^ وان كانت واحدة ^ وكما قال ^ ذرني ومن خلقت وحيدا ^ ويوصف بالاحد مقيدا ومنفيا كقوله ^ فخذ احدنا مكانه ^ ^ واذا بشر احدهم بالانثى ^ ^ ولم يكن له كفوا احد ^ ويوصف ايضا بالصمدية كما قال يحيى بن ابي كثير الملائكة
صمد والآدميون جوف وكما قال الشاعر % الا بكر الناعي بخير بني اسد % بعمرو بن مسعود وبالسيد الصمد %
# وكما قال % فأنت السيد الصمد %
# وكذلك لما في العبد من معنى الوحدة ومعنى الصمدية مع انه جسم من الاجسام فعلم ان كون الموجود جسما لا يمنع ان يكون واحدا وان يكون احد الاجسام وان يكون صمدا كما ان كونه جسما لا يمنع ان يكون حيا عالما قادرا لكن العبد ليس له الكمال الذي يستحقه الله في شيء من صفاته ولا قريب من ذلك فالله تعالى اذا وصف بأنه واحد صمد عالم قادر كان في ذلك على غاية الكمال الذي لا يماثله في شيء منه شيء من الاشياء لكن اذا كان ما ذكروه من المعاني التي يجعلونه كثرة وعددا وتركيبا هي ثابته لكل موجود وذلك لا يمنع ان يكون المخلوق واحدا فكيف يمنع ذلك ان يكون الاله الذي ليس كمثله شيء احدا # وذلك يظهر بالوجه التاسع وهو ان هذه المعاني التي تعلم القلب ان احدها ليس هو الاخر امر لابد منه كما قد علم على كل تقدير ونفي هذه نفي لكل موجود وهي غاية السفسطة ونهايته وذلك يجمع كل كفر وضلال ويخالف كل حس وعقل فهذا التميز ان اوجب ان تكون الحقيقة في نفسها فيها نوع من تميز لم يكن هذا منافيا لما هو الواجب والواقع من الوحدانية فان ذلك اذا لم
ينف ان يكون كثير من المخلوقات واحدا فأن لا ينفي ذلك في الخالق اولى واحرى مع ان احديته لها من الخصائص ما لا يجوز مثله لشيء من المخلوقات فانه لا مثل له في شيء من الاشياء واما غيره فله الامثال قال تعالى ^ ومن كل شيء خلقنا زوجين لعلكم تذكرون ^ قالوا فتعلمون ان خالق الازواج واحد # وان قيل كما يقوله بعض الناس ان هذا الامتياز والتعدد الذهني لا يوجب ان يكون كذلك في الخارج وجعلوا هذا مثل الاتحاد الذي في المعاني الكلية فانه كما ان الذهن يدرك انسانية واحدة وجسما واحدا كليا عاما او مطلقا يطابق الافراد الموجودة في الخارج ومع انه ليس في الخارج شيء الا موجود بعينه لا يوجد فيها ما هو كلي عام ولكن لما بين الحقائق من التشابه والتماثل يوجد في هذا نظير ما يوجد في هذا فهو هو باعتبار النوع لا باعتبار العين بل هو نظيره باعتبار العين فاذا كان هذا التشبيه والتمثيل الموجود في الخارج اوجب للذهن ادراك معنى عام كلي يجمع الامرين وان لم يكن ذلك في الخارج عاما كليا فكذلك ما يوجد في العين الوحدة فيما يظن انه اجزاء كيف او كم قد يقال الذهن هو الذي يفرق تلك ويميز بعضها عن بعض والا فهي في نفسها واحدة لا تعدد فيها ولا تكثر ولا تركيب فالذهن هو الذي يأخذ الشيء الواحد فيفصله ويركبه بعد التفصيل كما انه هو الذي يأخذ الشيئين فيمثل احدهما بالآخر ويجعلهما واحدا بعد التمثيل
فما يدرك من التشبيه والتمثيل الذي يعود الى معنى عام كلي يشتر كان فيه وما يذكر من الاجزاء والصفات الذي يعود الى معان تتميز في الذهن فيركبها ويؤلفها هو الذي عليه مدار باب التشبيه والتمثيل وباب التجسيم الذي هو التركيب وفي احدهما يجعل الذهن العدد واحدا وفي الآخر يجعل الواحد عددا لكن باعتبارين صحيحين لا يخالف ما هو عليه الحقيقة في نفس الامر ولهذا تغلط الاذهان هنا كثيرا لان بين ما في الاذهان وما في الاعيان مناسبة ومطابقة ومن وجه هو مطابقة العلم للمعلوم وهو ان ما في النفس من العلم ليس مساويا للحقيقة الخارجة فلاجل ما بينهما من الائتلاف والاختلاف كثر بين الناس الائتلاف والاختلاف ومن فهم ما يجتمعان فيه ويفترقان زاحت عنه الشبهات في هذه المحارات # والغرض في هذا الوجه ان الذي يقال في مواقع الاجماع بين الخلائق التي لا بد من اثبات شيء منها لكل عاقل في كل موجود يقال في مواقع النزاع بين مثبتة الصفات ونفاتها ولهذا يقال ما من احد ينفي صفة من الصفات التي وردت بها النصوص او يتأولها على خلاف مفهومها فرارا من محذور ينفيه الا ويلزمه فيما اثبته نظير ما فر منه فيما نفاه فسبحان من لا ملجأ منه الا اليه اللهم انا نعوذ برضاك من سخطك وبمعافاتك من عقوبتك ونعوذ بك منك لا نحصي ثناء عليك انت كما اثنيت على نفسك # وهذا القدر وان كان فيه رد على الطائفتين فيما نفته بغير حق فلا يضر في هذا المقام فان المقصود هنا حاصل به وهو ان هؤلاء المثبتة لعلو الله على عرشه مع نفيهم ما ينفونه يلزمون نفاة العلو على العرش بأعظم مما يلزمونهم به
# الوجه العاشر قوله ان نقول اذا كان عظيما فلابد وان يكون منقسما وليس هذا من باب قياس الغائب على الشاهد بل بناء على البرهان القطعي وهو ما ذكره من التقسيم # فيقال له كل برهان قطعي يستعملونه في حق الله فلا بد وان يتضمن نوعا من قياس الغائب على الشاهد فانهم انما يمكنهم استعمال القياس الشمولي الذي هو القياس المنطقي الذي لابد فيه من قضية كلية سواء كانت القضية جزائية حملية او كانت شرطية متصلة تلازمية او كانت شرطية منفصلة عنادية تقسيمية فانه اذا قيل الواحد لا يصدر عنه الا واحد وقيل لو كان مشارا اليه بالحس لكان اما منقسما او غير منقسم او لو كان فوق العرش لكان اما كذا واما كذا او لو كان جسما او غير ذلك فلابد في جيمع ذلك من قضية كلية وهو ان كل واحد بهذه المثابة وان كل ما كان مشارا اليه بالحس لا يخرج عن القسمين وان كل ما كان فوق شيء فاما ان يكون كذا وكذا ولابد ان يدخلوا الله تعالى في هذه القضايا العامة الكلية ويحكمون عليه حينئذ بما يحكمون به على سائر الافراد الداخلة في تلك القضية ويشركون بينها وبينه في ذلك ومشاركته لتلك الافراد في ذلك الحكم المطلق والمعلق على شرط ومشابهته لها في ذلك هو القياس بعينه # ولهذا لما تنازع الناس في مسمى القياس فقيل قياس الشمول احق بذلك من قياس التمثيل كما يقوله ابن حزم وطائفة وقيل بل قياس التمثيل احق باسم القياس من قياس الشمول كما يقوله ابو حامد وابو محمد
المقدسي وطائفة وقيل بل اسم القياس يتناول القسمين جميعا حقيقة كان هذا القول اصوب فما من احد يقيس غائبا بشاهد الا ولابد ان يدخلهما في معنى عام كلي كما في سائر اقيسة التمثيل وما من احد يدخل الغائب والشاهد في قياس شمول تحت قضية كلية الا ولابد ان يشرك بينهما ويشبه احدهما بالآخر في ذلك # فقول القائل لو كان عظيما مشارا اليه لكان منقسما لانا لا نعلم عظيما الا كذلك اولا نعقل عظيما الا كذلك هو كقوله لان كل عظيم فاذا اشرنا فيه الى نقظة فاما ان تكون هي ما فوقها وتحتها اولا تكون هي ذلك فانه من الموضعين لابد ان يتصور عظيما مطلقا مشارا اليه ويشرك بين العظيم الشاهد المشار اليه والعظيم الغائب المشار اليه في ذلك لكن قوله لا يعقل ابلغ من قوله لا نعلم او لم نشهد لان قوله لم نعلم او لم نشهد انما ينفي ما قد علمه وشهده دون ما لم يعلمه ويشهده بعد وقوله لا يعقل ينفي ان يكون معقولا في وقت من الاوقات ومتى لم يعقل العظيم المشار اليه الا كذلك فالبرهان الشمولي انما هو بناء على ما تصوره المستدل به وعقله من معنى العظيم المشار اليه فان فرضية النقطة في ذلك العظيم المشار اليه وقوله اما ان تكون هي الاخرى اولا تكون انما فرض ذلك وقدره فيما عقله وعلمه وارتسم في ذهنه وهو الذي يعقله من معنى العظيم المشار اليه فان جاز ان يثبت الغائب على خلاف ما يعقل بطل هذا البرهان وكان لمنازعه ان يثبت واحدا عظيما مشارا اليه منزها عن التركيب وان كان ذلك على خلاف
ما يعقل من معنى العظيم المشار اليه وان كان لا يثبت الغائب الا على ما يعقل من معنى العظيم المشار اليه بطلت مقدمة الكتاب وبطل قوله باثبات موجود لا داخل العالم ولا خارجه وباثبات موجودين ليس احدهما متصلا بالآخر ولا منفصلا عنه # وهذا كلام في غاية الانصاف لمن فهمه فإنا لم نقل ان هذا البرهان باطل لكن قلنا صحة مثل هذا البرهان مستلزم صحة مذهب المنازع الذي يقول انه خارج العالم ويمتنع وجود موجود لا داخل العالم ولا خارجه فان كان البرهان صحيحا صح قوله انه فوق العرش وان كان البرهان باطلا لم يدل على انه ليس فوق العرش # وهذا يتقرر بالوجه الحادي عشر وهو ان يقال ما قاله المنازع في مقدمة الكتاب مثل قوله الانسان اذا تأمل في احوال الاجرام السفلية والعلوية وتأمل في صفاتها فذلك له قانون فاذا اراد ان ينتقل منها الى معرفة الربوبية وجب ان يستحدث لنفسه فطرة اخرى ومنهجا آخر وعقلا آخر بخلاف العقل الذي اهتدى به الى معرفة الجسمانيات وتقريره لما ذكره عن معلم الصابئة المبدلين ارسطو حيث قال من اراد ان يشرع من المعارف الالهية فليستحدث لنفسه فطرة اخرى # فيقال له قولك اذا اشرنا الى نقطة لا تنقسم فاما ان يحصل فوقها شيء آخر اولا يحصل هذا هو العقل الذي يهتدي به الى معرفة الجسمانيات
فان الكلام في النقطة والخط وما يتبع ذلك من علم الهندسة وهو متعلق بمقادير الاجسام فان كان مثل هذا الدليل حقا في امر الربوبية بطلت تلك المقدمة التي قررت فيها انه لا ينظر في الامور الالهية بالعقل الذي به تعرف الجسمانيات واذا بطلت صح قول منازعك وجود موجود لا داخل العالم ولا خارجه ممتنع ومتى بطلت كان قول منازعك معلوما بالبديهة والفطرة الضرورية التي لا معارض لها حيث لم يعلم فسادها الا اذا بطل حكم العقل الذي يه تعرف الجسمانيات في امر الربوبية وان كان هذا الدليل لما انه متعلق بالجسمانيات لا يجوز الاستدلال بمثله في امر الربوبية فقد بطل هذا الدليل ولم يكن لك طريق الى فساد قول من يقول انه فوق العالم وفوق العرش وانه مع ذلك ليس بمركب ولا مؤلف او يقول ليس بجسم كما ذكرنا القولين فيما تقدم # يوضع ذلك الوجه الثاني عشر وهو ان علوه وكونه فوق العرش هو صفة من صفاته سبحانه وتعالى والعلم والقول في صفات الموصوف يتبع العلم والقول في ذاته فان كان مثل هذا الدليل حجة في صفاته نفيا واثباتا كان حجة مثله حجة في ذاته نفيا واثباتا لان العلم بالصفة بدون العلم بالموصوف محال # فاذا قال لو كان فوق العرش لكان منقسما مركبا مؤلفا فانما هوحكم على ذاته بانها لا تكون فوق العرش الا اذا كانت منقسمه مركبة مؤلفة والعلم بذلك ليس اظهر في العقل من العلم بانه اذا كان موجودا لم يكن الا داخل العالم او خارجه فان جميع ما ذكره من الحجج في معارضة قولهم اذا كان
موجودا اما ان يكون داخل العالم واما ان يكون خارجه هو بعينه يقال في قوله اذا كان فوق العرش مشارا اليه فاما ان يكون منقسما واما ان يكون حقيرا # بل تلك يقال فيها انا نعلم بالاضطرار انه فوق العالم ونعلم بالاضطرار انه يمتنع ان يكون لا داخل العالم ولا خارجه ولا يشار اليه فهاتان قضيتان معينتان ونعلم بالاضطرار ان الموجودين فاما ان يكون احدهما داخلا في الآخر بحيث هو كالعرض في الجسم واما ان يكون مباينا عنه ونعلم بالاضطرار وجود موجود لا يكون داخلا في الآخر ولا خارجا عنه بحال فهذان علمان عامان مطلقان # فان جاز دفع هذه بأن يقال حقيقة الرب على خلاف ما يعقل من الحقائق وامره ثابت على حكم الحس والخيال فقول القائل اذا كان فوق العرش فاما ان يكون منقسما مركبا واما ان يكون بقدر الجوهر الفرد اولى بالدفع بأن يقال حقيقة الرب على خلاف ما يعقل من الحقائق وامره ثابت على خلاف حكم الحس والخيال وكون الشيء الذي فوق غيره والذي يشار اليه بالحس لابد ان يكون منقسما او حقيرا هو من حكم الحس والخيال قطعا # يقرر ذلك الوجه الثالث عشر وهو انك وسائر الصفاتية تثبتون رؤية الرب بالابصار كما تواترت بذلك النصوص عن النبي صلى الله عليه وسلم ثم انك وطائفة معك تقولون انه يرى لافي جهة ولا مقابلا للرائي ولا فوقه ولا في شيء من جهاته الست وجمهور عقلاء بنى آدم من مثبتة الصفاتية ونفاتها يقولون ان فساد هذا معلوم بالبديهة والحس ومن المعلوم ان كونه فوق العرش غير منقسم ولا حقير اظهر في العقل من كونه مرئيا بالابصار لا في شيء من الجهات الست فان هذا مبني
على اصلين كلاهما تدفعه بديهية العقل والفطرة احدهما اثبات موجود لا في شيء من الجهات ولا داخل العالم ولا خارجه ولهذا كان عامة السليمي الفطرة على انكار ذلك والثاني اثبات رؤية هذا بالابصار فان هذا يخالفك فيه من وافقك على الاول فان كونه موجودا ايسر من كونه مرئيا فاذا كنت تجوز رؤية شيء بالابصار لا مقابل للرائي ولا في شيء من جهاته الست فكيف تنكر وجود موجود فوق العالم وليس بمركب ولا بجزء حقير وهو انما فيه اثبات وجوده على خلاف الموجود المعتاد من بعض الوجوه وذاك فيه اثباته على خلاف الموجود المعتاد من وجوه اعظم من ذلك # ودليل ذلك ان جميع فطر بني آدم السليمة تنكر ذلك اعظم من انكار هذا وان المخالفين لك في ذلك اعظم من المخالفين لك في هذا فان كون الرب فوق العالم اظهر في فطر الاولين والاخرين من كونه يرى بل العلم بالرؤية عند كثير من المحققين انما هو سمعي محض اما العلم بأنه فوق العالم فانه فطري بديهي معلوم بالادلة العقلية واما دلالة النصوص عليه فلا يحصيها الا الله # وما وقع في هذا من الغلط يكشفه الوجه الرابع عشر هو ان معرفة القلوب واقرارها بفطرة الله التي فطرها عليها ان ربها فوق العالم ودلالة الكتاب والسنة على ذلك وظهور ذلك في خاصة الامة وعامتها وكلام السلف في ذلك اعظم من كونه تعالى يرى بالابصار يوم القيامة او ان رؤيته بالابصار جائزه # ويشهد لهذا ان الجهمية اول ما ظهروا في الاسلام في اوائل المأة الثانية وكان حقيقة قولهم في الباطن تعطيل هذه الصفات كلها كما ذكر ذلك الائمة لا يصفونه الا بالسلوب المحضة التي لا تنطبق الا على المعدوم وقد ذكر هذا المؤسس ان جهما ينفي الاسماء كلها ان تكون معانيها ثابتة لله تعالى
وكانوا في الباطن ينكرون ان يرى او ان يتكلم بالقرآن او غيره او يكون فوق العرش او ان يكون موصوفا بالصفات التي جاءت بها الكتب وعلمت بدليل من الدلائل العقلية وغيرها لكن ما كانوا يظهرون من قولهم للناس الا ما هو ابعد ان يكون معروفا مستيقنا من الدين عند العامة والخاصة واقرب الى ان يكون فيه شبهة ولهم فيه حجة ويكونون فيه اقل مخالفة لما يعلمه الناس من الحجج الفطرية والشرعية والقياسية وغير ذلك # وهذا شأن كل من اراد ان يظهر خلاف ما عليه امة من الامم من الحق انما يأتيهم بالاسهل الاقرب الى موافقتهم فان شياطين الانس والجن لا يأتون ابتداءا ينقضون الاصول العظيمة الظاهرة فانهم لا يتمكنون # ومما عليه العلماء ان مبدأ الرفض كان من الزنادقة المنافقين ومبدأ التجهم كان من الزنادقة المنافقين بخلاف رأي الخوارج والقدرية فانه انما كان من قوم فيهم ايمان لكن جهلوا وضلوا # ولهذا لما نبغت القرامطه الباطنية وهم يتظاهرون بالتجهم والرفض جميعا وهم في الباطن من اعظم بني آدم كفرا والحادا حتى صار شعارهم الملاحدة عند الخاص والعام وهم كافرون بما جاءت به الرسل مطلقا ومن اعظم الناس منافقة لجميع الناس من اهل الملل المسلمين واليهود النصارى وغير اهل الملل وضعوا الرأي الذي لهم والتدبير على سبع درجات سمو آخرها البلاغ الاكبر والناموس الاعظم وكان من وصيتهم لدعاتهم ان المسلمين اذا اتيتهم فلا تأت هؤلاء الذين يقولون الكتاب والسنة فانهم صعاب عليك لا يستجيبون لك
ولكن ائتهم من جهة التشيع فاظهر الموالاة لآل محمد والتعظيم لهم والانتصار لهم والمعادات لمن ظلمهم واذكر من ظلم الاولين لهم ما امكن فان ذلك يوجب ان يستجيب لك خلق عظيم وبذلك يمكنك القدح في دينهم اخيرا ثم ذكر درجات دعوته درجة درجة كيف تدرج الناس فيها بحسب استعدادهم وموافقتهم له ما يطول وصفه هنا # وانما الغرض التنبيه على ان دعاة الباطل المخالفين لما جاءت به الرسل يتدرجون من الاسهل الاقرب الى موافقة الناس الى ان ينتهوا الى هدم الدين وهذا مما يفعله بعض اهل الحق ايضا في دعوة الناس الى الحق شيئا بعد شيء بحسب ما تقتضيه الشريعة وما يناسب حاله وحال اصحابه # واذا كان كذلك فالجهمية الذين كان باطن امرهم السلب والتعطيل لما نبغوا لم يكونوا يظهرون للناس الا ما هو اقل انكارا عليهم فاظهروا القول بان القرآن مخلوق واظهروا القول بأن الله لا يرى وكانت مسألة القرآن عندهم اقوى ولهذا افسدوا من افسدوه من ولاة الامور في امارة ابي العباس الملقب بالمأمون واخيه ابي اسحاق المعتصم والواثق جعلوا هذه
المسألة مسألة يمتحنون بها الناس واظهروا ان مقصودهم انما هو توحيد الله وحده لانه هو الخالق وكل ما سواه مخلوق وان من جعل شيئا ليس هو الله تعالى وقال انه غير مخلوق فقد اشرك وقال بقول النصارى او نحو ذلك فصار كثير ممن لم يعرف حقيقة امرهم يظن ان هذا من الدين ومن تمام التوحيد فضلوا واضلوا وكانوا يتظاهرون بأن الله لا يرى لكن لم يجعلوا هذه المسألة المحنة لانه لا يظهر فيها من شبهة التوحيد للعامة ما يظهر في ان كل ما سوى الله مخلوق # وكان اهل العلم والايمان قد عرفوا باطن زندقتهم ونفاقهم وان المقصود بقولهم ان القرآن مخلوق ان الله لا يكلم ولا يتكلم ولا قال ولا يقول وبهذا تتعطل سائر الصفات من العلم والسمع والبصر وسائر ما جاءت به الكتب الالهية وفيه ايضا قدح في نفس الرسالة فان الرسل انما جاءت بتبليغ كلام الله فاذا قدح في ان الله يتكلم كان ذلك قدحا في رسالة المرسلين فعلموا ان في ان باطن ما جاؤا به قدح عظيم في كثير من اصلي الاسلام شهادة ان لا اله الا الله وشهادة ان محمدا رسول الله # لكن كثيرا من الناس لا يعلمون ذلك كما ان كثيرا من الناس لا يعلم باطن حال القرامطة لانهم انما يظهرون موالاة آل محمد صلى الله عليه وسلم ولا ريب ان كل مؤمن يجب عليه ان يواليهم وان اظهروا شيئا من التشيع الباطل الذي يوافقهم عليه الشيعة الذين ليسوا زنادقة ولا منافقين ولكن فيهم جهل وهوى تلبس عليهم فيه بعض الحق كما ان هؤلاء الجهمية وافقهم من العلماء والامراء في بعض ما يظهرونه من لم يكن من الزنادقة المنافقين لكن كان فيهم جهل وهوى
|
|
|
|