عرض مشاركة واحدة
قديم 03 Apr 2010, 03:12 AM   #10
محمد الغماري
وسام الشرف


الصورة الرمزية محمد الغماري
محمد الغماري غير متصل

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم باحث : 8176
 تاريخ التسجيل :  Jan 2010
 أخر زيارة : 08 Aug 2011 (06:14 AM)
 المشاركات : 1,109 [ + ]
 التقييم :  10
لوني المفضل : Cadetblue


# والمقصود هنا أن أئمة السنة كأحمد بن حنبل وغيره كانوا إذا ذكر لهم أهل البدع الألفاظ المجملة كلفظ الجسم والجوهر والحيز ونحوها لم يوافقهم لا على

إطلاق الإثبات ولا على إطلاق النفي وأهل البدع بالعكس ابتدعوا ألفاظا ومعاني إما في النفي وإما في الإثبات وجعلوها هي الأصل المعقول المحكم الذي يجب اعتقاده والبناء عليه ثم نظروا في الكتاب والسنة فما أمكنهم أن يتأولوه على قولهم تأولوه وإلا قالوا هذا من الألفاظ المتشابهة # وقال الرازي وأعلم أنه كما إن الكفار لما سألوا الرسول صلى الله عليه وسسلم عن صفة ربه فأجاب الله بهذه السورة الدالة على كونه تعالى منزها عن أن يكون جسما أو جوهرا أو مختصا بالمكان فكذلك فرعون سأل موسى عليه السلام عن صفة الله تعالى فقال وما رب العالمين ثم إن موسى لم يذكر الجواب عن هذا السؤال إلا بكونه تعالى خالقا للناس ومدبرا لهم وخالق السموات والأرض ومدبرا لهما وهذا أيضا من أقوى الدلائل على أنه تعالى ليس بمتحيز ولا في جهة لأنا سنبين إن شاء الله تعالى أن كون الشيء جسما ومتحيزا عين الذات ونفسها وحقيقتها لا أنه صفة قائمة بالذات وأما كونه خالقا للأشياء ومدبرا لها فهو صفة ولفظة ما سؤال عن الماهية وطلب للحقيقة فلو كان تعالى متحيزا لكان الجواب عن قوله وما رب العالمين بذكر كونه متحيزا أولى من الجواب عنه بذكر كونه خالقا ولو كان كذلك كان جواب موسى عليه السلام خطأ ولكان طعن فرعون بأنه مجنون لا يفهم السؤال ولا يذكر في مقابلة السؤال ما يصلح أن يكون جوابا متجها لازما ولما بطل ذلك علمنا أنه تعالى ما كان متحيزا فلا جرم ما كان يمكن تعريف حقيقته سبحانه وتعالى إلا بأنه خالق مدبر فلا جرم كان جواب موسى عليه السلام صحيحا وكان سؤال فرعون سؤالا فاسدا

فثبت أنه كما كان جواب محمد صلى الله عليه وسلم عن سؤال الكفار عن صفة الله تعالى يدل على تنزيه الله تعالى عن التحيز فكذلك جواب موسى عليه السلام # وقد ظن بعض الناس إن سؤال فرعون وما رب العالمين هو سؤال عن ما هية الرب كالذي يسأل عن حدود الأشياء فيقول ما الإنسان ما الملك ما الجني ونحو ذلك قالوا ولما لم يكن للمسئول عنه ماهية عدل موسى عن الجواب إلى بيان ما يعرف به وهو قوله ^ رب السموات والأرض ^ وهذا قول قاله بعض المتأخرين وهو باطل فإن فرعون إنما استفهم استفهام إنكار وجحد لم يسأل عن ماهية رب أقر بثبوته بل كان منكرا له جاحدا ولهذا قال في تمام الكلام ^ لئن اتخذت إلها غيري لأجعلنك من المسجونين ^ وقال ^ وإني لأظنه كاذبا ^ فاستفهامه كان إنكارا وجحدا يقول ليس للعالمين رب يرسلك فمن هو هذا إنكارا له فبين موسى أنه معروف عنده وعند الحاضرين وأن آياته ظاهرة بينة لا يمكن معها جحده وأنكم إنما تجحدون بألسنتكم ما تعرفونه بقلوبكم كما قال موسى في موضع آخر لفرعون ^ لقد علمت ما أنزل هؤلاء إلا رب السموات والأرض بصائر ^ وقال الله تعالى ^ وجحدوا بها واستيقنتها انفسهم ظلما وعلوا فانظر كيف كان عاقبة المفسدين ^ ولم يقل فرعون ومن رب العالمين فإن من سؤال عن عينه يسأل بها من عرف جنس المسؤول عنه أنه من أهل العلم وقد شك في عينه كما يقول لرسول عرف أنه جاء من عند إنسان من أرسلك وأما ما فهي سؤال عن الوصف يقول أي شيء هو هذا وما هو هذا الذي اسميته رب العالمين قال ذلك منكرا له جاحدا # فلما سأل جحدا أجابه موسى بأنه أعرف من أن ينكر وأظهر من أن يشك فيه ويرتاب فقال ^ رب السموات والأرض وما بينهما إن كنتم موقنين ^

ولم يقل موقنين بكذا وكذا بل أطلق فأي يقين كان لكم بشيء من الأشياء فأول اليقين اليقين بهذا الرب كما قالت الرسل لقومهم أفي الله شك وإن قلتم لا يقين لنا بشيء من الأشياء بل سلبنا كل علم فهذه دعوى السفسطة العامة ومدعيها كاذب ظاهر الكذب فإن العلوم من لوازم كل إنسان فكل إنسان عاقل لا بد له من علم ولهذا قيل في حد العقل إنه علوم ضرورية وهي التي لا يخلو منها عاقل فلما قال فرعون ^ إن رسولكم الذي أرسل إليكم لمجنون ^ وهذا من افتراء المكذبين على الرسل لما خرجوا من عاداتهم التي هي محمودة عندهم نسبوهم إلى الجنون ولما كانوا مظهرين للجحد بالخالق أو للاسترابة والشك فيه هذه حال عامتهم ودينهم وهذا عندهم دين حسن وإنما إلههم الذي يطيعونه فرعون قال ^ إن رسولكم الذي أرسل إليكم لمجنون ^ فبين له موسى إنكم الذين سلبتم العقل النافع وأنتم أحق بهذا الوصف فقال ^ رب المشرق والمغرب وما بينهما إن كنتم تعقلون ^ فإن العقل مستلزم لعلوم ضرورية يقينيه وأعظمها في الفطرة الإقرار بالخالق فلما ذكر أولا أن من أيقن بشيء فهو موقن به واليقين بشيء هو من لوازم العقل بين ثانيا أن الإقرار به هو من لوازم العقل ولكن المحمود هو العلم النافع الذي يعمل به صاحبه فإن لم يعمل به صاحبه قيل أنه ليس له عقل ويقال أيضا لمن لم يتبع ما أيقن به إنه ليس له يقين فإن اليقين أيضا يراد به العلم المستقر في القلب ويراد به العمل بهذا العلم فلا يطلق الموقن إلا على من أستقر في قلبه العلم والعمل وقوم فرعون لم يكن عندهم إتباع لما عرفوه فلم يكن لهم عقل ولا يقين وكلام موسى يقتضي الأمرين إن كان لك يقين فقد عرفته وإن كان لك عقل فقد عرفته وإن ادعيت أنه لا يقين لك ولا عقل لك فكذلك قولك فهذا إقرار منكم بسبكم خاصية الإنسان ومن يكن هكذا لا يصلح له ما أنتم عليه من

دعوى الالهية مع أن هذا باطل منكم فانكم موقنون به كما قال تعالى ^ وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم ظلما وعلوا ^ ولكم عقل تعرفونه به ولكن هواكم يصدكم عن إتباع موجب العقل وهو إرادة العلو في الأرض والفساد فأنتم لا عقل لكم بهذا الاعتبار كما قال أصحاب النار ^ لو كنا نسمع أو نعقل ما كنا في أصحاب السعير ^ وقال تعالى عن الكفار ^ أم تحسب أن أكثرهم يسمعون أو يعقلون إن هم إلا كالأنعام بل هم أضل سبيلا ^ قال تعالى عن فرعون وقومه ^ فاستخف قومه فأطاعوه إنهم كانوا قوما فاسقين ^ والخفيف هو السفيه الذي لا يعمل بعلمه بل يتبع هواه وبسط هذا له موضع آخر # والله تعالى قد أخبر عن فرعون أنه طلب أن يصعد ليطلع إلى إله موسى فلو لم يكن موسى أخبره أن إلهه فوق لم يقصد ذلك فإنه لو لم يكن مقرا به فإذا لم يخبره موسى به لم يكن إثبات العلو لا منه ولا من موسى عليه الصلاة والسلام فلا يقصد الاطلاع ولا يحصل به ما قصده من التلبيس على قومه بأنه صعد إلى إله موسى # فموسى صدق محمدا في أن ربه فوق وفرعون كذب موسى في أن ربه فوق فالمقرون بذلك متبعون لموسى ومحمد والمكذبون بذلك موافقون لفرعون # وإن كانوا يعبرون عن ذلك بعبارات مبتدعة فيها إجمال وإبهام وإيهام كقولهم ليس بمتحيز ولا جسم ولا جوهر ولا هو في جهة ولا مكان وأمثال هذه العبارات التي تفهم منها العامة تنزيه الرب تعالى عن النقائص

ومقصدهم بها أنه ليس فوق السموات رب ولا على العرش إله يعبد ولا عرج بالرسول إلى الله # قال أبو عبد الله الرازي وأما الخليل صلى الله عليه وسلم فقد حكى الله تعالى عنه في كتابه بأنه استدل بحصول التغير في أحوال الكواكب على حدوثها ثم قال عند تمام الاستدلال ^ وجهت وجهي للذي فطر السموات والأرض حنيفا ^ واعلم أن هذه الواقعة تدل على تنزيه الله تعالى وتقديسه عن التحيز والجهة أما دلالتها على تنزيه الله تعالى عن التحيز فمن وجوه # أحدها أنا سنبين إن شاء الله تعالى أن الأجسام متماثلة فإذا ثبت ذلك فنقول ما صح على أحد المثلين وجب أن يصح على المثل الآخر فلو كان تعالى جسما أو جوهرا وجب أن يصح عليه كل ما صح على غيره وأن يصح على غيره كل ما صح عليه وذلك يقتضي جواز التغير عليه ولما حكم الخليل عليه السلام بأن المتغير من حال إلى حال لا يصلح للآلهية وثبت أنه لو كان جسما لصلح عليه التغير لزم القطع بأنه تعالى ليس بمتحيز أصلا # الثاني أنه عليه السلام قال عند تمام الاستدلال وجهت وجهي للذي فطر السموات والأرض فلم يذكر في صفات الله تعالى إلا كونه خالقا للعالم والله مدحه على هذا الكلام وعظمه فقال ^ وتلك حجتنا آتيناها إبراهيم على قومه نرفع درجات من نشاء ^ ولو كان إله العالم جسما موصوفا بمقدار مخصوص وشكل مخصوص لما كمل العلم به تعالى إلا بعد العلم بكونه جسما متحيزا ولو كان كذلك لما كان مستحقا للمدح والتعظيم بمجرد معرفة كونه خالقا للعالم فلما كان هذا المقدار من المعرفة كافيا في كمال معرفة الله تعالى دل ذلك على أنه تعالى ليس بمتحيز

# الثالث أنه تعالى لو كان جسما لكان كل جسم مشاركا له في تمام الماهية فالقول بكونه تعالى جسما يقتضي إثبات الشريك لله تعالى وذلك ينافي قوله ^ وما أنا من المشركين ^ فثبت بما ذكرناه أن العظماء من الأنبياء صلوات الله عليهم كانوا قاطعين بتنزيه الله تعالى وتقديسه عن الجسمية والجوهرية والجهة وبالله التوفيق # وقد ظن طائفة من الجهمية والمعتزلة وغيرهم أن مراده بقوله ^ هذا ربي ^ أن هذا خالق العالم وأنه استدل بالأفوال وهو الحركة والانتقال على عدم ربوبيته وزعموا أن هذه الحجة هي الدالة على حدوث الأجسام وحدوث العالم وهذا غلط من وجوه # أحدها أن هذا القول لم يقله أحد من العقلاء لا من قوم إبراهيم ولا غيرهم ولا توهم أحدهم أم كوكبا أو القمر أو الشمس خلق هذا العالم وإنما كان قوم إبراهيم مشركين يعبدون هذه الكواكب زاعمين أن في ذلك جلب منفعة أو دفع مضرة على طريقة الكلدانيين والكشدانيين وغيرهم من المشركين أهل الهند وغيرهم وعلى طريقة هؤلاء صنف الكتاب الذي صنفه أبو عبد الله ابن الخطيب الرازي في السحر والطلمسات ودعوة الكواكب وهذا دين المشركين من الهند والخطا والنبط والكلدانيين والكشدانيين وغير هؤلاء ولهذا قال الخليل ^ ياقوم أني برئ مما تشركون ^ وقال ^ أفرأيتم ما كنتم تعبدون أنتم وآباؤكم الأقدمون فأنهم عدو لي إلا رب العالمين ^ وأمثال ذلك # وأيضا فالأفول في لغة العرب هو المغيب والاحتجاب ليس هو الحركة والانتقال

# وأيضا فلو كان احتجاجه بالحركة والانتقال لم ينتظر إلى أن يغيب بل كان نفس الحركة التي يشاهدها من حين تطلع إلى أن تغيب الأفول # وأيضا فحركتها بعد المغيب والاحتجاج غير مشهودة ولا معلومة # وأيضا لو كان قوله هذا ربي هذا رب العالمين لكانت قصة إبراهيم عليه السلام حجة عليهم لأنه حينئذ لم تكن الحركة عنده مانعة من كونه رب العالمين وإنما المانع هو الأفول # وهو المخالفون لإبراهيم ولنبينا ولغيرهما من الأنبياء عليهم الصلاة والسلام وذلك أن الله تعالى قال ^ فلما جن عليه الليل رأى كوكبا قال هذا ربي فلما أفل قال لا أحب الآفلين فلما رأى القمر بازغا قال هذا ربي فلما أفل قال لئن لم يهدني ربي لأكونن من القوم الضالين فلما رأى الشمس بازغة قال هذا ربي هذا أكبر فلما أفلت قال يا قوم أني برئ مما تشركون اني وجهت وجهي للذي فطر السموات والأرض حنيفا وما أنا من المشركين ^ فقد أخبر الله في كتابه أنه من حين بزغ الكواكب والقمر والشمس وإلى حين أفولها لم يقل الخليل لا أحب البازغين ولا المتحركين ولا المتحولين ولا أحب من تقوم به الحركات ولا الحوادث ولا قال شيئا مما يقوله النفاة حين أفل الكوكب والشمس والقمر والأفول باتفاق أهل اللغة والتفسير هو المغيب والاحتجاب بل هذا معلوم بالأضرار من لغة العرب التي نزل بها القرآن وهو المراد باتفاق العلماء فلم يقل إبراهيم لا أحب الآفلين إلا حين أفل وغاب عن الأبصار فلم يبق مرئيا ولا مشهودا فحينئذ قال لا أحب الآفلين وهذا يقتضي أ كونه متحركا منتقلا تقوم به الحوادث بل كونه جسما متحيزا تقوم به الحوادث لم يكن دليلا عند إبراهيم على نفي محبته

فإن كان إبراهيم إنما استدل بالأفوال على أنه ليس رب العالمين كما زعموا لزم من ذلك أن يكون ما يقوم به الأفول من كونه متحركا منتقلا تحله الحوادث بل ومن كونه جسما متحيزا لم يكن دليلا عند إبراهيم على أنه ليس برب العالمين وحينئذ فيلزم أن تكون قصة إبراهيم حجة على نقيض مطلوبهم لا على تعيين مطلوبهم وهكذا أهل البدع لا يكادون يحتجون بحجة سمعية ولا عقلية إلا وهي عند التأمل حجة عليهم لا لهم # ولكن إبراهيم عليه السلام لم يقصد بقوله هذا ربي أنه رب العالمين ولا كان أحد من قومه يقولون أنه رب العالمين بل كانوا مشركين مقرين بالصانع وكانوا يتخذون الكواكب والشمس والقمر أربابا يدعونها من دون الله ويبنونن لها الهياكل وقد صنفت في مثل مذهبهم كتب مثل كتاب السر المكتوم في السحر ومخاطبة النجوم وغيره من الكتب ولهذا قال الخليل ^ أفرأيتم ما كنتم تعبدون أنتم وآباؤكم الأقدمون فإنهم عدو لي إلا رب العالمين ^ وقال تعالى ^ قد كانت لكم أسوة حسنة في إبراهيم والذين معه إذ قالوا لقومهم أنا براء منكم ومما تعبدون من دون الله كفرنا بكم وبدا بيننا وبينكم العداوة والبغضاء أبدا حتى تؤمنوا بالله وحده ^ ولهذا قال الخليل في تمام الكلام ^ إني برئ مما تشركون إني وجهت وجهي للذي فطر السموات والأرض حنيفا وما أنا من المشركين ^ بين أنه إنما يعبد الله وحده فله يوجه وجهه إذا توجه قصده إليه يتبع قصده وجهه فالوجه توجه حيث توجه القلب فصار قلبه وقصده ووجهه متوجها إلى الله تعالى ولهذا قال ^ وما أنا من المشركين ^ لم يذكر أنه أقر بوجود الصانع فإن هذا كان معلوما عند قومه لم يكونوا ينازعونه في وجود

فاطر السموات والأرض وإنما كان النزاع في عبادة غير الله واتخاذه ربا فكانوا يعبدون الكواكب السماوية ويتخذون لها أصناما أرضية # وقوله ^ لا أحب الآفلين ^ فالآفل هو الذي يغيب تارة ويظهر تارة فليس هو قائم على عبده في كل وقت والذين يعبدون ما سوى الله من الكواكب ونحوها ويتخذونها أوثانا يكونون في وقت البزوغ طالبين سائلين وفي وقت الأفول لا يحصل مقصودهم ولا ومرادهم فلا يجلبون منفعة ولا يدفعون مضرة ولا ينتفعون إذ ذاك بعبادة فبين ما في الآلهة التي تعبد من دون الله من النقص وبين ما لربه فاطر السموات والأرض من الكمال بأنه الخالق الفاطر العليم السميع البصير والهادي الرازق المحيي المميت # ففي الجملة الاحتجاج بلفظ التغير إن كان سمعيا فالأفول ليس هو التغير وإن كان عقليا فإن أريد بالتغير الذي يمتنع على الرب محل النزاع لم يحتج به وإن أريد به مواقع الإجماع فلا منازعة فيه # ولما فسر هؤلاء الأفوال بالحركة وفتحوا باب تحريف الكلم عن مواضعه دخلت الملاحدة من هذا الباب ففسر ابن سينا وأمثاله من الملاحدة الأفول بالإمكان الذي ادعوه حيث قالوا أن الأفلاك قديمة أزلية وهي مع ذلك ممكنة وكذلك ما فيها من الكواكب والنيرين قالوا فقول إبراهيم لا أحب الآفلين أي لا أحب الممكن المغلول وإن كان قديما أزليا وأين في لفظ الأفول ما يدل على هذا المعنى ولكن هذا

شأن المحرفين للكلم عن مواضعه وجاء بعدهم من جنس من زاد في التحريف فقال المراد بالكواكب والشمس والقمر هو النفس والعقل الفعال والعقل الأول وقد ذكر ذلك أبو حامد الغزالي في بعض كتبه وحكاه عن غيره في بعضها وقال هؤلاء الكواكب والشمس والقمر لا يخفى على عاقل إنها ليست رب العالمين بخلاف النفس والعقل ودلالة لفظ الكواكب والشمس والقمر على هذه المعاني لو كانت موجودة من عجائب تحريفات الملاحدة الباطنية كما يتأولون العمليات مع العمليات ويقولون الصلوات الخمس معرفة أسرارنا وصيام رمضان كتمان أسرارنا والحج هو الزيارة لشيوخنا المقدسين وفتح لهم هذا الباب الجهمية والرافضة حيث صار بعضهم يقول الإمام المبين علي بن أبي طالب والشجرة الملعونة في القرآن بنو أمية والبقرة المأمور بذبحها عائشة واللؤلؤ والمرجان الحسن والحسين # قال الرازي الحجة الثانية من القرآن قوله تعالى ^ ليس كمثله شيء ^ ولو كان جسما لكان مثلا لسائر الأجسام في تمام الماهية لأنا سنبين إن شاء الله تعالى بالدلائل الباهرة أن الأجسام كلها متماثلة وذلك كالمناقض لهذا النص # قال الشيخ وكذلك إذا قالوا الموصوفات تتماثل والأجسام تتماثل والجواهر تتماثل وأرادوا أن يستدلوا بقوله تعالى ^ ليس كمثله شيء ^ على نفي مسمى هذه الأمور التي سموها بهذه الأسماء في اصطلاحهم الحادث كان هذا افتراءا على القرآن فأن هذا ليس هو المثل في لغة العرب ولا لغة القرآن ولا غيرهما قال تعالى ^ وإن تتلوا يستبدل قوما غيركم ثم لا يكونوا أمثالكم ^

فنفى مماثلة هؤلاء مع اتفاقهم في الإنسانية فكيف يقال إن لغة العرب توجب أن كل ما يشار إليه مثل كل ما يشار إليه وقال تعالى ^ ألم تر كيف فعل ربك بعاد إرم ذات العماد التي لم يخلق مثلها في البلاد ^ فأخبر أنه لم يخلق مثلها في البلاد وكلاهما بلد فكيف يقال إن جسم فهو مثل لكل جسم في لغة العرب حتى يحمل على ذلك قوله ^ ليس كمثله شيء ^ وقد قال الشاعر % ليس كمثل الفتى زهير %
# وقال % ما إن كمثلهم في الناس من بشر %
قال الرازي فإن قيل لم لا يجوز أن يقال أنه تعالى وإن كان أنه مخالف لغيره من الأجسام كما أن الإنسان والفرس وإن أشتركا في الجسمية لكنهما مختلفان في الأحوال والصفات ولا يجوز أن يقال الفرس مثل الإنسان فكذا هنا والجواب من جهتين # الأول إنا سنقيم الدلالة على أن الأجسام كلها متماثلة في تمام الماهية فلو كان تعالى جسما لكان ذاته مثلا لسائر الأجسام وذلك يخالف هذا النص والإنسان والفرس ذات كل واحد منهما مماثلة لذات الآخر والاختلاف إنما وقع في الصفات والأعراض والذاتان إذا كانتا متماثلتين لكان اختصاص كل واحدة منهما بصفاته المخصوصة من الجائزات لا من الواجبات لأن الأشياء المتماثلة في تمام الذات والماهية لا يجوز اختلافهم في اللوازم فلو كان الباري تعالى جسما لوجب أن يكون اختصاصه بصفاته المخصوصة من الجائزات ولو كان كذلك لزم افتقاره إلى المدبر والمخصص وذلك يبطل القول بكونه تعالى إله العالم



 
 توقيع : محمد الغماري

احفظ الله يحفظك

تستطيع أن ترى الصورة بحجمها الطبيعي بعد الضغط عليها

moh_elgmare@yahoo.com


رد مع اقتباس