03 Apr 2010, 03:11 AM
|
#9
|
|
وسام الشرف
|
بيانات اضافيه [
+
]
|
|
رقم باحث : 8176
|
|
تاريخ التسجيل : Jan 2010
|
|
أخر زيارة : 08 Aug 2011 (06:14 AM)
|
|
المشاركات :
1,109 [
+
] |
|
التقييم : 10
|
|
|
لوني المفضل : Cadetblue
|
|
# قال الشيخ رحمه الله والاسم الصمد فيه للسلف أقوال متعددة قد يظن إنها مختلفة وليس كذلك بل كلها صواب والمشهور منها قولان أحدهما أن الصمد هو الذي لا جوف له والثاني أنه السيد الذي يصمد إليه في الحوائج والأول هو قول أكثر السلف من الصحابة والتابعين وطائفة من أهل اللغة والثاني قول طائفة من السلف والخلف وجمهور اللغويين
والاشتقاق يشهد للقولين جميعا وهو على الأول أدل # وكون الصمد يصمد إليه في الحوائج هو حق أيضا وهو مقرر للتفسير الأول ودال عليه فلا ينافي أن يكون هو نفسه مجتمعا لا جوف له بل كونه في نفسه كذلك فهو الموجب لاحتياج الناس إليه # وأما استدلال هؤلاء المتأخرين بذلك على نفي الجسم والحد فباطل أيضا هو قلب الدلالة فإن كون الموصوف مصمتا لا يمنع أن يكون جسما أو محدودا كسائر ما وصف بأنه مصمد # وأما استدلال المجسمة الذين يقولون أن الله لحم ودم وعظم ونحو ذلك والذين يجعلون الباري من جنس شئ من الأجسام المخلوقة بهذا الاسم فباطل لوجوه أحدها أن هذا اللفظ على ذلك من تفاسيره الثاني أن الملائكة موصوفة بأنها صمد والأجسام المصمتة موصوفة بأنها صمد وليست لجما ودما # قال الرازي لو كان مركبا من الجوارح والأعضاء لاحتاج في الإبصار إلى العين وفي الفعل إلى اليد وفي المشي إلى الرجل وذلك ينافي كونه صمدا مطلقا # قلت هذه الحجة كان يمكن أن يذكرها في اسم الله كما ذكرها في الاسم الصمد إذ مضمونها الاحتجاج بما في أسمائه من الدلالة على الغنى على عدم هذه
الصفات لكن لما كانت من جنس الحجة التي قبلها لم يذكرها إلا في الاسم الصمد لظهور دلالته على الغنى وقد قدمنا أن لفظ الجوارح والأعضاء مما لا يقولها الصفاتية فمضمون حجته أنه لو كان الله خلق آدم بيديه وكتب التوراة بيده وخلق عدن بيده لكان الله محتاجا في الفعل إلى يد وذلك ينافي كونه صمدا وهذا قد ثبت بالكتاب والسنة الصحيحة المتفق على صحتها المتلقاة بالقبول # والكلام على هذا من وجوه أحدها أن ثبوت ما أثبته الدليل من هذه الصفات لم يوجب حاجة الرب إليها فأن الله سبحانه قادر أن يخلق ما يخلقه بيديه وقادر أن يخلق ما يخلقه بغير يديه وقد وردت الأثارة من العلم بأنه خلق بعض الأشياء بيديه وخلق بعض الأشياء بغير يديه قال عثمان بن سعيد الدرامي حدثنا عبد الله بن صالح حدثني هشام بن سعيد عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار أن عبد الله بن عمرو بن العاص قال لقد قالت الملائكة يا ربنا منا الملائكة المقربون ومنا حملة العرش ومنا الكرام الكاتبون ونحن نسبح الله بالليل والنهار ولا نسأم ولا نفتر خلقت بني آدم فجعلت لهم الدنيا وجعلتهم يأكلون ويشربون ويتزوجون فكما جعلت لهم الدنيا فأجعل لنا الآخرة فقال لن أفعل ثم عادوا فاجتهدوا المسألة فقال لن أفعل ثم عادوا فاجتهدوا المسألة بمثل ذلك فقال لن أجعل صالح ذرية من خلقت بيدي كمن قلت له كن فكان وقد روى نحو هذا عبد الله بن أحمد بم حنبل في كتاب السنة عن النبي صلى الله عليه وسلم أظنه مرسلا قال الدرامي حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا عبد الواحد بن زياد حدثنا عبيد بن مهران وهو الكاتب حدثنا مجاهد قال قال عبد الله بن عمر خلق الله أربعة أشياء بيده العرش والقلم
وعدن وآدم ثم قال لسائر الخلق كن فكان وقال حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا أبو عوانة عن عطاء بن السائب عن ميسرة قال إن الله لم يمس شيئا من خلقه غير ثلاث خلق آدم بيده وكتب التوراة بيده وغرس جنة عدن بيده وقال حدثنا محمد بن المنهال حدثنا يزيد بن زريع حدثنا سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن أنس عن كعب قال لم يخلق الله بيده غير ثلاث خلق آدم بيده وكتب التوراة بيده وغرس جنة عدن بيده ثم قال لها تكلمي قالت قد أفلح المؤمنون وقد ثبت في الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم في حديث الشفاعة أن موسى يقال له أنت موسى اصطفاك الله بكلامه وخط لك الألواح بيده وفي لفظ وكتب لك التوراة بيده وثبت في صحيح مسلم عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال وغرس كرامة أوليائه في جنة عدن بيده # وأما الفعل باليد غير الخلق فقد ثبت بالكتاب والسنة قبضه الأرض والسموات وقد تواترت بذلك الأحاديث المشهورة في الصحيحين وغيرهما كقوله يطوي الله السموات يوم القيامة ثم يأخذهن بيده اليمنى ثم يقول أنا الملك أين الجبارون أين المتكبرون ثم يطوي الأرض بيده الأخرى وفي رواية مسلم بشماله ثم يقول أنا الملك أين الجبارون أين المتكبرون وقوله تكون الأرض يوم القيامة خبزة واحدة يتكفؤها الجبار بيده كما يتكفؤ أحدكم خبزته في السفر نزلا لأهل الجنة # وهذا كما أنه سبحانه وتعالى قد كتب في اللوح المحفوظ وفي غيره ما كتبه من مقادير الخلائق وقال تعالى ^ ما أصاب من مصيبة في الأرض ولا في أنفسكم
إلا في كتاب من قبل أن نبرأها إن ذلك على الله يسير لكي لا تأسوا على ما فاتكم ولا تفرحوا بما آتكم ^ ثم لم تدل كتابته لذلك على انه محتاج إلى الكتاب والكتاب خوف النسيان والغلط مع أن الكتاب أمر منفصل عنه فخلقه ما يخلقه بيديه أولى أن لا يدل على حاجته إلى ذلك # الوجه الثاني أن يقال له إنه سبحانه الغني الصمد القادر وقد خلق ما خلقه من أمر السموات والأرض الدنيا والآخرة بالأسباب التي خلقها وجعل بعض المخلوقات سببا لبعض كما قال تعالى ^ وهو الذي يرسل الرياح بشرا بين يدي رحمته حتى إذا أقلت سحابا ثقالا سقناه لبلد ميت فأنزلنا به الماء فأخرجنا به من كل الثمرات ^ وقال تعالى ^ وما أنزل الله من السماء من ماء فأحيا به الأرض بعد موتها وبث فيها من كل دابة ^ وقال تعالى ^ ونزلنا من السماء ماءا مباركا فأنبتنا به جنات وحب الحصيد ^ وقال تعالى ^ ينبت لكم به الزرع والزيتون والنخيل والأعناب ومن كل الثمرات ^ وقال تعالى ^ فأنبتنا به حدائق ذات بهجة ^ # فإذا كان خلقه بعض المخلوقات ببعض لا يوجب حاجته إلى مخلوقاته ولا ينافي كونه صمدا غنيا عن غيره فكيف يكون خلقه لآدم بيده وقبضه الأرض والسموات بيده موجبا لحاجته إلى غيره ومن المعلوم ان فعل الفاعل بيده أبعد عن الحاجة إلى الغير من فعله بمصنوعاته # الوجه الثالث إن هذه الحجة من جنس حجة الجهمية المحضة على نفي الصفات فإن قولهم لو كان له علم وقدرة وحياة وكلام لكان محتاجا في أن
يعلم ويقدر ويتكلم إلى علم وقدرة وكلام بمنزلة قول هذا القائل لو كان له يد لكان محتاجا في الفعل إلى اليد وذلك ينافي كونه صمدا فما كان جوابه لأولئك كان جوابا له عن هؤلاء لا سيما بل هذا أوكد لأنه قد تقدم أنه قادر على الخلق والفعل بيده وبغير يده ولا يجوز أن يقال أنه عالم بلا علم وقادر بلا قدرة فإن كان ثبوت الصفات موجبا حاجته إليها فالحاجة في هذه أقوى وإن لم تكن موجبة حاجته إليها بطلت الحجة # الوجه الرابع إن الغني الصمد هو غني عن مخلوقاته ومصنوعاته لا يصح أن يقال هو غني عن نفسه وذاته كما تقدم وصفاته تعالى ليست خارجة عن ذاته فوجود الصفات والفعل بها كوجود الذات والفعل بها وقد تقدم الكلام على ما في هذا من الألفاظ المجملة مثل الافتقار والجزء وغير ذلك وبينا أن ذلك مثل قول القائل واجب الوجود بنفسه وهو موجود بنفسه وبنفسه فعل ونحو ذلك من العبارات # الوجه الخامس إن المخلوق إذا صح تسميته بأنه غني وأنه صمد مع ماله من الصفات ولا ينافي ذلك إطلاق هذا الاسم كيف يصح أن يقال إن تسمية الخالق بهذه الأسماء ينافي هذه الصفات # قال الرازي الثالث إنا نقيم الدلالة على أن الأجسام متماثلة والأشياء المتماثلة يجب اشتراكها في اللوازم فلو احتاج بعض الأجسام إلى بعض لزم كون الكل محتاجا إلى ذلك الجسم ولزم أيضا كونه إلى نفسه وكل ذلك محال ولما كان ذلك محالا وجب أن لا يحتاج إلى شيء من الأجسام ولو كان كذلك لم يكن صمدا على الإطلاق
# وأما احتجاجهم بقولهم الأجسام متماثلة فهذا إن كان حقا فهو تماثل يعلم بالعقل ليس فيه أن اللغة التي نزل بها القرآن تطلق لفظ المثل على كل جسم ولا أن اللغة التي نزل بها القرآن تقول إن السماء مثل الأرض والشمس والقمر والكواكب مثل الجبال والجبال مثل البحار والبحار مثل التراب والتراب مثل الهواء والهواء مثل الماء والماء مثل النار والنار مثل الشمس والشمس مثل الإنسان والإنسان مثل الفرس والفرس مثل الحمار والفرس والحمار مثل السفرجل والرمان والرمان مثل الذهب والفضة والذهب والفضة مثل الخبز واللحم ولا في اللغة التي نزل بها القرآن أن كل شيئين اشتركا في المقدارية بحيث يكون كل منهما له قدر من الأقدار كالطول والعرض والعمق أنه مثل الآخر ولا أنه إذا كان كل منهما بحيث يشار إليه الإشارة الحسية يكون مثل الآخر بل ولا فيها إن كل شيئين كانا مركبين من الجواهر الفردة أو من المادة والصورة كان أحدهما مثل الآخر بل اللغة التي نزل بها القرآن تبين أن الإنسانين مع اشتراكهما في أن كل منهما جسم حساس نام متحرك بالإرادة ناطق ضحاك بادئ البشرة قد لا يكون أحدهما مثل الآخر كما قال تعالى ^ وإن تتلوا يستبدل قوما غيركم ثم لا يكونوا أمثالكم ^ إلى أن قال فكيف وهو باطل في العقل كما بسطناه في موضع آخر # وكذلك أيضا يقولون إن الصفات لا تقوم إلا بجسم متحيز والأجسام متماثلة فلو قامت به الصفات للزم أن يكون مماثلا لسائر الأجسام وهذا هو التشبيه # وأصل كلام هؤلاء كلهم على أن إثبات الصفات مستلزم للتجسيم والأجسام متماثلة والمثبتون يجيبون عن هذا تارة بمنع المقدمة الأولى وتارة بمنع المقدمة
الثانية وتارة بمنع كل من المقدمتين وتارة بالإستفصال ولا ريب أن قولهم بتماثل الأجسام قول باطل سواء فسروا الجسم بما يشار إليه أو بالقائم بنفسه أو بالموجود أو بالمركب من الهيولي والصورة ونحو ذلك فأما إذا فسروه بالمركب من الجواهر المفردة وعلى أنها متماثلة فهذا ينبني على صحة ذلك وعلى إثبات الجوهر الفرد وعلى أنه متماثل وجمهور العقلاء يخالفونهم في ذلك # وقال أبو عبد الله الرازي وأما بيان دلالته على أنه تعالى منزه عن الحيز والجهة فهو أنه تعالى لو كان مختصا بالحيز والجهة لكان إما أن يكون حصوله في الحيز المعين واجبا أو جائزا فإن كان واجبا فحينئذ يكون ذاته تعالى مفتقرا في الوجود والتحقق إلى ذلك الحيز المعين وأما ذلك الحيز المعين فأنه يكون غنيا عن ذاته المخصوص لأنا لو قرضنا عدم حصول ذات الله تعالى في ذلك الحيز المعين لم يبطل ذلك الحيز أصلا وعلى هذا التقدير يكون تعالى محتاجا إلى ذلك الحيز فلم يكن صمدا على الإطلاق أما إن كان حصوله في الحيز المعين جائزا لا واجبا فحينئذ يفتقر إلى مخصص يخصصه بالحيز المعين وذلك يوجب كونه محتاجا وينافي كونه صمدا # فيقال له أولا لا الكرامية ولا غيرهم يقولوا أنه في جهة موجودة يحيط بها ويحتاج إليها بل كلهم متفقون على أن الله تعالى مستغن عن كل ما سواه سواء سمي جهة أو لم يسم جهة نعم قد يقولون هو في جهة يعنون بذلك أنه فوق
# وأيضا فمن المعلوم أن القرآن ينطق بالعلو في مواضع كثيرة جدا حتى قيل أنها ثلاثمائة موضع والسنن متواترة عن النبي صلى الله عليه وسلم بمثل ذلك وكلام السلف المنقول عنهم بالتواتر يقتضي اتفاقهم على ذلك وأنه لم يكن فيهم من ينكره ومن يريد التشنيع على الناس ودفع هذه الأدلة الشرعية والعقلية لا بد أن يذكر حجة ولنفرض أنه لا بناظره إلا أئمة أصحابه وهو لم يذكر دليلا إلا قوله ولم يعلموا أن كل ما هو في جهة فهو محدث ومحتاج إلى تلك الجهة فيقال له لم يعلموا ذلك ولم تذكر ما به يعلمون ذلك فإن قولك هو محتاج إلى تلك الجهة إنما يستقيم إذا كانت الجهة أمرا وجوديا وكانت لازمة له لا يستغني عنها فلا ريب أن من قال إن الباري لا يقوم إلا بمحل يحل فيه لا يستغني عن ذلك وهي مستغنية عنه فقد جعله محتاجا إلى غيره وهذا لم يقله أحد # وأيضا لم نعلم أحدا قال إنه محتاج إلى شئ من مخلوقاته فضلا عن أن يكون محتاجا إلى غير مخلوقاته ولا يقول أحد أن الله محتاج إلى العرش مع أنه خالق العرش والمخلوق مفتقر إلى الخالق لا يفتقر الخالق إلى المخلوق وبقدرته قام العرش وسائر المخلوقات وهو الغني عن العرش وكل ما سواه فقير إليه فمن فهم عن الكرامية وغيرهم من طوائف الإثبات أنهم يقولون أن الله محتاج إلى العرش فقد افترى عليهم كيف وهم يقولون أنه كان موجودا قبل العرش فإذا كان موجودا قائما بنفسه قبل العرش لا يكون إلا مستغنيا عن العرش وإذا كان الله فوق العرش لم يجب أن يكون محتاجا إليه فإن الله قد خلق العالم بعضه فوق بعض ولم يجعل عاليه محتاجا إلى سافله فالهواء فوق الأرض وليس محتاجا إليها وكذلك السموات فوق السحاب والهواء والأرض وليست محتاجة إلى ذلك
والعرش فوق السموات والأرض وليس محتاجا إلى ذلك فكيف يكون العلي الأعلى خالق كل شيء محتاجا إلى مخلوقاته لكونه فوقها عاليا عليها # وقد قدمنا فيما مضى أن لفظ الجهة يراد به أمر موجود وأمر معدوم فمن قال إنه فوق العالم كله لم يقل أنه في جهة موجودة إلا أن يراد بالجهة العرش ويراد بكونه فيها أنه عليها كما قيل في قوله أنه في السماء أي على السماء وعلى هذا التقدير فإذا كان فوق الموجودات كلها وهو غني عنها لم يكن عنده جهة وجودية يكون فيها فضلا عن أن يحتاج إليها وإن أريد بالجهة ما فوق العالم فذلك ليس بشيء ولا هو أمر وجودي حتى يقال أنه محتاج إليه أو غير محتاج إليه وهؤلاء أخذوا لفظ الجهة بالاشتراك وتوهموا وأوهموا إذا كان في جهة كان في شيء غيره كما يكون الإنسان في بيته ثم رتبوا على ذلك أنه يكون محتاجا إلى غيره والله تعالى غني عن كل ما سواه وهذه مقدمات كلها باطلة # وكذلك لفظ التحيز إن أراد به أن الله تحوزه المخلوقات فالله أعظم وأكبر بل قد وسع كرسيه السموات والأرض وإن أراد أنه منحاز عن المخلوقات أي مباين لها منفصل عنها ليس حالا فيها فهو سبحانه كما قال أئمة السنة فوق سمواته على عرشه بائن من خلقه # وأما لفظ المتحيز فهو في اللغة اسم لما يتحيز إلى غيره كما قال تعالى ^ ومن يولهم يومئذ دبره إلا متحرفا لقتال أو متحيزا إلى فئة ^ وهذا لا بد أن يحيط به حيز وجودي ولا بد أن ينتقل من حيز إلى حيز وعلوم أن الخالق جل جلاله
# لا يحيط به شيء من مخلوقاته فلا يكون متحيزا بهذا المعنى اللغوي وأما أهل الكلام فاصطلاحهم في المتحيز أعم من هذا فيجعلون كل جسم متحيز والجسم عندهم ما يشار إليه فتكون السموات والأرض وما بينهما متحيزا على اصطلاحهم وإن لم يسم ذلك متحيزا في اللغة والحيز تارة يريدون به معنى موجودا وتارة يريدون به معنى معدوما ويفرقون بين مسمى الحيز ومسمى المكان فيقولون المكان أمر موجود والحيز تقدير مكان عندهم فمجموع الأجسام ليست في شيء موجود فلا تكون في مكان وهي عندهم متحيزة ومنهم من يتناقض فيجعل الحيز تارة موجودا وتارة معدوما كالرازي وغيره كما بسط الكلام على ذلك في غير هذا الموضع فمن تكلم باصطلاحهم وقال إن الله متحيز بمعنى أحاط به شيء من الموجودات فهذا مخطىء فهو سبحانه بائن من خلقه وما ثم موجود إلا الخالق والمخلوق وإذا كان الخالق بائنا عن المخلوق امتنع أن يكون الخالق في المخلوق وامتنع أن يكون متحيزا بهذا الاعتبار وإن أراد بالحيز أمرا عدميا فالأمر العدمي لا شيء وهو سبحانه بائن عن خلقه فإذا سمي العدم الذي فوق العالم حيزا وقال يمتنع أن يكون فوق العالم لئلا يكون متحيزا فهذا معنى باطل لأنه ليس هناك موجود غيره حتى يكون فيه وقد علم بالعقل والشرع أنه بائن عن خلقه كما بسط في غير هذا الموضع # قال الرازي وأما قوله ^ ولم يكن له كفوا أحد ^ فهذا أيضا يدل على أنه ليس بجسم ولا جوهر لأنا سنقيم الدلالة على أن الجواهر متماثلة فلو كان تعالى جوهرا لكان مثلا لجميع الجواهر فكان كل واحد من الجواهر كفوا له ولو كان جسما لكان مؤلفا من الجواهر لأن الجسم
يكون كذلك وحينئذ يعود الإلزام المذكور فثبت أن هذه السورة من أظهر الدلائل على أنه تعالى ليس بجسم ولا بجوهر ولا حاصل في مكان وحيز # قال الشيخ وكذلك قوله ^ ولم يكن له كفوا أحد ^ فإن المعنى لم يكن أحد من الآحاد كفوا له فإن كان الأحد عبارة عما لا يتميز منه شيء عن شيء ولا يشار إلى شيء منه دون شيء فليس في الموجودات ما هو أحد إلا ما يدعونه من الجوهر الفرد وهذا عند أكثر العقلاء يمتنع وجوده ومن رب العالمين وحينئذ لا يكون قد نفى عن شيء من الموجودات أن يكون كفوا للرب لأنه لم يدخل في مسمى أحد # ومن العجب إن كلامه كلام أمثاله يدور في هذا الباب على تماثل الأجسام وقد ذكر النزاع في تماثل الأجسام وإن القائلين بتماثلها من المتكلمين بنوا ذلك على أنها مركبة من الجواهر المنفردة وإن الجواهر متماثلة ثم أنه في مسألة تماثل الجواهر ذكر أنه لا دليل على تماثلها فصار أصل كلامهم الذي ترجع إليه هذه الأمور كلاما بلا علم بل بخلاف الحق مع أنه كلام في الله تعالى وقد قال تعالى ^ قل إنما حرم ربي الفواحش ما ظهر منها وما بطن والإثم والبغي بغير الحق وأن تشركوا بالله ما لم ينزل به سلطانا وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون ^
|
|
|
|