عرض مشاركة واحدة
قديم 03 Apr 2010, 03:10 AM   #48
محمد الغماري
وسام الشرف


الصورة الرمزية محمد الغماري
محمد الغماري غير متصل

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم باحث : 8176
 تاريخ التسجيل :  Jan 2010
 أخر زيارة : 08 Aug 2011 (06:14 AM)
 المشاركات : 1,109 [ + ]
 التقييم :  10
لوني المفضل : Cadetblue


# ثم يقال قولك وثبت أن كل منقسم فهو ليس بأحد هذا لا يصح على قول هؤلاء فأنتم تقولون الجسم واحد في نفسه كما أنه واحد في الحس وهو واحد مستقل ليس مركبا من الجواهر المنفردة فتصفونه بالوحدة وإن قالوا أنه قابل للانقسام فقبوله للإنقسام عندهم لا يمنع وصفه بالوحدة عندهم و تسميتهم إياه واحدا بل يصفون بالوحدة ما هو أبلغ من ذلك فيقولون واحد واحد بالجنس وواحد بالنوع وواحد بالشخص # الوجه السابع أن يقال قولك وثبت أن كل منقسم فهو ليس بأحد لم تذكر على هذا دليلا أصلا لا بينة ولا شبهة وهو لم يذكر قبل هذا إلا أن الجسم مركب من جوهرين وقال وذلك ينافي الوحدة وتلك أيضا دعوى لم تقم عليها دليلا ولو ثبت ذلك في ما هو مركب بالفعل لم يثبت فيما هو قابل للقسمة فإن هذا ليس فيه من التعدد ما في ذلك المركب فكيف إذا لم تذكر حجة على شيء من ذلك فأين هذا الثبوت الذي أحال عليه والشيء لا يقال فيه ثبت إلا إذا كان معلوما بالبديهة أو قد أقيمت عليه حجة # الوجه الثامن إن طوائف كثيرة من أبناء جنسك المتكلم من الأولين والآخرين يقولون إنه لا موجود إلا جسم أو ما قام به أولا موجود إلا الجسم فقط وأنه لا يعقل موجود إلا كذلك فهؤلاء عندهم إذا فسرت الأحد بما ليس بجسم ولا جوهر يقولون لك فسرته بالمعدوم مثل أن تفسره بما لا يقوم بنفسه أو بغيره أو تفسره بما ليس بخالق ولا مخلوق أو تفسره بما ليس بقديم ولا محدث فتحتاج أولا أن تثبت وجود موجود غير الجسم ليمكنك تفسير لفظ الأحد به وإذ كانت حجتك موقوفة على هذه المقدمة فلو ثبتت هذه المقدمة استغنيت عن هذه الأدلة التي ذكرت إنها سمعية لا تتم

# الوجه التاسع أن يكون لفظ الأحد لا يقال على الجسم والجوهر ليس نصا في اللغة ولا ظاهرا بل إن كان صحيحا فإنما يعلم بهذه المقدمات الخفية التي فيها نزاع عظيم بين أهل الأرض ومعلوم إن إفهام المخاطبين بمثل هذه الطريق لا يجوز وليس هذا من البلاغ المبين الذي وصف الله به الرسول وقد وصف كتابه بأنه بيانا للناس وليس هذا من البيان في شيء لا سيما والقوم كانوا يستعملون لفظ الواحد والأحد في كلامهم وهم لا يعلمون إلا الجسم أو ما قام به لا يطلقون هذا اللفظ إلا على ذلك فإذا قصد بهذا اللفظ أن يبين لهم أن معناه لا يكون جسما كانوا قد خوطبوا بنقيض معنى لغتهم ولو فرض أن لغتهم لا تنفي هذا فهي لا تدل عليه بالمطابقة ولا بالتضمن ولا بالالتزام الظاهر بل بلزوم خفي لا يصلح مثله لدلالة اللفظ فإنه يحتاج أن يقال لهم لفظ الأحد والواحد ينفي العدد فهذا ظاهر ثم يقال لهم وكل ما ترونه وتعلمونه من الموجودات فليس هو واحدا لأن يمينه ليست بيساره وأعلاه ليس هو أسفله وكل ما يتميز منه شيء عن شيء فليس هو بواحد ولا أحد ومعلوم أن هذا لا يخطر ببال عامة الخلق بل لا يتصوره إلا بعد كلفة وشدة وإذا تصوروه أنكرته فطرتهم وأنكروا أن يكون هذا لسانهم الذي خوطبوا به واستلزم ذلك أن يقال الشمس ليست واحدة والقمر ليس واحدا وكل كوكب من هذه الكواكب ليس واحدا وكل سماء من السموات ليست واحدة وكل إنسان ليس بواحد وكل عين ويد ورجل وحاجب وأنف وسن وشفة ورأس وشجرة وورقة وثمرة وغير ذلك ليس واحدا إذ هذا جميعه يميز جانب منه عن جانب وأعلاه عن أسفله # الوجه العاشر أن هذه الحجة يحتج بها نفاة الصفات بأسرها الذين يقولون ليس الله علم ولا قدرة ولا حياة فإن تعدد الصفات يمنع أن يكون الموصوف بها

أحدا وينافي الوحدة لأن هناك عددا من الصفات والوحدة تنافي العدد ولذا احتج الجهمية المحضة بهذه الحجة كما ذكره الإمام أحمد وغيره وهذا المستدل ! هو ممن يثبت الصفات في الجملة ويقول بإثبات الصفات السبع من الحياة والعلم والقدرة والسمع والبصر والكلام والإرادة فإن كانت هذه الحجة صحيحة لزم إبطال مذهبه ذاك وإن كانت باطلة لزم بطلان هذا الاستدلال وما كان جوابه عن استدلال نفاة الصفات مطلقا بها كان جوابا لمنازعيه في إثبات العلو وما يتبعه بل ذلك يبطل استدلاله بذلك على المجسمة المحضة # الوجه الحادي عشر أن يقال أعظم الناس نفيا للصفات غلاة الفلاسفة والقرامطة وأئمتهم من المشركين الصابئين وغيرهم وهم لا بد إذا أثبتوا الصانع أن يثبتوا وجوده ويثبتوا أنه واجب الوجود غير ممكن الوجود وأن أبدع العالم سواء قالوا إنه علة أو والدا أو غير ذلك فمسمى الوجود إن كان هو مسمى الوجوب لزم أن يكون كل موجود واجبا بنفسه وهو خلاف المشهود بالإحساس وإن كان هذا المسمى ليس هذا المسمى ففيه معنيان وجود ووجوب ليس الوجوب مجرد عدم إذ هو توكيد الوجود والعدم المحض لا يؤكد بالوجود # فإن كان لفظ الأحد والواحد يمنع تعدد المعاني المفهومة الثبوتية بالكلية كما يزعم ابن سينا وذويه من مرتدة العرب المتبعين لمرتدة الصابئة إنه إذا كان واحدا من كل وجه فيه تعدد من جهة الصفة ولا من جهة القدر ويعبر عن ذلك بأنه ليس فيه أجزاء حد ولا أجزاء كم لزم أن يكون الوجوب والوجود والإبداع معنى واحد وهو معلوم الفساد بالبديهة وإن كان

هو نفسه مقسما بالأحد والواحد مع ثبوت هذه المعاني المتعددة علم أن هذا الاسم لا يوجب نفي الصفات بل هو سبحانه أحد واحد لا شبيه له ولا شريك وليس كمثله شيء بوجه من الوجوه وكذلك هو أيضا ذات وهو قائم بنفسه باتفاق الخلائق كلهم وسائر الذوات وكل ما هو قائم بنفسه يشاركه في هذا الاسم ومعناه كما يشاركه في اسم الوجود ومعناه وهو سبحانه يتميز عن سائر الذوات وسائر ما هو قائم بنفسه بما هو مختص به من حقيقته التي تميز بها وانفرد واختص عن غيره كما تميز بوجوب وجوده وخصوص تلك الحقيقة ليس هو المعنى العام المفهوم من القيام بالنفس ومن الذوات كما أن خصوص وجوب الوجود ليس هو المعنى العام المفهوم من الوجود فسواء سمى المسمي هذا تعادا أو تركيبا أو لم يسمه هو ثابت في نفس الأمر لا يمكن دفعه والحقائق الثابتة لا تدفع بالعبارات المجملة المبهمة وأن شنع بها الجاهلون # الوجه الثاني عشر قوله أن مثبتة الجوهر الفرد يمكنهم الاحتجاج بهذه الآية على نفي كونه جوهرا فردا من وجه آخر وهو أن الأحد كما يراد به نفي التركيب والتأليف في الذات فقد يراد به نفي الضد والند ولو كان تعالى جوهرا فردا لكان كل جوهر فرد كفوا له # يقال هذه الدلالة مشتركة بين جميع الناس نفاة الجوهر وغيرهم فكل أحد يمكنه من ذلك ما أمكن هؤلاء # وأيضا فالمطلوب بهذا الدليل وهو نفي كونه جوهرا فردا أمر متفق عليه بين الخلائق كلهم بل هو معلوم بالضرورة العقلية أن رب السموات والأرض ليس في القدر بقدر الجوهر الفرد فإنه عند مثبتيه أمر لا يحسه أحد من حقارته


فهو أصغر من الذرة والهباه وغير ذلك فكيف يخطر ببال أحد أن رب العالمين بهذا القدر حتى يحتاج هذا إلى دليل على نفيه ولا ريب أن كونه واحدا يمنع أن يكون له شبيه وكذلك قوله ^ لم يكن له كفوا أحد ^ يمنع الكفؤ فيمنع أن يكون من الجواهر المتماثلة لكن هذه الدلالة إنما تتم إذا كانت الجواهر المنفردة في حقائقها # الوجه الثالث عشر قوله وإذا ثبت أنه ليس بجسم ولا جوهر وجب أن لا يكون في شيء من الأحياز والجهات # يقال له هذا مما ينازعك فيه كثير من أصحابك وغيرهم من متكلمي الصفاتية ويقولون قد يكون في الجهة ما ليس بجسم وهذا هو الذي سلمته لهم في أشرف كتبك وهو نهاية العقول قال المسألة الثالثة في أنه تعالى ليس في الجهة وقبل الخوض في الاستدلال لا بد من البحث عما لا يكون جسما هل يمكن بعقل حصوله في الجهة أم لا فإن لم يعقل حصوله كانت الدلالة على نفي الجسمية كافية في نفي الجهة قال وزعم من أثبت الجهة ونفي الجسمية أنا نعلم بالضرورة اختصاص الأكوان بالجهات المخصوصة مثل الكون القائم بأعلى الجدار والكون القائم بأسفله ولا يضرنا في ذلك ما يقال الأكوان إنما تحصل في الجهات على طريق التبعية لمحلها لأنا نقول الحصول في الجهة أعم من الحصول في الجهة بالاستقلال أو التبعية وتسليم الخاص يتضمن تسليم العام فإذا سلمتم اختصاص الأكوان بالجهات على سبيل التبعية فقد سلمتم اختصاص

الأكوان بالجهات ومتى ثبت ذلك أنه لا يلزم من نفي كون الشيء جسما نفي اختصاصه بالحيز والجهة # قال وإذا ثبت ذلك وجب علينا بعد الفراغ من نفي الجسمية عن الله إقامة الدليل على نفي حصوله في الحيز والجهة ثم احتج على ذلك بما تكلمنا عليه في موضعه لما ذكرناه # فهذا الكلام وإن كان لمن قال بالأول أن يقول يلزم من نفي كون الشيء جسما أو قائما بجسم نفي اختصاصه بالحيز والجهة لكن المقصود هنا أن كثيرا من الصفاتية أهل الكلام كأبي محمد عبد الله بن سعيد بن كلاب وأبي الحسن الأشعري وغيرهم من أئمة الصفاتية المتكلمين من يقول ليس بجسم ولا جوهر ويقول مع ذلك إنه فوق العرش كما قرروه في كتبهم لكن من هؤلاء من يطلق لفظ الجهة ومنهم من لا يطلق لفظ الجهة ولفظ الحيز وهذا قول طوائف من الفقهاء أهل المذاهب الأربعة ومن الصوفية وأهل الحديث وغيرهم يجمعون بين نفي الجسم وبين كونه نفسه فوق العرش # قال أبو عبد الله الرازي واعلم أنه تعالى كما نص على أنه تعالى واحد فقد نص على البرهان الذي لأجله يجب الحكم بأنه أحد وذلك أنه قال ^ هو الله أحد ^ وكونه إلها يقتضي كونه غنيا عما سواه وكل مركب فإنه مفتقر إلى كل واحد من أجزائه وكل واحد من أجزائه غيره فكل مركب فهو مفتقر إلى غيره وكونه إلها يمنع من كونه مفتقرا إلى غيره وذلك يوجب القطع بكونه أحدا وكونه أحدا يوجب القطع بأنه ليس بجسم ولا جوهر ولا في حيز وجهة فثبت

أن قوله تعالى ^ هو الله أحد ^ برهان قاطع على ثبوت هذه المطالب # قال الشيخ رحمه الله مضمون هذه الحجة الاحتجاج بما في أسمائه من الدلالة على لفظ الغنى على عدم هذه الصفات وقال إن ثبوت ما أثبته الدليل من هذه الصفات لم يوجب حاجة الرب إليها وقال أيضا إن هذه الحجة من جنس حجة الجهمية المحضة على نفي الصفات بأنه لو كانت له علم وقدرة وحياة لكان محتاجا في أن يعلم ويقدر ويتكلم إلى علم وقدرة وكلام وقال إن الغني الصمد هو غني عن مخلوقاته ومصنوعاته لا يصح أن يقال هو غني عن نفسه وذاته وقال إن المخلوق إذا صح تسميته بأنه غني وأنه صمد مع ماله من الصفات ولا ينافي ذلك إطلاق هذا الاسم كيف يصح أن يقال إن تسمية الخالق بهذه الأسماء ينافي هذه الصفات # وقال الشيخ رحمه الله ومعنى المركب عندهم أعم من معناه في اللغة فإن المركب والمؤلف في اللغة ما ركبه مركب وألفه مؤلف كالأدوية من المعاجين والأشربة ونحو ذلك وبالمركب ما ركب على غيره أو فيه كالباب المركب في موضعه ونحوه ومنه قوله تعالى ^ في أي صورة ما شاء ركبك ^ وبالتأليف التوفيق بين القلوب ونحو ذلك ومنه قوله تعالى ^ والمؤلفة قلوبهم ^ وقوله ^ وألف بين قلوبهم لو أنفقت ما في الأرض جميعا ما ألفت بين قلوبهم ولكن الله ألف بينهم أنه عزيز حكيم ^ وقوله ^ إذ كنتم أعداءا فألف بين قلوبكم ^

وللناس اصطلاحات في المؤلف والمركب كما للنحاة اصطلاح فقد يعنون بذلك الجملة التامة وقد يعنون ما ركب تركيب مزج كبعلبك وقد يعنون به المضاف وما يشبهه وهو ما ينصب في النداء وللمنطقيين ونحوهم من أهل الكلام اصطلاحات آخر يعنون به ما دل جزؤه على جزء معناه فيدخل في ذلك المضاف إذا قصد به الإضافة دون العلمية ولا يدخل فيه بعلبك ونحوه ومنهم من يسوي بين المؤلف والمركب ومنهم من يفرق بينهما وهذا كله تأليف في الأقوال وأما التأليف في الأعيان فأولئك إذا قالوا أن الجسم هو المؤلف والمركب لا يعنو به ما كان مفترقا فاجتمع ولا ما يقبل التفريق بل يعنون به ما تميز منه جانب عن جانب كالشمس والقمر وغيرهما من الأجسام وأما المتفلسفة فالمؤلف والمركب عندهم أعم من هذا يدخلون في ذلك تأليفا عقليا لا يوجد في الأعيان ويدعون أن النوع تؤلف من الجنس والفصل فإذا قلت الإنسان حيوان ناطق قالوا إن الإنسان مؤلف من هذين وإنما هو موصوف بهما # وأما لفظ الجسم فإن الجسم عند أهل اللغة كما ذكره الأصمعي وأبو عبيد وغيرهما هو الجسد والبدن قال تعالى ^ وإذا رأيتهم تعجبك أجسامهم وإن يقولوا تسمع لقولهم ^ وقال تعالى ^ وزاده بسطة في العلم والجسم ^ ^ فهو يدل في اللغة على معنى الكثافة والغلظ كغلظ الجسد ثم يراد به نفس الغليظ وقد يراد به غلظه فيقال لهذا الثوب جسم أي غلظ وكثافة ويقال هذا أجسم من هذا أي أغلظ وأكثف ثم صار لفظ الجسم في اصطلاح أهل الكلام أعم من ذلك فيسمون الهواء وغيره من الأمور اللطيفة جسما وإن كانت العرب لا تسمى هذا جسما وبينهم نزاع فيما يسمى جسما هل هو مركب من الجواهر المنفردة التي لا يتميز منها شيء إما جواهر متناهية كما يقول النظام والتزم الطفرة المعروفة بطفرة النظام أو هو مركب من المادة والصورة كما يقوله من يقوله من المتفلسفة أو ليس مركبا لا من هذا ولا من هذا كما


يقوله أكثر الناس وهو قول الهاشمية والكلابية والنجارية والضرارية وكثير من الكرامية على ثلاثة أقوال وكثير من الكتب ليس فيها إلا القولان الأولان والصواب أنه ليس مركبا لامن هذا ولا من هذا كما قد بسط في موضعه # والمقصود هنا بيان منشأ النزاع في مسمى الجسم والنظار كلهم متفقون فيما أعلم على أن الجسم يشار إليه وأن اختلفوا في كونه مركبا من الأجزاء المنفردة أو من المادة والصورة أولا من هذا ولا من هذا وقد تنازع العقلاء أيضا هل يمكن وجود موجود قائم بنفسه لا يشار إليه ولا يمكن أن يرى على ثلاثة أقوال فقيل لا يمكن ذلك بل هو ممتنع وقيل بل هو ممتنع في المحدثات الممكنة التي تقبل الوجود والعدم دون الواجب وقيل بل ذلك ممكن في الممكن والواجب وهذا قول بعض الفلاسفة ومن وافقهم من أهل الملل ومثبتو ذلك يسمونها المجردات والمفارقات وأكثر العقلاء يقولون إنما وجود هذه في الأذهان لا في الأعيان وإنما يثبت من ذلك وجود نفس الإنسان التي تفارق بدنه وتتجرد عنه # فإذا عرف تنازع النظار في حقيقة الجسم فلا ريب أن الله سبحانه ليس مركبا من الأجزاء المنفردة ولا من المادة والصورة ولا يقبل سبحانه التفريق والاتصال ولا كان متفرقا فاجتمع بل هو سبحانه أحد صمد لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد فهذه المعاني المعقولة من التركيب كلها منتفية عن الله تعالى لكن المتفلسفة ومن وافقهم تزيد على ذلك وتقول إذا كان موصوفا بالصفات كان مركبا وإذا كانت له حقيقة ليست هي مجرد الوجود كان مركبا فيقول لهم المسلمون المثبتون للصفات النزاع ليس في لفظ المركب فإن هذا اللفظ إنما يدل على مركب ركبه غيره ومعلوم أن فلانا لا يقول أن الله تعالى مركب بهذا الاعتبار وقد يقال لفظ المركب على ما كانت أجزاؤه متفرقة فجمع إما جمع امتزاج وإما غير امتزاج كتركيب الأطعمة والأشربة

والأدوية والأبنية واللباس من أجزائها ومعلوم نفي هذا التركيب عن الله ولا نعلم عاقلا يقول أن الله تعالى مركب بهذا الاعتبار وكذلك التركيب بمعنى أنه مركب من الجواهر المنفردة أو من المادة والصورة وهو التركيب الجسمي وهذا أيضا منتف عن الله تعالى والذين قالوا أن الله جسم قد يقول بعضهم أنه مركب هذا التركيب وإن كان كثير منهم بل أكثرهم ينفون ذلك ويقولون إنما نعني بكونه جسما أنه موجود أو قائم بنفسه وأنه يشار إليه أو نحو ذلك لكن بالجملة هذا التركيب وهذا التجسيم يجب تنزيه الرب عنه # وأما كونه سبحانه ذاتا مستلزمة لصفات الكمال له علم وقدرة وحياة فهذا لا يسمى مركبا فيما يعرف من اللغات وإذا سمى هذا مركبا لم يكن النزاع معه في اللفظ بل في المعنى العقلي ومعلوم أنه لا دليل على نفي هذا كما قد بسط في موضعه بل الدلالة العقلية توجب إثباته ولهذا كان جميع العقلاء مضطرين إلى إثبات معن متعددة لله تعالى فالمعتزلي يسلم أنه حي عالم قادر ومعلوم أن كونه حيا ليس هو معنى كونه عالما ومعنى كونه عالما ليس معنى كونه قادرا والمتفلسف يقول إنه عاقل ومعقول وعقل ولذيذ ومتلذ ولذة وعاشق ومعشوق وعشق ومعلوم بصريح العقل أن كونه يحب ليس كونه محبوبا وكونه معلوما ليس معنى كونه عالما ومعنى كونه قادرا مؤثرا فاعلا وذلك هو نفس ذاته فيجعل العلم هو القدرة وهو الفعل وتجعل القدرة هي القادر والعلم هو العالم والفعل هو الفاعل وهذه الأقوال صريح العقل ومجرد تصورها التام يكفي في العلم بفسادها وليس فرارهم إلا من معنى التركيب وليس معهم قط حجة على نفي مسمى التركيب بجميع هذه المعاني بل عمدتهم أن المركب مفتقر إلى أجزائه وأجزاؤه غيره والمفتقر إلى غيره لا يكون واجبا بنفسه بل يكون معلوما وهذه الحجة ألفاظها كلها مجملة فلفظ الواجب بنفسه يراد به الذي لا فاعل له

فليس له علة فاعلة ويراد به لذي لا يحتاج شيء إلى مباين له ويراد به القائم بنفسه الذي لا يحتاج إلى مباين له وعلى الأول والثاني فالصفات واجبة الوجود والبرهان إنما قام على أن الممكنات لها فاعل واجب الوجود قائم بنفسه أي غني عما سواه والصفة ليست هي الفاعل # وقوله إذا كانت له ذات وصفات كان مركبا والمركب مفتقر إلى أجزائه وأجزاؤه غيره فلفظ الغير مجمل يراد بالغير المباين فالغيران ما جاز مفارقة أحدهما الآخر بزمان أو مكان أو وجود وهذا اصطلاح الأشعرية ومن وافقهم من الفقهاء أتباع الأئمة الأربعة ويراد بالغيرين ما ليس أحدهما الآخر أو ما جاز العلم بأحدهما مع الجهل بالآخر وهذا اصطلاح طوائف من المعتزلة والكرامية وغيرهم وأما السلف كالإمام أحمد وغيره فلفظ الغير عندهم يراد به هذا ويراد به هذا ولهذا لم يطلقوا القول بأن علم الله غيره ولا أطلقوا القول بأنه ليس غيره ولا يقولون هو هو ولا هو غيره بل يمتنعون عن إطلاق المجمل نفيا وإثباتا لما فيه من التلبيس فإن الجهمية يقولون ما سوى الله مخلوق وكلامه غيره فيكون مخلوقا فقال أئمة السنة إذا أريد بالغير والسوى ما هو مباين له فلا يدخل علمه وكلامه في لفظ الغير والسوى كما لم يدخل في قول النبي صلى الله عليه وسلم من حلف بغير الله فقد أشرك وقد ثبت في السنة جواز الحلف بصفاته كعزته وعظمته فعلم فعلم أنها لا تدخل في مسمى الغير عند الإطلاق وإذا أريد بالغير أنه ليس هو إياه فلا ريب أن العلم ليس هو العالم والكلام ليس هو المتكلم وكذلك لفظ افتقار المفعول إلى فاعله ونحو ذلك ويراد به التلازم بمعنى أنه لا يوجد أحدهما إلا مع الآخر وإن لم يكن أحدهما مؤثرا في الآخر كالأمور المتضايقة مثل الأبوة والبنوة والمركب قد عرف ما فيه من الإشراك فإذا قال القائل لو كان عالما لكان مركبا من ذات وعلم فليس المراد

به أن هذين كانا مفترقين فاجتمعا ولا أنه يجوز مفارقة أحدهما بل المراد أنه إذا كان عالما فهناك ذات وعلم قائم بها # وقوله والمركب مفتقر إلى أجزائه فمعلوم أن افتقار المجموع إلى أبعاضه ليس بمعنى أن بعض فعله أو وجدت دونه وأثرت فيه بل المعنى أنه لا يوجد إلا بوجود المجموع ومعلوم أن الشيء لا يوجد إلا بوجود نفسه وإذا قيل هو مفتقر إلى نفسه بهذا المعنى لم يكن ممتنعا بل هذا هو الحق فإن نفس الواجب لا يستغني عن نفسه وإذا قيل هو واجب بنفسه فليس المراد أبدعت وجوده بل المراد أن نفسه موجودة بنفسها لم تفتقر إلى غيره في ذلك ووجوده واجب لا يقبل العدم بحال فإذا قيل مثلا العشر مفتقر إلى العشرة لم يكن في هذا افتقار لها إلى غيرها وإذا قيل هي مفتقرة إلى الواحد الذي هو جزؤها لم يكن افتقارها إلى بعضها أعظم من افتقارها إلى المجموع التي هي هو وإذا لم يكن ذلك ممتنعا بل هو الحق فأنه لا يوجد جزئه والدليل إنما دل على أن الممكنات لها مبدع واجب بنفسه خارج عنها أما كون ذلك المبدع مستلزما لصفاته أو لا يوجد إلا متصفا بصفات الكمال فهذا لم ينف بحجة أصلا ولا هذا التلازم سواء سمي فقرا أو لم يسم مما ينافي كون المجموع واجبا قديما أزليا لا يقبل العدم بحال # وأيضا فتسمية الصفات القائمة بالموصوف جزءا له ليس هو من اللغة المعروفة إنما هو اصطلاح لهم كما يسمون الموصوف مركبا وإلا فحقيقة الأمر أن الذات المستلزمة للصفة لا توجد إلا وهي متصفة بالصفة وهذا حق وإذا تنزل إلى اصطلاحهم المحدث وسمي هذا جزءا فالمجموع لا يوجد إلا بوجود جزئه الذي هو

بعضه وإذا قيل هو مفتقر إلى بعضه لم يكن هذا إلا دون قول القائل هو مفتقر إلى نفسه الذي هو المجموع وإذا كان لا محذور فيه فهذا أولى وإذا قيل أجزاؤه غيره والواجب لا يفتقر إلى غيره قيل إن أردت أن جزئه مباين له وأنه يجوز مفارقة أحدهما الآخر بوجه من الوجوه فهذا باطل فليس جزؤه غيره بهذا التفسير وإن أردت أنه يمكن العلم بأحدهما دون العلم بالآخر كما نعلم أنه قادر قبل العلم بأنه عالم ونعلم الذات قبل العلم بصفاتها فهو غيره بهذا التفسير وقد علم بصريح العقل أنه لا بد من إثبات معان هي أعيان بهذا التفسير وإلا فكونه قائم بنفسه ليس هو كونه عالم وكونه عالما ليس كونه حيا وكونه حيا ليس كونه قادرا ومن جعل هذه الصفة هي الأخرى وجعل الصفات كلها هي الموصوف فقد انتهى في السفسطة إلى الغاية وليس هذا إلا كمن قال السواد هو والبياض والسواد والبياض هو الأسود والأبيض ثم هؤلاء الذين نفوا المعاني التي يتصف بها كلهم متناقضون يجمعون في قولهم بين النفي والإثبات وقد جعلوا هذا أساس التعطيل والتكذيب بما علم بصريح المعقول وصحيح المنقول # والمقصود هنا أن من نفى الجسم وأراد به نفي التركيب من الجواهر الفردة أو من المادة والصورة فقد أصاب في المعنى لكن منازعوه يقولون هذا الذي قلته ليس هو مسمى الجسم في اللغة ولا هو أيضا حقيقة الجسم الاصطلاحي وإن كان منازعوه ممن ينفي التركيب من هذا وهذا فالفريقان متفقان على تنزيه الرب عن ذلك لكن أحدهما يقول نفي الجسم لا يفيد هذا التنزيه وإنما يفيده لفظ هذا التركيب ونحوه والآخر يقول بل لفظ الجسم يفيد هذا التنزيه ومن قال هو جسم فالمشهور عن نظار الكرامية وغيرهم ممن يقول هو جسم أنه يفسر ذلك بأنه الموجود أو القائم بنفسه لا بمعنى المركب وقد اتفق

الناس على أن من قال أنه جسم وأراد هذا المعنى فقد أصاب في المعنى لكن إنما يخطؤه في اللفظ أما من يقول الجسم هو المركب فيقول أخطأت استعملت لفظ الجسم في القائم بنفسه أو الموجود وأما من يقول بأن كل جسم مركب فيقول تسميتك لكل موجود أو قائم بنفسه جسما ليس هو موافقا للغة العرب المعروفة ولا تكلم بهذا اللفظ أحد من السلف والأئمة ولا قالوا أن الله جسم فأنت مخطئ في اللغة والشرع وإن كان المعنى الذي أردته صحيحا # قال الرازي وأما قوله ^ الله الصمد ^ فالصمد هو السيد المصمود إليه في الحوائج وذلك يدل على أنه ليس بجسم وعلى أنه غير مختص بالحيز والجهة أما بيان دلالته على نفي الجسمية فمن وجوه الأول إن كل جسم فهو مركب وكل مركب فهو محتاج إلى واحد من أجزائه وكل من أجزائه غيره فكل مركب فهو محتاج إلى غيره والمحتاج إلى الغير لا يكون غنيا فلم يكن صمدا مطلقا



 
 توقيع : محمد الغماري

احفظ الله يحفظك

تستطيع أن ترى الصورة بحجمها الطبيعي بعد الضغط عليها

moh_elgmare@yahoo.com


رد مع اقتباس