عرض مشاركة واحدة
قديم 03 Apr 2010, 02:44 AM   #18
محمد الغماري
وسام الشرف


الصورة الرمزية محمد الغماري
محمد الغماري غير متصل

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم باحث : 8176
 تاريخ التسجيل :  Jan 2010
 أخر زيارة : 08 Aug 2011 (06:14 AM)
 المشاركات : 1,109 [ + ]
 التقييم :  10
لوني المفضل : Cadetblue


# الوجه الثامن والثلاثون قوله أهل التوحيد والتنزيه الذين عزلوا حكم الوهم والخيال في ذات الله تعالى وصفاته يقال له قد تقدم الكلام على هذا اللفظ المجمل غير مرة # ثم يقال له لا ريب أن الله تعالى أنزل كتابه بيانا للناس وهدى وشفاءا وقال تعالى فيه ^ وأنزلنا إليك الكتاب تبيانا لكل شيء ^ وقال ^ ولكن تصديق الذي بين يديه وتفصيل كل شيء ^ وقال ^ إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم ^ وقال ^ فمن ابتع هداي فلا يضل ولا يشقى ^ وقال ^ اتبعوا ما أنزل إليكم من ربكم ولا تتبعوا من دونه أولياء ^ وقال تعالى ^ وما كان الله ليضل قوما بعد إذ هداهم حتى يبين لهم ما يتقون ^ وقال ^ وكذلك أوحينا إليك روحا من أمرنا ما كنت تدري ما الكتاب ولا الإيمان ولكن ولكن جعلناه نورا نهدي به من نشاء من عبادنا ^ وقال ^ فالذين آمنوا به وعزروه ونصروه واتبعوا النور الذي أنزل عه أولئك هم المفلحون ^ وقال ^ قد جاءكم من الله نور وكتاب مبين يهدي به الله من اتبع رضوانه سبل السلام ^ وقالت الجن ^ إنا سمعنا قرآنا عجبا يهدي إلى الرشد فآمنا به ^ وقص الله تعالى ذلك عنهم على سبيل التصديق لهم في ذلك والثناء عليهم بهذا القول وكذلك قولهم ^ يا قومنا إنا سمعنا كتابا أنزل من بعد موسى مصدقا لما بين يديه يهدي إلى الحق وإلى طريق مستقيم ^ وأمثال هذا كثير # وقد بين الله تعالى ما يتقي من القول فيه والظن فقال تعالى ^ قل إنما حرم ربي الفواحش ما ظهر منها وما بطن والإثم والبغي بغير الحق وأن تشركوا بالله ما لم ينزل به سلطانا وأن تقولوا على الله مالا تعلمون ^ وقال عن الشيطان

^ إنما يأمركم بالسوء والفحشاء وأن تقولوا على الله مالا تعلمون ^ وقال تعالى ^ لا تغلوا في دينكم ولا تقولوا على الله إلا الحق ^ وقال ^ ها أنتم هؤلاء حاججتم فيما لكم به علم فلم تحاجون فيما ليس لكم به علم ^ وقال ^ يجادلونك في الحق بعدما تبين ^ فذم من يقول مالا يعلم ومن يقو غير الحق ومن يجادل فيما لا يعلم ومن يجادل في غير الحق كما قال النبي صلى الله عليه وسلم القضاة ثلاثة قاضيان في النار وقاض في الجنة رجل علم الحق وقضى به فهو في الجنة ورجل قضى للناس على جهل فهو في النار ورجل علم الحق وقضى بخلافه فهو في النار وقال تعالى في موضع آخر ^ ما أنزل الله بها من سلطان إن يتبعون إلا الظن وما تهوى الأنفس ^ وقال ^ ما لهم به من علم إن يتبعون إلا الظن وإن الظن لا يغني من الحق شيئا ^ وقال تعالى ^ ومن الناس من يجادل في الله بغير علم ولا هدى ولا كتاب منير ^ # ومن المعلوم أن العلم له طرق ومدارك وقوى باطنة وظاهرة في الإنسان فإنه يحس الأشياء ويشهدها ثم يتخيلها ويتوهمها ويضبطها بعقله ويقيس ما غاب على ما شهد والذي يناله الإنسان بهذه الأسباب قد يكون علما وقد يكون ظنا لا يعلمه وما يقوله ويعتقده ويحسه ويتخيله قد يكون حقا وقد يكون باطلا فالله سبحانه وتعالى لم يفرق بين إدراك وإدراك ولا بين سبب وسبب ولا بين القوى الباطنة والظاهرة فجعل بعض ذلك مقبولا وبعضه مردودا بل جعل المردود هو قول غير الحق والقول بلا علم مطلقا # فلو كان بعض جناس الإدراك وطرقه باطلا مطلقا في حق الله تعالى أو كان حكمه غير مقبول كان رد ذلك مطلقا واجبا والمنع من قبوله مطلقا متعينا إن لم يعلم بجهة أخرى كما قال في الخبر ^ إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا ^ وقال في الاعتبار والقياس الصحيح ^ إن الله يأمر بالعدل ^ ^ وإذا قلتم فاعدلوا ^ ^ كونوا

قوامين لله شهداء بالقسط ^ ^ ليقوم الناس بالقسط ^ فلما كان من المخبرين من لا يقبل خبره إذا انفرد أمر بالتثبت في خبره ولما كان القياس والاعتبار يحصل فيه الظلم والبغي بتسوية الشيء بما ليس مثله في الشرع والعقل أمر بالعدل والقسط وقال تعالى ^ وما تفرق الذين أوتوا الكتاب إلا من بعد ما جاءهم العلم بغيا بينهم ^ فبين تعالى أن سبب الاختلاف هو البغي الذي هو خلاف العدل فالشبهة الفاسدة من هذا النمط وهي من أسباب الاختلاف بعد بيان الكتاب والسنة للحق المعلوم كما قال تعالى ^ ويرى الذين أوتوا العلم الذي أنزل إليك من ربك هو الحق ^ # فلو كان في الإحساس الباطن والظاهر ما يرد حكمه مطلقا حتى يوافقه إحساس آخر لكان ذلك أيضا مردودا وليبين ذلك كما بين نظيره فإن الحاجة إلى ذلك في أصل الأيمان أعظم من الحاجة إلى ما هو دون ذلك بدرجات كثيرة فلما كان المحرم هو اتباع الظن وما تهوى الأنفس والقول في الدين بلا علم أو قول غير الحق نهى عن ذلك ولم يفرق بين إحساس ظاهر أو باطن ولا بين حس وعقل فلم يكن لأحد أن يفرق بين ما جمع الله تعالى بينه ويجمع بين ما فرق الله تعالى بينه بل يتبع كتاب الله تعالى على وجهه والله أعلم # والذي دل عليه الكتاب أن طرق الحس والخيال والعقل وغير ذلك متى لم يكن عالما بموجبها لم يكن له أن يقول على الله وليس له أن يقول عليه إلا الحق وليس له أن يقفو ما ليس له به علم لا في حق الله ولا في حق غيره فإما تخصيص الإحساس بالباطن بمنعه عن تصور الأمور الإلهية بحسه فهو خلاف ما دل عليه القرآن من تسوية هذا بسائر أنواع الإحساس في المنع وأن القول بموجبها جميعها

إذا كان باطلا حرم في حق الله تعالى وحق باده وإن كان حقا لم ينه عنه في شيء من ذلك # يؤكد ذلك أن حكم الوهم والخيال غالب على الآدميين في الأمور الإلهية بل وغيرها فلو كان ذلك كله باطلا لكان نفي ذلك من أعظم الواجبات في الشريعة ولكان أدنى الأحوال أن يقول الشارع من جنس ما يقوله بعض النفاة ما تخيلته فالله بخلافه لا سيما مع كثرة ما ذكره لهم من الصفات # الوجه التاسع والثلاثون قولك الذين عزلوا حكم الوهم والخيال في ذات الله تعالى وصفاته يقال له ليس الأمر كذلك بل هم يستدلون على منازعيهم في إثبات الصفات لله وما يتبع ذلك بما هو من جنس هذه الحجج وأضعف منها سواء سميت ذلك من حكم العقل أو من حكم الوهم والخيال فإن الاعتبار بالمعاني لا بالألفاظ لا سيما وقد جرت عادة هؤلاء المتكلمين أنهم يسمون بدعواهم منازعيهم بالأسماء المذمومة ويسمون أنفسهم بالأسماء المحمودة فإن كانوا مشتركين في جهة الحمد والذم ويقول أحدهم قال أهل الحق وقال أهل التوحيد ونحو ذلك حتى قد يدعون الإيمان أو ولاية الله تعالى لأنفسهم خاصة كما يفعل ذلك الرافضة والمعتزلة وطوائف من غلاة الصوفية وهؤلاء فيهم شبه من أهل الكتاب الذين قالوا ^ لن يدخل الجنة إلا من كان هودا أو نصارى ^ وقالوا إن الدار الآخرة خالصة لهم عند الله يوم القيامة والذين ادعوا أنهم أبناء الله وأحباؤه ويسمى أحدهم من أثبت لله صفة مشبها ومجسما مع كونه قد أثبت نظيرها أو أبلغ منها ويسمى النافي معطلا ويكون قد نفى نظير ما نفاه ذلك

# الوجه السابع والثلاثون أن يقال أصل الجهل والضلال والزندقة والنفاق والإلحاد والكفر والتعطيل في هذا الباب هو ما اشتركت فيه الدهرية والجهمية من التكذيب والنفي والجحود لصفات الله تعالى بلا برهان أصلا بل البراهين إذا أعطوها حقها أوجبت ثبوت الصفات وهم مع اشتراكهم في هذا الأصل الفاسد افترقوا حينئذ في المناظرة والمخاصمة كل قوم معهم من الباطل نصيب # وذلك أن مبدأ حدوث هذا في الإسلام هو مناظرة الجهمية للدهرية كما ذكر الإمام أحمد رحمه الله تعالى في مناظرة جهم للسمنية وهم من الدهرية حيث أنكروا الصانع وإن كان غيرهم من فلاسفة الهند كالبراهمة لا ينكره بل يقول العالم محدث فعله فاعل مختار كما يحكي عنهم المتكلمون وكذلك مناظرة المعتزلة وغيرهم لغير هؤلاء من فلاسفة الروم والفرس وغيرهم من أنواع الدهرية وكذلك مناظرة بعضهم بعضا في تقرير الإسلام عليهم وإحداثهم في الحجج التي سموها أصول الدين ما ظنوا أن دين الإسلام ينبني عليها وذلك هو أصل علم الكلام الذي اتفق السلف والأئمة على ذمه وذم أصحابه وتجهيلهم فإن كلام السلف والأئمة في ذم الجهمية والمتكلمين لا يحصيه إلا الله تعالى وأصل ذلك أنهم طلبوا أن يقرروا ما لا ريب فيه عند المسلمين من أن الله تعالى خلق السموات والأرض وأن العالم له صانع خالق خلقه ويردوا على من يزعم أن ذلك قديم إما واجب بنفسه وإما معلول علة واجبة بنفسها # فإن الدهرية لهم قولان في ذلك ولعل أكثر المتكلمين إذا ذكروا قول الدهرية لا يذكرون أن الدهرية إلا من ينكر الصانع فيقولون الدهرية وهم الذين يقولون بقدم العالم وإنكار الصانع وعندهم كل من آمن بالصانع فإنه يقول بحدوث العالم وهذا كما قاله طوائف من المتكلمين كالقاضي أبي بكر ابن الباقلاني قال في مسائل التكفير

# وجملة الخلاف على ضربين خلاف مع الخارجين عن الملة المنكرين لكلمة التوحيد وإثبات النبوة أعني نبوة محمد صلى الله عليه وسلم وخلاف مع أهل القبلة المنتسبين إلى الملة فأما الخلاف مع الخارجين عن الملة فعلى ثلاثة أضرب خلاف مع المنكرين للصانع والقائلين بقدم العالم وخلاف مع القائلين بحدوث العالم المثبتين للصانع المنكرين للنبوات أصلا كالبراهمة وخلاف مع القائلين ببعض النبوات المنكرين لنبوة محمد صلى الله عليه وسلم فجعل ثبوت الصانع وحدوث العالم قولا وإنكار الصانع وقدم العالم قولا ولم يذكر قولا ثالثا بإثبات الصانع وقدم العالم لأن ذلك كالمتنافي عند جمهور المتكلمين فلا يجعل قولا قائما بنفسه # وأما الرازي وأمثاله فيذكروا الدهرية أعم من هذا بحيث أدخلوا فيهم هذا القسم الذي هو قول المشائين أر سطو وذويه وقول غيرهم فقال في كتاب نهاية العقول المسألة الرابعة في تفصيل الكفار قال الكافر إما أن يكون معترفا بنبوة محمد صلى الله عليه وسلم اولا يكون فإن لم يكن فإما أن يكونوا معترفين بشيء من النبوات وهم اليهود والنصارى وغيرهم وإما أن لا يعترفوا بذلك وهم إما أن يكونوا مثبتين للفاعل المختار وهم البراهمة وأما أن لا يثبتوه وهم الدهرية على اختلاف أصنافهم وكذلك قال غير هذا مثل ابن الهيصم وأمثاله قالوا قالت الدهرية من منكري الصانع ومثبتيه أن العالم على هيئة ما تراه عليه قد كان لم يزل إلا أن من أثبت الصانع منهم زعم أنه مصنوع لم يتأخر في الوجود عن صانعه وإليه ذهب أرسطو طاليس ومن قال بقوله وقال أهل التوحيد بل هو مصنوع محدث لم يكن ثم كان # ولا ريب إنكار الصانع بالكلية قول السمنية الذين ناظرهم الجهم بن صفوان وغيرهم من الدهرية وكطوائف غير هؤلاء من الأمم المتقدمة وأما الدهرية اليونان أتباع أرسطو وذويه ونحوهم فهم مع كونهم دهرية يقرون بأن العالم معلول

علة واجبة بنفسها ولهذا نفق قول هؤلاء على طوائف كثيرة وصاروا في ه زنادقة منافقين وادعوا علم الباطن الذي اختصوا بمعرفته وزعموا أن ما أظهرته الشرائع لمنفعة الجمهور ونحو ذلك مما ليس هذا موضعه # والمقصود هنا أن أولئك المتكلمين لما راموا إثبات وجود الصانع وخلق العالم سلكوا الطريقة التي ابتدعوها من الاستدلال على حدوث الموصوفات بحدوث صفاتها أو بحدوث صفاتها وأفعالها وسموا ذلك أجساما أو جواهر وسموا صفاتها وأفعالها أعراضا وبنوا الحجة على مقدمتين # إحداهما أن الموصوفات لا تخلو عن أعراض حادثة من صفات وأفعال تعتقب عليها # والثانية أن ما لا يخلو عن الحوادث فهو حادث # فاحتاجوا في تقرير المقدمة الأولى إلى ثبوت الأعراض أو بعضها وحدوثها أو حدوث بعضها وأن الأجسام لا تخلو منها أو من بعضها فتارة يستدلون بما شهدوه من الاجتماع والافتراق وتارة يقولون إنه لازم لها من الحركة والسكون وهذه الأقسام الأربعة هي الأكوان عندهم وهذه حجة الصفاتية يحتجون بالأكوان ويقولون إن الله تعالى لا يوصف بها وآخرون فيهم لا يحتجون إلا بجواز الاجتماع والافتراق دون الحركة والسكون حتى يستقيم له أن يصف الرب بذلك ويقول إن هذا هو الذي لا تخلو الجواهر منه وهو مبني على الجوهر الفرد وتارة يدعى بعضهم حدوث جميع الأعراض زعما منه أن العرض لا يبقى زمانين ويدعون مع ذلك بأن كل جسم فلن يخلو

عما يمكن قبوله من الأعراض أو عن ضد ونشأ بينهم في هذا من المقالات والنزاع ما يطول ذكره # وأما المقدمة الثانية فكانت في بادئ الرأي أظهر ولهذا كثير منهم يأخذها مسلمة فإن ما لا يخلو عن الحادث فهو مقارنه ومجامعه لا يتقدم عليه وإذا قدر شيئان متقارنان لا يتقدم أحدهما الآخر وأحدهما حادث كان الآخر حادثا # لكن في اللفظ إجمال فإن هذا القائل ما لا يخلو عن الحوادث أو ما لا يسبق الحوادث فهو حادث أو ما تعتقب عليه الحوادث فهو حادث ونحو ذلك له معنيان # أحدهما ما لا يخلو عن حوادث معينة لها ابتداء فلا ريب أن ما تقدم على ماله ابتداء فله ابتداء # والثاني أن ما لا يخلو عن جنس الحوادث بحيث لم يزل قائما به ما يكون فعلا له كالحركة التي تحدث شيئا بعد شيء فهذا لا يعلم أنه حادث إن لم يعلم أن ذلك الجنس لا يكون قديما بل يمنع حوادث لا أول لها وهذه مقدمة مشكلة بل كلام المتكلمين والفلاسفة فيما يتناهى وفيما لا يتناهى فيه من الاضطراب ما ليس هذا موضعه فاحتاجوا أن يستدلوا على هذه بأدلة التزموا طردها فنشأ عن ذلك مذاهب أخر كنفي التناهي في المستقبل حتى قال طوائف منهم الجهم بوجوب فناء العالم لوجوب تناهيه أولا وآخرا فقال بفناء الجنة والنار وقال أبو الهذيل بوجوب فناء الحركات إلى مقالات # وإن كان طوائف من المصنفين في الكلام لا يتعرضون لهذه المقدمة بل يرون أن قولهم مالا يخلو عن الحوادث فهو حادث يكفي في العلم بحدوث

ما التزمته الحوادث وهؤلاء يقولون إن قولنا حوادث وقولنا لا أول لها مناقضة ظاهرة في اللفظ والمعنى وإن لفظ كونها حوادث يوجب أن يكون لها أول وهذه طريقة القاضي أبي بكر والقاضي أبي يعلى وغيرهما وقولهم هذا يشبه قولهم إن نفي حدوث العالم هو قول نفاة الصانع ولأجل ما في هذه القضية من الاشتباه خفي عليهم هذا الموضع الذي لا بد من معرفته وبهذه الطريقة نفوا يقوم به فعل من الأفعال فنفوا أن الرب استوى على العرش بعد أن لم يكن مستويا كما نطق به القرآن في قوله تعالى ^ خلق السموات والأرض في ستة أيام ثم استوى على العرش ^ ^ وكان عرشه على الماء ^ فخص الاستواء بكونه بعد خلق السموات والأرض كما خصه بأنه على العرش وهذا التخصيص المكاني والزماني كتخصيص النزول وغيره إذ أبطلوا بهذه الطريقة أن يكون على العرش مطلقا وإن كان كثير ممن يسلك هذه الطريقة يجوز عليه الأفعال الحادثة فلا يمنع حدوث الاستواء كما كان كثير ممن ينفي ذلك يقول باستوائه على العرش مع نفي قيام الفعل به كما سيأتي مأخذ الناس في هذا # وإنما الغرض هنا التنبيه على هذه الطريقة فقال نفاة الصفاة من المعتزلة ونحوهم والصفاتية المنكرون للأفعال كالكلابية والأشعرية ومن وافقهم من الفقهاء من أصحاب أحمد وغيرهم كالقاضي أبي يعلى وأبي الوفاء وابن عقيل وأبي الحسن بن الزاغوني وغيرهم والقاضي أبي بكر بن الباقلاني وأبي إسحاق الأسفرائيني وأبي بكر ابن فورك وغيرهم قالوا الجسم محدث والدلالة على حدوثه أنا وجدنا هذه الأجسام تتغير عليها الأحوال والصفات فتكون تارة متحركة وتارة ساكنة وتارة حية وتارة ميتة وكذلك سائر الصفات التي تتجدد عليها فلا يخلو الجسم من أن يكون انتقل من حال قدم إلى حال قدم أو من حال حدث إلى حال حدث أو من حال قدم إلى حال حدث أو من حال

حدث إلى حال قدم فيستحيل أن يكون متنقلا من حال قدم إلى حال قدم لأنه لو كان كذلك استحال خروجه عن تلك الحال لأن كل حكم حصل عليه الجسم فيما لم يزل وجب وجوده دائما كوجوب وجوده فلما لم يصح خروج القديم عن وجوده الأزلي لأن وجوده ثابت فيما لم يزل كذلك لا يصح خروجه عن كل حكم كان عليه فيما لم يزل وفي العلم بأنه ينتقل من المكان الذي فيه ويخرج عنه دليل على أنه لم يكن في ذلك المكان فيما لم يزل لأن كل مكان يشار إليه وكل حال يشار إليه يصح خروجه عنهما وإذا جاز خروجه عنهما ثبت أنه لم يكن حاصلا في ذلك المكان ولا على تلك الصفة فيما لم يزل وإن كانت الحالة الأولى لم تكن حالة قدم فالحالة التي تجددت بعد أن لم تكن أولى وأحرى أن لا تكون حالة قدم فثبت بذلك أن الجسم لم يكن موجودا فيما لم يزل إذ لو كان موجودا فيما لم يزل لكان لا بد أن يكون في مكان أو ما يقدر تقدير المكان ولو كان كذلك لاستحال خروجه عن تلك المحاذاة لما ذكرناه وإلا نودي إلى حدثه وصح بذلك ما قلناه فهذا نظم حجة القاضي أبي بكر والقاضي أبي يعلى وغيرهما وهي حجة مبنية على وجوب الكون للجسم ووجوب حدوثه وامتناع حوادث لا أول لها وهذه حجة أكثرهم # ومضمونها أن الجسم القديم لا بد له من مكان فإن كان قديما امتنع خروجه عنه وإن كان حادثا لزم قيام الحادث به وتعاقب الحوادث عليه وهي حجة الرازي وغيره في حدوث العالم
فصل # النصوص قد أخبرت والعقول قد دلت على ثبوت صفات الله متنوعات له من العلم والقدرة والحب والبغض والسمع والبصر فإذا كان مع ذلك قد لزم

القول بأفعال تقوم بذاته كما تقوله طوائف من أهل الفلسفة والكلام مع جماهير أهل الحديث والفقه والتصوف وسلف الأمة وأن الأفعال متعلقة بمشيئته وقدرته وقد علم ما دلت عليه النصوص مع أن في العقول تنبيه عليه من قوله ^ وما قدروا الله حق قدره والأرض جميعا قبضته يوم القيامة والسموات مطويات بيمينه ^ فإنه إذا كان جملة السموات مقبوضة بيمينه وقد قال ابن عباس ما السموات السبع والأرضون السبع وما فيهما وما بينهما في يد الرحمن إلا كخردلة في يد أحدكم وقد علم بالعقل أنه يجب أن يكون أعظم بكل وجه من مخلوقاته ومبتدعاته إذ كل ما فيها من وجود وكمال فهو من أثر قدرته ومشيئته فهو أعظم وأكبر وإذا كان كذلك كانت أفعاله التي يفعلها بذاته تناسب ذاته وكانت أعظم وأجل من أن يدرك عقول البشر قدرها وإذا كان من المعلوم أن حدوث هذه المتكونات من استحالة العناصر والمولدات أعظم نسبة إلى الفلك من الخردلة إلى الإنسان العظيم إذ في الإنسان من قدر الخردل أكثر مما في الفلك من قدر العناصر والمولدات فنسبة الأفلاك وما فيها إلى الرب تعالى دون نسبة حوادثها المتكونة إلى الفلك فإذا جاز أن تكون هذه محدثة بحركة مشهودة حادثة في الفلك فحدوث الفلك وما فيه لفعل يفعله الرب أولى بالجواز وأبعد عن الامتناع وله المثل الأعلى هذا مع أن هذه المحدثات إنما هي منسوبة عندهم إلى فيض العقل الفعال مع إعداد حركات جميع الأفلاك للقوابل وحينئذ فتكون نسبة المحدثات إلى ذلك نسبة كثرة أعظم من نسبة الخردلة إلى الإنسان بكثير ولهذا يظهر ذلك للعباد في المعاد إذا قبض الجبار الأرض بيده وطوى السموات بيمينه ثم هزهن وقال أنا الملك أين ملوك الأرض أين الجبارون أين المتكبرون # وإنما يعظم على الجهال من المتفلسفة وأمثالهم وأشباههم تقدير حدوث العالم

وتغيره لأنهم لم يقدروا الله حق قدره وكان ينبغي كلما شهدوه على عظم العالم وقدره يدلهم على قدر مبدعه لكن لما ضل من ضل منهم لم يثبت لخالقه ومبدعه إلا وجودا مطلقا لا ينطبق إلا على العدم وإن أثبت له نوعا من الخصائص الكلية فهي أيضا لا تمنع أنه إنما يطابق العدم ولهذا كان هؤلاء من الدهرية المعطلة نظيرا للصفاتية الذين لا يثبتون حقيقة الذات المباينة للعالم فإن حقيقة قولهم يعود إلى قول معطلة الصفات أيضا # وإذا كان الأمر كذلك فيقال لمن يلتزم منهم نفي الصانع ويقول أنا أقول إنه قديم واجب بنفسه لئلا يلزمني هذا المحذور الذي ذكرتموه في صدوره عن فاعل قديم كما قد يقول بعض الصفاتية إذا ضاقت عليهم الحجج في مسألة العرش والقرآن والرؤية وغيرها نحن نلتزم قول المعتزلة بنفي الصفات مطلقا فإنه يقال لهذا الدهري إذا كنت تجوز في عقلك وجود هذه الأفلاك قديمة أزلية واجبة الوجود أو حادثة بذاتها فإنها إذا لم تكن مفعولة لغيرها فإما أن تكون قديمة بنفسها أو حادثة بنفسها فإذا جوزت ذلك بلا زمان ولا مكان ولا من مادة ولا عن خالق لأن في إثبات الخالق صدور عن فاعل قديم أو حدوثها عنه بلا زمان ولا مكان ولا من مادة وهذا خلاف ما يشهد من صدور الأجسام عن غيرها أو حدوثها فإن تجويز وجوبها بنفسها وقدمها أو حدوثها بنفسها بلا فاعل أبعد عن المشهود والمحسوس والمعقول من صدورها عن فاعل بلا مادة ولا مكان ولا زمان فإن المشهودات صادرة في مكان وزمان ومن مادة وعن فاعل في الجملة وإن سميتموه طبيعة أو قوى فلكية أو غير ذلك فإنكم لا يمكنكم إنكار الأسباب الحادثة المحسوسة فإذا جوزتم وجود ذلك في غير زمان ولا مكان ولا من مادة ولا بفاعل كان ذلك أبعد عن المحسوس والمعقول مما فررتم منه وإذا قلتم ذلك قديم واجب الوجود

بنفسه كان ما يلزمكم في هذا من المحذورات أعظم بكثير مما يلزمكم من الاعتراف بصانع لها قديم واجب الوجود فإنكم مهما أوردتموه في ثبوته حينئذ من كونه يستلزم أن يكون محلا للصفات والأفعال ونحو ذلك فإن ذلك يلزمكم أعظم منه إذا قلتم بأن الأفلاك قديمة واجبة الوجود بنفسها وإن قدر أن قائلا يقول إنها حدثت بأنفسها فهذا أعظم إحالة وهذا مما نبغي التفطن له فكل ما يقوله الدهرية من نفاة الصانع ومن مثبتيه من الشبهة النافية لوجوده أو لفعله فإنه يلزمهم أعظم منه على قولهم بأن القديم واجب الوجود بنفسه مستغن عن صانع وقولهم بأنه معلول عن علة موجبة فتدبر هذا # وأصل ذلك أن الله ليس كمثله شيء لا في نفسه ولا في صفاته ولا في أفعاله ولا مفعولاته فإذا رام الإنسان أن ينفي شيئا مما يستحقه لعدم نظيره في الشاهد كان ما يثبته بدون الذي نفاه أبعد عن المشهود مثل أن يثبت الصفات بلا حقيقة الذات أو الذات بلا صفات أو يثبتهما بدون فعل يقوم بنفسه أو يثبت ذلك لازما لذاته أو يقول إن هذا المحسوس هو القديم الواجب الوجود بنفسه أو يقول حدث بنفسه فكل هذه المقالات النافية يلزم كل قول منها من المعارضات أعظم مما أورده هو على أقوال المثبتين فلا خلاص عنها بحال إذ الوجود مشهود محسوس ولا يخلو إما أن يكون قديما واجبا بنفسه أو محدثا بإحداث غيره وممكنا ومفتقرا إلى واجب بنفسه وإذا كان لا بد من الاعتراف بالوجود القديم الواجب وكان من نفي الرب الصانع الخالق السموات والأرض لشبهة يذكرها يلزمه مع هذا هي وما هو أعظم منها علم أن كل ما يذكره النفاة من الشبهة النافية للرب أو صفاته أو أفعاله حجج باطلة متناقضة إذ كان يلزم من صحتها نفي الوجود بالكلية وما استلزم نفي الوجود بالكلية علم أنه باطل



 
 توقيع : محمد الغماري

احفظ الله يحفظك

تستطيع أن ترى الصورة بحجمها الطبيعي بعد الضغط عليها

moh_elgmare@yahoo.com


رد مع اقتباس