عرض مشاركة واحدة
قديم 22 Mar 2007, 12:52 PM   #7
نورالهدى
وسام الشرف


الصورة الرمزية نورالهدى
نورالهدى غير متصل

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم باحث : 171
 تاريخ التسجيل :  Dec 2006
 أخر زيارة : 15 May 2008 (01:13 AM)
 المشاركات : 757 [ + ]
 التقييم :  10
لوني المفضل : Cadetblue


المحور الثامن

مغالاة الرقاة ودجل المعوذين في منظور الشريعة

في فتاوى الأزهر (ج8ص10) أجاب الشيخ عطية صقر على السؤال: (هل يجوز أن تكتب بعض آيات القرآن يعلقها المريض أو يمحوها بالماء من أجل الشفاء)؛ فقال: "أما أن القرآن شفاء فذلك أمر لا شك فيه، قال تعالى: {وننزل من القرآن ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين} الإسراء 82، وقال تعالى: {يا أيها الناس قد جاءتكم موعظة من ربكم وشفاء لما فى الصدور} يونس 57, وقد حمل كثير من العلماء الشفاء على ما يعم الشفاء من الأمراض العقلية والنفسية والخلقية والجسمية، حيث لا يوجد ما يمنع ذلك, فهو يصحح الفكر والعقيدة ويهذب النفس ويمنحها الأمن والطمأنينة ويقوم السلوك بالأخلاق الحميدة ويزيل العلل والأمراض التي تعترى الأجساد, وقد روى البخاري ومسلم حكاية سيد الحي الذي لُدغ ورقاه المسلمون بفاتحة الكتاب فشفاه اللّه وأخذوا على ذلك أجرا أقرهم عليه النبي صلى الله عليه وسلم وقال: (إن أحق ما أخذتم عليه أجرا كتاب الله تعالى), والحديث بطوله موجود فى زاد المعاد لابن القيم (ج3ص121), وذكر أن ابن ماجه روى في سننه من حديث على قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (خير الدواء القرآن), ووضح تأثير العلاج بالقرآن توضيحا كبيرا.., وقال بعض العلماء أن المراد بشفاء القرآن هو ما عدا شفاء الأجسام بدليل أن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر أن (لكل داء دواء إلا الموت) أو (إلا الهرم) وأمر بالتداوى عند المختصين كالحارث بن كلدة وعالج بالفصد والحجامة وشرب العسل وبغير ذلك مما وضحه ابن القيم فى كتاب الطب النبوى, والحق أن علاج الأمراض البدنية مطلوب عند المختصين والقرآن هو الذي أرشد إلى ذلك بسؤال أهل الذكر وبالأمر بالتعلم والإفادة مع الإيمان بفاعليته في العلاج الفكري والنفسي، وقد ذكر السيوطى في الإتقان (ج2ص163) طرفا من خواص القرآن فى العلاج العام وأورد حديث ابن ماجه عن ابن مسعود (عليكم بالشفاءين العسل والقرآن) وحديث اللديغ سيد الحى وعلاجه بفاتحة الكتاب الذي رواه البخاري ومسلم وذكر حديث الطبراني عن على قال: (لَدَغَتْ النبىَّ صلى الله عليه وسلم عقربٌ فدعا بماء وملح وجعل يمسح عليها ويقرأ: {قل يا أيها الكافرون} والمعوذتين), ثم ذكر السيوطي أن النووي قال في شرح المهذب: (لو كتب – أحدهم - القرآن في إناء ثم غسله وسقاه المريض؛ قال الحسن البصري ومجاهد وأبو قلابة والأوزاعى: لا بأس به وكرهه النخعى..)، قال الزركشى: (وممن صرح بالجواز فى مسألة الإناء العماد النيهى مع تصريحه بأنه لا يجوز ابتلاع ورقة فيها آية، لكن أفتى ابن عبد السلام بالمنع من الشرب أيضا لأنه يلاقى نجاسة الباطن وفيه نظر), هذا ما نقل عن العلماء في جواز العلاج بالقرآن.. فهو نافع إن شاء اللّه تعالى وبخاصة إذا كان القارئ صالحا ترجى بركته أو دعا اللّه بعد قراءة القرآن فقد يستجيب الله الدعاء، وقد رأينا أن النبي صلى الله عليه وسلم في علاج لدغة العقرب أخذ بالوسائل المادية مع قراءة القرآن, ورأينا اختلاف العلماء في كتابة القرآن الكريم ومحوه بالماء وشربه للاستشفاء ما بين مجيز ومانع؛ مع تحرزهم من تعرض القرآن الكريم للنجاسة أو الإهانة"[18].

وسئل الشيخ يوسف القرضاوي السؤال التالي: "شاعت في هذا العصر ظاهرة لم تعرف بهذا الوضوح والانتشار في عصر من عصور الإسلام التاريخية وهي ظاهرة المتخصصين في العلاج بالقرآن الذين يزعمون أنهم يستطيعون أن يعالجوا أي مريض يأتيهم عن طريق قراءة آي معينة من القرآن عليه، وقد يستجيب بعض الناس فيشفى بينما آخرون لا يؤثر فيهم هذا العلاج، فما حقيقة هذا الأمر؟ وما وجهة نظركم فيه من الناحية الشرعية؟ نرجو بيان الرأي الصحيح بالأدلة الموثقة"، فأجاب فضيلته قائلا: "لا شك أن هذه ظاهرة قد شاعت في كثير من البلدان، وتحدث عنها الخطباء في خطبهم والكتّاب في مقالاتهم، وعرضت لها الإذاعات والتليفزيونات، بل عرضت لها القنوات الفضائية في بعض البرامج, هذه الظاهرة هي ظاهرة العلاج بالقرآن. فهناك أُناس زعموا أنهم متخصصون في العلاج بالقرآن، بل فتحوا عيادات علنية للعلاج بالقرآن، يذهب الناس إليهم في هذه العيادات كي يعالجوهم بالقرآن الكريم, ونحن نؤمن بأن القرآن هدى وشفاء كما قال تعالى: {وَلَوْ جَعَلْنَاهُ قُرْآناً أَعْجَمِيّاً لَّقَالُوا لَوْلَا فُصِّلَتْ آيَاتُهُ أَأَعْجَمِيٌّ وَعَرَبِيٌّ قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَشِفَاء وَالَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ فِي آذَانِهِمْ وَقْرٌ وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى أُوْلَئِكَ يُنَادَوْنَ مِن مَّكَانٍ بَعِيدٍ} فصلت44, وقال تعالى: {وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاء وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ وَلاَ يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إَلاَّ خَسَاراً} الإسراء82, ولكن ما معنى الشفاء هنا؟ هل هو الشفاء العضوي على معنى أن الإنسان إذا أوجعه بطنه أو أوجعته عينه أو أحس بألم في جسده، فماذا عليه أن يفعل؟ هل يذهب إلى عيادة القرآن أم يذهب إلى الطبيب المختص الخبير في شأن هذا النوع من المرض؟ الذي رأيناه من سيرة النبي صلى الله عليه وسلم وهديه أنه شرع الطب والدواء كما قال صلى الله عليه وسلم: (إنما الشفاء في ثلاث: في شربة عسل أو شرطة محجم أو لذعة بنار), فذكر الأنواع الثلاثة للدواء الذي يتناول عن طريق الفم والجراحة وهي شرطة المحجم أو المشرط والكي وذلك هو العلاج الطبيعي، والنبي صلى الله عليه وسلم تداوى وأمر أصحابه بالتداوي، وكان يقول لبعض أصحابه رضوان الله عليهم أجمعين: "اذهبوا إلى الحارث بن كلدة الثقفي" وهو طبيب مشهور منذ الجاهلية عرفه العرب فكان النبي صلى الله عليه وسلم ينصحهم بالذهاب إليه، بل جاءه رجلان يعرفان الطب من بني أنمار فقال لهما: (أيكما أطب؟)، يعني أيكما أحذق وأمهر في صنعة الطب؟ فأشاروا إلى أحدهما فأمره أن يتولى هو علاج المريض، يعني أن الإنسان يبحث عن أمهر الأطباء وأفضلهم ما استطاع إلى ذلك سبيلاً, وقال أيضًا صلى الله عليه وسلم: (ما أنزل الله داء إلا أنزل له شفاء، علمه من علمه وجهله من جهله), وهذا أعطى كل مريض أملاً في أن يجد لدائه علاجًا وأعطى الأطباء أنفسهم أملاً في أن يجدوا لكل داء دواء, فليس هناك داء عضال بمعنى أنه لا علاج له لا في الحال ولا في الاستقبال بل كل مريض له علاج موجود ولكن لم نعثر عليه بعد فإذا أصاب دواء الداء برئ بإذن الله, ولما سُئل صلى الله عليه وسلم: (يا رسول الله أرأيت أدوية نتداوى بها وتُقاة نتقيها؟ هل ترد من قدر الله شيئًا؟ قال: هي من قدر الله), يعني أن الأمراض من قدر الله والأدوية من قدر الله, لماذا إذن نعتبر المرض من قدر الله ولا نعتبر الدواء من قدر الله؟, هذا من قدر الله وهذا من قدر الله فنحن ندفع قدرًا بقدر ونرد قدرًا بقدر, هذه سنة الله أن تدفع الأقدار بعضها البعض، ندفع قدر الجوع بقدر الغذاء وقدر العطش بقدر الشرب وقدر الداء بقدر الدواء هذه هي السنة الإسلامية، ومن أجل هذا شاع الطب بين المسلمين وتقدم الطب تقدمًا هائلاً في الحضارة الإسلامية وكان المسلمون أئمة العالم وأساتذته في الطب وعُرف منهم أسماء لامعة على مستوى العالم مثل أبي بكر الرازي وابن سينا وابن رشد والزهراوي وغيرهم من المسلمين، وكُتب هؤلاء انتشرت في العالم مثل (الحاوي) للرازي و(القانون) لابن سينا و(الكليات) لابن رشد و(التصريف لمن عجز عن التأليف) للزهراوي، بل وجدنا من علماء المسلمين الفقهاء مَن يجيد الطب، فابن رشد نفسه كان فقيهًا ألّف كتابه (بداية المجتهد ونهاية المقتصد) في الفقه المقارن, وفخر الدين الرازي صاحب الكتب الشهيرة في التفسير والأصول وعلم الكلام وغيرها, قالوا: كانت شهرته في علم الطب لا تقل عن شهرته في علوم الدين، وابن النفيس مكتشف الدورة الدموية الصغرى يُعدُّ من فقهاء الشافعية وترجم له تاج الدين السبكي في كتاب (طبقات الشافعية) على أنه أحد فقهاء هذا المذهب, ولأن المسلمين اعتمدوا سنة الله في الكون فقد اعتمدوا الطب ولم يعتمدوا على الشعوذات التي انتشرت بين الأمم من قبلهم ولم يعتمدوا على الأحجبة والتمائم وغيرها التي اعتبرها النبي صلى الله عليه وسلم ضربًا من الشرك, صحيح أن الإسلام شرع لنا الأدوية الروحية مثل الاستعاذة بالله والرقى والدعاء، فالإنسان يرقي نفسه أو يرقي مريضه بقول: (اللهم رب الناس أذهب البأس اشف أنتَ الشافي لا شفاء إلا شفاؤك شفاء لا يغادر سقمًا), أو (أرقيك والله يشفيك)، أو كما كان عليه الصلاة والسلام يرقي الأطفال الصغار مثل الحسن والحسين (أعيذك بكلمات الله التامة من كل شيطان وهامة ومن كل عين لامّة), فالرقى والتعاويذ والأذكار والأدعية مشروعة ولكن بجوار الأسباب المادية التي تكملها وتقويمها الأسباب الروحية, ولكن لا يكفي المسلم أن يذهب الإنسان إلى شخص يقول له أقرأ عليك القرآن أو المعوذات أو آية الكرسي ويكتفي بهذا, كيف ذلك إذا كان يعاني من مرض عضوي؟ فلا بد من علاج هذا المرض العضوي وإذا كان مصابًا بفيروس لا بد من علاج هذا الفيروس فهذا هو الذي شرعه الإسلام وعاشه المسلمون، فنحن لم نرَ في الصحابة مَن فتح بيته وقال (أنا متخصص في العلاج بالقرآن)، حتى النبي صلى الله عليه وسلم وهو سيد المعالجين وسيد أطباء الروح لم يفعل هذا وإنما شرع الطب وشرع التداوي بما يعهده الناس, وقد أشار القرآن الكريم إلى أن بعض الأغذية فيها شفاء ودواء مثل عسل النحل بقوله تعالى: {يَخْرُجُ مِن بُطُونِهَا شَرَابٌ مُّخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ فِيهِ شِفَاء لِلنَّاسِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} النحل69, أما هؤلاء الذين فتحوا عيادات كما سمعنا في القاهرة مثلاً أن فلان الفلاني يعالج بالقرآن ويذهب المغفلون والذين يصدقون كل ما يُقال ولا يمتحنون الأمور بعقولهم، أرى هؤلاء يذهبون إليهم زرافات ووحدانا ويدفعون النقود للشيخ وبركة الشيخ الذي يزعم علاج هؤلاء بالقرآن أو بإخراج الجن من أجسادهم، وأحيانًا رأيت مناظر فظيعة مثل شخص يُضرب ضربًا مبرحًا أو أشياء من هذا النوع، وقد نشرت الصحف ووكالات الأنباء أن بعضهم مات من الضرب في يد واحد من هؤلاء وقدم للمحاكمة، كل هذا لا أعتبر أنه من الإسلام الصحيح في شيء, إنما يمكن إذا سحر الإنسان أو نحو ذلك أن نعالجه بالاستعاذة والأذكار والرقى، وهذه الأشياء على أن تكون معروفة ومفهومة, ولذلك اشترطوا في الرقية أن تكون باللغة العربية لا بلغات غير مفهومة أو بحروف مقطعة لا نعرف ماذا فيها وبذكر الله تعالى وصفاته وألا تشتمل على شيء من الشركيات، فهذا هو الذي شرعه الإسلام, أما هذه الظواهر التي ابتدعها الناس فليس هذا من هدي الإسلام ولا من عمل الصحابة ولا من عمل سلف الأمة في خير قرونها وإنما هي بدعة اخترعها الناس في هذا العصر وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار, إن الإسلام شرع لنا أن نذهب في كل أمر إلى خبرائه نسألهم عنه ونستفتيهم فيه سواء أكان في أمور الدين أم أمور الدنيا كما قال تعالى: {ولا ينبئك مثل خبير} فاطر14, وقال عز وجل: {فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون} النحل43, ففي أمور الهندسة نرجع إلى الخبراء من المهندسين وفي أمور الطب والدواء نرجع إلى الصيادلة والأطباء وإلى كل طبيب في اختصاصه، وفي أمور الدين نرجع إلى علماء الدين الثقات, إذن، فما معنى أن القرآن شفاء؟ وهنا نقول: إن القرآن نفسه قد بين معنى الشفاء المذكور بإطلاق في بعض الآيات فقد قيدته آية أخرى، يقول الله تعالى فيها: {يا أيها الناس قد جاءتكم موعظة من ربكم وشفاء لما في الصدور وهدى ورحمة للمؤمنين} يونس57, بيَّنت الآية أن القرآن شفاء لما في الصدور من الشك والحيرة والعمى وما فيها من الهم والحزن والخوف والقلق, ولذا كان من أدعية النبي صلى الله عليه وسلم: (اللهم اجعل القرآن ربيع قلبي ونور صدري وجلاء حزني وذهاب همي وغمي), وكل هذه الأمور المدعو لها أمور معنوية لا مادية تتعلق بالقلب والصدر لا بالجسد والأعضاء, إن القرآن الكريم لم ينزله الله تعالى ليعالج الأمراض العضوية وإنما يعالج الناس أمراضهم بحسب السنن التي وضعها الله في الكون والتي بيَّن القرآن أنها سنن لا تتبدل ولا تتحول"[19], وحول دخول الجن جسم الإنسان قال فضيلة الشيخ يوسف القرضاوي: "هناك ادعاءات كثيرة برؤية الجن والعلاقة بالجن والزواج بالجن وتلبس الجني بالإنسي ومعظم هذه الدعاوى باطلة, وكثير من الناس ممن يدّعي أنه ركبه الجني أو العفريت أو نحو ذلك هم يعانون أمراضا عصبية ونفسية مثل (ازدواج الشخصية) ونحو ذلك ولا علاقة للجن بهذه الموضوعات"[20].

واعتبر د. محمد سيد طنطاوي شيخ الجامع الأزهر أن فتح عيادات تتخصص في العلاج بالقرآن الكريم يعد نوعا من الدجل وأن الكلمة الأخيرة في العلاج تكون للأطباء، وقال في المؤتمر السنوي الرابع عشر لكلية طب الأزهر 2004م: "إن ظاهرة العلاج بالقرآن هي قضية خطيرة لا بد من مناقشتها والوصول فيها إلى ضوابط تحد من تلك الظاهرة خاصة أن هناك عيادات لهذا النوع من العلاج بكثرة.., (و)ما يحدث في عيادات العلاج بالقرآن الكريم من قيام أحد الأشخاص بالكشف على المرأة وهو ليس بطبيب تحت دعوى أنه من أهل الكشف وصاحب ولاية وسيقوم بعلاجها عن طريق قراءة القرآن الكريم عليها هو أمر باطل ونوع من الدجل", وصرح بأنه لا يعلم من العلاج بالقرآن سوى: "الدعاء للمريض وهو ما ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم"، وقد شدد على أن: "كل ما يتعلق بالطب يجب أن تكون الكلمة الأخيرة فيه للأطباء"[21].



 

رد مع اقتباس