عرض مشاركة واحدة
قديم 23 Dec 2007, 07:52 PM   #4
هشام الهاشمي
باحث برونزي


الصورة الرمزية هشام الهاشمي
هشام الهاشمي غير متصل

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم باحث : 2031
 تاريخ التسجيل :  Nov 2007
 أخر زيارة : 10 Jul 2010 (07:03 PM)
 المشاركات : 34 [ + ]
 التقييم :  10
لوني المفضل : Cadetblue


ابوهريرة ... عزيز وغالي .. بارك الله فيك

الجني المسن (1)


وهذه امرأة مُتَلَـبِّسٌ بها شيخ مسن من الجن قد علته الكَبْرَةُ ، وأفنته السنون ، وأسلمته المنون إلى انقطاع ؛ حتى سئم الحياة ، وطولها ؛ فوهن عظمه ، وخرس لسانه ، وارتجفت أوصاله ، وأخذ الموت يَدِبُّ إليه شيئاً فشيئاً ، فاجتمعت عليه الأمراض ، والأوصاب ، وتكاثرت نصالها ؛ حتى مزقت منه دثار الصبر ، وشعار العزم ؛ فأخذ من المنون وريبها يتوجع ؛ فلا يجد دواءً لوجعه ؛ إلا البكاء والعويل ، وتجد المرأة نفسها تعاني آلام الجني العجوز ، وتحمل معاناته ، وتشعر بما يشعر ، وتحس بدنو الأجل ؛ وهي لا تدري أن الذي بها ليس بها ؛ وإنما بالجني العجوز الذي بها(!)


ومن طبيب إلى طبيب ، ومن دواء إلى آخر ؛ عسى أن يذهب علتها ، ويعيد صحتها ؛ حتى آل بها الأمر أن أصبحت طريحة الفراش ؛ ترقب الموت ، ـ كما صارحتني هي بهذا ـ وقد قرر الطبيب دخولها المستشفى عسى أن تشفى ، بعد أن أعيته علتها.


وجيء بي ؛ وبعد طرح الأسئلة التي كان من عادتي أن أطرحها على كل مريض قبل الرقية ؛ تبين لي أن بها مس جن ، وما أن قمت برشها بالماء المرقي حتى تهاوى الجني العجوز، وظهر جلياً على بدنها ، وأخذ في البكاء ، وقد سرت في بدنه رعشة الشيخوخة ، والكبر ، فأخذتني عليه الشفقة ، وبه الرحمة.


طلبت منه الخروج ، ولاحظت أنه عندما يحاول الخروج يحرك يديه ويرفرف بهما كمن يريد الطيران ؛ ففهمت أنه من الجن الطائر ، وكلما طلبت منه الخروج فعل ذلك في محاولات يائسة أفلت شمسها ؛ فغاب عنها النجاح.

حاولت أن أحاوره ، وأكلمه ، وأراد هو ذلك فأخذت شفتاه تضطربان اضطراباً شديداً ، وأسنانه تصطك كمن هو في برد شديد ليس بخارج منه(!)
أراد أن يقول شيئاً ولكن ؛ هيهات . . عبثاً يحاول ، ومستحيلاً يريد ؛ فقد حالت شيخوخته بينه وبين ما يشتهي(!)

أراد أن يبثني شكوى ؛ فلم يجد لها لساناً ، خرس فوق عجز فوقه مرض وشيبة(!)

حاولت شيئاً آخر فأعطيته ورقة ، وقلماً ليكتب ؛ ولكن هيهات . . فقد عجزت اليد عن حمل القلم ، وخانـته من بعد قوة الأصابـع ، فلم يعد من بد : أن نأتـي على ما فيه من بقية بالقرآن لتعود للمرأة عافيتها.


لهذا أخذت أرقي المرأة لأزيده ضعفاً على ضعفه ، ووهناً على وهنه ؛ فيتلاشى أثره عن المريضة.


وفعلاً كان ما أردتُ ؛ وقامت المرأة التي كانت طريحة الفراش ؛ غير مصدقة أن صحتها عادت إليها.

_________

(1) الجنة من الجنة.

منقول من موقع الاديب ابوعبيد العمروني رحمه الله تعالى




 

رد مع اقتباس