عرض مشاركة واحدة
#1  
قديم 22 Jun 2015, 02:00 AM
بالقرآن نرتقي
مشرفة قروب ـ رياحين الإخاء جزاها الله تعالى خيرا
بالقرآن نرتقي غير متصل
لوني المفضل Cadetblue
 رقم باحث : 8317
 تاريخ التسجيل : Jan 2010
 فترة الأقامة : 5760 يوم
 أخر زيارة : 08 Dec 2023 (11:50 PM)
 المشاركات : 2,584 [ + ]
 التقييم : 18
 معدل التقييم : بالقرآن نرتقي is on a distinguished road
بيانات اضافيه [ + ]
أنت مني وأنا منك








مرَّ هذا الرجلُ الفقيرُ المعدومُ ، وعليهِ أسمالٌ باليةٌ وثيابٌ رثَّة ، جائع البطْن ، حافي القدمِ ، مغمور النَّسبِ ، لا جاهٌ ولا مالٌ ولا عشيرةٌ ، ليس له بيتٌ يأوي إليهِ ، ولا أثاث ولا متاع

يشربُ من الحياضِ العامَّةِ بكفَّيْه مع الواردين ، وينامُ في المسجدِ ، مخدَّتُه ذراعُه ، وفراشُه البطحاءُ ، لكنَّه صاحبُ ذِكرٍ لربِّه وتلاوةٍ لكتابِ مولاهُ لا يغيبُ عنِ الصَّفِّ الأولِ في الصلاةِ والقتالِ

مرَّ ذات يومٍ برسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فناداهُ باسمِهِ وصاح به : (( يا جُليْبيبُ ألا تتزوَّجُ ؟ )) . قال : يا رسول اللهِ ، ومنْ يُزوِّجُني ؟ ولا مالٌ ولا جاهٌ ؟ ثمَّ مرَّ به أخرى ، فقال له مثْل قولهِ الأولِ ، وأجاب بنفسِ الجواب، ومرَّ ثالثةً ، فأعاد عليه السؤال وأعاد هو الجواب ، فقال صلى الله عليه وسلم : (( يا جليبيبُ ، انطلِقْ إلى بيتِ فلانٍ الأنصاريِّ وقُلْ له : رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يقرئُك السلام ، ويطلبُ منك أن تُزوِّجني بِنْتك ))


وهذا الأنصاريَّ منْ بيتٍ شريفٍ وأسرةٍ موقرةٍ ، فانطلق جليبيبٌ إلى هذا الأنصاريِّ وطرق عليه الباب وأخبره بما أمره به رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم فقال الأنصاريُّ : على رسول الله صلى الله عليه وسلم السلامُ ، وكيف أُزوِّجك بنتي يا جليبيبُ ولا مالٌ ولا جاهٌ ؟ وتسمعُ زوجتُه الخَبَرَ فتعجبُ وتتساءلُ : جليبيبٌ ! لا مالٌ ولا جاهٌ ؟ فتسمُع البنتُ المؤمنةُ كلام جليبيبٍ ورسالة الرسولِ صلى الله عليه وسلم فتقول لأبويها : أترُدَّانِ طلب رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، لا والذي نفسي بيدِهِ


وحصل الزواج المبارك والذُّرِّيَّةُ المباركةُ والبيتُ العامرُ ، المؤسَّسُ على تقوى من اللهِ ورضوانٍ ، ونادى منادي الجهادِ ، وحضر جليبيبُ المعركة ، وقتل بيده سبعةً من الكفارِ ، ثم قُتل في سبيلِ اللهِ ، وتوسد الثرى راضياً عنْ ربِّه وعنْ رسولِه وعنْ مبدئِه الذي مات منْ أجلِهِ ، ويتفقَّدُ الرسولُ القتلى ، فيُخبرُه الناس بأسمائِهم ، وينسون جليبيباً في غمرةِ الحديث ، لأنهُ ليس لامعاً ولا مشهوراً ، ولكنّ الرسول r يذكُرُ جليبيباً ولا ينساهُ ، ويحفظُ اسمه في الزحامِ ولا يُغفله ، ويقولُ : (( لكنَّني أفقِدُ جليبيباً )) .


ويجده وقد تدثَّر بالتراب ، فينفضُ التراب عن وجهه ويقولُ له : (( قَتَلْتَ سبعة ثم قُتِلْت ؟ أنت مني وأنا منك ، أنت مني وأنا منك ، أنت مني وأنا منك )) . ويكفي هذا الوسام النبويُّ جليبيباً عطاءً ومكافأةً وجائزةً .


إنَّ ثمنَ جليبيبٍ ، إيمانُه وحبُّ رسولِ اللهِ له ، ورسالتُه التي مات من أجلِها . إنَّ فقره وعدمَه وضآلةُ أسرتِه لم تُؤخِّرْه عنْ هذا الشرفِ العظيمِ والمكسب الضخمِ ، لقدْ حاز الشهادة والرِّضا والقبُول والسعادة في الدنيا والآخرة : ﴿ فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللّهُ مِن فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُواْ بِهِم مِّنْ خَلْفِهِمْ أَلاَّ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ ﴾ .


إنَّ قيمتك في معانيك الجليلةِ وصفاتِك النبيلةِ .
إنَّ سعادتك في معرفتِك للأشياءِ واهتماماتِك وسموِّك .
إنَّ الفقرَ والعوز والخمول، ما كان - يوماً من الأيامِ- عائقاً في طريق التَّفوُّقِ والوصولِ والاستعلاءِ . هنيئاً لمنْ عَرَفَ ثمنه فعلاً بنفسِه ، وهنيئاً لمنْ أسعد نفسهُ بتوجيههِ وجهادِه ونُبِله ، وهنيئاً لمنْ أحْسنَ مرَّتيْن ، وسعد في الحياتينِ ، وأفلح في الكرتيْنِ ، الدُّنيا والآخرةِ .


الشيخ عائض القرني




 توقيع : بالقرآن نرتقي





بالقرآن نرتقي

رد مع اقتباس