الموضوع
:
سر الخلق والأمر والشرائع
عرض مشاركة واحدة
#
1
19 May 2015, 01:11 AM
بالقرآن نرتقي
مشرفة قروب ـ رياحين الإخاء جزاها الله تعالى خيرا
لوني المفضل
Cadetblue
رقم باحث :
8317
تاريخ التسجيل :
Jan 2010
فترة الأقامة :
5760 يوم
أخر زيارة :
08 Dec 2023 (11:50 PM)
المشاركات :
2,584 [
+
]
التقييم :
18
معدل التقييم :
بيانات اضافيه [
+
]
سر الخلق والأمر والشرائع
سر
الخلق
والأمر
، والكتب
والشرائع
، والثواب والعقاب انتهى إلى هاتين الكلمتين ،
وعليهما مدار العبودية والتوحيد ،
حتى قيل
: أنزل الله مائة كتاب وأربعة كتب ، جمع معانيها في التوراة والإنجيل والقرآن ،
وجمع معاني هذه الكتب الثلاثة في القرآن ،
وجمع معاني القرآن في المفصل ،
وجمع معاني المفصل في الفاتحة ،
ومعاني الفاتحة في إياك نعبد وإياك نستعين .
وهما الكلمتان المقسومتان بين الرب وبين عبده نصفين ،
فنصفهما له تعالى
، وهو " إياك نعبد "
ونصفهما لعبده
وهو " إياك نستعين " .
والعبادة تجمع أصلين :
غاية الحب بغاية الذل والخضوع
، والعرب تقول : طريق معبد أي مذلل ،
والتعبد :
التذلل والخضوع ، فمن أحببته ولم تكن خاضعا له ، لم تكن عابدا
له ، ومن خضعت له بلا محبة لم تكن
عابدا له حتى تكون محبا خاضعا ،
ومن هاهنا كان المنكرون محبة العباد لربهم
منكرين حقيقة العبودية ،
والمنكرون لكونه محبوبا لهم ، بل هو غاية مطلوبهم ، ووجهه الأعلى
نهاية بغيتهم منكرين لكونه إلها ، وإن أقروا بكونه ربا للعالمين وخالقا لهم ، فهذا غاية توحيدهم ، وهو توحيد
الربوبية الذي اعترف به مشركو العرب ، ولم يخرجوا به عن الشرك ،
كما قال تعالى ولئن سألتهم من خلقهم ليقولن الله وقال تعالى ولئن سألتهم من خلق السماوات والأرض ليقولن الله ،
قل لمن الأرض ومن فيها إلى قوله سيقولون لله قل فأنى تسحرون
ولهذا يحتج عليهم به على توحيد إلهيته ، وأنه لا ينبغي أن يعبد غيره ، كما أنه لا خالق غيره ، ولا رب سواه .
والإستعانة تجمع أصلين :
الثقة بالله ، والإعتماد عليه ،
فإن العبد قد يثق بالواحد من الناس ، ولا يعتمد عليه في أموره مع ثقته به لإستغنائه عنه ، وقد يعتمد عليه مع عدم
ثقته به لحاجته إليه ، ولعدم من يقوم مقامه ، فيحتاج إلى اعتماده عليه ، مع أنه غير واثق به .
والتوكل معنى يلتئم من أصلين
: من الثقة ، والإعتماد ،
وهو حقيقة
" إياك نعبد وإياك نستعين "
وهذان الأصلان وهما التوكل
، والعبادة قد ذكرا في القرآن في عدة مواضع ، قرن بينهما فيها ، هذا أحدها .
الثاني: قول شعيب وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه
أنيب .
الثالث : قوله تعالى ولله غيب السماوات والأرض وإليه
يرجع الأمر كله فاعبده وتوكل عليه .
الرابع: قوله تعالى حكاية عن المؤمنين ربنا عليك توكلنا
وإليك أنبنا وإليك المصير .
الخامس : قوله تعالى واذكر اسم ربك وتبتل إليه تبتيلا رب
المشرق والمغرب لا إله إلا هو فاتخذه وكيلا
السادس : قوله تعالى قل هو ربي لا إله إلا هو عليه توكلت
وإليه متاب .
فهذه ستة مواضع يجمع فيها بين الأصلين ، وهما
" إياك نعبد وإياك نستعين
" .
وتقديم " العبادة " على " الاستعانة " في الفاتحة
من باب تقديم الغايات على الوسائل ،
إذ
" العبادة "
غاية العباد التي خلقوا لها ،
و
" الاستعانة "
وسيلة إليها ،
ولأن "
إياك نعبد
" متعلق بألوهيته واسمه " الله "
"
وإياك نستعين
" متعلق بربوبيته واسمه "
الرب
" فقدم "
إياك نعبد
" على "
إياك نستعين
" كما قدم اسم "
الله
" على "
الرب
" في أول السورة ،
ولأن "
إياك نعبد
" قسم "
الرب
" ، فكان
من الشطر الأول ، الذي هو ثناء على الله تعالى ، لكونه أولى به ،
و "
إياك نستعين
" قسم العبد ، فكان من الشطر الذي له ، وهو "
اهدنا
الصراط المستقيم
" إلى آخر السورة .
ولأن "
العبادة
" المطلقة تتضمن "
الاستعانة
" من غير عكس ، فكل عابد لله عبودية تامة مستعين به ولا ينعكس ، لأن صاحب
الأغراض والشهوات قد يستعين به على شهواته ، فكانت العبادة أكمل وأتم ، ولهذا كانت قسم الرب .
ولأن "
الاستعانة
" جزء من "
العبادة
"
من غير عكس ، ولأن "
الاستعانة
" طلب منه ، و "
العبادة
" طلب له .
ولأن "
العبادة
" لا تكون إلا من مخلص ، و "
الاستعانة
" تكون من مخلص ومن غير مخلص .
ولأن "
العبادة
" حقه الذي أوجبه عليك ، و "
الاستعانة
" طلب العون على "
العبادة
" ،
وهو بيان صدقته التي تصدق بها عليك ، وأداء حقه أهم من التعرض لصدقته .
ولأن "
العبادة
" شكر نعمته عليك ، والله يحب أن يشكر ، والإعانة فعله بك
وتوفيقه لك ، فإذا التزمت عبوديته ، ودخلت تحت رقها أعانك عليها ، فكان التزامها والدخول تحت رقها سببا لنيل
الإعانة ، وكلما كان العبد أتم عبودية كانت الإعانة من الله له أعظم .
والعبودية محفوفة بإعانتين
:
إعانة قبلها على التزامها والقيام بها ،
وإعانة بعدها على عبودية أخرى ، وهكذا أبدا ، حتى يقضي العبد نحبه .
ولأن "
إياك نعبد
" له ، و "
إياك نستعين
" به ،
وما له مقدم على ما به ، لأن ما له متعلق بمحبته ورضاه ، وما به متعلق بمشيئته ، وما تعلق بمحبته أكمل مما تعلق
بمجرد مشيئته ، فإن الكون كله متعلق بمشيئته ، والملائكة والشياطين والمؤمنون والكفار ، والطاعات والمعاصي ،
والمتعلق بمحبته : طاعتهم وإيمانهم ، فالكفار أهل مشيئته ، والمؤمنون أهل محبته ، ولهذا لا يستقر في النار شيء
لله أبدا ، وكل ما فيها فإنه به تعالى وبمشيئته .
فهذه الأسرار يتبين بها حكمة تقديم " إياك نعبد " على " إياك نستعين " .
وأما تقديم المعبود والمستعان على الفعلين
، ففيه :
أدبهم مع الله بتقديم اسمه على فعلهم ، وفيه الاهتمام وشدة العناية به ، وفيه الإيذان بالاختصاص ، المسمى بالحصر
، فهو في قوة : لا نعبد إلا إياك ، ولا نستعين إلا بك ، والحاكم في ذلك ذوق العربية والفقه فيها ، واستقراء موارد
استعمال ذلك مقدما ، وسيبويه نص على الاهتمام ، ولم ينف غيره .
ولأنه يقبح من القائل أن يعتق عشرة أعبد مثلا ، ثم يقول لأحدهم : إياك أعتقت ، ومن سمعه أنكر ذلك عليه
وقال : وغيره أيضا أعتقت ، ولولا فهم الاختصاص لما قبح هذا الكلام ، ولا حسن إنكاره .
وتأمل قوله تعالى
وإياي فارهبون ،
وإياي فاتقون كيف تجده في قوة : لا ترهبوا غيري ، ولا تتقوا سواي ،
وكذلك
" إياك نعبد وإياك نستعين "
هو في قوة : لا نعبد غيرك ، ولا نستعين
بسواك ، وكل ذي ذوق سليم يفهم هذا الاختصاص من علة السياق .
ولا عبرة بجدل من قل فهمه ، وفتح عليه باب الشك والتشكيك ، فهؤلاء هم آفة العلوم ، وبلية الأذهان والفهوم ،
مع أن في ضمير
" إياك
" من الإشارة إلى نفس الذات والحقيقة ما ليس في
الضمير المتصل ،
ففي : إياك
قصدت وأحببت من الدلالة على معنى حقيقتك وذاتك قصدي ، ما
ليس في قولك : قصدتك وأحببتك ، وإياك أعني فيه معنى : نفسك وذاتك وحقيقتك أعني .
ومن هاهنا قال من قال من النحاة : إن
" إيا "
اسم ظاهر مضاف إلى الضمير
المتصل ، ولم يرد عليه برد شاف .
ولولا أنا في شأن وراء هذا لأشبعنا الكلام في هذه المسألة ، وذكرنا مذاهب النحاة فيها ، ونصرنا الراجح ،
وفي إعادة " إياك " مرة أخرى دلالة على تعلق هذه الأمور بكل واحد من الفعلين ، ففي إعادة الضمير من قوة الاقتضاء لذلك ما ليس في حذفه ، فإذا قلت لملك مثلا : إياك أحب ، وإياك أخاف ، كان فيه من اختصاص الحب والخوف بذاته والاهتمام بذكره ، ما ليس في قولك : إياك أحب وأخاف .
بالقرآن نرتقي
زيارات الملف الشخصي :
229
إحصائية مشاركات »
بالقرآن نرتقي
المواضيـع
الــــــردود
[
+
]
[
+
]
بمـــعــدل : 0.45 يوميا
بالقرآن نرتقي
مشاهدة ملفه الشخصي
إرسال رسالة خاصة إلى بالقرآن نرتقي
البحث عن المشاركات التي كتبها بالقرآن نرتقي