|
هدي النبي صلى الله عليه وسلم في علاج الصرع ( مس شياطين الجان ) .
يقول ابن القيم رحمه الله :-
وعلاج هذا النوع يكون بأمرين : أمر من جهة المصروع وأمر من جهة المعالج فالذي من جهة المصروع يكون بقوة إيمانه وقوة قلبه وقوة إرادته وقوة شخصيته وقوة نفسه وصدق توجهه إلى فاطر هذه الأرواح وبارئها والتعوذ الصحيح الذي قد تواطأ عليه القلب واللسان فإن هذا نوع محاربة والمحارب لا يتم له الإنتصاف من عدوه بالسلاح إلا بأمرين : أن يكون السلاح صحيحا في نفسه جيدا وأن يكون الساعد قويا فمتى تخلف أحدهما لم يغن السلاح كثير طائل فكيف إذا عدم الأمران جميعا : يكون القلب خرابا من التوحيد والتوكل والتقوى والتوجه ولا سلاح له
والثاني : من جهة المعالج بأن يكون فيه هذان الأمران أيضا .
حتى إن من المعالجين من يكتفي بقوله : اخرج منه أو بقول : بسم الله أو بقول لا حول ولا قوة إلا بالله والنبى صلى الله عليه وسلم كان يقول : [ اخرج عدو الله أنا رسول الله ]
وشاهدت شيخنا يرسل إلى المصروع من يخاطب الروح التي فيه ويقول : قال لك الشيخ : اخرجي فإن هذا لا يحل لك فيفيق المصروع وربما خاطبها بنفسه وربما كانت الروح ماردة فيخرجها بالضرب فيفيق المصروع ولا يحس بألم وقد شاهدنا نحن وغيرنا منه ذلك مرارا
وكان كثيرا ما يقرأ في أذن المصروع : { أفحسبتم أنما خلقناكم عبثا وأنكم إلينا لا ترجعون } [ المؤمنون : 115 ]
وحدثني أنه قرأها مرة في أذن المصروع فقالت الروح : نعم ومد بها صوته قال : فأخذت له عصا وضربته بها في عروق عنقه حتى كلت يداي من الضرب ولم يشك الحاضرون أنه يموت لذلك الضرب ففي أثناء الضرب قالت : أنا أحبه فقلت لها : هو لا يحبك قالت : أنا أريد أن أحج به فقلت لها : هو لا يريد أن يحج معك فقالت : أنا أدعه كرامة لك قال : قلت : لا ولكن طاعة لله ولرسوله قالت : فأنا أخرج منه قال : فقعد المصروع يلتفت يمينا وشمالا وقال : ما جاء بي إلى حضرة الشيخ قالوا له : وهذا الضرب كله ؟ فقال : وعلى أي شئ يضربني الشيخ ولم أذنب ولم يشعر بأنه وقع به ضرب البتة
وكان يعالج بآية الكرسي وكان يأمر بكثرة قراءتها المصروع ومن يعالجه بها وبقراءة المعوذتين
وبالجملة فهذا النوع من الصرع وعلاجه لا ينكره إلا قليل الحظ من العلم والعقل والمعرفة وأكثر تسلط الأرواح الخبيثة على أهله تكون من جهة قلة دينهم وخراب قلوبهم وألسنتهم من حقائق الذكر والتعاويذ والتحصنات النبوية والايمانية فتلقى الروح الخبيثة الرجل أعزل لا سلاح معه وربما كان عريانا فيؤثر فيه هذا
ولو كشف الغطاء لرأيت أكثر النفوس البشرية صرعى هذه الأرواح الخبيثة وهي في أسرها وقبضتها تسوقها حيث شاءت ولا يمكنها الإمتناع عنها ولا مخالفتها وبها الصرع الأعظم الذي لا يفيق صاحبه إلا عند المفارقة والمعاينة فهناك يتحقق أنه كان هو المصروع حقيقة وبالله المستعان
وعلاج هذا الصرع باقتران العقل الصحيح إلى الإيمان بما جاءت به الرسل وأن تكون الجنة والنار نصب عينيه وقبلة قلبه ويستحضر أهل الدنيا وحلول المثلات والآفات بهم ووقوعها خلال ديارهم كمواقع القطر وهم صرعى لا يفيقون وما أشد داء هذا الصرع ولكن لما عمت البلية به بحيث لا يرى إلا مصروعا لم يصر مستغربا ولا مستنكرا بل صار لكثرة المصروعين عين المستنكر المستغرب خلافه
فإذا أراد الله بعبد خيرا أفاق من هذه الصرعة ونظر إلى أبناء الدنيا مصروعين حوله يمينا وشمالا على اختلاف طبقاتهم فمنهم من أطبق به الجنون ومنهم من يفيق أحيانا قليلة ويعود إلى جنونه ومنهم من يفيق مرة ويجن أخرى فإذا أفاق عمل عمل أهل الإفاقة والعقل ثم يعاوده الصرع فيقع في التخبط .
من كتاب الطب النبوي لإبن القيم رحمه الله .
|