عرض مشاركة واحدة
#1  
قديم 08 Nov 2013, 05:16 AM
نور الشمس
** أم عمـــر **
وسام الشرف - مشرفة قروب - أخوات البحث العلمي - جزاها الله تعالى خيرا
نور الشمس غير متصل
Saudi Arabia     Female
لوني المفضل Olivedrab
 رقم باحث : 13417
 تاريخ التسجيل : Dec 2012
 فترة الأقامة : 4716 يوم
 أخر زيارة : 21 Aug 2023 (03:12 PM)
 المشاركات : 8,847 [ + ]
 التقييم : 35
 معدل التقييم : نور الشمس is on a distinguished road
بيانات اضافيه [ + ]
Lightbulb هـل لإبليـس سلطـآن على الإنـسآن ؟؟؟



"

قال تعالى {وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدتُّكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ ۖ وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُم مِّن سُلْطَانٍ إِلَّا أَن دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي ۖ فَلَا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنفُسَكُم ۖ مَّا أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنتُم بِمُصْرِخِيَّ ۖ إِنِّي كَفَرْتُ بِمَا أَشْرَكْتُمُونِ مِن قَبْلُ ۗ إِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (22) (إبراهيم)

ـــــــــــــــــــــــــــــ

تفسيـر إبن كثير

يُخْبِرُ تَعَالَى عَمَّا خَاطَبَ بِهِ إِبْلِيس أَتْبَاعه بَعْدَمَا قَضَى اللَّه بَيْن عِبَاده فَأَدْخَلَ الْمُؤْمِنِينَ الْجَنَّاتِ وَأَسْكَنَ الْكَافِرِينَ الدَّرَكَاتِ فَقَامَ فِيهِمْ إِبْلِيس لَعَنَهُ اللَّه يَوْمئِذٍ خَطِيبًا لِيَزِيدَهُمْ حُزْنًا إِلَى حُزْنِهِمْ وَغَبْنًا إِلَى غَبْنِهِمْ وَحَسْرَة إِلَى حَسْرَتِهِمْ فَقَالَ " إِنَّ اللَّه وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ " أَيْ عَلَى أَلْسِنَة رُسُله وَوَعَدَكُمْ فِي اِتِّبَاعهمْ النَّجَاة وَالسَّلَامَة وَكَانَ وَعْدًا حَقًّا وَخَبَرًا صِدْقًا وَأَمَّا أَنَا فَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ كَمَا قَالَ تَعَالَى " يَعِدُهُمْ وَيُمَنِّيهِمْ وَمَا يَعِدُهُمْ الشَّيْطَانُ إِلَّا غُرُورًا " ثُمَّ قَالَ " وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ " أَيْ مَا كَانَ لِيَ دَلِيل فِيمَا دَعَوْتُكُمْ إِلَيْهِ وَلَا حُجَّة فِيمَا وَعَدْتُكُمْ بِهِ " إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي " بِمُجَرَّدِ ذَلِكَ هَذَا وَقَدْ أَقَامَتْ عَلَيْكُمْ الرُّسُل الْحُجَج وَالْأَدِلَّة الصَّحِيحَة عَلَى صِدْق مَا جَاءُوكُمْ بِهِ فَخَالَفْتُمُوهُمْ فَصِرْتُمْ إِلَى مَا أَنْتُمْ فِيهِ " فَلَا تَلُومُونِي" الْيَوْم " وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ " فَإِنَّ الذَّنْب لَكُمْ لِكَوْنِكُمْ خَالَفْتُمْ الْحُجَج وَاتَّبَعْتُمُونِي بِمُجَرَّدِ مَا دَعَوْتُكُمْ إِلَى الْبَاطِل " مَا أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ " أَيْ بِنَافِعِكُمْ وَمُنْقِذكُمْ وَمُخَلِّصكُمْ مِمَّا أَنْتُمْ فِيهِ " وَمَا أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَّ" أَيْ بِنَافِعِي بِإِنْقَاذِي مِمَّا أَنَا فِيهِ مِنْ الْعَذَاب وَالنَّكَال" إِنِّي كَفَرْت بِمَا أَشْرَكْتُمُونِ مِنْ قَبْل " قَالَ قَتَادَة أَيْ بِسَبَبِ مَا أَشْرَكْتُمُونِ مِنْ قَبْل وَقَالَ اِبْن جَرِير : يَقُول إِنِّي جَحَدْت أَنْ أَكُونَ شَرِيكًا لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَهَذَا الَّذِي قَالَ هُوَ الرَّاجِح كَمَا قَالَ تَعَالَى " وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَنْ لَا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَة وَهُمْ عَنْ دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ وَإِذَا حُشِرَ النَّاس كَانُوا لَهُمْ أَعْدَاء وَكَانُوا بِعِبَادَتِهِمْ كَافِرِينَ" وَقَالَ " كَلَّا سَيَكْفُرُونَ بِعِبَادَتِهِمْ وَيَكُونُونَ عَلَيْهِمْ ضِدًّا " وَقَوْله " إِنَّ الظَّالِمِينَ " أَيْ فِي إِعْرَاضهمْ عَنْ الْحَقّ وَاتِّبَاعهمْ الْبَاطِل لَهُمْ عَذَاب أَلِيم وَالظَّاهِر مِنْ سِيَاق الْآيَة أَنَّ هَذِهِ الْخُطْبَة تَكُون مِنْ إِبْلِيس بَعْد دُخُولهمْ النَّار كَمَا قَدَّمْنَا وَلَكِنْ قَدْ وَرَدَ فِي حَدِيث رَوَاهُ اِبْن أَبِي حَازِم وَهَذَا لَفْظه وَابْن جَرِير مِنْ رِوَايَة عَبْد الرَّحْمَن بْن زِيَاد : حَدَّثَنِي دُخَيْن الْحَجَرِيّ عَنْ عُقْبَة بْن عَامِر عَنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ " إِذَا جَمَعَ اللَّه الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ فَقَضَى بَيْنهمْ فَفَرَغَ مِنْ الْقَضَاء قَالَ الْمُؤْمِنُونَ قَدْ قَضَى بَيْنَنَا رَبّنَا فَمَنْ يَشْفَع لَنَا ؟ فَيَقُولُونَ اِنْطَلِقُوا بِنَا إِلَى آدَم وَذَكَر نُوحًا وَإِبْرَاهِيم وَمُوسَى وَعِيسَى فَيَقُول عِيسَى أَدُلّكُمْ عَلَى النَّبِيّ الْأُمِّيّ فَيَأْتُونِي فَيَأْذَن اللَّه لِي أَنْ أَقُوم إِلَيْهِ فَيَثُور مِنْ مَجْلِسِي مِنْ أَطْيَب رِيح شَمَّهَا أَحَد قَطُّ حَتَّى آتِيَ رَبِّي فَيُشَفِّعَنِي وَيَجْعَل لِي نُورًا مِنْ شَعْر رَأْسِي إِلَى ظُفْر قَدَمِي ثُمَّ يَقُول الْكَافِرُونَ هَذَا قَدْ وَجَدَ الْمُؤْمِنُونَ مَنْ يَشْفَع لَهُمْ فَمَنْ يَشْفَع لَنَا ؟ مَا هُوَ إِلَّا إِبْلِيس هُوَ الَّذِي أَضَلَّنَا فَيَأْتُونَ إِبْلِيس فَيَقُولُونَ قَدْ وَجَدَ الْمُؤْمِنُونَ مَنْ يَشْفَع لَهُمْ فَقُمْ أَنْتَ فَاشْفَعْ لَنَا فَإِنَّك أَنْتَ أَضْلَلْتنَا فَيَقُوم فَيَثُور مِنْ مَجْلِسه مِنْ أَنْتَنِ رِيح شَمَّهَا أَحَد قَطُّ ثُمَّ يَعْظُم نَحِيبُهُمْ " وَقَالَ الشَّيْطَان لَمَّا قُضِيَ الْأَمْر إِنَّ اللَّه وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقّ وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَان إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلَا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسكُمْ " وَهَذَا سِيَاق اِبْن أَبِي حَاتِم وَرَوَاهُ الْمُبَارَك عَنْ رِشْدِين بْن سَعْد عَنْ عَبْد الرَّحْمَن بْن زِيَاد بْن نُعَيْم عَنْ دُخَيْن عَنْ عُقْبَة بِهِ مَرْفُوعًا وَقَالَ مُحَمَّد بْن كَعْب الْقُرَظِيّ رَحِمَهُ اللَّه لَمَّا قَالَ أَهْل النَّار " سَوَاء عَلَيْنَا أَجَزِعْنَا أَمْ صَبَرْنَا مَا لَنَا مِنْ مَحِيص " قَالَ لَهُمْ إِبْلِيس " إِنَّ اللَّه وَعَدَكُمْ وَعْد الْحَقّ " الْآيَة فَلَمَّا سَمِعُوا مَقَالَته مَقَتُوا أَنْفُسهمْ فَنُودُوا " لَمَقْتُ اللَّهِ أَكْبَرُ مِنْ مَقْتِكُمْ أَنْفُسَكُمْ إِذْ تُدْعَوْنَ إِلَى الْإِيمَانِ فَتَكْفُرُونَ " وَقَالَ عَامِر الشَّعْبِيّ : يَقُوم خَطِيبَانِ يَوْم الْقِيَامَة عَلَى رُءُوس النَّاس يَقُول اللَّه تَعَالَى لِعِيسَى اِبْن مَرْيَم " أَأَنْت قُلْت لِلنَّاسِ اِتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ " - إِلَى قَوْله - " قَالَ اللَّه هَذَا يَوْم يَنْفَع الصَّادِقِينَ صِدْقهمْ " قَالَ وَيَقُوم إِبْلِيس لَعَنَهُ اللَّه فَيَقُول " مَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَان إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي " الْآيَة .


ـــــــــــــــــــــــــــــــ

تفسيـر الجلالين

"وَقَالَ الشَّيْطَان" إبْلِيس "لَمَّا قُضِيَ الْأَمْر" وَأُدْخِلَ أَهْل الْجَنَّة الْجَنَّة وَأَهْل النَّار النَّار وَاجْتَمَعُوا عَلَيْهِ "إنَّ اللَّه وَعَدَكُمْ وَعْد الْحَقّ" بِالْبَعْثِ وَالْجَزَاء فَصَدَقَكُمْ "وَوَعَدْتُكُمْ" أَنَّهُ غَيْر كَائِن "فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِي عَلَيْكُمْ مِنْ" زَائِدَة "سُلْطَان" قُوَّة وَقُدْرَة أَقْهَركُمْ عَلَى مُتَابَعَتِي "إلَّا" لَكِنْ "أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلَا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسكُمْ" عَلَى إجَابَتِي "مَا أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ" بِمُغِيثِكُمْ "وَمَا أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَّ" بِفَتْحِ الْيَاء وَكَسْرهَا "إنِّي كَفَرْت بِمَا أَشْرَكْتُمُونِي" بِإِشْرَاكِكُمْ إيَّايَ مَعَ اللَّه "مِنْ قَبْل" فِي الدُّنْيَا "إنَّ الظَّالِمِينَ" الْكَافِرِينَ "لَهُمْ عَذَاب أَلِيم" مُؤْلِم


ـــــــــــــــــــــــــــــــ

تفسير الطبري

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَقَالَ الشَّيْطَان لَمَّا قُضِيَ الْأَمْر إِنَّ اللَّه وَعَدَكُمْ وَعْد الْحَقّ وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِي عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَان إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلَا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسكُمْ مَا أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَّ إِنِّي كَفَرْت بِمَا أَشْرَكْتُمُونِ مِنْ قَبْل إِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَاب أَلِيم } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَقَالَ إِبْلِيس لَمَّا قُضِيَ الْأَمْر , يَعْنِي لَمَّا أُدْخِلَ أَهْل الْجَنَّة الْجَنَّة وَأَهْل النَّار النَّار وَاسْتَقَرَّ بِكُلِّ فَرِيق مِنْهُمْ قَرَارهمْ : إِنَّ اللَّه وَعَدَكُمْ أَيّهَا الْأَتْبَاع النَّار , وَوَعَدْتُكُمْ النُّصْرَة فَأَخْلَفْتُكُمْ وَعْدِي , وَوَفَّى اللَّه لَكُمْ بِوَعْدِهِ . { وَمَا كَانَ لِي عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَان } يَقُول : وَمَا كَانَ لِي عَلَيْكُمْ فِيمَا وَعَدْتُكُمْ مِنْ النُّصْرَة مِنْ حُجَّة تَثْبُت لِي عَلَيْكُمْ بِصِدْقِ قَوْلِي ; { إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ } وَهَذَا الِاسْتِثْنَاء الْمُنْقَطِع عَنْ الْأَوَّل كَمَا تَقُول : مَا ضَرَبْته إِلَّا أَنَّهُ أَحْمَق , وَمَعْنَاهُ : وَلَكِنْ دَعَوْتُكُمْ { فَاسْتَجَبْتُمْ لِي } يَقُول : إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ إِلَى طَاعَتِي وَمَعْصِيَة اللَّه , فَاسْتَجَبْتُمْ لِدُعَائِي . { فَلَا تَلُومُونِي } عَلَى إِجَابَتكُمْ إِيَّايَ { وَلُومُوا أَنْفُسكُمْ } عَلَيْهَا . { مَا أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ } يَقُول : مَا أَنَا بِمُغِيثِكُمْ { وَمَا أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَّ } وَلَا أَنْتُمْ بِمُغِيثِيَّ مِنْ عَذَاب اللَّه فَمُنَجًّى مِنْهُ . { إِنِّي كَفَرْت بِمَا أَشْرَكْتُمُونِ مِنْ قَبْل } يَقُول : إِنِّي جَحَدْت أَنْ أَكُون شَرِيكًا لِلَّهِ فِيمَا أَشْرَكْتُمُونِي فِيهِ مِنْ عِبَادَتكُمْ مِنْ قَبْل فِي الدُّنْيَا. { إِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَاب أَلِيم } يَقُول : إِنَّ الْكَافِرِينَ بِاَللَّهِ لَهُمْ عَذَاب أَلِيم مِنْ اللَّه مُوجِع , يُقَال : أَصْرَخْت الرَّجُل : إِذَا أَغَثْته إِصْرَاخًا , وَقَدْ صَرَخَ الصَّارِخ يَصْرُخ , وَيَصْرَخ قَلِيلَة وَهُوَ الصَّرِيخ وَالصُّرَاخ . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 15639 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن الْمُثَنَّى , قَالَ : ثَنَا عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثَنَا دَاوُد , عَنْ عَامِر فِي هَذِهِ الْآيَة : { مَا أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَّ إِنِّي كَفَرْت بِمَا أَشْرَكْتُمُونِ مِنْ قَبْل } قَالَ : خَطِيبَانِ يَقُومَانِ يَوْم الْقِيَامَة : إِبْلِيس , وَعِيسَى اِبْن مَرْيَم ; فَأَمَّا إِبْلِيس فَيَقُوم فِي حِزْبه فَيَقُول هَذَا الْقَوْل ; وَأَمَّا عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَام فَيَقُول : { مَا قُلْت لَهُمْ إِلَّا مَا أَمَرْتنِي بِهِ أَنْ اُعْبُدُوا اللَّه رَبِّي وَرَبّكُمْ وَكُنْت عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَا دُمْت فِيهِمْ , فَلَمَّا تَوَفَّيْتنِي كُنْت أَنْتَ الرَّقِيب عَلَيْهِمْ وَأَنْتَ عَلَى كُلّ شَيْء شَهِيد } . - حَدَّثَنِي يَعْقُوب بْن إِبْرَاهِيم , قَالَ : ثَنَا اِبْن عُلَيَّة , عَنْ دَاوُد , عَنْ الشَّعْبِيّ , قَالَ : يَقُوم خَطِيبَانِ يَوْم الْقِيَامَة : أَحَدهمَا عِيسَى , وَالْآخَر إِبْلِيس ; فَأَمَّا إِبْلِيس فَيَقُوم فِي حِزْبه فَيَقُول : { إِنَّ اللَّه وَعَدَكُمْ وَعْد الْحَقّ } فَتَلَا دَاوُد حَتَّى بَلَغَ : { بِمَا أَشْرَكْتُمُونِ مِنْ قَبْل } فَلَا أَدْرِي أَتَمَّ الْآيَة أَمْ لَا ؟ وَأَمَّا عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَام فَيُقَال لَهُ : { أَأَنْت قُلْت لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِنْ دُون اللَّه } فَتَلَا حَتَّى بَلَغَ : { إِنَّك أَنْتَ الْعَزِيز الْحَكِيم } . - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن مُحَمَّد , قَالَ : ثَنَا عَلِيّ بْن عَاصِم , عَنْ دَاوُد بْن أَبِي هِنْد , عَنْ عَامِر , قَالَ : يَقُوم خَطِيبَانِ يَوْم الْقِيَامَة عَلَى رُءُوس النَّاس , يَقُول اللَّه عَزَّ وَجَلَّ : يَا عِيسَى ابْن مَرْيَم { أَأَنْت قُلْت لِلنَّاسِ اِتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِنْ دُون اللَّه } إِلَى قَوْله : { هَذَا يَوْم يَنْفَع الصَّادِقِينَ صِدْقهمْ } قَالَ : وَيَقُوم إِبْلِيس فَيَقُول : { وَمَا كَانَ لِي عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَان إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ , فَاسْتَجَبْتُمْ لِي , فَلَا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسكُمْ مَا أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَّ } مَا أَنَا بِمُغِيثِكُمْ وَمَا أَنْتُمْ بِمُغِيثِيَّ . - حَدَّثَنَا الْحُسَيْن , قَالَ : ثَنَا سَعِيد بْن مَنْصُور , قَالَ : ثَنِي خَالِد , عَنْ دَاوُد , عَنْ الشَّعْبِيّ , فِي قَوْله : { مَا أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَّ } قَالَ : خَطِيبَانِ يَقُومَانِ يَوْم الْقِيَامَة ; فَأَمَّا إِبْلِيس فَيَقُول هَذَا ; وَأَمَّا عِيسَى فَيَقُول : { مَا قُلْت لَهُمْ إِلَّا مَا أَمَرْتنِي بِهِ } . 15640 - حَدَّثَنَا الْمُثَنَّى , قَالَ : ثَنَا سُوَيْد بْن نَصْر , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن الْمُبَارَك , عَنْ رِشْدِين بْن سَعْد , قَالَ : أَخْبَرَنِي عَبْد الرَّحْمَن بْن زِيَاد , عَنْ دُخَيْن الْعَنَوِيّ , عَنْ عُقْبَة بْن عَامِر , عَنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , ذَكَرَ الْحَدِيث قَالَ : " يَقُول عِيسَى : ذَلِكُمْ النَّبِيّ الْأُمِّيّ فَيَأْتُونَنِي , فَيَأْذَن اللَّه لِي أَنْ أَقُوم فَيَثُور مِنْ مَجْلِسِي مِنْ أَطْيَب رِيح شَمَّهَا أَحَد حَتَّى آتِي رَبِّي , فَيُشَفِّعنِي , وَيَجْعَل لِي نُورًا إِلَى نُور مِنْ شَعْر رَأْسِي إِلَى ظُفْر قَدَمِي , ثُمَّ يَقُول الْكَافِرُونَ : قَدْ وَجَدَ الْمُؤْمِنُونَ مَنْ يَشْفَع لَهُمْ فَقُمْ أَنْتَ فَاشْفَعْ لَنَا , فَإِنَّك أَنْتَ أَضْلَلْتنَا , فَيَقُوم فَيَثُور مِنْ مَجْلِسه أَنْتَن رِيح شَمَّهَا أَحَد , ثُمَّ يَعْظُم نَحِيبهمْ , وَيَقُول عِنْد ذَلِكَ : إِنَّ اللَّه وَعَدَكُمْ وَعْد الْحَقّ وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ الْآيَة " . 15641 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثَنَا أَبِي , عَنْ سُفْيَان , عَنْ رَجُل , عَنْ الْحَسَن , فِي قَوْله : { وَمَا كَانَ لِي عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَان } قَالَ : إِذَا كَانَ يَوْم الْقِيَامَة , قَامَ إِبْلِيس خَطِيبًا عَلَى مِنْبَر مِنْ نَار , فَقَالَ : { إِنَّ اللَّه وَعَدَكُمْ وَعْد الْحَقّ وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ } إِلَى قَوْله : { وَمَا أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَّ } قَالَ : بِنَاصِرِيَّ ; { إِنِّي كَفَرْت بِمَا أَشْرَكْتُمُونِ مِنْ قَبْل } قَالَ : بِطَاعَتِكُمْ إِيَّايَ فِي الدُّنْيَا . 15624 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثَنَا سُوَيْد , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن الْمُبَارَك عَمَّنْ ذَكَرَهُ , قَالَ : سَمِعْت مُحَمَّد بْن كَعْب الْقُرَظِيّ , قَالَ فِي قَوْله : { وَقَالَ الشَّيْطَان لَمَّا قُضِيَ الْأَمْر إِنَّ اللَّه وَعَدَكُمْ وَعْد الْحَقّ } قَالَ : قَامَ إِبْلِيس يَخْطُبهُمْ فَقَالَ : { إِنَّ اللَّه وَعَدَكُمْ وَعْد الْحَقّ } إِلَى قَوْله : { مَا أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ } يَقُول : بِمُغْنٍ عَنْكُمْ شَيْئًا , { وَمَا أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَّ إِنِّي كَفَرْت بِمَا أَشْرَكْتُمُونِ مِنْ قَبْل } قَالَ : فَلَمَّا سَمِعُوا مَقَالَته مَقَتُوا أَنْفُسهمْ , قَالَا : فَنُودُوا : { لَمَقْت اللَّه أَكْبَر مِنْ مَقْتكُمْ أَنْفُسكُمْ } الْآيَة . 15643 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثَنَا يَزِيد , قَالَ : ثَنَا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : { مَا أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَّ } مَا أَنَا بِمُغِيثِكُمْ وَمَا أَنْتُمْ بِمُغِيثِيَّ . وَقَوْله : { إِنِّي كَفَرْت بِمَا أَشْرَكْتُمُونِ مِنْ قَبْل } يَقُول : عَصَيْت اللَّه قَبْلكُمْ . 15644 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثَنِي أَبِي , قَالَ : ثَنِي عَمِّي , قَالَ : ثَنِي أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله : { مَا أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَّ إِنِّي كَفَرْت بِمَا أَشْرَكْتُمُونِ مِنْ قَبْل } قَالَ : هَذَا قَوْل إِبْلِيس يَوْم الْقِيَامَة , يَقُول : مَا أَنْتُمْ بِنَافِعِيَّ وَمَا أَنَا بِنَافِعِكُمْ , إِنِّي كَفَرْت بِمَا أَشْرَكْتُمُونِ مِنْ قَبْل ! قَالَ : شَرِكَته : عِبَادَته . 15645 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثَنَا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثَنَا عِيسَى ; وَحَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثَنَا الْحُسَيْن قَالَ : ثَنَا وَرْقَاء جَمِيعًا , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , فِي قَوْله : { بِمُصْرِخِيَّ } قَالَ : بِمُغِيثِيَّ . * حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن مُحَمَّد , قَالَ : ثَنَا شَبَابَة , قَالَ : ثَنَا وَرْقَاء , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , مِثْله . * حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثَنَا أَبُو حُذَيْفَة , قَالَ : ثَنَا شِبْل , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , مِثْله . * حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثَنَا الْحُسَيْن , قَالَ : ثَنِي حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , عَنْ مُجَاهِد , مِثْله. 15646 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثَنَا الْحُسَيْن , قَالَ : ثَنِي حَجَّاج , عَنْ أَبِي جَعْفَر الرَّازِيّ , عَنْ الرَّبِيع بْن أَنَس , قَالَ : مَا أَنَا بِمُنَجِّيكُمْ وَمَا أَنْتُمْ بِمُنَجِّيَّ . 15647 - حَدَّثَنَا يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد , قَالَ : خَطِيب السُّوء إِبْلِيس الصَّادِق , أَفَرَأَيْتُمْ صَادِقًا لَمْ يَنْفَعهُ صِدْقه { إِنَّ اللَّه وَعَدَكُمْ وَعْد الْحَقّ وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِي عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَان } أَقْهَركُمْ بِهِ , { إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي } قَالَ : أَطَعْتُمُونِي , { فَلَا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسكُمْ } حِين أَطَعْتُمُونِي , { مَا أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ } مَا أَنَا بِنَاصِرِكُمْ وَلَا مُغِيثكُمْ , { وَمَا أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَّ } : وَمَا أَنْتُمْ بِنَاصِرِيَّ وَلَا مُغِيثِيَّ لِمَا بِي , { إِنِّي كَفَرْت بِمَا أَشْرَكْتُمُونِ مِنْ قَبْل إِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَاب أَلِيم } . 15648 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثَنَا سُوَيْد , قَالَ : ثَنَا اِبْن الْمُبَارَك , عَنْ الْحَكَم , عَنْ عَمْرو بْن أَبِي لَيْلَى أَحَد بَنِي عَامِر , قَالَ : سَمِعْت مُحَمَّد بْن كَعْب الْقُرَظِيّ يَقُول : { وَقَالَ الشَّيْطَان لَمَّا قُضِيَ الْأَمْر } قَالَ : قَامَ إِبْلِيس عِنْد ذَلِكَ , يَعْنِي حِين قَالَ أَهْل جَهَنَّم : { سَوَاء عَلَيْنَا أَجَزِعْنَا أَمْ صَبَرْنَا مَا لَنَا مِنْ مَحِيص } , فَخَطَبَ فَقَالَ : { إِنَّ اللَّه وَعَدَكُمْ وَعْد الْحَقّ , وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ } إِلَى قَوْله : { مَا أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ } يَقُول : بِمُغْنٍ عَنْكُمْ شَيْئًا , { وَمَا أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَّ إِنِّي كَفَرْت بِمَا أَشْرَكْتُمُونِ مِنْ قَبْل } قَالَ : فَلَمَّا سَمِعُوا مَقَالَته مَقَتُوا أَنْفُسهمْ , قَالَ : فَنُودُوا : { لَمَقْت اللَّه أَكْبَر مِنْ مَقْتكُمْ }

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ

تفسيـر القرطبي

يَقُول : لَسْت بِمُغْنٍ عَنْكُمْ شَيْئًا " وَمَا أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَّ إِنِّي كَفَرْت بِمَا أَشْرَكْتُمُونِي مِنْ قَبْل " الْحَدِيث بِطُولِهِ , وَقَدْ كَتَبْنَاهُ فِي كِتَاب { التَّذْكِرَة } بِكَمَالِهِ . قَوْله تَعَالَى " وَقَالَ الشَّيْطَان لَمَّا قُضِيَ الْأَمْر " قَالَ الْحَسَن : يَقِف إِبْلِيس يَوْم الْقِيَامَة خَطِيبًا فِي جَهَنَّم عَلَى مِنْبَر مِنْ نَار يَسْمَعهُ الْخَلَائِق جَمِيعًا . وَمَعْنَى : " لَمَّا قُضِيَ الْأَمْر " أَيْ حَصَلَ أَهْل الْجَنَّة فِي الْجَنَّة وَأَهْل النَّار فِي النَّار , عَلَى مَا يَأْتِي بَيَانه فِي " مَرْيَم " عَلَيْهَا السَّلَام . " إِنَّ اللَّه وَعَدَكُمْ وَعْد الْحَقّ " يَعْنِي الْبَعْث وَالْجَنَّة وَالنَّار وَثَوَاب الْمُطِيع وَعِقَاب الْعَاصِي فَصَدَقَكُمْ وَعْده , وَوَعَدْتُكُمْ أَنْ لَا بَعْث وَلَا جَنَّة وَلَا نَار وَلَا ثَوَاب وَلَا عِقَاب فَأَخْلَفْتُكُمْ . وَرَوَى اِبْن الْمُبَارَك مِنْ حَدِيث عُقْبَة بْن عَامِر عَنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَدِيث الشَّفَاعَة قَالَ : ( فَيَقُول عِيسَى أَدُلّكُمْ عَلَى النَّبِيّ الْأُمِّيّ فَيَأْتُونِي فَيَأْذَن اللَّه لِي أَنْ أَقُوم فَيَثُور مَجْلِسِي مِنْ أَطْيَب رِيح شَمَّهَا أَحَد حَتَّى آتِي رَبِّي فَيُشَفِّعنِي وَيَجْعَل لِي نُورًا مِنْ شَعْر رَأْسِي إِلَى ظُفْر قَدَمِي ثُمَّ يَقُول الْكَافِرُونَ قَدْ وَجَدَ الْمُؤْمِنُونَ مَنْ يَشْفَع لَهُمْ فَمَنْ يَشْفَع لَنَا فَيَقُولُونَ مَا هُوَ غَيْر إِبْلِيس هُوَ الَّذِي أَضَلَّنَا فَيَأْتُونَهُ فَيَقُولُونَ قَدْ وَجَدَ الْمُؤْمِنُونَ مَنْ يَشْفَع لَهُمْ فَاشْفَعْ لَنَا فَإِنَّك أَضْلَلْتنَا فَيَثُور مَجْلِسه مِنْ أَنْتَن رِيح شَمَّهَا أَحَد ثُمَّ يَعْظُم نَحِيبهمْ وَيَقُول عِنْد ذَلِكَ : " إِنَّ اللَّه وَعَدَكُمْ وَعْد الْحَقّ وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ " الْآيَة ) . " وَعْد الْحَقّ " هُوَ إِضَافَة الشَّيْء إِلَى نَعْته كَقَوْلِهِمْ : مَسْجِد الْجَامِع ; قَالَ الْفَرَّاء قَالَ الْبَصْرِيُّونَ : وَعَدَكُمْ وَعْد الْيَوْم الْحَقّ أَوْ وَعَدَكُمْ وَعْد الْوَعْد الْحَقّ فَصَدَقَكُمْ ; فَحَذَفَ الْمَصْدَر لِدَلَالَةِ الْحَال . " وَمَا كَانَ لِي عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَان " أَيْ مِنْ حُجَّة وَبَيَان ; أَيْ مَا أَظْهَرْت لَكُمْ حُجَّة عَلَى مَا وَعَدْتُكُمْ وَزَيَّنْته لَكُمْ فِي الدُّنْيَا , " إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي " أَيْ أَغْوَيْتُكُمْ فَتَابَعْتُمُونِي . وَقِيلَ : لَمْ أَقْهَركُمْ عَلَى مَا دَعَوْتُكُمْ إِلَيْهِ . " إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ " هُوَ اِسْتِثْنَاء مُنْقَطِع ; أَيْ لَكِنْ دَعَوْتُكُمْ بِالْوَسْوَاسِ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي بِاخْتِيَارِكُمْ , " فَلَا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسكُمْ " وَقِيلَ : " وَمَا كَانَ لِي عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَان " أَيْ عَلَى قُلُوبكُمْ وَمَوْضِع إِيمَانكُمْ لَكِنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي ; وَهَذَا عَلَى أَنَّهُ خَطَبَ الْعَاصِي الْمُؤْمِن وَالْكَافِر الْجَاحِد ; وَفِيهِ نَظَر ; لِقَوْلِهِ : " لَمَّا قُضِيَ الْأَمْر " فَإِنَّهُ يَدُلّ عَلَى أَنَّهُ خَطَبَ الْكُفَّار دُون الْعَاصِينَ الْمُوَحِّدِينَ ; وَاَللَّه أَعْلَم . " فَلَا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسكُمْ " إِذَا جِئْتُمُونِي مِنْ غَيْر حُجَّة . " مَا أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ " أَيْ بِمُغِيثِكُمْ . " وَمَا أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَّ " أَيْ بِمُغِيثِيَّ . وَالصَّارِخ وَالْمُسْتَصْرِخ هُوَ الَّذِي يَطْلُب النُّصْرَة وَالْمُعَاوَنَة , وَالْمُصْرِخ هُوَ الْمُغِيث . قَالَ سَلَامَة بْن جَنْدَل . كُنَّا إِذَا مَا أَتَانَا صَارِخ فَزِع وَكَانَ الصُّرَاخ لَهُ قَرْع الظَّنَابِيب وَقَالَ أُمَيَّة بْن أَبِي الصَّلْت : وَلَا تَجْزَعُوا إِنِّي لَكُمْ غَيْر مُصْرِخ وَلَيْسَ لَكُمْ عِنْدِي غَنَاء وَلَا نَصْر . يُقَال : صَرَخَ فُلَان أَيْ اِسْتَغَاثَ يَصْرُخ صَرْخًا وَصُرَاخًا وَصَرْخَة . وَاصْطَرَخَ بِمَعْنَى صَرَخَ . وَالتَّصَرُّخ تَكَلُّف الصُّرَاخ . وَالْمُصْرِخ الْمُغِيث , وَالْمُسْتَصْرِخ الْمُسْتَغِيث ; تَقُول مِنْهُ : اِسْتَصْرَخَنِي فَأَصْرَخْته . وَالصَّرِيخ صَوْت الْمُسْتَصْرِخ . وَالصَّرِيخ أَيْضًا الصَّارِخ , وَهُوَ الْمُغِيث وَالْمُسْتَغِيث , وَهُوَ مِنْ الْأَضْدَاد ; قَالَهُ الْجَوْهَرِيّ . وَقِرَاءَة الْعَامَّة " بِمُصْرِخِيَّ " بِفَتْحِ الْيَاء . وَقَرَأَ الْأَعْمَش وَحَمْزَة " بِمُصْرِخِيِّ " بِكَسْرِ الْيَاء . وَالْأَصْل فِيهَا بِمُصْرَخِيينَ فَذَهَبَتْ النُّون لِلْإِضَافَةِ , وَأُدْغِمَتْ يَاء الْجَمَاعَة فِي يَاء الْإِضَافَة , فَمَنْ نَصَبَ فَلِأَجْلِ التَّضْعِيف , وَلِأَنَّ يَاء الْإِضَافَة إِذَا سُكِّنَ مَا قَبْلهَا تَعَيَّنَ فِيهَا الْفَتْح مِثْل : هَوَايَ وَعَصَايَ , فَإِنْ تَحَرَّكَ مَا قَبْلهَا جَازَ الْفَتْح وَالْإِسْكَان , مِثْل : غُلَامِي وَغُلَامَتِي , وَمَنْ كَسَرَ فَلِالْتِقَاءِ السَّاكِنَيْنِ حُرِّكَتْ إِلَى الْكَسْر ; لِأَنَّ الْيَاء أُخْت الْكِسْرَة . وَقَالَ الْفَرَّاء : قِرَاءَة حَمْزَة وَهْم مِنْهُ , وَقَلَّ مَنْ سَلِمَ مِنْهُمْ عَنْ خَطَأ . وَقَالَ الزَّجَّاج : هَذِهِ قِرَاءَة رَدِيئَة وَلَا وَجْه لَهَا إِلَّا وَجْه ضَعِيف . وَقَالَ قُطْرُب : هَذِهِ لُغَة بَنِي يَرْبُوع يَزِيدُونَ عَلَى يَاء الْإِضَافَة يَاء . الْقُشَيْرِيّ : وَاَلَّذِي يُغْنِي عَنْ هَذَا أَنَّ مَا يَثْبُت بِالتَّوَاتُرِ عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَا يَجُوز أَنْ يُقَال فِيهِ هُوَ خَطَأ أَوْ قَبِيح أَوْ رَدِيء , بَلْ هُوَ فِي الْقُرْآن فَصِيح , وَفِيهِ مَا هُوَ أَفْصَح مِنْهُ , فَلَعَلَّ هَؤُلَاءِ أَرَادُوا أَنَّ غَيْر هَذَا الَّذِي قَرَأَ بِهِ حَمْزَة أَفْصَح .

أَيْ كَفَرْت بِإِشْرَاكِكُمْ إِيَّايَ مَعَ اللَّه تَعَالَى فِي الطَّاعَة ; فَ " مَا " بِمَعْنَى الْمَصْدَر . وَقَالَ اِبْن جُرَيْج : إِنِّي كَفَرْت الْيَوْم بِمَا كُنْتُمْ تَدَّعُونَهُ فِي الدُّنْيَا مِنْ الشِّرْك بِاَللَّهِ تَعَالَى . قَتَادَة : إِنِّي عَصَيْت اللَّه . الثَّوْرِيّ : كَفَرْت بِطَاعَتِكُمْ إِيَّايَ فِي الدُّنْيَا .

. وَفِي هَذِهِ الْآيَات رَدّ عَلَى الْقَدَرِيَّة وَالْمُعْتَزِلَة وَالْإِمَامِيَّة وَمَنْ كَانَ عَلَى طَرِيقهمْ ; اُنْظُر إِلَى قَوْل الْمَتْبُوعِينَ : " لَوْ هَدَانَا اللَّه لَهَدَيْنَاكُمْ " وَقَوْل إِبْلِيس : " إِنَّ اللَّه وَعَدَكُمْ وَعْد الْحَقّ " كَيْف اِعْتَرَفُوا بِالْحَقِّ فِي صِفَات اللَّه تَعَالَى وَهُمْ فِي دَرَكَات النَّار ; كَمَا قَالَ فِي مَوْضِع آخَر : " كُلَّمَا أُلْقِيَ فِيهَا فَوْج سَأَلَهُمْ خَزَنَتهَا " [ الْمُلْك : 8 ] إِلَى قَوْل : " فَاعْتَرَفُوا بِذَنْبِهِمْ " [ الْمُلْك : 11 ] وَاعْتِرَافهمْ فِي دَرَكَات لَظًى بِالْحَقِّ لَيْسَ بِنَافِعٍ , وَإِنَّمَا يَنْفَع الِاعْتِرَاف صَاحِبه فِي الدُّنْيَا ; قَالَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ : " وَآخَرُونَ اِعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُوا عَمَلًا صَالِحًا وَآخَر سَيِّئًا عَسَى اللَّه أَنْ يَتُوب عَلَيْهِمْ " [ التَّوْبَة : 102 ] وَ " عَسَى " مِنْ اللَّه وَاجِبَة .

أَيْ فِي جَنَّات لِأَنَّ دَخَلْت لَا يَتَعَدَّى ; كَمَا لَا يَتَعَدَّى نَقِيضه وَهُوَ خَرَجْت , وَلَا يُقَاسَ عَلَيْهِ ; قَالَهُ الْمَهْدَوِيّ . وَلَمَّا أَخْبَرَ تَعَالَى بِحَالِ أَهْل النَّار أَخْبَرَ بِحَالِ أَهْل الْجَنَّة أَيْضًا . وَقِرَاءَة الْجَمَاعَة " أُدْخِلَ " عَلَى أَنَّهُ فِعْل مَبْنِيّ لِلْمَفْعُولِ . وَقَرَأَ الْحَسَن " وَأُدْخِلَ " عَلَى الِاسْتِقْبَال وَالِاسْتِئْنَاف .


ـــــــــــــــــــــــــــ

تفسير السعدي

أي: " وَقَالَ الشَّيْطَانُ " الذي هو سبب لكل شر يقع ووقع في العالم, مخاطبا لأهل النار, ومتبرئا منهم " لَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ " ودخل أهل الجنة الجنة وأهل النار النار: " إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ " على ألسنة رسله, فلم تطيعوه, فلو أطعتموه, لأدركتم الفوز العظيم.
" وَوَعَدْتُكُمْ " الخير " فَأَخْلَفْتُكُمْ " أي: لم يحصل, ولن يحصل لكم ما منيتكم به, من الأماني الباطلة.
" وَمَا كَانَ لِي عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ " أي: من حجة على تأييد قولي.
" إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي " أي: هذه نهاية ما عندي, أني دعوتكم إلى مرادى, وزينته لكم, فاستجبتم لي, اتباعا لأهوائكم وشهواتكم.
فإذا كانت الحال بهذه الصورة " فَلَا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ " فأنتم السبب, وعليكم المدار في موجب العقاب.
" مَا أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ " أي: بمغيثكم من الشدة التي أنتم بها " وَمَا أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَّ " كل له قسط من العذاب.
" إِنِّي كَفَرْتُ بِمَا أَشْرَكْتُمُونِي مِنْ قَبْلُ " أي: تبرأت من جعلكم لي شريكا مع الله, فلست شريكا لله, ولا تجب طاعتي.
" إِنَّ الظَّالِمِينَ " لأنفسهم بطاعة الشيطان " لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ " خالدين فيه أبدا.
وهذا من لطف الله بعباده, أن حذرهم من طاعة الشيطان وأخبر بمداخله, التي يدخل منها على الإنسان ومقاصده فيه, وأنه يقصد أن يدخله النيران.
وهنا بين لنا أنه إذا دخل النار هو وجنده, أنه يتبرأ منهم هذه البراءة, ويكفر بشركهم " ولا ينبئك مثل خبير " .
واعلم أن الله ذكر في هذه الآية, أن الشيطان ليس له سلطان.
وقال في آية أخرى " إنما سلطانه على الذين يتولونه, والذين هم به مشركون " .
فالسلطان الذي نفاه عنه, هو سلطان الحجة والدليل.
فليس له حجة أصلا, على ما يدعو إليه.
وإنما نهاية ذلك, أن يقيم من الشبه والتزيينات, ما به يتجرأون على المعاصي.
وأما السلطان, الذي أثبته, فهو التسلط بالإغراء على المعاصي لأوليائه يؤزهم إلى المعاصي أزا, وهم الذين سلطوه على أنفسهم, بموالاته, والالتحاق بحزبه.
ولهذا ليس له سلطان على الذين آمنوا وعلى ربهم يتوكلون.




المصــدر

طھظپط³ظٹط± ط§ط¨ظ† ظƒط«ط± - ط³ظˆط±ط© ط¥ط¨ط±ط§ظ‡ظٹظ…



"




 توقيع : نور الشمس



قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى:

‏🌱 اجعل نفسك دائماً في تفاؤل والذي يريده الله سيكون

‏ وكن مسروراً فرحاً واسع الصدر ،،

‏فالدنيا أمامك واسعة والطريق مفتوح ✨

‏فهذا هو الخير ،،،

‏ 📚 شرح رياض الصالحين - ج4 ص87

🦋🍃

رد مع اقتباس