أحاديث في إثبات الشيطان
قالوا: وقد جاء في الأثر النهي عن الصّلاة في أعطان الإبل، لأنّها خلقت من أعنان الشياطين.
وجاء أنّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم نَهى عن الصَّلاة عند طلوع الشَّمس حتى طلوعها، فإنّها بين قرني شيطان.
وجاء أنَّ الشياطين تُغلّ في رمضان.
فكيف تنكر ذلك مع قوله تعالى في القرآن: " والشَّياطينَ كُلَّ بَنَّاءٍ وَغَوَّاص، وآخَرينَ مُقَرَّنينَ في الأصفادِ " .
ولشهرة ذلك في العرب، في بقايا ما ثبتوا عليه من دين إبراهيم عليه السّلام، قال النابغة الذبياني:
إلا سُلَيمانَ إذْ قال الإلهُ لَهُ ... قُم في البَرِيَّةِ فاحْددْها عن الفَنَد
وخيِّس الجِنَّ إنِّي قدْ أذِنتُ لَهُمْ ... يَبْنُون تَدْمُر بالصُّفَّاح والعمدِ
فمنْ عصاك فعاقِبْهُ مُعاقبةً ... تنهى الظّلوم ولا تقْعد على ضمدِ
وجاء في قتل الأسود البهيم من الكلاب، وفي ذي النُّكْتتين، وفي الحية ذات الطُّفْيتين، وفي الجانّ.
وجاء: لا تشربوا من ثُلمة الإناء، فإنَّه كِفْل الشَّيطان، وفي العاقد شَعره في الصلاة: إنَّه كِفْل الشيطان، وأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: تراصُّوا بينكم في الصلاة، لا تتخللكم الشّياطين كأنّها بنات حذف، وأنَّه نهى عن ذبائح الجن.
ورووا: أن امرأة أتتْ إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: إنّ ابني هذا، به جنونٌ يصيبه عند الغداء والعَشَاء قال: فمسح النبيُّ صلى الله عليه وسلم صدْرَه، فثعَّ ثعة فخرج من جوفه جروٌ أسود يسعى.
قالوا: وقد قضى ابن عُلاثة القاضي بين الجنّ، في دم كان بينهم بحكمٍ أقنعهم.
رجع إلى تفسير قصيدة البهراني ثم رجع بنا القولُ إلى تفسير قصيدة البهّراني: أما قوله:
وتزوّجْتُ في الشبيبة غولاً ... بغزال وصَدْقتي زِقُّ خمرِ
فزعم أنه جعل صداقها غزالاً وزِقَّ خمر، فالخمر لطيب الرائحة، والغزالُ لتجعله مَرْكباً، فإنّ الظَّباء من مراكب الجن.
وأما قوله:
ثيِّبٌ إن هَوِيتُ ذلك منها ... ومتى شئتُ لم أجِدْ غير بِكرِ
كأنه قال: هي تتصوَّر في أيِّ صورةٍ شاءتْ.
شياطين الشعراء
وأما قوله:
بنت عَمْرٍو وخالها مِسحل الخي ... ر وخالي هُميمُ صاحب عَمْرِو
فإنهم يزعمون أنّ مع كلِّ فحل من الشعراء شيطاناً يقول ذلك الفحلُ على لسانه الشعر، فزعم البهراني أنّ هذه الجنّية بنت عمرو صاحب المخبَّل، وأن خالها مِسْحل شيطان الأعشى، وذكر أن خاله هُمَيم، وهو همّام، وهمّام هو الفرزدق، وكان غالبُ بن صعصعة إذا دعا الفرزدق قال: يا هميم.
وأما قوله: صاحب عمرو فكذلك أيضاً يقال إن اسم شيطان الفرزدق عمرو، وقد ذكر الأعشى مِسْحلاً حين هجاه جُهُنَّام فقال:
دَعَوْتُ خليلي مِسْحلاً ودعَوا له ... جُهُنّامَ جَدْعاً للهجين المذَمَّمِ
وذكره الأعشى فقال:
حباني أخي الجنِّيُّ نفسي فداؤُه ... بأفْيَحَ جَيَّاشِ العَشيّات مِرْجمِ
وقال أعشى سُليم:
وما كان جِنّيُّ الفرزدقِ قدوةً ... وما كان فيهم مِثْلُ فَحْلِ المخبَّلِ
وما في الخوافي مثل عَمْرو وشيخِهِ ... ولا بعدَ عمرو شاعرٌ مثلٌ مِسْحلِ
وقال الفرزدق، في مديح أسد بن عبد اللّه:
ليُبلغَنّ أبا الأشبال مِدْحتنا ... مَنْ كان بالغُورِ أو مَرْوَيْ خُراسانا
كأنّها الذَّهب العقْيانُ حبّرها ... لسانُ أشْعر خلْقِ اللّه شيطانا
وقال:
فلو كنْتَ عنْدي يوم قوٍّ عذرْتني ... بيوم دهتْني جِنُّهُ وأخابلُه
فمن أجل هذا البيت، ومن أجل قول الآخر:
إذا ما راعَ جارَتهُ فلاقى ... خبالَ اللّه منْ إنس وجِنِّ
زعموا أنّ الخابل النّاس.
ولما قال بشّار الأعمى:
دعاني شِنِقْناقٌ إلى خَلْفِ بكرةٍ ... فقلتُ: اتركنِّي فالتفرُّدُ أحمدُ
يقول: أحمدُ في الشعر أن لا يكون لي عليه معين - فقال أعشى سُليم يردُّ عليه:
إذا ألِفَ الجنّيُّ قِرداً مُشَنّفاً ... فقل لخنازير الجزيرةِ أبْشري
فجزِع بشّارٌ من ذلك جزعاً شديداً، لأنّه كان يعلم مع تغزُّله أنَّ وجهه وجْهُ قردٍ، وكان أوّل ما عُرف من جزعه من ذكر القِرد، الذي رأوا منه حين أنشدوه بيت حمّاد:
ويا أقبحَ مِن قِرْدٍ ... إذا ما عَمِيَ القِرْدُ
وأما قوله:
ولها خِطَّةٌ بأرض وبار ... مسَحُوها فكان لي نصْفُ شطرِ
فإنما ادّعى الرُّبع من ميراثها، لأنه قال:
تركتْ عَبْدلاً ثمالَ اليتامى ... وأخوه مزاحم كان بكر
وَضَعَتْ تِسْعةً وكانتْ نَزوراً ... من نِساءٍ في أهْلِها غير نُزْرِ
وفي أنَّ مع كلِّ شاعر شيطاناً يقول معه، قول أبي النجم:
إني وكلّ شاعر من البَشرْ ... شيطانه أنْثى وشَيطاني ذكر
وقال آخر:
إني وإن كنتُ صغير السِّنّ ... وكان في العين نُبُوٌّ عنِّي
فإنّ شيطاني كبير الجنِّ
من كتاب الحيوان للمؤلف:أبو عثمان عمرو