عرض مشاركة واحدة
قديم 31 Mar 2013, 11:25 PM   #13
الابن البار
مراقب قروب أنوار العلم جزاه الله خيرا


الصورة الرمزية الابن البار
الابن البار غير متصل

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم باحث : 2964
 تاريخ التسجيل :  Jul 2008
 أخر زيارة : 12 May 2020 (08:02 PM)
 المشاركات : 1,051 [ + ]
 التقييم :  10
لوني المفضل : Cadetblue
رد: كتـاب الـحيـوان




رؤية الجن
قال الأعراب: وربما نزلنا بجمعٍ كثير، ورأينا خياماً وقباباً،وناساً، ثم فقدناهم من ساعتنا.
والعوامّ ترى أنّ ابن مسعود، رضي اللّه عنه، رأى رجالاً من الزُّطِّ فقال: هؤلاء أشبه من رأيت بالجنّ ليلة الجنّ.
قال: وقد رُوي عنه خلاف ذلك.
وتأوّلوا قوله تعالى: " وأنَّه كانَ رِجالٌ مِنَ الإنْسِ يَعُوذُونَ بِرجالٍ مِنَ الْجِنِّ فزادُوهُمْ رَهَقاً " ، ولم يُهلك الناس كالتأويل.
ومما يدلُّ على ما قُلنا قولُ أبي النّجم، حيث يقول:
بحيثُ تُستنُّ مع الجنّ الغُولُ
فأخرج الغول من الجِنّ، للذِي بانَتْ به من الجنّ.
وهكذا عادتهم: أن يُخرجوا الشيء من الجملة بعد أنْ دخَلَ ذلك الشيء في الجملة، فيظهر لأمر خاصّ.
وفي بعض الرِّواية أنهم كانوا يسمعون في الجاهلية من أجواف الأوثان همهمةٍ، وأن خالد بن الوليد حين هدم العُزَّى رمته بالشّرَر حتى احترق عامّةُ فخذه، حتى عادهُ النبيَ صلى الله عليه وسلم.
وهذه فتنةٌ لم يكن اللّه تعالى ليمتحنَ بها الأعراب وأشباه الأعراب من العوامّ، وما أشك أنه قد كانتْ للسَّدنة حِيَلٌ وألطاف لمكان التكسُّب.
ولو سمعت أو رأيت بعض ما قد أعدّ الهِنْدُ من هذه المخاريق في بيوت عباداتهم، لعلمت أنّ اللّه تعالى قد مَنَّ على جملة الناس بالمتكلِّمين، الذين قد نشؤوا فيهم.
افتتان بعض النصارى بمصابيح كنيسة قمامة
وقد تَعْرِف ما في عجايز النصارى وأغمارهم، من الافتنان بمصابيح كنيسة قمامة، فأما علماؤُهم وعقلاؤُهم فليسوا بمتحاشِين من الكذب الصِّرف، والجراءةِ على البُهتان البَحْت، وقد تعوَّدُوا المكابرة حتى درِبوا بها الدَّرب الذي لا يفطن له إلا ذو الفِراسة الثّابتة، والمعرفة الثّاقبة.

إيمان الأعراب بالهواتف
والأعرابُ وأشباهُ الأعراب لا يتحاشَون من الإيمان بالهاتف، بل يتعجَّبون ممن ردَّ ذلك، فمن ذلك حديث الأعشى بن نبّاش بن زرارة الأسدي، أنه سمع هاتفاً يقول:
لقد هَلَك الفيَّاضُ غيثُ بني فِهْرِ ... وذُو الباعِ والمجْدِ الرَّفيعِ وذو الفخرِ
قال: فقلتُ مجيباً له:
ألا أيُّها الناعي أخا الجود والنّدَى ... مَن المرْءُ تَنْعاهُ لنا من بين فِهْرِ
فقال:
نَعيْت ابن جدْعان بن عمروٍ أخا النَّدى ... وذا الحسب القُدْمُوس والحسب القهرِ
وهذا الباب كثير.
قالوا: ولنَقل الجنّ الأخبارَ علمَ الناس بوفاةِ الملوك، والأمور المهمة، كما تسامعُوا بموت المنصور بالبصرة في اليوم الذي تُوفي فيه بقرب مكة، وهذا الباب أيضاً كثير.
من له رَئيٌّ من الجن
وكانوا يقولون: إذا ألف الجنّي إنساناً وتعطَّف عليه، وخبّره ببعض الأخبار، وجد حِسّه ورأى خياله، فإذا كان عندهم كذلك قالوا: مع فلان رئَيٌّ من الجن، وممن يقولون ذلك فيه عمرو بن لُحيّ بن قَمَعة، والمأمور الحارثي، وعتيبة بن الحارث بن شهاب، في ناسٍ معروفين من ذوي الأقدار، من بين فارس رئيس، وسيِّد مُطاع.
فأما الكهّان: فمثل حارثة جهينة، وكاهنة باهلة، وعُزّى سلمة، ومثل شِقّ، وسَطيح، وأشباههم، وأما العرّاف، وهو دون الكاهن، فمثل الأبلق الأسدي، والأجلح الزهري، وعروة ابن زيد الأسدي، وعرّاف اليمامة رباح بن كَحْلة، وهو صاحب بنت المستنير البلتعي، وقد قال الشاعر:
فقلت لعراف اليمامة داوِني ... فإنَّك إنّ أبْرَأتني لَطبِيبُ
وقال جُبَيهاء الأشجعيّ:
أقامَ هَوى صفيَّة في فؤادي ... وقد سيَّرتُ كلَّ هوى حبيبِ
لكِ الخيراتُ كَيْفَ مُنِحتِ وُدِّي ... وما أنا مِنْ هَواكِ بذي نَصيبِ
أقول وعروةُ الأسديُّ يرقي ... أتاك برُقْيةِ المَلِق الكذوبِ
لَعَمْرُك ما التّثاؤبُ يا ابن زيدٍ ... بشافٍ من رُقاك ولا مُجيبِ
لَسَيْرُ النّاعجات أظنُّ أشفى ... لما بي منْ طبيب بني الذَّهوبِ
وليس البابُ الذي يدّعيه هؤلاء من جنس العيافة والزّجر، والخطوط، والنّظر في أسرار الكفّ، وفي مواضع قرض الفار، وفي الخيلان في الجسد، وفي النظر في الأكتاف، والقضاء بالنجوم، والعلاج بالفكر.
وقد كان مُسيلمة يدّعي أن معه رئيّاً في أوّل زمانه، ولذلك قال الشّاعر، حين وَصَفَ مخاريقه وخُدَعه:
بِبَيْضةِ قارورٍ ورايةِ شادنٍ ... وخُلةِ جِنّيّ وتوصيلِ طائرِ
ألا تراه ذكر خُلّة الجني.

من كتاب الحيوان للمؤلف:أبو عثمان عمرو



 

رد مع اقتباس