ما يزعمون أنه من عمل الجن
وأهلُ تدمُر يزعمون أنّ ذلك البناء بُنيَ قبل زمن سليمان، عليه السلام، بأكثرَ مما بيننا اليوم وبين سليمان بن داود عليهما السلام قالوا: ولكنّكم إذا رأيتمْ بنياناً عجيباً، وجهلتم موضع الحِيلة فيه، أضفْتُموه إلى الجنِّ، ولم تعانوه بالفكر.
وقال العَرْجيُّ:
سدّتْ مسامِعها بفرْجِ مراجِل ... مِنْ نَسْج جِنٍّ مثله لا يُنسَجُ
وقال الأصمعيُّ: السيوف المأثورة هي التي يقال إنها من عمل الجن والشياطين لسليمان بن داود عليهما السلام، فأمّا القوارير والحمامات، فذلك ما لا شك فيه، وقال البعيث:
بَنَى زِيادٌ لذِكْرِ الله مَصْنَعَةً ... من الْحِجارة لم تُعملْ من الطِّينِ
كأنَّها غير أنّ الإنسَ ترفَعُها ... مما بنتْ لسليمانَ الشياطينُ
وقال المقنَّع الكِنْديُّ:
وفي الظّعائِنِ والأحْداجِ أمْلَحُ منْ ... حَلَّ العِراقَ وَحَلَّ الشامَ واليَمنَا
جِنِّيّةٌ مِنْ نِسَاءِ الإنسِ أحسَنُ مِنْ ... شَمْسِ النّهارِ وبَدْرِ اللّيلِ لو قُرِنَا
مَكتومةُ الذكرِ عندي ما حيِيتُ له ... قَدْ لَعَمْري مَلِلتُ الصَّرمَ والحَزَنَا
وقال أبو النَّجم:
أدرك عقلاً والرهان عمله ... كأنّ تُرْبَ القاع حينَ تَسحَلُه
صيقُ شياطينَ زَفَتْهُ شَمْألهْ
وقال الأعشى في المعنى الأوّل، من بناء الشياطين لسليمان بن داود عليهما السلام:
أرى عَادِيا لمْ يمنع الموْتَ رَبُّه ... ووَرْدٌ بتيماءِ اليهوديِّ أبلقُ
بناهُ سُليمانُ بنُ داودَ حِقْبةً ... له جَنْدَلٌ صُمٌّ وطيٌّ موثَّقُ
مواضع الجن
وكما يقولون: قنفذ بُرْقة، وضبُّ سحاً، وأرنب الخلَّة، وذئب خَمر فيفرقون بينها وبينَ ما ليست كذلك إمَّا في السِّمن، وإمّا في الخُبث، وإمَّا في القوة - فكذلك أيضاً يفرقون بين مواضع الجن، فإذا نَسبُوا الشّكل منها إلى موضعٍ معروف، فقد خَصُّوه من الخُبث و القُوة والعَرامة بما ليس لجملتهم وجمهورهم، قال لبيد:
غُلْب تَشَذّرُ بالذُّحولِ كأنّها ... جنُّ البَدِيِّ رواسِياً أقدامُها
وقال النّابغة:
سهكينَ مِنْ صَدإ الحديدِ كأنَّهُمْ ... تحتَ السَّنَوَّرِ جِنَّةُ البقّارِ
وقال زهير:
عَلَيْهِنَّ فِتْيانٌ كَجِنّةِ عَبقرٍ ... جديرون يوماً أن يُنيفوا فيَسْتعلوا
وقال حاتم:
عليهنّ فِتْيانٌ كَجِنّة عبقر ... يهزُّون بالأيدي الوشِيجَ المقوّما
ولذلك قيل لكلِّ شيء فائق، أو شديدٍ: عبقري.
وفي الحديث، في صفة عمر رضي اللّه عنه فلم أر عبقريّاً يفري فَرِيّه، قال أعرابي: ظلمني واللّه ظُلماً عبقريّاً.
من كتاب الحيوان للمؤلف:أبو عثمان عمرو