# والقول بتماثل الأحسام في غاية الفساد والرازي نفسه قد بين بطلان ذلك في غير موضع بل نقول مجرد اشتراك الاثنين في كون كل منهما جسما أو متحيزا أو موصوفا أو مقدارا أو غير ذلك لا يمنع اختصاص أحدهما بصفات لازمة له وليس إذا احتاج اختصاصه بالحيز إلى سبب غير الجسمية المشتركة يلزم أن يكون ذلك المخصص له مخصص آخر بل المشاهد خلاف ذلك فإن اختصاص الأجسام المشهودة باحيازها ليس للجسمية المشتركة بل لأمر يخصها هو من لوازمها بمعنى أن المقتضي لذاتها هو المقتضي لذلك اللازم إلى أن قال # وهذا مطرد في كل ما يقدر من الموصوفات المستلزمة لصفاتها كالحيوانية والناطقية للإنسان وكذلك الاعتداء والنمو للحيوان والنبات مثلا فإن كون النبات ناميا مغتذيا هو صفة لازمة له لا لعموم كونه جسما ولا لسبب غير حقيقته التي يختص بها بل حقيقته مستلزمة لنموه واغتذائه وهذه الصفات أقرب إلى أن تكون داخلة في حقيقته من كونه ممتدا في الجهات وإن كان ذلك أيضا لازما له فإنا نعلم أن النار والثلج والتراب والخبز والإنسان والشمس والفلك وغير ذلك كلها مشتركة في أنها متحيزة ممتدة في الجهات كما أنها مشتركة في أنها موصوفة بصفات قائمة بها وفي أنها حاملة لتلك الصفات وما به افترقت وامتاز بعضها عن بعض أعظم مما فيه اشتركت فالصفات الفارقة بينها الموجبة لاختلافها ومباينة بعضها لبعض أعظم مما يوجب تشابهها ومناسبة بعضها لبعض فمن يقول بتماثل الجواهر والأجسام يقول أن الحقيقة هي ما اشتركت فيه من التحيزية والمقدارية وتوابعها وسائر الصفات عارضة لها تفتقر إلى سبب غير الذات ومن يقول باختلافها يقول بل المقدارية للجسم والتحيزية للمتحيز كالموصوفية للموصوف واللونية والعرضية للعرض والقيام بالنفس للقائمات بأنفسها ونحو ذلك ومعلوم أن الموجودين إذا اشتركا في أن هذا قائم بنفسه
وهذا قائم بنفسه لم يكن أحدهما مثلا الآخر وإذا اشتركا في أن هذا لون وهذا لون وهذا طعم وهذا طعم وهذا عرض وهذا عرض لم يكن أحدهما مثلا للآخر وإذا اشتركا في أن هذا موصوف وهذا موصوف لم يكن أحدهما مثلا للآخر وإذا اشتركا في أن هذا مقدار ولهذا مقدار ولهذا حيز ومكان ولهذا حيز ومكان كان أولى أن لا يوجب هذا تماثلها لأن الصفة الموصوف أدخل في حقيقته من القدر للمقدار والمكان للتمكن والحيز للمتحيز فإذا كان اشتراكهما فيما هو أدخل في الحقيقة لا يوجب التماثل فاشتراكهما فيما هو دونه في ذلك أولى بعدم التماثل والكلام على هذه الأمور مبسوط في غير هذا الموضع # قال الرازي الثاني أن تقدير أن يكون هو تعالى مشاركا لسائر الأجسام في الجسمية ومخالفا لها في الماهية المخصوصة يجب وقوع الكثرة في ذات الله تعالى لأن الجسمية مشترك فيها بين الله وبين غيره وخصوصية ذاته غير مشتركة فيما بين الله تعالى وبين غيره وما به المشاركة غير ما به الممايزة وذلك يقتضي وقوع التركيب في ذاته المخصوصة وكل مركب ممكن لا واجب على ما بيناه فثبت أن السؤال ساقط والله أعلم # قال الشيخ رحمه الله يذكرون لفظ التكثر و التغير وهما لفظان مجملان يتوهم السامع أنه تكثر الآلهة وأن الرب يتغير ويستحيل من حال إلى حال إلى أن قال ثم إنهم ينفون ذلك من غير دليل أصلا بل نقول مجرد اشتراك الاثنين في كون كل منهما جسما أو متحيزا أو موصوفا أو مقدرا لا يمنع من اختصاص أحدهما بصفات لازمة له فإن كون النبات ناميا مغتذيا هو صفة لازمة له لا لعموم كونه جسما ولا لسبب غير حقيقته التي اختص بها بل حقيقة مستلزمة لنموه واغتذائه # وحينئذ فقوله ما به الاشتراك غير ما به الامتياز قلنا لم يشتركا في شيء خارجي حتى يحوجهما اشتراكهما فيه إلى الامتياز بل هما ممتازان بأنفسهما وإنما تشابها أو تماثلا في شيء والمتماثلان لا يحوجهما التماثل إلى مميز بين عينيهما بل كل منهما ممتاز عن الآخر بنفسه وإن أريد بالمشترك بينهما المعنى المطلق الكلي فذاك لا يفتقر إلى ما به الامتياز وليس له ثبوت في الأعيان حتى يقال أنه يلزم أن يكون المطلق في الأعيان من غير مخصص وإن أريد به ما يقوم بكل منهما من المشترك وهو ما يوجد في الأعيان من الكلي فذاك لا اشتراك فيه في الأعيان فإن كل ما لأحدهما فهو مختص به لا اشتراك فيه وحينئذ فالموجود من الوجوب هو مختص بأحدهما بنفسه لا يفتقر إلى مخصص فلا يكون الوجوب الذي لكل منهما في الخارج مفقرا إلى مخصص وإذا لم يكن ذلك بطل ما احتجوا به على كونه ممكنا # قال أبو عبد الله الرازي الحجة الثالثة قوله تعالى ^ والله الغني وانتم الفقراء ^ دلت هذه الآية على كونه غنيا ولو كان جسما لما كان غنيا لأن كل جسم مركب وكل مركب محتاج إلى كل واحد من أجزائه وأيضا لوجوب اختصاصه بالجهة لكان محتاجا إلى الجهة وذلك يقدح في كونه غنيا على الإطلاق # الحجة الرابعة قوله تعالى ^ لا إله إلا هو الحي القيوم ^ والقيوم من يكون قائما بنفسه مقوما لغيره فكونه قائما بنفسه عبارة عن كونه غنيا عن كل ما سواه وكونه مقوما لغيره عبارة عن احتياج كل ما سواه إليه فلو كان جسما لكان هو مفتقرا إلى غيره وهو جزؤه ولكان غيره غنيا عنه وهو جزؤه فحينئذ لا يكون قيوما وأيضا لو وجب حصوله في شئ من الأحياز لكان مفتقرا محتاجا إلى ذلك الحيز فلم يكن على الإطلاق # فإن قيل ألستم تقولون إنه يجب أن يكون موصوفا بالعلم ولم يقدح ذلك عندكم في كونه قيوما فلم لا يجوز أيضا أن يقال إنه يجب أن يحصل في حيز معين ولم يقدح ذلك في كونه قيل عندنا أن ذاته كالموجب لتلك الصفة وذلك لا يقدح في وصف الذات بكونه قيوما أما هنا فلا يمكن أن يقال أن ذاته توجب ذلك الحيز المعين لأن بتقدير أن لا يكون حاصلا في ذلك الحيز لم يلزم بطلان ذلك ولا عدمه فكان الحيز غنيا عنه وكان هو مفتقرا إلى ذلك الحيز فظهر الفرق والله أعلم # قلت ولقائل أن يقول هذا باطل من وجوده # أحدها إن الذين قالوا إنه جسم لا يقول أكثرهم أنه مركب من الأجزاء بل ولا يقولون إن كل جسم مركب من الأجزاء فالدليل على امتناع ما هو مركب من الأجزاء فقط لا يكون حجة على من قال أنه ليس بمركب وإن كان بناءا على إن جسم مركب فهذا ممنوع وإن قيل لا نعني بالأجزاء أجزاءا كانت موجودة بدونه وإنما نعني بها أنه لا بد أن يتميز منه شئ عن شئ قيل فحينئذ لا يلزم أن يكون ذلك الذي يمكن أن يصير جزءا غير مفتقر إليه إذ هو لا بد منه في وجود الجملة وليس موجودا دونها فالجملة لا تستغني عنه وهو أيضا لا يستغني عنها فتكون الحجة باطلة # الثاني أن يقال ما تعني بقولك إنه يكون مفتقرا إلى كل واحد من تلك الأجزاء أتعني أنه يكون مفعولا للجزء أو معلولا لعلة فاعلة أم تعني أنه يكون وجوده مشروطا بوجود الجزء بحيث لا يوجد أحدهما إلا مع الآخر فإن ادعيت الأول كان التلازم باطلا فأنه من المعلوم أن الأجسام التي خلقها الله تعالى ليس شئ من أجزائها فاعلا لها ولا علة فاعلة لها فإذا لم يكن شئ من المركبات المخلوقة جزؤه فاعلا له ولا علة فاعلة له كان دعوى أن ذلك قضية كلية من أفسد الكلام فإنه لا يعلم ثبوتها في شئ من الجزئيات المشهودة فضلا عن أن تكون كلية وإن قيل نعني بالافتقار أنه لا يوجد هذا إلا مع هذا قيل ولم قلتم إن مثل هذا ممتنع على الواجب بنفسه فإن الممتنع عليه أن يكون فاعلا أو علة فاعلة إذا قيل بإمكان علة فاعلة لا تفعل بالاختيار فأما كونه لا يكون وجوده مستلزما للوازم لا يكون موجودا إلا بها فالواجب بنفسه لا ينافي ذلك سواء سميت صفات أو أجزاء أو ما سميت # ويظهر هذا بالوجه الثالث وهو أن النافي لمثل هذا التلازم إن كان متفلسفا فهو يقول إن ذاته مستلزمة للمكنات المنفصلة عنه فكيف يمنع أن تكون مستلزمة لصفاته اللازمة له ولما هو داخل في مسمى اسمه وهو أيضا يسم أن ذاته تستلزم كونه واجبا وموجودا وعاقلا وعقلا ولذيذا وملتذا به ومحبا لذاته ومحبوبا لها وأمثال ذلك من االمعاني المتعددة فإذا قيل هذه كلها شئ واحد قيل هذا مع كونه معلوم الفساد بالضرورة لكونه تضمن أن العلم هو الحب وأن العالم المحب هو العلم والحب فإن قدر إمكانه فقول القائل إن الجسم ليس بمركب من الهيلولي والصورة ولا من الجواهر المنفردة بل هو واحد بسيط أقرب إلى العقل من دعوى اتحاد هذه الحقائق وإن كان من المعتزلة وأمثالهم فهم يسلمون أن ذاته تستلزم أنه حي عالم قادر وإن كان من الصفاتية فهم يسلمون استلزام ذاته للعلم والقدرة والحياة وغير ذلك من الصفات فما من طائفة من الطوائف إلا وهي تضطر إلى أن تجعل ذاته مستلزمة للوازم وحينئذ فنفي هذا التلازم لا سبيل لأحد إليه سواء سمي افتقارا أم لم يسم وسواء قيل أن هذا يقتضي التركيب أو لم يقل # الوجه الرابع أن يقال قول القائل إن المركب مفتقر إلى كل واحد من تلك الأجزاء أتعني بالمركب تلك الأجزاء أو تعني به اجتماعها أو الأمرين أو شيئا رابعا فإن عنيت الأول كان المعني أن تلك الأجزاء مفتقرة إلى تلك الأجزاء وكان حاصله أن الشئ المركب مفتقر إلى المركب وأن الشيء مفتقر إلى نفسه وأن الواجب بنفسه مفتقر إلى الواجب نفسه ومعلوم أن الواجب بنفسه لا يكون مستغنيا عن نفسه بل وجوبه بنفسه يستلزم أن نفسه لا تستغني عن نفسه فما ذكرتموه من الافتقار هو تحقيق لكونه واجبا بنفسه لا مانع لكونه واجبا بنفسه # وإن قيل أن المركب هو الاجتماع الذي هو اجتماع الأجزاء وتركيبها قيل فهذا الاجتماع هو صفة وعرض للأجزاء لا يقول عاقل أنه واجب بنفسه دون الأجزاء بل إنما يقال هو لازم للأجزاء والواجب بنفسه هو الذات القائمة بنفسها وهي الأجزاء لا مجرد الصفة التي نسبة بين الأجزاء وإذا لم يكن هذا هو نفس الذات الواجبة بنفسها وإنما هو صفة لها فالقول فيه كالقول في غيره مما سميتموه أنتم أجزاءا وغايته أن يكون بعض الأجزاء مفتقرا إلى سائرها وليس هذا هو افتقار الواجب بنفسه إلى جزئه # وإن قيل أن المركب هو المجموع إي الأجزاء واجتماعها فهذا من جنس أن يقال المركب هو الأجزاء لكن على هذا التقدير صار الاجتماع جزءا من الأجزاء وحينئذ فإذا قيل هو مفتقر إلى الأجزاء كان حقيقته أنه مفتقر إلى نفسه إي لا يستغني عن نفسه وهذا حقيقة وجوبه بنفسه لا مناف لوجوبه بنفسه # وإن عنيت به شيئا رابعا فلا يعقل هنا شيء رابع فلا بد من تصويره ثم هذا الكلام عليه # وإن قال بل المجموع يقتضي افتقاره إلى كل جزء من الأجزاء قيل افتقار المجموع إلى ذلك الجزء كافتقاره إلى سائر الأجزاء وذلك وسائر الأجزاء هي المجموع فعاد إلى أنه مفتقر إلى نفسه # فإن قيل فأحد الجزأين مفتقر إلى الآخر أو قيل الجملة مفتقرة إلى كل جزء إلى آخره قيل أولا ليس هذا هو حجتكم فإنما ادعيتم افتقار الواجب بنفسه إلى جزئه وقيل ثانيا إن عنيت بكون أحد الجزأين مفتقرا إلى الآخر أن أحدهما فاعل للآخر أو علة فاعلة له فهذا باطل بالضرورة فإن المركبات الممكنة ليس أحد أجزائها علة فاعلة للآخر ولا فاعلا له باختياره فلو قدر أن في المركبات ما يكون جزؤه فاعلا لجزئه لم يكن له مركب كذلك فلا تكون القضية كلية فلا يجب أن يكون مورد النزاع داخلا فيما جزؤه مفتقر إلى جزئه فكيف إذا لم يكن من الممكنات شيء من ذلك فكيف يدعى في الواجب بنفسه إذا قدر مركبا أن يكون بعض اجزائه علة فاعلة للجزء الآخر وإن عنيت أن أحد الجزأين لا يوجد إلا مع الجزء الآخر فهذا إنما فيه تلازمهما وكون أحدهما مشروطا بالآخر وذلك دور معي اقتراني وهو ممكن صحيح لا بد منه في كل متلازمين وهذا لا ينافي كون المجموع واجبا بالمجموع وإذا قيل في كل من الأجزاء هل هو واجب بنفسه أم لا قيل إن أردت هل هو مفعول معلول لعلة فاعلة أم لا فليس في الأجزاء ما هو كذلك بل كل منها واجب بنفسه بهذا الاعتبار وأن عنيت أنه هل فيها ما يوجد بدون وجود الآخر فليس فيها ما هو مستقل دون الآخر ولا هو واجب بنفسه بهذا الاعتبار والدليل دل على إثبات واجب بنفسه غني عن الفاعل والعلة الفاعلة لا على أنه لا يكون شيء غني عن الفاعل للوازم # فلفظ الواجب بنفسه فيه إجمال واشتباه دخل بسببه غلط كثير فما قام عليه البرهان من إثبات الواجب بنفسه ليس هو ما فرضه هؤلاء النفاة فإن الممكن هو الذي لا يوجد إلا بموجد يوجده فكونه موجودا بنفسه مستلزما للوازم لا ينافي أن يكون ذاتا متصفة بصفات الكمال وكل من الذات والصفات ملازم للآخر وكل من الصفات ملازمة للأخرى وكل ما يسمى جزأ فهو ملازم للآخر وإذا قيل هذا فيه تعدد الواجب قيل إن أردتم تعدد الإله الموجود بنفسه الخالق للممكنات فليس كذلك وأن أردتم تعدد معان وصفات له أو تعدد ما سميتموه اجزاءا له فلم قلتم إنه إذا كان كل من هذه واجبا بنفسه أي هو موجود بنفسه لا بموجد يوجده مع أن وجوده ملزوم لوجود الآخر يكون ممتنعا ولم قلتم إن ثبوت معنيين أو شيئين واجبين متلازمين يكون ممتنعا وهكذا كما تقول المعتزلة إنكم إذا أثبتم الصفات قلتم بتعدد القديم فيقال لهم إن قلتم إن ذلك يتضمن تعدد آلهة قديمة خالقة للمخلوقات فهذا التلازم باطل وإن قلتم يستلزم تعدد صفات قديمة للإله القديم فلم قلتم إن هذا محال فعامة ما يلبس به هؤلاء النفاة ألفاظ مجملة متشابهة إذا فسرت معانيها وفصل بين ما هو حق منها وبين ما هو باطل زالت الشبهة وتبين أن الحق الذي لا محيد عنه هو قول أهل الإثبات للمعاني والصفات # قوله أما هاهنا فلا يمكن أن يقال إن ذاته توجب ذلك الحيز المعين لأن بتقدير أن يكون حاصلا في ذلك الحيز لم يلزم بطلان ذلك ولا عدمه فكان الحيز غنيا عنه وكان هو مفتقرا إلى ذلك الحيز فظهر الفرق والله أعلم # قال ابن تيمية رحمه الله وأيضا لم نعلم أحدا قال إنه محتاج إلى شيء من مخلوقاته فضلا عن أن يكون محتاجا إلى غير مخلوقاته ولا يقول أحد إن الله محتاج إلى العرش مع أنه خالق العرش والمخلوق مفتقر إلى الخالق لا يفتقر الخالق إلى المخلوق وبقدرته قام العرش وسائر المخلوقات وهو الغني عن العرش وكل ما سواه فقير إليه فمن فهم عن الكرامية وغيرهم من طوائف الإثبات إنهم يقولون أن الله محتاج إلى العرش فقد أفترى عليهم كيف وهم يقولون إنه كان موجودا قبل العرش فإذا كان موجودا قائما بنفسه قبل العرش لا يكون إلا مستغنيا عن العرش وإذا كان الله فوق العرش لم يجب أن يكون محتاجا إليه فإن الله قد خلق العالم بعضه فوق بعض ولم يجعل عاليه محتاجا إلى سافله # وكثير مما يسمي مكانا وحيزا وجهة للإنسان يكون مفتقرا إليه بل ولغير الإنسان أيضا كاحتياج القميص إلى لا بسه واستغناء صاحبه عنه وكذلك الحيز قد ذكرنا أنه يراد به حدود الشيء المتصلة به التي تحوزه وهو جوانبه وتلك تكون داخلة فيه فلا تكون مستغنية عنه مع حاجته إليها وقد يراد به الشيء المنفصل عنه الذي يحيط به كالقميص المخيط وهذا قد يكون مفتقرا إلى الإنسان كقميصه وقد يكون مستغنيا عنه وإن كان مستغنيا عن الإنسان لكن الإنسان لا يحتاج إلى حيز بعينه فليس الإنسان مفتقرا إلى حيز معين خارج عن ذاته بحال بل وكذلك سائر الموجودات وأما الحهة فهي لا تكون جهة إلا بالتوجه فهي مفتقرة إلى كونها جهة إلى المتوجه والمتوجه لا يفتقر إلى جهة بعينها بحال إلى أن قال فكيف في حق الخالق الغني عن كل ما سواه المفتقر إليه كل ما سواه # وقد بسطت معنى القيوم في موضع آخر وبينا أنه الدائم الباقي الذي لا يزول ولا يعدم ولا يفنى بوجه من الوجوه # قال الرازي الحجة الخامسة قوله تعالى ^ هل تعلم له سميا ^ قال ابن عباس رضي الله عنهما هل تعلم له مثلا ولو كان متحيزا لكان كل واحد من الجواهر مثلا # وأما التمثيل فقد نطق القرآن بنفيه عن الله في مواضع كقوله ^ ليس كمثله شيء ^ وقوله ^ هل تعلم له سميا ^ وقوله ^ ولم يكن له كفوا أحد ^ وقوله ^ فلا تجعلوا لله أندادا ^ # وقوله ^ فاعبدوا واصطبر لعبادته هل تعلم له سميا ^ أي نظيرا يستحق مثل اسمه |
ويقال مساميا يساميه وهذا معنى ما يروى عن ابن عباس ^ هل تعلم له سميا ^ مثيلا أو شبيها # وموجب الأدلة السمعية يتلقى من عرف المتكلم بالخطاب لا من الوضع المحدث فليس لأحد أن يقول إن الألفاظ التي جاءت في القرآن موضوعة لمعاني ثم يريد أن يفسر مراد الله بتلك المعاني هذا من فعل أهل الالحاد المفترين فإن هؤلاء عمدوا إلى معاني ظنوها ثابتة فجعلوها هي معنى الواحد والواجب والغني والقديم ونفي المثل ثم عمدوا إلى ما جاء في القرآن والسنة من تسمية الله تعالى بأنه أحد و واحد وغني ونحو ذلك في نفي المثل والكفؤ عنه فقالوا هذا يدل على المعاني التي سميناها بهذه الأسماء وهذا من أعظم الافتراء على الله # وكذلك إذا قالوا الموصوفات تتماثل والأجسام تتماثل والجواهر تتماثل وأرادوا أن يستدلوا بقوله تعالى ^ ليس كمثله شيء ^ على نفي مسمى هذه الأمور التي سموها بهذه الأسماء في اصطلاحهم الحادث كان هذا افتراءا على القرآن # ويقال له أتعني بالحيز ما هو من لوازم المتحيز وهو نهايته وحده الداخل في مسماه أم تريد بالحيز شيئا موجودا منفصلا عنه كالعرش فأن أريد بالحيز المعنى الأول وهو ما هو من لوازم كل متحيز فإن حيزه بهذا التفسير داخل في مسمى ذاته ونفسه وعينه إلى أن قال ولا نسلم أنه ممتنع والقدر والحيز الداخل في مسمى المتحيز الذي هو من لوازمه أبلغ من صفاته الذاتية فإن كل وجود
متحيز بدون الحيز الذي هو جوانبه المحيطة به يمتنع أن يكون هو إياه والقديم الذي يمتنع وجوده مع الله هو ما كان شيئا منفصلا عنه بل كل شيء يكون داخلا في مسماه ليس خارجا عنه إلى أن قال يقال له كل جسم فإنه مختص بحيزه وحيزه الذي هو جوانبه ونهايته وحدوده الداخل في مسماه وأما اختصاصه بحيز وجودي ينفصل عنه فذاك شيء آخر لا يلزم كما قد بيناه فعلم أن ذلك لا ينافي ما ذكره من دليل حدوث الأجسام مع أن ذلك الدليل لا نرتضيه # ولقائل أن يقول إن عنيت بالتحيزية تفرقته بعد الاجتماع واجتماعه بعد الافتراق فلا نسلم أن ما لا يكون كذلك يلزم أن يكون حقيرا وإن عنيت به ما يشار إليه أو يتميز منه شيء عن شيء لم نسلم أن مثل هذا ممتنع بل نقول أن كل موجود قائم بنفسه فإنه كذلك وأن ما لا يكون كذلك فلا يكون إلا عرضا قائما بغيره وأنه لا يعقل موجود إلا ما يشار إليه أو ما يقوم بما يشار إليه # وعند هؤلاء أن الباقي حال بقائه لا يحتاج إلى الرب # قال الرازي الحجة السادسة قوله تعالى ^ هو الله الخالق البارئ المصور ^ وجه الاستدلال به أنا بينا في سائر كتبنا أن الخالق في اللغة هو المقدر ولو كان تعالى جسما لكان متناهيا ولو كان متناهيا لكان مخصوصا بمقدار معين ولما وصف نفسه بكونه خالقا وجب أن يكون تعالى هو المقدر لجميع المقدرات بمقاديرها المخصوصة فإذا كان هو مقدرا في ذاته بمقدار مخصوص لزم كونه مقدارا لنفسه وذلك محال # وأيضا لو كان جسما لكن متناهيا وكل متناه فإنه محيط به حد أو حدود مختلفة وكل ما كان كذلك فهو مشكل وكل مشكل فهو صورة فلو كان جسما لكان له صورة ثم أنه تعالى وصف نفسه بكونه مصورا فيلزم كونه مصورا لنفسه وذلك محال فيلزم أن يكون منزها عن الصورة والجسمية حتى لا يلزم هذا المحال # لفظ الخلق المراد به الفعل الذي يسمى المصدر كما يقال خلق يخلق خلقا كقوله ^ وما خلقكم ولا بعثكم إلا كنفس واحدة ^ وقوله ^ يخلقكم في بطون أمهاتكم خلقا من بعد خلق ^ وقوله ^ ما أشهدتهم خلق السموات والأرض ولا خلق أنفسهم ^ وليس الكلام في لفظ خلق المراد به المخلوق ومنه قوله ^ هذا خلق الله ^ # والناس تنازعوا في نفس الخلق والأحداث والتكوين هل هو من صفات الله أم لا وهذا المؤسس وأصحابه مع المعتزلة يقولون إن الخلق هو المخلوق ليس ذلك صفة لله بحال وأما جمهور الفقهاء وأهل الحديث والصوفية وطوائف من أهل الكلام فيقولون إن الفعل نفسه والخلق من صفاته ولكن المخلوق ليس من صفاته # وقال في قوله ^ الذي خلق فسوى والذي قدر فهدى ^ العطف يقتضي اشتراك المعطوف والمعطوف عليه فيما ذكر وإن بينهما مغايرة في الصفات فإن الذي خلق فسوى هو الذي قدر فهدى لكن هذا الاسم والصفة ليس هو ذاك الاسم والصفة # قوله لزم أن يكون مقدرا لنفسه # معلوم أن الشيء لا يوجد إلا بنفسه وإذا قيل هو مفتر إلى نفسه بهذا المعنى لم يكن ممتنعا بل هذا هو الحق فأن نفس الواجب لا يستغني عن نفسه وإذا قيل هو واجب بنفسه فليس المراد ابدعت وجوده بل المراد أن نفسه موجودة بنفسها لم تفتقر إلى غيره في ذلك ووجوده واجب لا يقبل العدم بحال # قوله وأيضا لو كان جسما لكان متناهيا وكل منته فإنه محيط به حد أو حدود مختلفة # يقال هذه الحجة من جنس قولهم لو كان فوق العرش لكان إما أن يكون أصغر منه أو بقدره أو أكبر منه ببعد متناه أو غير متناه وهذه حجج الجهمية قديما كما ذكر الأئمة والكلام على هذه الحجة في مقامين أحدهما منع المقدمة الأولى والثاني منع المقدمة الثانية # أما الأول فهو قول من يقول هو فوق العرش وليس له حد ولا مقدار ولا هو جسم كما يقول ذلك كثير من الصفاتية من الكلابية أئمة الأشعرية وقدمائهم ومن وافقهم من الفقهاء والطوائف الأربعة وغيرهم وأهل الحديث والصوفية وغير هؤلاء وهم أمم لا يحصيهم إلا الله إلى أن قال وأما المقام الثاني فهو كلام من لا ينفي هذه الأمور التي يحتج بها عليه نفاة العلو على العرش ليس لها أصل في الكتاب والسنة بل قد يثبتها أو يثبت بعضها لفظا أو معنى أو لا يتعرض لها بنفي ولا إثبات وهذا المقام هو الذي تكلم فيه سلف الأمة وأئمتها وجماهير أهل الحديث وطائفة من أهل الكلام والصوفية وغيرهم وكلام هؤلاء أسد في العقل والدين إلى أن قال والكلام على هذا من وجوه # أحدها أن يقال قوله إن كل ما كان متناهيا من جميع الجوانب كانت حقيقته قابلة للزيادة والنقصان وكلما كان كذلك كان محدثا على ما بيناه يقال له قد تقدم الكلام على هذه الحجة وبينا أن جميع بنى آدم من المسلمين واليهود والنصارى والصابئين والمجوس والمشركين يخالفونك في هذه المقدمة وبينا فساد ما ذكره من الحجة عليها بوجوه كثيرة بيانا واضحا إلى أن قال ويقال له وإذا نازعك إخوانك المتكلمون الجهمية من المجسمة وغير المجسمة الموافقون لك أنه ليس فوق العرش الذين يقولون لا نهاية لذاته ومساحته مع قولهم إنه جسم ومع قولهم ليس بجسم فما حجتك عليهم إلى أن قال وقد يقول هؤلاء هب أنه قام دليل على تناهي العالم وتناهي المخلوقات وتناهي الأبعاد التي فيها المحدثات فلم قلت إن ذلك محال في حق الباري وهذا يقوله مثبتة لجسم ونفاته # ولهذا لم يكن لابتداء وجوده ولا لدوام بقائه حد ولا نهاية ولا غاية ولا يقال مثل ذلك في عظمة ذاته وقدره بل يقال ^ لا تدركه الأبصار ^ ^ ولا يحيطون به علما ^ أو يقال ^ وما قدروا الله حق قدره والأرض جميعا قبضته يوم القيامة ^ الآية ولهذا كان جهم وأبو الهذيل وهما إماما الجهمية وغيرهما لما قاسوا النهاية في الذات والمكان على النهاية في الوجود والزمان عدوا حكم هذا إلى حكم هذا وحكم هذا إلى حكم هذا فقال بان المخلوق يتثبت له النهايات جميعا وأثبتوها في الانتهاء فقال الجهم بفناء الجنة والنار وقال أبو الهذيل بفناء الحركات كلها # قال الرازي الحجة السابعة قوله تعالى ^ هو الأول والآخر والظاهر والباطن ^ وصف نفسه بكونه ظاهرا وباطنا ولو كان جسما لكان ظاهره غير باطنه فلم يكن الشيء الواحد موصوفا بأنه ظاهر وبأنه باطن لأنه على تقدير كونه جسما يكون الظاهر منه سطحه والباطن منه عمقه فلم يكن الشيء الواحد ظاهرا وباطنا وأيضا المفسرون قالوا أنه ظاهر بحسب الدلائل باطن بحسب أنه لا يدركه الحس ولا يصل إليه الخيال ولو كان جسما لما أمكن وصفه بأنه لا يدركه الحس ولا يصل إليه الخيال # قال الشيخ رحمه الله اعتقاد النفاة هو أنه لا داخل العالم ولا خارجه وأنه ليس فوق السموات رب ولا على العرش إله وإن محمدا صلى الله عليه وسلم لم يعرج به إلى الله وإنما عرج به إلى السموات فقط لا إلى الله وأن الملائكة لا تعرج إلى الله بل إلى ملكوته وأن الله لا ينزل منه شيء ولا يصعد إليه شيء وأمثال ذلك وأن كانوا يعبرون عن ذلك بعبارات مبتدعة فيها إجمال وإبهام وإيهام كقولهم ليس بمتحيز ولا جسم ولا جوهر ولا هو في جهة ولا مكان وأمثال هذه العبارات التي تفهم منها العامة تنزيه الرب تعالى عن النقائض # ولفظ الجسم فيه إجمال قد يراد به المركب الذي كانت أجزاؤه مفرقة فجمعت أو ما يقبل التفريق والانفصال أو المركب من مادة و صورة أو المركب من الأجزاء المفردة التي تسمى الجواهر الفردة والله تعالى منزه عن ذلك كله أو كان متفرقا فاجتمع أو أن يقبل التفريق والتجزئة التي هي مفارقة بعض الشيء بعضا وانفصاله عنه أو غير ذلك من التركيب الممتنع عليه وقد يراد بالجسم ما يشار إليه أو ما يرى أو ما تقوم به الصفات والله تعالى يرى في الآخرة وتقوم به الصفات ويشير إليه الناس عند الدعاء بأيديهم وقلوبهم ووجوههم وأعينهم فإن أراد بقوله ليس بجسم هذا المعنى قيل له هذا المعنى الذي قصدت نفيه بهذا اللفظ معنى ثابت بصحيح المنقول وصريح المعقول وأنت لم تقم دليلا على نفيه وأما اللفظ فبدعة نفيا وإثباتا فليس في الكتاب ولا السنة ولا قول أحد من سلف الأمة وأئمتها إطلاق لفظ الجسم في صفات الله تعالى لا نفيا ولا إثباتا وكذلك لفظ الجوهر والمتحيز ونحو ذلك من الألفاظ التي تنازع أهل الكلام المحدث فيها نفيا وإثباتا وإن قال كل ما يشار إليه ويرى وترفع إليه الأيدي فإنه لا يكون إلا جسما مركبا من الجواهر الفردة أو من المادة والصورة قيل له هذا محل نزاع فأكثر العقلاء ينفون ذلك وأنت لم تذكر على ذلك دليلا وهذا منتهى نظر النفاة فإن عامة ما عندهم أن ما تقوم به الصفات ويقوم به الكلام والإرادة والأفعال وما يمكن رؤيته بالإبصار لا يكون جسما مركبا من الجواهر الفردة أو من المادة والصورة وما يذكرونه من العبارة فإلى هذا يعود وقد تنوعت طرق أهل الإثبات في الرد عليهم فمنهم من سلم لهم أنه يقوم به الأمور الاختيارية من الأفعال وغيرها ولا يكون إلا جسما ونازعهم فيما يقوم به من الصفات التي يتعلق منها ششيء بالمشيئة والقدوة ومنهم من نازعهم في هذا وهذا وقال بل لا يكون هذا جسما ولا هذا جسما ومنهم من سلم لهم أنه جسم ونازعهم في كون القديم ليس بجسم # وقوله تعالى هو الظاهر ضمن معنى العالي كما قال ^ فما استطاعوا أن يظهروه ^ ويقال ظهر الخطيب على المنبر وظاهر الثوب أعلاه بخلاف بطانته وكذلك ظاهر البيت أعلاه وظاهر القول ما ظهر منه وبان وظاهر الإنسان خلاف باطنه فكلما علا الشيء ظهر ولهذا قال أنت الظاهر فليس فوقك شيء فأثبت الظهور وجعل موجب الظهور أنه ليس فوقه شيء ولم يقل ليس شيء أبين منك ولا أعرف وبهذا تبين خطأ من فسر الظاهر بأنه المعروف كما يقوله من يقول الظاهر بالدليل الباطن بالحجاب كما في كلام أبي الفرج وغيره فلم يذكر مراد الله ورسوله وإن كان الذي ذكره له معنى صحيح وقال أنت الباطن فليس دونك شيء فيهما معنى الإضافة لا بد أن يكون البطون والظهور لمن يظهر ويبطن وإن كان فيهما معنى التجلي والخفاء ومعنى آخر كالعلو في الظهور فإنه سبحانه لا يوصف بالسفول وقد بسطنا هذا في الإحاطة لكن إنما يظهر من الجهة العالية علينا فهو يظهر علما بالقلوب وقصدا له ومعاينة إذا رؤي يوم القيامة وهو باد عال ليس فوقه شيء ومن جهة أخرى يبطن فلا يقصد منها ولا يشهد وإن لم يكن شيء أدنى منه فإنه من ورائهم محيط فلا شيء دونه سبحانه # والرب تعالى لا يكون أعلى منه قط بل هو العلي إلا على ولا يزال هو العلى الأعلى مع أنه يقرب إلى عباده ويدنو منهم وينزل إلى حيث شاء ويأتي كما شاء وهو في ذلك العلي الأعلى الكبير المتعالي علي في دنوه قريب في علوه فهذا وإن لم يتصف به غيره فلعجز المخلوق أن يجمع بين هذا وهذا كما يعجز أن يكون هو الأول والآخر والظاهر والباطن ولهذا قيل لأبي سعيد الخراز بم عرفت الله قال بالجمع بين النقيضين وأراد أنه يجتمع له ما يتناقض في حق الخلق # ولو أراد مجرد الانكشاف والتجلي لنافى ذلك وصفه بالبطون لأن كون الشيء ظاهرا بمعنى كونه معلوما أو مشهودا ينافي كونه باطنا # وقد روى مسلم في صحيحه عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يقول أنت الأول فليس قبلك شيء وأنت الآخر فليس بعدك شيء وأنت الظاهر فليس فوقك شيء وأنت الباطن فليس دونك شيء اقض عني الدين واغنني من الفقر فأخبر بأنه ليس فوقه شيء في ظهوره وعلوه على الأشياء وأنه ليس دونه شيء فلا يكون أعظم بطونا منه حيث بطن في الجهة الأخرى من العباد إلى أن قال ومجموع الأسمين يدلان على الإحاطة والسعة # قال أبو عبد الله الرازي الحجة الثامنة قوله تعالى ^ ولا يحيكون به علما ^ وقوله ^ لا تدركه الأبصار ^ وذلك يدل على كونه تعالى منزها عن المقدار والشكل والصورة وإلا لكان الإدراك والعلم محيطين به وذلك على خلاف هذين النصين فإن قيل لم لا يجوز أن يقال أنه وإن كان جسما لكنه جسم كبير فلهذا المعنى لا يحيط به الإدراك والعلم قلنا لو كان الأمر كذلك لصح أن يقال بأن علوم الخلق وأبصارهم لا تحيط بالسموات ولا بالجبال ولا بالبحار ولا بالمفاوز فإن هذه الأشياء أجسام كبيرة والأبصار لا تحيط بأطرافها والعلوم لا تصل إلى تمام أجزائها ولو كان الأمر كذلك لما كان في تخصيص ذات الله تعالى بهذا الوصف فائدة # وأما احتجاج النفاة بقوله تعالى ^ لا تدركه الأبصار ^ فالآية حجة عليهم لا لهم لأن الإدراك أما أن يراد به مطلق الرؤية أو الروية المقيدة بالإحاطة والأول باطل لأنه ليس كل من رأى شيئا يقال إنه أدركه كما لا يقال أحاط به كما سئل ابن عباس رضي الله عنهما عن ذلك فقال ألست ترى السماء قال بلى قال أكلها ترى قال لا ومن رأى جوانب الجيش أو الجبل أو البستان أو المدينة لا يقال أنه أدركها وإنما يقال أدركها إذا أحاط بها رؤية ونحن في هذا المقام ليس علينا بيان ذلك وإنما ذكرنا هذا بيانا لسند المنع بل المستدل بالآية عليه أن يبين إن الإدراك في لغة العرب مرادف للرؤية وأن كل من رأى شيئا يقال في لغتهم إنه أدركه وهذا لا سبيل إليه كيف وبين لفظ الرؤية ولفظ الإدراك عموم وخصوص فقد تقع رؤية بلا إدراك وقد يقع إدراك بلا رؤية أو اشتراك لفظي فإن الإدراك يستعمل في إدراك العلم وإدراك القدرة فقد يدرك الشيء بالقدرة وإن لم يشاهده كالأعمى الذي طلب رجلا هاربا فأدركه ولم يره وقد قال تعالى ^ فلما تراءى الجمعان قال أصحاب موسى إنا لمدركون قال كلا إن معي ربي سيهدين ^ فنفى موسى الإدراك مع إثبات الترائي فعلم أنه قد يكون رؤية بلا إدراك والإدراك هنا هو إدراك القدرة إي ملحقون محاط بنا وإذا انتفى هذا الإدراك هنا هو إدراك القدرة إي ملحقون محاط بنا وإذا انتفى هذا الإدراك فقد تنتفي إحاطة البصر أيضا |
# وقد جاء حيث رواه ابن أبي حاتم قال حدثنا أبو زرعة ثنا منجاب بن الحارث أنبأ بشر بن عمارة عن أبي روق عن عطية العوفي عن أبي سعيد الخدري عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في قوله تعالى ^ لا تدركه الأبصار ^ قال لو أن الجن والإنس والشياطين والملائكة منذ خلقوا إلى أن فنوا صفوا صفا واحدا ما أحاطوا بالله أبدا وهذا له شواهد مثل ما في الصحاح في تفسير قوله تعالى ^ والأرض جميعا قبضته يوم القيامة والسموات مطويات بيمينه ^ قال ابن عباس ما السموات السبع والأرضون السبع ومن فيهن في كف الرحمن إلا كخردلة في يد أحدكم # ومما يبين ذلك أن الله تعالى ذكر هذه الآية يمدح بها نفسه سبحانه وتعالى ومعلوم أن كون الشيء لا يرى ليس صفة مدح لأن النفي المحض لا يكون مدحا إن لم يتضمن أمرا ثبوتيا لأن المعدوم أيضا لا يرى والمعدوم لا يمدح فعلم أن مجرد نفي الرؤية لا مدح فيه وإن كان المنفي هو الإدراك فهو سبحانه لا يحاط به رؤية كما لا يحاط به علما ولا يلزم من نفي إحاطة العلم والرؤية نفي الرؤية بل يكون ذلك دليلا على أنه يرى ولا يحاط به فإن تخصيص الإحاطة يقتضي أن مطلق الرؤية ليس بمنفي وهذا الجواب قول أكثرالعلماء من السلف وغيرهم وقد روي معناه عن ابن عباس رضي الله عنهما وغيره فلا تحتاج الآية إلى تخصيص ولا خروج عن ظاهر الآية فلا نحتاج أن نقول لا نراه في الدنيا أو نقول
^ لاتدركه الأبصار ^ بل المبصرون أو لا تدركه كلها بل بعضها ونحو ذلك من الإقوال التي فيها تكلف # قال أبو عبد الله الرازي الحجة التاسعة قوله تعالى ^ وإذا سألك عبادي عني فأني قريب أجيب دعوة الداعي إذا دعان فليستجيبوا لي وليؤمنوا بي لعلهم يرشدون ^ وسئل النبي صلى الله عليه وسلم أقريب ربنا فنناجيه فأنزل الله تعالى هذه الآية ولو كان الله تعالى في السماء أو في العرش لما صح القول بأنه تعالى قريب من عباده # قال الشيخ رحمه الله فصل في الجمع بين علو الرب عز وجل وبين قربه من داعيه وعابديه فنقول قد وصف الله نفسه في كتابه وعلى لسان رسوله بالعلو والاستواء على العرش والفوقية في كتابه في آيات كثيرة حتى قال بعض كبار أصحاب الشافعي في القرآن ألف دليل أو أزيد تدل على أن الله عال على الخلق وأنه فوق عباده وقال غيره فيه ثلاثمائة دليل تدل على ذلك مثل قوله ^ إن الذين عند ربك ^ ^ وله من في السموات والأرض ومن عنده ^ فلو كان المراد بأن معنى عنده في قدرته كما يقول الجهمية لكان الخلق كلهم في قدرته ومشيئته لم يكن فرق بين من في السموات ومن في الأرض ومن عنده كما أن الاستواء لو كان المراد به الإستيلاء لكان مستويا على جميع المخلوقات ولكان مستويا على العرش قبل أن يخلقه دائما # وقد افترق الناس في هذا المقام أربع فرق فالجهمية النفاة الذين يقولون ليس داخل العالم ولا خارج العالم ولا فوق ولا تحت لا يقولون بعلوه ولا بفوقيته بل الجميع عندهم متأول أو مفوض وجميع أهل البدع قد يتمسكون بنصوص كالخوارج والشيعة والقدرية والرافضة والمرجئة وغيرهم إلا الجهمية فإنهم ليس معهم عن الأنبياء كلمة واحدة توافق ما يقولونه من النفي وقسم ثان يقولون إنه بذاته في كل مكان كما يقوله النجارية وكثير من الجهمية عبادهم وصوفيتهم وعوامهم يقولون إنه عين وجود المخلوقات كما يقوله أهل الوحدة القائلون بأن الوجود واحد ومن يكون قوله مركبا من الحلول والاتحاد وجميع ما يحتجون به حجة عليهم فإن المعية أكثرها خاصة بأنبيائه وأوليائه وعندهم أنه في كل مكان والقسم الثالث من يقول أنه فوق العرش وهو في كل مكان ويقول أنا أقر بهذه النصوص وهذه لا أصرف واحدا فيها عن ظاهره وهذا قول طوائف ذكرهم الأشعري في المقالات الإسلامية وهو موجود في كلام طائفة من السالمية والصوفية لكنه غلط أيضا وأما القسم الرابع فهم سلف الأمة وأئمتها أئمة العلم والدين من شيوخ العلم والعبادة فانهم أثبتوا أن الله تعالى فوق سمواته وأنه على عرشه بائن من خلقه وهم منه بائنون وهو أيضا مع العباد عموما بعلمه ومع انبيائه وأوليائه بالنصر والتأييد والكفاية وهو أيضا قريب مجيب # ولهذا لما ذكر الله سبحانه قربه من داعيه وعابديه قال ^ وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان ^ فهنا هو نفسه سبحانه وتعالى القريب الذي يجيب دعوة الداعي لا الملائكة وكذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث المتفق على صحته أنكم لا تدعون أصم ولا غائبا وإنما تدعون سميعا قريبا إن الذي تدعونه أقرب إلى أحدكم من عنق راحلته وأما قرب الرب قربا يقوم به بفعله القائم بنفسه فهذا تنفيه الكلابية ومن يمنع قيام الأفعال الاختيارية بذاته وأما السلف وأئمة الحديث والسنة فلا يمنعون ذلك وكذلك كثير من أهل الكلام # قال أبو عبد الله الرازي الحجة العاشرة لو كان تعالى في جهة فوق لكان سماء ولو كان سماء لكان مخلوقا لنفسه وذلك محال فكونه في جهة فوق محال وإنما قلنا أنه تعالى لو كان في جهة فوق لكان سماء لوجهين الأول أن السماء مشتق من السمو وكل شيء سماك فهو سماء فهذا هو الاشتقاق الأصلي اللغوي وعرف القرآن أيضا متقرر عليه بدليل أنهم ذكروا في تفسير قوله تعالى ^ وننزل من السماء من جبال فيها من برد ^ أنه السحاب قالوا وتسمية السحاب بالسماء جائز لأنه حصل فيها معنى السمو وذكروا أيضا في تفسير قوله تعالى ^ وأنزلنا من السماء ماء طهورا ^ أنه من السحاب فثبت أن الاشتقاق اللغوي والعرف القرآني متطابقان على تسمية كل ما كان موصوفا بالسمو والعلو سماء الثاني أنه تعالى لو كان فوق العرش لكان من جلس في العرش ونظر إلى فوق لم ير إلا نهاية ذات الله تعالى فكانت نسبة نهاية السطح الأخير من ذات الله تعالى إلى سكان العرش كنسبة السطح الأخير من السموات إلى سكان الأرض وذلك يقتضي القطع بأنه لو كان فوق العرش لكان ذاته كالسماء لسكان العرش فثبت أنه تعالى لو كان مختصا بجهة فوق لكان ذاته سماء # وإنما قلنا أنه لو كان ذاته مخلوقا لقوله تعالى ^ تنزيلا ممن خلق الأرض والسموات العلى ^ ولفظة السموات لفظة جمع مقرونة بالألف واللام وهذا يقتضي كون كل السموات مخلوقة لله تعالى وكذلك قوله تعالى ^ أن ربكم الله الذي خلق السموات والأرض في ستة أيام ^ يدل على ما ذكرناه فثبت أنه تعالى لو كان مختصا بجهة فوق لكان سماء ولو كان سماء لكان مخلوقا لنفسه وهذا محال فوجب أن لا يكون مختصا بجهة فوق # فإن قيل لفظ السماء مختص في العرف بهذه الأجرام المستديرة وأيضا فهب إن هذا اللفظ في أصل الوضع يتناول ذات الله تعالى إلا أن تخصيص العموم جائز قلنا أما الجواب عن الأول فهو أن هذا الفرق ممنوع وكيف لا نقول ذلك وقد دللنا على أن بتقدير أن يكون الله تعالى مختصا بجهة فوق فإن نسبة ذاته تعالى إلى سكان العرش كنسبة السماء إلى سكان الأرض فوجب القطع بأنه لو كان مختصا بجهة فوق لكان سماء وأما الجواب عن الثاني فهو أن تخصيص العموم إنما يصار إليه عند الضرورة فلو قام دليل قاطع عقلي على كونه تعالى مختصا بجهة فوق لزمنا المصير إلى التخصيص أما ما لم يقم شيء من الدلائل على ذلك بل قامت القواطع العقلية على امتناع كونه تعالى في الجهة فلم يكن بنا إلى التزام هذا التخصيص ضرورة فسقط هذا الكلام # قال الشيخ في قوله ^ أأمنتم من في السماء أن يخسف بكم الأرض فإذا هي تمور ^ من توهم أن مقتضى هذه الآية أن يكون الله في داخل السموات فهو جاهل ضال بالاتفاق وإن كنا إذا قلنا أن الشمس والقمر في السماء يقتضي ذلك فإن حرف في متعلق بما قبله وبما بعده فهو بحسب المضاف إليه ولهذا يفرق بين كون الشيء في المكان وكون الجسم في الحيز وكون العرض في الجسم وكون الوجه في المرآة وكون الكلام في الورق فإن لكل نوع من هذه الأنواع خاصة يتميز بها عن غيره وإن كان حرف في مستعملا في ذلك فلو قال قائل العرش في السماء أو في الأرض لقيل في السماء ولو قيل الجنة في السماء أم في الأرض لقيل الجنة في السماء ولا يلزم من ذلك أن يكون العرش داخل السموات بل ولا الجنة فقد ثبت في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال إذا سألتم الله الجنة فاسألوه الفردوس فأنه أعلى الجنة وأوسط الجنة وسقفها عرش الرحمن فهذه الجنة سقفها الذي هو العرش فوق الأفلاك مع أن الجنة في السماء يراد به العلو سواء كان فوق الأفلاك أو تحتها قال تعالى ^ فليمدد بسبب إلى السماء ^ وقال تعالى ^ وأنزلنا من السماء ماء طهورا ^ # ولما كان قد استقر في نفوس المخاطبين أن الله هو العلي الأعلى وأنه فوق كل شيء كان المفهوم من قوله أنه في السماء أنه في العلو وأنه فوق كل شيء وكذلك الجارية لما قال لها أين الله قالت في السماء إنما أرادت العلو مع عدم تخصيصه بالأجسام المخلوقة وحلوله فيها وإذا قيل العلو فإنه يتناول ما فوق المخلوقات كلها فما فوقها كلها هو في السماء ولا يقتضي هذا أن يكون هناك ظرف وجودي يحيط به إذ ليس فوق العالم شيء موجود إلا الله كما لو قيل العرش في السماء فإنه خلا يقتضي أن يكون العرش في شيء آخر موجود مخلوق وإن قدر أن السماء المراد بها الأفلاك كان المراد أنه عليها كما قال ^ ولأصلبنكم في جذوع النخل ^ وكما قال ^ فسيروا في الأرض ^ وكما قال فسيحوا في الأرض ^ ويقال فلان في الجبل وفي السطح وأن كان على أعلى شيء فيه # ثم من توهم أن كون الله في السماء بمعنى أن السماء تحيط به وتحويه فهو كاذب إن نقله عن غيره وضال أن اعتقده في ربه وما سمعنا أحدا يفهمه من اللفظ ولا رأينا أحدا نقله عن واحد ولو سئل سائر المسلمين هل يفهمون من قوله سبحانه ورسوله أن الله في السماء إن السماء تحويه لبادر كل أحد منهم إلى أن يقول هذا شيء لعله لم يخطر ببالنا وإذا كان الأمر هكذا فمن التكلف أن يجعل ظاهر اللفظ شيئا محالا لا يفهمه الناس منه ثم يريد أن يتأوله بل عند المسلمين أن الله في اسماء و هو على العرش واحد إذ السماء إنما يراد به العلو فالمعنى أن الله في العلو لا في السفل وقد علم المسلمون أن كرسيه سبحانه وتعالى وسع السموات والأرض وإن الكرسي في العرش كحلقة ملقاة بأرض فلاة وإن العرش خلق من مخلوقات الله لا نسبة له إلى قدرة الله وعظمته فكيف يتوهم بعد هذا أن خلقا يحصره ويحويه # وما في الكتاب والسنة من قوله ^ أأنتم من في السماء ^ ونحو ذلك قد يفهم منه بعضهم أن السماء هي نفس المخلوق العالي العرش فما دونه فيقولون قوله ^ في السماء ^ بمعنى على السماء كما قال ^ ولأصلبنكم في جذع النخل ^ أي على جذوع النخل وكما قال ^ فسيروا في الأرض ^ أي على الأرض ولا حاجة إلى هذا بل السماء اسم جنس للعالي لا يخص شيئا فقوله في السماء أي في العلو دون السفل وهو العلي الأعلى فله أعلى العلو وهو ما فوق العرش وليس هناك غيره العلي الأعلى سبحانه وتعالى # وقد قدمنا فيما مضى أن لفظ الجهة يراد به أمر موجود وأمر معدوم فمن قال أنه فوق العالم كله لم يقل أنه في جهة موجودة إلا أن يراد بالجهة العرش ويراد بكونه فيها أنه عليها كما قيل في قوله أنه في السماء أي على السماء وعلى هذا التقدير فإذا كان فوق الموجودات كلها وهو غني عنها لم يكن عنده جهة وجودية يكون فيها فضلا عن أن يحتاج إليها وإن أريد بالجهة ما فوق العالم فذاك ليس بشيء ولا هو أمر وجودي حتى يقال أنه محتاج إليه أو غير محتاج إليه # ومن عرف نهايات أقدام المتفلسفة والمتكلمين في هذا الباب عرف أن غالب ما يزعمونه برهانا هو شبهة ورأى إن غالب ما يعتمدونه يؤول إلى دعوى لا حقيقة لها أو شبهة مركبة من قياس فاسد أو قضية كلية لا تقع إلا جزئية أو دعوى إجماع لا حقيقة له أو التمسك في المذهب والدليل بالألفاظ المشتركة ثم أن ذلك إذا ركب بالفاظ كثيرة طويلة غريبة عمن لم يعرف اصطلاحهم أوهمت الغر ما يوهمه السراب للعطشان # قال أبو عبد الله الرازي الحجة الحادية عشرة قوله تعالى ^ قل لمن ما في السموات والأرض قل لله ^ وهذا مشعر بأن المكان وكل ما فيه ملك لله تعالى وقوله ^ وله ما سكن في الليل والنهار ^ وذلك يدل على أن الزمان وكل ما فيه ملك لله تعالى ومجموع الآيتين يدلان على أن المكان والمكانيات والزمان والزمانيات كلها ملك لله تعالى وذلك يدل على تنزيهه عن المكان والزمان وهذا الوجه ذكره أبو مسلم الاصفهاني رحمه الله تعالى في تفسيره وأعلم أن في تقديم ذكر المكان على ذكر الزمان سرا شريفا وحكمة عالية # قال الشيخ رحمه الله الزمان قد يراد به الليل والنهار كما يراد بالمكان السموات والأرض وهذا هو الذي يعنيه طوائف منهم الرازي في كتابه هذا # والمكان المشهور المعروف هو الأعيان المشهودة وما يقوم بها سواء قيل أن المكان هو نفس الأجسام التي يكون الشيء عليها أو فيها أو قيل إن المكان هو السطح الباطن من الجسم الحاوي الملاصق للسطح الظاهر للجسم المحوي وأما الزمان المعروف فأنه تابع للجسم سواء قيل أنه تقدير الحركة أو مقارنة حادث لحادث أو مرور الليل والنهار قال الله تعالى في كتابه ^ الحمد لله الذي خلق السموات والأرض وجعل الظلمات والنور ^ وقال ^ إن في خلق السموات والأرض واختلاف الليل والنهار ^ لا نزاع بين أهل الملل أن الله سبحانه كان قبل أن يخلق هذه الأمكنة والأزمنة وأن وجوده لا يجب أن يقارن وجود هذه الأمكنة والأزمنة كما تقدم بيان ذلك # ولا ريب أن كل تقدم يوصف به المخلوق على غيره فالباري يوصف به وزيادة أخرى وهذا من باب قياس الأولى فإن التقدم على الغير من صفات الكمال كالعلو وكل علو يثبت للمخلوق فهو به أحق وكل تقدم يثبت للمخلوق فهو به أحق فإذا كان الأولون متقدمين على الآخرين تقدما معلوما بمقارنة ذلك الزمان فالرب أيضا متقدم على هؤلاء تقدما معلوما بمقارنة ذلك الزمان فهو موجود مع طلوع الشمس وغروبها كما أن غيره موجود مع ذلك ووجوده أكمل فمقارنته له أكمل وليس في ذلك ما يقتضي أنه محتاج إلى الزمان بل بينا أن مقارنة المخلوق للزمان لا توجب حاجة المخلوق إليه فالخالق أولى أن يكون محتاجا إلى الزمان إذا كان الزمان قد قارن وجوده حين وجود الزمان # يبين هذا أن المقارنة يدل عليها لفظ مع فيكون الله مع خلقه عموما أو خصوصا مما أجمع عليه المسلمون ودل عليه القرآن في غير موضع فهو مع كل شيء معية عامة وخاصة فلماذا يمتنع أن يكون مع الزمان والمكان على الوجه الذي يليق به وذلك أمر واجب لا محالة # ولا نزاع بين من يقول بحدوث العالم أو بقدمه ووجوبه عنه في أن العالم مفتقر إليه محتاج إليه وأنه متقدم عليه بالمرتبة والعلية والذات # ومن يقول أنه في كل مكان أو يقول إنه مقارن للوجود فكلا القولين في الحقيقة يوجب افتقاره إلى المخلوقات ويمنع أن يكون واجب الوجود وإن أصحاب هذه الأقوال وإن قالوا مع ذلك هو مباين للعالم وفوقه أو قالوا هو قبل العالم ومتقدم عليه فلا حقيقة لكلامهم وقولهم صريح في معنى ذلك والتكذيب به ومن قال منهم ليس بداخل العالم ولا بخارجه فهو كمن قال لا قبل العالم ولا معه وكل من هؤلاء ينازع في أنه إله العالم المعبود لا يثبتون حقيقة ربوبيته ولا حقيقة إلهيته بل هم مشركون به وجاحدون ومعطلون وإن كان جهمية المتفلسفة أشد إشراكا وجحودا من جهمية المتكلمين # وقال في سياق حديث الجارية المعروف أين الله قالت في السماء ليس معنى ذلك أن الله في جوف السماء وقد قال مالك بن أنس إن الله فوق السماء وعلمه في كل مكان إلى أن قال فمن أعتقد أن الله في جوف السماء محصور محاط به وإنه مفتقر إلى العرش أو غير العرش من المخلوقات أو أن استواءه على عرشه كاستواء المخلوق على كرسيه فهو ضال مبتدع جاهل ومن اعتقد أنه ليس فوق السموات إله يعبد ولا على العرش رب يصلى له ويسجد وأن محمدا لم يعرج به إلى ربه ولا نزل القرآن من عنده فهو معطل فرعوني ضال مبتدع # وهؤلاء قد يقولون كان ولا مكان ولا زمان وهو الآن على ما عليه كان وهذه الزيادة الالحادية وهو قولهم وهو الآن على ما عليه كان قصد بها المتكلمة المتجهمة نفي الصفات التي وصف بها نفسه من استوائه على العرش ونزوله إلى السماء الدنيا وغير ذلك فقالوا كان في الأزل ليس مستويا على العرش وهو الآن على ما عليه كان فلا يكون على العرش لما يقتضي ذلك من التحول والتغير # وقول الرازي واعلم إن في تقديم ذكر الزمان سرا شريفا وحكمة عالية يشير إلى أنه سببه فإن الزمان يفتقر إلى الحركة والحركة هي سبب الزمان وإن كانت مقارنة له # قال أبو عبد الله الرازي الحجة الثانية عشرة قوله تعالى ^ ويحمل عرش ربك فوقهم يومئذ ثمانية ^ ولو كان الخالق في العرش لكان حامل العرش حاملا لمن في العرش فيلزم احتياج الخالق إلى المخلوق ويقرب منه قوله تعالى ^ الذين يحملون العرش ^ |
# قال الشيخ رحمه الله
فصل # للناس في أن الله فوق العرش والعالم قولان مشهوران لعامة الطوائف من المتكلمين وأهل الحديث والصوفية والفقهاء من أصحاب أبي حنيفة ومالك والشافعي وأحمد وغيرهم أحدهما أنه مجرد نسبة وإضافة بين المخلوقات والخالق وبين العرش والرب تجددت بخلقه للعرش من غير أن يكون هو في نفسه تحرك أو تصرف بنفسه شيئا وهذا قول من يقول يمتنع حلول الحوادث بذاته وتمتنع الحركة عليه والقول الثاني هو المشهور عن السلف وأئمة الحديث وكثير من أهل الكلام والفقهاء والصوفية من الطوائف الأربعة وغيرهم أنه استوى عليه بعد خلق السموات والأرض كما دل عليه القرآن فيكون قد استوى عليه بعد أن لم يكن مستويا عليه وكذلك استواؤه إلى السماء ومجيؤه وإتيانه كما وردت بذلك النصوص المتواترة الصحيحة وعلى هذا التقدير فليس في ذلك انقلاب لذاته بل قد ذكر أنه ليس في الأدلة العقلية ما يحيل ذلك فصل للناس في حملة العرش قولان # أحدهما أن حملة العرش يحملون العرش ولا يحملون من فوقه # والثاني أنهم يحملون العرش ومن فوقه كما تقدم حكاية القولين فيذكر ما يقوله الفريقان في جواب هذه الحجة فإنهم ينازعونه في المقدمتين جميعا # فيقال من جهة الأولين لا نسلم أن من حمل العرش يجب أن يحمل ما فوقه إلا أن يكون ما فوقه معتمدا عليه وإلا فالهواء والطير وغير ذلك مما هو فوق السقف ليس محمولا لما يحمل السقف وكذلك السموات فوق الأرض وليست الأرض حاملة السموات وكل سماء فوقها سماء وليست السفلى حاملة للعليا فإذا لم يجب في المخلوقات أن يكون الشيء حاملا لما فوقه بل قد يكون وقد لا يكون لم يلزم أن يكون العرش حاملا للرب تعالى إلا بحجة تبين ذلك وإذا لم يكن العرش حاملا لم يكن حملة العرش حاملة لما فوقه بطريق الأولى # الوجه الثاني أن الطائفة الأخرى تمنع المقدمة الثانية فيقولون لا نسلم أن العرش وحملته إذا كانوا حاملين لله لزم أن يكون الله محتاجا إليهم فإن الله هو الذي يخلقهم ويخلق قواهم وأفعالهم فلا يحملونه إلا بقدرته ومعونته كما لا يفعلون شيئا من الأفعال إلا بذلك فلا يحمل في الحقيقة نفسه إلا نفسه كما أنه سبحانه إذا دعاه عباده فأجابهم وهو سبحانه الذي خلقهم وخلق دعاءهم وأفعالهم فهو المجيب لما خلقه وأعان عليه من الأفعال وكذلك إذا فرح بتوبة التائب من عباده أو غضب من معاصيهم وغير ذلك مما فيه إثبات نوع تحول عن أفعال عباده فإن هذا يقوله كثير من أهل الكلام مع موافقة جمهور أهل الحديث وغيرهم فيه مقامان مشكلان أحدهما مسألة حلول الحوادث والثانية تأثير المخلوق فيه وجواب المسألة الأولى مذكور في غير هذا الموضع وجواب السؤال الثاني أنه لا خالق ولا بارئ ولا مصور ولا مدبر لأمر الأرض والسماء إلا هو فلا حول ولا قوة إلا به وكل ما في عباده من حول وقوة فبه هو سبحانه فيعود الأمر إلى أنه هو المتصرف بنفسه سيحانه وتعالى الغني عما سواه # وهؤلاء يقولون هذا الذي ذكرناه أكمل في صفة الغني عما سواه والقدرة على كل شيء مما يقوله النفاة فإن أولئك يقولون لا يقدر أن يتصرف بنفسه ولا يقدر أن ينزل ولا يصعد ولا يأتي ولا يجيء ولا يقدر أن يخلق في عباده قوة يحملون بها عرشه الذي هو عليه ويكونون إنما حملوه وهو فوق عرشه بقوته وقدرته من كونه لا يقدر على مثل ذلك ولا يمكنه أن يقيم نفسه إلا بنفسه كما أنه سبحانه إذا خلق الأسباب وخلق بها أمورا أخرى ودبر أمر السموات والأرض كان ذلك أكمل وأبلغ في الاقتدار من أن يخلق الشيء وحده بغير خلق قوة أخرى من غيره يخلقه بها فإن من يقدر على خلق القوى في المخلوقات أبلغ ممن لا يقدر على ذلك ولهذا كان خلقه للحيوان ولما فيه من القوى والإدراك والحركات من أعظم الآيات الدالة على قدرته وقوته قال الله تعالى ^ إن الله هو الرزاق ذو القوة المتين ^ # قال عثمان بن سعيد الدرامي في نقضه على المريسي وصاحبه وأعجب من هذا كله قياسك الله بقياس العرش ومقداره ووزنه من صغير أو كبير وزعمت كالصبيان العميان إن الله أكبر من العرش أو أصغر منه أو مثله فإن كان الله أصغر فقد صيرتم العرش أعظم منه وإن كان أكبر من العرش فقد ادعيتم فيه فضلا عن العرش وإن كان مثله إذا ضم إلى العرش السموات والأرض كانت أكبر مع خرافات تكلم بها وترهات يلعب بها وضلالات يضل بها لو كان من يعمل لله لقطع قشرة لسانه والخيبة لقوم هذا فقيههم والمنظور إليه مع التمييز كله وهذا النظر وكل هذه الجهالات والضلالات # فيقال لهذا البقباق النفاج إن الله أعظم من كل شيء وأكبر من كل خلق ولم يحمله العرش عظما ولا قوة ولا حملة العرش حملوه بقوتهم ولا استقلوا بعرشه ولكنهم حملوه بقدرته # وقد بلغنا أنهم حين حملوا العرش وفوقه الجبار في عزته وبهائه ضعفوا عن حمله واستكانوا وجثوا على ركبهم حتى لقنوا لا حول ولا قوة إلا بالله فاستقلوا به بقدرة الله وإرادته ولولا ذلك ما استقل به العرش ولا الحملة ولا السموات ولا الأرض ولا من فيهن ولو قد شاء لاستقر على ظهر بعوضة فاستقلت به بقدرته ولطف ربوبيته فكيف على عرش عظيم أكبر من السموات والأرض وكيف تنكر أيها النفاج أن عرشه يقله والعرش أكبر من السموات السبع والأرضين السبع ولو كان العرش في السموات والارضين ما وسعته ولكنه فوق السماء السابعة # فكيف تنكر هذا وأنت تزعم أن الله في الأرض في جميع أمكنتها والأرض دون العرش في العظمة والسعة فكيف تقله الأرض في دعواك ولا يقله العرش الذي هو أعظم منها وأوسع وادخل هذا القياس الذي أدخلت علينا في عظم تاعرش وصغره وكبره على نفسك وعلى أصحابك في الأرض وصغرها حتى تستدل على جهلك وتفطن لما يورد عليك حصائد لسانك فأنك لا تحتج بشيء إلا هو راجع عليك وآخذ بحلقك # وقد حدثنا عبد الله بن صالح قال حدثني معاوية بن صالح قال أول ما خلق الله حين كان عرشه على الماء حملة عرشه فقالوا ربنا لما خلقتنا فقال خلقتكم لحمل عرشي قالوا ربنا ومن يقوى على حمل عرشك وعليه عظمتك وجلالك ووقارك فيقول لهم إني خلقتكم لذلك قال قالوا ربنا ومن يقوى على حمل عرشك وعليه عظمتك وجلالك ووقارك قال فقال خلقتكم لحمل عرشي قال فيقولون ذلك مرارا قال فقال لهم قولوا لا حول ولا قوة إلا بالله فيحملكم والعرش قوة الله # قال أفلا تدري أيها المعارض أن حملة العرش لم يحملوا العرش ومن عليه بقوتهم وبشدة أسرهم إلا بقوة الله وتأييده # وقال في كتابه حدثني محمد بن بشار بندار حدثنا وهب بن جرير حدثنا أبي قال سمعت محمد بن إسحاق يحدث عن يعقوب بن عتبة وعن جبير بن محمد بن جبير بن مطعم عن أبيه عن جده قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن الله فوق عرشه فوق سمواته فوق أرضه مثل القبة وأشار النبي صلى الله عليه وسلم بيده مثل القبة وأنه ليئط به أطيط الرحل بالراكب # وهذا الحديث قد رواه الإمام أحمد في كتاب الرد على الجهمية عن عدة مشايخ منهم ابن بشار قال فيه عن جبير بن محمد بن جبير بن مطعم عن أبيه عن جده قال أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم إعرابي فقال يا رسول الله جهدت الأنفس وضاعت العيال ونهكت الأموال وهلكت الأنعام فاستسق الله لنا فإنا نستشفع بك على الله ونستشفع بالله عليك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إنه لا يستشفع بالله على أحد خلقه شأن الله أعظم من ذلك ويحك أتدري ما الله إن عرشه على سمواته لهكذا وقال بأصابعه مثل القبة عليه وإنه ليئط به أطيط الرحل بالراكب قال ابن بشار في حديثه إن الله فوق عرشه وعرشه فوق سمواته وساق الحديث وقوله في الحديث إن الله لا يستشفع به على أحد من خلقه أي الله هو الذي يفعل لا يشفع إلى غيره في أن يفعل وهذا كما يقوله الشعراء مخاطبا للنبي صلى الله عليه وسلم % شفيعي إليك الله لا شيء غيره % # وهذا الحديث قد يطعن فيه بعض المشتغلين بالحديث انتصارا للجهمية وإن كان لا يفقه حقيقة قولهم وما فيه من التعطيل أو استبشاعا لما فيه من ذكر الأطيط كما فعل أبو القاسم المؤرخ ويحتجون بأنه تفرد به محمد بن إسحاق عن يعقوب بن عتبة عن جبير ثم يقول بعضهم ولم يقل ابن إسحاق حدثني فيتحمل أن يكون منقطعا وبعضهم يتعلل بكلام بعضهم في ابن إسحاق مع إن هذا الحديث وأمثاله وفيما يشبهه في اللفظ والمعنى لم يزل متداولا بين أهل العلم خالقا عن سالف ولم يزل سلف الأمة وأئمتها يروون ذلك رواية مصدق به راد به على من خالفه من الجهمية متلقين لذلك بالقبول حتى قد رواه الإمام أبو بكر محمد بن إسحاق بن خزيمة في كتابه في التوحيد الذي اشترط فيه أنه لا يحتج فيه إلا بأحاديث الثقاة المتصلة الإسناد رواه عن بندار كما رواه الدرامي وأبو داود سواء وكذلك رواه عن أبي موسى محمد بن المثنى بهذا الإسناد مثله سواء فقال حدثنا محمد بن بشار حدثنا وهب يعني ابن جرير ثنا أبي سمعت محمد بن إسحاق يحدث عن يعقوب بن عتبة وعن جبير بن محمد بن جبير بن مطعم عن أبيه عن جده قال أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم أعرابي فقال يا رسول الله جهدت الأنفس وجاعت العيال ونهكت الأموال وهلكت الأنعام فاستسق لنا فإنا نستشفع بك على الله ونستشفع بالله عليك فقال رسول الله ويحك أتدري ما تقول فسبح رسول الله صلى الله عليه وسلم فما زال يسبح حتى عرف ذلك في وجوه أصحابه ثم قال ويحك إنه لا يستشفع بالله على أحد من جميع خلقه شأن الله أعظم من ذلك ويحك أتدري ما الله إن الله على عرشه وعرشه على سمواته وسمواته على أرضه هكذا وقال بأصابعه مثل القبة وأنه ليئط به أطيط الرحل بالراكب قال ابن خزيمة قرئ على أبي موسى وأنا أسمع أن وهبا حدثهم بهذا الإسناد مثله سواء # وممن أحتج به الحافظ أبو محمد بن حزم في مسألة استدارة الأفلاك مع أن أبا محمد هذا من أعلم الناس لا يقلد غيره ولا يحتج إلا بما تثبت عنده صحته وليس هذا الموضوع # وهؤلاء يحتجون في معارضة ذلك من الحديث بما أوهى عند أهله من الرأي السخيف الفاسد الذي يحتج به قياسو الجهمية كاحتجاج أبي القاسم المؤرخ في حديث أملاه في التنزيه بحديث أسنده عن عوسجة وهذا الحديث مما يعلم صبيان أهل الحديث أنه كذب مختلق وأنه مفترى وأنه لم يروه قط عالم من علماء المسلمين المقتدى بهم في الحديث ولا دونوه في شيء من دواوين الإسلام ولا يستجيز أهل العلم والعدل منهم أن يورد مثل ذلك إلا على بيان أنه كذب كما ثبت في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال من حدث عني بحديث وهو يرى أنه كذب فهو أحد الكذابين فمن رد تلك الأحاديث المتلقاة بالقبول واحتج في نقضها بمثل هذه الموضوعات فإنما سلك سبيل من لا عقل له ولا دين وإن كان في ذلك ممن يتبع الظن وما تهوى الأنفس وهو من المقلدين لقوم لا علم لهم بحقيقة حالهم كما قال تعالى ^ وما تفرقوا إلا من بعد ما جاءهم العلم بغيا بينهم ولولا كلمة سبقت من ربك إلى أجل مسمى لقضي بينهم وإن الذين أورثوا الكتاب من بعدهم لفي شك منه مريب ^ # وروى أيضا عثمان بن سعيد قال حدثنا عبد الله بن رجاء حدثنا إسرائيل عن أبي إسحاق عن عبد الله بن خليفة قال أتت امرأة إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت ادع الله أن يدخلني الجنة فعظم الرب وقال إن كرسيه وسع السموات والأرض وانه ليقد عليه فما يفضل منه إلا قدر أربع أصابع ومد أصابعه الأربعة وإن له أطيطا كأطيط الرحل الجديد إذا ركبه من يثقله # وقال أيضا موسى بن إسماعيل حدثنا حماد وهو ابن سلمة عن الزبير بن عبد السلام عن أيوب بن عبد الله الفهري أن ابن مسعود قال إن ربكم ليس عنده ليل ولا نهار نور السموات من نور وجهه وإن مقدار كل يوم من أيامكم عنده ثنتا عشرة ساعة فتعرض عليه أعمالكم بالأمس أول النهار اليوم فينظر فيها ثلاث ساعات فيطلع فيها على ما يكره فيغضبه ذلك فأول من يعلم بغضبه الذين يحملون العرش يجدونه يثقل عليهم الذين يحملون العرش وسرادقات العرش والملائكة # وأصحاب هذا القول قد يستشهدون بما روي عن طائفة في تفسير قوله تعالى ^ تكاد السموات يتفطرن من فوقهن ^ # قال عثمان بن سعيد في رده على الجهمية حدثنا عبد الله بن صالح المصري قال حدثني الليث وهو ابن سعد حدثني خالد بن يزيد عن سعيد بن أبي هلال أن زيد بن أسلم حدثه عن عطاء بن يسار قال أتى رجل كعبا وهو في نفر فقال يا أبا إسحاق حدثني عن الجبار فأعظم القوم قوله فقال كعب دعوا الرجل فإن كان جاهلا يعلم وإن كان عالما إزداد علما قال كعب أخبرك أن الله خلق سبع سموات ومن الأرض مثلهن ثم جعل ما بين كل سمائين كما بين السماء الدنيا والأرض وكثفهن مثل ذلك ثم رفع العرش فاستوى عليه فما في السموات سماء إلا لها أطيط كأطيط العلا في أول ما يرتحل من ثقل الجبار فوقهن وهذا الأثر وإن كان هو رواية كعب فيحتمل أن يكون من علوم أهل الكتاب ويحتمل أن يكون مما تلقاه عن الصحابة ورواية أهل الكتاب التي ليس عندنا شاهد هو لا يدافعها ولا يصدقها ولا يكذبها فهؤلاء الأئمة المذكورة في إسناده هم من أجل الأئمة وقد حدثوا به هم وغيرهم ولم ينكروا ما فيه من قوله من ثقل الجبار فوقهن فلو كان هذا القول منكرا في دين الإسلام عندهم لم يحدثوا به على هذا الوجه # وقد ذكر ذلك القاضي أبو يعلى الأزجي فيما خرجه من أحاديث الصفات وقد ذكره من طريق السنة عبد الله بن أحمد بن حنبل حدثني أبي حدثني أبو المغيرة حدثنا عبدة بنت خالد بن معدان عن أبيها خالد بن معدان أنه كان يقول إن الرحمن سبحانه ليثقل على حملة العرش من أول النهار إذا قام المشركون حتى إذا قام المسبحون خفف عن حملة العرش # قال القاضي وذكر أبو بكر بن أبي خيثمة في تاريخه بإسناده حدثنا عن ابن مسعود وذكر فيه فإن مقدار كل يوم من أيامكم عنده اثنتا عشرة ساعة فتعرض عليه أعمالكم بالأمس أول النهار اليوم فينظر فيه ثلاث ساعات فيطلع منها على ما يكره فيغضبه ذلك فأول من يعلم بغضبه الذي يحملون العرش يجدونه يثقل عليهم فيسبحه الذين يحملون العرش وذكر الخبر القاضي فقال أعلم أنه غير ممتنع حمل الخبر على ظاهره وأن ثقله يحصل بذات الرحمن إذ ليس في ذلك ما يحيل صفاته قال على طريقته في مثل ذلك لأنا لا نثبت ثقلا من جهة المماسة والاعتماد والوزن لأن ذلك من صفات الأجسام ويتعالى عن ذلك وإنما نثبت ذلك لذاته لا على وجه المماسة كما قال الجميع أنه عال على الأشياء لا على وجه التغطية لها وإن كان في حكم الشاهد بأن العالي على الشيء يوجب تغطيته # قال وقيل أنه تتجدد له صفة يثقل بها على العرش ويزول في حال كما تتجدد له صفة الإدراك عند خلق المدركات وتزول عند عدم المدركات # قال القاضي قيل هذا غلط لأن الهيبة والتعظيم مصاحب لهم في جميع أحوالهم ولا يجوز مفارقتها لهم ولهذا قال سبحانه ^ يسبحون الليل والنهار لا يفترون ^ وما ذكره من قول القائل الحق ثقيل وكلام فلان ثقيل فإنما لم يحمل على ثقل ذات لأنها معاني والمعاني لا توصف بالثقل والخفة وليس كذلك هنا لأن الذات ليست معاني ولا أعراض فجاز وصفها بالثقل وأما قوله تعالى ^ إنا سنلقي عليك قولا ثقيلا ^ فقد فسره أهل النقل أن المراد به ثقل الحكم ولأن الكلام ليس بذات # قال فإن قيل يحمل على إنه يخلق في العرش ثقلا على كواهلهم وجعل لذلك إمارة لهم في بعض الأحوال إذا قام المشركون قيل هذا غلط لأنه يفضي أن يثقل عليهم بكفر المشركين ويخفف عنهم بطاعة المطيعين وهذا لا يجوز لما فيه من المواخذ بفعل الغير وليس كذلك إذا حملناه على ثقل الذات لأنه لا يفضي إلى ذلك لأن ثقل ذاته عليهم تكليف لهم وله أن يثقل عليهم في التكليف ويخفف # قلت المقصود هنا التنبيه على أصل كلام الناس في ذلك # وأما الكلام في الخفة والثقل ونحو ذلك فربما نتكلم عليه إن شاء الله في موضعه فإن طوائف من المتفلسفة يقولون السموات ليست خفيفة ولا ثقيلة قالوا لأن الجسم الثقيل هو الذي يتحرك إلى أسفل وهو الوسط والخفيف هو الذي يتحرك إلى فوق من الوسط والأفلاك مستديرة لا تتحرك إلى فوق ولا إلى أسفل لذلك لم نصفها بثقل ولا خفة كما لم يصفوها بشيء من الطبائع الأربعة وهذا النزاع قد يكون لفظيا وقد يكون معنويا إذا اصطلحوا على أنهم لا يسمون خفيفا ولا ثقيلا إلا ما هو كذلك فهو نزاع لفظي وأما النزاع في كون أجسام السموات يمكن صعودها وانخفاضها إلا أن الله يمسكها بقدرته كما قال ^ إن الله يمسك السموات والأرض أن تزولا ^ وقال ^ ومن آياته أن تقوم السماء والأرض بأمره ^ فهذا نزاع معنوي وقد ثبت في صحيح مسلم من حديث كريب عن ابن عباس عن جويرية بنت الحارث أم المؤمنين أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج من عندها بكرة حين صلى الصبح وهي في مسجدها ثم رجع بعد أن أضحى وهي جالسة فقال ما زلت على الحال الذي فارقتك عليها قالت نعم فقال النبي صلى الله عليه وسلم لقد قلت بعدك أربع كلمات ثلاث مرات لو وزنت بما قلت منذ اليوم لوزنهن سبحان الله وبحمده عدد خلقه ورضى نفسه وزنة عرشه ومداد كلماته فالمقصود بالحديث نهاية ما يمكن من المعدود وغاية ما يمكن من القول والمحبوب هو كلام الرب ورضاه وذكر عدد خلقه وزنة عرشه # الوجه الثالث أن يقال هذه المسألة تدل على نقيض مطلوبك فإنه أثبت أن العرش له حملة وأنه يحمل مع ذلك اليوم ويوم القيامة وظاهر هذا الخطاب أنه على العرش يحمل مع ذلك على أن حملة العرش يحملونه أم لم يدل على ذلك فإن دل على ذلك أيضا فقد دل على ما هو من أبلغ نقيض مطلوبه ثم إذا خالف هو هذه الآية يحتاج إلى تأويلها أو تفويضها فلا تكون الآيات المثبتة للعرش ولحملته أو لحمل الملائكة لما فوقه تنفي كونه على العرش هذا تعليق على الدليل ضد موجبه ومقتضاه ولكن قوله يلزم الافتقار من باب التعارض فيحتاج إلى الجمع بين موجب الآية وبين هذا الدليل لا تكون الآية لأجل ما يقال أنه يعارضها تدل على نقيض مدلولها هذا لا يقوله عاقل # الوجه الرابع في تقرير ذلك ثم أن قوله ^ الذين يحملون العرش ومن حوله ^ وقوله ^ ويحمل عرش ربك فوقهم يومئذ ثمانية ^ يوجب أن لله عرشا يحمل ويوجب أن ذلك العرش ليس هو الملك كما تقوله طائفة من الجهمية فإن الملك هو مجموع الخلق فهنا دلت الآية على أن لله ملائكة من جملة خلقه يحملون عرشه وآخرون يكونون حوله وعلى أنه يوم القيامة يحمله ثمانية إما ثمانية أملاك وإما ثمانية أصناف وصفوف وهذا إلى مذهب المثبتة أقرب منه إلى قول النافية بلا ريب # الوجه الخامس أن العرش في اللغة السرير بالنسبة إلى ما فوقه وكالسقف بالنسبة إلى ما تحته فإذا كان القرآن قد جعل لله عرشا وليس هو بالنسبة إليه كالسقف علم أنه بالنسبة إليه كالسرير بالنسبة إلى غيره وذلك يقتضي أنه فوق العرش # الوجه السادس أن إضافة العرش مخصوصة إلى الله لقوله ^ ويحمل عرش ربك فوقهم يومئذ ثمانية ^ يقتضي أنه مضاف إلى الله إضافة تخصه كما في سائر المضافات إلى الله كقوله بيت الله وناقة الله ونحو ذلك وإذا كان العرش مضافا إلى الله في هذه الآية إضافة اختصاص وذلك يوجب أن يكون بينه وبين الله من النسبة ما ليس لغيره فما يذكره الجهمية من الاستيلاء والقدرة وغير ذلك أمر مشترك بين العرش وسائر المخلوقات وهذه الآية التي احتج بها تنفي أن يكون الثابت من الإضافة هو القدر المشترك وتوجب اختصاصا للعرش بالله ليس لغيره كقوله ^ عرش ربك ^ وهذا إنما يدل على قول المثبتة أو هو إلى الدلالة عليه أقرب وأيهما كان فقد دلت الآية على نقيض مطلوبه وهو الذي ألزمناه فلم يذكر آية من كتاب الله على مطلوبه إلا وهي لا دلالة فيها بل دلالتها على نقيض مطلوبه أقوى # قال الرازي الحجة الثانية عشرة لو كان مستقرا على العرش لكان الابتداء بتخليق العرش أولى من الابتداء بتخليق السموات لأن تقدير القول بأنه مستقر على العرش يكون العرش مكانا له والسموات مكان عبيده والأقرب إلى العقول أن تكون تهيئة مكان نفسه مقدما على تهيئة مكان العبيد لكن من المعلوم أن تخليق السموات مقدم على تخليق العرش لقوله تعالى ^ إن ربكم الله الذي خلق السموات والأرض في ستة أيام ثم استوى على العرش ^ وكلمة ثم للتراخي # قلت الحمد لله الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله وكفى بالله شهيدا والحمد لله الذي جعل لرسوله منه سلطانا نصيرا والحمد لله الذي ينصر رسله والذين آمنوا في الحياة الدنيا ويوم يوم الأشهاد ينصرهم بسلطان الحجة وسلطان القدرة وهو الذي يأتي رسله والمؤمنين به حجة على من خالفهم وجادلهم فيه بالباطل كما قال ^ وهم يجادلون في الله وهو شديد المحال ^ فإن هذا الرجل وأمثاله لا يحتجون بحجة إلا وهي عليهم لا لهم لكن يزيد فهم ذلك من يكون الله قد أيده بروح منه وكتب في قلبه الإيمان وجعل في قلبه من نور يفهم دقيق ذلك وأما جليله فيفهمه جمهور الناس وهذه من جليل ذلك وذلك أنه لا خلاف بين المسلمين وأهل الكتاب أن العرش خلق قبل السموات والأرض فقول هذا المحتج لو كان مستقرا على العرش لكان الابتداء بتخليق العرش أولى من الابتداء بتخليق السموات لا يضرهم بل ينفعهم فإن الأمر في الترتيب ذلك ما كان قول المثبتة يستلزم تقديم خلق العرش فهكذا وقع ولله الحمد وإن لم يكن مستلزما هذا الترتيب بطلت هذه الحجة فهي باطلة على التقديرين # أما قوله لكن من المعلوم أن تخليق السموات مقدم على تخليق العرش فيقال هذا لم يعلمه أحدا لا من الأولين ولا من الآخرين ولا قاله أحد يعرف بالعلم # وأما احتجاجه على تقدم خلق السموات بقوله ^ إن ربكم الله الذي خلق السموات والأرض في ستة أيام ثم استوى على العرش ^ وكلمة ثم للتراخي فهنا إنما ذكر أنه استوى على العرش بعد خلق السموات والأرض فأين قوله ^ ثم استوى على العرش ^ ومن قوله خلق العرش هذا لا يخفى على أحد فليس في كتاب الله ما يوهم خلق العرش فضلا عن أن يدل فلا دلالة في القرآن على خلق السموات بعد العرش # الوجه الثاني أن القرآن يدل على أن خلق العرش قبل خلق السموات والأرض بهذه الآية التي ذكرها وبغيرها فإن قوله ^ خلق السموات والأرض في ستة أيام ثم استوى على العرش ^ يقتضي أنه استوى على العرش بعد خلق السموات والأرض ولم يذكر أنه خلقه حينئذ ولو كان خلقه حينئذ لكان قد ذكر خلقه ثم استواءه عليه ولأن ذكره للاستواء عليه دون خلقه دليل على أنه كان مخلوقا قبل ذلك ولأنه قد ثبت بالكتاب والسنة واتفاق المسلمين وأهل الكتاب أن الخلق كان في ستة أيام وقد قال تعالى ^ وهو الذي خلق السموات والأرض في ستة أيام وكان عرشه على الماء ليبلوكم أيكم أحسن عملا ^ فأخبر أنه خلق السموات والأرض في ستة أيام وأن عرشه كان حينئذ على الماء وفي الصحيح عن عمران بن حصين عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال كان الله ولا شيء وكان عرشه على الماء وكتب في الذكر كل شيء ثم خلق السموات والأرض قال البخاري في كتاب التوحيد والرد على الجهمية والزنادقة # باب قوله تعالى ^ وكان عرشه على الماء ^ ^ وهو رب العرش العظيم ^ عن عمران بن حصين قال إني كنت عند النبي صلى الله عليه وسلم إذ جاءه وفد بني تميم فقال اقبلوا البشرى يا بني تميم فقالوا بشرتنا فأعطنا فدخل ناس من أهل اليمن فقال اقبلوا البشري يا اهل اليمن إذ لم يقبلها بنو تميم فقالوا قبلنا جئناك لنفقه في الدين ولنسألك عن أول هذا الأمر ما كان قال كان الله ولم يكن شيء قبله وكان عرشه على الماء ثم خلق السموات والأرض وكتب في الذكر كل شيء # الوجه الرابع أنه إذا كان قد خلق العرش قبل أن يخلق السموات والأرض وكان ذلك مناسبا في العقل لأن يكون العرش مكانا له والسموات مكان عبيده كان الثابت بالآية التي تلاها وبغيرها من الآيات والأحاديث واتفاق المسلمين دليل على مذهب منازعه دون مذهبه # الوجه الخامس أنه لو فرض أن الله خلق العرش بعد السموات والأرض لم يكن في هذا ما ينافي أن يكون عليه كما أنه خلق السموات بعد الأرض ^ فسواهن سبع سموات وهو بكل شيء عليم ^ بعد قوله ^ هو الذي خلق لكم ما في الأرض جميعا ^ قال ^ ثم استوى إلى السماء وهي دخان فقال لها وللأرض إئتيا طوعا أو كرها قالتا أتينا طائعين ^ بعد قوله ^ أئنكم لتكفرون بالذي خلق الأرض في يومين وتجعلون له أندادا ذلك رب العالمين وجعل فيها رواسي من فوقها وبارك فيها وقدر فيها قواتها في أربعة أيام سواءا للسائلين ^ # قال أبو عبد الله الرازي الحجة الرابعة عشرة قوله تعالى ^ كل شيء هالك إلا وجهه ^ ظاهر الآية يقتضي فناء العرش وفناء جميع الأحياز والجهات وحينئذ يبقى الحق سبحانه وتعالى منزها عن الحيز والجهة وإذا ثبت امتنع أن يكون الآن في جهة والألزم وقوع التغير في الذات # وإذا كان المقصود هنا الكلام في تفسير الآية فنقول تفسير الآية بما هو مأثور ومنقول عن من قاله من السلف والمفسرين من أن المعنى كل شيء هالك إلا ما أريد به وجهه فأنه ذكر ذلك بعد نهيه عن الإشراك وإن يدعو معه إلها آخر وقوله ^ لا إله إلا هو ^ يقتضي أظهر الوجهين وهو أن كل شيء هالك إلا ما كان لوجهه من الإيمان والأعمال وغيرهما روى عن أبي العالية قال إلا ما أريد به وجهه وعن جعفر الصادق إلا دينه ومعناهما واحد وقد روي عن عبادة بن الصامت قال يجاء بالدنيا يوم القيامة فيقال ميزوا ما كان لله منها قال فيماز ما كان لله منها ثم يؤمر بسائرها فيلقى في النار وقد روى عن علي ما يعم ففي تفسير الثعلبي عن صالح بن محمد عن سليمان بن عمرو عن سالم الأفطس عن الحسن وعن سعيد بن جبير عن علي ابن أبي طالب أن رجلا سأله فلم يعطه شيئا فقال أسألك بوجه الله فقال له علي كذبت ليس بوجه الله سألتني إنما وجه الله الحق إلا ترى إلى قوله ^ كل شيء هالك إلا وجهه ^ يعني الحق ولكن سألتني بوجهك الخلق وعن مجاهد إلا هو وعن الضحاك كل شيء هالك إلا الله والجنة والنار والعرش وعن ابن كيسان إلا ملكه # وقد اتفق سلف الأمة وأئمتها وسائر أهل السنة والجماعة على أن من المخلوقات ما لا يعدم ولا يفنى بالكلية كالجنة والنار والعرش وغير ذلك ولم يقل بفناء جميع المخلوقات إلا طائفة من أهل الكلام المبتدعين كالجهم بن صفوان ومن وافقه من المعتزلة ونحوهم وهذا قول باطل يخالف كتاب الله وسنة رسوله وإجماع سلف الأمة وأئمتها لما في ذلك من الدلالة على بقاء الجنة وأهلها وبقاء غير ذلك مما لا تتسع هذه الورقة لذكره وقد استدل طوائف من أهل الكلام والمتفلسفة على امتناع فناء جمع المخلوقات بأدلة عقلية # ويجيبهم أهل السنة والإثبات بجوابين معروفين أحدهما أن المتجدد نسبة وإضافة بينه وبين العرش بمنزلة المعية ويسميها ابن عقيل الأحوال وتجدد النسب والاضافات متفق عليه بين جميع أهل الأرض من المسلمين وغيرهم إذ لا يقتضي ذلك تغيرا ولا استحالة والثاني إن ذلك وإن اقتضى تحولا من حال إلى حال ومن شأن إلى شأن فهو مثل مجيئه واتيانه ونزوله وتكليمه لموسى وإتيانه يوم القيامة في صورة ونحو ذلك مما دلت عليه النصوص وقال به أكثر أهل السنة والحديث وكثير من أهل الكلام وهو لازم لسائر الفرق # ولفظ التغير لفظ مجمل يتوهم السامع أن الرب يتغير ويستحيل من حال إلى حال كما يتغير الإنسان أما بمرض وأما بغيره وكما تتغير الشمس إذا اصفر لونها ولا يدري أنه عندهم إذا أحدث ما لم يكن محدثا سموه تغيرا وإذا سمع دعاء عباده سموه تغيرا وإذا رأى ما خلقه سموه تغيرا وإذا كلم موسى بن عمران سموه تغيرا وإذا رضي عمن أطاعه وسخط على من عصاه سموه تغيرا إلى مثل هذه الأمور ثم أنهم ينفون ذلك من غير دليل أصلا فإن الفلاسفة يجوزون أن يكون القديم محلا للحوادث # قوله فإن قيل الحيز والجهة ليس شيئا موجودا حتى يصير هالكا فانيا قلنا الأحياز والجهات أمور مختلفة بحقائقها متباينة بماهياتها بدليل أنكم قلتم إنه يجب حصول ذات الله تعالى في جهة فوق ويمتنع حصول ذاته في سائر الجهات فلولا أن جهة فوق مخالفة بالماهية لسائر الجهات لما كانت جهة فوق مخالفة لسائر الجهات في هذه الخاصة وهذا الحكم # والجواب عن هذه الحجة وأمثالها ينبني على مقامين المقام الأول قول من يقول أنه نفسه تعالى فوق العرش ويقول أنه ليس بجسم ولا متحيز كما ذكر ابن كلاب والأشعري وكثير من الصفاتية والمنازعون لهم في كونه فوق العرش كالرازي ومتأخري الأشعرية وكالمعتزلة يدعون أن هذا تناقض مخالف للضرورة العقلية إلى أن قال # وأما القسم الثاني فهو مقام من سلم له أنه فوق العرش وهو متحيز وله حد ونهاية ويطلق عليه أيضا لفظ الجهة فإن أهل الإثبات متنازعون في لفظ الجهة وفي ذلك نزاع بين أصحاب الإمام أحمد وغيرهم كما أنهم متنازعون في اسم الحد أيضا فنقول على هذا التقدير فالكلام على هذا من وجوه # الأول أن كلام هذا وغيره في الحيز هل هو أمر وجودي أو عدمي أو إضافي مضطرب متناقص فإنه وإن كان قد قرر هنا أنه وجودي فقد قرر في غير هذا الموضع أنه عدمي ويكفي نقض كلامه بكلامه فأنا قد اعتمدنا هذا مرات فإن هذا موجود في عامة هؤلاء تحقيقا لقوله تعالى ^ ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا ^ بخلاف الحق الذي يصدق بعضه بعضا فقد ذكر في البرهان الرابع بعد هذا نقض هذا فقال الرابع وهو أنا نعلم بالضرورة أن الأحياز بأسرها متساوية لأنها فراغ محض وخلاء صرف وإذا كانت بأسرها متساوية يكون حكمها واحدا وذلك يمنع من القول بأنه تعالى واجب الاختصاص ببعض الأحياز على التعيين فإن قالوا فلم لا يجوز أن يكون اختصاصه بجهة فوق أولى قلنا هذا باطل لوجهين أحدهما أنه قبل خلق العالم ما كان إلا الخلاء الصرف والعدم المحض فلم يكن هناك فوق ولا تحت فبطل قولكم الثاني أنه لو كان الفوق متميزا عن التحت بالتميز الذاتي لكانت الجهات أمورا وجودية ممتدة قابلة للانقسام وذلك يقتضي تقدم الجسم لأنه لا معنى بالجسم إلا ذلك فهذا تصريح في أنها مختلفة في الحقائق وأنها خلاء صرف وفراغ محض وهذا يناقض ما ذكره هنا ومن لم يكن لسانه وراء قلبه كان كلامه كثير التقلب والتناقض # قال الرازي وأيضا فلأنا نقول هذا الجسم حصل في هذا الحيز بعد أن كان حاصلا في حيز آخر فهذه الأحياز معدودة متباينة متعاقبة والعدم المحض لا يكون كذلك فثبت أن هذه الأحياز أمور متخالفة بالحقائق متباينة بالعدد وكل ما كان كذلك امتنع أن يكون عدما محضا فكان أمرا موجودا وإذا ثبت هذا دخل تحت قوله تعالى ^ كل شيء هالك إلا وجهه ^ وإذا هلك الحيز والجهة بقي ذات الله تعالى منزها عن الحيز وبقية الكلام قد تقدمت # وأما قوله أن الجوهر إذا انتقل من حيز إلى حيز فالمتروك مغاير لا محالة للمطلوب فيقال إن كان الانتقال في أجسام العالم الموجودة فهذه أمور وجودية وإن كان فيما ليس كذلك فلا نسلم إن هناك شيء يكون متروكا ومطلوبا أصلا بل الأحياز الموجودة لا يكون المنتقل فيها طالبا لحيز دون حيز بل قصده شيء آخر فكيف يجب أن يكون منتقل ومتحرك طالبا لحيز وجودي يكون فيه وتاركا لحيز وجودي # قال أبو عبد الله الرازي الحجة الخامسة عشرة قوله تعالى ^ هو الأول والآخر ^ فهذا يقتضي أن يكون ذاته متقدما في الوجود على كل ما سواه وإن يكون متأخرا في الوجود عن كل ما سواه وذلك يقتضي أنه كان موجودا قبل الحيز والحهة ويكون موجودا بعد فناء الحيز والجهة وإذا ثبت هذا فالتقريب ما ذكرناه في الحجة الثالثة عشرة والرابعة عشرة |
# قال الشيخ رحمه الله في شرح حديث عمران بن حصين كان الله ولم يكن شيء قبله وهو الآن على ما عليه كان وهذه الزيادة وهو قوله وهو الآن على ما عليه كان كذب مفترى على رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أن قال وهذه الزيادة الالحادية قصد بها المتكلمة المتجهمة نفي الصفات التي وصف بها نفسه من استوائه على العرش ونزوله إلى السماء الدنيا وغير ذلك فقالوا كان في الأزل ليس مستويا على العرش وهو الآن على ما عليه كان فلا يكون على العرش لما يقتضي ذلك من التحول والتغير # ويجيبهم أهل السنة والإثبات بجوابين معروفين أحدهما أن المتجدد نسبة وإضافة بينه وبين العرش بمنزلة المعية ويسميها ابن عقيل الأحوال وتجدد النسب والإضافات متفق عليه بين جميع أهل الأرض من المسلمين وغيرهم إذ لا يقتضي ذلك تغيرا ولا استحالة والثاني أن ذلك وإن اقتضى تحولا من حال إلى حال ومن شأن إلى شأن فهو مثل مجيئه واتيانه ونزوله وتكليمه لموسى وإتيانه يوم القيامة في صورة ونحو ذلك مما دلت عليه النصوص وقال به اكثر أهل السنة والحديث وكثير من أهل الكلام وهو لازم لأهل الفرق # قال الرازي الحجة السادسة عشرة قوله تعالى ^ واسجد واقترب ^ ولو كان في جهة الفوق لكانت السجدة تفيد البعد عن الله تعالى لا القرب منه وذلك خلاف الأصل # سئل الشيخ رحمه الله عن العرش هل هو كروي وإذا كان كرويا والله محيط به فما فائدة أن العبد يقصد العلو حين دعائه وعبادته دون
التحت فقال الجواب عن هذا السؤال بثلاث مقامات الأول أنه لم يثبت أن العرش فلك مستدير الثاني أن العرش والعالم بالنسبة إلى الله في غاية الصغر سواء كان كرويا أو لا الثالث لو قدر أنه كروي فهو فوق المخلوقات مطلقا إلى أن قال # وإذا كان الأمر كذلك فإذا قدر أن العرش مستدير محيط بالمخلوقات كان هو أعلاها وسقفها وهو فوقها مطلقا فلا يتوجه إليه وإلى ما فوقه الإنسان إلا من العلو لا من جهاته الباقية أصلا ومن توجه إلى الفلك التاسع أو الثامن أو غيره من الأفلاك من غير جهة العلو كان جاهلا باتفاق العقلاء فكيف بالتوجه إلى العرش أو إلى ما فوته والله تعالى محيط بالمخلوقات كلها إحاطة تليق به فأن السموات السبع والأرض في يده أصغر من الحمصة في يد أحدنا إلى أن قال # وهذا السؤال أنما ورد لتوهم المتوهم أن نصف الفلك يكون تحت الأرض وتحت ما على وجه الأرض من الآدميين والبهائم وهذا غلط عظيم فلو كان الفلك تحت الأرض من جهة لكان تحتها من كل جهة فكان يلزم أن يكون الفلك تحت الأرض مطلقا وهذا قلب للحقائق إذ الفلك هو فوق الأرض مطلقا وأهل الهيئة يقولون لو أن الأرض مخروقة إلى ناحية أرجلنا وألقي في الخرق شيء ثقيل كالحجر ونحوه لكان ينتهي إلى المركز حتى لو ألقي من تلك الناحية حجر آخر للتقيا جميعا في المركز ولو قدر أن إنسانين التقيا في المركز بدل الحجرين للتقت رجلاهما ولم يكن أحدهما تحت صاحبه بل كلاهما فوق المركز وكلاهما تحت الفلك إلى أن قال # وإذا كان مطلوب أحدهما ما فوق الفلك لم يطلبه إلا من الجهة العليا لم يطلبه من جهة رجليه أو يمينه أو يساره لوجهين أحدهما أن مطلوبه من الجهة العليا أقرب إليه من جميع الجهات فلو قدر رجل أو ملك يصعد إلى السماء أو إلى ما فوق كان صعوده مما يلي رأسه أقرب إذا أمكنه ذلك ولا يقول عاقل إنه يخرق الأرض ثم يصعد من تلك الناحية إلى من قال ولو أن رجلا أراد أن يخاطب الشمس والقمر فإنه لا يخاطبه إلا من الجهة العليا مع أن الشمس والقمر قد تشرق وقد تغرب فتنحرف عن سمت الرأس فكيف بمن هو فوق كل شيء دائما لا يأفل ولا يغيب سبحانه وتعالى الوجه الثاني أنه إذا قصد أسفل بدون علو كان ينتهي قصده إلى المركز وأن قصده أمامه أو ورائه أو يمينه أو يساره من غير قصد العلو كان منتهى قصده أجزاء الهواء فلا بد له من قصد العلو ضرورة سواء قصد مع ذلك هذه الجهات أو لم يقصدها ولو فرض أنه قال أقصد من اليمين مع العلو أو من السفل مع العلو كان بمنزلة من يقول أريد أن أحج من المغرب فأذهب إلى خراسان ثم أذهب إلى مكة # قال الرازي الحجة السابعة عشرة قوله تعالى ^ فلا تجعل لله أندادا ^ والند المثل ولو كان تعالى جسما لكان مثلا لكل واحد من الأجسام لما سنبين إن شاء الله تعالى أن الأجسام كلها متماثلة فحينئذ يكون الند موجودا على هذا التقدير وذلك على مضادة هذا النص # قال شيخ الإسلام رحمه الله تعالى وأما التمثيل فقد نطق الكتاب بنفيه عن الله في غير موضع كقوله تعالى ^ ليس كمثله شيء ^ وقوله ^ هل تعلم له سميا ^ وقوله ^ ولم يكن له كفوا أحد ^ وقوله ^ فلا تجعل لله أندادا ^ وقوله ^ فلا تضربوا لله الأمثال ^ ولكن وقع في لفظ التشبيه إجمال إلى أن قال فإن التشبيه الذي يجب نفيه عن الرب تعالى اتصافه بشيء من خصائص المخلوقين كما أن المخلوق لا يتصف بشيء من خصائص الخالق وإن يثبت للعبد شيء يماثل فيه الرب وأما إذا قيل حي وحي وعالم وعالم وقادر وقادر وقيل لهذا قدرة ولهذا قدرة ولهذا علم ولهذا علم كان نفس علم الرب لم يشركه فيه العبد ونفس علم العبد لا يتصف به الرب تعالى عن ذلك وكذلك في سائر الصفات إلى أن قال وإن أراد به من جعل صفات الرب مثل صفات العبد فهؤلاء مبطلون ضالون # وأما احتجاجهم بقولهم الأجسام متماثلة فهذا إن كان حقا فهو تماثل يعلم بالعقل ليس فيه أن اللغة التي نزل بها القرآن تطلق لفظ المثل على كل جسم ولا أن اللغة التي نزل بها القرآن تقول إن السماء مثل الأرض والشمس والقمر والكواكب مثل الجبال والجبال مثل الأنهار # ومن العجب أن كلامه وكلام أمثاله يدور في هذا الباب على تماثل الأجسام وقد ذكر النزاع في تماثل الأجسام وإن القائلين بتماثلها من المتكلمين بنوا ذلك على أنها مركبة من الجواهر المنفردة وأن الجواهر متماثلة ثم إنه في مسألة تماثل الجواهر ذكر أنه لا دليل على تماثلها فصار أصل كلامهم الذي ترجع إليه هذه الأمور كلاما بلا علم بل بخلاف الحق مع أنه كلام في الله تعالى وقد قال تعالى ^ قل إنما حرم ربي الفواحش ما ظهر منها وما بطن والإثم والبغي بغير الحق وأن تشركوا بالله ما لم ينزل به سلطانا وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون ^ وقال عن الشيطان ^ إنما يأمركم بالسوء والفحشاء وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون ^ # قال أبو عبد الله الرازي الحجة الثامنة عشرة الحديث المشهور وهو ما روي أن عمران أبن الحصين قال يا رسول الله أخبرنا عن أول هذا الأمر فقال كان الله ولم يكن معه شيء وقد دللنا مرارا كثيرة على أنه تعالى لو كان مختصا بالحيز والجهة لكان ذلك الحيز شيئا موجودا معه وذلك على نقيض هذا النص # قال الشيخ رحمه الله الوجه الثالث أنه قال كان الله ولم يكن شيئا قبله وقد روي معه وروي غيره والألفاظ الثلاثة في البخاري والمجلس كان واحدا وسؤالهم وجوابه كان في ذلك المجلس وعمران الذي روى الحديث لم يقم منه حين أنقضى المجلس بل قام لما أخبر بذهاب راحلته قبل فراغ المجلس وهو المخبر بلفظ الرسول فدل على أنه إنما قال أحد الألفاظ والآخران رويا بالمعنى وحينئذ فالذي ثبت عنه لفظ القبل فإنه قد ثبت في صحيح مسلم عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يقول في دعائه أنت الأول فليس قبلك شيء وأنت الآخر فليس بعدك شيء وأنت الظاهر فليس فوقك شيء وأنت الباطن فليس دونك شيء وهذا موافق ومفسر لقوله تعالى ^ هو الأول والآخر والظاهر والباطن ^ وإذا ثبت في هذا الحديث لفظ القبل فقد ثبت أن الرسول صلى الله عليه وسلم قاله واللفظان الآخران لم يثبت واحد منهما أبدا وكان أكثر أهل الحديث إنما يروونه بلفظ القبل كان الله ولا شيء قبله مثل الحميدي والبغوي وابن الأثير وغيرهم وإذا كان إنما قال كان الله ولم يكن شيء قبله لم يكن في هذا اللفظ تعرض لابتداء الحوادث ولا لأول مخلوق مطلقا بل ولا فيه الإخبار بخلق العرش والماء وإن كان ذلك كله مخلوقا كما أخبر به في مواضع أخر لكن في جواب أهل اليمن إنما كان مقصوده إخباره إياهم عن بدء خلق السموات والأرض وما بينهما وهي المخلوقات التي خلقت في ستة أيام لا بابتداء ما خلقه الله قبل ذلك # قوله لو كان الباري أزلا وأبدا مختصا بالحيز والجهة لكان الحيز والجهة موجودان في الأزل فيلزم إثبات قديم غير الله وذلك محال بإجماع المسلمين يقال له هؤلاء إن قالوا بأنه مختص بحيز وجودي أزلا وأبدا فليس ذلك عندهم شيئا خارجا عن مسمى الله كما أن الحيز الذي هو نهايات المتحيز وحدوده الداخلة فيه ليس خارجا عنه بل هو منه وعلى هذا التقدير فيكون إثباتهم لقدم هذا الحيز كإثبات سائر الصفاتية للصفات القديمة من علمه وقدرته وحياته لا فرق بين تحيزه وبين قيامه بنفسه وحياته وسائر صفاته اللازمة والحيز مثل الحياة بل أبلغ منه في لزومه للذات إلى أن قال ثم إن هذه الحجة التي ذكرها من لزوم إثبات قديم غير الله تعالى مشهورة من حجج النفاة للصفات # قال أبو عبد الله الرازي الحجة التاسعة عشرة روي أن النبي صلى الله عليه وسلم قيل له أين كان ربنا قال كان في عماء ليس تحته ماء ولا فوقه هواء فقيل العماء بالمد الغيم الرقيق وأما العمى بالقصر فهو عبارة عن الحالة المضادة للبصر فقال بعض العلماء يجب أن تكون الرواية الصحيحة هي الرواية بالقصر وحينئذ يدل على نفي الجهة لأن الجهة إذا لم تكن موجودة لم تكن مرئية فأمكن جعل العمى عبارة عن عدم الجهة ويتأكد هذا بقوله عليه السلام ليس تحته ماء ولا فوقه هواء # قال الشيخ رحمه الله وحديث أبي رزين رواه أحمد والترمذي وغيرهما قال الترمذي حدثنا أحمد بن منيع قال حدثنا يزيد بن هارون أنبأنا حماد بن سلمة عن يعلى بن عطاء عن وكيع بن عدس عن عمه أبي رزين قال قلت يا رسول الله أين كان ربنا قبل أن يخلق خلقه قال كان في عماء ما تحته هواء وما فوقه هواء ثم خلق عرشه على الماء فهذا الحديث فيه بيان أنه خلق العرش قبل السموات والأرض وأما قوله في عماء فعلى ما ذكره يزيد بن هارون ورواه عنه أحمد بن منيع وقرره الترمذي من أن معناه ليس معه شيء فيكون فيه دلالة على أن الله كان وليس معه شيء # ثم لو دل على وجود موجود على قول لم يفسر العماء بالسحاب الرقيق لم يكن في ذلك دليل على قول الدهرية بقدم ما ادعوا قدمه ولا بأن مادة السموات والأرض ليستا مبتدعتين وذلك أن الله سبحانه وتعالى أخبر في كتابه بابتداء الخلق الذي يعيده وأخبر بخلق السموات والأرض وما بينهما في ستة أيام في غير موضع وجاءت بذلك الأحاديث الكثيرة وأخبر أيضا أنه يغير هذه المخلوقات # قوله وأعلم أن هذه الوجوه التي ذكرناها بعضها قوي وبعضها ضعيف وكيفما كان الأمر فقد ثبت أن في القرآن والأخبار دلائل كثيرة تدل على تنزيه الله تعالى عن الحيز والجهة وبالله التوفيق # قال الشيخ وقد بسط الكلام على هذه الأمور في مواضع وبين أن ما ينفيه نفاة الصفات التي نطلق بها الكتاب والسنة من علو الله على خلقه وغير ذلك كما أنه لم ينطق به كتاب ولا سنة ولا قال بقولهم أحد من المرسلين ولا الصحابة ولا التابعين فلم يدل عليه دليل عقلي بل الأدلة العقلية الصريحة الموافقة للأدلة السمعية الصحيحة ولكن هؤلاء ضلوا بألفاظ متشابهة ابتدعوها ومعاني عقلية لم يميزوا بين حقها وباطلها وجميع البدع كبدع الخوارج والشيعة والمرجئة والقدرية لها شبه في نصوص الأنبياء بخلاف بدعة الجهمية النفاة فإنه ليس معهم فيها دليل سمعي اصلا ولهذا كانت آخر البدع حدوثا بالإسلام ولما أحدثت أطلق السلف والأئمة القول بتكفير أهلها لعلمهم بأن حقيقة قولهم تعطيل الخالق ولهذا يصير محققوهم إلى مثل فرعون مقدم المعطلة بل وينتصرون له ويعظمونه # والمبطلون يعارضون نصوص الكتاب والسنة بأقوالهم وبيان فسادها أحد ركني الحق وأحد المطلوبين فإن هؤلاء لو تركوا نصوص الأنبياء لهدت وكفت ولكن صالوا عليها صول المحاربين لله ولرسوله فإذا دفع صيالهم وبين ضلالهم كان ذلك من أعظم الجهاد في سبيل الله # قال أبو عبد الله الرازي الفصل الثالث في إقامة الدلائل العقلية على أنه ليس بمتحيز البتة # أعلم أنا إذا دللنا على أنه تعالى ليس بمتحيز فقد دللنا على أنه تعالى ليس بجسم ولا جوهر فرد لأن المتحيز إن كان منقسما فهو الجسم وإن لم يكن منقسما فهو الجوهر الفرد # يقال له قد تقدم أن الحيز قد يراد به ما يحوز الشيء وهو نهايته وحدوده الداخلة فيه وقد يراد به الشيء الذي يكون منفصل عنه وهو محيط به وكلاهما أمر وجودي وقد يراد بالحيز ما هو تقدير المكان وهذا هو الحيز عند كثير من أهل الكلام الذين يفرقون بين لفظ الحيز والمكان والحيز على هذا أمر عدمي كما تقدم تقرير ذلك # فإذا قال إذا كان متحيزا فالمتحيزات مماثلة له كان هذا مصادرة على المطلوب لأن نفي كونه جسما بناءا على نفي الجوهر ونفي الجوهر بناءا على نفي التحيز والمتحيز هو الجسم أو الجوهر فيكون قد جعل الشيء مقدمة في إثبات نفسه وهذه هي المصادرة # قوله فنقول الذي يدل على أنه تعالى ليس بمتحيز وجوه البرهان الأول أنه تعالى لو كان متحيزا لكان مماثلا لسائر المتحيزات في تمام الماهية وهذا ممتنع # فيقال هذه الحجة قد تقدم الكلام على موادها غير مرة والكلام عليها من المقامين المتقدمين أحدهما قول من يقول أنه فوق العرش وهو مع ذلك ليس بجسم ولا هو متحيز كما ذكرنا أن هذا قول طوائف كثيرة من أهل الكلام والفقهاء ومن تبعهم من أهل الحديث والصوفية وغيرهم وهذا قول ابن كلاب والأشعري وأئمة أصحابه وغيرهم فعلى هذا لا يلزم من نفي كونه متحيزا نفي كونه على العرش وتقدم ما في ذلك من دعوى الضرورة من الجانبين المقام الثاني من لا ينفي ذلك بل يسلم إثباته أو لا يتكلم فيه بنفي ولا إثبات والكلام في هذا المقام من وجوه أحدها لا نسلم أنه لو كان مختصا بشيء من الأحياز والجهات لكان مساويا للمتحيزات وما ذكروه من الحجة مبني على تماثل المتحيزات وقد تقدم إبطال ذلك بما لا حاجة إلى إعادته وأن القول بتماثلها من أضعف الأقوال بل من أعظمها مخالفة للحس والعقل ولما عليه جماهير العقلاء # وأصل كلام هؤلاء كلهم على أن إثبات الصفات مستلزم للتجسيم والأجسام متماثلة والمثبتون يجيبون على هذا تارة بمنع المقدمة الأولى وتارة بمنع المقدمة الثانية وتارة بمنع كل من المقدمتين وتارة بالإستفصال ولا ريب أن قولهم بتماثل الأجسام قول باطل سواء فسروا الجسم بما يشار إليه أو بالقائم بنفسه أو بالموجود أو بالمركب من الهيولى والصورة ونحو ذلك فأما إذا فسروه بالمركب من الجواهر المفردة وعلى أنها متماثلة فهذا يبنى على صحة ذلك وعلى إثبات الجوهر المفرد وعلى أنه متماثل وجمهور العقلاء يخالفونهم في ذلك إلى أن قال ولهذا يقول هؤلاء أن الشيئين لا يشتبهان من وجه ويختلفان من وجه وأكثر العقلاء على خلاف ذلك # قوله فيفتقر هنا إلى بيان أنه يمتنع أن يكون مساويا لسائر المتحيزات في عموم المتحيزية ومخالفا لها في ماهيته المخصوصة فنقول الدليل على أن ذلك ممتنع هو أن بتقدير أن يكون مساويا لسائر المتحيزات في عموم المتحيزية ومخالفا لها في الخصوصية كان ما به الاشتراك مغايرا لا محالة لما به الامتياز فحينئذ يكون عموم المتحيزية مغايرا لخصوص ذاته المخصوصة وحينئذ نقول إما أن يكون الذات هي المتحيزية ويكون المتحيزية صفة لتلك الذات وإما أن يقال المتحيزية صفة وتلك الخصوصية هي الذات أما القسم الأول فإنه يقتضي حصول المقصود لأنه إذا كان مجرد المتحيزية هو الذات وثبت أن مجرد المتحيزية أمر مشترك فيه بينه وبين سائر المتحيزات فحينئذ يحصل منه أن بتقدير أن يكون تعالى متحيزا كانت ذاته مماثلة لذوات سائر المتحيزات وليس المطلوب إلا ذلك وأما القسم الثاني وهو أن يقال الذات هي تلك الخصوصية والصفة هي المتحيزية فنقول هذا محال وذلك لأن تلك الخصوصية من حيث انها هي هي مع قطع النظر عن المتحيزية إما أن يكون لها اختصاص بالحيز وإما أن لا يكون كذلك والأول محال لأن كل ما كان حاصلا في حيز وجهة على سبيل الاستقلال كان متحيزا فلو كانت تلك الخصوصية التي فرضناها خالية عن التحيز حاصلة في الحيز لكان الخالي عن التحيز متحيزا وذلك محال وأما القسم الثاني وهو أن يقال إن تلك الخصوصية غير مختصة بشيء من الأحياز والجهات فنقول أنه يمتنع أن تكون المتحيزية صفة قائمة بها لأن تلك الخصوصية غير مختصة بشيء من الأحياز والجهات والمتحيزية أمر لا يعقل إلا أن يكون حاصلا في الجهات والشيء الذي يجب أن يكون حاصلا في الجهات يمتنع أن يكون حاصلا في الشيء الذي يمتنع حصوله في الجهة وإذا لم تكن المتحيزية صفة للشيء كان نفس الذات وحينئذ يلزم أن يكون الأشياء المتساوية في المتحيزية متساوية في تمام الذات فثبت بما ذكرنا أن المتحيزات يجب أن تكون كلها متساوية في تمام الماهية وهذا برهان قاطع في تقرير هذه المقدمة # قد قدمنا أن هذا المشترك وهو المقدار صفة المقدر قائم به لا نفس المقدار وحقيقته قال تعالى ^ وكل شيء عنده بمقدار ^ وقال ^ قد جعل الله لكل شيء قدرا ^ فجعل المقدار القدر للأشياء لم يجعل ذلك أعيان الأشياء أو ذواتها كما قال تعالى ^ وما ننزله إلا بقدر معلوم ^ وبينا أن كل واحد من المشترك والمميز يجوز أن يكونا سواءا بالنسبة إلى الذات الموصوفة بهما فليس جعل أحدهما ذاتا والآخر صفة بأولى من العكس وبينا أنه وإن قيل أنه الذات فليس هو تمام الحقيقة بل الحقيقة موافقة لما به الاشتراك و ما به الامتياز فالمتحيز وإن كان جنسا كما قيل في الجوهر بالجنس لا يجب أن يكون مماثل الأنواع فإن التماثل يحتاج إلى الاشتراك في جميع الصفات الذاتية وهو قد سلم أن المتحيزات مختلفة في الصفات فيجوز أن يكون كل جسم وإن كان التقدير ذاته فله صفات ذاتية مختصة به كما يقول من يقول من المتكلمين المنطقيين وغيرهم إن الجوهر جنس وتحته أنواع إضافية وتحت كل نوع أنواع إلى النوع الشامل الخاص الذي تتفق أفراده في تمام الماهية الحقيقية # قال الرازي وإنما قلنا إنه يمتنع أن يكون ذات الله تعالى مساوية لذوات الأجسام في تمام الماهية لوجوه الأول أن من حكم المتماثلين الاستواء في جميع اللوازم فيلزم من قدم ذات الله تعالى قدم سائر الأجسام أو من حدوث سائر الأجسام حدوث ذات الله تعالى وذلك محال الثاني أن المثلين يجب استواؤهما في جميع اللوازم فكما صح على سائر الأجسام خلوها عن صفة العلم والقدرة والحياة وجب أن يصح على ذاته الخلو عن هذه الصفات فحينئذ يكون اتصاف ذاته بحياته وعلمه وقدرته من الجائزات وإذا كان الأمر كذلك امتنع كون تلك الذات موصوفا بالحياة والعلم والقدرة إلا بإيجاد موجد وتخصيص مخصص وذلك يقتضي احتياجه إلى الإله فحينئذ كل ما كان محتاجا إلى الإله وهذا يقتضي أن الإله يمتنع أن يكون جسما # فإن قيل إن الشيء إذا شابه غيره من وجه جاز عليه من ذلك الوجه أو وجب له ما وجب له وامتنع عليه ما امتنع عليه قيل هب أن الأمر كذلك ولكن إذا كان ذلك القدر المشترك لا يستلزم إثبات ما يمتنع عن الرب سبحانه ولا نفي ما يستحقه لم يكن ممتنعا كما إذا قيل إنه موجود حي عليم سميع بصير وقد سمى بعض عباده حيا سميعا بصيرا قيل لازم هذا القدر المشترك ليس ممتنعا على الرب تعالى فإن ذلك لا يقتضي حدوثا ولا إمكانا ولا نقصا ولا شيئا مما ينافي صفات الربوبية وذلك أن القدر المشترك هو مسمى الوجود أو الموجود أو الحياة أو الحي أو العلم أو العليم أو السمع أو البصر أو السميع أو البصير أو القدرة أو القدير والقدر المشترك مطلق كلي لا يختص بأحدهما دون الآخر فلم يقع بينهما اشتراك لا فيما يختص بالممكن المحدث ولا فيما يختص بالواجب القديم فإنما يختص به أحدهما يمتنع اشتراكهما فيه فإذا كان القدر المشترك الذي اشتركا فيه صفة كمال كالوجود والحياة والعلم والقدرة ولم يكن في ذلك شيء مما يدل على خصائص المخلوقين كما لا يدل على شيء من خصائص الخالق لم يكن في إثبات هذا محذور أصلا بل إثبات هذا من لوازم الوجود فكل موجودين لا بد بينهما من مثل هذا ومن نفى هذا لزمه تعطيل وجود كل موجود ولهذا لما اطلع الأئمة على أن هذا حقيقة قول الجهمية سموهم معطلة |
# ويقال له كل جسم فإنه مختص بحيزه وحيزه الذي هو جوانبه ونهايته وحدوده الداخل في مسماه فعلم أن ذلك لا ينافي ما ذكروه من دليل حدوث الأجسام مع أن ذلك الدليل لا نرتضيه لا لهذا لكن لمعاني أخر ومع إن المنازعين له الذين يقولون أنه جسم أوله حد وقدر ينازعون في حدوث كل ما كان جسما أوله حد وقدر يقولون دعوى حدوث جميع هذا مثل دعوى حدوث كل ذات أو كل موصوف أو كل صفة وموصوف أو حدوث كل قائم بنفسه أو كل موجود ونحو ذلك # قال الرازي الثالث أنه لما كان ذاته تعالى مساوية لذات سائر المتحيزات فكما صح في سائر المتحيزات كونها متحركة تارة وساكنة أخرى وجب أن يكون ذاته أيضا كذلك فعلى هذا التقدير يلزم أن يكون ذاته تعالى قابلة للحركة والسكون وكل ما كان كذلك وجب القول بكونه محدثا لما ثبت في تقرير هذه الدلائل في مسئلة حدوث الأجسام ولما كان محدثا وحدوثه محال فكونه جسما محال # ويقول له الخصم هب أنك تقول لا بد له إذا كان متحيزا من الحركة والسكون فنحن نقول أن كل قائم بنفسه لا يخلو عن الحركة والسكون فإنه أما أن يكون منتقلا أو لا يكون منتقلا فإن كان منتقلا فهو متحرك وإلا فهو ساكن والحركة الاختيارية للشيء كمال له كالحياة ونحوها فإذا قدرنا ذاتين إحداهما تتحرك باختيارها والأخرى لا تتحرك أصلا كانت الأولى أكمل
# ويقول الخصم قولك الحركة حادثة قلت حادثة النوع أو الشخص الأول ممنوع والثاني مسلم قولك ما لا يخلوا عن الحوادث فهو حادث إن أريد به ما لا يخلو عن نوعها فممنوع والثاني لا يضر وأنت لم تذكر حجة على حدوث نوع الحركة إلا حجة واحدة وهو قولك الحادث لا يكون أزليا وهي ضعيفة كما عرف إذ لفظ الحادث يراد به النوع ويراد به الشخص # قال الرازي الرابع أنه لو كان جسما لكان مؤتلف الأجزاء وتلك الأجزاء تكون متماثلة بأعيانها وهي أيضا مماثلة لأجزاء سائر الأجسام وعلى هذا التقدير كما صح الاجتماع والافتراق على سائر الأجسام وجب أن يصح على تلك الأجزاء وعلى هذا التقدير لا بد له من مركب ومؤلف وذلك على إله العالم محال # وأما الاجتماع والافتراق فهو مبني على مسئلة الجوهر الفرد ومن قال أن الأجسام ليست مركبة من الجواهر الفردة وهم أكثر الطوائف لم يقل بأن الجسم لا يخلو من الاجتماع والافتراق بل الجسم البسيط عنده واحد سواء قبل الافتراق أو لم يقبله وكذلك إذا قدر أن فيه حقائق مختلفة متلازمة لم يلزم من ذلك أن يقبل الاجتماع والافتراق # قال أبو عبد الله الرازي البرهان الثاني في بيان أنه يمتنع أن يكون متحيزا هو أنه لو كان متحيزا لكان متناهيا وكل متناه ممكن وكل ممكن محدث فلو كان متحيزا لكان محدثا وهذا محال وذاك محال # يقال هذه من حجج الجهمية قديما كما ذكر ذلك الأئمة وذكروا أن جهما وأتباعه هم أول من أحدث في الإسلام هذه الصفات السلبية وإبطال نقيضها مثل قولهم ليس فوق العالم ولا داخل العالم ولا خارجه وليس في مكان دون مكان أو ليس في مكان ولا بمتحيز ولا جوهر ولا جسم ولا له نهاية ولا حد ونحو هذه العبارات إلى أن قال وإذا عرف أصل هذا الكلام فجميع السلف والأئمة الذين بلغهم ذلك أنكروا ما فيه من هذه المعاني السلبية التي تنافي ما جاء به الكتاب والسنة إلى أن قال # والكلام على هذه الحجة في مقامين أحدهما منع المقدمة الأولى والثاني منع المقدمة الثانية أما الأولى فهو قول من يقول هو فوق العرش وليس له حد ولا مقدار ولا هو جسم كما يقول ذلك كثير من الصفاتية من الكلابية وأئمة الأشعرية وقدمائهم ومن وافقهم من الفقهاء الطوائف الأربعة وغيرهم وأهل الحديث والصوفية وغير هؤلاء وهم أمم لا يحصيهم إلا الله إلى أن قال وأما المقام الثاني فكلام من لا ينفي هذه الأمور التي يحتج بها عليه نفاة العلو على العرش ليس لها أصل في الكتاب والسنة بل قد يثبتها أو يثبت بعضها لفظا أو معنى أو لا يتعرض لها بنفي ولا إثبات وهذا المقام هو الذي يتكلم فيه سلف الأمة وأئمتها وجماهير أهل الحديث وطائفة من أهل الكلام والصوفية وغيرهم وكلام هؤلاء أسد في العقل والدين حيث أثبتوا بما في الكتاب والسنة وأقروا بفطرة الله التي فطر عليها عباده # قوله أما المقدمة الأولى وهي بيان أنه تعالى لو كان متحيزا لكان متناهيا فالدليل عليه أن كل مقدار فإنه يقبل الزيادة والنقصان وكل ما كان كذلك فهو متناه وهذا يدل على أن كل متحيز فهو متناه وشرح هذا الدليل قد قررناه في سائر كتبنا # يقال هب أنك صرحت بأن مجاز الاسم الصمد هو كونه لا قدر له وإذا لم يكن له قدر فلا يجوز وصفه بالزيادة والنقص ولا يجوز وصفه بعدم الزيادة والنقص فإن كون الشيء يزيد وينقص أو لا يزيد ولا ينقص كونه ذا قدر فما لا قدر له ولا يقبل الوصف بالزيادة والنقصان ولا الوصف فأنه لا يزيد ولا ينقص كالمعدوم لا يقال فيه أنه لا يزيد ولا ينقص وقد بسطنا هذا في الوصف بالنهاية وعدمها وإذا كان كذلك فعدم قبول الوصف ثبوت ذلك ونفيه لا يكون صفة إلا للمعدوم لا يكون صفة للموجود كما بينا هذا فيما تقدم فإن المعدوم لا يقبل الاتصاف بالصفات المتقابلة فلا يقال فيه عالم ولا جاهل ولا قادر ولا عاجز ولا يزيد منقوص ولا غير يزيد منقوص فأما كون الشيء غير موصوف بالزيادة والنقصان ولا بعدم ذلك وهو موجود وليس بذي قدر فهذا لا يعقل # قال الرازي وأما المقدمة الثانية وهي بيان أن كل متناه فهو ممكن فذلك لأن كل ما كان متناه فإن فرض كونه أزيد قدرا أو أنقص قدرا ممكن والعلم بثبوت هذا الإمكان ضروري فثبت أن كل متناه فهو في ذاته ممكن # قوله أن المتناهي يقبل الزائد والنقصان قيل لك هذا ممنوع فيما وجوده بنفسه فإن صفاته تكون لازمة لذاته فلا يمكن أن تكون على خلاف ما هو عليه # قال الرازي المقدمة الثالثة وهي بيان أن كل ممكن محدث فهو أنه لما كان الزائد والناقص والمساوي متساوية في الإمكان امتنع رجحان بعضها على بعض إلا لمرجح والافتقار إلى المرجح إما أن يكون حال وجوده أو حال عدمه فإن كان حال وجوده فإنه يكون إما حال بقائه لأن المؤثر تأثيره بالتكوين فلو افتقر حال بقائه إلى المؤثر لزم تكوين الكائن وتحصيل الحاصل وذلك محال فلم يبق إلا أن يحصل الافتقار أما حال حدوثه أو حال عدمه وعلى التقديرين فأنه يلزم أن يكون كل ممكن محدث فثبت أن كل جسم محدث والإله يمتنع أن يكون محدثا وبالله التوفيق # فيقولون له أنت دائما تثبت تخصيصا من هذا الجنس كما تقول أن الإرادة تخصص أحد المثلين لا لموجب فإذا قيل لك هذا يستلزم ترجيح أحد المتماثلين بلا رجح قلت هذا شأن الإرادة والإرادة صفة من صفاته فإذا كانت ذاته مستلزمة لما من شأنه ترجيح أحد المثلين لذاته بلا مرجح فلأن تكون ذاته تقتضي ترجيح أحد المثلين بلا مرجح أولى إلى أن قال # والمقصود إن هؤلاء القائلين بعدم التناهي أو بالتناهي من جانب دون جانب مع كون قولهم فاسدا فنفاة كون الرب على العرش الذين يحتجون على نفي ذلك بنفي الجسم وعلى نفي الجسم بهذه الحجج يلزمهم من التناقض أعظم مما يلزم المثبتين والمقدمات التي يحتجون بها هي أنفسها وما هو أقوى منها من جنسها تدل على فساد أقوالهم بطريق الأولى فإن كانت صحيحة دلت على فساد قولهم ومتى فسد قولهم صح قول المثبتة لأمتناع رفع النقيضين وإن كانت باطلة لم تدل على فساد قول المثبتة فدل ذلك على أن هذه المقدمات مستلزمة فساد قول النفاة دون قول أهل الإثبات وهذه الطريق هي ثابتة في الأدلة الشرعية والعقلية # قال أبو عبد الله الرازي البرهان الثالث لو كان إله العالم متحيزا لكان محتاجا إلى الغير وهذا محال فكونه متحيزا محال بيان الملازمة أنه لو كان مساويا لغيره من المتحيزات في مفهوم كونه متحيزا ولكان مخالفا لها في تعينه وتشخصه # ثم نقول إن بعد حصول الامتياز بالتعين أما أن يحصل الامتياز في الحقيقة وعلى هذا التقدير يكون المتحيز جنسا تحته أنواع أحدها واجب الوجود وإما أن لا يحصل الامتياز في الحقيقة وعلى هذا التقدير يكون المتحيز نوعا تحته أشخاص أحدها واجب الوجود # فنقول الأول باطل لأن على هذا التقدير يكون ذاته مركبا من الجنس والفصل وكل مركب فهو مفتقر إلى جزئه وجزؤه غيره فلو كان واجب الوجود متحيزا لكان مفتقرا إلى غيره # والثاني أيضا باطل لأن على هذا التقدير يكون تعينه زائدا على ما هية النوعية وذلك التعين لا بد من مقتض وليس هو تلك الماهية وإلا لكان نوعه منحصرا في شخصه وقد فرضنا أنه ليس كذلك فلا بد وأن يكون المقتضي لذلك التعيين شيئا غير تلك الماهية وغير لوازم تلك الماهية فيكون محتاجا إلى غيره فثبت أنه لو كان متحيزا لكان محتاجا إلى غيره وذلك محال لأنه واجب الوجود لذاته وواجب الوجود لذاته لا يكون واجب الوجود لغيره فثبت أن يكون متحيزا محال # لفظ الحيز والجهة ونحو ذلك فيه اشتراك كما تقدم فقد يراد به شيء منفصل عن الله كالعرش والغمام وقد يراد به ما ليس منفصلا عنه وهو نهايته وجوانبه وقد يراد به أمر عدمي وهو ما يقدر فيه الأجسام وهو المعروف من لفظ الحيز عند المتكلمين الذين يفرقون بين لفظ الحيز والمكان فيقولون الحيز تقدير المكان # قوله لكان مساويا لغيره من المتحيزات لا نسلم أنه لو كان متحيزا لكان مساويا للمتحيزات وما ذكروه من الحجة مبني على تماثل المتحيزات وقد تقدم إبطال ذلك بما لا حاجة إلى إعادته وأن القول بتماثلها من أضعف الأقوال بل من أعظمها مخالفة للحس والعقل ولما عليه جماهير العقلاء # وقال الشيخ رحمه الله عليه وقد سئل عن جواب شبهة المعتزلة في نفي الصفات ادعوا أن صفات الباري ليست زائدة على ذاته لأنه لا يخلو أما أن يقوم وجوده بتلك الصفة المعينة بحيث يلزم من تقدير عدمها عدمه أولا فإن يقم فقد تعلق وجوده بها وصار مركبا من أجزاء لا يصح وجوده إلا بمجموعها والمركب معلول وإن كان لا يقوم وجوده بها ولا يلزم من تقدير عدمها عدمه فهي عرضية والعرض معلول وهما على الله محال فلم يبق إلا أن صفات الباري غير زائدة على ذاته وهو المطلوب # فأجاب الذي دل عليه الكتاب والسنة أن الله سبحانه له علم وقدرة ورحمة ومشيئة وعزة وغير ذلك وساق النصوص في ذلك إلى أن قال وأما الشبهة الثانية وهي شبهة التركيب وهي فلسفية معتزلية والأولى معتزلية محضة فالجواب عنها أيضا من وجهين أما الأول فإنهم يثبتون عالما وقادرا ويثبتونه واجبا بنفسه فاعلا لغيره ومعلوم بالضرورة أن مفهوم كونه عالما غير مفهوم الفعل بغيره فإذا كانت ذاته مركبة من هذه المعاني لزم التركيب الذي ادعوه وإن كانت عرضية لزم الافتقار الذي ادعوه وإن كان الواجب بنفسه لا يتميز عن غيره بصفة الثبوتية فلا واجب وإذا لم يكن واجبا لم يلزم من التركيب محال وذلك أنهم إنما نفوا المعاني لاستلزامها ثبوت التركيب المستلزم نفي الوجوب وهذا محال إلى أن قال # وأما ما يذكره المنطقيون من تركيب الأنواع من الجنس والفصل كتركيب الإنسان من حيوان وناطق وهو المركب مما به الاشتراك بينه و بين سائر الأنواع ومما به امتيازه عن غيره من الأنواع وتقسيمهم الصفات إلى ذاتي تتركب منه الحقائق وهو الجنس والفصل وإلى عرضي وهو العرض العام والخاصة ثم الحقيقة المؤلفة من المشترك والمميز هي النوع فنقول هذا التركيب أمر اعتباري ذهني ليس له وجود في الخارج كما أن ذات النوع من حيث هي عامة ليس لها ثبوت في الخارج بل نفس الحقائق الخارجة ليس فيها عموم خارجي ولا تركيب خارجي كما قلنا في مسئلة المعدوم أنه شيء في الذهن لا في الخارج لتعلق العلم والإرادة به فإن الإنسان الموجود في الخارج ليس فيه ذوات متميزة بعضها حيوانية وبعضها ناطقية وبعضها ضاحكية وبعضها حساسية بل العقل يدرك منه معنى ونظير ذلك المعنى ثابت لنوع آخر فيقول فيه معنى مشترك ويدرك فيه معنى مختصا ثم يجمع بين المعنيين فيقول هو مؤلف منهما ثم إذا أدرك فيه المعنيين لم يدرك أن أحدهما فيه متميز عن الآخر منفصل كما أنه إذا أدرك الوجود والوجوب والقيام بالنفس والإقامة للغير لم يدرك أحد هذه المعاني منفصلا عن الآخر متميزا عنه بل أبلغ من ذلك أن الطعم واللون والريح القائمة بالجسم لا يتميز بعضها عن بعض بمحالها وإنما الحس يميز بين هذه الحقائق فهذا النوع من التركيب ليس من جنس تركيب ابعاضه واخلاصه فليس الأبعاض كالأعراض ونحن لا ننازع في تسمية هذا مركبا فإن هذا نزاع لفظي ولكن الغرض أن هذا التركيب ليس من جنس التركيب الذي يعقله بنو آدم بالفطرة الأولى حتى يطلق عليه لفظ الأجزاء # إذا عرف هذا كان الجواب من فنين في الحل كما كان من فنين في الأبطال أحدهما إنا لا نسلم أن هناك تركيبا من أجزاء بحال وإنما هي ذات قائمة بنفسها مستلزمة للوازمها التي لا يصح وجودها إلا بها وليست صفة الموصوف أجزاءا له ولا أبعاضا يتميز بعضها عن بعض أو تتميز عنه حتى يصح أن يقال هي مركبة منه أو ليست مركبة فثبوت التركيب ونفيه فرع تصوره وتصوره هنا منتف والجواب الثاني أنه لو فرض أن هذا يسمى مركبا فليس هذا مستلزما للإمكان ولا للحدوث وذلك أن الذي علم بالعقل والسمع أنه يمتنع أن يكون الرب تعالى فقيرا إلى خلقه بل هو الغني عن العالمين وقد علم أنه حي قيوم بنفسه وأن نفسه المقدسة قائمة بنفسه وموجودة بذاته وأنه أحد صمد غني بنفسه ليس ثبوته وغناه مستفادا من غيره وإنما هو بنفسه لم يزل ولا يزال حقا صمدا قيوما فهل يقال في ذلك إنه مفتقر إلى نفسه أو محتاج إلى نفسه لأن نفسه لا تقوم إلا بنفسه فالقول في صفاته التي هي داخلة في مسمى نفسه هو القول في نفسه # وقال بعد ذكر كلام أبي حامد في تهافت الفلاسفة وتكلم في ذلك بكلام حسن بين فيه ما احتاجوا به من الألفاظ المجملة كلفظ التركيب فإنهم جعلوا إثبات الصفات تركيبا وقالوا متى أثبتنا معنى يزيد على مطلق الوجود كان تركيبا وادخلوا في مسمى التركيب خمسة أنواع أحدها أنه ليس له حقيقة إلا الوجود المطلق لئلا يكون مركبا من وجود ماهية والثاني ليس له صفة لئلا يكون مركبا من ذات وصفات والثالث ليس له وصف مختص ومشترك لئلا يكون مركبا مما به الاشتراك وما به الامتياز كتركيب النوع من الجنس والفصل أو من الخاصة والعرض العام الرابع أنه ليس فوق العالم لئلا يكون مركبا من الجواهر المفردة وكذلك لا يكون مركبا من المادة والصورة وهو الخامس # قال أبو عبد الله الرازي البرهان الرابع لو كان إله العالم متحيزا لكان مركبا وهذا محال فكونه متحيزا محال بيان الملازمة من وجهين أحدهما وهو على قول من ينكر الجوهر الفرد أن كل متحيز فلا بد وأن يتميز أحد جانبيه عن الثاني وكل ما كان كذلك فهو منقسم فثبت أن كل متحيز فهو منقسم مركب الثاني أن كل متحيز فأما أن يكون قابلا للقسمة أو لا يكون فإن كان قابلا للقسمة كان مركبا مؤلفا وإن كان غير قابل للقسمة فهو الجوهر الفرد وهو في غاية الصغر والحقارة وليس العقلاء أحد يقول هذا القول فثبت أنه تعالى لو كان متحيزا لكان مؤلفا منقسما وذلك محال لأن كل ما كان كذلك فهو مفتقر في حقيقته إلى كل واحد من أجزائه زكل واحد من أجزائه غيره فكل مركب فهو مفتقر في الحقيقة إلى غيره وكل ما كان كذلك فهو ممكن لذاته فكل مركب ممكن لذاته فيلزم أن يكون الممكن لذاته واجبا لذاته وذلك محال فيمتنع أن يكون متحيزا # ولقائل أن يقول إن عنيت بالتحيزية تفرقته بعد الاجتماع واجتماعه بعد الافتراق فلا نسلم أن ما لا يكون كذلك يلزم أن يكون حقيرا # وإن عنيت به ما يشار إليه أو يتميز منه شيء لم نسلم أن مثل هذا ممتنع بل نقول أن كل موجود قائم بنفسه فإنه كذلك وإن ما لا يكون كذلك فلا يكون إلا عرضا قائما بغيره وإنه لا يعقل موجود إلا ما يشار إليه أو ما يقوم بما يشار إليه # قال أبو عبد الله الرازي البرهان الخامس أنه لو كان متحيزا لكان مركبا من الأجزاء إذ ليس في العقلاء من يقول إنه في حجم الجوهر الفرد ولو كان مركبا من الأجزاء فأما أن يكون الموصوف بالعلم والقدرة والحياة جزءا واحدا من ذلك المجموع أو يكون الموصوف بهذه الصفات مجموع تلك الأجزاء فإن كان الأول كان إله العالم هو ذلك الجزء الواحد فيكون إله العالم في غاية الصغر والحقارة وقد بينا أنه ليس في العقلاء من يقول بذلك وإن كان الثاني فأما إن يقال القائم بمجموع تلك الأجزاء علم واحد وقدرة واحدة أو يقال القائم بكل واحد من تلك الأجزاء علم على حدة وقدرة على حدة والأول محال لأنه يقتضي قيام الصفة الواحدة بالمحال الكثيرة وذلك محال وإن كان الثاني لزم أن يكون كل واحد منها إلها قديما وذلك يقتضي تكثر الآلهة وهو محال # فإن قيل هذا يشكل بالإنسان فإن ما ذكرتم قائم فيه بعينه فيلزم أن لا يكون جسما وهذه مكابرة فإنا نعلم بالضرورة أن الإنسان ليس إلا هذه البنية # ثم نقول لم لا يجوز أن يقال قام علم واحد بمجموع تلك الأجزاء إلا أنه انقسم ذلك المجموع وقام بكل واحد من تلك الأجزاء جزء من ذلك العلم # وأيضا لم لا يجوز أن نقول قام بكل واحد من تلك الأجزاء علم بمعلوم واحد وقدرة على مقدور واحد وبهذا الطريق كان مجموع الأجزاء عالما بجملة المعلومات قادرا على جملة المقدورات # والجواب عن السؤال الأول أن نقول أما الفلاسفة فقد طردوا قولهم وزعموا أن الإنسان ليس عبارة هذه البنية فإن الإنسان عبارة عن الشيء الذي يشير إليه كل إنسان بقوله أنا وذلك الشيء موجود ليس بجسم ولا جسماني قالوا وأما قول من يقول بأن هذا باطل بالضرورة لأن كل واحد يعلم أن الإنسان ليس إلا هذه البنية المخصوصة فقد أجابوا عنه بأن الإنسان مغاير لهذه البنية المشاهدة ويدل عليه وجوه # الأول أنا قد نفعل أنفسنا حال ما نكون غافلين عن جملة اعضائنا الظاهرة والباطنة والمعلوم مغاير لغير المعلوم # الثاني أني أعلم بالضرورة أني أنا الإنسان الذي كنت موجودا قبل هذه المدة بخمسين سنة وجملة أجزاء هذه البنية متبدلة بسبب السمن والهزال والصحة والمرض والباقي مغاير لما ليس بباق # الثالث أن المشاهد ليس إلا السطح الموصوف باللون المخصوص وباتفاق العقلاء ليس عبارة عن هذا القدر فثبت أن الإنسان ليس بمشاهد البتة # وأما سائر الطوائف والفرق فقد ذكروا الفرق بين الشاهد والغائب من وجهين أحدهما قال الأشعري كل واحد من أجزاء الإنسان موصوف بعلم على حدة وقدرة على حدة وهذا يقتضي أن يكون هذا البدن مركبا من أشياء كثيرة وكل واحد منها عالم قادر حي وهذا مما لا نزاع فيه وأما التزام ذلك في حق الله سبحانه وتعالى فإنه يقتضي تعدد الآلهة وذلك محال فظهر الفرق الثاني قال ابن الرواندي الإنسان جزء واحد لا يتجزأ في القلب وهذا يقتضي أن يكون الإنسان في غاية الحقارة وذلك غير ممتنع أما لو قلنا بمثله في حق الله تعالى يلزم كونه في غاية الحقارة وذلك لم يقل بها عاقل # وأما السؤال الثاني وهو قوله لم لا يجوز أن يقال العلم ينقسم فقام بكل واحد من تلك الأجزاء جزء واحد من ذلك فنقول هذا محال لأن كل واحد من أجزاء العلم إما أن يكون علما وإما أن لا يكون علما فإن كان الأول كان القائم بكل واحد من تلك الأجزاء علما على حدة وذلك غير هذا السؤال وإن كان الثاني لم يكن شئ من تلك الأجزاء موصوفا بالعلم والمجموع ليس إلا تلك الأمور فوجب أن لا يكون المجموع موصوفا بالعلم والقدرة # وأما السؤال الثالث وهو قولهم كل واحد من تلك الأجزاء يكون موصوفا بعلم متعلق بمعلوم معين وبقدرة متعلقة بمقدور معين فنقول هذا أيضا محال لأنه يقتضي كون كل واحد من تلك الأجزاء عالما بمعلومات معينة قادرا على مقدورات معينة فيرجع حاصل الكلام إلى إثبات آلهة كثيرة كل واحد منها مخصوص بمعرفة بعض المعلومات وبالقدرة على بعض المقدورات وذلك يناقض القول بأن إله العالم موجود واحد والله أعلم # ولقائل أن يقول الاعتراض على هذا من وجوه # الأول قولك لو اتصف بكل واحد من هذه الصفات فأما أن يكون كل جزء من أجزائه متصفا بجميع هذه الصفات إلى آخره فرع على ثبوت الأجزاء وذلك ممنوع فلم قلت إن كل ما هو جسم فهو مركب من الأجزاء فإن هذا مبني على أن الأجسام مركبة من الجواهر المنفردة وهذا ممنوع وجمهور العقلاء على خلافه وهو لم يثبته هنا بالدليل فيكفي مجرد المنع وبسط ذلك في موضعه وكل من أمعن في معرفة هذا المقام علم أن ما ذكروه من أن الجسم مركب من جواهر منفردة متشابهة عرض لها التركيب أو من مادة وصورة وهما جوهران من أفسد الكلام وإذا كان كذلك أمكن أن يكون كل من الصفات القائمة بجميع المحل شائعة في جميع الموصوف ولا يلزم أن يكون الواحد قام بأجزاء بل القول في الصفة الحالة كالقول في المحل الذي هو الموصوف # الوجه الثاني أن يقال القول في وحدة الصفة وتعددها وانقسامها وعدم انقسامها كالقول في الموصوف وسواء في ذلك الصفات المشروطة بالحياة والقدرة والحس بل والحياة نفسها أو التي لا تشترط بالحياة كالطعم واللون والريح فإن طعم التفاحة مثلا شائع فيها كلها فإذا بعضت تبعض ولا يقال أنها قام طعم واحد بجملة التفاحة بل إن قيل إن التفاحة أجزاء كثيرة قيل قام بها طعوم كثيرة وإن قيل هي شيء واحد قيل قام بها طعم واحد فإن قيل فهذا هو التقدير الأول وهو اتصاف كل جزء من هذه الأجزاء بجميع هذه الصفات قيل ليس كذلك أما أولا فلمنع التجزي وأما ثانيا فلأنه لم يقم بكل جزء إلا جزء من الصفة القائمة بالجميع لم تقم جميع الصفة بكل جزء وحينئذ فيبطل التلازم المذكور وهو كون كل جزء إلها فإن الإله سبحانه وتعالى هو المتصف بأنه بكل شيء عليم وعلى كل شيء قدير أما إذا قدر موصوف قام به جزء من هذه القدرة لا تنقسم هي ولا محلها لم يلزم أن يكون ذلك الجزء قادرا فضلا عن أن يكون ربا إذ القادر لا يجب أن يكون من قام به جزء من القدرة ولا الحي من قام به جزء من الحياة ولا العالم من قام به جزء من العلم فإن قيل كيف يعقل انقسام محل هذه الصفات فإن الإنسان تقوم حياته بجميع بدنه وكذلك الحس والقدرة تقوم ببدنه وغيرهما من صفاته فكما أن بدنه ينقسم فالقائم ببدنه ينقسم فإن قيل إذا انقسم لم يبق قدرة ولا علما ولا حياة قيل وكذلك المحل لا يبقى يدا ولا عضوا ولا قادرا ولا حيا ولا عالما ولا حساسا فإن الجزء المنفرد بتقدير وجوده هو أحقر من أن يقال أنه يد أو عضو أو بدن حي عالم قادر فكيف يقال فيه أنه إله |
# الوجه الثالث أن ما ذكروه معارض بقيام هذه الصفات في الإنسان فإن الإنسان تقوم به الحياة والقدرة والحس ولم نذكر العلم ولا نحتاج أن نقول كما قالت المعتزلة إن الأعراض المشروطة بالحياة إذا قامت بجزء في الجملة عاد حكمها إلى جميع الجملة بل نذكر من الأعراض ما يعلم قيامه بالبدن الظاهر كالحياة والحس والحركة والقدرة فإن هذا التقسيم الذي ذكروه يرد عليه فأنه إن قيل أن كل جزء من أجزائه متصف بهذه الصفات لزم تعدد الإنسان وأن كان المتصف بجملتها بعض الإجزاء فلا أولوية ولزم أن لا يتعدى حكم الصفة محلها والتقدير أن ظاهر البدن كله حي حساس وإن قيل أن كل واحد يختص بصفة فهو معلوم الفساد بالضرورة مع أنه لا أولوية وإن قيل تقوم الصفة الواحدة بالجملة لزم قيام الواحد بالمتعدد فإذا كان هذا التقسيم واردا على ما يعلم قيام الصفات به ولم ينف قيامها به علم أنها حجة باطلة # الوجه الرابع قوله والرابع محال لأنه يلزم قيام المتحد بالمعدد فيقال لا نسلم التلازم فإن هذا القيام مبناه على أنه حينئذ يقوم الواحد بالمتعدد فإنه فرض قيام علم واحد بجملة أجزاء وهذا الأصل فاسد فإن المعلوم من وحدة الصفة الحالية وتعددها هو المعلوم من وحدة المحل وتعدده فالحياة القائمة بجسم حي إذا قيل هي حياة واحدة قيل هو حي واحد وإذا قيل الحي أجزاء متعددة قيل الحياة أجزاء متعددة فالحال ومحله سواء في الاتحاد والتعدد حينئذ فقولهم إنه قام المتحد بالمتعدد كلام باطل بل ما فسروا به الاتحاد في أحدهما كان موجودا في الآخر وما فسروا به تعدد أحدهما كان موجودا في الآخر # الوجه الخامس أنا لا نسلم الحصر فيما ذكروه من الأقسام بتقدير انقسام الجسم بل من الممكن أن يقال قام كل جزء من أجزاء هذه الصفات بجزء من أجزاء
الموصوف وكل جزء منه متصف من الصفة وهذا التقسيم غير ما ذكره من الأقسام ليس فيه اتصاف كل جزء بجميع الصفة ولا المتصف بجميعها بعض الجملة ولا كل جزء مختصا بجميع صفته ولا قيام واحد بمتعدد فإن قال الصفة لا تنقسم ومحلها ينقسم قيل هذه مكابرة للحس والعقل بل انقسامها بانقسام محلها يبين هذا أن من أعظم عمد مثبتي الجوهر الفرد قولهم إن الحركة قائمة بالجسم والزمان مقدار الحركة والزمان فيه الآن الذي لا ينقسم فلا ينقسم الجزء الذي يحلها فإنما استدلوا على وجود الجزء الذي لا ينقسم بوجود جزء من الحركة لا ينقسم فعلم أن انقسام الحال عندهم كانقسام محله مع أن هذا معلوم بالحس والعقل وكذلك المتفلسفة القائلون بأن النفس الناطقة ليست جسما عمدتهم أنه يقوم بها ما لا ينقسم وما لا ينقسم لا يقوم إلا بما لا ينقسم وقد اتفقت الطوائف على أن الصفة إذا لم تنقسم كان محلها لا ينقسم # الوجه السادس أن قوله إما أن يكون كل جزء من الأجزاء متصفا بهذه الصفات يقال له إن أردت انه يتصف به كما تتصف به كما تتصف به الجملة فهذا لا يقوله عاقل فانه ليس في الأجسام ما يكون صفة جميعه صفة للجوهر الفرد منه على الوجه الذي هي به صفة لجميعه وإن أردت أنه متصف به كما يليق بذلك الجزء فلم قلت إن ما اتصف بالصفة على هذا الوجه يمكن انفراده عن غيره فضلا عن كونه إلها وهذا لأنه ليس في جميع ما يعلم من الموصوفين المنفردين بأنفسهم ما هو جوهر فرد ولا في شيء مما يشاهد من الموصوفين ما هو جوهر فرد بل الجوهر الفرد بتقدير وجوده لا يحس به ولا يوجد منفردا فما كان لا يوجد وحده حتى ينضم إليه أمثاله كيف يكون حيا فضلا عن أن يكون فرسا أو بعيرا فضلا عن أن يكون إنسانا أو ملكا أو جنيا فضلا عن أن يكون إلها وهل ذكر مثل هذا في حق الله إلا من أعظم الدليل على جهل قائله فإنهم لا يعلمون شيئا من الجواهر المنفردة يسمى باسم جملته لقيام الصفة بالجملة فكيف يجب في حق الله إذا قامت به صفات الكمال أن يكون بتقدير ما ذكروه يجب فيه مثل ذلك # السابع أن يقال كما أنه لا يجب في كل جزء من الإنسان أن يكون إنسانا لأنه قام به من الصفات ما يقوم بالإنسان ولا في كل جزء من أجزاء الفرس وسائر الحيوان أن يكون فرسا لكونه من الجملة التي قامت بها الصفة فلماذا يجب في كل ما كان من الإله أن يكون إلها لقيام صفة الأله بالإله الموصوف كله مع أن كل واحد من الموجودات لا يكون جزؤه حكم كله لقيام الصفة بالجميع هل هذا إلا من أفسد الحجج وإن كان هو من أعظم عمدة النفاة # قال الشيخ رحمه الله وأما التأويل الثالث المذكور عن الغزالي من أن معنى قوله خلق آدم على صورته أن الإنسان ليس بجسم ولا جسماني ولا تعلق له بهذا البدن إلا على سبيل التدبير والتصرف ونسبة ذات آدم إلى هذا البدن كنسبة الباري إلى العالم من حيث أن كل منها غير حال في هذا الجسم وإن كان موجودا فيه فهذا يشبه ما ذكره الإمام أحمد عن الجهم في مناظرة المشركين السمنية إلى أن قال وهذا يشبه قول الصائبة المتفلسفة الذين اتبعهم أبو حامد حيث ادعوا أن الروح هي كذلك ليست جسما ولا يشار إليها ولا تختص بمكان دون مكان ولكنها مدبرة للجسد كما أن الرب مدبر للعالم مع أن في كلام أبي حامد من التناقض في هذه الأمور ما ليس هذا موضع استقصائه وبهذا تبين ما نبهنا عليه في غير موضع أن مذهب الجهمية هو من جنس دين الصائبة المبدلين # فإن الإنسان عبارة عن البدن والروح معا بل هو بالروح أخص منه بالبدن # فمن قال بالمركب من الجواهر المنفردة اضطربوا في محل العلم ونحوه من العبد هل هو جزء منفرد في القلب كما يذكر عن ابن الراوندي أو عن الأعراض المشروطة بالحياة إذا قامت بجزء من الجملة اتصف بها سائر الجملة كما يقوله المعتزلة أو حكم العرض لا يتعدى محله بل يقوم بكل جوهر فرد عرض يخصه من العلم والقدرة ونحو ذلك كما يقوله الأشعري على ثلاثة أقوال ومن لم يقل بالجوهر الفرد لم يلزمه ذلك بل يقول أن العرض القائم بالجسم ليس بمنقسم في نفسه كما أن الجسم ليس بمنقسم وأما قبوله للقسمة فهو كقبول الجسم للقسمة وهؤلاء يقولون أن الإنسان من تقوم به الحياة والقدرة والحس بجميع بدنه ويقولون أن بدن الإنسان ليس مركبا من الجواهر المنفردة فلا يرد عليهم ما ورد على أولئك وأما الأعراض القائمة بروحه من العلم والإرادة ونحو ذلك فهي أبعد عن الانقسام من الأعراض القائمة ببدنه وروحه أبعد عن كونها مركبة من الجواهر المنفردة من بدنه وإن قيل أنها جسم وعلى هذا فإن قيل يقوم بها علم واحد بمعلوم واحد كان هذا بمنزلة أن يقال يقوم بالعين إدراك واحد لمدرك واحد وبمنزلة أن يقوم بداخل الأذن سمع واحد لمسموع واحد وهذا وغيره مما يجيبون به المتفلسفة الذين قالوا أن النفس الناطقة لا تتحرك ولا تسكن ولا تصعد ولا تنزل وليست بجسم فإن عمدتهم على ذلك كونها يقوم بها ما لا ينقسم كالعلم بما لا ينقسم وإذا لم تنقسم امتنع كونها جسما وكلا المقدمتين ممنوعة كما قد بسط الجواب عن هذه الحجة التي هي عمدتهم في غير هذا الموضع # قال أبو عبد الله الرازي البرهان السادس أنه تعالى لو كان جسما لكانت الحركة إما أن تكون جائزة عليه وأما لا تكون جائزة والقسم الأول باطل لأنه لما لم يمتنع أن يكون الجسم الذي تكون الحركة عليه جائزة إلها فلم لا يجوز أن يكون إله العالم هو الشمس أو القمر أو الفلك وذلك لأن هذه الأجسام ليس فيها عيب يمنع من إلهيتها إلا أمور ثلاث وهي كونها مركبة من الأجزاء وكونها محدودة متناهية وكونها موصوفة بالحركة والسكون فإذا لم تكن هذه الأشياء مانعة من الإلهية فكيف يمكن الطعن في إلهيتها وذلك عين الكفر والإلحاد وإنكار الصانع تعالى # والقسم الثاني هو أن يقال أنه تعالى جسم ولكن الانتقال والحركة عليه محال فنقول هذا باطل من وجوه # الأول أن هذا يكون كالزمن المقعد الذي لا يقدر على الحركة وهذا صفة نقص وهو على الله تعالى محال # الثاني أنه تعالى لما كان جسما كان مثلا لسائر الأجسام فكانت الحركة جائزة عليه # الثالث أن القائلين بكونه جسما مؤلفا من الأجزاء والابعاض لا يمنعون من جواز الحركة عليه فأنهم يصفونه بالذهاب والمجيء فتارة يقولون أنه جالس على العرش وقدماه على الكرسي وهذا هو السكون وتارة يقولون أنه ينزل إلى السماء الدنيا وهذا هو الحركة فهذه مجموع الدلائل على أنه تعالى ليس بجسم ولا بجوهر وبالجملة فليس بمتحيز # قال الشيخ رحمه الله وقد سئل عن من يقول أن النصوص تظاهرت ظواهرها على ما هو جسم أو يشعر به والعقل دل على تنزيه الباري عز وجل عنه إلى آخره فأجاب هذه مسألة كبيرة عظيمة القدر اضطرب فيها خلائق من الأولين والآخرين من أوائل المئة الثانية من الهجرة النبوية فأما المأة الأولى فلم يكن بين المسلمين اضطراب في هذا وإنما نشاء ذلك في أوائل المأة الثانية لما ظهر الجعد بن درهم وصاحبه الجهم بن صفوان ومن اتبعهما من المعتزلة وغيرهم على إنكار الصفات قالوا لأن إثبات الصفات يستلزم التشبيه والتجسيم والله سبحانه وتعالى منزه عن ذلك لأن الصفات التي هي العلم والقدرة والإرادة ونحو ذلك أعراض ومعان تقوم بغيرها والعرض لا يقوم إلا بجسم والله تعالى ليس بجسم لأن الأجسام لا تخلوا من الأعراض الحادثة وما لا يخلو من الحوادث محدث # قالوا وإذا كانت الأعراض التي هي الصفات لا تقوم إلا بجسم والجسم مركب من أجزائه والمركب مفتقر إلى غيره ولا يكون غنيا عن غيره واجب الوجود بنفسه والله تعالى غني عن غيره واجب الوجود بنفسه # قالوا ولأن الجسم محدود متناهى فلو كان له صفات لكان محدودا متناهيا وذلك لا بد أن يكون له مخصص بقدر دون قدر وما افتقر إلى مخصص لم يكن غنيا قديما واجب الوجود بنفسه قالوا ولأنه لو قامت به الصفات لكان جسم ولو كان جسما لكان مماثلا لسائر الأجسام فيجوز عليه ما يجوز عليها ويمتنع عليه ما يمتنع عليها وذلك ممتنع على الله تعالى # أو قالوا إنما أثبتنا حدوثها بحدوث الأفعال التي هي الحركات وأن القابل لها لا يخلو منها وما لا يخلو من الحوادث فهو حادث وأن ما قبل المجيء والإتيان والنزول كان موصوفا بالحركة وما اتصف بالحركة لم يخل منها أو من السكون الذي هو ضدها وما لا يخل من الحوادث فهو حادث فإذا ثبت حدوث الأجسام قلنا إن المحدث لا بد له من محدث فأثبتنا الصانع بهذا فلو وصفناه بالصفات أو بالأفعال القائمة به لجاز أن تقوم الأفعال والصفات بالقديم وحينئذ فلا يكون دليلا على حدوث الأجسام فيبطل دليل إثبات الصانع # فيقال لهم الجواب من وجوه أحدها أن بطلان هذا الدليل المعين لا يستلزم بطلان جميع الأدلة وإثبات الصانع له طرق كثيرة لا يمكن ضبط تفاصيلها وإن أمكن ضبط جملها الثاني أن هذا الدليل لم يستدل به أحد من الصحابة والتابعين ولا من أئمة المسلمين فلو كانت معرفة الرب عز وجل والإيمان به موقوفة عليه للزم أنهم كانوا غير عارفين بالله ولا مؤمنين به وهذا من أعظم الكفر باتفاق المسلمين الثالث أن الأنبياء والمرسلين لم يأمروا واحدا بسلوك هذا السبيل فلو كانت المعرفة موقوفة عليه وهي واجبة لكان واجبا وإن كانت مستحبة كان مستحبا ولو كان واجبا أو مستحبا لشرعه رسول الله صلى الله عليه وسلم ولو كان مشروعا لنقلته الصحابة # وقال بعضهم قد قال الله تعالى ^ واتخذ قوم موسى من بعده من حليهم عجلا جسدا له خوار ألم يروا أنه لا يكلمهم ولا يهديهم سبيلا ^ فقد ذم الله من أتخذ إلها جسدا والجسد هو الجسم فيكون الله قد ذم من اتخذ إلها هو جسم فيقال له هذا باطل من وجوه # أحدها أن هذا إنما يدل على نفي أن يكون جسدا لا على نفي أن يكون جسما والجسم في اصطلاح نفاة الصفات أعم من الجسد إلى أن قال # الثاني أن يقال إن سبحانه منزه أن يكون من جنس شيء من المخلوقات لا أجساد الآدميين ولا أرواحهم ولا غير ذلك من المخلوقات فإنه لو كان من جنس شيء من ذلك بحيث تكون حقيقته كحقيقته للزم أن يجوز على كل منهما ما يجوز على الآخر ويجب له ما يجب له ويمتنع عليه ما يمتنع عليه لأنه يستلزم أن يكون القديم الواجب الوجود بنفسه غير قديم واجب الوجود بنفسه وأن يكون المخلوق الذي يمتنع غناه غنيا يمتنع افتقاره إلى الخالق وأمثال ذلك من الأمور المتناقضة والله تعالى نزه نفسه أن يكون له كفوأ ومثل أو سمي أو ند # والمقصود إنما أخرجه كان جسدا مصمتا لا روح فيه حتى تبين نقصه وأنه كان مسلوب الحياة والحركة # الوجه الثالث وهو إنه سبحانه قال ^ ألم يروا أنه لا يكلمهم ولا يهديهم سبيلا ^ فلم يذكر فيما عابه به كونه ذا جسد ولكن ذكر فيما عابه به ^ أنه لا يكلمه ولا يهديهم سبيلا ^ ولو كان مجرد كونه ذا بدن عيبا ونقصا لذكر ذلك فعلم أن الآية تدل على نقض حجة من يحتج بها على أن كون الشيء ذا بدن عيبا ونقصا وهذه الحجة نظير احتجاجهم بالأفول فإنهم غيروا معناه في اللغة وجعلوه الحركة فظنوا أن إبراهيم احتج بذلك على كونه ليس رب العالمين ولو كان كما ذكروه لكان حجة عليهم لا لهم # الوجه السادس أن الله تعالى ذكر عن الخليل أنه قال ^ يا أبت لم تعبد ما لا يسمع ولا يبصر ولا يغني عنك شيئا ^ وقال تعالى ^ هل يسمعونكم إذ تدعون أو ينفعونكم أو يضرون قالوا بل وجدنا آباءنا كذلك يفعلون ^ فاحتج على نفي إلهيتها بكونها لا تسمع ولا تبصر ولا تنفع ولا تضر مع كون كل منها لها بدن وجسم سواء كان حجرا أو غيره فلو كان مجرد هذا الاحتجاج كافيا لذكره إبراهيم الخليل وغيره من الأنبياء عليهم أفضل الصلاة واللام بل إنما احتجوا بمثل ما احتج الله به من نفي صفات الكمال عنها كالتكليم والقدرة والحركة وغير ذلك # الوجه السابع أن يقال ما ذكره الله تعالى أما أن يكون دالا على أن إلا له سبحانه موصوف ببعض هذه الصفات وإما أن لا يدل فإن لم يدل بطل ما ذكروه وإن دل فهو يدل على إثبات صفات الكمال لله تعالى وهو التكليم للعباد والسمع والبصر والقدرة والنفع والضر وهذا يقتضي أن تكون الآيات دليلا على إثبات الصفات لا على نفيها ونفاة والصفات إنما نفوها لزعمهم إن إثباتها يقتضي التجسيم والتجسيد فالآيات التي احتجوا هي عليهم لا لهم # الوجه الثامن أنه إذا كان كل جسم جسدا وكل ما عبد من دون الله تعالى من الشمس والقمر والكواكب والأوثان وغير ذلك أجساما وهي أجساد فإن كان الله ذكر هذا في العجل لينفي به عنه الإلهية لزم أن يطرد هذا الدليل في جميع المعبودات ومعلوم أن الله لم يذكر هذا في غير العجل أنه ذكر كونه جسدا لبيان سبب افتتانهم به لا أنه جعل ذلك هو الحجة عليهم بل احتج عليهم بكونه ^ لا يكلمهم ولا يهديهم سبيلا ^ # ويقول له الخصم إنك تقول لا بد له إذا كان متحيزا من الحركة والسكون فنحن نقول أن كل قائم بنفسه لا يخلو عن الحركة والسكون فإنه إما أن يكون منتقلا أو لا يكون منتقلا فإن كان منتقلا فهو متحرك وإلا فهو ساكن ويقول الخصم قولك الحركة حادثة قلت حادثة النوع أو الشخص الأول ممنوع والثاني مسلم قولك ما لا يخلو عن الحوادث فهو حادث إن أريد به ما لا يخلو عن نوعها فممنوع والثاني لا يضر # وأما لفظ الزوال والانتقال فهذا اللفظ مجمل ولهذا كان أهل الحديث والسنة فيه على أقوال عثمان بن سعيد الدارمي وغيره أنكر وأعلى الجهمية قولهم أنه لا يتحرك وذكروا أثرا أنه لا يزول وفسروا الزوال بالحركة فبين عثمان بن سعيد أن ذلك الأثر إن كان صحيحا لم يكن حجة لهم لأنه في تفسير قوله ^ الحي القيوم ^ ذكروا عن ثابت دائم باق لا يزول عما يستحقه كما قال ابن إسحاق لا يزول عن مكانته قلت والكلبي بنفسه الذي يروي هذا الحديث وهو يقول ^ استوى على العرش ^ استقر ويقول ^ ثم استوى إلى السماء ^ صعد إلى السماء وأما الانتقال فابن حامد وطائفة يقولون ينزل بحركة وانتقال وآخرون من أهل السنة كالتميمي من أصحاب أحمد أنكروا هذا وقالوا بل ينزل بلا حركة وانتقال وطائفة ثالثة كابن بطة وغيره يقفون في هذا وقد ذكر الأقوال الثلاثة القاضي أبو يعلى في كتاب اختلاف الروايتين والوجهين ونفى اللفظ بمجمله والأحسن في هذا الباب مراعاة ألفاظ النصوص فيثبت ما أثبت الله ورسوله باللفظ الذي أثبته وينفي ما نفاه الله ورسوله كما نفاه وهو أن يثبت النزول والإتيان والمجيء وينفي المثل والسمي والكفؤ والند # وقد صرح طوائف منهم بالحركة كما صرح بذلك طوائف من أئمة الحديث والسنة وصرحوا بأنه لم يزل متكلما إذا شاء وأن الحركة من لوازم الحياة وقد صرح بالحركة من صرح من الفلاسفة |
# قوله فهذه مجموع الدلائل على أنه تعالى ليس بجسم ولا بجوهر وبالجملة فليس بمتحيز # قال الشيخ رحمة الله عليه قد بينا في الرد على أصول الجهمية النفاة للصفات في الكلام على تأسيس التقديس وغيره أن عامة ما يحتج به النفاة للرؤية والنفاة لكونه فوق العرش ونحوهم من الأدلة الشرعية الكتاب والسنة هي أنفسها تدل على نقيض قولهم ولا تدل على قولهم فضلا عما يعترفون هم بدلالته على نقيض قولهم وهكذا أيضا عامة ما يحتجون به من الأدلة العقلية إذا وصلت معهم فيها إلى آخر كلامهم وما يجيبون به معارضهم وجدت كلامهم في ذلك يدل على نقيض قولهم وإنما يذكرونه من المناظرات العقلية هو على قول أهل الإثبات أدل منه على قولهم # قال أبو عبد الله الرازي أما شبه الخصم فمن وجوه # الشبهة الأولى أن العالم موجود والباري سبحانه وتعالى موجود وكل موجودين فلا بد وأن يكون أحدهما ساريا في الآخر أو مباينا عنه بالجهة وكون الباري تعالى ساريا في العالم محال فلا بد وأن يكون مباينا عنه بالجهة وكل ما كان كذلك فهو متحيز ثم أنه إما أنم يكون غير منقسم فيكون في الصغر والحقارة كالجوهر الفرد وهو محال وإما أن يكون شيئا كبيرا مركبا من الأجزاء والأبعاض وهو المقصود # الشبهة الثانية أنا لم نشاهد حيا عالما قادرا ألا وهو جسم وإثبات شيء على خلاف المشاهدة لا يقبله العقل ولا يقر به القلب فوجب القول بكونه تعالى جسما
# الشبهة الثالثة أن إله العالم يجب أن يكون عالما بهذه الجسمانيات والعالم بها يجب أن يحصل في ذاته صورها ومن كان كذلك يجب أن يكون جسما فهذه مقدمات ثلاث متى ظهرت لزم القول بأنه جسم # أما المقدمة الأولى فقد اتفق المسلمون عليها وأيضا فهذه الأجسام الموصوفة بهذه المقادير فلا بد لها من خالق وذلك الخالق هو الله تعالى وخالق الشيء لا بد وأن يكون عالما به فثبت أن خالق العالم عالم بهذه الجسمانيات # وأما المقدمة الثانية فهي في بيان أن العالم بهذه الجسمانيات يجب أن يحصل في ذاته صور الجسمانيات فالدليل عليه أن خالقها يجب أن يكون عالما بها قبل وجودها وإلا لم يصح منه خلقها وإيجادها والعالم بالشيء يجب أن يتميز ذلك في علمه عن سائر المعلومات وإلا لم يكن عالما بها وإذا تميز ذلك المعلوم عن غيره فذلك المعلوم ليس عدما محضا لأن العدم المحض لا يحصل فيه الامتياز فذلك المعلوم يجب أن يكون أمرا موجودا وهو غير موجود في الخارج لأن الكلام فيما إذا علمها قبل وجودها ولما لم يكن وجوده في الخارج وجب أن يكون وجوده في علم صانع العالم # وأما المقدمة الثالثة وهي في بيان أن من يحصل في ذاته صور الجسمانيات وجب أن يكون جسما فالدليل عليه أن من علم مربعا مجنحا بمربعين متساويين وجب أن يحصل هذا في ذات ذلك العالم وذلك العالم لا بد وأن يميز بين ذينك المربعين المتطرفين وذلك الامتياز ليس في الماهية ولا في لوازمها لأنهما متماثلان في الماهية فلا بد وأن يكون بالعوارض ولو كان محلاهما واحد لامتنع امتياز أحدهما عن الآخر بشيء من العوارض لأن المثلين إذا حصلا في محل واحد فكل عارض يعرض لأحدهما فهو بعينه عارض للآخر وذلك يمنع من حصول الامتياز ولما بطل هذا وجب أن يكون محل أحد المربعين مغايرا لمحل المربع الآخر حتى يكون امتياز أحد المحلين عن الثاني سببا لامتياز إحدى الصورتين عن الأخرى وامتياز أحد المحلين عن الثاني لا يحصل إلا إذا كان ذلك المحل جسما منقسما فثبت أن خالق العالم مدرك للجسمانيات وثبت أن كل من كان كذلك فهو جسم فيلزم أن يكون إله العالم جسما # قال الشيخ رحمه الله قلت أبو عبد الله الرازي من أعظم الناس منازعة للكرامية حتى يذكر بينه وبينهم أنواع من ذلك وميله إلى المعتزلة والمتفلسفة أكثر من ميله إليهم # وقال ليس في الحنابلة من أطلق لفظ الجسم لكن نفاة الصفات يسمون كل من أثبتها مجسما بطريق اللزوم إذ كانوا يقولون أن الصفات لا تقوم إلا بجسم وذلك أنهم اصطلحوا في معنى الجسم على غير المعنى المعروف في اللغة فإن الجسم في اللغة هو البدن وهم يسمون كل ما يشار إليه جسما فيلزم على قولهم أن كل ما جاء به الكتاب والسنة وما فطر الله عليه عباده وما سلف الأمة وأئمتها تجسيما وهذا لا يختص طائفة لا الحنابلة ولا غيرهم بل يطلقون لفظ المجسمة والمشبهة على أتباع السلف كلهم # قوله الجواب عن الشبهة الأولى أنا قد بينا أن قولهم كل موجودين فإما أن يكون أحدهما حالا في الآخر أو مباينا عنه بالجهة مقدمة غير بديهية بل مقدمة محتاجة في النفي والإثبات إلى برهان منفصل فسقط الكلام # قوله والجواب عن الشبهة الثانية ما بيناه أنه لا يلزم من عدم النظير للشيء عدم ذلك الشيء فسقطت هذه الشبهة # قوله والشبهة الثالثة ساقطة أيضا والدليل عليه أنه يمكننا التخيل صورة الشجر والخيل فهذه الصورة لو كانت منتقشة في ذاتنا لكانت ذاتنا إما أن يكون هو هذا الجسم وإما أن يكون جوهرا مجردا والأول محال لأنا نعلم بالضرورة أن الأشياء العظيمة لا يمكن انطباعها في المحل الصغير وأما الثاني فأنه اعتراف بأن صور المحسوسات يمكن انطباعها فيما لا يكون جسما وذلك يوجب سقوط هذه الشبهة وبالله التوفيق # قال الشيخ فصل قال ابن سينا في تمام مسألة العلم ونحن قد بينا في كتب أخرى أن كل صورة لمحسوس وكل صورة خيالية فإنما ندركها بآلة متجزية فيقال له هذا إن كان حقا فهو منتقض على أصلك بعلمه بالأفلاك والكواكب فأنها محسوسة وعندك أنه يعلمها بأعيانها إلى أن قال وهذه الأقوال إذا ضم بعضها إلى بعض لزم أن يكون واجب الوجود على قوله جسما وأن يكون النفس على أقواله أيضا جسما # وما ذكره أبو البركان إنما هو إلزام لابن سينا بطريق المناقضة وليس فيه ما يدل على بطلان ما ذكره من الإدراك إنما أحتج أبو البركات على بطلان ذلك بأن المدركات كبار والمدرك إذا كان جسما أو قوة في جسم فهو صغير يسعها وهذه حجة ضعيفة فإن القائلين بارتسام المدرك في المدرك لا يقولون أن المرتسم فيه مساو في المقدار للموجود في الخارج كما أنهم لا يقولون أن المرتسم حقيقة مساوية لحقيقة الموجود في الخارج وإنما هذا من جنس اعتراض الرازي عليهم بأنه لو كان صحيحا لكان من أدرك النار وجب أن يسخن ومن أدرك الثلج وجب أن يبرد ومن أدرك الرحى وجب أن يدور ودعوى ذلك مما لا يقوله عاقل ولهذا صاروا يتعجبون بل يسخرون ممن يورد عليهم مثل هذا وهم يشبهون تمثل المدركات في المدرك بتمثل المرئيات في المرآة ومعلوم أن ما في المرآة ليس مماثلا في الحقيقة والمقدار للموجود في الخارج أما حقيقة فلأن غايته أن يكون عرضا في المرآة والمرئي الخارج يكون جسما موجودا كالسماء والشمس والإنسان وغير ذلك مما يرى في المرآة وكذلك الإدراك فأنه عرض قائم بالمدرك والمدرك نفسه يكون عينا قائمة بنفسها سواء كان مرئيا أو معلوما بالقلب وأما قدره فلأن مقدار المرئي يختلف باختلاف المرآة فإذا كانت كبيرة رؤي كبيرا وإن كانت صغيرة رؤي صغيرا وهو على التقديرين يشبه الصورة الموجودة في الخارج فلذلك إذا قيل أن المدرك يتمثل في المدرك لم يلزم أن يكون قدره في المدرك مثل قدره في نفسه فهذا جملة ما احتج به هؤلاء الذين هم فحول النظر وأئمة الكلام والفلسفة في هذه المسائل # وقد تبين بكلام بعضهم في بعض إفساد هذه الدلائل وهذا جملة ما يعارضون به الكتاب والسنة ويسمونه قواطع عقلية ويقولون أنه يجب تقديم مثل هذا الكلام على نصوص التنزيل والثابت من أخبار الرسول وما اتفق عليه سلف الأمة وأئمتها فلو لم يكن في المعقول ما يوافق قول الرسول لم تجز معارضته بمثل هذا الكلام فضلا عن تقديمه عليه فكيف والمعقول الصريح موافق لما جاء به الرسول بل لا يجوز أن يعارض بمثل هذا الكلام الأحكام الثابتة بالعمومات والأقيسة والظواهر وأخبار الآحاد فكيف يعارض بذلك النصوص الثابتة عن المعصوم بل مثل هذا الكلام لا يصلح لإفادة ظن ولا يقين وإنما هو كلام طويل بعبارات طويلة وتقسيمات متنوعة يهابه من ما يفهمه وعامة من وافق عليه وافق عليه تقليدا لمن قاله قبله لا عن تحقيق عقلي قام في نفسه وكلام السلف والأئمة في ذم مثل هذا الكلام الذي احتجوا فيه بطريقة الأعراض والجواهر على حدوث الأجسام وإثبات الصانع كثير منتشر في غير هذا الموضع وكل من أمعن النظر وفهم حقيقة الأمر علم أن السلف كانوا أعمق من هؤلاء علما وأبر قلوبا وأقل تكلفا وأنهم فهموا من حقائق الأمور ما لم يفهمه هؤلاء الذين خالفوهم وقبلوا الحق وردوا الباطل والله أعلم # والمقصود هنا نوع تنبيه على إن ما يدعونه من العقليات المخالفة للنصوص لا حقيقة لها عند الاعتبار الصحيح وإنما هي من باب القعقعة بالشنان لمن يفزعه ذلك من الصبيان ومن هو شبيه بالصبيان وإذا أعطى النظر في المعقولات حقه من التمام وجدها براهين ناطقة بصدق ما أخبر به الرسول وأن لوازم ما أخبر به لازم صحيح وإن من نفاه نفاه لجهله حقيقة الأمر وفزعا باطنا وظاهرا كالذي يفزع من الآلهة المعبودة من دون الله أن تضره ويفزع من عدو الإنسان لما عنده من ضعف الإيمان ومن خالف الرسول لم يسلم من الشرك والإفك فسبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين آخر المجلد الأول # من كتاب نقض تأسيس الجهمية ويليه المجلد الثاني وأوله فصل قال الرازي في تأسيسه الفصل الرابع في إقامة البراهين على أنه ليس مختصا بحيز وجهة بسم الله الرحمن الرحيم # قال الشيخ الامام تقي الدين ابو العباس احمد بن تيمية رحمه الله ورضي عنه فصل # ثم قال ابو عبد الله الرازي في تأسيسه الفصل الرابع في اقامة البراهين على انه ليس بمختص بحيز وجهة بمعنى انه يصح ان يشار اليه بالحس انه ها هنا وهناك # وقد ذكر على ذلك ثمانية براهين مع ما بعضها مبني على ما تقدم من نفي انه جسم فانه قرر ان ذلك يستلزم نفي ان يكون على العرش واكثرها غير مبني على ذلك # وهذا الفصل يتضمن انه ليس على العرش ولا فوق السموات وان الرسول لم يعرج به اليه وانه لا يصعد اليه شيء ولا ينزل من عنده شيء ولا ترفع الابصار والرؤوس والايدي اليه في الدعاء بل لا تتوجه القلوب الى فوق قصدا للتوجه اليه اصلا في دعاء ولا عبادة ولا غير ذلك ويتضمن انه ليس فوق العالم رب ولا اله وليس هناك الا العدم المحض والنفي الصرف وان ما فوق العرش وما تحت الارض السابعة سواء في ذلك فكما انه ليس في جوف الارض فليس فوق العرش بل منهم من يقول انه في كل مكان او في كل موجود اما بمعنى ان تدبيره فيهم واما بمعنى ان ذاته في كل مكان او ان ذاته هي كل موجود واما ما فوق العرش فليس هناك شيء لانه هو ليس هناك عندهم وليس فوق العالم موجود آخر مخلوق حتى يقال انه فيه بمعنى التدبير او بذاته او بمعنى ان وجوده وجوده فهذه اقوال الجهمية متكلمهم ومتعبدهم لكن متكلموهم الجهمية الى النفي المطلق اقرب لكن ثم طائفة تقول هو بذاته فوق العرش وفي كل مكان كما ذكر ذلك الاشعري في المقالات عن زهير الاثري وابي معاذ التومنى واصحابهم فقال انهم يقولون ان الله بكل مكان وانه مع ذلك مستو على عرشه وانه يرى بالابصار بلا كيف وانه موجود الذات بكل مكان وانه ليس بجسم لا محدود ولا يجوز عليه الحلول والمماسة ويزعم انه يجيء يوم القيامة كما قال ^ وجاء ربك ^ وهذا في نفاة الجسم يشبه قول بعض مثبتة الجسم الذين يقولون انه لا نهاية له اذ الكلام قد يصف الموجود بصفة المعدوم ويشبه ذلك # واما عبادهم فلهم قصد وارادة فيمن يعبدونه والقصد لا بتوجه الى العدم المحض فلهذا كثيرا ما يجعلونه هو في كل مكان او يجعلونه هو الوجود كله والعامة هم الى هذا اقرب لانه لا تخرج القلوب ان تعبد شيئا موجودا وبنوا آدم قد اشركوا بالله فعبدوا ما شاء الله من المخلوقات فاذا ذكر لهم ما يقتضي عبادة كل شيء كما فعلته الاتحادية لم ينفروا عن هذا نفورهم عن ان تعطل قلوبهم من عبادة شيء من الاشياء بالكلية فهؤلاء يشركون شركا ظاهرا واما اولئك فالجحود المحض اغلب على قلوبهم ولهذا يوجد فيهم من الاستكبار عن العبادة وقسوة القلوب ما لا يوجد في الاخرين وكل واحد من الاستكبار والاشراك ينافي الاسلام الذي بعث الله به رسله وانزل به كتبه # فان الاسلام ان تعبد الله وحده لا شريك له فمن عبد الله وغيره فقد اشرك به كما كان مشركو العرب وغيرهم ومن امتنع عن عبادة الله كفرعون ونحوه فهو جاحد وهو اكفر من هؤلاء وان كان مشركا حيث له آلهة يعبدها # ولما كان الاسلام هو دين الله العام الذي اتفق عليه الاولون والاخرون من جميع عباده المؤمنين كما قال نوح عليه السلام ^ فإن توليتم فما سألتكم من اجر ان اجري الا على الله وامرت ان اكون من المسلمين ^ وقال ^ ما كان ابراهيم يهوديا ولا نصرانيا ولكن كان حنيفا مسلما وما كان من المشركين ^ وقال ^ ووصى بها ابراهيم بنيه ويعقوب يا بني ان الله اصطفى لكم الدين فلا تموتن الا وانتم مسلمون ^ وقال يوسف عليه السلام ^ توفني مسلما والحقني بالصالحين ^ كما قال ^ اني تركت ملة قوم لا يؤمنون بالله وهم بالآخرة هم كافرون واتبعت ملة آبائي ابراهيم واسحاق ويعقوب ما كان لنا ان نشرك بالله من شيء ^ الى قوله ^ ما تعبدون من دونه الا اسماءا سميتموها انتم وآباؤكم ما انزل الله بها من سلطان ان الحكم الا لله امر الا تعبدوا الا اياه ذلك الدين القيم ولكن اكثر الناس لا يعلمون ^ وقال موسى عليه السلام ^ يا قوم ان كنت آمنتم بالله فعليه توكلوا ان كنتم مسلمين ^ وقال ^ انا انزلنا التوراة فيها هدى ونور يحكم بها النبيون الذين اسلموا للذين هادوا ^ وقالت بلقيس ^ رب اني ظلمت نفسي واسلمت مع سليمان لله رب العالمين ^ وقد قال تعالى ^ ومن احسن دينا ممن اسلم وجهه لله وهو محسن ^ وقال تعالى ^ وقالوا لن يدخل الجنة الا من كان هودا او نصارى تلك امانيهم قل هاتوا برهانكم ان كنتم صادقين بلى من اسلم وجهه لله وهو محسن فله اجره عند ربه ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون ^ وهذا عام في الاولين والاخرين كما قال ^ افغير دين الله يبغون وله اسلم من في السموات والارض طوعا وكرها واليه يرجعون قل آمنا بالله وما انزل علينا وما انزل على ابراهيم واسماعيل واسحاق ويعقوب والاسباط وما اوتي موسى وعيسى والنبيون من ربهم لا نفرق بين احد منهم ونحن له مسلمون ومن يبتغ غير الاسلام دينا فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين ^ وقال شهد الله انه لا اله الا هو والملائكة واولو العلم قائما بالقسط لا اله الا هو العزيز الحكيم ان الدين عند الله الاسلام ^ ثم قال ^ وما اختلف الذين اوتوا الكتاب الا من بعد ما جاءهم العلم بغيا بينهم ومن يكفر بآيات الله فان الله سريع الحساب فان حاجوك فقل اسلمت وحهي لله ومن اتبعني وقل للذين اوتوا الكتاب والاميين أأسلمتم فان اسلموا فقد اهتدو وان تولوا فإنما عليك البلاغ والله بصير بالعباد ^ # وقوله تعالى ^ ان الدين عند الله الاسلام وما اختلف الذين اوتوا الكتاب الا من بعد ما جاءهم العلم بغيا بينهم ^ فيه بيان انهم اختلفوا في دين الله الذي هو الاسلام من بعد ما جاءهم العلم حملهم على الاختلاف البغي وهذا كما قال ^ شرع لكم من الدين ما وصى به نوحا والذي اوحينا اليك وما وصينا به ابراهيم وموسى وعيسى ان اقيموا الدين ولا تتفرقوا فيه كبر على المشركين ما تدعوهم اليه الله يجتبي اليه من يشاء ويهدي اليه من ينيب وما تفرق الذين اوتوا الكتاب إلا من بعد ما جاءهم العلم بغيا بينهم ولولا كلمة سبقت من ربك الى اجل مسمى لقضي بينهم وان الذين اورثوا الكتاب من بعدهم لفي شك منه مريب فلذلك فادع واستقم كما امرت ولا تتبع اهواءهم وقل آمنت بما انزل الله من كتاب وامرت لاعدل بينكم الله ربنا وربكم لنا اعمالنا ولكم اعمالكم لا حجة بيننا وبينكم الله يجمع بيننا وواليه المصير ^ # واختلاف اهل الكتاب في دين الله الذي هو الاسلام قد تكلمنا عليه في غير الموضع # ومن ذلك ان اليهود يغلب عليهم الاستكبار والقسوة فهم يعرفون الحق ولا يتبعونه وبذلك وصفهم الله في القرآن ومن فسد من اهل العلم والكلام كان فيه شبه منهم ولهذا يوجد في متكلمه الجهمية من المعتزلة ونحوهم شبه كثير حتى ان من احبار اليهود من يقرر الاصول الخمس التي للمعتزلة ويوجد فيهم من التكذيب بالقدر والصفات وتأويل ما في التوراة وغير ذلك ما فيه مضاهاة للمعتزلة # واما النصارى فيغلب عليهم الاشراك والجهل فهم يتعبدون ويرحمون لكن بضلال واشراك وبذلك وصفهم الله في القرآن ولهذا يوجد في متعبدة الجهمية من الاتحادية وغيرهم منهم سبه كثير حتى قد رأيت من هؤلاء الاتحادية من اخذ كلام النصارى النسطورية يزنه بكلامهم وحتى ان من النصارى من يأخذ فصوص الحكم لابن عربي فيعظمه تعظيما شديدا ويكاد يغشى عليه من فرحه به ولهذا يوجد شيوخ الاتحادية موالين للنصارى ولعهلم يوالونهم اكثر من المسلمين # واذا كان كذلك فينبغي ان يعلم ان الكلام في هذا الفصل مقصود لنفسه وفيه ينفصل اهل التوحيد من اهل الالحاد فان القول بان الله فوق العرش هو مما اتفقت عليه الانبياء كلهم وذكر في كل كتاب انزل على كل نبي ارسل وقد اتفق على ذلك سلف الامة وائمتها من جميع الطوائف وجميع طوائف الصفاتية تقول بذلك الكلابية وقدماء الاشعرية وائمتهم والكرامية وقدماء الشيعة من الامامية وغيرهم بخلاف لفظ الجسم والمتحيز فإن هذا لم يثبته السلف والائمة مطلقا ولا نفوه مطلقا وان كان فيما اثبتوه ما يوافق ما قد يعنيه مثبتو ذلك وفيما نفوه ما قد يوافق بعض اقوال نفاة ذلك وذلك ان الله سبحانه له الاسماء الحسنى كما سمى نفسه بذلك وانزل كتبه وعلمه من شاء من خلقه كاسمه الحق والعليم والرحيم والحكيم والاول والاخر والعلي والعظيم والكبير ونحو ذلك وهذه الاسماء كلها اسماء مدح وحمد تدل على ما يحمد به ولا يكون معناها مذموما وهي مع ذلك قد تستلزم معاني اذا اخذت مطلقة وسميت باسمائها عمت المحمود والمذموم مثل اسمه الرحيم فانه يستلزم الارادة فاذا اخذت الارادة مطلقا وقيل المريد فالمريد قد يريد خيرا يحمد عليه وقد يريد شرا يذم عليه وكذلك اسمه الحكيم و الصادق وغيرهما يتضمن انه متكلم فاذا اخذ الكلام مطلقا وقيل متكلم فالمتكلم قد يتكلم بصدق وعدل وقد يتكلم بكذب وظلم وكذلك الاسم الاول يدل على انه متقدم على كل شيء فاذا اخذ معنى التقدم وقيل قديم فإنه يقال على ما تقدم على غيره وان تقدم غيره عليه كالعرجون القديم والافك القديم وكذلك اسم الحق بل وسائر الاسماء تدل على انه بحيث يجده الواجدون فإذا اخذ لفظ الوجود مطلقا لم يدل الا على انه بحيث يجده غيره لم يدل على انه حق في نفسه وان لم يكن ثم غيره يجده وكذلك اذا قيل ذات او ثابت او نحو ذلك لم يدل الا على القدر المشترك لم يدل على خصوصية وكذلك اسم العلي والعظيم والكبير يدل على انه فوق العالم وانه عظيم وكبير وكذلك يستلزم انه مباين للعالم متحيز عنه بحده وحقيقته فاذا اخذ اسم المتحيز ونحوه لم يدل الا على القدر المشترك لم يدل على ما يمدح به الرب ويتميز به عن غيره وقد قال من قال من العلماء ان مثل اسمائه الخافض الرافع والمعز المذل والمعطي المانع والضار النافع لا يذكر ولا يدعى بأحد الاسمين الذي هو مثل الضار والنافع والخافض لان الاسمين اذا ذكرا معادل ذلك على عموم قدرته وتدبيره وانه لا رب غيره وعموم خلقه وامره فيه مدح له وتنبيه على ان ما فعله من ضرر خاص ومنع خاص فيه حكمة ورحمة بالعموم واذا ذكر احدهما لم يكن فيه هذا المدح والله له الاسماء الحسنى ليس له مثل السوء قط فكذلك ايضا الاسماء التي فيها عموم واطلاق لما يحمد ويذم لا توجد في اسماء الله الحسنى لانها لا تدل على ما يحمد الرب به ويمدح # لكن مثل هذه الاسماء ومثل تلك ليس لاحد ان ينفي مضمونها ايضا فيقول ليس بضار ولا خافض او يقول ليس بمريد ولا متكلم ولا بائن عن العالم ولا متحيز عنه ونحو ذلك لان نفي ذلك باطل وان كان اثباته يثبت على الوجه المتضمن مدح الله وحمده واذا نفى هاتان فقد تقابل ذلك النفي بالاثبات ردا لنفيه وان لم تذكر مطلقة في الثناء والدعاء والخبر المطلق فإن هذا نوع تقييد يقصد به الرد على المنافق المعطل وهذا في الاثبات والنفي جميعا فمن العيوب والنقائص ما لا يحسن ان يثنى على الله به ابتداء لكن اذا وصفه بعض المشركين نفي ذلك ردا لقولهم كمن يقول ان الله فقير ووالد ومولود او ينام ونحو ذلك فينفى عن الله الفقر والولادة وغير ذلك فهذا اصل في التفريق بين ما ذكر من اسماء الله وصفاته مطلقا وما لا يذكر الا مقيدا اما مقرونا بغيره واما لمعارضة مبطل وصف الله بالباطل ف ^ سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين ^ # ومما ينبغي ان يعلم ان المبطل اذا اراد ان ينفي ما اثبته القرآن او يثبت ما نفاه لم يصادم لفظ القرآن الا اذا افرط في الجهل مثل من ينكر من الجهمية اطلاق القول بان الله كلم موسى تكليما او ان ^ الرحمن على العرش استوى ^ ونحو ذلك وقد يقول انما انكرت اطلاقه لان مطلقه عنىبه معنى فاسدا ويكون المطلق لم يعن غير ما عناه الله ورسوله ومنهم من لا يمكنه منع اطلاق اللفظ فيطلق من التصريف ما جاء به نص آخر وما هو من لوازم هذا النص مثل ان يقول يقال ^ الرحمن على استوى ^ ولا يقال الله ولا الرب على العرش استوى او لا يقال هو مستو فاذا قيل لاحد هؤلاء فقد قال في الاية الاخرى ^ ان ربكم الله الذي خلق السموات والارض في ستة ايام ثم استوى على العرش ^ وقال ^ الله الذي رفع السموات بغير عمد ترونها ثم استوى على العرش ^ بقي حائرا كما روى ان عمرو بن عبيد قال لابي عمرو بن العلاء احب ان تقرأ هذا الحرف ^ وكلم الله موسى تكليما ^ ليكون موسى هو الذي كلم الله ولا يكون في الكلام دلالة على ان الله كلم احدا فقال له فكيف تصنع بقوله ^ ولما جاء موسى لميقاتنا وكلمه ربه ^ # واذا كان الفاظ النصوص لها حرمة لا يمكن المظهر للاسلام ان يعارضها فهم يعبرون عن المعاني التي تنافيها بعبارات اخرى ابتدعوها ويكون فيها اشتباه واجمال كما قال الامام احمد فهم مختلفون في الكتاب مخالفون للكتاب محمعون على مخالفةالكتاب يقولون على الله وفي الله وفي كتاب الله بغير علم يتكلمون بالمتشابه من الكلام ويخدعون جهال الناس بما يشبهون عليهم # ومن هذا الباب قول المؤسس ونحوه ممن فيه تجهم اقامة البراهين على انه ليس بمختص بحيز وجهة بمعنى انه يصح ان يشار اليه بالحس انه ها هنا وهناك فان المقصود الذي يرده على منازعه بهذا الكلام انه ليس على العرش ولا فوق العالم كما يذكره في سائر كلامه ويحرف النصوص الدالة على ذلك ولكن لم يترجم للمسألة بنفي هذا المعنى الخاص الذي اثبتته النصوص بل عمد الى معى عام مجمل يتضمن نفي ذلك وقد يتضمن ايضا نفي معنى باطل فنفاهما جميعا نفي الحق والباطل فان القائل ليس في جهة ولا حيز يتضمن نفيه انه ليس داخل العالم ولا في اجواف الحيوانات ولا الحشوش القذرة وهذا كله حق ويتضمن انه ليس على العرش ولا فوق العالم وهذا باطل وكان في نفيه نفي الحق والباطل # ولهذا كان اهل الاثبات على فريقين منهم من يقول بل هو في جهة وحيز لانه فوق العرش وهذا مما دخل في عموم كلام النافي والنافية الكلية السالبة تناقض بإثبات معين كما في قوله ^ وما قدروا الله حق قدره اذ قالوا ما انزل الله على بشر من شيء قل من انزل الكتاب الذي جاء به موسى ^ ومقصود هذا المثبت جهة معينة وحيزا معينا وهو ما فوق العرش ومنهم لا يطلق انه لا في جهة ولا في حيز اما لان هذا اللفظ لم ترد به النصوص واما لانه مطلق لا يبين المقصود الحق وهو انه على العرش وفوق العالم واما لان لفظه يفهم او يوهم معنى فاسدا مثل كونه قد احاط به بعض المخلوقات فإن كثيرا من النفاة وان كان مشهورا عند الناس بعلم او مشيخة او قضاء او تصنيف قد يظن ان قول من قال انه في السماء او في جهة معناه ان السموات تحيط به وتحوزه وكذلك اذا قال متحيز يظن ان معناه التحيز اللغوى وهو كونه تحيز في بعض مخلوقاته حتى ينقلون ذلك عن منازعهم اما عمدا او خطأ وربما صغروا الحيز حتى يقولوا ان الله في هذه البقعة او هذا الموضع او نحو ذلك من الاكاذيب المفتراة وايضا فمن المثبتة الضلال من يقول ان الله متحيز بهذا الاعتبار مثل من يقول انه ينزل عشية عرفة على جمل اورق فيصافح المشاة ويعانق الركبان وان النبي صلى الله عليه وسلم رآه في الطواف او في بعض سكك المدينة وان مواضع الرياض هو موضع خطواته ونحو ذلك مما فيه من وصفه بالتحيز امر باطل مبني على احاديث موضوعة ومفتراة # ولهذا الاجمال والاشتراك الذي يوجد في الاسماء نفيا واثباتا تجد طوائف من المسلمين يتباغضون ويتعادون او يختصمون او يقتتلون على اثبات لفظ او نفيه والمثبتة يصفون النفاة بما لم يريدوه والنفاة يصفون المثبتة بما لم يريدوه لان اللفظ فيه اجمال واشتراك يحتمل معنى حقا ومعنى باطلا فالمثبت يفسره بالمعنى الحق والنافي يفسره بالمعنى الباطل ثم المثبت ينكر على النافي بأنه جحد من الحق والنافي ينكر على المثبت انه قال على الله الباطل وقد يكون احدهما او كلاهما مخطئين في حق الاخر وسبب ذلك مع اشتراك اللفظ نوع جهل ونوع ظلم ولا حول ولا قوة الا بالله # واذا كان القول بان الله فوق العرش وفوق العالم ولوازم هذا القول الذي يلزم بالحق لا بالباطل هو قول سلف الامة وائمتها وعامة الصفاتية لم يكن رد هذا المؤسس على طائفة او طائفتين بل على هؤلاء كلهم وقد ذكرنا بعض ما يعرف به مذهبهم في غير هذا الموضع فإن المقصود الاكبر هنا انما هو النظر العادل فيما ذكره من دلائل الطرفين ليحكم بينهما بالعدل واما ما للمثبتة من الحجج التي لم يذكرها هو وذكر القائلين بالاثبات فلم يكن ذلك هو المقصود لكن الكلام يحوج الى ذكر بعضه فينبه على ذلك فمن ذلك طائفة هذا المؤسس وهم ابو الحسن الاشعري واتباعه فان قدماءهم جميعهم وائمتهم الكبار كلهم متفقون على ان الله فوق العرش ينكرون ما ذكره المؤسس وطائفة معه كأبي المعالي وابي حامد من نفي ذلك او تأويل آيات القرآن كقوله ^ ثم استوى ^ بمعنى استولى وقد ذكرت قبل ذلك قول ابي الحسن الاشعري في كتاب الابانة حيث قال # فإن قال قائل قد انكرتم قول المعتزلة والقدرية والرافضة والمرجئة فعرفونا قولكم الذي به تقولون وديانتكم التي بها تدينون قيل له قولنا الذي به نقول وديانتنا التي بها ندين التمسك بكتاب الله عز وجل وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وما روى عن الصحابة والتابعين وائمة الحديث ونحن بذلك معتصمون وبما كان يقول احمد بن حنبل نضر الله وجهه ورفع درجته واجزل مثوبته قائلون ولما خالف قوله مجانبون لانه الامام الفاضل والرئيس الكامل الذي ابان الله به الحق عند ظهور الضلال واوضح به المنهاج وقمع به بدع المبتدعين وزيغ الزائغين وشك الشاكين فرحمة الله عليه من امام مقدم وكبير مفهم وعلى جميع ائمة المسلمين # وجملة قولنا انا نقر بالله تبارك وتعالى وملائكته وكتبه ورسله وما جاء من عند الله وما روى الثقاة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم لا نرد من ذلك شيئا وان الله عز وجل واحد فرد احد صمد لا اله غيره لم يتخذ صاحبة ولا ولدا وان محمدا صلى الله عليه وسلم عبده ورسوله والجنة حق والنار حق وان الساعة آتية لا ريب فيها وان الله يبعث من في القبور وان الله مستو على عرشه كما قال ^ الرحمن على العرش استوى ^ وان له وجها كما قال ^ ويبقى وجه ربك ذو الجلال والاكرام ^ وان له يدين كما قال تعالى ^ بل يداه مبسوطتان ^ وقال سبحانه وتعالى ^ لما خلقت بيدي ^ وان له عينان بلا كيف كما قال عز وجل ^ تجري باعيننا ^ وان من زعم ان اسم الله عز وجل غيره كان ضالا وان لله علما كما قال عز وجل ^ انزله بعلمه ^ وقال سبحانه ^ وما تحمل من انثى ولا تضع الا بعلمه ^ ونثبت لله تعالى قدرة وقوة كما قال سبحانه ^ اولم يروا ان الله الذي خلقهم هو اشد منهم قوة ^ ونثبت لله السمع والبصر ولا ننفي ذلك كما نفته المعتزلة والجهمية والخوارج ونقول ان كلام الله غير مخلوق وانه لم يخلق شيئا الا وقد قال له كن فيكون كما قال سبحانه ^ انما امره اذا اراد شيئا ان يقول له كن فيكون ^ وانه لا يكون في الارض شيء من خير ولا شر الا ما شاء الله وان الاشياء تكون بمشيئة الله ونقول ان القرآن كلام الله غير مخلوق وان من قال بخلق القرآن كان كافرا وندين بان الله يرى بالابصار يوم القيامةكما يرى القمر ليلة البدر ويراه المؤمنون كما جاءت به الروايات عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ونقول ان الكافرين اذا رآه المؤمنون عنه محجوبون كما قال ^ كلا انهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون ^ وان موسى سأل الله الرؤية في الدنيا وان الله تجلى للجبل فجعله دكا واعلم بذلك موسى ان لا يراه في الدنيا ونرى ان لا نكفر احدا من اهل القبلة بذنب يرتكبه كالزنا والسرقة وشرب الخمر كما دانت بذلك الخوارج وزعموا انهم بذلك كافرون ونقول ان من عمل كبيرة وما اشبهها مستحلا لها كان كافرا اذا كان غير معتقد لتحريمها ونقول ان الاسلام اوسع من الايمان وليس كل اسلام ايمانا وندين بان الله يقلب القلوب وان القلوب بين اصبعين من اصابعه وانه يضع السموات على اصبع والارضين على اصبع كما جاءت به الرواية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وندين بأن لا ننزل احدا من الموحدين المسلمين بالايمان جنة ولا نارا الا من شهد له رسول الله صلى الله عليه وسلم ونرجوا الجنة للمذنبين ونخاف عليهم ان يكونوا بالنار معذبين ونقول ان الله سبحانه وتعالى يخرج من النار قوما بعد ما امتحشوا بشفاعة محمد صلى الله عليه وسلم ونؤمن بعذاب القبر وبأن الميزان والحوض حق والصراط حق والبعث بعد الموت حق وان الله يوقف العباد بالمواقف ويحاسب المؤمنين وان الايمان قول وعمل يزيد وينقص ونسلم للروايات الصحيحة في ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم التي رواها الثقات عدلا عن عدل حتى تنتهي الرواية الى رسول الله صلى الله عليه وسلم # وندين بحب السلف رضي الله عنهم الذين اختارهم الله لصحبة نبيه ونثني عليهم بما اثنى الله عليهم ونتولاهم ونقول ان الامام بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم ابو بكر رضي الله عنه وان الله اعز به الدين واظهره على المرتدين وقدمه المسلمون للامامة كما قدمه رسول الله صلى الله عليه وسلم للصلاة ثم عمر بن الخطاب رضوان الله عليه ثم عثمان بن عفان نضر الله وجهه قتله قاتلوه ظلما وعدوانا ثم علي ابن ابي طالب صلوات الله عليه ورضوانه فهؤلاء الائمة بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم وخلافتهم خلافة النبوة ونشهد للعشرة بالجنة الذين شهد لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ونتولى سائر اصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ونكف عما شجر بينهم وندين الله ان الائمة الاربعة راشدون مهديون فضلاء لا يوازيهم في الفضل غيرهم ونصدق بجميع الروايات التي يثبتها اهل النقل من النزول الى السماء الدنيا وان الرب يقول هل من سائل هل من مستغفر وسائر ما نقلوه واثبتوه خلافا لما قاله اهل الزيغ والتضليل # ونعول فيما اختلفنا فيه على كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم واجماع المسلمين وما كان في معناه ولا نبتدع في دين الله بدعة لم يأذن الله بها ولا نقول على الله ما لا نعلم ونقول ان الله يجيء يوم القيامة كما قال ^ وجاء ربك والملك صفا صفا ^ وان الله يقرب من عباده كيف شاء كما قال سبحانه ^ ونحن اقرب اليه من حبل الوريد ^ وكما قال ^ ثم دنا فتدلى فكان قاب قوسين او ادنى ^ # ومن ديننا ان نصلي الجمعة والاعياد خلف كل بر وفاجر وكذلك الجماعات كما روى عن عبد الله بن عمر انه كان يصلي خلف الحجاج وان المسح على الخفين سنة في الحضر والسفر خلافا لقول من انكر ذلك ونرى الدعاء لائمة المسلمين بالصلاح والاقرار بامامتهم وتضليل من رأى الخروج عليهم اذا ظهر منهم ترك الاستقامة وندين بترك الخروج عليهم وترك القتال في الفتنة ونقر بخروج الدجال كما جاءت به الرواية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ونؤمن بعذاب القبر ومنكر ونكير ومسألتهم في قبورهم ونصدق بحديث المعراج ونصحح كثيرا من الرؤيا في المنام ونقول ان لذلك تفسيرا ونرى الصدقة عن موتى المسلمين والدعاء لهم ونؤمن أن الله ينفعهم بذلك ونصدق بأن في الدنيا سحرة |
وان رسم السحر كائن موجود في الدنيا ونؤمن بالصلاة على من مات من اهل القبلة مؤمنهم وفاجرهم وتوارثهم ونقر ان النار والجنة مخلوقتان وان من مات او قتل فبأجله مات او قتل وان الارزاق من قبل الله يرزقها عباده حلالا وحراما وان الشيطان يوسوس للانسان ويشككه ويخبطه خلافا لقول المعزلة والجهمية كما قال الله عز وجل ^ الذين يأكلون الربا لا يقومون الا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس ^ وكما قال الله عز وجل ^ من شر الوسواس الخناس الذي يوسوس في صدور الناس من الجنة والناس ^ # ونقول ان الصالحين يجوز ان يخصهم الله بآيات يظهرها عليهم وقولنا في الاطفال اطفال المشركين ان الله يؤجج لهم نارا في الاخرة ثم يقول اقتحموها كما جاءت الرواية بذلك وندين ان الله يعلم ما العباد عاملون والى ما هم صائرون وما كان وما يكون وما لا يكون ان لو كان كيف كان يكون وبطاعة الائمة ونصيحة المسلمين ونرى مفارقة كل داعية لبدعة ومجانية اهل الاهواء وسنحتج لما ذكرناه من قولنا وما بقي منه وما لم نذكره بابا بابا وشيئا فشيئا ونتكلم عن مسألة رؤية الله بالابصار وعلى القرآن ثم قال & باب ذكر الاستواء # وذكر ما قد نبه عنه قريبا الذي اوله فان قال قائل ما تقولون في الاستواء قيل له ان الله مستو على عرشه كما قال سبحانه ^ الرحمن على العرش استوى ^ وقال تعالى ^ اليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه ^ وقال سبحانه وتعالى ^ بل رفعه الله اليه ^ وقال سبحانه وتعالى ^ يدبر الامر من
السماء الى الارض ثم يعرج اليه ^ وقال فرعون ^ يا هامان ابن لي صرحا لعلي ابلغ الاسباب اسباب السموات فاطلع الى اله موسى واني لاظنه كاذبا ^ فاكذب موسى ان الله فوق السموات وقال سبحانه ^ أأمنتم من في السماء ان يخسف بكم الارض فاذا هي تمور ^ والسموات فوقها العرش وانما اراد العرش الذي على السموات وقال ^ وجعل القمر فيهن نورا ^ ولم يرد ان القمر يملؤهن جميعا وانه فيهن جميعا ورأينا المسلمين جميعا يرفعون ايديهم اذا دعوا نحو العرش كما لا يحطونهااذا دعوا نحو الارض # قال وقد قال قائلون من المعتزلة والجهمية والحرورية ان معنى قوله ^ الرحمن على العرش استوى ^ انه استولى وملك وقهر وان الله في كل مكان وجحدوا ان يكون الله على عرشه كما قال اهل الحق فذهبوا في الاستواء الى الاستيلاء ولو كان هذا كما قالوه كان لا فرق بين العرش والارض السابعة السفلى لان الله عز وجل قادر على كل شيء # ثم قال ابو الحسن الاشعري # باب الكلام في الوجه والعينين والبصر # قال الله تبارك وتعالى ^ كل شيء هالك الا وجهه ^ وقال سبحانه وتعالى ^ ويبقى وجه ربك ذو الجلال والاكرام ^ فاخبر سبحانه وتعالى ان له وجها لا يفنى ولا يلحقه الهلاك وقال تعالى ^ تجري بأعيننا فاخبر عن العينين ^ ولله تعالى ذكره عين ووجه كما قال لا يحد ولا يكيف وقال سبحانه ^ واصبر لحكم ربك فإنك بأعيننا ^ وقال عز وجل ^ ولتصنع على عيني ^ وقال تعالى ^ وكان الله سميعا بصيرا ^ وقال تعالى لموسى وهارون ^ انني معكما اسمع وأرى ^ فاخبر عن سمعه ورؤيته وبصره # قال ونفت الجهمية ان يكون له وجه كما قال وابطلوا ان يكون له سمع وبصر ووافقوا النصارى لان النصارى لم تثبت لله سمعا ولا بصرا الا على معنى انه عالم وكذلك قالت الجهمية قال وحقيقة قول الجهمية انهم قالوا ان الله عالم ولا يقولون سميع بصير على غير معنى عالم وكذلك قول النصارى وقالت الجهمية ان الله عز وجل لا علم له ولا قدرة ولا سمع ولا بصر وانما قصدوا الى تعطيل التوحيد والتكذيب فقالوا سميع بصير لفظا ولم يحصلوا تحت قولهم معنى ولولا انهم خافوا السيف لافصحوا ان الله غير سميع ولا بصير ولا عالم ولكن خوف السيف منعهم من اظهار كفرهم وكشف زندقتهم وهذا قول المعتزلة والجهال قال وزعم شيخ منهم مقدم عندهم ان علم الله هو الله سبحانه وان الله علم فنفى العلم من حيث اوهم انه يثبته حتى الزم ان يقول يا علم اغفر لي اذا كان علم الله هو الله وكان الله على قياسه علما وقدرة وهو ابو الهذيل تعالى الله عز وجل عما يقولون علوا كبيرا # ومن سألنا فقال تقولون ان لله عز وجل وجها قيل له نقول ذلك خلافا لما قاله المبتدعون وقد دل على صحة ذلك قوله سبحانه وتعالى ^ ويبقى وجه ربك ذو الجلال والاكرام ^ وان سألنا فقال تقولون ان لله عز وجل يدين قيل له نعم نقول ذلك لقوله سبحانه ^ يد الله فوق ايديهم ^ وروى عن النبي صلى الله عليه وسلم خلق آدم بيده وغرس شجرة طوبى بيده وقال سبحانه وتعالى ^ بل يده مبسوطتان ^ وجاء عن النبي صلى الله عليه وسلم انه قال كلتا يديه يمين وقال سبحانه ^ لاخذنا منه باليمين ^ وليس يجوز في لسان العرب ولا في عادة اهل الخطاب ان يقول القائل عملت كذا وكذا بيدي وهو يعني به النعمة واذا كان الله خاطب العرب بلغتها وما تجده مفهوما في كلامها ومعقولا في خطابها ولا يجوز ان يقول القائل لي عليه يدين يعني به نعمتين ومن دافعنا عن استعمال اللغة ولم يرجع الى اهل اللسان فيها ودفع ذلك ان تكون اليد بمعنى النعمة اذ كان لا يمكنه ان يتعلق في ان اليد نعمة الى من جهة اللغة فاذا دفع اللغة لزم ان لا يحتج بها وان لا يقرأ القرآن ولا يثبت اليد نعمة من قبلها لانه ان رجع في تفسير قوله ^ بيدي ^ يعنى نعمتي الى الاجماع فليس المسلمون على ما ادعاه من ذلك متفقين وان رجع الى اللغة ان يقول معنى نعمتي ان يقول القائل بيدي نعمتي وان لجأ الى وجه ثالث سألناه عنه ولن يجد الى ذلك سبيلا # ويقال لاهل البدع لم زعمتم ان معنى قوله ^ بيدى ^ نعمتي ازعمتم ذلك اجماعا او لغة فلا تجدون ذلك في اجماع ولا في لغة فان قالوا قلنا ذلك من القياس قيل لهم من اين وجدتم في القياس ان قول الله عز وجل ^ خلقت بيدي ^ لا يكون معناه الا نعمتي ومن اين يمكن ان يعلم العقل ان يفسر لفظه كذا وكذا مع انا رأينا الله عز وجل قد قال في كتابه الناطق على لسان نبيه ^ وما ارسلنا من رسول الا بلسان قومه ^ وقال سبحانه ^ افلا يتدبورن القرآن ^ ولولا ان القرآن بلسان العرب ما جاز ان تتدبره ولا ان تعرف العرب معانيه اذا سمعته فلما كان من لا يحسن كلام العرب لا يحسنه وانما يعرفه العرب اذا سمعوه علم انهم علموه لانه بلسانهم نزل # قال وقد اعتل معتل بقول الله عز وجل ^ والسماء بنيناها بأيد ^ قال الايدي القوة فوجب ان يكون معنى قوله ^ بيدي ^ أي بقدرتي قيل لهم هذا التأويل فاسد من وجوه # احدهما ان الايد ليس بجمع اليد لان جمع يد ايدي وجمع اليد التي هي نعمة ايادي والله عز وجل لم يقل بأيدي ولا قال بأيادي وانما قال ^ لما خلقت بيدي ^ فبطل ان يكون معنى قوله ^ بيدي ^ معنى قوله ^ بنيناها بأيد ^ # وايضا فول اراد القوة لكان معنى ذلك بقدرتي وهذا ناقض لقول مخالفينا ومجانب لمذاهبهم لانهم لا يثبتون قدرة الله عز وجل فكيف يثبتون قدرتين # وايضا فلو كان الله عز وجل عنى بقوله ^ لما خلقت بيدي ^ القدرة لم يكن لادم على ابليس في ذلك مزية والله عز وجل اراد ان يرى فضل آدم عليه السلام اذ خلقه بيديه دونه فلو كان خالقا لابليس بيده كما خلق آدم بيده لم يكن لتفضيله عليه بذلك وجه وكان ابليس يقول محتجا على ربه عز وجل فقد خلقتني بيديك كما خلقت آدم بها فلما اراد الله تفضيله عليه بذلك قال له موبخا على استكباره على آدم ان يسجد له ^ ما منعك ان تسجد لما خلقت بيدي استكبرت ام كنت من العالين ^ فدل ذلك على انه ليس معنى الاية القدرة كان الله عز وجل قد خلق الاشياء جميعها بقدرته وانه انما اراد اثبات يدين لم يشارك ابليس لآدم في انه خلق بهما قال وليس يخلو قول الله عز وجل ^ لما خلقت بيدي ^ أن يكون يعني بذلك إثبات يدين نعمتين أو يكون معنى ذلك إثبات يدين جارحتين أ يكون معنى ذلك إثبات يدين قدرتين أو يكون معناه ليسا نعمتين ولا جارحتين ولا قدرتين ولا يوصفان إلا كما وصف اله ولا يجوز أن يكون معنى ذلك نعمتين لأنه لا يجوز أن يقول القائل عملت بيدي وهو يعني نعمتي ولا يجوز أن يعني عندنا ولا عند خصومنا جارحتين ولا يجوز عند خصومنا أن يعني قدرتين لأنهم لا يثبتون قدرة واحدة فكيف يثبتون قدرتين وإذا فسدت الأقسام الثلاثة صح القسم الرابع وهو أن معنى قوله عز وجل بيدي ^ إثبات يدين ليستا قدرتين ولا نعمتين ولا جارحتين ولا يوصفان إلا أن يقال إنهما يدان ليست كالأيدي خارجا عن سائر الوجوه الثلاثة التي سلفت # وأيضا قالوا فلو كان معنى قوله بيدي نعمتي لكان لا فضيلة لآدم عليه السلام على إبليس في ذلك على مذاهب مخالفينا لأن الله قد إبتدأ إبليس بنعمة على قولهم كما إبتدأ بذلك لآدم فليس تخلو النعمتان أن تكونا هما بدن آدم أو تكونا عرضين خلقا في آدم فإن كان عني بذلك بدن آدم فالأبدان عند مخالفينا من المعتزلة جنس واحد وإذا كان الأبدان عندهم جنسا واحدا فقد حصل في جسد إبليس على مذاهبهم من النعمة ما حصل في جسد آدم وكذلك إن كان عنى عرضين فليس من عرض فعله في بدن آدم من كون أو حياة أو قوة أو غير ذلك إلا وقد فعل من جنسه عندهم في بدن إبليس فهذا لا يوجب الأفضلية لآدم على إبليس في ذلك والله عز وجل إنما احتج على إبليس بذلك ليد له أن لآدم في ذلك الفضيلة فدل ما قلناه على أن الله عز وجل قال ^ خلقت بيدي ^ لم يعن نعمتي # ويقال لهم ما أنكرتم أن يكون الله عز وجل عني بقوله ^ يدي ^ يدين ليستا نعمتين فإذا قالوا لأن اليدين إذا لم تكن نعمة لم تكن إلا جارحة قيل لهم ولم قضيتم أن اليد إذا لم تكن نعمة لم تكن إلا جارحة فإن قالوا رجعنا إلى الشاهد وإلى ما نجد فيما بيننا مخلوقا فوجدنا ذلك إذا لم يكن نعمة في الشاهد لم يكن إلا جارحة قيل لهم إن كان رجوعكم إلى الشاهد وعليه عملتم وبه قضيتم على الله عز وجل فكذلك لم تجدوا حيا من الخلق إلا جسما لحما ودما فاقضوا بذلك على ربكم تعالى وإلا كنتم لقولكم تاركين ولاإعتلالكم ناقصين وإن أثبتم حيا لا كالأحياء فلم أنكرتم أن تكون اليدان التي اخبر الله عنهما يدين ليستا جارحتين ولا نعمتين ولا كالأيدي وكذلك يقال لم تجدوا مدبرا حكيما إلا إنسانا وأثبتم الباري مدبرا حكيما ليس كالإنسان وخالفتم الشاهد فقد نقضتم إعتلالكم فلا تمنعوا من إثبات يدين ليستا نعمتين ولا جارحتين ولا كالأيدي من أجل أن ذلك خلاف الشاهد # فإن قالوا فإذا أثبتم لله يدين لقوله سبحانه ^ لما خلقت بيدي ^ فلم لا أثبتم له أيدي لقوله سبحانه ^ ما عملت أيدينا ^ قيل له قد أجمع على بطلان قول من قال ذلك فوجب ان يكون الله عز وجل ذكر أيدي ورجع إلى إثبات يدين لأن الدليل قد دل على صحة الإجماع وإذا كان الإجماع صحيحا وجب أن يرجع من قوله ^ أيدي ^ إلى يدين لأن القرآن على طاهره ولايزول عن ظاهره إلا بحجة فوجدنا حجة أولنا بها ذكر الأيدي على الظاهر إلى ظاهر آخر ووجب أن يكون الظاهر الآخر على حقيقة لا يزول عنه إلا بحجة # فإن قال قائل إذا ذكر الله الأيدي وأراد يدين فما أنكرتم أن يكون ذكر الأيدي ويريد يدا واحدة قيل له ذكر الله عز وجل أيدي وأراد يدين لأنهم أجمعوا على بطلان قول من قال أيدي كثيرة وقول من قال يد واحدة فقلنا يدان لأن القرآن على ظاهره إلا أن تقوم حجة يكون على خلاف ظاهره # فإن قال قائل ما أنكرتم أن يكون قوله ^ مما عملت أيدينا ^ على المجاز قيل له حكم كلام الله على ظاهره وحقيقتة ولا يخرج الشيء عن ظاهره إلى المجاز إلا بحجة ألا ترون أنه إذا كان ظاهر الكلام عموم فإذا ورد بلفظ العموم والمراد به الخصوص فليس على حقيقة الظاهر وليس يجوز أن يعدل بما ظاهره العموم بغير حجة فكذلك قوله عز وجل ^ خلقت بيدي ^ على ظاهره من إثبات الأيدي ولا يجوز أن يعدل به عن ظاهره الأيدي إلى ما ادعاه خصومنا بغير حجة فلو كان ذلك جائزا لجاز لمدع أن يدعي أن ما ظاهره العموم فهو على الخصوص وما ظاهره الخصوص فهو على العموم بغير حجة وإذا لم يحز هذا لمدعيه بغير برهان لم يجز لكم ما ادعيتموه وأنه محال أن يكون مجازا بغير حجة بل واجب أن يكون ^ لما خلقت بيدي ^ إثبات يدين لله عز وجل في غير نعمتين إذا كانت النعمتان لا يجوز عند أهل اللسان أن يقول قائلهم فعلت بيدي وهو يعني نعمتي قلت وهذا القول الذي ذكره الأشعري في الإبانة ونصرة ذكره في كتاب المقالات الكبير الذي فيه مقالات الإسلاميين ومقالات الطوائف غير الإسلاميين وكتاب مقالات الإسلاميين واختلاف المصلين أنه قول جملة أصحاب الحديث وأهل السنة فقال بعد أن ذكر مقالات الشيع ثم الخوارج ثم المعتزلة ثم المجسمة ثم الجهمية ثم الضرارية ثم البكرية ثم قوم من النساك ثم قال هذه حكاية قول جملة أصحاب الحديث وأهل السنة جملة ما عليه أصحاب الحديث وأهل السنة الإقرار بالله وملائكته وكتبه ورسله وما جاء من عند الله وما رواه الثقاة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم # لا يردون وصل وليس بداية قوه جديده من ذلك شيئا والله تعالى إله واحد فرد صمد لا إله غيره لم يتخذ صاحبة ولا ولدا وأن محمدا عبده ورسوله وأن الجنة حق والنار حق وأن الساعة آتية لا ريب فيها وأن الله يبعث من في القبور وأن الله على عرشه كما قال ^ الرحمن على العرش استوى ^ وأن له يدين بلا كيف كما قال ^ خلقت بيدي ^ وكما قال ^ بل يداه مبسوطتان ^ وأن له عينين بلا كيف كما قال ^ تجري بأعيننا ^ وأن له وجها كما قال ^ ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام ^ وأن اسماء الله لا يقال أنها غير الله كما قالت المعتزلة والخوارج وأقروا أن الله علما كما قال ^ أنزله بعلمه ^ وكما قال ^ وما تحمل من أنثى ولا تضع إلا بعلمه ^ وأثبتوا السمع والبصر ولم ينفوا ذلك عن الله كما نفته المعتزلة وأثبتوا لله القوة كما قال ^ أولم يروا أن الله الذي خلقهم هو أشد منهم قوة ^ # وقالوا إنه لا يكون في الأرض من خير ولا شر إلا ما شاء الله وأن الأشياء تكون بمشيئة الله كما قال الله تعالى ^ وما تشاؤن إلا أن يشاء الله ^ وكما قال المسلمون ما شاء كان وما لم يشأ لم يكن وقالوا إن أحدا لا يستطيع أن يفعل شيئا قبل أن يفعله أو يكون أحد يقدر أن يخرج عن علم الله أو وأن يفعل شيئا علم الله أنه لا يفعله وأقروا أنه لا خالق إلا الله وأن أعمال العباد يخلقها الله وأن العباد لا يقدرون أن يخلقوا شيئا # وأن الله وفق المؤمنين لطاعته وخذل الكافرين ولطف لهم ونظر لهم وأصلحهم وهداهم ولم يلطف بالكافرين ولا أصلحهم ولا هداهم ولو أصلحهم لكانوا صالحين ولو هداهم لكانوا مهتدين وأن الله يقدر أن يصلح الكافرين ويلطف لهم حتى يكونوا مؤمنين ولكنه أراد أن يكونوا كافرين كما علمهم وخذلهم ولم يصلحهم وطبع على قلوبهم وأن الخير والشر بقضاء الله وقدره ويؤمنون بقضاء الله قدرة خيره وشره حلوه ومره ويؤمنون أنهم لا يملكون لأنفسهم نفعا ولا ضرا إلا ما شاء الله كما قال ويلجئون أمرهم إلى الله ويثبتون الحاجة إلى الله في كل وقت والفقر إلى الله في كل حال # ويقولون أن القرآن كلام الله غير مخلوق والكلام في الوقف واللفظ من قال باللفظ أو بالوقف فهو مبتدع عندهم لا يقال اللفظ بالقرآن مخلوق ولا يقال غير مخلوق ويقولون إن الله يرى بالإبصار يوم القيامة كما يرى القمر ليلة البدر يراه المؤمنون ولا يراه الكافرون لأنهم عن الله محجوبون قال الله تعالى ^ وأن موسى سأل الله عز وجل الرؤية كلا إنهم عن ربهم يومئذ لمحجبون في الدنيا وأن الله تعالى تجلى للجبل فجعله دكا فأعلمه بذلك أنه لا يراه في الدنيا بل يراه في الآخرة ولا يكفرون أحدا من أهل القبلة بذنب يرتكبه كنحو الزنا والسرقة وما أشبه ذلك من الكبائر وهم بما معهم من الأيمان مؤمنين وأن ارتكبوا الكبائر والإيمان عندهم هو الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله وبالقدر خيره وشره حلوه ومره وان ما اخطأهم لم يكن ليصيبهم وان ما اصابهم لم يكن ليخطئهم والاسلام هو ان تشهد ان لا اله الا الله على ما جاء في الحديث والاسلام عندهم غير الايمان ويقرون بان الله مقلب القلوب ويقرون بشفاعة رسول الله صلى الله عليه وسلم وانها لاهل الكبائر من امته وبعذاب القبر وان الحوض حق والصراط حق والبعث بعد الموت حق والمحاسبة من الله للعباد حق والوقوف بين يدي الله حق ويقرون بان الايمان قول وعمل يزيد وينقص ولا يقولون مخلوق ولا غير مخلوق ويقولون اسماء الله هي الله ولا يشهدون على احد من اهل الكبائر بالنار ولا يحكمون بالجنة لاحد من الموحدين حتى يكون الله ينزلهم حيث شاء ويقولون امرهم الى الله ان شاء عذبهم وان شاء غفر لهم ويؤمنون بأن الله يخرج قوما من الموحدين من النار على ما جاءت به الروايات عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وينكرون الجدل والمراء في الدين والخصومة في القدر والمناظرة فيما يتناظر فيه اهل الجدل ويتنازعون فيه من دينهم بالتسليم للروايات الصحيحة ولما جاءت به الآثار التي رواها الثقاة عدلا عن عدل حتى ينتهي ذلك الى رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا يقولون كيف ولا لم لان ذلك بدعة ويقولون بأن الله لم يأمر بالشر بل نهى عنه وامرنا بالخير ولم يرض بالشر وان كان مريدا له ويعرفون حق السلف الذين اختارهم الله لصحبة نبيه صلى الله عليه وسلم ويأخذون بفضائلهم ويمسكون عما شجر بينهم صغيرهم وكبيرهم ويقدمون ابا بكر ثم عمر ثم عثمان ثم علي رضي الله عنهم اجمعين ويقرون انهم الخلفاء الراشدون المهديون افضل الناس كلهم بعد النبي صلى الله عليه وسلم ويصدقون بالاحاديث التي جاءت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ان الله ينزل الى سماء الدنيا فيقول هل مستغفر كما جاء في الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم # ويأخذون بالكتاب والسنة كما قال الله تعالى ^ فإن تنازعتم في شيء فردوه الى الله والرسول ^ ويرون اتباع من سلف من ائمة الدين وان لا يبتدعوا في دينهم ما لم يأذن به الله ويقرون ان الله يجيء يوم القيامة كما قال ^ وجاء ربك والملك صفا صفا ^ وان الله يقرب من خلقه كيف شاء كما قال ^ ونحن اقرب اليه من حبل الوريد ^ ويرون العيد والجمعة والجماعة خلف كل امام بر وفاجر ويثبتون المسح على الخفين سنة ويرونه في الحضر والسفر ويثبتون فرض الجهاد للمشركين منذ بعث نبيه صلى الله عليه وسلم الى آخر عصابة تقاتل الدجال وبعد ذلك ويرون الدعاء لائمة المسلمين بالصلاح وان لا يخرجوا عليهم بالسيف وان لا يقاتلوا في الفتنة ويصدقون بخروج الدجال وان عبسى بن مريم يقتله ويؤمنون بمنكر ونكير والمعراج والرؤيا في المنام وان الدعاء لموتى المسلمين والصدقة عنهم بعد موتهم تصل اليهم ويصدقون بأن في الدنيا سحرة وان الساحر كافر كما قال الله وان السحر كائن موجود في الدنيا ويرون الصلاة على كل من مات من اهل القبلة مؤمنهم وفاجرهم وموارثتهم # ويقرون ان الجنة والنار مخلوقتان وان من مات مات بأجله وكذلك من قتل قتل بأجله وان الارزاق من قبل الله يرزقها عباده حلالا كانت او حراما وان الشيطان يوسوس للانسان ويشككه ويخبطه وان الصالحين قد يجوز ان يخصهم الله بآيات تظهر عليهم وان السنة لا تنسخ بالقرآن وان الاطفال امرهم الى الله ان شاء عذبهم وان شاء فعل بهم ما اراد وان الله عالم ما العباد عاملون وكتب ان ذلك يكون وان الامر بيد الله ويرون الصبر على حكم الله والاخذ بما امر الله والانتهاء عما نهى الله عنه واخلاص العمل والنصيحة لجماعة المسلمين ويدينون بعبادة الله في العابدين واجتناب الكبائر والزنا وقول الزور والعصبية والفخر والكبر والازراء على الناس والعجب ويرون مجانبة كل داع الى بدعة والتشاغل بقراءة القرآن وكتابة الآثار والنظر في الفقه مع التواضع والاستكانة وحسن الخلق وبذل المعروف وكف الاذى وترك الغيبة والنميمة والسعاية وتفقد المأكل والمشرب فهذه جملة ما يأمرون به ويستعملونه ويرونه قال وبكل ما ذكرنا من قولهم نقول واليه نذهب وما توفيقنا الا بالله وهو حسبنا وبه نستعين وعليه نتوكل واليه المصير # ثم قال فأما اصحاب عبد الله بن سعيد القطان وهو ابن كلاب فانهم يقولون بأكثر مما ذكرناه عن اهل السنة ويثبتون ان الباري تعالى لم يزل حيا عالما قادرا سميعا بصيرا عزيزا عظيما جليلا كبيرا كريما مريدا متكلما جوادا ويثبتون العلم والقدرة والحياة والسمع والبصر والعظمة والجلال والكبرياء والارادة والكلام صفات لله تعالى ويقولون اسماء الله وصفاته لا يقال هي غيره ولا يقال ان علمه غيره كما قالت الجهمية ولا يقال ان علمه هو هو كما قال بعض المعتزلة وكذلك قولهم في سائر الصفات ولا يقولون العلم هو القدرة ولا يقولون غير القدرة ويزعمون ان الصفات قائمة بالله وان الله لم يزل راضيا عمن يعلم انه يموت مؤمنا ساخطا على من يعلم انه يموت كافرا وكذلك قوله في الولاية والعداوة والمحبة وكان يزعم ان القرآن كلام الله غير مخلوق وقوله في القدر كما حكينا عن اهل السنة والحديث وكذلك قوله في اهل الكبائر وكذلك قوله في رؤية الله بالابصار وكان يزعم ان الباري لم يزل ولا مكان ولا زمان قبل الخلق وانه على ما لم يزل وانه مستو على عرشه كما قال وانه فوق كل شيء تعالى |
# وقال ايضا ابو الحسن الاشعري في باب اختلافهم في الباري هل هو في مكان دون مكان ام لافي مكان ام في كل مكان وهل تحمله الحملة او تحمل العرش وهل هم ثمانية املاك ام ثمانية اصناف من الملائكة اختلفوا في ذلك على سبع عشرة مقالة قد ذكرنا قول من امتنع من ذلك وقال انه في كل مكان حال وقول من قال لا نهاية له وان هاتين الفرقتين انكرتا القول انه في مكان دون مكان # قلت وكان قد ذكرنا في شرح اختلاف الناس في التجسيم فقال واختلفوا في مقدار الباري بعد ان جعلوه جسما فقال قائلون هو جسم وهو في كل مكان وفاضل عن جميع الاماكن وهو مع ذلك متناهي غير ان مساحته اكثر من مساحة العالم لانه اكبر من كل شيء وقال بعضهم ليس لمساحة الباري نهاية ولا غاية وانه ذاهب في الجهات الست اليمين والشمال والامام والخلف والفوق والتحت قالوا وما كان كذلك لا يقع عليه اسم جسم ولا طويل ولا عريض ولا عميق وليس بذي حدود ولا هيئة قال وقال قوم ان معبودهم هو الفضاء وهو جسم تحل الاشياء فيه ليس بذي غاية ولا نهاية فهاتان هم الفرقتان قال وقال قائلون هو جسم خارج عن جميع صفات الجسم ليس بطويل ولا عريض ولا عميق ولا يوصف بلون ولا طعم ولا مجسة ولا شيء من صفات الاجسام وانه ليس في الاشياء ولا على العرش الا على معنى انه فوقه غير مماس له وانه فوق الاشياء وفوق العرش ليس بينه وبين الاشياء اكثر من انه فوقها قال وقال هشام بن الحكم ان ربه في مكان دون مكان وان مكانه هو العرش وانه مماس للعرش وان العرش قد حواه وحده وقال بعض اصحابه ان الباري قد ملاء العرش وانه مماس له
# وقال من ينتحل الحديث ان العرش لم يمتلىء به وانه يقعد نبيه عليه السلام معه على العرش قال وقال اهل السنة واصحاب الحديث ليس بجسم ولا يشبه الاشياء الا انه على العرش كما قال ^ الرحمن على العرش استوى ^ ولا نتقدم بين يدي الله في القول بل نقول استوى بلا كيف وان له وجها كما قال ^ ويبقى وجه ربك ذو الجلال والاكرام ^ وان له يدين كما قال ^ خلقت بيدي ^ وان له عينين كما قال ^ تجري باعيننا ^ وانه يجيء يوم القيامة هو وملائكته كما قال ^ وجاء ربك والملك صفا صفا ^ وانه ينزل الى سماء الدنيا كما جاء في الحديث ولم يقولوا شيئا الا ما وجدوه في الكتاب او جاءت به الرواية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم # قال وقالت المعتزلة ان الله استوى على عرشه بمعنى استولى وقال بعض الناس الاستواء القعود والتمكن قال واختلف الناس في حملة العرش ما الذي تحمل فقال قائلون الحملة تحمل الباري وانه اذا غضب ثقل على كواهلهم واذا رضي خف فيتبينون غضبه من رضاه وان العرش له اطيط اذا ثقل عليه كاطيط الرحل وقال بعضهم ليس يثقل الباري ولا يخف ولا تحمله الحملة ولكن العرش هو الذي يخف ويثقل ويحمله الحملة وقال بعضهم الحملة ثمانية املاك وقال بعضهم ثمانية اصناف قال وقال قائلون انه على العرش مباين منه لا بعزلة واشغال لمكان غيره بل بينونة ليس على العزلة والبينونة من صفات الذات قال واختلفت المعتزلة في المكان فقال قائلون ان الله بكل مكان وقال قائلون الباري لافي مكان بل هو على ما لم يزل عليه وقال قائلون الباري في كل مكان بمعنى اه حافظ للاماكن وذاته مع ذلك موجودة بكل مكان # قلت وهذا الذي ذكره ابو الحسن في كتاب الابانة هو الذي يذكره من ينقل مذهبه جملة ويرد بذلك على الطاعنين فيه كما ذكر ذلك الحافظ ابو بكر البيهقي وابو القاسم ابن عساكر في كتاب تبيين كذب المفتري فيما ينسب الى الشيخ ابي الحسن الاشعري # والذي ذكره في كتاب المقالات هو الذي ذكره ابو بكر ابن فورك في كتاب مقالات ابن كلاب فقال الفصل الاول في ذكر ما حكى شيخنا ابو الحسن في كتاب المقالات من جمل مذاهب اصحاب الحديث وقواعدهم وما ابان في آخره انه هو يقول بجميع ذلك وان ابا محمد عبد الله ابن سعيد يقول بذلك وبأكثر منه # وهكذا ذكر القاضي ابو بكر ابن الباقلاني في عامة كتبه مثل التمهيد والابانة وكتابه الذي سماه كتاب الرد على من نسب الى الاشعري خلاف قوله بعد فصول ذكرها قال وكذلك قولنا في جميع المروي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في صفات الله تعالى اذا ثبتت بذلك الرواية من اثبات اليدين اللتين نطق بهما القرآن والوجه والعينين قال تعالى ^ ويبقى وجه ربك ذو الجلال والاكرام ^ وقال تعالى ^ كل شيء هالك الا وجهه ^ وقال في قصة ابليس ^ من منعك ان تسجد لما خلقت بيدي ^ وقال ^ بل يداه مبسوطتان ^ وقال ^ تجري بأعيننا ^ قال وروي في الحديث من رواية ابن عمر ان النبي صلى الله عليه وسلم لما ذكر الدجال قال انه اعور وان ربكم ليس بأعور فأثبت له العينين قال وهذا حديث غير مختلف في صحته عند العلماء بالحديث وهو في صحيح البخاري وقال عليه السلام فيما يروى من الاخبار المشهورة وكلتا يديه يمين ونقول انه تعالى يأتي يوم القيامة في ظلل من الغمام والملائكة كما نطق بذلك القرآن وانه ينزل الى سماء الدنيا فيقول هل من سائل فيعطى او مستغفر فيغفر له الحديث وانه عز وجل مستو على عرشه كما قال ^ الرحمن على العرش استوى ^ قال قد بينا دين الائمة واهل السنة ان هذه الصفات تمر كما جاءت بغير تكييف ولا تحديد ولا تجنيس ولا تصوير كما روي عن ابن شهاب وغيره وروى الثقاة عن مالك ان سائلا سأله عن قوله ^ الرحمن على العرش استوى ^ فقال الاستواء غير مجهول والكيف غير معقول والايمان به واجب والسؤال عنه بدعة قال فمن تجاوز هذا المروي من الاخبار عن التابعين ومن بعدهم من السلف الصالحين وائمة الحديث فقد تعدى وضل وابتدع في الدين ما ليس منه وذكر باقي الكتاب وهذا لفظه # فاذا كان قول ابن كلاب والاشعري وائمة اصحابه وهو الذي ذكروا انه اتفق عليه سلف الامة واهل السنة ان الله فوق العرش وان له وجها ويدين وتقرير ما ورد في النصوص الدالة على انه فوق العرش وان تأويل ^ استوى ^ بمعنى استولى هو تأويل المبطلين ونحو ذلك علم ان هذا الرازي ونحوه هم مخالفون لائمتهم في ذلك وان الذي نصره ليس هو قول ابن كلاب والاشعري وائمة اصحابه وانما هو صريح قول الجهمية والمعتزلة ونحوهم وان كان قد قاله بعض متأخري الاشعرية كأبي المعالي ونحوه # وكذلك نقل الناس مذهبهم قال الامام ابو بكر محمد بن الحسن الخضرمي القيرواني الذي له الرسالة التي سماها ب رسالة الايماء الى مسألة الاستواء لما ذكر اختلاف المتأخرين في الاستواء قول الطبري يعني ابا جعفر صاحب التفسير الكبير وابي عبد الله محمد بن ابي زيد والقاضي عبد الوهاب وجماعة من شيوخ الحديث والفقه وهو ظاهر بعض كتب القاضي ابي بكر وابي الحسن يعني الاشعري وحكاه عنه اعني القاضي ابي بكر القاضي عبد الوهاب نصا وهو انه سبحانه مستو على العرش بذاته واطلقوا في بعض الاماكن فوق عرشه قال الامام ابو بكر وهو الصحيح الذي اقول به من غير تحديد ولا تمكين في مكان ولا كون فيه ولا مماسه قال أبوعبدالله القرطبي في كتاب شرح الاسماء الحسنى هذا قول القاضي ابي بكر في كتاب تمهيد الاوائل له وقاله الاستاذ ابو بكر ابن فورك في شرح اوائل الادلة له وهو قول ابي عمر بن عبد البر والطلمنكي وغيرهما من الاندلسيين وقول الخطابي في شعار الدين ثم قال بعد ان حكى اربعة عشر قولا واظهر الاقوال ما تظاهرت عليه الآي والاخبار والفضلاء الاخيار ان الله على عرشه كما اخبر في كتابه وعلى لسان نبيه بلا كيف بائن من جميع خلقه وهذا مذهب السلف الصالح فيما نقل عنهم الثقاة وقال هذا القرطبي في تفسيره الكبير قوله تعالى ^ ثم استوى على العرش ^ هذه مسألة الاستواء وللعلماء فيها كلام واجزاء وقد بينا اقوال العلماء فيها في كتاب الاسنى في شرح اسماء الله الحسنى وصفاته العلى وذكرنا فيها هناك اربعة عشر قولا والاكثر من المتقدمين والمتأخرين انه اذا وجب تنزيه الباري عن الجهة والتحيز فمن ضرورة ذلك ولواحقه اللازمة عليه عند عامة العلماء المتقدمين وقادتهم المتأخرين تنزيه الباري عن الجهة فليس بجهة فوق عندهم لانه يلزم في ذلك عندهم متى اختص بجهة ان يكون في مكان او حيز ويلزم على المكان والحيز الحركة والسكون وذلك مستلزم للتحيز والتغير والحدوث هذا قول المتكلمين قال وقد كان السلف الاول رضي الله عنهم لا يقولون بنفي الجهة ولا ينطقون بذلك بل نطقوا هم والكافة باثباتها لله تعالى كما نطق كتابه واخبرت رسله ولم ينكر احد من السلف الصالح انه استوى على عرشه حقيقة وخص العرش بذلك لانه اعظم مخلوقاته وانما جهلوا كيفية الاستواء فانه لا تعلم حقيقته كما قال مالك رحمه الله الاستواء معلوم يعني في اللغة والكيف مجهول والسؤال عن هذا بدعة وكذا قالت ام سلمة رضي الله عنها وهذا القدر كاف قال والاستواء في كلام العرب هو العلو والاستقرار وذكر كلام الجوهري وغيره # واما نقل مذاهب سلف الامة وائمتها وسائر الطوائف فروى ابو بكر البيهقي في كتاب الاسماء والصفات باسناد صحيح عن الاوزاعي قال كنا والتابعون متوافرون نقول ان الله تعالى ذكره فوق سماواته ونؤمن بما وردت السنة به من صفاته وقال ابو بكر النقاش صاحب التفسير والرسالة حدثنا ابو العباس السراج سمعت قتيبة بن سعيد يقول هذا قول الائمة في الاسلام والسنة والجماعة نعرف ربنا في السماء السابعة على عرشه كما قال ^ الرحمن على العرش استوى ^ # وقال الشيخ ابو نصر السجزي في كتاب الابانة له وائمتنا كسفيان الثوري ومالك بن انس وسفيان بن عيينة وحماد بن زيد وحماد بن سلمة وعبد الله بن المبارك وفضيل بن عياض واحمد بن حنبل واسحاق بن ابراهيم الحنظلي متفقون على ان الله سبحانه بذاته فوق العرش وان علمه بكل مكان وانه يرى يوم القيلمه بالابصار وانه ينزل الى سماء الدنيا وانه يغضب ويرضى ويتكلم بما شاء فمن خالف شيئا من ذلك فهو منهم بريء وهم منه براء # وقال الامام ابو عمر الطلمنكي في كتاب الوصول الى معرفة الاصول واجمع المسلمون من اهل السنة على ان معنى ^ وهو معكم اينما كنتم ^ ونحو ذلك من القرآن ان ذلك علمه وان الله فوق السموات بذاته مستو على عرشه كيف شاء وقال ايضا قال اهل السنة في قول الله ^ الرحمن على العرش استوى ^ ان الاستواء من الله على عرشه المجيد على الحقيقة لا على المجاز # وقال ابو عمر بن عبد البر في كتاب التمهيد في شرح الموطأ لما تكلم على حديث النزول قال هذا حديث ثابت من جهة النقل صحيح الاسناد ولا يختلف اهل الحديث في صحته وهو منقول من طرق سوى هذه من اخبار العدول عن النبي صلى الله عليه وسلم وفيه دليل على ان الله في السماء على العرش من فوق سبع سموات كما قالت الجماعة قال وهو من حجتهم على المعتزلة في قولهم ان الله في كل مكان قال والدليل على صحة قول اهل الحق قول الله تعالى وذكر بعض الآيات الى ان قال وهذا اشهر واعرف عند العامة والخاصة من ان يحتاج الى اكثر من حكايته لانه اضطرار لم يوقفهم عليه احد ولا انكره عليهم مسلم # وقال ابو عمر بن عبد البر ايضا اجمع علماء الصحابة والتابعين الذين حمل عنهم التأويل قالوا في تأويل قوله ^ ما يكون من نجوى ثلاثة الا هو رابعهم ولا خمسة الا هو سادسهم ^ هو على العرش وعلمه في كل مكان وما خالفهم في ذلك من يحتج بقوله # وقال ابو عمر بن عبد البر ايضا اهل السنة مجمعون على الاقرار بالصفات الواردة كلها في القرآن والسنة والايمان بها وحملها علىالحقيقة لا على المجاز الا انهم لا يكيفون شيئا من ذلك ولا يحدون فيه صفة محصورة واما اهل البدع الجهمية والمعتزلة كلها والخوارج فكلهم ينكرها ولا يحمل شيئا منها على الحقيقة ويزعم ان من اقر بها مشبه وهم عند من اقر بها نافون للمعبود والحق فيما قاله القائلون بما نطق به كتاب الله وسنة رسوله وهم ائمة الجماعة # وقال الشيخ العارف معمر بن احمد الاصفهاني احببت ان اوصي اصحابي بوصية من السنة وموعظة من الحكمة واجمع ما كان عليه اهل الحديث والاثر واهل المعرفة والتصوف من المتقدمين والمتأخرين فذكر عقيدة قال فيها وان الله استوى على عرشه بلا كيف ولا تشبيه ولا تأويل والاستواء معقول والكيف فيه مجهول والله عز وجل بائن من خلقه والخلق منه بائنون بلا حلول ولا ممازجة ولا اختلاط ولا ملاصقة لانه الفرد البائن من الخلق الواحد الغني عن الخلق وانه سميع بصير عليم خبير متكلم ويرضى ويسخط ويضحك ويعجب ويتجلى لعباده يوم القيامة ضاحكا وينزل كل ليلة الى سماء الدنيا كيف شاء فيقول هل من داع فأستجيب له هل من مستغفر فاغفر له هل من تائب فأتوب عليه حتى يطلع الفجر قال ونزول الرب الى السماء بلا كيف ولا تشبيه ولا تأويل فمن انكر النزول او تأول فهو مبتدع ضال # وقال الحافظ ابو نعيم الاصبهاني في العقيدة المشهورة عنه طريقتنا طريقة المتبعين للكتاب والسنة واجماع الامة فما اعتقدوه اعتقدناه فمما اعتقدوه ان الاحاديث التي ثبتت عن النبي صلى الله عليه وسلم في العرش واستواء الله عليه يقولون بها ويثبتونها من غير تكييف ولا تمثيل ولا تشبيه وان الله بائن من خلقه والخلق بائنون منه لا يحل فيهم ولا يمتزج بهم وهو مستو على عرشه في سمائه دون ارضه # وقال عبد الرحمن بن ابي حاتم الرازي سألت ابي وابا زرعة عن مذاهب اهل السنة في اصول الدين وما ادركنا عليه العلماء في جميع الامصار فقالا ادركنا العلماء في جميع الامصار حجازا وعراقا ومصرا وشاما ويمنا فكان من مذهبهم ان الايمان قول وعمل يزيد وينقص والقرآن كلام الله غير مخلوق بجميع جهاته الى ان قالا وان الله على عرشه بائن من خلقه كما وصف نفسه وعلى لسان رسوله بلا كيف احاط بكل شيء علما وهذا مشهور عن الامام عبد الرحمن بن ابي حاتم من وجوه وقد ذكره عنه الشيخ نصر المقدسي في كتاب الحجة له # وقال نصر في هذا الكتاب ان قال قائل قد ذكرت ما يجب على اهل الاسلام من اتباع كتاب الله وسنة رسوله وما اجمع عليه الائمة العلماء والاخذ بما عليه اهل السنة والجماعة فاذكر مذاهبهم وما اجمعوا عليه من اعتقادهم وما يلزمنا من المصير اليه من اجماعهم فالجواب ان الذي ادركت عليه اهل العلم ومن لقيتهم واخذت عنهم ومن بلغني قوله من غيرهم فذكر جمل اعتقاد اهل السنة وفيه وان الله مستو على عرشه بائن من خلقه كما قال في كتابه احاط بكل شيء علما واحصى كل شيء عددا # ونقل اقوال السلف من القرون الثلاثة ومن نقل اقوالهم في اثبات ان الله فوق العرش يطول ولا يتسع له هذا الموضع ولكن نبهنا عليه # ولم يكن هذا عندهم من جنس مسائل النزاع التي يسوغ فيها الاجتهاد بل ولا كان هذا عندهم من جنس مسائل اهل البدع المشهورين في الامة كالخوارج والشيعة والقدرية والمرجئة بل كان انكار هذا عندهم اعظم من هذا كله وكلامهم في ذلك مشهور متواتر # ولهذا قال الملقب بامام الائمة ابو بكر ابن خزيمة فيما رواه عنه الحاكم من لم يقل ان الله فوق سماواته على عرشه بائن من خلقه وجب ان يستتاب فان تاب والا ضربت عنقه ثم القي على مزبلة لئلا يتأذى بنتن ريحه اهل القبلة ولا اهل الذمة كما روى عبد الله بن احمد بن حنبل في كتاب السنة عن عبد الرحمن بن مهدي الامام المشهور انه قال ليس في اصحاب الاهواء اشر من اصحاب جهم يدورون ان يقولوا ان الله لم يكلم موسى ويدورون ان يقولوا ليس في السماء شيء وان الله ليس على العرش ارى ان يستتابوا فان تابوا والا قتلوا وعن عباد بن العوام الواسطي من طبقة شيوخ الشافعي واحمد قال كلمت بشر المريسي واصحاب بشر فرأيت آخر كلامهم ينتهي الى ان يقولوا ليس في السماء شيء وروى عبد الرحمن بن ابي حاتم في كتاب الرد على الجهمية عن سعيد بن عامر الضبعي من هذه الطبقة وهو امام البصرة اذ ذاك علما ودينا انه ذكر عنده الجهمية فقال هم شر قولا من اليهود والنصارى قد اجتمع اليهود والنصارى واهل الاديان مع المسلمين ان الله على العرش وهم قالوا ليس عليه شيء # وروى عبد الله بن احمد عن سليمان بن حرب الامام المشهور قال سمعت حماد بن زيد وهو الامام الكبير المشهور وذكر هؤلاء الجهمية فقال انما يحاولون ان يقولوا ليس في السماء شيء وعن عاصم بن علي بن عاصم شيخ احمد والبخاري قال ناظرت جهميا فتبين من كلامه انه لا يؤمن ان في السماء ربا وقال احمد بن حنبل ثنا شريح بن يونس سمعت عبد الله بن نافع الصائغ سمعت مالك بن انس يقول الله في السماء وعلمه في كل مكان وروى عبد الله بن احمد وغيره باسانيد صحيحة عن عبد الله بن المبارك انه قيل له بماذا نعرف ربنا قال بأنه فوق سمواته على عرشه بائن من خلقه ولا نقول كما تقول الجهمية انه ها هنا وكذلك قال الامام احمد بن حنبل وغيره # وقال الامام ابو عبد الله البخاري صاحب الجامع الصحيح في كتاب خلق الافعال باب ما ذكر اهل العلم للمعطلة الذين يريدون ان يبدلوا كلام الله قال وقال وهب بن جرير الجهمية الزنادقة انما يريدون انه ليس على العرش استوى قال وقال حماد بن زيد القرآن كلام الله نزل به جبريل ما يجادلون الا انه ليس في السماء اله قال وقال ابن المبارك لا نقول كما قالت الجهمية في الارض ها هنا بل على العرش استوى وقيل له كيف نعرف ربنا قال فوق سمواته على عرشه وقال لرجل منهم اتظنك خال منه فبهت الاخر وقال من قال لا اله الا هو مخلوق فهو كافر وانا لنحكي كلام اليهود والنصارى ولا نستطيع ان نحكي كلام الجهمية قال وقال علي بن عاصم ما الذين قالوا ان لله ولدا اكفر من الذين قالوا ان الله لا يتكلم وقال احذر من المريسي واصحابه فان كلامهم ابو جاد الزندقة وانا كلمت استاذهم جهما فلم يثبت ان في السماء الها قال ابو عبد الله البخارى نظرت في كلام اليهود والنصارى والمجوس فما رأيت قوما اضل في كفرهم منهم واني لاستجهل من لا يكفرهم الا من لا يعرف كفرهم # وقال الفضيل بن عياض اذا قال لك الجهمي انا كافر برب يزول عن مكانه فقل انا اومن برب يفعل ما يشاء وقال وحدث يزيد بن هرون عن الجهمية فقال من زعم ان الرحمن على العرش استوى على خلاف ما تقرر في قلوب العامة فهو جهمي قال وقال حمزة بن ربيعة عن صدقة سمعت سليمان التيمي يقول لو سئلت اين الله تبارك وتعالى لقلت في السماء فإن قال فاين كان عرشه قبل السماء لقلت على الماء فان قال فاين كان عرشه قبل الماء لقلت لا اعلم ورى عن يزيد بن هرون انه ذكر ابا بكر الاصم والمريسي فقال هما والله زنديقان كافران بالرحمن حلال الدم قال وسئل عبد الله بن ادريس عن الصلاة خلف اهل البدع فقال لم يزل في الناس اذا كان فيهم مرضي او عدل فصل خلفه قلت فالجهمية قال لا هذه من المقاتل هؤلاء لا يصلى خلفهم ولا يناكحون وعليهم التوبة قال وقال وكيع بن الجراح الرافضة شر من القدرية والحرورية شر منهما والجهمية شر هذه الاصناف قال البخاري وقال زهير السجستاني سمعت سلام بن ابي مطيع يقول الجهمية كفار # وكلام السلف والائمة في هذا الباب اعظم واكثر من ان يذكر هنا الا بعضه كلهم مطبقون على الذم والرد على من نفى ان يكون الله فوق العرش كلهم متفقون على وصفه بذلك وعلى ذم الجهمية الذين ينكرون ذلك وليس بينهم في ذلك خلاف ولا يقدر احد ان ينقل عن احد من سلف الامة وائمتها في القرون الثلاثة حرفا واحدا يخالف ذلك لم يقولوا شيئا من عبارات النافية ان الله ليس في السماء والله ليس فوق العرش ولا انه لا داخل العالم ولا خارجه ولا ان جميع الامكنة بالنسبة اليه سواء ولا انه في كل مكان او انه لا تجوز الاشارة الحسية اليه ولا نحو ذلك من العبارات التي تطلقها النفاة لان يكون فوق العرش لا نصا ولا ظاهرا بل هم مطبقون متفقون على انه نفسه فوق العرش وعلى ذم من ينكر ذلك بأعظم مما يذم به غيره من اهل البدع مثل القدرية والخوارج والروافض ونحوهم # واذا كان كذلك فليعلم ان الرازي ونحوه من الجاحدين لان يكون الله نفسه فوق العالم هم مخالفون لجميع سلف الامة وائمتها الذين لهم في الامة لسان صدق ومخالفون لعامة من يثبت الصفات من الفقهاء واهل الحديث والصوفية والمتكلمين مثل الكرامية والكلابية والاشعرية الذين هم الاشعري وائمة اصحابه ولكن الذين يوافقونه على ذلك هم المعتزلة والمتفلسفة المنكرون للصفات وطائفة من الاشعرية وهم في المتأخرين منهم اكثر منهم في المتقدمين وكذلك من اتبع هؤلاء من الفقهاء والصوفية وطائفة من اهل الحديث # وحينئذ فيذكر ما يتكلم به على حججه ولا حول ولا قوة الا بالله # قال الرازي الفصل الرابع في اقامة الحجج والبراهيم على ان الله ليس بمختص بحيز ولا جهة بمعنى انه يشار اليه بالحس انه هاهنا او هناك وذلك لانه لم يخل اما ان يكون منقسما او غير منقسم فان كان منقسما كان مركبا وقد تقدم ابطاله وان لم يكن منقسما كان في الصغر والحقارة كالجزء الذي لا يتجزأ وذلك باطل باتفاق كل العقلاء # وايضا فان من ينفي الجوهر الفرد يقول ان كل ما كان مشارا اليه بأنه ها هنا او هناك فلا بد وان يتميز احد جانبيه عن الآخر وذلك يوجب كونه منقسما فثبت بأن القول بأنه مشار اليه بحسب الحس يفضي الى هذين الباطلين فوجب ان يكون القول به باطلا # فان قيل لم لا يجوز ان يقال انه تعالى واحد منزه عن التأليف والتركيب ومع كونه كذلك فانه يكون عظيما والعظيم يجب ان يكون مركبا منقسما وذلك ينافي كونه احدا قلنا سلمنا ان العظيم يجب ان يكون منقسما في الشاهد فلم قلتم انه يجب ان يكون في الغائب كذلك فان قياس الغائب على الشاهد من غير جامع باطل # وايضا لم لا يجوز ان يكون غير منقسم ويكون في غاية الصغر وهو مقتضى انه حقير وذلك على الله محال قلنا الذي لا يمكن ان يشار اليه ولا يحس به يكون كالعدم فيكون اشد حقارة فاذا جاز هذا فلم لا يجوز ذلك # والجواب عن الاول ان نقول انه اذا كان عظيما فلابد ان يكون منقسما وليس هذا من باب قياس الشاهد على الغائب بل هذا بناء على البرهان القطعي وذلك لانا اذا اشرنا الى نقطة لا تنقسم فاما ان يحصل فوقها شيء آخر اولا يحصل فان حصل فوقها شيء آخر كان ذلك الفوقاني مغايرا له اذ لو جاز ان يقال ان هذا المشار اليه عينه لا غيره جاز ان يقال هذا الجزء عين ذلك الجزء فيفضي الى تجويز ان الجبل شيء واحد او جزء لا يتجزأ مع كونه جبلا وذلك شك في البديهيات فثبت انه لابد من التزام التركيب والانقسام واما ان لا يحصل فوقها شيء آخر ولا على يمنها ولا على يسارها ولا من تحتها فحينئذ تكون نقطة غير منقسمة وجزءا لا يتجزأ وذلك باتفاق العقلاء باطل فثبت ان هذا ليس من باب قياس الغائب على الشاهد بل هو مبني على التقسيم الدائر بين النفي والاثبات # قال واعلم ان الحنابلة القائلين بالتركيب والتأليف اسعد حالا من هؤلاء الكرامية وذلك لانهم اعترفوا بكونه مركبا من الاجزاء والابعاض واما هؤلاء الكرامية فزعموا انه مشار اليه بحسب الحس وزعموا انه غير متناه ثم زعموا انه مع ذلك واحد لا يقبل القسمة فلا جرم صار قولهم على خلاف بديهة العقل اما قولهم الذي لا يحس ولا يشار اليه اشد حقارة من الجزء الذي لا يتجزأ قلنا كونه موصوفا بالحقارة انما يلزم لو كان له حيز ومقدار حتى يقال انه اصغر من غيره اما اذا كان منزها عن الحيز والمقدار فلم يحصل بينه وبين غيره مناسبة في الحيز والمقدار فلم يلزم وصفه بالحقارة # يقال هذه الحجة مع كل من قال انه فوق العرش وقال مع ذلك انه غير مؤلف ولا مركب ممن يثبت له معنى الجسم كمن ذكره من الكرامية وممن ينفي عنه معنى الجسم كالكلابية وائمة الاشعرية ومع كل طائفة ممن يوافقها من الفقهاء والصوفية وغيرهم وان كان عامة اهل السنة وائمة الدين واهل الحديث لا يقولون هو جسم ولا يقولون ليس بجسم ولا هو نصها وهي ايضا مع من نقل عنه انه يصفه بالتركيب والتأليف والكلام عليها من وجوه # احدها ان يقال قد تقدم ان لفظ المنقسم لفظ مجمل بحسب الاصطلاحات فالمنقسم في اللغة العربية التي نزل بها القرآن هو ما فصل بعضه عن بعض كقسمة الماء وغيره بين المشتركين كما قال الله تعالى ^ ونبئهم ان الماء قسمة بينهم ^ وقال تعالى ^ لكل باب منهم جزء مقسوم ^ وقال تعالى ^ اهم يقسمون رحمة ربك نحن قسمنا بينهم معيشتهم في الحياة الدنيا ^ وقال النبي صلى الله عليه وسلم انما انا قاسم أقسم بينكم وهذا هو حقيقة المقسوم بدليل صحة نفي اللفظ عما ليس كذلك كما في الحديث الصحيح قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالشفعة فيما لم يقسم وكما في قوله ايما ميراث قسم في الجاهلية فهو على ما قسم وايما مال ادركه الاسلام فهو على قسم الاسلام وكما قال لا تقتسم ورثتي دينارا ولا درهما وتقول الفقهاء العقار اما ان يحتمل القسمة اولا يحتمل القسمة فان كان كالرحى الصغيرة والحانوت الصغير التي لا تحتمل ففي ثبوت الشفعة فيه نزاع مشهور بين الفقهاء وان كان يحتمل القسمة كالارض البيضاء الكبيرة ونحو ذلك ثبتت فيه الشفعة بالاتفاق وكذلك يقولون في باب القسمة ان المال اما ان يحتمل القسمة واما ان لا يحتملها فالذي لا يحتمل القسمة كالعبد الواحد والفرس الواحد وكالجوهرة والاناء الواحد ونحو ذلك # فهذه الباب باب القسمة وما فيه من المسائل كقولهم القسمة هل هي افراز الحقوق وتمييز الانصباء ام هي بيع وقولهم ما لا يمكن قسمته اذا طلب احد الشريكين بيعه ليقسم الثمن هل يجبر الآخر على البيع وقولهم اذا كان في القسمة ضرر على احد الشريكين فهل يجبر الممتنع فيها ونحو ذالك ومن ذلك قولهم في المضربة والغنيمة ونحوها هل يملك الربح او المغنم بالظهور اولا يملك الا بالقسمة وقولهم باب قسم الصدقة والغنائم والفيء وامثال ذلك مما لا يحصيه الا الله انما يريد الخاصة من العلماء والعامة من الناس بلفظ القسمة هنا تفصيل الشيء بعضه عن بعض بحيث يكون هذا في حيز وهذا في حيز منفصل عنه ليتميز احدهما عن الآخر تميزا يمكن به التصرف في احدهما دون الآخر # واذا كان هذا المعنى هو الظاهر في لغة الناس وعاداتهم بلفظ القسمة فقوله بعد ذلك اما ان يكون منقسما او لا يكون يختار في المنازع جانب النفي فان الله ليس بمنقسم وليس هو شيئين او اشياء كل واحد منهما في حيز منفصل عن حيز الآخر كالاعيان المقسومة وما نعلم عاقلا يقول ذلك وما كان منقسما بهذا المعنى فهو اثبات كل منهما قائم بنفسه ولم يقل احد من الناس ان الله او ان خالق العالم هما اثنان متميزان كل منهما قائم بنفسه الا ما يحكي عن بعض الثانوية من قولهم ان اصل العالم النور والظلمة القديمان لكن هؤلاء لا يقولون بتساويهما في الصفات # وايضا فهؤلاء لا يسمون كلا منهما الله او رب العالمين ولا يسمون اثناهما باسم واحد فلم يقل احد من العقلاء ان مسمى الله او رب العالمين هو منقسم الانقسام المعروف في نظر الناس وهو ان يكون عينان لكل منهما حيز منفصل عن حيز الآخر # وايضا فلم يقل احد ان الله كان واحدا ثم انه انفصل وانقسم حتى صار بعضه في حيز فهذا المعنى المعروف من لفظ المنقسم منتف باتفاق العقلاء وهو مناف لان يكون رب العالمين واحدا منافاة ظاهرة ولكن لا يلزم من بطلان هذا بطلان مذهب المنازع الذي يقول ان الله واحد ليس هو اثنين منفصلين كل منهما في حيز منفصل عن حيز الآخر # وقد يريد بعض الناس بلفظ المنقسم ما يمكن الناس فصل بعضه عن بعض وان كان في ذلك فساد تنهى عنه الشريعة كالحيوان الحي والاينة ونحو ذلك فإن اراد بلفظ المنقسم ذلك فلا ريب ان كثيرا من الاجسام ليس منقمسا بهذا الاعتبار فان بني آدم يعجزون عن قسمته فضلا عن ان يقال ان رب العالمين يقدر العباد على قسمته وتفريقه وتمزيقه وهذا واضح # وقد يراد بلفظ المنقسم ما يمكن في قدرة الله قسمته لكن العباد لا يقدرون على قسمته كالجبال وغيرها ومن المعلوم انه لا يجوز ان يقال ان الله يمكن قسمته وانه قادر على ذلك كما لا يجوز ان يقال انه يمكن عدمه او موته او نومه وانه قادر على ذلك فانه واحد لا اله الا هو وهذه القسمة تجعله اثنين منفصلين كل منهما في حيز آخر وهذا ممتنع على الله وذلك ظاهر ولا نزاع بين المسلمين بل بين العقلاء في ذلك وانما تنازع الناس في كثير من الاجسام هل يمكن قسمتها وتفريقها ام لا يمكن كأرواح بني آدم والملائكة بل كالعرش وغيره وقد خالف كثير من الفلاسفة للمسلمين في ان الافلاك تقبل الانقسام الذي هو تفريق لبعض الجسم عن بعض فاما الخالق تعالى فما علمنا احدا منهم يصفه بذلك ولو وصفه واصف بذلك لم يكن ما ذكره الرازي حجة على بطلان قوله كما سنذكره # وان كان غير منقسم لا بالمعنى الاول الذي هو وجود الانقسام المعروف ولا بالمعنى الثاني الذي هو امكان هذا الانقسام فقوله وان لم يكن غير منقسم كان في الصغر بمنزلة الجوهر الفرد ليس بلازم حينئذ فان ما يوصف بأنه واحد من الاجسام كقوله تعالى ^ وان كانت واحدة فلها النصف ^ وقوله ^ ذرني ومن خلقت وحيدا ^ ونحو ذلك جسم واحد ومتحيز واحد وهو في جهة ومع ذلك ليس هو منقسما بالمعنى الاول فان المنقسم بالمعنى الاول لا يكون الا عددا اثنين فصاعدا كالماء اذا اقتسموه وكالاجزاء المقسومة التي لكل باب في جهنم جزء مقسوم واذا كان هذا فيما يقبل القسمة كالانسان والذي يقدر البشر على قسمته وما لا يقبل القسمة اولى بذلك وهذا ظاهر محسوس بديهي لا نزاع فيه فان احدا لم ينازع في ان الجسم العظيم الذي لم يفصل بعضه عن بعض فيجعل في حيزين منفصلين اولا يمكن ذلك فيه اذا وصف بأنه غير منقسم لم يلزم من ذلك ان يكون بقدر الجوهر الفرد بل قد يكون في غاية العظم والكبر # ولا ريب ان الرازي ونحوه ممن يحتج بمثل هذه الحجة لا يفسرون الانقسام بهذا الذي قررناه من فصل بعضه عن بعض بحيث يكون كل بعض حيزين منفصلين او امكان ذلك فيه فان احدا لم يقل ان الله منقسم بهذا الاعتبار ولا يلزم من كونه جسما او متحيزا او فوق العالم او غير ذلك ان يكون منقسما بهذا الاعتبار # وان قال اريد بالمنقسم ان ما في هذه الجهة منه غير ما في هذه الجهة كما نقول ان الشمس منقسمة بمعنى ان حاجبها الايمن غير حاجبها الايسر والفلك منقسم بمعنى ان ناحية القطب الشمالي غير ناحية القطب الجنوبي وهذا هو الذي اراده فهذا مما يتنازع الناس فيه # فيقال له قولك ان كان منقسما كان مركبا وقد تقدم ابطاله تقدم الجواب عن هذا الذي سميته مركبا وتبين انه لا حجة اصلا على امتناع ذلك بل تبين ان احالة ذلك تقتضي ابطال كل موجود ولولا انه احال على ما تقدم لما احلنا عليه وتقدم بيان ما في لفظ التركيب والحيز والافتقار من الاحتمال وان المعنى الذي يقصدونه بذلك يجب ان يتصف به كل موجود سواء كان واجبا او ممكنا وان القول بامتناع ذلك يستلزم السفسطة المحضة وتبين ان كل احد يلزمه ان يقول بمثل هذا المعنى الذي سماه تركيبا حتى الفلاسفة وان هذا المنازع يقول مثل ذلك في تعدد الصفات وانه الزم الفلاسفة مثل ذلك # وقول من يقول من هؤلاء ما يكون منقسما او مركبا بهذا الاعتبار فانه لا يكون واحدا ولا يكون احدا فان الاحد هو الذي لا ينقسم خلاف لما جاء في كتاب الله وسنة رسوله ولغة العرب من تسمية الانسان واحدا كقوله ^ وان كانت واحدة فلها النصف ^ وقوله ^ ذرني ومن خلقت وحيدا ^ ونحو ذلك # وتحرير هذا المقام هو الذي يقطع الشغب والنزاع فان هذه الشبهة هي من اكبر او اكبر اصول المعطلة لصفات الرب بل المعطلة لذاته وهو عند التحقيق من افسد الخيالات ولكن لا حول ولا قوة الا بالله فان الاشراك قد ضل به كثير من الناس قال الخليل ^ واجنبني وبني ان نعبد الاصنام رب انهن اضللن كثيرا من الناس ^ واذا شرح الله صدر العبد للاسلام يتعجب غاية العجب ممن ضل عقله حتى اشرك كما روي ان بعض الناس قال للنبي صلى الله عليه وسلم ما كان لهم عقول يعنى لمشركي قريش فقال النبي صلى الله عليه وسلم كانت لهم عقول امثال الجبال ولكن كادها باريها وروي ان خالد بن الوليد لما هدم العزى وكانت عند عرفات قال يا رسول الله عجبت من ابي ووعقله كان يجيء الى هذه العزى فيسجد لها وينسك لها ويحلق لها رأسه فقال النبي صلى الله عليه وسلم تلك عقول كادها باريها ولهذا يعترف المشركون بالضلال يوم القيامة كما قال تعالى ^ فكبكوا فيها هم والغاون وجنود ابليس اجمعون قالوا وهم فيها يختصمون تالله ان كنا لفي ضلال مبين اذ نسويكم برب العالمين وما اضلنا الا المجرمون ^ قال تعالى عن قوم عاد الذين كانوا من اعظم بني آدم ^ ولقد مكناهم فيما ان مكناكم فيه وجعلنا لهم سمعا وابصارا وافئدة فما اعنى عنهم سمعهم ولا ابصارهم ولا افئدتهم من شيء اذ كانوا بجحدون بآيات الله وحاق بهم ما كان به يستهزؤن ^ # وهذه الشبهة وان تنوعت عباراتها هي التي ذكر الائمة انهااصل كلام الجهمية كما ذكر ذلك الامام احمد حيث قال وكذلك الجهم وشيعته دعوا الناس الى المتشابه من القرآن والحديث فضلوا واضلوا بكلامهم بشرا كثيرا فكان مما بلغنا من امر الجهم عدو الله انه كان من اهل خراسان من اهل الترمذ وكان صاحب خصومات وكلام وكان اكثر كلامه في الله فلقي اناسا من المشركين يقال لهم السمنية فعرفوا الجهم فقالوا له نكلمك فان ظهرت حجتنا عليك دخلت في ديننا وان ظهرت حجتك علينا دخلنا في دينك فكان مما كلموا به الجهم ان قالوا الست تزعم ان لك الها قال جهم نعم فقالوا فهل رأيت الهك قال لا قالوا فهل سمعت كلامه قال لا قالوا افشممت له رائحة قال لا قالوا فوجدت له حسا قال لا قالوا فوجدت له مجسا قال لا قالوا فما يدريك انه اله فتحير الجهم فلم يدر من يعبد اربعين يوما ثم انه استدرك حجة مثل حجة زنادقة النصارى وذلك ان زنادقة النصارى يزعمون ان الروح التي في عيسى هو روح الله من ذات الله فإذا اراد ان يحدث امرا دخل في بعض خلقه فتكلم على لسان خلقه فيأمر بما شاء وينهى عما شاء وهو روح غائب عن الابصار فاستدرك الجهم حجة مثل هذه الحجة فقال للسمني الست تزعم ان فيك روحا قال نعم قال فهل رأيت روحك قال لا قال فهل سمعت كلامه قال لا قال فهل وجدت له حسا او مجسا قال لا قال فكذلك الله لا يرى له وجه ولا يسمع له صوت ولا يشم له رائحة وهو غائب عن الابصار ولا يكون في مكان دون مكان # فهذا الذي حكاه الامام احمد من مناظرة السمنية المشركين للجهم هو كما ذكره اهل المقالات والكلام عنهم انهم لا يقرون من العلوم الا بالحسيات ولكن قد يقول بعض الناس انهم ارادوا بذلك ان مالا يدركه الانسان بحسه فانه لا يعلمه حتى يقولوا عنهم انهم ينكرون المتواترات والمجربات والبديهيات وهذا والله اعلم غلط عليهم # كما غلط هؤلاء في نقل مذهب السوفسطائية فزعموا ان فرقة من الناس تنكر وجود شيء من الحقائق ومن المعلوم ان امة يكون لهم عقل يفارقون به المجانين لا يقولون هذا ولكن قد تقع السفسطة في بعض الأمور يوفي بعض الأحوال وتكون كما فسرها بعض الناس أن السفسطه هي كلمة معربة واصلها يونانية سوفسقيا ومعناها الحكمة المموهة فان لفظ سوفيا يدل في لغتهم على الحكمة ولهذا يقولون فيلاسوف أي محب الحكمة فلما كان من القضايا ما يعلم بالبرهان ومنه ما يثبت بالقضايا المشهورة وبعضها يناظر فيه بالحجج المسلمة وبعضها تتخيله النفس وتشعر به فيحركها وان لم تكن صادقة وهي القضايا الشعرية ومنها ما يكون باطلا لكن يشبه الحق فهذه الحكمة المموهة هي المسماة بالسفسطة عند هؤلاء وقد تكلمنا على هذا في غير هذا الموضع |
| الساعة الآن 01:48 AM. |
Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By
Almuhajir
HêĽм √ 3.2 OPS BY: ! ωαнαм ! © 2011-2012
جميع الحقوق محفوظة لمركز دراسات وأبحاث علوم الجان العالمي