هل يجوز ترك الأكل، والاكتفاء بشرب الماء تداوياً، ولمدة تزيد عن شهر؟

الاقتصار في التداوي على ماء زمزم
رقم الفتوى
22012
تاريخ الفتاوى
5/9/1428 هـ -- 2007-09-17
السؤال
هل يجوز ترك الأكل، والاكتفاء بشرب الماء تداوياً، ولمدة تزيد عن شهر؟

الاجابة
الجواب: الحمد لله رب العالمين وبعد :
فالماء مادة الحياة، وسيّد الشراب، وأحد أركان العالم، فالسماوات خُلِقَت من بخاره، والأرض من زبده، وقد جعل الله منه كل شيء حي.
والإمساك عن الأكل، عدّه أطباء العرب نوع من العلاج لنوع من الأمراض.
ويُروى «الحِميةُ رأس الدواء، والمَعِدةُ بيت الداء، وعوِّدوا كلَّ جسم ما اعتاد».
قال ابن القيم: «هذا الحديث إنما هو من كلام الحارث بن كَلَدة، طبيب العرب، ولا يصح رفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم؛ قاله غير واحد من أئمة الحديث» ا.هـ
ويُروى: «الأزم دواء، والمعدة بيت الداء، وعودّوا كل بدنٍ ما عتاد».
وهذا مروي كسابقه، ليس له إسناد؛ قال الألباني: «وغالب الظن لا يصح» ا.هـ وعدّه ابن القيم من كلام طبيب العرب: الحارث بن كَلَدة» ا.هـ
قال ابن القيم: «والأزم: الإمساك عن الأكل، يعني به الجوع، وهو من أكبر الأدوية في شفاء الأمراض الامتلائية كلها، بحيث أنه أفضل في علاجها من المستفرغات، إذا لم يَخف من كثرة الامتلاء، وهيجان الأخلاط، وحِدَّتها أو غليانها» ا.هـ
قال ابن القيم وهو يُعدّد منافع الماء: «وينفع البارد من عفونة الدم» ا.هـ
قال الألباني: «لقد جوّعت نفسي في أواخر سنة 1379هـ أربعين يوماً متتابعاً، لم أذق في أثنائها طعاماً قط، ولم يدخل جوفي إلا الماء! وذلك طلباً للشفاء من بعض الأدواء، فعوفيت من بعضها دون بعض، وكنت قبل ذلك تداويت عند بعض الأطباء نحو عشر سنوات، دون فائدة ظاهرة، وقد خرجتُ من التجويع المذكور بفائدتين ملموستين:
الأولى: استطاعة الإنسان تحمّل الجوع تلك المدة الطويلة، خلافاً لظن الكثيرين من الناس.
الثانية: أن الجوع يفيد في شفاء الأمراض الامتلائية، كما قال ابن القيم، وقد يُفيد في غيرها أيضاً، كما جرّب كثيرون، ولكنه لا يُفيد في جميع الأمراض، على اختلاف الأجسام، خلافاً لما يُستفاد من كتاب «التطبيب بالصوم» لأحد الكتاب الأوربيين، وفوق كل ذي علمٍ عليم» ا.هـ
وهذا كله في الماء الطبيعي.
أما ماء زمزم، فهو سيِّد المياه وأشرفها، وأجلها قدراً، وأجها إلى النفوس، وأغلاها ثمناً، وأنفسها عند الناس.
وفي قصة أبي ذرt، وقد أقام بين الكعبة وأستارها ثلاثين من بين يوم وليلة، وما له طعام، إلا ماء زمزم؛ قال أبو ذر: «فسَمِنْتُ حتى تكسّر عكن بطنِي، وما وجدتُ على كبدي سخْفة جوع، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنها مباركة، إنها طعام طُعْم...» خرّجه مسلم في صحيحه.
قوله: «حتى تكسّرت عكن بطن» قال النووي: يعني: أنتنت لكثرة السِمَنْ وانطوت.
قوله: «وما وجدت على كبدي سخفة جوع» قال النووي: هي رقة الجوع وضعفه وهزاله» ا.هـ
والمعنى: أنها أشبعته كما يشبع من الطعام، حتى سَمِنَ، ولم يُحسّ بجوعٍ أبداً.
والقصة في «صحيح مسلم» و«مسند أحمد» أنه مكث ثلاثين يوماً يشرب ماء زمزم، بدون طعام؛ والذي ذكره ابن القيم أنه مكث أربعين يوماً، ولعله وهم منه، والمقدّم ما هو مُسندٌ بدليل.
وفي الحديث زيادة: «وشفاء سُقم» رواه البزار وغيره، وصحّحه المنذري؛ يعني: شفاء من الأمراض.
وعن ابن عباس قال: «كنّا نُسمِّيها شبَّاعة -يعني زمزم- وكنا نجدها نعم العون على العيال» رواه الطبراني في «الكبير»، قال المنذري: «موقوف صحيح الإسناد» ا.هـ
وفي حديث جابر بن عبد الله: أن النبيصلى الله عليه وسلم قال: «ماء زمزم لما شُرِب له» خرّجه ابن ماجه وأحمد وغيرهما، وحسّنه ابن القيم وابن حجر.
قال المناوي: «ماء زمزم لما شُرِب له» لأنه سقيا الله وغياثه لولد خليله، فبقي غياثاً لمن بعده، فمن شربه بإخلاص وجد ذلك الغوث، وقد شربه جمع من العلماء لمطالب، فنالوها...» ا.هـ
وقال أيضا: «أي شَرِبَه بنية صادقة، وعزيمة صالحة، وتصديق لما جاء به الشارع» ا.هـ
قال ابن القيم: «وقد جرّبتُ أنا وغيري من الاستشفاء بماء زمزم أموراً عجيبة، واستشفيتُ به من عدة أمراض، فبرأت بإذن الله، وشاهدتُ من يتغذى به الأيام ذواتِ العدد، قريباً من نصف الشهر أو أكثر، ولا يجد جوعاً، ويطوف مع الناس كأحدهم، وأخبرني أنه ربما بقي عليه أربعين يوماً، وكان له قوة يجامع بها أهله، ويصوم، ويطوف مراراً» ا.هـ
وفي العصر الحديث، عام (1400هـ) أُخذت عينات من المصادر الرئيسية لمياه زمزم، بإشراف المهندس/ يحيى حمزة كوشك؛ وتمّ تحليلها في مختبر مصلحة المياه في المنطقة الغربية.
يقول المهندس/ يحيى: «تتميز مياه زمزم بصفة عامة باحتوائها على تركيزات عالية من الكالسيوم والمغنيزيوم والمعادن الأخرى» ا.هـ
ويقول د/ حسان شمسي باشا: «وتعتبر مياه زمزم مياه عسرة [hard water] لغناها بالكالسيوم والمغنيزيوم؛ وقد دلّت الأبحاث العلمية الحديثة: على أن مرض شرايين القلب التاجية «الذبحة الصدرية أو جلطة القلب» ربما يكون أقل حدوثاً في المناطق التي شرب سكانها المياه العسرة» ا.هـ
ويقول د/ لينارد ميرفن، في كتابه [vitamin and minerals ] طبعة (1995م): «لقد شاع استعمال المياه المعدنية لقرون عديدة، كعلاج لعدد من الشكايات، وخاصة آلام الروماتيزم، وبما أن المعلومات الحديثة تشير إلى احتمال وجود علاقة بين تلك الأمراض، واضطراب المعادن، فإن استعمال المياه المعدنية من أجل الحصول على تأثير مُدّرٍ أو مُليّن أو مرمم لنقص المعادن في الجسم يبدو منطقياً» ا.هـ
ويقول د/ محمد ممتاز الجندي: «والمياه المعدنية الصالحة للشرب، تفيد في علاج كثير من الأمراض، وفيها زيادة حموضة المعدة، وعسر الهضم؛ أما المياه المعدنية المعدة للاستحمام، فبعضها يحتوي على البيكروبونات، وتفيد في تحسين الدورة الدموية، وبعضها يحتوي على كبريت، وتفيد في علاج الروماتيزم، والتهاب العضلات» ا.هـ
ويظهر من خلال النقل للنصوص والتجارب والأبحاث، إمكان الاقتصار على شرب الماء بدون طعام، ولمدة شهر، تزيد أو تنقص.
وأنه لا حَرَج في ذلك شرعاً، بل هو نوع علاج، وإذا كان الماء ماء زمزم فهو خير وأطيب.
هذا ما نعلم، وفوق كل ذي علم عليم، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله محمد بن عبد الله، وعلى آله وصحبه أجمعين

http://www.aljmaz.net/index.php?opti...=view&id=22012